بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله سيد الأنبياء والمرسلين ورسول رب العالمين وصفيه وخليله من خله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإن أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله وأسأله المزيد من فضله وأسأله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا كما أسأله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقنا معصوما وأن لا يجعل فينا ولا منا شقيا ولا محروما وأسأله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماع خير وعلم ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده .
أيها الإخوان عنوان هذه الكلمة : الصدقة في رمضان .
فالعنوان مشتمل على كلمتين الكلمة الأولى " الصدقة " والكلمة الثانية في " رمضان " ما هو رمضان ! رمضان وما أدراك ما رمضان؟
رمضان شهر كريم من اثني عشر شهرا وهو ثلاثون يوما أو تسعة وعشرون يوما.
هذا الشهر هو سيد الشهور كما أخبر النبي ﷺ: أَتَاكُمْ سَيِّدُ الشُّهُورِ. فهو سيد الشهور.
هذا الشهر اختاره الله لإنزال القران فيه قال تعالى شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ.
هذا الشهر العظيم اختاره الله لأن يكون صيامه أحد أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام ولا يستقيم إلا بها هذا الشهر.
فيه من أسباب المغفرة الكثير فمن أسباب المغفرة في هذا الشهر الصيام.
هذا الصيام الذي أوجبه الله وفرضه على الأئمة الإسلامية كما فرضه على الأمم السابقة قال سبحانه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ فرض الله الصيام على الأئمة الإسلامية لا ليستفيد منه ولا ليتكثر به من قلة ولا يتعزز به عن ضعف ولا ليشق علينا ولكنه فرضه لمصالحنا نحن المسلمين فرضه ليكون سببا في تقواه ليعلمنا تنظيم معايشنا وأمورنا فرضه الله ليكون وسيلة عظمى لتقواه وتقواه هي جماع خيري الدنيا والآخرة فهو من أسباب التقوى.
هذا الشهر العظيم أوجب الله الصيام فيه وجعله من أسباب المغفرة بشرطين:
الشرط الأول أن يكون الصيام عن إيمان واحتساب لا عن رياء ولا عن تقليد ولا عن متابعة للناس كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
والشرط الثاني اجتناب الكبائر كما قال ﷺ في صحيح مسلم الْصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعُةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانِ إِلَى رَمَضَانَ مُكفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ.
والكبائر كل معصية توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب في الآخرة أو وجب فيها حد في الدنيا ومن الكبائر ترك الفرائض وتأخيرها عن وقتها فمن الكبائر السرقة ومنها الزنى ومنها شرب الخمر ومنها عقوق الوالدين ومنها قطيعة الرحم ومنها التعامل بالربى ومنها الغيبة ومنها النميمة ومنها جحد حقوق الناس ومنها العدوان على الناس في دمائهم ومنها العدوان على الناس في أموالهم ومنها العدوان على الناس في أعراضهم.
ومنه تأخير الصلاة عن وقتها كأن لا يصلي الفجر إلا بعد الشمس ولا يصلي الظهر إلا مع العصر ولا يصلي العصر إلا بعد اصفرار الشمس هذا من الكبائر.
فإذا كان الإنسان يرتكب الكبائر يطلع بصره في الحرام ولسانه في الحرام ويده في الحرام ورجله في الحرام ينظر إلى النساء الأجنبيات ببصره إلى القنوات إلى الشاشة ينظر إلى المرأة ويتأمل في محاسن الأجنبية في الشاشة وينظر إلى الخنى والفجور كل هذا محرم عليك يجب عليك أن تصون بصرك عن الحرام في رمضان وفي غيره لكن في رمضان آكد كذلك يصون سمعه عن سماع الغنى والغيبة والنميمة وقول الزور واللهو يصون يده ولا يتناول بها الحرام والغش ولا الربى ولا الرشوة ولا يعتدي بها على غير حق يصون رجله فلا يمشي بها إلى الحرام يصون قلبه عن الحقد والغل والحسد ويكون صيامه عن إيمان بالله ورسوله وعن رغبة ورهبة وبذلك يكون الصوم مكفرا للسيئات وحاطا للأوزار والخطايا رافعا للدرجات .
وكذلك قيام رمضان من أسباب المغفرة إذا كان عن إيمان بالله واحتساب الثواب وترك للكبائر كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ. وهذا فيه الفضل العظيم .
فرمضان شهر عظيم شهر كريم عند الله جعل الله فيه من أسباب المغفرة ومن جلائل الأعمال وفضائلها الشيء العظيم ولذلك قال النبي ﷺ جاءه جبريل وقال له مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَلَم يُغفَر لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللهُ قُل آمِينَ، فَقُلتُ آمِينَ وذلك لأن أسباب المغفرة كثيرة فمن لم يغفر له في رمضان وفاتته هذه الأسباب دل على أنه محروم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالواجب على المسلم أن يتقي الله ويصوم رمضان إيمانا واحتسابا للأجر والثواب وأن يحفظ صومه عما ينقصه أجره أو يبطله أو ينقص ثوابه .
أما الصدقة في رمضان فالصدقة نوعان صدقة حسية وصدقة معنوية
فالصدقات الحسية: كأن يتصدق الإنسان في رمضان على الفقراء وعلى المساكين وعلى المحاويج وإفطار الصوام وإطعام الجائع وتفقد الأسر الفقيرة في منازلهم في بيوتهم أو في جمعيات البر يعطونه أسماء العوائل مسجلة عندهم وعندهم تحري فيعطف عليهم وينفق عليهم ويرعاهم ويكفل الأيتام وينفق أيضا في المشاريع الخيرية في المساجد وفي الأوقاف وفي حلقات تحفيظ القران وفي الدروس وعلى طلبة العلم وعلى المحاويج على المشاريع الخيرية عوما كل ذلك من الصدقات الحسية .
والصدقات المعنوية: التسبيح والتهليل والتكبير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلاوة القران كل هذا صدقات حسية قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ. والسلامى جمع سلميات والسلميات هي المفاصل مفاصل الإنسان والإنسان ركب عى ستين وثلاثمائة مفصل فيجب عليه أن يتصدق عن كل مفصل صدقة قالوا يا رسول الله كيف يستطيع الإنسان أن يتصدق كل يوم ستون وثلاثمائة صدقة فقال عليه الصلاة والسلام إِنَّ بكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ يعني جماع أهله قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا أهله فيكون له فيها أجر قال أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ وتلاوة القران كذلك من الصدقات ومن الحسنات في حديث مسعود أن النبي ﷺ قال مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ .
فعليك يا أخي أن تكثر من الصدقات الحسية والمعنوية في هذا الشهر العظيم بعد العناية بالصيام وبعد أداء الفرائض والواجبات ، الواجبات والفرائض هي التي ينبغي للإنسان أن يهتم بها أولا وما يتقرب العبد إلى الله من شيء أحب إليه مما افترضه عليه كما قال الله تعالى في الحديث القدسي وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ فالتقرب إلى الله بالفرائض واجمالها واكمالها وتحسينها.
حافظ على الصلوات الخمس في جماعة المساجد أدها كما أمر الله وكما أمر رسوله ﷺ لا تؤخر الصلاة عن وقتها حافظ على صومك عن المنقصات وعما يبطله أو يجرحه أدي الأمانات بر والديك هذا واجب عليك صل رحمك أدي العمل الذي ائتمنت عليه فإن العمل أمانة وعقد بينك وبين الدولة إذا كانت الوظيفة حكومية أو في شركة أو في مؤسسة أوفي بالعقد من أول الدوام إلى آخره وأدي العمل ولا تتلاعب ولا تهمل العمل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.
فالواجبات والفرائض ينبغي للإنسان أن يعتني بها أولا ثم بعد ذلك الصدقات ، الصدقات المعنوية والصدقات الحسية الصدقة بالمال الذي تدفعه وتنفقه في المشاريع الخيرية وعلى الفقراء وعلى الأرامل وعلى طلبة العلم وعلى المحاويج وكذلك الصدقات الحسية تكثر من التهليل والتكبير يقول النبي ﷺ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ وقال عليه الصلاة والسلام لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أحب من الدنيا كلها وهذا في كل وقت فكيف برمضان.
وقال عليه الصلاة والسلام كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وقال عليه الصلاة والسلام مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ وقال عليه الصلاة والسلام مَنْ قَالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ وقال عليه الصلاة والسلام مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، كَانَ كَمَن أَعتَقَ أَربَعَ أَنفُسَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وقال عليه الصلاة والسلام مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
هذه كلها صدقات وفضائل في كل وقت ولا سيما في رمضان فعليك يا أخي أن تعتني بهذا الشهر العظيم وتؤدي الفرائض فريضة الصلاة وفريضة الصيام وتؤدي الواجبات ثم تكثر من الصدقات والأعمال الخيرية مثل تلاوة القران والإحسان إلى الناس وبذل المعروف وكف الأذى عن الناس وإطعام الجائع وتعليم الجاهل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك أعمال صالحة .
أسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح الذي يرضيه وأسأله أن يوفقنا وإياكم للعناية بالواجبات وأدائها والفرائض كما شرع ربنا وأسأله سبحانه أن يوفقنا وإياكم للتوبة النصوح والعمل الصالح ، عليك بالإقبال إلى الله بالتوبة النصوح وبالإقلاع عن المعاصي والندم على ما مض والعزم الصادق الجازم على عدم العودة إليها ورد المظالم أهلها والمبادرة إلى ذلك .
أسأل الله أن يتوب علي وعليكم وأن يوفقنا وإياكم على العمل الصالح الذي يرضيه وأن يعيذنا من مضلات الفتن ويثبتنا على دينه القويم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .