بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله نبينا محمدا و آله و صحبه أجمعين.
(المتن)
قال الحافظ -رحمه الله-:
و أجمع القائلون بالأخبار و المؤمنون بالآثار أن رسول الله ﷺ أسري به إلى فوق سبع سماوات ثم إلى سدرة المنتهى، أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسجد بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء بجسده وروحه جميعا ثم عاد من ليلته إلى مكة قبل الصبح.
ومن قال إن الإسراء في ليلة و المعراج في ليلة فقد غلط، ومن قال إنه منام و إنه لم يسرَ بجسده فقد كفر، قال الله سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ وروى قصة الإسراء عن النبي ﷺ أبو ذر و أنس بن مالك و مالك بن صعصعة و جابر بن عبد الله و شداد بن أوس و غيرهم كلها صحاح مقبولة مرضية عند أهل النقل مخرجة في الصحاح.
(الشرح)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين. أما بعد:
أنتقل المؤلف -رحمه الله- من الكلام على القضاء و القدر إلى مبحث الإسراء و المعراج
و الإسراء معناه في اللغة: هو السفر ليلا. و شرعا: هو الإسراء بنبينا محمد ﷺ أو السفر ليلا بنبينا ﷺ على البراق بصحبة جبرائيل من مكة إلى بيت المقدس.
الإسراء في اللغة: السفر ليلا. و أما المراد به شرعا: هنا السفر بنبينا ﷺ بصحبة جبرائيل على البراق ليلا من مكة إلى بيت المقدس.
و أما المعراج: فهو مفعال من العروج وهو صعود نبينا ﷺ ليلا من بيت المقدس إلى السماء بصحبة جبرائيل، أوتي بالمعراج وهي آلة كالسلم صعد ﷺ عليها ثم ومعه جبرائيل حتى وصل إلى السماء، و دخل السماوات انتقل من سماء إلى سماء حتى وصل إلى سدرة المنتهى.
يقول المؤلف -رحمه الله- وأجمع القائمون بالأخبار و المؤمنون بالأثار، أن رسول الله ﷺ أسري به إلى فوق سبع سماوات ثم إلى سدرة المنتهى، أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسجد بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء، المؤلف -رحمه الله- أدمج الإسراء بالمعراج و أن رسول الله ﷺ أسري به إلى فوق، و أسري به أولا من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى فوق، فأدمج المؤلف -رحمه الله- الإسراء بالمعراج، قال: أسري به إلى فوق و هو أسري به أولا من مكة المسجد الحرام إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى فوق سبع سماوات ثم إلى سدرة المنتهى، ثم عاد توضيح المؤلف -رحمه الله- فقال أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى هذا الإسراء مسجد بيت المقدس ثم عرج بهذا التبسيط هذا التبسيط ثم عرج به إلى السماء بجسده و روحه جميعا، ثم عاد من ليلته قبل الصبح، هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص و الذي أجمع عليه أهل السنة و الجماعة المحققون من أهل السنة و الجماعة، وذلك أن النبي ﷺ أسري به في الليل من مكة إلى بيت المقدس، و الله تعالى بين ذلك في القرآن العظيم قال سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ومن أنكر الأسراء كفر لأنه مكذب لله، ومن كذب الله كفر إلا إذا لم يعلم مثل هذا يبين له النص و أن الله أخبر في القرآن أن الله أسرى بنبيه ﷺ ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فأن أصر كفر لأنه كذب الله و من كذب الله كفر من قال: أن محمدا ﷺ لم يسرَ به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فقد كذب الله و من كذب الله كفر.
و أما المعراج فإنه جاء في الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ و هي الصحاح و في غيرها و الإسراء و المعراج كما ذكر المؤلف -رحمه الله- في ليلة واحدة هذا هو الصواب: الإسراء و المعراج كانت في ليلة واحدة أسري به أولا من مكة إلى بيت المقدس وجمع له الأنبياء هناك وصلى بهم إماما قدمه جبرائيل فظهر فضله عليه الصلاة و السلام، ثم عرج به إلى السماء.
و قال بعض العلماء: إن الإسراء في ليلة و المعراج في ليلة و هذا قول ضعيف، و الصواب: أن الإسراء و المعراج في ليلة واحدة، كما قال المؤلف -رحمه الله- أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسجد بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء.
و الصواب أن الإسراء و المعراج بجسده وروحه يقظة لا مناما مرة واحدة هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص.
ومن الأدلة من أقوى الأدلة قول الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا والعبد اسم لمجموع الروح و الجسد فيه و جه الدلالة على أن العبد اسم لمجموع الروح و الجسد، و الصواب أن الإسراء و المعراج في ليلة واحدة و أنه أسري به عليه الصلاة و السلام بجسده وروحه مرة واحدة الإسراء و المعراج كان مرة واحدة ولم يتعدد، وقال بعض العلماء أن الإسراء في ليلة و المعراج في ليلة، وقال آخرون من أهل العلم: أن الإسراء كان بروحه دون جسده وهذا مروي عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، وقال آخرون: من أهل العلم أن الإسراء كان مناما و قال آخرون: من أهل العلم أن الإسراء كان مرارا مرة يقظة و مرة منام و قال آخرون: أن الإسراء كان مرارا مرة قبل الوحي و مرة بعده وهذه كلها أقوال ضعيفة، الصواب القول الأول: أن الإسراء و المعراج في ليلة واحدة و أن الإسراء و المعراج، كان بروحه وجسده عليه الصلاة و السلام و أنه كان يقظة لا مناما و أنه كان مرة واحدة لم يتعدد.
وهناك فرق بين من قال: إن الإسراء كان مناما ومن قال أن الإسراء كان بروحه، فقائلون أن الإسراء كان بروحه قالوا: أن الروح هي التي عرج بها وجسده باقٍ عليه الصلاة و السلام، و لكن عرج بروحه وهذا الاستقلال للروح من خصائص النبي ﷺ و إلا فإن غيره لا تنال روحه الاستقلالية، استقلت الروح و أسري بها عرج بها و أما الذين قالوا: إن الإسراء كان مناما قالوا: إن الروح و الجسد لم يعرج بهما الروح و الجسد باقيان في مكة و لكن الملك ضرب له الأمثال الملك ضرب له الأمثال، يضرب الأمثال للنبي ﷺ فتكون الصورة المعلومة هي الصورة تأخذ شكل الصورة المحسوسة، القائل بأن الإسراء كان بروحه قولهم يختلف عن قول الذين قالوا أن الإسراء كان مناما، الذين قالوا إن الإسراء بروحه قالوا إن الإسراء أن الروح هي التي عرج بها، و هذا استقلت عن الجسد و هذا من خصائص النبي ﷺ، و الذين قالوا: إن الإسراء كان مناما قالوا إن الملك ضرب الأمثال للنبي ﷺ في النوم و رؤيا الأنبياء، منام الأنبياء وحي ، كما قال الله تعالى عن نبيه إبراهيم أنه قال لابنه: قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ وأما الذين قالوا إن الإسراء كان مناما استدلوا بحديث شريك بن أبي نمر في الصحيحين و في غيرهما وفي بعض ألفاظه أنه قال لما ذكر قصة الإسراء قال ثُمَّ استَيقَظتُ وَأَنَا فِي المَسجِدِ الحَرَامِ، استدلوا بهذا اللفظ ثُمَّ استَيقَظتُ قالوا: إن الإسراء كان مناما، و لكن شريك بن أبي نمر غلطه الحفاظ في ألفاظ في حديث الإسراء، ولهذا لما روى الإمام مسلم -رحمه الله- الحديث شريك قال: بعده فزاد ونقص و قدم و أخر يعني شريك بن أبي نمر حصل له أغلاط و أوهام، و إن كان الحديث في الصحيحين، لكن هذه أغلاط و أوهام في بعض الألفاظ، وهذه تكون ولو في الصحيحين يحصل بعض الأغلاط في بعض الأغلاط في بعض الألفاظ هذه من أغلاط و أوهام شريك، قال: ثُمَّ استَيقَظتُ هذا من أغلاطه و في بعضها أنه قال: وَكَانَ ذَلِكَ قَبلَ الوَحيِ هذا من أغلاطه أيضا، و الصواب أنه بعد الوحي الإسراء و المعراج بعد الوحي و بعد النبوة في مكة قبل الهجرة بسنة أو بسنتين أو بثلاث على خلاف.
فهذه أقوال قيل أن الإسراء و المعراج في ليلتين، و قيل إن الإسراء كان بروحه دون جسده، وقيل إن الإسراء كان مناما، وقيل إن الإسراء كان مرارا مرة يقظة ومرة منام، وهذا يفعله بعض ضعفاء الحديث كلما اجتمع عليهم لفظ زادوا مره، فقال بعضهم: مرتين، و بعضهم قال: ثلاث مرات، كلما جاءهم اجتمع عليهم بعض ألفاظ الحديث زادوا مرة.
و الصواب الذي عليه المحققون و الذي تدل عليه النصوص أن الإسراء و المعراج مرة واحدة في ليلة واحدة يقظة لا منام بروحه و جسده، لقول الله تعالى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى و العبد اسم مجموع الروح و الجسد و أنه عاد عليه الصلاة و السلام إلى مكة قبل الصبح و حدث الناس بذلك و أرتد قوم ممن أسلموا، أرتد قوم ممن أسلم لأنها لم تتحمل عقولهم، وكذلك أيضا لما أخبر النبي ﷺ كفار قريش استعظموا هذا الأمر و قالوا: يزعم محمد أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة واحدة و نحن نضرب السفر إليها مدة شهر كامل حتى سألوه عن عير لهم فالطريق مر عليها أخبرهم بذلك، أخبرهم متى تصل فلما أخبر النبي ﷺ بعض صناديد قريش قالوا: هل تقول هذا يا محمد إذا أجتمع الناس قال: نعم، استعظموا هذا يريدون تكذيبه ولما قالوا لأبي بكر الصديق : جاءوا إليه وقالوا: إن صاحبك يزعم أنه كذا و أنه ذهب إلى بيت المقدس وأنه ذهب إلى السماوات، فقال أبو بكر : إن كان قال: ذلك فقد صدق، من ذلك سمي الصديق.
- فالمؤلف رحمه الله- بين الصواب في هذا الإسراء، قال: و أجمع القائلون بالأخبار و المؤمنون بالآثار أن رسول الله ﷺ أسري به، ثم قال ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسجد بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء بجسده و روحه جميعا، وهذا هو الصواب الذي دل عليه، ثم عاد من ليلته إلى مكة قبل الصبح.
يقول المؤلف: فمن قال إن الإسراء في ليلة و المعراج في ليلة فقد غلط، هذا صحيح، غلط بعض العلماء وقال: إن الإسراء في ليلة و المعراج في ليلة، و الصواب أنه في ليلة واحدة ومن قال: أنه منام و أنه لم يسرَ بجسده فقد كفر ، (هذا غريب من المؤلف رحمه الله تكفير من قال أن الإسراء كان مناما)، الصواب أنه لا يكفر لأنه شبهه و إن كان قول ضعيف وقول ضعيف ولهم شبه استدلوا ببعض ألفاظ حديث شريك، وفيه أنه قال: ثُمَّ استَيقَظتُ فالقول بتكفيره هذا ليس بصواب، الصواب أنه لا يكفر التكفير ليس أمره بالهين و لم أرَ أحدا من العلماء كفر من قال: إن الإسراء كان مناما و أنما يقال هذا القول ضعيف قول ضعيف قول مرجوح خلاف الصواب، لكن أشتبه عليهم الأمر أشتبه عليهم بعض الألفاظ لهم شبهه فكيف يكفر من له شبهه.
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- الدليل فقال: قال الله سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ هذا دليل على أن الإسراء و المعراج كان بروحه و جسده وجه الدلالة قال بعبده و العبد اسم لمجموع الروح و الجسد كما أن الإنسان اسم لمجموع الروح و الجسد.
يقول المؤلف -رحمه الله-: و روى قصة الإسراء عن النبي ﷺ أبو ذر وأنس بن مالك و مالك بن صعصعة و جابر بن عبد الله و شداد بن أوس و غيرهم، يعني إن أحاديث الإسراء جاءت في أحاديث عدة رواها عدد من الصحابة أبو ذر و أنس و مالك و جابر و شداد يقول المؤلف: كلها صحاح مقبولة مرضية عند أهل النقل مخرجة في الصحاح، نعم و حديث الإسراء متفق عليه رواه الشيخان رواه البخاري في صحيحه و رواه مسلم أيضا في صحيحه، ورواه ابن قدامة في إثبات صفة العلو وقال ابن القيم -رحمه الله- إن قصة الإسراء و المعراج متواترة إنها متواترة، بعض العلماء أفرد قصة الإسراء و المعراج بتأليف خاص كالسيوطي وابن كثير -رحمه الله- جمع طرق هذا الحديث في تفسيره في سورة الإسراء وفيها الصحيح و الضعيف و الحسن.
و البراق الذي أسري بالنبي ﷺ دابة البراق دابة فوق الحمار ودون البغل سمي براق لبريقه ولمعانه خطوه مد البصر يعني الخطوة التي يخطوها مد البصر يعني: هذا الخطوة التي يخطوها مد البصر نهاية بصره هذه الخطوة يعني أسرع من الطائرة، وصل هذه المسافة في وقت وجيز، ثم كذلك العروج و الصعود إلى السماوات بين كل سماء وسماء مسيرة خمس مئة عام، وغلظ كل سماء مسيرة خمس مئة عام، السموات عليها حراس فيستفتح جبرائيل ومعه النبي ﷺ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ: قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَفُتِحَ لَنَا، قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ فيدخل فيه السماء الأولى فوجد فيها آدم أبا البشر سلم عليه على النبي ﷺ ورحب به، وقال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، ثم عرج به إلى السماء الثانية: فاستفتح جبرائيل كل مرة يقول: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ: قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَفُتِحَ لَنَا قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فوجد في السماء الثانية: عيسى و يحيى، فرحبا به وأقرا بنبوته وقالا :كل منهما مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالأَخُ الصَّالِحِ، يعني أخ أما آدم قال و الابن الصالح، ثم عرج به إلى السماء الثالثة: فوجد فيها إدريس فرحب به قال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، وهذا دليل على أن إدريس قال: وَالأَخُ الصَّالِحِ، و لم يقل وَالِابْنِ الصَّالِحِ، بالسلالة الأخوية و لم يكن بالسلالة الأبوية، بعض العلماء يقول أن إدريس هو جد نوح فيكون أباً للنبي ﷺ، و القول الثاني أنه أخ هذا هو الصواب، من الأدلة حديث المعراج أنه ما قال: وَالأَخُ الصَّالِحِ، قال: وَالأَخُ الصَّالِحِ، دل على أنه ليس في السلالة الأبوية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة: فوجد فيها يوسف فرحب به و أقر بنبوته وقال مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالأَخُ الصَّالِحِ،، ثم عرج به إلى السماء السماء الخامسة: فوجد فيها هارون فرحب به و أقر بنبوته وقال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالأَخُ الصَّالِحِ، ثم عرج به إلى السماء السادسة: فوجد فيها موسى فقال: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالأَخُ الصَّالِحِ، فَلَمَّا جَاوَزَهُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا يَبكِيكَ: قَالَ: يَا رَبِّ هَذَا الغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي، و إنما بكى عليه الصلاة و السلام لم يبكِ حسدا و إنما تألما على بني إسرائيل حين تخلفوا مع أنه أتباعه كثيرون عليه الصلاة والسلام، ثم عرج به إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم عليه الصلاة و السلام فرحب به و أقر بنبوته وقال مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، لأنه أبوه و وجده إبراهيم قد أسند ظهره إلى البيت المعمور و البيت المعمور كعبة سماوية تحاذي الكعبة الأرضية لو سقط لسقط عليها، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك للصلاة و الطواف ثم لا يعودون إليه آخر الدهر من كثرة الملائكة ما يصلهم الدور، ثم جاوز حتى وصل إلى سدرة المنتهى، ثم جاوز حتى وصل إلى مكانا يسمع فيه صريف الأقلام لم يصل إليه جبرائيل و لا غيره، ثم ولى، ثم كلمه الله من وراء حجاب من فوق سبع سماوات هذا الصحيح، وسيذكر المؤلف -رحمه الله- بعد هذا البحث الرؤيا ففرض الله عليه كم في اليوم و الليلة؟ خمسين صلاة ثم لما مر على موسى في السماء السادسة سأله أن يسأل ربه التخفيف، وقال: أن أمتك ضعيفة لا تطيق خمسين صلاة في اليوم و الليلة و أني عالجت بني اسرائيل أكثر من ذلك فألتفت إلى جبريل كأنه يستشيره، فأشار إليه (أن نعم) فعلى به إلى الجبار وسأل ربه التخفيف فوضع عنه خمسا أو عشرا في بعض الأحاديث ومازال يتردد بين ربه و بين موسى حتى صارت إلى خمس صلوات، فأمره موسى في المرة الأخيرة أن يسأله التخفيف، وقال أمتك ضعيفة لا تطيق خمس صلوات، اسأل ربك التخفيف أني عالجت بني إسرائيل أكثر من ذلك فقال نبينا ﷺ: إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، فَنَادَى مُنَادٍ مِن السَّمَاءِ: أَن قَد أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، هِيَ خَمسٌ فِي العَدَدِ وَهِيَ خَمسُونَ فِي الأَجرِ، مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فالخمس صلوات خمسين فالأجر الحسنة بعشر أمثالها و كلمه الله بدون واسطة لكن من وراء حجاب، لم يره هذا الصحيح كما سيأتي .
(المتن)
و أن محمدا ﷺ رأى ربهﷺ كما قال وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.
قال الإمام أحمد فيما رويناه عنه و أن النبي ﷺ رأى ربه فإنه مأثور عن النبي ﷺ صحيحا رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس.
(الشرح)
رواه قتادة و عكرمة
(المتن)
رواه قتادة و عكرمة عن ابن عباس ورواه الحكم ابن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ورواه علي ابن زيد عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس و الحديث على ظاهره كما جاء عن النبي ﷺ و الكلام فيه بدعة، و لكن نؤمن به كما جاء على ظاهره و لا نناظر فيه أحدا.
وروى عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمدا ﷺ بالرؤية.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: رأى محمدا ﷺ ربه مرتين وروي عن أحمد -رحمه الله- أنه قيل له بما تجيب عن قول عائشة رضي الله عنها: من زعم أن محمدا قد رأى ربه ... الحديث؟ قال: بقول النبي ﷺ رَأَيْتُ رَبِّي و في حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر...
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: فَرَجَعتُ إِلَى رَبِّي وَهُوَ فِي مَكَانِهِ و الحديث بطوله مخرج في الصحيحين و المنكر لهذه اللفظة راد على الله ورسوله ﷺ.
(الشرح)
و هذا مبحث الرؤية، رؤية النبي ﷺ لربه ليلة المعراج، لم يختلف العلماء أن أنه لم يرَ أحد ربه في الدنيا أهل الحق مجمعون على أن أنه لم يرَ أحد ربه في الدنيا، و أنه لا يستطيع أحدا أن يرى ربه في الدنيا، و لما سأل موسى الرؤية رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فلما تجلى الله للجبل تدكدك وخر موسى خائفا، فلا يستطيع أحدا أن يرى الله في الدنيا لأن الله أحتجب عن خلقه بالنور، و لو كشفه لأحترق الخلق كلهم ،كما في الحديث حديث صحيح مسلم لَأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ.
و لا عبرة ببعض الصوفية الذين يزعم بعضهم أنه يمكن أن يرى الله في الدنيا بعض الصوفية الملاحدة، أو أن الله موجود في الأرض في الخضرة في كل خضرة يقولون: لعل الله موجود في هذه الخضرة هؤلاء لا عبرة بهم لا عبرة بهم، لكن أجمعت الأمة قاطبة ما عدا هؤلاء على أنه لم يرَ أحدا ربه في الدنيا ما عدا نبينا ﷺ و أجمعوا على أنه لم يره في الأرض و إنما اختلفوا هل رآه ليلة المعراج فوق السماوات أو لم يره، على قولين :
القول الأول: أنه رآه و هذا هو الذي اختاره المؤلف و لهذا قال: و أنه رأى ربه ، الحافظ عبد الغني يرى أن النبي ﷺ رأى ربه بعين رأسه ليلة المعراج وهذا من خصائصه، و ذهب إلى هذا أيضا بعض العلماء كالنووي أيضا في شرحه لمسلم و ابن خزيمة في كتاب التوحيد و القاضي عياض و أبو الحسن الأشعري و أبو إسماعيل الهروي ذهبوا إلى أن النبي ﷺ رأى ربه ليلة المعراج في السماء بعيني رأسه و ذهب و استدلوا أيضا على هذا بما روي عن الإمام أحمد استدلوا على هذا بما روي بن عصر ذكره المؤلف عن ابن عباس أنه قال أن النبي ﷺ رأى ربه، و كذلك أيضا روي عن الإمام أحمد أن النبي ﷺ قال: أنه رأى ربه فقالوا: هذا و استدلوا أيضا بقوله : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ و قوله: أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ، لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ فقالو أن النبي ﷺ رأى ربه بعيني رأسه.
و القول الثاني: جمهور العلماء و جمهور الصحابة على أن النبي ﷺ لم يرَ ربه بعيني رأسه و إنما رآه بعين قلبه، هذا الذي عليه الجماهير وهو الصواب -كما سيأتي- و الأدلة في هذا كثيرة من أصحها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال: أنه سأل النبي ﷺ هل رأيت ربك؟ فقال: رَأَيْتُ نُورًا وفي لفظ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، أي المعنى: أن النور حجاب يمنعني من رؤيته رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو صريح هل رأيت ربك؟ قال: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، يعني كيف أستطيع رؤيته و النور حجاب يمنعني من رؤيته، نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، وفي لفظ: رَأَيْتُ نُورًا
و استدلوا أيضا بحديث أبي موسى الأشعري أيضا عند مسلم أن النبي ﷺ قال: إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ و في لفظة: النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ، فقوله مِنْ خَلْقِهِ، هذا عام لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ، ومحمد من خلقه عليه الصلاة و السلام يشمله، هذا لو كشف الحجاب لأحترق الخلق كلهم و منهم محمد عليه الصلاة و السلام، فهذا صريح لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ.
وقوله تعالى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ قوله أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ ومحمد بشر وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ هذه أنواع الوحي ثلاث وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ومحمد كلمه الله من وراء حجاب بدون واسطة الكلام، لكن من وراء حجاب محجوب عن الرؤية عليه الصلاة و السلام فلا يستطيع أحدا أن يرى الله تعالى.
و لأن الرؤية نعيم أدخرها الله لأهل الجنة و هي نعيم أعظم نعيم.
و أما ما استدل به القائلون بأن النبي ﷺ رأى ربه فليست صريحة فليست واضحة أما قوله أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ هذه رؤية جبريل -اقرأ الآية سورة النجم- عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ هذا جبريل، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ جبريل رآه على الصورة التي خلق عليها مرة في الأرض في بدء الوحي و مرة في السماء عند سدرة المنتهى، هذا رؤية جبريل.
و لأن الله تعالى قال سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ يريه الآيات ولو كان أراه نفسه لذكر ذلك كان أعظم فقال: لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا و لم يقل ليراني أو لأريه نفسي قال لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ورؤية الله أعظم.
و أما ما روي عن ابن عباس فإنه روي عن ابن عباس أنه سأل هل رأيت هل رأى محمد ربه؟ قال: نعم، مطلق _وفي رواية ثانية_ أنه قال: رآه بفؤاده، فالمطلق يختلف عن المقيد، فقوله رآه يحمل على أنه رآه بفؤاده يعني بقلبه.
و كذلك الإمام أحمد روي عنه أنه قال: رآه، و روي عنه أنه قال: رآه بفؤاده فيحمل المطلق على المقيد ولم يقل ابن عباس أنه رآه بعين رأسه، وكذلك الإمام أحمد ما قال أنه رآه بعين رأسه و الروايات يفسر بعضها بعضا فرواية (رآه) تفسرها رواية (رآه بفؤاده).
وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون و عليه الجماهير أن النبي ﷺ لم يرَ ربه ليلة المعراج بعيني رأسه، و إنما رآه بفؤاده ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنه سألها مسروق تابعي، هل رآى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت لقد قف شعري مما قلت من حدثك؟ ثم قالت: من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، -وفي لفظ- أنها قالت: فقد أعظم على الله الفرية، وهذا هو الذي عليه المحققون وقرره المحققون شيخ الإسلام ابن تيمية و ابن القيم و غيرهم، من المحققين و قالوا: أن الجمع بين النصوص، هكذا النصوص و الآثار الواردة عن السلف بعضها رأى، في بعضها أنه رأى و في بعضها لم يره، فيجمع بينهما بأن النصوص التي فيها أنه رآه تحمل على رؤيته بقلبه و النصوص التي فيها أنه لم يره تحمل على أنه لم يره بعين رأسه، و بهذا تجتمع الأدلة و لا تختلف، فالنصوص و الآثار التي فيها أن النبي ﷺ رأى ربه محمولة على رؤيته بفؤاده بقلبه، و النصوص التي فيها أنه لم يره محمولة على أنه لم يره بعيني رأسه، و بهذا تجتمع الأدلة و لا تختلف، كل نص فيه أن النبي ﷺ رأى ربه فالمراد رآه بقلبه و كل نص فيه أنه لم يرَ ربه أي لم يره بعيني رأسه وبهذا تجتمع الأدلة و لا تختلف.
وبعد هذا ننظر الآن في كلام المؤلف قال: و أنه رأى ربه كما قال : وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ إذاً المؤلف أثبت أنه رآه بعيني رأسه أنه رأى ربه بعيني رأسه، و الدليل الذي رآه المؤلف هذا لا يدل على ما أستدل به لأن هذا في رؤية جبريل، اقرأ الآية في سورة النجم وَلَقَدْ رَآهُ يعني رأى النبي جبريل نَزْلَةً أُخْرَىٰ مرة ثانيه يعني رآه مرة في الأرض و مره في السماء عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ هذه الرؤية رؤية جبريل ليست رؤية الله و بهذا لا يكون الآية فيها دليل لما ذهب إليه المؤلف من أن النبي ﷺ رأى ربه بعيني رأسه.
الدليل الثاني: استدل بقول الإمام أحمد قال الإمام أحمد فيما رويناه عنه: و أن النبي ﷺ رأى ربه (نعم) فإنه مأثور عن النبي ﷺ صحيح، رواه قتادة و عكرمة عن ابن عباس و رواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس و رواه علي بن زيد عن أنس بن مهران عن ابن عباس (نعم) لكن هذا المراد به رآه يعني رآه بفؤاده يعني هذا مطلق و الحديث على ظاهره.
يقول: كما جاء عن النبي ﷺ و الكلام فيه بدعة، ولكن نؤمن به كما جاء على ظاهره ولا ننظر فيه أحد و هذا كلام الإمام أحمد، وهذا محمول على أن المراد بالرؤية الرؤية بالفؤاد بقلبه وهي زيادة العلم، فما روي عن الإمام أحمد أنه رآه هذا مطلق يقيد بالرؤية بالرواية الثانية أنه رآه بفؤاده و كذلك ما روي عن ابن عباس أنه رآه يقيد، بالرواية الثانية عن ابن عباس أنه رآه بفؤاده.
و الدليل الثالث: من أدلة المؤلف قال: وروى عكرمة عن ابن عباس قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمد بالرؤية، هذا إن صح عن ابن عباس فهو محمول قوله رآه هذه مطلق يحمل على أنه رآه بفؤاده، و إن كان ظاهره أنه رآه بعيني رأسه، فلو قيل أنه مراده رآه بعيني رأسه اجتهاد ابن عباس على حسب ما ظهر له، و لهذا قال إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمد بالرؤية كل واحد له خصيصه، يعني يدل على أن هذا ليس على إطلاقه أن الله اصطفى إبراهيم بالخلة وكذلك محمد اصطفاه الله بالخلة، إبراهيم خليل الله و محمد خليل الله، إذاً إبراهيم شارك محمد بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و أيضا محمد شارك موسى في الكلام، فإن الله كلمه ليلة المعراج من وراء حجاب و اصطفى محمد بالرؤية، هذا ليس بصحيح يعني أنه رآه بعيني رأسه، و إذا يريد أنه رآه بعيني قلبه و أنه رؤية خاصة، فهذا صحيح المقصود أن هذا ليس بدليل واضح على أن النبي ﷺ رأى ربه بعيني رأسه، لأنه اصطفى إبراهيم بالخلة ليس خاصة به بل شاركه نبينا عليه الصلاة و السلام و اصطفى موسى بالكلام، ليست خاصة به بل شاركه نبينا و اصطفى محمد بالرؤية، إن صح عن ابن عباس يحمل على الرؤية التي هي بالفؤاد.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه مرتين، نعم رأى ربه يعني بفؤاده ليس معنى رآه بعيني رأسه، لأن هذا مطلق يحمل على المقيد.
و استدل أيضا روى عن أحمد -رحمه الله- أنه قيل له بما تجيب عن قول عائشة رضي الله عنها من زعم أن محمد رأى ربه يعني: فقد كذب أو فقد أعظم على الله الفرية، قال: بقول النبي ﷺ: رَأَيْتُ رَبِّي يعني: هذا مثل ما سبق هذا إما أن يحمل على الرؤية بالفؤاد ولو حمل على الرؤية بعيني رأسه، و صح عنه يكون هذا رواية، و الرواية الأخرى عن الإمام أحمد أنه رآه بعينه أنه رآه بفؤاده، لو صح يحمل أنه رواية و لكن يمكن أن يحمل على أن المراد رآه بفؤاده رأى ربه بفؤاده.
وفي حديث شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ، فقال فَرَجَعتُ إِلَى رَبِّي وَهُوَ فِي مَكَانِهِ ، و الحديث بطوله مخرج في الصحيحين (نعم) هذا في صحيح البخاري و صحيح مسلم و غيرهما، و المنكر لهذه اللفظة راد على الله ورسوله ﷺ لفظ فَرَجَعتُ إِلَى رَبِّي وَهُوَ فِي مَكَانِهِ لكن هل هذا فيه إثبات الرؤية فَرَجَعتُ إِلَى رَبِّي وَهُوَ فِي مَكَانِهِ أين إثبات الرؤية وَهُوَ فِي مَكَانِهِ ؟! ما فيه ما فيه يعني دليل على الرؤية ما فيه أنه رآه.
و بهذا يتبين أن الصواب أن النبي ﷺ رأى ربه ليلة المعراج بفؤاده و لم يره بعيني رأسه، هذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص و عليه المحققون من أهل العلم، و الآثار الواردة في هذا ما ورد منها في إثبات الرؤية محمولة على رؤية الفؤاد، و ما ورد منها بنفي الرؤية محمول على الرؤية بعيني رأسه .
(المتن)
ويعتقد أهل السنة و يؤمنون أن النبي ﷺ يشفع يوم القيامة لأهل الجمع كلهم شفاعة عامة و يشفع في المذنبين من أمته فيخرجهم من النار بعد ما احترقوا ، كما روى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ.
وروى أبو هريرة أنه قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال: لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ. رواه البخاري.
وروى حديث الشفاعة بطوله أبو بكر الصديق و عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر بن الخطاب و أنس بن مالك و حذيفة بن اليمان و أبو موسى عبد الله بن قيس و أبو هريرة و غيرهم .
(الشرح)
هذا مبحث الشفاعة و الشفاعة في اللغة الوساطة و المراد بها شرعا هي ضم الشفيع نفسه إلى المشفوع له فيكون شفعا بعد أن كان وترا، إذا جاءك إنسان يسألك قال: يريد شيئا من شخص ثم أنت ضممت صوتك إلى صوته شفعت له فصرت أنت وهو اثنين بعد أن كان واحد، كان هو يطلب الحاجة ثم شفعت له فضممت نفسك إليه فصرتما اثنين و الاثنان شفع ضم الشفيع نفسه إلى غيره ليكون شفعا بعد أن كان وترا بعد أن كان الذي يسأل واحدا فإذا اجتمعت له ضممت صوتك إلى صوته فصرتما اثنان و الاثنان شفع و الواحد وتر، وقيل طلب الخير للغير و قيل معنى الشفاعة طلب الخير للغير، وقيل مع معنى الشفاعة مساعدة للحاجة مساعدة للحاجة صاحب الحاجة عند من يملك الحاجة مساعدة للحاجة صاحب الحاجة عند من يملك الحاجة.
والشفاعة تكون يوم القيامة حينما يشفع النبي ﷺ يأتيه الناس و يطلبون منه أن يشفع لهم لله ليحاسبهم الشفاعة العظمى، فالنبي ﷺ يضم صوته إلى صوتهم و يساعدهم و يطلب من الله بعد أن يأتيه الإذن يسجد تحت العرش ثم يأتي الإذن من الله فيسأل ربه أن يقضي بينهم فيكون عليه الصلاة والسلام شفع للخلائق، الشفاعة ضم صوته إلى صوتهم و ساعدهم و طلب من الله سأل الله أن يقضي بين العباد وذلك بعد أن يأتيه الإذن لا يشفع بدون إذن لا بد من الإذن.
الشفاعة لها شرطان: إذن الله للشافع أن يشفع ورضاه عن المشفوع له، فلا يمكن لأحد أن يشفع حتى ولو كان نبينا ﷺ وهو أوجه الناس عند الله و إذا كان موسى قال الله وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا فمحمد أوجه و أوجه أعظم وجاهة ومع ذلك لا يستطيع وهو أفضل الخلق أن يبدأ بالشفاعة أولا لا يشفع أولا بل يسجد تحت العرش عليه الصلاة و السلام، فيفتح الله عليه من المحامد يلهمه إياها لا يحسنها في دار الدنيا ثم يأتيه الإذن من الرب فيقول: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، هذا الإذن فيرفع رأسه فيقول: يا رب أسألك أن تقضي بين عبادك، فيشفعه الله فيقضي بين الخلائق.
و نبينا عليه الصلاة و السلام له شفاعات خاصة و له شفاعات يشاركه فيها غيره عليه الصلاة و السلام فهنا الشفاعات الخاصة التي تخص النبي ﷺ الشفاعة العظمى و الشفاعة العظمى تكون لأهل الموقف حينما يوقف الناس بين يدي الله للحساب حفاة لا نعال عليهم عراة لا ثياب عليهم غرلا جمع أغرل غير مختونين بهما ليس معهم شيء و يشتد الكرب و تدنو الشمس من الرؤوس و وتزداد في حرارتها، و اليوم عظيم فيموج الناس بعضهم إلى بعض، كما هو معروف في حديث الشفاعة الطويل، فيأتي أولا آدم يطلبون منه أن يشفع لهم فيعتذر ويقول أكلت من الشجرة فلا أستطيع اسألوا غيري، ثم يرشدهم إلى نوح، فيذهبون إلى نوح فيعتذر ويقول: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، لا أستطيع ولكن قد دعوت على أهل الأرض دعوة أغرقتهم اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام، فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيعتذر يقول: لا أستطيع إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ يجادل بهن عن دين الله قال: عن زوجتي و أنها أختي في الإسلام، و كسر الأصنام و جعل الفأس على الصنم الكبير، و قال هذا جعلها كذبة بعدها نظر في النجوم فقال: إِنِّي سَقِيمٌ يريهم إيهاما لهم، هذه جعلها كذبات وهو يجادل ومع ذلك يعترف عليه الصلاة و السلام يقول كَذَبْتُ فِي الإِسلامِ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فإنه كليم الله ذهبوا إلى موسى فيقولون: يا موسى اذهب إلى ربك، فيعتذر و يقول: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، لما قتل القبطي قبل النبوة هذا قبل النبوة و مع ذلك يعتذر وتاب قبل النبوة ومع ذلك يقول: اذهبوا إلى عيسى فإنه روح الله و كليمه فيذهبون إلى عيسى فيعتذر أيضا و لا يذكر ذنبا إلا أنه قال اتخذت أنا و أمي إلهين من دون الله، و لكن اذهبوا إلى محمد فإنه خاتم النبيين فيذهبون إلى النبي ﷺ فيقول أْنَا لَهَا، أْنَا لَهَا فيذهب فيسجد تحت العرش عليه الصلاة و السلام فيفتح الله عليه المحامد، يلهمه إياها لا يحسنها في الدار الدنيا فيأتي إذن الرب فيقول الله: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فيقول يا رب أسألك أن تقضي بين عبادك أنا أقضي بينكم أنا أقضي بينهم هذا هو المقام المحمود الذي يغبطه الأولون و الآخرون، قال عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ هذا هو المقام المحمود الشفاعة يغبطه فيه الأولون و الآخرون.
جاء في بعض الأحاديث أن المقام المحمود أن يجلسه على معه على العرش وهذا جاء في أحاديث ذكرها استدل بها بعض أهل السنة كشيخ الإسلام و غيره، وإن صح يكون المقام المحمود شيئان: الشفاعة و إجلاسه على العرش، وهذا من خصائصه عليه الصلاة و السلام.
و هذا المقام المحمود الذي يغبطه فيه الأولون و الآخرون، هذا الفخر و هذا العز ولهذا قال النبي ﷺ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ عليه الصلاة و السلام، هذه خاصة به لا يشاركه فيها أحد.
هناك شفاعة ثانية و هي الإذن لأهل الجنة بدخولها لا يدخل أهل الجنة حتى يشفع لهم النبي ﷺ في أن يأذن لهم بدخولها و هذه خاصة به ﷺ.
وهناك شفاعة ثالثة: خاصة به و هي الشفاعة بتخفيف العذاب عن عمه أبي طالب شفاعة تخفيف ما يدخل الجنة مات على الشرك أبو طالب مات على الكفر، قال أبى أن يقول لا إله إلا الله و قال هو على ملة عبد المطلب و ملة عبد المطلب الكفر، و لكن خف كفره في إيوائه للنبي ﷺ و دفاعه عنه فيشفع له النبي ﷺ شفاعة تخفيف، يخفف عنه العذاب و لهذا ثبت في الأحاديث أن النبي ﷺ سئل قيل: يا رسول الله إن أبا طالب يحميك و يذود عنك فهل نفعته قال: نَعَمٌ، وَجَدتُّهُ فِي غَمَرَاتٍ مِن نَّارٍ، فَأَخرَجتُهُ إِلَى ضَحضَاحٍ مِنهَا يَغْلِي دِمَاغُهُ، كان في غمرات من النار تغمره من جميع الجهات فأخرج إلى ضحضاح من نار يغلي منها دماغه، من الضحضاح وهو يظن أنه أشد أهل النار عذابا من شدة ما يجد وهو أخفه، هذه شفاعة تخفيف خاصة.
وهناك شفاعات مشتركة من هذه الشفاعات المشتركة شفاعة في قوم من أهل الجنة حتى ترفع درجاتهم مثلما يكون فيه درجة سفلى يكون فيه درجة عليا، و شفاعة في قوم استحقوا دخول النار فلا يدخلونها من العصاة الموحدين، العصاة استحقوا دخول النار فيشفع لهم ألا يدخلوها فيشفعهم الله، و شفاعة في قوم دخلوا النار أن يخرجوا منها من العصاة هذه مشتركة، و شفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أن لا يدخلوا النار.
و قد تواترت الأخبار عن النبي ﷺ أنه قال: يدخل النار جملة من أهل الكبائر من المؤمنين من المؤمنين الموحدين، مؤمنون موحدون مصلون ولا تأكل النار وجوههم مكان السجود، لكن دخلوها بكبائر ماتوا، و هذا دخل النار لأنه مات على الزنا من غير توبة، وهذا مات على الربا من غير توبة تعامل بالربا، هذا مات على عقوق الوالدين هذا مات على قطيعة الرحم، هذا مات على الغيبة، هذا مات على النميمة، هذا على أكل أموال الناس بالباطل، هذا على شهادة الزور منهم من يعفى عنه و منهم من يدخل النار و يعذب، ومن هذا من مات لأنه قتل نفسا بغير حق فيعذب و لكنهم تتفاوت خروجهم منهم من يخرج يمكث مدة طويلة و منهم من يأخذ مدة قليلة و منهم من يأخذ مدة طويلة على حسب جرائمهم و أعمالهم، فناس يخرجون من الشفاعة بالشفاعة يشفع فيهم نبينا ﷺ أربع شفاعات كل مرة يحد الله له حدا، جاء في بعضهم أنه قال: يشفع من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان، وفيه بعضهم من كان في قلبه مثقال نصف دينار، وفي بعضهم من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، و في بعضهم أخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان، و يشفع الأنبياء و يشفع الشهداء و يشفع الصالحون و يشفع الأقارب و يشفع الملائكة، و يتقى بقية الشفاعة لا تشملهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته فيقول: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا رَحمَةُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَط يعني زيادة على التوحيد و الإيمان.
فإذا تكامل خروج العصاة الموحدين و لم يبقَ منهم أحد أطبقت النار على الكفرة بجميع أصنافهم اليهود و النصارى و الوثنيين و الشيوعيين و المنافقون في الدرك الأسفل من النار، فلا يخرجون منها آبد الآباد قال الله تعالى إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ يعني مطبقة مغلقه قال سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ قال سبحانه كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ وقال سبحانه لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا و الأحقاب جمع حقب والحقب هو المدد المتطاولة كلما أنتهى حقب يعقبه حقب إلى مالا نهاية، نسأل الله السلامة و العافية.
و المؤمنون الذين خرجوا يلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبه في حمل السيل فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة هذه هي الشفاعات ذكرنا ستة أو سبع شفاعات ثلاثة منها خاصة بالنبي ﷺ و منها مشتركة.
و أهل البدع وافقوا على الشفاعات الشفاعة العظمى و الشفاعة لأهل الجنة أذن بدخولها و الشفاعة في رفع درجات أهل الجنة، و خالفوا في الشفاعات التي فيه إخراج العصاة من النار، أو الشفاعة فيمن استحق دخول النار، خرج في ذلك الخوارج و المعتزلة و أهل البدع قالوا: ما فيه شفاعة من دخل النار لا يخرج منها، أنكروا الشفاعة لأنهم يرون أن من أن مرتكب الكبيرة كافر يخلد في النار الخوارج و كذلك المعتزلة، يرون أنه خرج من الملة و لم يدخل في الكفر و يخلد في النار، فأنكر عليهم أهل السنة و بدعوهم و ضللوهم و بينوا لهم أن النصوص في هذا متواترة كيف ينكرونها وهي متواترة بلغت حد التواتر و مع ذلك أنكروها، و استدلوا بالنصوص التي في الكفار جعلوها في العصاة الخوارج والمعتزلة، النصوص التي في الكفار جعلوها في العصاة قوله تعالى مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ هذا في الكفرة وجعلوها في العصاة، فأنكر عليهم أهل السنة و الجماعة و بدعوهم و ظللوهم و أنكروا عليهم و فسقوهم و جعلوهم من أهل الفسق ومن أهل البدع.
يقول المؤلف -رحمه الله- و يعتقد أهل السنة و يؤمنون أن النبي ﷺ يشفع يوم القيامة لأهل الجمع كلهم شفاعة عامة هذه الشفاعة العظمى و يشفع في المذنبين من أمته و يخرجهم من النار بعد ما احترقوا هذه شفاعة في خروج العصاة من الموحدين هذه أنكرها الخوارج و المعتزلة، كما روى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ. و هذا الحديث متفق عليه رواه الشيخان البخاري في صحيحه كتاب الدعوات و في كتاب التوحيد ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان ورواه مالك في الموطأ و أحمد في المسند و غيرهم وهو حديث صحيح، فيه إثبات الشفاعة و فيه الرد على الخوارج و المعتزلة الذين أنكروا الشفاعة.
وروى أبو هريرة أنه قال قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال:لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ. و في لفظ: مِن قَلبِهِ رواه البخاري في صحيحه ورواه الإمام أحمد في مسنده.
وفيه دليل على أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد، أما الكفار لا دخل لهم بالشفاعة قال تعالى فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ إذا من مات على التوحيد له الشفاعة من مات على التوحيد من أهل المعاصي و أهل الكبائر قال لا إله إلا الله خالصة من قلبه لكن مات على كبيرة وهو مخلص موحد لكن أضعف هذا التوحيد و الإخلاص بالكبيرة، قال لا إله إلا الله لكن مات وهو يتعامل بالربا وهو موحد أو يعق والديه أو يقطع رحمه أو يغتاب الناس أو مات على الزنا من غير توبة أو على السرقة من غير توبة هذا له الشفاعة تكون له الشفاعة يوم القيامة إن لم يعفوا الله عنه.
يقول المؤلف: وروى حديث الشفاعة بطوله أبو بكر الصديق هذا رواه الإمام أحمد في مسنده و أبو يعلى البزار و عبد الله بن عباس أيضا في المسند حديثه و في مسند الطيالسي و عبد الله بن عباس أيضا رواه البخاري في صحيحه و البيهقي و عبد الله بن عمر بن الخطاب أيضا رواه البخاري في كتاب التفسير و رواه الإمام مسلم أيضا في صحيحه و البيهقي و اللالكائي و ابن ماجة و أنس بن مالك أيضا رواه مسلم في صحيحه و رواه الحديث أنس بن مالك رواه البخاري في صحيحه و حديث حذيفة بن اليمان رواه مسلم في كتاب الإيمان و أبو موسى عبد الله بن قيس و أبو موسى الأشعري أيضا حديثه عند أبي عاصم في كتاب السنة و كذلك أبو هريرة حديثه في سنن الدارمي و غيرهم من الصحابة.