بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين. وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله، وأشهد أنه خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، وأنه بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ[1].
أيها الإخوان، محمد رسول الله الأسوة الحسنة، من هو محمد رسول الله؟ هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كعب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن النضر بن مالك بن مدركة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم، بين عدنان وإسماعيل خمسة أجداد أو ستة مختلف فيهم، مع اتفاقهم على أنه من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل.
فنبيّنا ﷺ من سلالة إبراهيم الخليل؛ لأن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بعد ما بعثه الله كل نبي بُعث بعد إبراهيم فمن ذريته ، وكل كتاب أنزله الله على نبي فأنزله على نبيٍ من ذريته، كل نبي بُعث بعد إبراهيم عليه السلام فهو من سلالته ومن ذريته, وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم فإنما أنزله على نبيٍ من ذريته, قال الله تعالى في كتابه العظيم: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ العنكبوت 27 لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رزقه الله ابنان كريمان نبيان رسولان بعد الكبر، بعدما بلغ من الكبر عتيًا وكانت زوجه سارة بنت عمه عقيمًا لا تلد وكانت من أجمل النساء.
وقدَّر الله أن إبراهيم عليه السلام مرَّ على مصر هو وزوجته وكان ملك مصر في ذلك الزمان رجلًا كافرًا ظالـمًا؛ فقيل له لما مرَّ إبراهيم إنه مرَّ ببلدك رجل معه امرأة هي من أجمل النساء لا ينبغي أن تكون إلا لك، فقال: عليَّ بها! فأُدخلت عليه، وجعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يصلّي وكشف الله لإبراهيم، فدعت ربها وقالت: اللهم إني آمنت برسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلّط عليَّ هذا الكافر، فقبل الله دعاءها. وكان إبراهيم قبل ذلك، قبل أن تذهب من عنده إليه، قال لها: إذا سألوني عنك فإني سأقول أنت أختي فلا تكذبيني فأنت أختي في الإسلام، فإنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيركِ, في ذلك الوقت ما في مؤمن غيره وغيرها، وتأوَّل أنها أخته في الإسلام لأنه إذا قال زوجته قد يغارون فإذا قال أخته تكون أخف غيرة. وتوضّأ، وفيه دليل على أن الوضوء مشروع في الأمم السابقة، وتوضّأت هي، فدعت ربها وقالت اللهم إني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلّط عليَّ هذا الكافر؛ فلما أُدخلت عليه ومدَّ يده إليها أُغمي عليه وسقط حتى جعل يفحص الأرض برجله، فقالت سارة: اللهم إن يمت يُقال قتلته. فأفاق ثم قام وجلس على كرسيّه، فمدَّ يده مرة أخرى إليها فأُصيب فسقط وجعل يفحص برجله، فقالت: اللهم إن يمت يُقال قتلته. فأفاق ثم قام وجلس على كرسيّه، فلما مدَّ يده ثالث مرة أُصيب فسقط حتى جعل يفحص برجله، فقالت: اللهم إن يمت يُقال قتلته.
فأفاق ثم قام وقال: أخرجوها عني فإنما جئتموني بشيطانة ولم تأتوني بإنسانة ولم يمسّها، وأرسل معها هاجر خادم أخرجها وأرسل معها خادم هاجر ويُقال آجر. فأعطتها إبراهيم فتسرّاها، سرية، أمة، فولدت فحملت بإسماعيل وولدته، وكان لا يأتيه أولاد وقد بلغ من الكبر عتيًا، بلغ سناً حتى يُقال بلغ تسعين أو مائة وعشرين، فلما حملت وولدت غارت منها سارة، فأمر الله نبيّه إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه هاجر إلى مكة؛ فذهب بهما ووضعهما في وادٍ ليس فيه أحد، لا أنيس ولا فيه أحد ما في إلا وديان، ثم قفّى راجعًا فتبعته هاجر وقالت: إلى من تتركنا في هذا الوادي الذي لا أنيس فيه؟ وكرَّرت عليه ثلاث مرات: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذًا لا يضيعنا، وجلست.
وترك معهما جرابًا فيه تمر وسقاءً فيه ماء، فجعلت تأكل من هذا التمر وتشرب وترضع ولدها حتى نفد التمر ونفد الماء وجاع الصبي، فجعلت تمشي فإذا أقرب شيء لها جبل الصفا فصعدت تنظر هل تجد أحدًا فلم تجد، فنزلت وسعت سعي الإنسان المجهود حتى وصلت إلى المروة وجعلت تنظر فلم تجد أحدًا وهكذا، فعلت هذا سبع مرات. قال ابن عباس : فلذلك كان سعي الناس بينهما سبعًا. ثم بعد ذلك أوصى الله جبريل فغمز الأرض بجناحه فنبع ماء زمزم ثم بعد ذلك جعلت تحوّطه، فجاء ناس ووجدوا الطير يحوم حوله وقالوا لعهدنا بهذا المكان ليس فيه ماء حتى جاؤوا ونزلوا عندها وصاروا أبيات.
ثم جاء إبراهيم بعد مدة عليه السلام والقصة طويلة وأمره الله ببناء البيت الكعبة وتزوَّج بعد ذلك وجاء مرات، المرة الأولى أمره بأن يغيّر عتبة بابه يعني زوجته والمرة الثانية أمره بأن يمسك عتبة بابه، ثم بعد ذلك حملت سارّة بإسحاق بعد مرور اثني عشر عامًا! فرزقه الله إسحاق فإسحاق عليه الصلاة والسلام هو أنبياء بني إسرائيل كلهم من سلالته: إسحاق رزقه الله يعقوب وهو نبي، ورزق الله يعقوب يوسف وهو نبي، أربعة أنبياء في نسق: يوسف نبي وأبوه يعقوب نبي وجدّه إسحاق نبي وجدّه إبراهيم نبي، أربعة أنبياء في نسق؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: الكَرِيمُ، ابْنُ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ، ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ [2].
ويعقوب هو إسرائيل، وجميع أنبياء بني إسرائيل كلهم من سلالة يعقوب ومنهم موسى عليه الصلاة والسلام، والأنبياء كلهم الذين جاؤوا من بعد موسى: داوود، وسليمان، ويحي، وزكريا؛ كلهم كُلّفوا بالعمل بالتوراة، حتى ختم الله أنبياء بني إسرائيل بعيسى وأنزل الله عليه الإنجيل وصار فيه تخفيف بعض الأحكام. وأما إسماعيل فليس من سلالته إلا نبينا محمد ﷺ؛ ولهذا يقول النبي ﷺ: أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ[3]: الذبيح الأول إسماعيل لأن الله أمر إبراهيم بذبح ولده، والذبيح الثاني أبوه عبد الله؛ لأن جدَّه عبد المطلب نذر إن جاءه عشرة من الولد أن يذبح العاشر فكان والد النبي ﷺ هو العاشر، فلما أراد أن يفي بنذره منعه أخواله وقال كيف أفي بنذري؟ قالوا: افتده بالإبل. فجعل يفتديه عشرًا من الإبل ويقرع بينه وبينها فتقع القرعة عليه، فيزيد عشرًا، حتى وصل إلى مائة من الإبل؛ فلما وصلت إلى مائة من الإبل وقعت على الإبل فذبحها. فكان من حكمة الله أن كانت الدية مائة من الإبل.
فنبينا ﷺ هو من ولد إسماعيل بن إبراهيم، ونبيّنا محمد ﷺ هو خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين، ليس بعده نبي، وليس بعده رسول، قال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب 40 ، وقال عليه الصلاة والسلام: وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ[4]؛ فهو خاتم النبيين وخاتم الأنبياء وخاتم المرسلين ليس بعده نبي.
هذا الرسول الكريم وهذا النبي العظيم أوجب الله على الناس جميعًا بعد بعثته أن يؤمنوا به وأن يصدّقوه وأن يؤمنوا بأنه عبد الله ورسوله وأن يشهدوا بأنه رسول الله، والإيمان بمحمد ﷺ والشهادة له بالرسالة أصل الدين وأساس الملّة مع الإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله؛ فالشهادتان هما شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله أصل الدين وأساس الملّة، لا يقبل الله من أحد دينًا بعد بعثة النبي ﷺ حتى يشهد أن لا إله إلا الله، حتى يشهد لله تعالى بالوحدانية وحتى يشهد لنبيه محمد ﷺ بالرسالة. فهما الشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله أصل الدين وأساس الملّة، وهما مفتاح الإسلام، ومفتاح دار السلام، لا يدخل الإنسان في الإسلام حتى يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمدًا رسول الله.
فأصل الدين وأساس الملّة شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود بحقٍ إلا الله. والإله هو المعبود ومعنى لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله فالعبادة حق الله. والعبادة هي الأوامر والنواهي التي أمر الله بها أو أمر بها رسوله والتي نهى الله عنها ونهى عنها رسوله، تفعل الأوامر وتخصّ الله بها تعبّدًا وتعظيمًا لله وخوفًا ورجاءً وتترك النواهي خوفًا من الله وتعبّدًا، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه؛ كل ما أمر الله به أمر إيجاب أو أمر استحباب أو أمر به الرسول ﷺ أمر إيجاب أو أمر استحباب أو نهى الله عنه نهي تحريم أو تنزيه أو نهى عنه الرسول الله ﷺ نهي تحريم أو تنزيه فهو العبادة؛ فالصلاة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والزكاة عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، والدعاء عبادة، والذبح عبادة، والنذر عبادة، والخوف عبادة، والرجاء عبادة، والتوكل عبادة، وبرّ الوالدين عبادة، وصلة الأرحام عبادة، والجهاد في سبيل الله عبادة، وكفّ نفسك عن المحرّمات عبادة.
هذه العبادة لا بد أن تصرفها لله, لابد أن تصرفها لله حتى تكون موحدًا وحتى تصحّ شهادتك، لا تصح شهادة أن لا إله إلا الله إلا بهذا بأن تخلص العبادة لله عز وجل، بأن تعبد الله مخلصًا له الدين. ولا بد مع ذلك أن تشهد أن محمدًا رسول الله، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني تشهد أنه رسول الله وأنه عبد الله ورسوله وأنه خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده وأن رسالته عامة؛ فهاتان الشهادتان لا تُقبل أحدهما بدون الأخرى؛ فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لن تُقبل منه، ومن شهد أن محمدًا رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لن تُقبل منه.
وإذا أُطلقت شهادة أن لا إله إلا الله دخلت فيها شهادة أن محمدًا رسول الله، وإذا أُطلقت شهادة أن محمدًا رسول الله دخلت فيها شهادة أن لا إله إلا الله. فمن أشرك بالله أو صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله؛ ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، أو طاف بغير بيت الله تقرّبًا لذلك الغير، أو ركع لغير الله، أو سجد لغير الله، أو صلَّى لغير الله، أو صام لغير الله، أو حجَّ لغير الله؛ فهو مشركٌ تنتقض عليه شهادة أن لا إله إلا الله ولا تنفعه شهادة أن محمدًا رسول الله؛ إذا بطلت إحدى الشهادتين بطلت الأخرى لا ينفعه شهادة أن محمدًا رسول الله. وكذلك من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم تصح منه حتى يشهد أن محمدًا رسول الله، محمد رسول الله عبد الله ورسوله، فهو عبد ليس بإله ولا برب ولكنه رسول كريم ونبي كريم يُطاع ويُتبع ولكن لا يُعبد فالعبادة حق الله.
وهو رسول عليه الصلاة والسلام خصه الله شرَّفه الله بالرسالة، فلا بد من أن تشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله؛ فشهادتك للرسول أنه عبد الله هي ردٌّ على الغلاة الذين غلوا في الرسول وجعلوه إلهًا أو قالوا إنه يعلم الغيب أو قالوا إنه جزءٌ من الله والعياذ بالله، هؤلاء غلوا في الرسول وجعلوا فيه نوع من الإلهية. وقوله: ورسول الله ردٌّ على الجفاة الذين جفوا الرسول ﷺ ولم يعرفوا له حقه ولم يؤمنوا به عليه الصلاة والسلام ولم يعترفوا برسالته كاليهود والنصارى.
ورسالة نبينا محمد ﷺ عامة للثقلين الجن والإنس، وللعرب والعجم، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الأعراف 158 هذه الآية فيها دليل على عموم رسالته "يا أيها الناس" تشمل العرب والعجم. قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا سبأ 28 ، وقال الله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الفرقان 1 والعالَم عام يشمل الناس كلهم، وقال الله تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ البقرة 19 فمن بلغه القرآن فقد قامت عليه الحُجّة، "من بلغ" من العرب والعجم.
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: وَالَّذِي نَفْسُي بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لا يُؤْمِنْ بِي إِلَّا دخل النَّارِ[5]. فهذه رسالة نبينا محمد ﷺ عامة للثقلين الجن والإنس، فمن اعتقد أن رسالة النبي ﷺ خاصة بالعرب فهو كافر بإجماع المسلمين، ومن اعتقد أن أحدًا يسعه الخروج عن شريعة نبينا محمد ﷺ كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر؛ لأن رسالة نبينا محمد ﷺ عامة ورسالة موسى خاصة ببني إسرائيل؛ ولهذا لما رحل إلى الخضر الرحلة البحرية ليتعلّم منه وهو لا يعرف الخضر قال له: من أنت؟ قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: ما الذي جاء بك؟ قال: جئت أتعلم منك. قال: أما يكفيك التوراة التي أنزلها الله عليك؟ وموسى عليه السلام أفضل من الخضر ففيه دليل على أن الفاضل قد يجد من العلم عند المفضول ما ليس عنده، وفيه دليل على أن الإنسان يأخذ ممن هو دونه العلم، فالعلم شاة قد يكون عند المفضول ما ليس عند الفاضل؛ فرسالة موسى عليه السلام خاصة ببني إسرائيل ورسالة نبينا محمد ﷺ عامة.
ولهذا وسع الخضر أن يخرج عن شريعة موسى لأنه ليس مرسلًا إليه، ومن زعم أنه يسعه الخروج عن شريعة نبينا محمد ﷺ كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر بإجماع المسلمين لأن شريعة موسى خاصة ببني إسرائيل وشريعة نبينا محمد ﷺ عامة، فلا يسع أحدًا الخروج عنها؛ فمن قال إن رسالته خاصة بالعرب أو أن أحدًا يسعه الخروج عن شريعته فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين، ومن قال إن بعده نبي وإنه ليس خاتم النبيين فهو أيضًا كافرٌ مكذّبٌ لله ولرسوله، قال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب 40 .
وشهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله كما قلنا هما أصل الدين وأساس الملّة، وهما شهادتان لا تصحّ إحداهما بدون الأخرى، وهما مفتاح الإسلام؛ فلا يدخل الإنسان في الإسلام إلا بالشهادتين، فهما مفتاح الإسلام وهما مفتاح الجنة، مفتاح دار السلام؛ ولهذا قال البخاري في صحيحه: قيل لوهب بن منبه أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس من مفتاحٍ إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فُتح لك وإلا لم يُفتح لك.
المفتاح له أسنان، معروفة الأسنان: كانت البيوت سابقًا من الخشب، وكان المفتاح من الخشب وله أسنان، أعواد، وهذه الأعواد لها خروق في الباب تدخل هذه الأعواد في الخروق ثم يفتح الباب، ولو سقط سنٌ من الأسنان ما فُتح الباب، والأعواد أو الأسنان هي شرائع الإسلام والواجبات؛ الصلاة مثلاً من الأسنان: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، هذه أسنان، كلمة توحيد هي المفتاح وأسنانها الواجبات التي أوجبها الله.
ولا بد لهذه الشهادة من تحقيقها والعمل بمقتضاها وتحقيق شروطها بأن نشهد ألا إله إلا الله عن علم منافٍ للجهل، وعن يقين منافٍ للشكّ والريب، وعن إخلاص منافٍ للشرك، وعن صدق مانعٍ من النفاق، وعن انقياد لحقوقها، وعن قبول لها. وكذلك شهادة أن محمدًا رسول الله ليست كلمة يقولها الإنسان بلسانه فقط بل لا بد أن يشهد أن محمدًا رسول الله بقلبه ويصدّق هذه الشهادة بأعماله، فمن مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله أن تصدّقه في أخباره كما أنك تصدّق الله فيما أخبر به في القرآن العظيم تؤمن بذلك وتصدق وكذلك تصدق الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به من الغيوب الماضية والغيوب المستقبلة مما أخبر به عما مضى من الأمور الماضية من قصة آدم وأخبار الأمم السابقة وعن بدء خلق السماوات والأرض، وكذلك الأخبار المستقبلة كالإخبار عن أشراط الساعة وعن عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير وعن البعث بعث الأجساد والجزاء والحساب ونشر الدواوين وتطاير الصحف والميزان والحوض والمرور على الصراط ثم الاستقرار في الجنة أو في النار؛ لا بد من الإيمان بهذا كله، لا بد من تصديق الله تعالى في أخباره وتصديق الرسول ﷺ في أخباره، هذا مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله.
فمن شهد ألا إله إلا الله بلسانه ولم يصدّق الله في أخباره فلا تُقبل منه وتنتقض عليه هذه الشهادة، وكذلك من شهد أن محمدًا رسول الله ولم يصدّقه في أخباره فلا تصح منه؛ فلا بد أن تصدّق الله في أخباره وتصدّق الرسول ﷺ في أخباره، والشهادتان متلازمتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى؛ شهادة أن لا إله إلا الله لا تنفك عن شهادة أن محمدًا رسول الله وشهادة أن محمدًا رسول الله لا تنفك عن شهادة أن لا إله إلا الله، ولا تُقبل إحداهما بدون الأخرى؛ فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لن تُقبل منه، ومن شهد أن محمدًا رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لن تُقبل منه. وإذا أُطلقت إحداهما دخلت فيها الأخرى، إذا أُطلقت الشهادة الأولى الشهادة لله تعالى بالوحدانية دخلت فيها شهادة أن محمدًا رسول الله، وإذا أُطلقت شهادة أن محمدًا رسول الله دخلت فيها شهادة ألا إله إلا الله، متلازمتان ولا تنفك إحداهما عن الأخرى.
فمن مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله تصديق الله في أخباره، ومن مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله تصديق الرسول ﷺ في أخباره الماضية والمستقبلة. ومن كذَّب الله في أخباره كفر، ومن كذَّب الرسول ﷺ في أخباره كفر، وصارت شهادته أن لا إله إلا الله بلسانه لا تفيده شيئًا لأنه شهد بلسانه ونقضها بتكذيبه، ومن مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله طاعة الرسول ﷺ في أوامره وفيما أمر به، وكذلك طاعة الله في أوامره؛ أمر الله بإقامة الصلاة، أمر الله بإيتاء الزكاء، أمر الله بصوم رمضان، أمر الله بحجّ بيت الله الحرام، وكذلك الرسول ﷺ أمر بذلك؛ أمر بالصلاة وبالصيام وبالزكاة وبالحج، وهذه الأصول وأركان الإسلام جاءت مجملة في القرآن وجاءت مفصّلة في السنة النبوية فلا بد من تصديق الرسول ﷺ في ذلك ولا بد من طاعته في الأوامر.
فإذا عصى الله أو عصى الرسول ﷺ في أمر من أصل الدين وأساس الملة فإنه يكفر؛ لا بد من طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في توحيد الله وفي اعتقاد أن الله تعالى واحد لا شريك له في أسماءه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا في ألوهيته وربوبيته. وكذلك لا بد من طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام وامتثال أوامره في أداء الصلاة وأداء الزكاة؛ فمن عصى الله وعصى رسوله وترك أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة فإنه يكفر. إذا عصى الرسول ﷺ في ترك الصلاة أو ترك الزكاة أو ترك الصوم، إن كان جاحدًا فهو كافرٌ بالإجماع، وإن لم يكن جاحدًا فالصواب أنه يكفر ولو لم يجحد إذا ترك الصلاة.
وكذلك أيضًا من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله اجتناب النواهي التي نهى الله عنها، ومن مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله اجتناب النواهي أيضًا؛ فإذا نهى الله عن الزنا، عن السرقة، عن شرب الخمر، عن عقوق الوالدين، عن إيذاء الجيران، عن جحد الدين والحق، عن أكل أموال الناس بالباطل؛ يجب ترك هذا الذي نهى الله عنه، ويجب ترك هذا الذي نهى عنه رسوله ﷺ؛ لأن الرسول هو الأسوة والقدوة في أفعاله وأقواله وفيما يأمر به وفيما ينهى عنه.
فإن ارتكب ما نهى الله عنه أو ارتكب ما نهى عنه رسوله، إن ترك المنهي عنه في أمر معلوم من الدين بالضرورة جاحدًا له فإنه يكفر، وإن لم يجحد فإنه يكون عاصيًا؛ إذا فعل الزنا، أو شرب الخمر، أو عقَّ والديه، أو تعامل بالربا، إن كان فعل ذلك معتقدًا أن هذه الأمور أنها حرام وأنها من الكبائر ولكن فعلها طاعة لهوى الشيطان وطاعةً لنفسه وهواه فهذا عاصٍ ضعيف الإيمان. وإن تركها معتقدًا أنه يجوز تركها مستحلًّا لذلك فإنه يكون مرتدًا عن الإسلام؛ إذا اعتقد أن الزنا حلال، أو الربا حلال، أو الخمر حلال، أو عقوق الوالدين حلال؛ فهذا الترك بهذا الاعتقاد يكون ردةً عن الإسلام لأنه مكذبٌ لله ولرسوله؛ لأنه ترك أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة.
إذًا من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله طاعة الأوامر وترك النواهي، ومن مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله أن تعبد الله بما شرعه الله في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ، تتعبَّد لله بما شرعه الله وبما شرعه رسول الله ﷺ؛ لأن الرسول ﷺ هو المبلّغ عن الله وهو الواسطة بين الله وبين خلقه؛ فإذا شرع النبي ﷺ لأمته شيئًا وجب التعبّد لله به. هذا كله من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله ومقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله؛ تصديق الأخبار، وطاعة الأوامر، واجتناب النواهي، والتعبّد لله بما شرعه الرسول ﷺ فيما أنزل الله عليه من الوحي؛ فإن الرسول ﷺ لا ينطق عن الهوى، الرسول عليه الصلاة والسلام يتكلّم بالوحي، قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى النجم 3,4 .
والأحاديث التي رويت عن النبي ﷺ نوعان: النوع الأول الحديث الذي ينسبه النبي ﷺ إلى ربه، هذا من كلام الله لفظًا ومعنىً وهذا يُسمى بالحديث القدسي، مثل حديث أبي ذر أن نبينا ﷺ قال فيما يرويه عن ربه: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا[6]. أو كذلك الحديث القدسي أن النبي ﷺ قال: قَالَ اللهُ تعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، ترَكْتُهُ وَشِرْكَهُ[7]. فهذا الحديث القدسي من كلام الله لفظًا ومعنًى؛ لأن الرسول ﷺ أضافه إلى الله.
والنوع الثاني الذي لا ينسبه الرسول ﷺ إلى الله مثل حديث: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ[8] هذا من الله معنًى ومن الرسول ﷺ لفظًا، ومن كلام رسولنا ما تكلّم به وهو من الله معنًى لأن الله أوحاه إليه، قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى النجم 3,4 .
فإذًا الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسل أصل الدين وأساس الملة, الإيمان بالله وبرسوله ﷺ أصل الدين وأساس الملّة. وكذلك من أصل الدين وأساس الملّة اعتقاد أن محمدًا رسول الله وأنه بشر وليس إلهًا؛ فمن قال إن النبي ﷺ إله أو جزء من الله أو إنه نور فهو كافرٌ؛ لأن هذا من الغلوّ، قال الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ البقرة 171 . ومن ذلك أيضًا من الغلوّ أن ينسب إلى الرسول ﷺ ما هو من خصائص الله، كأن يدّعي أن الرسول يملك الدنيا و يملك الدنيا والآخرة أو أنه يدبّر مع الله أو يتصرّف في هذا الكون أو يدخل الجنة من يشاء ويخرج من يشاء أو أنه يعلم علم اللوح المحفوظ وعلم القلم كما قال البوصيري صاحب البردة يخاطب الرسول ﷺ يقول:
يا أكرمَ الخلْقِ مالي مَن ألوذُ به |
*** |
سواك عند حلول الحادثِ العَمم |
إن لم تكن في معادي أخذًا بيدي |
*** |
فضلًا وإلا فقل يا زلة القدمِ |
يقول إن الرسول ﷺ يخاطب الرسول ﷺ يسأله أن يأخذ بيده ويقول إن لم يأخذ بيده فهو هالك! وليس له أحد يلوذ به، نسي ربَّه والعياذ بالله! ثم قال يخاطب الرسول ﷺ:
فإن مِن جودك الدنيا وضَرتها |
*** |
ومن علومك علم اللوح والقلم |
نعوذ بالله من هذا الغلو! يقول فإن من جودك يا محمد الدنيا وضرتها الآخرة، تملك الدنيا والآخرة إذًا ما الذي بقي لله؟! إذا كان يملك الدنيا والآخرة ما بقي شيئًا لله! قال: "ومن علومك علم اللوح والقلم" هذا غلوّ، هذا رفع للنبي ﷺ من مقام النبوّة إلى مقام العبودية إلى مقام الألوهية.
فلا يجوز الغلوّ في النبي ﷺ، فمن قال إنه يملك الدنيا والآخرة أو إنه يتصرّف في هذا الكون أو قال إنه نور أو جزء من الله والعياذ بالله فهو كافر. الرسول بشر، مخلوق من أب وأم، أبوه عبد الله بن عبد المطلب وأمه آمنة بنت وهب، فهو مولود من أبوين وهو بشر لكن الله شرَّفه قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ الكهف 110 . فلا يجوز الغلوّ في الرسول ﷺ، فمن قال إنه نور أو إنه جزء من الله فهذا من الغلوّ ومن الكفر.
وكذلك أيضًا من أنواع الكفر من زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس خاتم النبيين بل بعده نبي، فهذا كافر لأنه مكذّبٌ لله، فالله تعالى قال: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ الأحزاب 40 ، وقال: وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ[9]؛ فمن قال إن بعده نبي فهو كافر. وكذلك من قال إن نبوته أو رسالته خاصة بالعرب أو أن هناك أحد يسوغ له الخروج عن شريعته فهو كافر، كما سمعنا في النصوص بعموم رسالته: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ الأنعام 19.
وكذلك من انتقص الرسول ﷺ فتنقّص الرسول عليه الصلاة والسلام أو عابه أو عاب دينه فهذا كفر مخرج عن الملة، وكذلك من استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدين الإسلام فهو مرتد. هذه كلها أنواع من الكفر الاستهزاء بالله والاستهزاء بالرسول، من استهزأ بدين الله، من استهزأ بكتابه. وإذا استهزأ الكافر بالرسول عليه الصلاة والسلام وكان بينه وبين المسلمين عهد فقد انتقض عهده ووجب قتله، كهؤلاء الكفرة الدنمارك الذين استهزأوا بالرسول عليه الصلاة والسلام وصوَّروا صوره وسخروا منه؛ هؤلاء انتقض عهدهم، كفرهم كفر غليظ، فيجب مقاطعتهم، فإذا كنا لا نستطيع أن نقاتلهم ولا نقدر فلا أقلَّ من المقاطعة.
فينبغي مقاطعتهم ولا يُشترى من منتجاتهم. وقد صار لهذه المقاطعة تأثير بليغ في إغاظة الكفرة، خسروا مبالغ عظيمة، آلاف مؤلفة خسروها من المقاطعة، وتضامنت دول الكفر معهم وصاروا يجعلون منتجاتهم مع منتجاتهم ويسمونها منتجات الدول الأوربية، ولكن المسلمين لهم بالمرصاد، لا يخفى عليهم، فيجب المقاطعة، يعني ما الذي تفعله إذا لم تقاطع في نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام وفي الذب عن النبي ﷺ وعن دينه؟! ما الذي تفعله إذا كنت لا تقاطع؟ يعني بدلًا من أن تشتري من هذه البقالات اشتر من البقالة الثانية ولا يضيرك، ويكون عندك نية وقصد واحتساب. أما أن يكون الإنسان بارد وساكت ليس عنده إحساس ولا شعور فهذه مصيبة.
فمن سبَّ الله فهو مرتدٌ كافرٌ، ومن سبَّ الرسول ﷺ فهو كافرٌ، ومن سبَّ دينَ الله فهو كافرٌ، ومن استهزأ بالله فهو كافرٌ، ومن استهزأ بالرسول ﷺ فهو كافرٌ، ومن استهزأ بدين الله فهو كافرٌ يجب قتلهم من قبل ولاة الأمور، يُقتل من قبل ولاة الأمور ولا يُستتاب في أصح قولي العلماء. من سبَّ الله أو سبَّ الرسول ﷺ أو سبَّ دين الإسلام أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله وكذلك الساحر وكذلك من تكرَّرت ردّته عند المحققين من أهل العلم يجب قتله من قبل ولاة الأمور ولا تُقبل توبته في الدنيا، حتى لا يتجرَّأ الناس على هذا الكفر الغليظ!
وأما توبته فيما بينه وبين الله فالله تعالى يقبل توبة التائبين، إن كان صادقًا فالله يقبل توبته وإن كان كاذبًا فله حكم الكاذبين، لكن في الدنيا لا تُقبل على الصحيح. وقد ألَّف في هذا مؤلَّفًا عظيمًا في هذا الموضوع: أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وسمى كتابه: الصارم المسلول على شاتم الرسول. وهذا الكتاب كتاب عظيم وحُقّق الآن، محقّق ومطبوع، وهو كتاب عظيم بيَّن فيه رحمه الله أن الصواب من قول أهل العلماء أن ساب الرسول ﷺ لا تُقبل توبته في الدنيا، ولأن الرسول ﷺ في حياته يعفو لكن بعد وفاته ليس لأحد أن يعفو عنه بل لا بد من قتل الساب والشاتم، وفي ضمن ذلك من عاب الرسول ﷺ أو تنقَّصه أو تنقَّص دينه فهذا يُسمى سب، الذم والعيب والتنقص كل هذا من أنواع الردّة ويجب قتل صاحبه وليس لأحد أن يعفو عنه في أصح قولي العلماء، وكذلك الساحر، وكذلك من تكرَّرت ردّته، وكذلك المستهزئ.
والرسول ﷺ أرسله الله لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور كما أن الله أنزل الكتاب العزيز لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ إبراهيم 1 ]، وقال عن نبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ الزخرف 53,52 . الرسول عليه الصلاة والسلام أُرسل لهداية الناس، مهمته البشارة والنذارة وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا سبأ 28 بشيرًا لمن أطاعه بالجنة ونذيرًا لمن عصاه بالنار.
كما أن القرآن أنزله الله لهداية الناس وبشارةً ونذارة إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الإسراء10,9 فيجب التأسّي بالنبي ﷺ في أقواله وأفعاله وتقريراته، فهو الأسوة الحسنة قال الله تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب 21 من هو الذي يتأسَّى بالنبي ﷺ أسوة حسنة؟ هو الذي يرجو الله واليوم الآخر، والمؤمن بالله واليوم الآخر، والذي يذكر الله كثيرًا. أما من لا يرجو الله ولا يؤمن بالبعث ولا بالحساب وكان من الغافلين فلا يتأسَّى بالنبي ﷺ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب 21 .
والسنة تشمل أقوال النبي ﷺ وأفعاله وتقريراته، فأقوال النبي ﷺ سنة وأفعاله سنة وتقريراته سنة في الأمور التي يُتأسَّى بها: في أكله، وفي شربه، وفي نومه، كل هذا من السنة؛ فالأكل باليمين، والشرب باليمين، أكل رجل عند النبي ﷺ بشماله فقال له: كُلْ بِيَمِينِكَ [10]، فقال: لا أستطيع. فقال عليه الصلاة والسلام: لَا اسْتَطَعْتَ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبرُ[11] قال الراوي: فما رفعها إلى فيه! شُلَّت يده في الحال عقوبة. هذا الرجل أكل عند النبي ﷺ بشماله، قال قل بيمينك، قال ما أستطيع وهو كذاب فشُلت يده في الحال، دعا عليه الرسول عليه الصلاة والسلام فاستجاب الله دعوته، قال لا استطعت، يعني جعلك الله لا تستطيع، فشُلت يده في الحال، قال الراوي فما رفعها إلى فيه.
وعمر بن سلمة ربيب النبي ﷺ كان صغيرًا صبياً تطيش يده في الصحفة فقال له النبي ﷺ: يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ[12] هذا من السنة. ومن السنة التسمية عند الأكل، قال النبي ﷺ: إِذَا دَخَلَ الإنسان بَيْتَهُ، فَسمَّ اللهَ عِنْدَ على طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، فَإن دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ لم يُسمِّ الله عِنْدَ أكله، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَأَدْرَكْتُمُ الْعَشَاءَ[13]. فالذكر والتسمية مطلوب حتى عند الجماع، جماع الرجل لأهله، قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَتى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يقَدَّرْ بينهُمَا وَلَدٌ لا يَضُرَّهُ الشَيْطَانٌ أَبَدًا[14].
وعند النوم السنة للمسلم أن يتوضأ وأن ينام على جنبه الأيمن وأن يقول: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفعُهُ، إِنْ أَمْسَكْت نفسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تحَفِظْ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ باسمك اللهُمَّ أحيى و أمُوت[15]. هذه الأذكار سنة، يُقتدى بالنبي ﷺ فيها. وكان ينام على شقّه الأيمن عليه الصلاة والسلام، وعلَّم النبي ﷺ هذا الذكر عند النوم: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نفْسِي إِلَيْكَ، و وَجَّهتُ وجهِي إلَيك, وَفوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً ورهبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ[16].
أما الأمور العادية فهذه ليست محلًا للأسوة والقدوة، فمثلًا تلقيح النخل، رأى النبي ﷺ الناس يلقّحون النخل فقال: لو تركتم التلقيح. فتركوه في سنة فصار النخل شيصً، شاص النخل، فأخبروا النبي ﷺ بذلك فقال: أَنتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنيَاكُمْ[17]. أنتم أعلم بأمور دنياكم في البذر والحرث والزرع وتلقيح النخل، هذه أمور عادية، الرسول ﷺ ما بُعث للأمور العادية، وإنما بُعث لهداية الناس.
وأما أحكام الاستنجاء والاستجمار فكل هذا مما علمناه النبي ﷺ، تتبّع آثار النبي ﷺ في المكان الذي يبول فيه والمكان الذي ينام فيه ليس من السنة هذا؛ ولذلك كبار الصحابة رضوان الله عليهم لم يقتدوا به في هذه الأفعال العادية، وابن عمر اجتهد فكان يتتبع آثار النبي ﷺ في المكان الذي يبول فيه فيبول فيه، والمكان الذي ينام فينام فيه، وهذا اجتهاد خاص به لم يفعله كبار الصحابة كأبيه عمر وكأبي بكر وعثمان وعلي وغيرهم من كبار الصحابة، إنما الذي يُتأسّى به عليه الصلاة والسلام إنما هو في الأمور العبادية، في الأكل والشرب وفي قضاء الحاجة وفي الاستنجاء وفي الاستجمار وفي الدخول دخول المنزل والخروج منه؛ كل هذه من الأمور التي شُرع للأمة أن تقتدي به عليه الصلاة والسلام. أما الأمور العادية التي هي من أمور الناس العادية الدنيوية البحتة فهذه فيها سعة للناس وهذه مما فطر الله عليها الناس فصاروا يعملون في كيفية الحرث والبذر والزرع وتلقيح النخل وما أشبه ذلك.
والرسول عليه الصلاة والسلام هو أفضل الناس وأشرف الناس وأفضل الخلق على الإطلاق كما قال عليه السلام: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ[18]. وأنا حامل لواء الحمد آدم فمن بعده من النبيين كلهم تحت لوائي يقوله عليه الصلاة والسلام، فهو أفضل الخلق وأشرفهم. ومع ذلك هو أعظم الناس تواضعًا، وأكثر الناس حلمًا، وأكثر الناس صبرًا وتحملًا، وأعظم الناس جودًا وكرمًا عليه الصلاة والسلام، وأعظم الناس تواضعًا لله عز وجل مع كونه أفضل الناس ومع كونه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه يتعبّد العبادة العظيمة التي يعجز عنها الناس، تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي ﷺ يقوم من الليل حتى تتفطّر قدميه. يعني تتشقق من طول القيام, تتشقق من طول القيام! فانظر الشقوق ليست بالأمر الهين، متى تتشقق القدمان؟ ما تتشقَّق القدمان إلا من أمر عظيم؛ طول قيام، قعود، ركوع وسجود.
وصلى معه حذيفة مرةً في الليل صلاة الليل فقرأ بسورة البقرة، فظن أنه يركع بعد مضي جزء فمضى والجزء الثاني مضى حتى ختم البقرة ثم شرع في آل عمران ثم شرع في النساء وفي بعض الروايات شرع في النساء أولًا ثم في آل عمران ثم ركع! خمسة أجزاء وربع في ركعة واحدة مع الترتيل والتدبر، لا يمرّ بآية فيها رحمة إلا وقف يسأل، ولا آية فيها عذاب إلا وقف يتعوّذ، ولا آية فيها تسبيح إلا وقف ليسبح. ثم ركع ركوعًا طويلًا قال الراوي في الحديث: فكان نحوًا قريبًا من قيامه طول الركوع. ثم رفع فكان قريبًا من قيامه، ثم سجد فكان سجوده قريبًا من قيامه، من يستطيع هذا؟ خمسة أجزاء وربع في ركعة واحدة والركوع والسجود كذلك.
وفي حديث ابن عباس كان النبي ﷺ إذا صلَّى العشاء آوى إلى فراشه، ينام، وكذلك داوود عليه الصلاة والسلام كان ينام ينصف الليل. ونحن الآن يمضي ثلاث أرباع الليل ولا ننام إلا في آخر الليل ومنا من يسهر، وهذا الخميس والجمعة سهر إلى الفجر على أي شيء؟ لا على صلاة ولا على قراءة، إذا كان على أمر مباح هذا أسهل لكن قد يكون على شيء محرّم! لكن النبي ﷺ كان إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام يصلّي، وقت التنزّل الإلهي. وكان داوود عليه الصلاة والسلام في الحديث: أَفضَلُ الصَّلاَةِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ ينَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيقُومُ ثلُثَهُ، وَينَامُ سُدُسَهُ[19].
ونبينا ﷺ يقول في الحديث الصحيح الذي رواه أصحاب الصحاح والسنن وهو من الأحاديث المتواترة يقول النبي ﷺ: يتنزَّلُ رَبنَا تبَارَكَ وَتعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنيَا، حِينَ يَبقَى ثلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ[20]. حتى يطلع الفجر, وقت التنزُّل الإلهي هو ثلث الليل الآخر وصلاة داود: كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه؛ فصلاة داود هي السدس الرابع والخامس من الليل، ووقت التنزّل الإلهي هو السدس الخامس والسادس، وعلى هذا فيكون النصف الأخير من الليل أفضل في أسداسه الثلاثة؛ السدس الرابع والخامس هذا قيام داود، والسدس الخامس والسادس هو السدس الأخير وهو التنزّل الإلهي.
فأين نحن من هذا الوقت الثمين الفاضل؟! النفس في مجاهدة ومعالجة للقيام لصلاة الصبح! للقيام لصلاة الفريضة الآن ضُيعّت! أين القدوة وأين الأسوة بالنبي ﷺ؟! نحن الآن في جهاد مع أنفسنا ومع أولادنا جهاد في الاستيقاظ لصلاة الصبح لأننا ابتُلينا بالسهر ولم نتأسَّى بالنبي ﷺ. ابتُلينا بالسهر هذا السهر المصيبة الذي يؤدي إلى تضييع صلاة الصبح، فصارت النفس في صراع، الإنسان الذي عنده حياة في قلبه حياة في صراع مع نفسه في الاستيقاظ لصلاة الصبح، لا ينام إلا متأخرًا. فريضة الله التي لا بد من أدائها نحن في صراع، الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقوم الليل وداود كان يقوم الليل والمؤمنون الذين أثنى الله عليهم كانوا يقومون الليل: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الذاريات 18,17 ، وقال عنهم سبحانه: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ السجدة 16 .
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ[21]. يعني "وصلاة الرجل في جوف الليل" يطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. هذا الرسول عليه الصلاة والسلام هو الأسوة الحسنة، فأين نحن من التأسّي به؟! نحن في صراع مع أنفسنا في أداء الفريضة التي هي صلاة الفجر! كثير من الناس لا يصلي الفجر إلا بعد الشمس وهذه مصيبة, مصيبةٌ عظيمة، حتى أفتى جمعٌ من أهل العلم بأن الذي لا يصلي الصبح إلا بعد الشمس باستمرار وديدنه ذلك وعادته ذلك ولم تفته فوت الحرص أنه يكون مرتدًا عن الإسلام ولا تفيده صلاته التي صلاها؛ لأنه لم يؤد الصلاة في وقتها وقد قال الله تعالى: إِ إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا النساء 103 وليس له عذر فلا تصح منه صلاته. وبهذا أفتى جمعٌ من أهل العلم بأنه يكون مرتدًا، ومن قال إنه ليس بمرتد قال إنه مرتكب لجريمة أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاقّ لوالديه وقاطع الرحم.
فالرسول عليه الصلاة والسلام هو الأسوة الحسنة، نتأسَّى به في أقواله وأفعاله وتقريراته، وفي معاملاته وفي حِلمه وتحمّله وصبره على الأذى، كان في إحدى الغزوات تعلَّق به الأعراب لما قسم بين الناس بعض الغنائم وجعلوا يتعلَّقون به الأعراب ويجرّونه حتى خطفت ردائه وقال: أَعْطُونِي رِدَائِي، فلَوْ كَانَ لي عَدَدُ هَذِهِ العِضَاهِ يعني الشجر إبلاً ونعَمًا، لَقَسَمْتُهُ بَينَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلاَ كَذُوبًا، وَلاَ جَبَانًا[22]. وجاء أعرابيٌ فجذب النبي ﷺ جذبةً شديدة من كتفه حتى أثَّرت حاشية البرد في كتفه وقال: أعطني يا محمد من مال الله لا من مال أبيك ولا من مال أمك! فالتفت إليه النبي ﷺ وهو يضحك وأمر له بعطاء. هذا خلقه عليه الصلاة والسلام وهذا صبره وهذا تحمّله عليه الصلاة والسلام.
ومما يجب التأسّي به عليه الصلاة والسلام: التأسّي به وامتثال أوامره في إعفاء اللحية وعدم التعرّض لها، قال عليه الصلاة والسلام: حُفُّوا الشَّوَارِبَ وَاعفُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وخالِفُوا الْمَجُوسَ "[23]. كذلك التأسّي به في رفع الإزار فوق الكعب، كثير من الناس ابتُلوا بالإسبال، قال عليه الصلاة والسلام: ما أسفل من الكعبين ففي النار رواه البخاري في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: إزرة المؤمن إلى نصف الساق، وقال عليه الصلاة والسلام: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ الْمُسْبِلُ إِزَارَهُ ، والْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى، ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبَ[24].
وفَّق الله الجميع لطاعته وثبَّت الله الجميع على الهدى، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
---------------------
[1] صحيح مسلم 4/ 2074، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن ،رقم: 2699.
[2] صحيح البخاري 4/ 151، باب قول الله تعالي: لقد كان في يوسف ،رقم: 3390.
[3] المستدرك على الصحيحين للحاكم 2/ 609، باب ذكر من قال أن الذبيح هو إسحاق بن يعقوب، رقم: 4048.
[4] صحيح مسلم 1/ 371، باب كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم: 523.
[5] صحيح مسلم 1/ 134،باب وجوب الإيمان برسالة نبينا، رقم: 153.
[6] صحيح مسلم 4/ 1994، باب تحريم الظلم، رقم: 2577.
[7] صحيح مسلم 4/ 2289، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم: 2985.
[8] صحيح البخاري 1/ 6 باب كيف كان بدء الوحى لرسول الله ،رقم: 1.
[9] صحيح مسلم 1/ 371، باب كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم: 523.\
[10] صحيح مسلم 3/ 1599، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما، رقم: 2021.
[11] سبق تخريجه.
[12] صحيح البخاري 7/ 68، باب التسميه على الطعام والأكل باليمين، رقم: 5376.
[13] صحيح مسلم 3/ 1598، باب أداب الطعام والشراب وأحكامهما ، رقم: 2018.
[14] صحيح البخاري 8/ 82، باب ما يقول إذا أتى أهله، رقم: 6388.
[15] مسند أحمد ط الرسالة 15/ 361، باب مسند أبى هريرة ، رقم: 9589.
[16] صحيح البخاري 8/ 68، باب إذا باب طاهرا وفضله، رقم: 6311.
[17] صحيح مسلم 4/ 1836، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، رقم: 2363.
[18] سنن ابن ماجه 2/ 1440، باب ذكر الشفاعة، رقم: 4308.
[19] صحيح البخاري 4/ 161، باب أحب الصلاة إلي الله صلاة داود، رقم: 3420.
[20] صحيح البخاري 8/ 71، باب الدعاء نصف الليل ، رقم: 6321.
[21] السنن الكبرى للنسائي 10/ 214، باب قوله تعالي :تتجافي جنوبهم عن المضاجع ،رقم: 11330.
[22] صحيح البخاري 4/ 94، باب ما كان النبي ،رقم: 3148.
[23] السنن الكبرى للبيهقي 1/ 232، رقم: 689 رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " وَخَالِفُوا الْمَجُوسَ.
[24] السنن الكبرى للنسائي 8/ 435، باب إسبال الإزار وذكر اختلاف ألفاظ ،رقم: 9622.