عن صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، عَلَيْهِ جُبَّةٌ بِهَا أَثَرٌ مِنْ خَلُوقٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَحْرَمْتُ بِعُمْرَةٍ، فَكَيْفَ أَفْعَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتُرُهُ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يُظِلُّهُ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ رضي الله عنه: إِنِّي أُحِبُّ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَنْ أُدْخِلَ رَأْسِي مَعَهُ فِي الثَّوْبِ، فَلَمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ خَمَّرَهُ عُمَرُ رضي الله عنه بِالثَّوْبِ فَجِئْتُهُ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِي مَعَهُ فِي الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا عَنِ الْعُمْرَةِ؟))، فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: ((انْزِعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ الَّذِي بِكَ، وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ مَا كُنْتَ فَاعِلًا فِي حَجِّكَ)).
في هذه الأحاديث: وجوب الرجوع إلى العلماء عند النوازل، قال الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فالواجب على العامي إذا لم يعلم حكم مسألة ما أن يرجع إلى العلماء، ويسألهم، أما إن كان عنده أهلية النظر في الأدلة فإنه ينظر فيها ويعمل بما دلت عليه.
وفيها: دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم إلا ما أعلمه الله عز وجل؛ ولهذا لم يُجب هذا السائل حتى نزل عليه الوحي.
وفيها: دليل على أن العالم، والمفتي، والقاضي يجب عليه أن يتوقف في المسائل التي لا يعلمها، كما توقف النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله هذا الرجل، فسكت ساعة حتى نزل عليه الوحي، وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُل: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، قال تعالى لنبيه: }قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}