بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، إلى العرب والعجم، وأشهد أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين وأنه لا نبيَّ بعده، وأشهد أنه بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة؛ تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده. فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ([1]).
أيها الإخوان، هذه الكلمة حول هذا الحديث وهو قوله ﷺ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَحَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ([2]). هذا الحديث فيه حثّ المسلم على اغتنام الأوقات التي يكون فيها قادرًا على فعل الخير قبل أن تعرض له العوارض، والمسلم مأمور بأن يملأ أوقاته بما يقرّبه إلى الله عز وجل.
والله سبحانه وتعالى خلق الثقلين (الجن والإنس) لعبادته، وتوحيده وطاعته، لم يخلقهم سُدًى ولم يتركهم عبثًا لا يُؤمرون ولا يُنهون في الدنيا ولا يُحاسبون ولا يُجازون في الآخرة أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى، بل خلق الإنسان لأمر عظيم.
قد هيّؤوكَ لأمرٍ لو فطنتَ لهُ | فاربأ بنفسكَ أن ترعى مع الهملِ |
خلق الله الإنسان وميَّزه عن سائر الحيوانات بالعقل، شرَّفه بالعقل وأعطاه السمع والبصر والفوائد، بخلاف الحيوانات العجماوات فإنها خُلقت تسبح الله عز وجل وهداها الله لمرعاها ولم يعطها عقلًا فلم يكلّفها. وقد عرض الله أمانة التكليف على السماوات والأرض والجبال عرض تخيير فأبت حملها وأشفقت منها وحملها الإنسان على ظلمه وجهله إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا.
إذًا نحن مخلوقون لأي شيء خلقنا الله؟ لعبادته، وتوحيده، وطاعته وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. وأرسل الله الرسل وأنزل الكتب تأمر الناس وتدعوهم إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، إلى الأمر الذي خُلقوا له، تدعوهم إلى العمل بأسباب السعادة والنجاة؛ وأسباب السعادة والنجاة أن يكون الإنسان في هذه الحياة موحدًا لله، مخلصًا له الدين، يعبد الله، مخلصًا له الدين على وفق ما شرع الله وسنَّه رسول الله ﷺ، هذا هو طريق السعادة وطريق النجاة.
طريق السعادة وطريق النجاة أن يعبد الإنسان ربَّه مخلصًا له الدين، بأن يوحد الله ويخلص له العبادة؛ ولهذا أرسل الله الرسل وأنزل الكتب تدعو الناس إلى هذا الأمر الذي خُلقوا له؛ تدعوهم إلى توحيد الله، إلى أن يقولوا لا إله إلا الله، لا إله إلا الله كلمة التوحيد من أجلها خلق الله الخلق، من أجلها أرسل الله الرسل، من أجلها أنزل الله الكتب، من أجلها خُلقت الجنة والنار، من أجلها انقسم الناس إلى شقي وسعيد، من أجلها حقَّت الحاقة ووقعت الواقعة وقامت القيامة، من أجلها افترق الناس إلى سعداء وأشقياء، إلى أبرار وفجّار، إلى مؤمنين وكفار.
لا بد أن يملأ الإنسان وقته بمعرفة الله عز وجل وتوحيده وإخلاص الدين له، لا بد أن يملأ الإنسان وقته بتحقيق هذه الكلمة كلمة التوحيد لا إله إلا الله. لا بد أن تقولها أيها المسلم عن علم ومعرفة، فهذه الكلمة لها ركنان لا تصح إلا بهما، قائمة على ركنين:
الركن الأول: النفي والبراءة من كل معبود سوى الله. والركن الثاني: الإيمان بالله وإخلاص الدين له. لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله، الركن الأول: "لا إله" هذا النفي، تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله، وتتبرَّأ من كل معبود سوى الله، وهذا هو الكفر بالطاغوت؛ الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتنفيها وتنكرها وتبغضها وتبغض أهلها وتعاديهم، ثم تعبد الله، وتوحّد الله، وتخلص له العبادة. لا بد من هذين الأمرين حتى يكون الإنسان موحدًا، مسلمًا: أن يتبرّأ من كل معبود سوى الله، وأن ينفي العبادة عن غير الله، ثم يؤمن بالله وحده. يتخلَّى من كل عبادة سوى الله ويتبرّأ منها، تخلية ثم يتحلى بالإيمان، قال الله تعالى في كتابه العظيم: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( البقرة 256).
"فمن يكفر بالطاغوت": هذا هو الركن الأول لكلمة التوحيد وهي البراءة من كل معبود سوى الله. "ويؤمن بالله": هذا الركن الثاني. ليس هناك توحيد إلا بهذين الركنين: بالنفي والإثبات، بالبراءة من كل معبود سوى الله وبالإيمان بالله. فالبراءة في قولك "لا إله"، والإيمان بالله في قولك "إلا الله". لا بد لكل مسلم أن يكون على علم بذلك، وأنه لا يحصل التوحيد إلا بهذين الأمرين، لا يكون الإنسان موحدًا ولا مؤمنًا إلا بهاذين الأمرين الركنين: الركن الأول النفي وهو البراءة من كل معبود سوى الله، البراءة من المشركين، والبراءة من أديانهم، والبراءة من كل معبود سوى الله، وإنكارها ونفيها وبغضها وعداوتها ومعادتها ومعاداة أهلها، ثم يتحلَّى بالإيمان.
فلو نفى الإنسان العبادة وسكت لصار مشركًا، ولو قال أنا أعبد الله ولكن ما تبرَّأ من عبادة معبود سوى الله لكان أيضًا مشركًا، فلا بد من الأمرين. ثم إذا وحّد الإنسان ربَّه وقال: "لا إله إلا الله" وأخلص العبادة لله، لا بد أن يأتي بحقوق هذا التوحيد والإيمان، وحقوق التوحيد والإيمان هي الأعمال الصالحات، هي أداء الواجبات وترك المحرَّمات؛ ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدُوا أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ و أنِّي رَسُولُ الله، فَإِذَا فَعَلُوا ذلك، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ([3]). حق هذه الكلمة حقوق هذه الكلمة الواجبات، وأعظم واجب الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه حقوقها. وكذلك ترك المحرّمات التي أعظمها وأغلظها الشرك بالله، والعدوان على الناس في الدماء، والقتل، أو قطع عضو أو جرح الجسد، العدوان على الأموال عن طريق السرقة أو الغصب أو السلب أو النهب أو الغش أو الخداع أو تنفيق السلعة بالحلف الكاذب أو جحد الدين والحق إلى غير ذلك من وجوه أكل أموال الناس بالباطل، وكذلك العدوان على الناس في الأعراض: بالزنا، والسخرية، والاستهزاء، والغيبة، والنميمة، واحتقار الناس وازدرائهم. ومن المحرمات: شرب الخمر، والتعامل بالربا، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم. هذه هي حقوق التوحيد، حقوق هذه الكلمة، وهي التي يملأ بها الإنسان فراغه.
اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: اغتَنِم شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ([4]). تغتنم شبابك بأي شيء؟ اغتنم شبابك فوحّد الله وأخلص له العبادة، اغتنم شبابك بأن تتعلم معنى هذه الكلمة "لا إله إلا الله" وأن تعرف معناها وتحقق شروطها، املأ فراغك بهذا، اغتنم شبابك بمعرفة هذه الكلمة. واغتنم فراغك قبل شغلك، واغتنم حياتك قبل أن تموت، واغتنم غناك قبل أن تفتقر وتنشغل عن معرفة هذه الكلمة وحقوقها.
اغتنم شبابك، واغتنم فراغك، واغتنم غناك، واغتنم حياتك، اغتنمها بأي شيء؟ اغتنمها بأن تؤدّي ما أوجب الله عليك من التوحيد وحقوقه، وبهذا تكون سعيدًا وتنجو من عذاب الله فتكون من أهل السعادة، فهذا هو الموفّق الذي يغتنم حياته بأن يتعلَّم الأمر الذي خلقه الله من أجله، يتعلَّم التوحيد فيعلم أن التوحيد لا بد فيه من البراءة من كل معبود سوى الله ولا بد فيه من الإيمان بالله ولا بد فيه من الإتيان بحقوق هذا التوحيد وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الواجبات وترك المحرّمات؛ تفعلها مستصحبًا أمرين:
الأمر الأول أن يعملها عن إخلاص لله عز وجل، يريد بذلك وجه الله. والأمر الثاني عن متابعة لرسول الله. يصلي مخلصًا صلاته لله، يصلي عن إخلاص ورغبة ورهبة، ويصلي متابعًا للنبي ﷺ؛ فلو صلَّى رياءً أو سمعة لم تصح صلاته ولو صلّى خالصًا لله لكنه خالف السنة فصلّى المغرب أربع ركعات أو نقص منها من أركانها أو زاد متعمدًا لم تصح صلاته. إذًا لا بد من أمرين، لا بد أن تتعلَّم, تتعلَّم كيف تؤدي الواجبات، تؤديها عن إخلاص، مريدًا بذلك وجه الله، تؤدّيها عن متابعة لرسول الله ﷺ.
الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام لماذا أرسلهم الله؟ هل أرسلهم ليعلّمون الناس التجارات؛ كيف يبيعون، كيف يشترون، كيف يزرعون، كيف يحرثون، كيف يبنون؟! لا، هذه أمور يعرفها الناس، يعرفونها لأنهم فُطروا عليها، لكن أرسلهم الله يعلّمون الناس التوحيد، يعلّمون الناس الأمر الذي خُلقوا له. كل نبي أرسله الله بادئاً ذي بدء يأمر الناس بعبادة الله وترك عبادة من سواه، قال الله تعالى في كتابه العظيم: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ( الاعراف 58). "اعبدوا الله": هذا الإيمان بالله، "ما لكم من إله غيره": هذه البراءة من كل معبود سوى الله، وهذا هو معنى "لا إله إلا الله" لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ( الاعراف 58).
هود بماذا دعا قومه؟ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ( الاعراف 65). صالح بماذا دعا قومه أول ما دعا قومه؟ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ( الاعراف 73). شعيب بماذا دعا قومه؟ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ( الاعراف 85). وكل نبي بعثه الله يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ( النحل 36)، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(الأنبياء 25).
هذا الأمر العظيم الذي خلقنا الله من أجله. العاقل، اللبيب، الفطن، الموفَّق هو الذي يملأ فراغه بتحقيق التوحيد الذي خلقه الله من أجله. النبي ﷺ يقول: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: اغتَنِم شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ([5]) اغتنم شبابك في تحقيق التوحيد، في أداء الواجبات، وترك المحرّمات، في تعلّم العلم، تعلَّم، تبصَّر، تفقَّه في دينك؛ لأن التعلم وسيلة, وسيلة إلى العبادة، يتعلَّم الإنسان ثم يعمل. تبصَّر، تعلَّم العلم الشرعي، وأصل العلوم ومنبع العلوم كتاب الله عز وجل، كتاب الله العظيم الذي فيه الهدى والنور، اقرأ القرآن، احفظ القرآن، أكثر من تلاوة القرآن، تعلَّم معاني القرآن.
كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا تعلَّموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلَّموا معانيها والعمل بها، كما قال أبو عبد الرحمن السُّلمي التابعي الجليل: "حدثنا الذين يقرئوننا القرآن: عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان، أنهم كانوا إذا تعلَّموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلَّموا معانيها والعمل بها" بهذا يملأ الإنسان فراغه، تعلَّم القرآن، احفظ القرآن وأنت صغير. على الآباء أن يسجّلوا أولادهم في مدارس تحفيظ القرآن الخيرية حتى يحفظوا كتاب الله وهم في الصغر، وكذلك في المدارس النسائية للبنات والزوجات، يُسجّلون في هذه المدارس حتى يتعلّموا كتاب الله؛ فكتاب الله فيه الهدى والنور، فيه البشارة، فيه النذارة: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا( الإسراء 9). كتاب الله يدعو إلى التوحيد، إلى العمل الصالح، إلى الخُلُق الفاضل، ينهى عن الشرك، يبيّن صفات المؤمنين ويحثُّ عليها، يبيّن صفات الكفار ويحذّر منها، يبيّن صفات المنافقين ويحذّر منها.
من قرأ كتاب الله وتعلَّم وعمل بما فيه فهو السعيد المغبوط، المحسود حسد غبطة، كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ([6]) والمراد بالحسد هنا الغِبطة، فالحسد حسدان: حسد مذموم يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وهو أن يتمنَّى الإنسان أن تزول النعمة عن أخيه المسلم ويبقى معدمًا منها، هذا الحسد المذموم الذي قال الله فيه: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ( الفلق5)، هذا الحسد الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، هذا الحسد الذي أخرج إبليس من الجنة؛ حسد آدم على النعمة التي أعطاها الله إياها، هذا لا يجوز.
الثاني حسد الغِبطة وهي أن تتمنَّى أن يكون لك من الخير والنعمة مثل ما لأخيك من غير أن تتمنَّى زوالها، رأيت إنسانًا موفقًا في حفظ القرآن تتمنَّى أن تكون مثله من غير أن, فإن تمنيت أن تنتقل النعمة عنه ويبقى معدمًا منها فهذا الحسد المذموم. رأيت أخًا لك أعطاه الله مالًا من كسب حلال وينفق في المشاريع الخيرية تتمنَّى أن تكون مثله ويبقى هو على ما هو عليه من الخير، لا تتمنَّى زوالها، هذا حسد الغِبطة. قال عليه الصلاة والسلام: (لاَ حَسَدَ)([7]) يعني لا غِبطة (إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ)([8]) يعني في خصلتين رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ([9]).
وفي لفظ: لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا([10]) والحكمة هي القرآن، مأخوذة من القرآن رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ ([11]) يعني على إنفاقه في الخير. فهذا هو الأمر الذي ينبغي للإنسان أن يغتنمه، وأن يغتنم شبابه، اغتنم شبابك في تعلّم العلم الشرعي، في حفظ القرآن، في حضور الدروس العلمية، قراءة الكتب النافعة، سماع الأشرطة المفيدة لأهل العلم والبصيرة المعروفين بسلامة المعتقد، سؤال أهل العلم مهاتفتهم وسؤالهم حتى تتبصَّر وتتفقَّه في شريعة الله حتى تعبد ربك على بصيرة؛ هذا هو الأمر الذي خُلقت لأجله. تغتنم شبابك قبل أن يأتي الهرم، فإذا جاء الهرم ضعف الإنسان، فالشباب قوّة ونشاط وانبساط، وفي الهرم والشيخوخة ضعف ونقص وتعب.
اغتنم شبابك في تعلّم العلم، في البصيرة، تتبصَّر في شريعة الله، في عبادة الله، في أداء الواجبات، في ترك المحرَّمات، في الأمر بالمعروف، في النهي عن المنكر، في المساهمة في الخير، في إحسان العمل وإتقانه قبل أن يأتي وقت الهرم.
اغتنم حياتك قبل موتك، الحياة ميدان فسيح للعمل، فإذا مات الإنسان انقطع عمله ولا يستطيع أن يعمل. اغتنم وقت الحياة في الخير فيما يقرّبك إلى الله، تعلّم العلم ما دمت في الحياة، أنفق مما أعطاك الله، اكسب الأموال من الوجوه المشروعة وأنفقها في وجوه الخير، أنفق على الفقراء، أحسن إلى الأيتام والأرامل، مُرْ بالمعروف وانْه عن المنكر، وادع إلى الله على بصيرة، أحب لأخيك ما تحب لنفسك، ما دمت في الحياة قبل الموت اغتنم الفراغ قبل الشغل، إذا كان الإنسان عنده فراغ يغتنم هذا الفراغ قبل أن يُشغل؛ يُشغَل إما بطلب المعيشة، بأولاد ليس له ما ينفق عليهم فيضطر إلى أن يكسب العيش له ولأولاده ولا يتفرَّغ لطلب العلم ولا يتفرَّغ لأعمال أخرى، اغتنم وقت الفراغ قبل أن يأتي الوقت الذي تُشغل.
اغتنم وقت الغنى، ما دمت قد أعطاك الله ما يسدّد حاجتك قبل أن تفتقر فتنشغل في طلب لقمة العيش لك ولأولادك، اغتنم شبابك قبل أن يأتي وقت الهرم ووقت الشيخوخة، اغتنم وقت الغنى قبل أن يأتي وقت الفقر، اغتنم وقت الحياة قبل أن يأتيك الموت، بماذا تغتنمه؟ تغتنمه بما يقرّبك إلى الله عز وجل، بأن تتعلَّم وتتبصَّر وتتفقَّه في شريعة الله.
أعظم ما يشغل الإنسان به نفسه في هذه الحياة ما يقرّبه إلى الله عز وجل من توحيد الله وإخلاص الدين له، حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. ثبت في الصحيحين من حديث معاذ بن جبل أن النبي ﷺ قال له وكان رديفًا له على حمار قال له: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ([12]) فقال: لبيك وسعديك يا رسول الله أتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ؟. كرّر له قال: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ([13]) فقال: لبيك وسعديك. ثم سار ساعة ثم قال: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ([14]) فقال: لبيك وسعديك ثم سار ساعة فقال: أتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ؟([15]) أتاه بصيغة الاستفهام حتى يتشوَّق ويتهيَّأ. فقال معاذ: الله ورسوله أعلم. قال: حَقُّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)([16]). ثم قال: أتَدْرِي مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُو ذلك؟ ([17]) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حَقُّ العِبَادِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ من لا يُشرِكُ به شيئَاً([18]).
هذا الأمر العظيم الذي خلقنا الله لأجله، هو الذي ينبغي للإنسان أن يشغل فيه وقته؛ شبابه، وفراغه، وصحته، وحياته، وغِناه. يغتنم وقت الشباب، يغتنم وقت الحياة، يغتنم وقت الغنى، يغتنم وقت الفراغ، يغتنم وقت الحياة، بأي شيء يغتنمه؟ بما يقرّبه إلى الله عز وجل، بتحقيق التوحيد والإيمان، تحقيق كلمة التوحيد، تحقيق هذه الكلمة التي خُلق الخلق لأجلها، والتي أُرسلت الرسل وأُنزلت الكتب من أجلها، حقّق هذه الكلمة.
كثير من الناس يقول لا إله إلا الله لكن لا يعرف معناها، لا بد أن تقولها عن علم ينافي الجهل. العلم الذي ينافي الجهل أن تعلم أنها مكوّنة من نفي وإثبات، وأنها قائمة على ركنين: النفي وهي نفي العبادة عن غير الله، والإثبات إثبات العبادة لله. لا بد أن تقولها عن يقين منافٍ للشك والريب، تقولها وأنت تعلم أنه لا معبود بحقٍ إلا الله، عن يقين ليس فيه شك ولا تردّد. بخلاف المنافقين، فإنهم يقولونها وعندهم شك وتردّد فلا تنفعهم إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( الدخان 86), لا بد من العلم واليقين، لا بد أن تقولها عن صدق يمنع من النفاق، فالمنافقون يقولون لا إله إلا الله وهم في الدرك الأسفل من النار، لماذا؟ لأنهم لم يقولوها عن صدق، يقولونها بألسنتهم وقلوبهم مكذبة، قلوبهم تكذّب ألا معبود بحق إلا الله، وألسنتهم تنطق؛ فلا بد أن يتواطأ القلب واللسان، لا بد أن تقولها عن إخلاص ينافي الشرك.
فإذا قال الإنسان لا إله إلا الله بلسانه ثم نقضها بأفعاله فدعا غير الله، أو ذبح لغير الله، أو نذر لغير الله، كما يُفعل عند القبور في كثير من البلدان في خارج هذه البلاد العربية وغير العربية، تجد هناك قبور، يأتي الزائر ثم يصرف له حق الله فيقول يا فلان، أو كما يأتي الزوّار عند قبر النبي ﷺ في المدينة ويقول: يا رسول الله أغثني، يا رسول الله فرّج كربتي، يا رسول الله المدد المدد جئتك من بلاد بعيدة لا تخيّب رجائي! هذا الشرك، نقض توحيده بهذا الشرك.
الدعاء حق الله فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ( الشعراء 213)، وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ( هود 106) يعني المشركين، وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا( الجن 18 )، وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ( فاطر 14,13 ). تُسمع الهتافات والدعوات: يا سيدي رسول الله أغثني، فرّج كربتي، يا عبد القادر الجيلاني، يا سيدي البدوي، يا دسوقي، يا ابن علوان، يا عيدروس المدد المدد خذ بيدي، هذا الشرك, الشرك الأكبر الذي يخرج من الملة وصاحبه مخلّد في النار.
يقول "لا إله إلا الله" بلسانه ثم ينقضها بأفعاله، هل ينفع؟ ما ينفع، صحيح أنه وحَّد لما قال "لا إله إلا الله" لكن لما أشرك نقضها، مثله في ذلك مثل الإنسان حينما يتوضَّأ ويحسن الوضوء ويتطهر ويحسن الطهارة ثم يخرج منه بول أو غائط أو ريح، هل تبقى الطهارة ولا تزول؟ أين الطهارة؟ هو توضَّأ وأحسن الوضوء وتطهر وأحسن الطهارة ثم خرج منه بول أو غائط أو ريح بطلت الطهارة انتقضت بالحدث. فكذلك إذا قال لا إله إلا الله ووحَّد الله وصلَّى وصام" ثم قال: مدد يا رسول الله، مدد يا دسوقي، أغثني يا رسول الله، فرّج كربتي؛ بطل التوحيد، انتقل من كونه مسلمًا إلى كونه وثنيًا وصار من أهل الأوثان إلا إذا تاب وجدَّد التوبة من جديد. انتقل من كونه من المسلمين فصار من المشركين ومن أهل الأوثان.
كذلك إذا ذبح لغير الله، ذبح خروف أو عجل أو دجاج للبدوي أو للدسوقي أو لابن علوان أو للعيدروس أو لنفيسة؛ أشرك بالله. الذبح عبادة، قال الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(الكوثر2)، وقال سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي( الأنعام 162) يعني وذبحي قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ( الأنعام 162).
كذلك إذا نذر لغير الله، النذر عبادة، قال: أنذر على روح البدوي: رُدّ غائبي أو شُفي مريضي أو نجح ولدي في الامتحان أذبح خروف على روح السيد البدوي، أو أوزّع جنيهات على روحه، هذا الشرك، هذا شركٌ أكبر. فالنذر عبادة مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ([19])، قال تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ( الانسان 7).
أو يطوف بقبره كما يطوف بالكعبة المشرّفة. الطواف عبادة، قال تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ( الحج 29) ، ويطوف بقبر النبي ﷺ أو يطوف بقبر البدوي أو الدسوقي أو نفيسة أو الحسين يطوف سبعة أشواط يتقرّب إليهم، الطواف عبادة. والإخوان الوافدين إلى هذه البلاد يعلمون أنه يوجد في بلادهم من يطوف حول القبور ومن يذبح لهم وينذر لهم ويدعوهم من دون الله؛ فعليهم أن يحذروا بأنفسهم ويحذّروا غيرهم.
إذا كان يذبح لأصحاب القبور أو ينذر لهم أو يطوف بقبورهم أو يدعوهم من دون الله وهو يقول "لا إله إلا الله" بطل توحيده وإيمانه، ما تنفعه حتى يتوب من الشرك. نقضها، هو يقول "لا إله إلا الله" ويصلي ويصوم ولكن نقضها بالشرك فما تنفع، وإذا مات على ذلك صار رمن أهل النار، إلا إذا تاب، لا بد أن توحّد الله. كذلك إذا قال "لا إله إلا الله" وحَّد الله لكن سبَّ الله، أو سبَّ الرسول عليه السلام، أو سبَّ دين الإسلام ماذا يكون؟ أو استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه؛ بطل توحيده وإيمانه وصار وثني إلا إذا تاب توبة نصوح يعلم الله منه أنه صادق، وإلا إذا مات عليه صار من أهل النار ولو كان يصلي؟ ولو كان يصلي, ولو كان يصوم، ولو كان يحجّ. أين تكون صلاته وصومه وحجّه؟ يبطل، قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ( المائدة 5)، وقال سبحانه: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( البقرة 217).
كذلك إذا شكَّ في الجنة، أو شكَّ في النار، أو شكَّ في البعث، أو شكَّ في ربوبية الله أو في ألوهيته، أو شكَّ في الملائكة، أو أنكر ربوبية الله، أو قال مع الله مدبّر في هذا الكون، أو قال إن لله صاحبة أو ولدًا، أو أنكر ملكًا من الملائكة، أو رسولًا من الرسل، أو أنكر الجنة أو النار أو البعث أو شكَّ في شيء من ذلك، أو قال محمد ليست رسالته عامة بل للعرب خاصة، يكون كافر. أو قال رسول الله لم يبلّغ الرسالة، أو قصَّر في تبليغ الرسالة مثل ما يقول بعض الأصوات التي تسمعون التي سُجلت الذي يقول: أخطأت يا رسول الله، لم تؤدّ ما عليك، خرجت من هذه الدنيا ولم توصِ إلى عليّ، أخطأت يا رسول الله خطأً كبيرًا، تتحمَّل أوزار هذه الأمة؛ هذا ردّةٌ عن الإسلام لأنه اتهم الرسول ﷺ بأنه لم يؤدّ ما أوجب الله عليه، فهذا مرتدّ ينتقض إسلامه ودينه ويكون من أهل النار إذا مات على ذلك. إذًا لا بد من التوحيد من الإخلاص المنافي للشرك.
أو قال "لا إله إلا الله" وحّد الله لكن اعتقد أن الصلاة غير واجبة، قال الصلاة ليست واجبة، الذي يريد يصلي يصلي والذي لا يحب أن يصلي فلا يصلي، الصلاة رياضة من أحب أن يصلّي وإلا لا حرج عليه، هذا مرتدٌّ. وجوب الصلاة أمرٌ معلوم من الدين بالضرورة، من أنكر وجوب الصلاة فهو كافرٌ بإجماع المسلمين.
أو قال الزكاة غير واجبة، أو الحج غير واجب، أو الصوم غير واجب، أو برّ الوالدين غير واجب؛ فهذا مرتدٌّ بإجماع المسلمين، انتقض فعل ناقضًا من نواقض الإسلام. أو أنكر أمرًا معلوم من الدين بالضرورة تحريمه؛ أنكر تحريم الزنا فقال الزنا حلال، أو اعتقد أن الربا حلال، أو الرشوة حلال، أو عقوق الوالدين حلال، أو قطيعة الرحم حلال، أو الغيبة والنميمة حلال؛ فهذا مرتدٌّ لأنه أنكر أمرًا معلوم من الدين بالضرورة تحريمه. بخلاف الشيء الذي فيه خلاف مثل لو أنكر الوضوء من أكل لحم الجَزور ما يكفر، لأن هذا فيه خلاف بين أهل العلم وغير مجمع عليه.
فلا بد للمسلم أن يملأ فراغه بتعلّم حقوق التوحيد، يعلم ما هو الأمر الذي ينقض التوحيد والإيمان، يتعلَّم في وقت شبابه في وقت فراغه في وقت حياته في وقت غِناه قبل أن تعرض له عوارض، قبل أن تمنعه الشيخوخة والهرم، أو يمنعه الفقر، أو يمنعه الموت فيقطع عليه يموت تنقطع تنتهي حياته فلا يستطيع. فهذه أمور لا بد للمسلم أن يعلمها، لا بد أن يوحّد الله ويكون عن إخلاص منافٍ للشرك، ولا بد أن يقول كلمة التوحيد ويوحّد الله عن محبة, محبة للتوحيد ولأهله وللواجبات التي أوجبها الله، فإن لم يحب التوحيد ولا الواجبات التي أوجبها الله ولم ينقد لها؛ صار كإبليس، وفرعون الذي يصدَّق في الباطن ولكنه لم ينقد، ليس له عمل يتحقق به توحيده وإيمانه.
إبليس هو مصدّق مؤمن، إبليس وفرعون مصدقان في الباطن، لكنهما استكبرا عن عبادة الله فكانا كافرين ولا ينفعهما التصديق في الباطن، استكبر إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ( البقرة 34). وفرعون استكبر عن عبادة الله وطاعة رسوله رسوليه موسى وهارون قال الله عنه: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ( المؤمنون 47). فالمستكبر عن عبادة الله الذي لا يؤدي الواجبات مثله مثل إبليس وفرعون، استكبر عن عبادة الله، ولو زعم أنه مصدّق؛ فبعض الناس يقول الإيمان في القلب ولا يعمل! والكفر في القلب أيضًا والنفاق في القلب!
من الذي يعلم ما في القلب؟! أنت قل لي ما في القلب يمكن أيضًا الكفر في القلب، يمكن في قلبك كفر ونفاق، هات العمل، صدّق ما في قلبك، الأعمال تصدّق؛ فإن كنت تؤدّي الواجبات وتنتهي عن المحرّمات علمنا أن ما في القلب إيمان، وإن كنت مستكبرًا عن عبادة الله وتفعل الجرائم والمنكرات والكفر علمنا أن ما في قلبك كفر ونفاق. الإيمان في القلب والنفاق في القلب والكفر في القلب أيضًا، لكن هات الدليل، هات البرهان الذي يدلّ على ما في القلب.
إذا صلح القلب صلحت الجوارح، وإذا فسد القلب فسدت الجوارح أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ([20]). لا بد من الإخلاص المنافي للشرك، ما يقع في عملك شرك حتى يكون توحيدك سالم خالص، لا بد من المحبة لهذه الكلمة ولأهلها، ولا بد من الانقياد المنافي للترك، الانقياد لحقوق التوحيد: صلاة، صيام، زكاة، حج، برّ الوالدين، كفّ النفس عن المحرّمات؛ عن الشرك، وعن الزنا، وعن العدوان على الناس في الدماء، والعدوان على الأموال، والعدوان على الأعراض، لا بد من الانقياد لحقوق هذه الكلمة ولا بد من القبول المنافي للترك؛ فقد يقولها بعض الناس ولكن لا يقبلها ممن دعاه إليها تكبرًا.
ولا بد من الكفر بما يُعبد من دون الله كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مَنْ دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ، وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ([21]). لا بد من "كفر بما يُعبد من دون الله"، الكفر بما يُعبد من دون الله معناه البراءة من كل معبود سوى الله، والبراءة من كل دين سوى دين الإسلام، والبراءة من كل مشرك وكافر، هذا معنى الكفر بما عُبد من دون الله. تتبرَّأ من المشركين، تتبرَّأ من اليهود، تتبرَّأ من النصارى، تتبرَّأ من الوثنيين، وتتبرَّأ من أديانهم وتبغضهم وتعاديهم، ولكن ليس معنى ذلك أنك تقاتلهم، لا، الكفار قسمان:
قسم محارب للمسلمين وبيننا وبينهم حرب وقتال، هذا نقاتله. وقسم بيننا وبينهم أمان وهدنة، بيننا وبينهم عهد، هذا لا يحل دمه وماله، أو دخل إلى البلاد بأمان أو بعقد أو بكفالة؛ هذا معصوم الدم والمال (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة). لكنك تبغض هذا الكافر تبغضه وتبغض دينه وتتبرَّأ منه ومن دينه وإن كنت تعامله معاملة دنيوية. فالذي يقول مثلًا اليهود والنصارى على دين فأنا ما أقول فيهم شيئًا، الإسلام دين واليهودية دين والنصرانية دين، كلٌ يتديَّن بما يشاء؛ فهذا مرتدٌّ لأنه لم يكفر بالطاغوت! لا بد أن تعتقد أن اليهود على دين باطل، والنصارى على دين باطل.
وحدة الأديان! سمعتم بوحدة الأديان أو المؤتمر الذي قيل فيه مؤتمر وحدة الأديان وقالوا إن الأديان الثلاثة يعترفون بها: النصرانية (المسيحية)، واليهودية، والإسلام. وقالوا نريد أن نجعل دينًا ممتزجًا من ثلاثة، ونجعل في كل بلد مسجدًا وكنيسةً وبيعة، ومصحف وتوراة وإنجيل. هذا كفر وردّة عن الإسلام! هذا اعتراف و إقرار للكفر! ولهذا حذَّرت اللجنة الدائمة برئاسة سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أظن المؤتمر الذي عُقد في مؤتمر وحدة الأديان في عام.. ما أدري ألف وأربعمائة وكذا.. عشرة أو قبلها، وحذَّروا من هذا المؤتمر وبيَّنوا أنهم على كفر وضلال، وأنه لا يجوز الدخول فيهم ولا الاعتراف ولا مشاركتهم.
فلا بد من البراءة من كل معبود سوى الله، والذي لا يتبرَّأ من المشركين ليس بمسلم، وهذه الحنفية ملّة إبراهيم: أن تعبد الله مخلصاً له الدين، قال الله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ( الممتحنة 4 ) هذه الحنفية ملّة إبراهيم. قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ قدوة أسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هذه البراءة، هذا معنى النفي إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ( الممتحنة 4 ) هذا هو التوحيد، براءة من كل معبود سوى الله، وإخلاص الدين لله عز وجل.
لا بد أن تملأ وقتك بهذا، اغتنم شبابك في تحقيق التوحيد والإيمان، في تعلّم العلم الشرعي، في حفظ القرآن، في تعلّم تفسير القرآن، تعلّم الفقه، القراءة في كتب الفقه وكتب الحديث وكتب التفسير، حضور الدروس والحلقات، سؤال أهل العلم، تتبصَّر في معاني كلام الله حتى تعبد الله على بصيرة. أنزل الله القرآن لماذا؟ للتعبّد بتلاوته وللعمل به، بتصديق أخباره وتنفيذ أحكامه.
وتلاوة القرآن نوعان: تلاوة لفظية، وهي أن يتعلَّم الإنسان كلام الله، بأن يقرأ القرآن ويحفظه، هذه عبادة قراء القران عبادة، له بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها كما ثبت في حديث عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ قال: مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ([22]). رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. فهذا من فضل الله وإحسانه، إذا قرأت الم( البقرة1) ثلاثة حروف بثلاثين حسنة إذا تقبَّل الله، وقد يُضاعف، فهذا أقلّ ما يُضاعف، وعلى حسب ما يكون في القلب من حقائق الإيمان. هذه عبادة تلاوة القرآن، لكنها وسيلة إلى التلاوة الأخرى وهي التلاوة الحكمية، فالتلاوة التي عليها مدار السعادة والشقاوة هي التلاوة الحكمية.
والتلاوة الحكمية هي تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه. تصدّق الأخبار التي أخبر الله بها أو أخبر عنها رسوله؛ الأخبار عن الأمم الماضية، والأخبار عما يكون في آخر الزمان، والأخبار عما يكون يوم القيامة من البعث والنشور والحساب والجزاء والثواب والعقاب والجنة والنار، وتنفيذ الأحكام: امتثال الأوامر واجتناب النواهي؛ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ( البقرة 83) تمتثل الأمر، وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا( آل عمران 278) تترك الربا، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا( الإسراء 32 ) تمتثل هذا النهي، هكذا، تمتثل الأوامر وتجتنب النواهي، تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام.
بعض الناس يقرأ القرآن والقرآن يلعنه! كما قال بعض السلف: احذر أن تقرأ القرآن والقرآن يلعنك. قيل له وكيف ذلك؟ قال: يقرأ قول الله أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ( الأعراف 44) وهو يظلم، ويقرأ قول الله فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ( ال عمران 26) وهو يكذب، يقرأ قول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ( البقرة 279,278) , يقرأ ثم بعد أن يضع المصحف يذهب ويعقد عقدًا ربويًا يحارب الله ورسوله! ارتكب النهي الذي قرأه! يقرأ قول الله تعالى لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ( النساء 29), ويذهب يتعامل باليانصيب، أو يأكل المال عن طريق الرشوة، أو الخداع، أو الغش، أو جحد الدين والحق؛ أكل مالًا بالباطل فما امتثل القرآن. امتثل!
فهذه التلاوة الحكمية هي التي عليها مدار السعادة والشقاوة وهي تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام، تمتثل الأوامر وتجتنب النواهي، وتنزجر بزواجره وتتعظ بمواعظه وتعمل بمحكمه وتؤمن بمتشابهه وتقف عند حدوده؛ هذه هي التلاوة التي عليها مدار السعادة والشقاوة، قال الله تعالى في كتابه العظيم: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ( البقرة 121 ) يعني يعملون به أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ( البقرة 121 ).
وبهذا تملأ فراغك، وتملأ أوقاتك قبل أن ترد لك العوارض، تغتنم شبابك قبل الهرم، تغتنم حياتك قبل الموت، تغتنم غِناك قبل الفقر، تغتنم فراغك قبل الشغل بأن تعمل بهذا القرآن، تقرأ القرآن وتعمل به، تتلوه حق تلاوته، هذا هو طريق السعادة وهذا هو طريق النجاة.
فهذه كلمة مختصرة عما يملأ به الإنسان وقته قبل أن تعرض له العوارض، وينتهز الفرصة ويعمل بحديث النبي ﷺ فيغتنم الشباب قبل الشيخوخة والهرم، ويغتنم الحياة قبل الموت، ويغتنم الفراغ قبل الشغل، ويغتنم الحياة قبل الموت، ويغتنم الصحة قبل السقم؛ هذه الأمور الخمسة يغتنمها بما يقرّبه إلى مولاه، خير ما يغتنم به الإنسان أن يتفقَّه ويتبصَّر في شريعة الله، ويوحّد الله، ويخلص له العبادة، ويؤدّي حقوق التوحيد، ويعمل الأعمال الصالحة، ويدعو إلى الله على بصيرة حتى يكون من الرابحين.
وقد أقسم الله تعالى في كتابه العظيم وهو الصادق لتأكيد المقام بأن كل إنسان خاسر إلا من علم وعمل ودعا إلى الله وصبر على الأذى فقال سبحانه وتعالى في سورة قصيرة قال فيها الإمام الشافعي رحمه الله: لو ما أنزل الله على خلقه حُجّةً إلا هذه السورة لكفتهم، وهي قول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ( العصر 3,2,1). والعصر هو الزمان الذي فيه الأعمال، "إن الإنسان" الإنسان جنس الإنسان في خسر وهلاك "إلا الذين آمنوا" والإيمان مبني على العلم والبصيرة، تتعلَّم وتتبصَّر وتتفقَّه في شريعة الله حتى يكون إيمانك على بصيرة، تملأ أوقاتك بأن تتعلَّم وتتبصَّر. ثم "عملوا الصالحات" فيكون إيمانك يصدّقه العمل بأداء الواجبات وترك المحرمات.
ثم التواصي بالحق وهو الدعوة إلى الله؛ تدعو إلى الله على بصيرة، تدعو الناس إلى هذا الخير ليوفّقها الله، تدعو الناس إلى التوحيد؛ تأمرهم بالتوحيد، تنهاهم عن الشرك، تأمرهم بأداء الواجبات، تنهاهم عن المحرمات، تدعو إلى الله على بصيرة حتى تكون من أتباع الرسل. ثم تصبر على الأذى، لا بد أن تصبر على الأذى وإذا لم تصبر تنقطع، لأنك حينما تقوم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقف في وجوه الناس، تقف أمام الناس وتصادم الناس وتقف أمام رغباتهم، والناس إذا وقف أحد أمام رغباتهم لا بد أن يؤذوه إما بقول أو بفعل، فلا بد أن تصبر فإن لم تصبر فإنك تنقطع.
الرسل صبروا، قد تصبر, قد تُؤذى، قد تُضرب، قد تُهان، قد يُتفل في وجهك، والأنبياء منهم من قُتل ومنهم من ضُرب، زكريا ويحيى قُتلوا قال الله تعالى: فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ( البقرة 87) وقد أدّوا ما أوجب الله عليهم، قُتلوا، وكثير من الدعاة قُتلوا. الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا عمل؟ ماذا حصل له؟ وُضع السَّلا على جسده الشريف وهو ساجد يصلي، وجاءه أبو جهل وخنقه حتى كاد أن يموت فجاء أبو بكر وأزال عنه وقال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله. وسمَّه اليهود فوضعوا له السّم، وحاولوا قتله مرّات، وسقط في غزوة أحد في حفرة، وكُسرت رباعيته، وهُشمت البيضة على رأسه، وجُرحت وجنتاه، وسال الدم على وجهه الشريف وسقط في حفرة وصاح الشيطان إن محمدًا قد قُتل فجاءت ابنته فاطمة وعلي رضي الله عنهما وجعلوا يصبّون الماء على الدم فجعل الدم يزيد، فجاءت فاطمة رضي الله عنها بحصير فأحرقته ووضعته على مكان الدم فوقف، ما عندهم مثل عندنا مطهرات توقف الدم، هكذا جاءت بحصير وأحرقته ووضعته على مكان الدم، هذا رسول الله وهو أفضل الخلق، إذًا لا بد أن تصبر على الأذى. هذه صفات الرابحين؛ الإيمان عن بصيرة وعلم، ثم عمل الصالحات ثم الدعوة إلى الله على بصيرة ثم الصبر على ذلك.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء الرابحين، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء السعداء الأبرار، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم اغتنام الأوقات قبل أن تعرض لنا العوارض، اغتنام الشباب واغتنام الحياة واغتنام الغنى واغتنام الصحة واغتنام الفراغ قبل أن تأتي اضدادها بما يقرّبنا إلى الله عز وجل. ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح الذي يرضيه، وأن يجعلنا وإياكم من الموحدين المحققين للتوحيد، وأن يرزقنا تحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمحدثات والخرافات وعوائد الجاهلية، وأن يتوفانا على الإسلام غير مغيّرين ولا مبدّلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
([1]) صحيح مسلم (4/ 2074)،باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، رقم: 2699.
([2]) السنن الكبرى للنسائي (10/ 400)، باب كتاب المواعظ، رقم: 11832.
([3]) مسند أحمد ط الرسالة (15/ 286)،باب مسند أبى هرير ، باب 9475.
([4]) سبق تخريه.
([5]) سبق تخريجه.
([6]) صحيح البخاري (1/ 25)،باب الاغتباط في العلم والحكمة، رقم: 73.
([7]) سبق تخريجه.
([8]) سبق تخريجه.
([9]) صحيح مسلم (1/ 558)،باب فضل من يقوم بالقرآن، رقم: 815.
([10]) سبق تحريجه.
([11]) سبق تحريجه.
([12]) صحيح البخاري (1/ 37)، باب من خص بالعلم قوما دون قوم، رقم: 128.
([13]) سبق تخريجه.
([14]) سبق تخريجه.
([15]) صحيح البخاري (8/ 105)،من جاهد نفسه في طاعه الله، رقم: 6500.
([16]) سبق تخريجه.
([17]) سبق تخريجه.
([18]) سبق تخريجه.
([19])صحيح البخاري (8/ 142)، باب النذر في الطاعة، رقم: 6696.
([20]) صحيح البخاري (1/ 20)،باب فضل من أستبرأ لدينه ، 52.
([21]) صحيح مسلم (1/ 53)، باب الأمر بقتال الناس، رقم: 23.
([22]) سنن الترمذي ت بشار (5/ 25)، باب من قرأ حرفا من القرآن ،رقم: 2910.