شعار الموقع
شعار الموقع

التوحيد وأثره في نفوس الحجيج

00:00

00:00

تحميل
201

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أيها الأحبة في الله يسر تسجيلات الراية الإسلامية بالرياض أن تقدم لكم هذه المحاضرة، والتي هي بعنوان: التوحيد وأثره في نفوس الحجيج، لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، والتي أُلقيت بجامع عثمان بن عفان-رضي الله تعالى عنه- بحي الوادي بمدينة الرياض في الثامن عشر من شهر ذي القعدة لعام ألف وأربعمائة وست وعشرين من الهجرة النبوية.

وأسأله أن يوفق العلماء والدعاة وكل مسلم إلى ما فيه خير لهذا الدين، ثم إن الحديث في موضوعنا مع فضيلة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي في محاضرةٍ من أعظم الأمور التي عُني بها النبي في دعوته بل في عباداته في صومه، وفي صلاته، وفي حجه، وفي الصدقة والزكاة، كان يحرص النبي على أمر التوحيد، وإن مما بدأ به النبي في حجه:

بأن يُنادي عليه أفضل الصلاة والسلام "لبيك حجاً لا رياء ولا سمعة" عن هذا الموضوع وهو أمر التوحيد، وهو الذي ختم الله به آية الأنعام قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام:162]، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[الأنعام:163].

ومما أخبر النبي في الحديث الذي رواه الإمام مسلم من حديث عثمان: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ([1])، عن التوحيد وأثره في هذه الفريضة، فريضة الحج يُحدثنا شيخنا الفاضل، فأسأل الله تعالى أن يثيب شيخنا وأن يزيده علماً وتُقى وهدى، وأسأله أن يجعلنا وإياكم جمعياً ممن يستمعون القول فيتبع أحسنه، وأترككم مع شيخنا الفاضل وفقه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني أشهد أنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس إلى العرب والعجم.

وأنه خاتم النبيين وأنه لا نبي بعده، وأشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأُثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه أن يُصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، كما أسأله أن يرزقنا جميعاً الإخلاص في العمل والصدق في القول.

كما أسأله سبحانه أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً وأن يجعل مجلسنا هذا مجلس خير وعلمٍ ورحمة تنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي قال: وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ([2]).

أيها الإخوان الحج وسائر العبادات وسائر أركان الإسلام كلها شرعها الله تعبداً له ، وإخلاصاً لوجهه الكريم، فالله أنزل الكتب وأرسل الرسل ليُعبد وحده، وليكون الدين له وحده ، وليُتبع أوامره وأوامر رسله، وتجتنب نواهيه ونواهي رسله، والله خلق الخلق لذلك.

خلقهم ليعبدوه، وليوحدوه وليفردوه بالعبادة كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، وأرسل الله الرسل، وأنزل الكتب للدعوة إلى توحيده سبحانه، وإخلاص الدين له وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل 36].

وكل نبيٍ بعثه الله إلى قومه يأمرهم بادئ ذي بدئ بإخلاص العبادة لله وحده، ويقول: يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف 58]، وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف 65]، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف 73]، وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف 85]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ[الأعراف25].

فالعباد والجن، والإنس، والثقلان خُلقوا لعبادة الله وتوحيده، وإفراده بالعبادة، والقيام بأمره، وامتثال أمره سبحانه، واجتناب نهيه، وطاعة رسله.

هذا هو الأمر الذي خلق الله العباد من أجله، وأرسل الله الرسل وشرع الشرائع لعبادته، فالله تعالى شرع الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج؛ لنعبده وحده، لنخلص له هذه العبادة لنفرده بها، لنقوم بحقه وأمره، لنعظمه سبحانه، لنمتثل أمره ونجتنب نهيه، والحج أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يقوم الإسلام ولا يستقيم إلا بها.

والإسلام هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، سُمي إسلام لما فيه من الاستسلام والانقياد والإذعان، والامتثال لأمر الله وأمر رسوله.

وأصل الإسلام: أن تعبد الله وحده لا شريك له، وأن تتبع رسل الله في كل زمان وفي كل مكان، فالإسلام دين الإسلام بمعناه العام: هو توحيد الله وطاعة كل نبيٍ في زمانه، والإسلام هو دين الله في الأرض والسماء، ولا يقبل الله من أحدٍ ديناً غير دين الإسلام، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

فالإسلام في زمن آدم هو توحيد الله وطاعة آدم في ما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن نوح توحيد الله وطاعة نوح فيما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن هود توحيد الله وطاعة هود فيما جاء به من عند الله، والإسلام في زمن صالح توحيد والله وطاعة صالح فيما جاء به من عند الله، والإسلام في زمن إبراهيم توحيد الله وطاعة إبراهيم فيما جاء به من عند الله، والإسلام في زمن موسى توحيد الله وطاعة موسى فيما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن عيسى هو توحيد الله وطاعة عيسى فيما جاء به من الشريعة.

ولما بعث الله نبينا محمد ﷺ، كان الإسلام بمعناه الخاص: هو توحيد الله وإتباع محمد فيما جاء به من الشريعة الخاتمة، وشريعة نبينا محمد نسخت جميع الشرائع، والله تعالى بنا دين الإسلام على  خمسة أركان ودعائم وأسس لا يقوم ولا يستقيم إلا بها.

أعظمها وأصلها وأُسها توحيد الله وإخلاص الدين له، الشهادة لله تعالى بالوحدانية، والشهادة للنبي محمد   بالرسالة، هذا هو أصل الدين، وأصل الملة، وهذا هو الأساس الأول هو القاعدة الأولى لدين الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن تشهد أن محمداً رسول الله.

ثم الأساس الثاني والقاعدة الثانية: إقام الصلاة.

ثم الأساس الثالث: إيتاء الزكاة.

ثم القاعدة الرابعة: صوم رمضان.

ثم الأساس الخامس: حج بيت الله الحرام.

كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أن النبي قال: بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وصَومِ رمضَان وَحَجِّ بيت الله الحَرَام ([3]).

والحج هو خامس أركان الإسلام، وهذه أسس وعُمد من أقامها واستقام عليها وحفظها فإنه لابد أن يؤدي شرائع الإسلام الأخرى، ومن ضيعها فهو لما سواه أضيع، من أقام هذه الأركان واستقام عليها وحافظ عليها وحفظها وأداها عن إخلاص ورغبة ورهبة يدفعه ذلك إلى أن يؤدي بقية شرائع الإسلام الأخرى.

وليس معنى ذلك أن الإنسان لا يجب عليه إلا هذه الأركان الخمسة، هناك واجبات أخرى، بر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، وحسن المعاملة، وأداء الحقوق، وكذلك المحرمات يجتنب المحرمات مثل الشرك بالله، والعدوان على النفوس، والعدوان على الدماء، والعدوان على الأموال والأعراض، لكن هذه أسس وعُمد وقواعد من أقامها واستقام عليها وحفظها دفعه ذلك إلى أن يؤدي بقية شرائع الإسلام الأخرى.

والحج فرضه الله في العمر مرة، الحج هو قصد بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج، قصدٌ مخصوص من شخصٍ مخصوص في وقتٍ مخصوص لأداء مناسك الحج.

أوجبه الله تعالى في العمر مرة على المستطيع، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، أوجبه الله تعالى في العمر مرة، على من توفرت فيه الشروط على المسلم وهو المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع بماله وبدنه، فإذا توفرت هذه الشروط فإنه يجب على الإنسان أن يُبادر إلى الحج..

فإن تأخر مع قدرته واستطاعته فقد توعده الله بقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران:97]، فيجب على المسلم أن يُبادر إلى أداء فريضة الحج إذا توفرت هذه الشروط، وعليه قبل أن يُسافر للحج أن يتفقه في دينه ويتبصر في مناسك الحج؛ حتى يؤدي مناسك الحج على بصيرة.

وعليه أن ينتخب من ماله نفقة خالصة من الحرام والشبهة للحج، وعليه أن يختار رفقة طيبة تُعينه على أداء نُسكه، وعليه أن يؤدي المظالم والحقوق والودائع، والديون التي عليه، وعليه أن يستحل ممن بينه معاملة ومشاحنة، وعليه أن يسترضي والديه أو من وجد منهما.

ثم إذا وصل المسلم إلى أحد المواقيت الخمسة التي وقتها رسول الله وهي: ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب، ويلملم لأهل اليمن وتُسمى السعدية، وقرن المنازل لأهل مجد ويُسمى السيل، وذات عرق لأهل العراق والمشرق وتُسمى الضريبة.

إذا وصل إلى واحدة من هذه المواقيت يجب عليه أن يُحرم وهو يريد الحج والعمرة، لا يجوز له أن يتجاوزها إلا بإحرام، سواء كان مروره عليها براً أو بحراً أو جواً، وهو مخير بين واحد من الأنساك الثلاثة المعروفة بالتمتع والقران، والإفراد.

والتمتع هو أن يُحرم بالعمرة أولاً، بأن ينوي بقلبه الدخول في العمرة، فإذا نوى بقلبه الدخول في العمرة فإنه أحرم الإحرام هو النية، ثم يذكر نُسكه في تلبيته فيقول: لبيك اللهم عمرة، لبيك عمرة، أو اللهم لبيك عمرة، وسواء قال متمتعاً من الحج أو لم يقل، لبيك عمرة، أو اللهم لبيك عمرة، ولا يتلفظ بالنية فيقول:اللهم إني أريد العمرة؛ لأن هذا لم يرد عن النبي r، إنما يذكر نُسكه في تلبيته.

أما ما يذكره الفقهاء المتأخرون بأنه يقول: اللهم إني أريد العمرة، أو اللهم إني نويت العمرة أو اللهم إني نويت الحج، فهذا بدعة، لأنه لم يرد عن النبي r، وهم يقولون: إنما حتى يتواطأ القلب واللسان، حتى إنه قالوا: إنه يتلفظ بالنية في الصلاة حتى يتواطأ القلب واللسان، وهذا بدعة، لم يرد عن النبي أنه تلفظ بالنية، والنية محلها القلب.

ثم يُلبي بتلبية رسول الله لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ولا يزال يُلبي، وتتأكد التلبية عند تغير الأحوال، عند الارتفاع، وعند الهبوط، وعند ملاقاة الركبان، وإذا فعل محذوراً ناسياً وعند إقبال الليل، أو إدبار النهار.

فإذا وصل إلى مكة، ووصل إلى البيت الحرام، حينئذٍ يقطع التلبية، فيطوف بالبيت سبعة أشواط من الحجر إلى الحجر، من الحجر إلى الحجر هذا يعتبر شوط، سبعة أشواط بنية طواف العمرة، يطوف سبعة أشواط بالنية، والنية في القلب ولا يحتاج أن يقول نويت أن أطوف بالبيت سبعة أشواط لا يتلفظ، يكفي النية بالقلب، والله تعالى يعلم ما في القلوب.

يطوف بالبيت سبعة أشواط بنية طواف العمرة، وطواف القدوم يدخل تبعًا، ثم يصلي ركعتين خلف المقام إن تيسر،وإلا فبأي مكان.

ثم يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة الكافرون، وفي الثانية بعد الفاتحة قل هو الله أحد، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط سعي العمرة، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، ذهابه سعية، ورجوعه سعية، فإذا أتم سبعة أشواط فإنه يُقصر من شعر رأسه أو يحلق شعر رأسه.

وإذا كان وقت الحج قريباً فالأفضل أن يُقصر حتى يحلق في الحج، ويتحلل حينئذٍ انتهى من العمرة وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، ولا يزال حلالاً حتى يأتي اليوم الثامن من ذي الحجة.

 فإذا أتى اليوم الثامن من الحجة أحرم من مكانه الذي نزل فيه، يغتسل يُسن الاغتسال والتنظف والتطيب كما يفعل عند العمرة ثم ينوي بقلبه الدخول في الحج ويقول: لبيك حاجاً، فيكون أحرم بالحج ثم يذهب إلى منى في اليوم الثامن هذا المتمتع، وأنا لن أفصل الآن وإنما أذكر باختصار؛ حتى نُبين أثر التوحيد في الحاج.

أما القارن فإنه إذا وصل إلى أحد المواقيت الخمسة ينوي بقلبه الدخول في العمرة والحج معاً، فإذا نوى بقلبه الدخول في الحج والعمرة أحرم بهذه النية، ثم يذكر نُسكه في تلبيته فيقول: لبيك عمرة وحجا، أو اللهم لبيك عمرة وحجا، ثم يلبي بتلبية رسول الله : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ ([4]).

فإذا وصل إلى مكة إذا وصل إلى البيت الحرام فإنه يطوف بالبيت سبعة أشوط طواف القدوم سنة، بخلاف المتمتع.

المتمتع طاف بالبيت طواف العمرة فرض، والقارن هنا طاف طواف القدوم سبعة أشواط سنة، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط سعي الحج والعمرة، القارن ليس عليه إلا سعي واحد وطواف واحد، هذا الطواف للقدوم، والسعي هو بالخيار، إن أحب أن يسعى بعد طواف القدوم، وإن أحب أن يؤخره مع طواف الإفاضة يوم العيد فله ذلك.

فإذا طاف بالبيت سبعة أشواط أدى طواف القدوم، ثم يسعى سعي العمرة والحج معاً، وإن أحب أن يؤخر السعي فله ذلك، ولا يتحلل، ولا يُقصر بعد السعي يبقى على إحرامه، حتى يأتي اليوم الثامن، فإذا جاء اليوم الثامن خرج إلى منى مع الناس.

وأما المفرد الذي أفرد بالحج فإنه إذا وصل إلى أحد المواقيت الخمسة بعد التنظف والتطيب والتجرد من المخيط ينوي بقلبه الدخول للحج، فيقول: لبيك حجا، أو اللهم لبيك حجا، فيكون هنا دخل في الحج أحرم بالحج مفرداً.

فإذا وصل إلى مكة إذا وصل إلى البيت الحرام طاف بالبيت سبعة أشواط طواف القدوم مثل القارن سواء بسواء سنة، ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط سعي الحج إن أحب، وإن أحب أن يؤخر مع طواف الإفاضة فله ذلك.

ولا يُقصر ولا يتحلل وليبقى على إحرامه حتى يتحلل يوم العيد، فإذا جاء اليوم الثامن من ذي الحجة ذهب إلى منى مع الناس، إذا جاء اليوم الثامن يتوجه الحجاج جميعًا إلى منى المفرد باقي على إحرامه، والقارن باقي على إحرامه، والمتمتع يُحرم من جديد, يُحرم من جديد بالحج، يتوجهون إلى منى ويصلون بها الصلوات الخمس: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، كل صلاةٍ في وقتها تُقصر الرباعية ركعتان يصلون الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء ركعتان والفجر ركعتان، وإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع وهو يوم عرفة توجه الحجاج جميعاً إلى عرفة، المفردون والقارنون والمتمتعون جميعاً يلبون وإن كبر فلا حرج.

قال أنس كنا في مسيرة إلى عرفة يُلبي الملبي ويُكبر المكبر، فلا يعيب أحدٌ على أحد، ولكن شعار المحرم التلبية أنه يُكثر منها، ثم يجتمعون جميعاً في عرفة، ويبدأ الوقوف بعد الصلاة، يصلي الحاج الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين، كما فعل النبي .

والحكمة في الجمع هنا في منى ما في جمع، الحكمة في الجمع حتى يتسع الوقت ويطول الوقت للدعاء والتضرع والابتهال إلى الله، لأن هذه العشية عشية عرفة عشية عظيمة ينزل فيها الرب سبحانه إلى السماء الدنيا، ويُباهي بأهل الموقف ملائكته، ويقول الرب سبحانه: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم ([5]).

فإذا صلى الحاج الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وقت الأولى فإنه يستقبل القبلة، ويرفع يديه ويدعو ويتضرع، ويحضر قلبه، ويسأل الله من خير الدنيا والآخرة، يسأل الله صلاح قلبه وأولاده، يسأل الله صلاح أحوال المسلمين، يسأل الله أن يعز الإسلام وأهله، وأن يذل الشرك وأهله، ويسأل الله أن ينصر المجاهدين والدعاة، وأهل الخير الآمرون بالمعروف والناهين عن المنكر يسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته.

يسأل الله لولاة الأمور أن يُصلح ولاة الأمور إلى غير ذلك، ويبقى الحاج في عرفة لا يزال متضرعاً داعياً تالياً لكتاب الله حتى تغيب الشمس، ويغيب القرص تماماً ثم يدفع إلى المزدلفة اقتداءً بالنبي r، وكان المشركون يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، فخالفهم النبي فلم يدفع من عرفة إلا بعد غروب الشمس، وغيبوبة القرص تماماً.

فينصرف الحجاج إلى مزدلفة يكثرون من التلبية في الطريق إليها، فإذا وصلوا إلى مزدلفة صلوا بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بأذان وإقامتين لفعل النبي .

ثم يبيت الحاج بمزدلفة سُن أن يبيت، والنبي بات ونام من أول الليل؛ حتى يتقوى على وظائف يوم العيد، وبعد غيبوبة القمر بعد منتصف الليل أو بعد غيبوبة القمر رخص النبي للضعفاء والنساء والصبيان أن يتقدموا إلى منى قبل حضرة الناس.

قال ابن عباس : "كنت فيمن دفعه النبي مع أهله إلى منى، حتى يرموا جمرة العقبة قبل حطة الناس" قبل زحمة الناس " بعد غيبوبة القمر"، وأما الأقوياء فيتأكد في حقهم البقاء في مزدلفة إلى طلوع الفجر فيصلوا الفجر في مزدلفة ويذكرون الله عند المشعر الحرام.

مزدلفة كلها مشعر، كلها مشعر ,وأصل المشعر اسمٌ للجبل جبل قزح الذي بُني عليه مسجد جبل صغير، والنبي قال: وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ ([6])، جمع مزدلفة من أسماءها، لها أسماء تُسمى جمع، وتسمى مزدلفة وتُسمى المشعر، فيستقبل القبلة الحاج بعد صلاة الفجر، ويُسن له أن يصلي الفجر في أول وقتها، النبي بادر بالصلاة في مزدلفة، فقال ابن مسعود : "ما رأيت النبي صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة" يعني صلى صلاة لغير ميقاتها المعتاد، كان في العادة يتأخر قليلاً حتى يتأكد من انشقاق الفجر، فيجيء بلال يؤذن بلال ويأتيه ثم يصلي ركعتين ثم يصلي.

لكن في مزدلفة بادر بها مبادرة شديدة، حتى يقول قائل: طلع الفجر، ويقول قائل لم يطلع الفجر؛ حتى يتسع وقت الوقوف.

وبعد صلاة الفجر يستقبل القبلة الحاج في أي مكان من أراضي مزدلفة ويدعو الله ويذكره ويهلله؛ حتى يسفر جدا، وبعد الإسفار جدا وقبل طلوع الشمس يدفع الحاج إلى منى هذا السنة.

وكان المشركون في حجهم لا يدفعون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، فإذا صارت الشمس فوق رؤوس الجبال كعمائم الرجال انصرفوا، ويقول قائلهم في الجاهلية: "أشرق ثبيل كي ما نُغير" ثبيل جبل هناك إذا أشرقت الشمس عليهم دفعوا.

فالنبي خالفهم فدفع قبل طلوع الشمس، خالفهم في الدفع من عرفة، في عرفة يدفعون قبل غروب الشمس، فخالفهم ودفع قبل غروب الشمس، وخالفهم في الدفع من مزدلفة فلا يدفعون إلا بعد طلوع الشمس، فدفع قبل طلوع الشمس، قال عليه الصلاة والسلام هدينا يخالف هدي المشركين.

فإذا وصل الحاج إلى منى أول شيء يبدأ به رمي جمرة العقبة سبع حصيات، وهي آخر الجمرات وهي الجمرة الكبرى، آخر الجمرات من جهة منى، وأول الجمرات من جهة مكة، يرميها بسبع حصيات متعاقبات.

ثم بعد ذلك يذبح هديه إن كان متمتعاً أو قارناً، ثم يحلق رأسه أو يقصر ثم يطوف بالبيت طواف الإفاضة، هذه وظائف يوم العيد أربعة، السنة الترتيب هكذا، النبي رتبها هكذا: رمى أولاً: جمرة العقبة، ثم ذهب إلى المنحر، فنحر بيده الشريفة وكان قد ساق الهدي معه مائة من الإبل نحر  بيده الشريفة ثلاثٍ وستين على قدر سنين عمره، كل واحد يطعنها بالحربة في الوحدة التي بين أصل العنق والصدر قائمة معقولة يدها اليسرى حتى تسقط، وأمر علياً فنحر ما بقي، ما بقي وهو سبعٍ وثلاثين.

ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤخذ من كل بدنة بضعة بقطعة فطُبخت في قدرٍ فشرب من مرقها وأكل شيئاً من لحمها عليه الصلاة والسلام، وأمر أن توزع جلودها وجلالها ولحومها على المساكين، ثم حلق رأسه .

ووزع شعره على الناس للتبرك به هذا خاصٌ به، كما جاء في البركة فيما مس جسده عليه السلام، وهذا خاصٌ به لا يُقاس عليه غيره r، ولهذا الصحابة، قسم أبا طلحة أعطاه لأبي طلحة قال: قسمه على الناس الشعرة والشعرتين، وكذلك الوضوء يأخذونه ويتبركون به، ما يتساقط من الماء، وإذا تنخم عليه الصلاة والسلام، تنخم في كف واحد ودلك به وجهه وجلده، ولما نام عند أم سليم وكان بينه وبينها محرمة وعرق في الظهر جاءت بقارورة وجعلت عرقه فيها وجعلته مع طيب لها، وقالت: إنه لأطيب الطيب .

ثم طاف بالبيت طواف الإفاضة، وهو قبل طواف الحج، هذا وظائف يوم العيد السنة الترتيب هكذا، رمي جمرة العقبة ثم الهدي ذبح الهدي، ثم حلق الرأس والتقصير، ثم طواف الإفاضة، ثم يرجع الحاج إلى منى.

طواف الإفاضة وقته موسع، إن تيسر في يوم العيد فهو أفضل، ولكن في السنوات الأخيرة فيه زحام شديد قد لا يتيسر، والأمر في هذا واسع، لو طاف في أيام التشريق أو بعده فلا حرج، لكن السنة أن لا يؤخر عنه الأفضل ألا يؤخر عن أيام التشريق الثلاثة.

لأن بعض العلماء يرى أنه إذا أخر عن الأيام الثلاثة أيام التشريق فعليه دم كما هو مذهب الأحناف، والصواب أنه ليس عليه شيء، لكن الأفضل أن يكون في أيام التشريق الثلاث.

ثم يرجع الحاج إلى منا ويبيت بها ليلتين إن تعجل، وثلاث ليالٍ إن تأخر، وفي كل يوم من أيام التشريق الثلاثة يرمي الجمرات الثلاث بعد الظهر بعد الزوال، يرمي الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف وهي أقرب الجمرات من منى بسبع حصيات، ثم يرمي الجمرة الثانية بسبع حصيات ثم يرمي جمرة العقبة التي هي يوم العيد وهي الأخيرة، كل جمرة بسبع حصيات في كل يوم يرمي بأحدى وعشرين حصاة.

ويمتد الرمي إلى طلوع الفجر إلى اليوم الثاني، هذا ما أفتى به هيئة كبار العلماء، وبعض العلماء من الحنابلة وغيرهم يرى أن الرمي إلى غروب الشمس، لكن الصواب أنه يمتد إلى طلوع الفجر؛ لأن النبي بين أول الرمي ولم يبين آخره، وهذا الوقت لا يتسع للناس، ولا يكفي ولاسيما في هذه الأزمنة الأخيرة لكثرة الحجاج.

وفي اليوم الثاني عشر  كذلك، يرمي الجمرات الثلاث، ثم إذا أحب أن يتعجل إذا رمى الجمرة الثالثة في اليوم الثاني عشر يخرج من منى قبل غروب الشمس ويطوف طواف الوداع وينصرف إلى أهله.

وإن أحب أن يبيت اليوم الثالث عشر ويرمي الجمار الثلاث بعد الزوال فهو أفضل، قال الله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ[البقرة:203]، هذا الحج عبادة.

مشتمل على مناسك ومتعبدات عظيمة لها أثرٌ في قلب المؤمن، وفي اتصاله بربه وفي توحيده وإخلاصه، وفي ذكره لربه فالحاج من حين يهم بالحج وينوي بالحج فهو يذكر ربه، ويذكر حقه، ويعترف بعبوديته لله ، وهو يعظم ربه وهو ممتثل لأمره يشعر بأنه عبدٌ لله، وأنه خاضع لربه ممتثلٌ لأمره، فلهذا حج بيته الحرام،يؤدي ما أوجب الله عليه معظماً ربه .

وأول شيءٍ يبدأ به سنن الإحرام الاغتسال، هذا فيه ذكرٌ لله والذكر يكون بالقول ويكون بالفعل، فكل عامل له فهو ذاكر لله ، الصائم عابدٌ لله بصيامه، والمصلي عابد لله، والحاج عابد لله، والمزكي عابد لله، والآمر بالمعروف عابد لله، والمتصدق عابد لله، والبار بوالديه عابد لله، والمجاهد في سبيل الله عابد لله وذاكر لله، كل هؤلاء ذاكرون لله.

الذكر يكون بالقول وبالفعل وبهما معاً ولهذا قال النبي في الحديث الصحيح: إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ ([7]).

فهو حينما يغتسل يذكر ربه، بدأ بمناسك الحج، بالسنن, الاغتسال سنة، النبي اغتسل وقال: خُذُوا عني مَنَاسِكَكُمْ ([8])، وأمر أسماء بنت عميس لما ولدت في ذي الحليفة محمد بن أبي بكر أن تستتر بثوب وأن تغتسل، وأمر عائشة لما حاضت أن تغتسل هذا سنة، فالحاج يذكر ربه، ثم التطيب كذلك سنة، يذكر ربه وهو مطيعٌ لله وموحد لله، يعلم أن له رباً أمره بذلك وهو يمتثل أمره ويخلص عمله لله .

تغتسل لمن؟ لله، لأن الله هو الذي أمرك بهذا على لسان نبيه r، تتطيب لأنك تعلم أن هذا مشروع وأن هذا سنة، وامتثالٌ لأمر الله، تتعبد لله بالتطيب، ثم كذلك يتجرد من المخيط الذكر ويلبس إزار ورداء، إزار يشد به النصف الأسفل، ورداء يضعه على الكتفين، والحجاج كلهم هكذا، تتذكر وقوفك بين يدي الله في هذه الحالة.

تتذكر خروجك من القبر، تتذكر أنك سوف تخرج من هذه الدنيا ولا تملك شيئاً، لا تملك إلا الكفن الذي تتكفن به، فأنت الآن تتذكر، تتذكر الموت وتتذكر القيامة، وتتذكر الوقوف بين يدي الله ، فيدعوك ذلك إلى أن تخلص له العبادة.

الدنيا كلها فانية، وما عندك من المال وديعة عندك، فأنت حينما تتجرد من المخيط تعلم أنك عبدٌ لله، وأنك راجعٌ إلى الله، وأنك ستقف بين يدي الله، وتتذكر أن هؤلاء الحجاج كلهم خضعوا لله، كلهم كشفوا رؤوسهم لله، كلهم لبسوا أكفان الموتى، كلهم تجردوا لله.

فالمسلم يتأثر بهذه الأعمال، وبهذه المناسك، يدعوه ذلك إلى أن يخلص لله العبادة، ثم بعد ذلك تنوي بقلبك الدخول في النسك الذي تريده، وهذه النية عبادة، إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ([9])

فأنت ذاكرٌ لله في هذه النية، حينما تنوي الحج أو تنوي العمرة، أو تنويهما معاً فأنت ذاكرٌ لله  لأن النية عبادة، ولا تصح العبادة إلا بالنية، بل لا يدخل الإنسان في الحج ولا في العمرة إلا بالنية، والنية ركن من أركان الحج، وركن من أركان العمرة، لأن أركان الحج أربعة:

الإحرام، وهو نية الدخول في النُسك، والوقوف بعرفة، والطواف بالبيت وسعي الحج عند جمهور العلماء أربعة، وأركان العمرة ثلاثة:

الإحرام وهو النية، والطواف والواجبات, الواجبات في الحج سبعة:

الإحرام يكون الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة كونه يستمر إلى غروب الشمس، والمبيت بمزدلفة إلى آخر الليل، ليلة العيد، والمبيت بمنى في ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ورمي الجمار، والحلق أو التقصير وطواف الوداع، هذه الواجبات سبعة، والأركان أربعة، وما عاد ذلك فهو سنن ومستحبات.

والمحظورات، محظورات الإحرام على المحرم تسعة أشياء:

الرجل، يتجرد من المخيط لبس المخيط، والمحظور الثاني: تغطية الرأس لا يغطي رأسه، والمحظور الثالث: حلق الشعر، والمحظور الرابع: تقليم الأظفار، والمحظور الخامس: الطيب، والسادس: قتل الصيد، السابع: عقد النكاح، الثامن: الجماع، التاسع: المباشرة دون الفرج.

فالمحرم حينما يُحرم ويكشف رأسه، ويلبس إزاراً ورداء يتذكر أنه عبد لله، وأنه يجب عليه أن يُخلص العبادة لله ، وأنه ممتثل لأمر الله، وأنه معظمٌ لربه، فيؤثر ذلك فيه، هذه المعاني تؤثر فيه خوف الله ومراقبته، فلا يدعو إلا الله، ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، كيف تدعو مع الله غيره، وأنت الآن تتجرد من المخيط وتخضع لله.

وتشعر بأنك عبدٌ مأمور، ثم بعد ذلك إذا نوى لبى، فيُلبي الحاج، بتلبيته فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك تُلبي هذه تلبية بالتوحيد، قال جابر  في صفة حج النبي : "أهل النبي بالتوحيد لبيك، لبيك اللهم لبيك" يعني ألبي تلبيتك يا ألله مرة بعد مرة، وأجيب دعوتك مرة بعد مرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، هذا التوحيد، يُهل الحاج بالتوحيد.

لا شريك لك في الربوبية، ولا شريك لك في الإلوهية ولا شريك لك في الأسماء والصفات، ولا شريك لك في الملك لا شريك لك.

فأنت الآن توحد الله لا شريك لك، توحده بقولك ولسانك، فيجب عليك أن  توحد الله وتخلص له العبادة، وأن تبقى موحداً ولا تنقض هذا التوحيد بأفعالك، لكن مع الأسف بعض الحجاج تجده يُلبي بالتوحيد ويقول: لبيك لا شريك لك بلسانه، لكن ينقضها بأفعاله.

تجد بعض الحجاج وفي أسئلة كثير من الحجاج الوافدين يقول: إنه جاء وقد ذبح لأصحاب القبور الذين يُسموا بالأولياء، ودعاهم من دون الله، وطاف بقبورهم، وهو حاج، نقول له كيف؟ كيف أنت تقول لا شريك لك بلسانك وأنت تنقضها بأفعالك، طوافك بالقبور هذه عبادة صرفتها لغير الله فوقعت في الشرك.

الطواف عبادة لا يكون إلا لله في بيت الله، قال الله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج:29]، تجده يذبح، يذبح خروف أو عجل أو دجاج يقول أذبحه للولي، وما علم أن هذا الشرك, الشرك بعينه، الذبح عبادة لا تكون إلا لله.

قال الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر:2]، كما أن الصلاة لله، فالنحر لا يكون إلا لله، صلي لربك وأنحر لربك، وقال سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي ، يعني ذبحي، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ فيجب على الحاج أن يتوب من الشرك.

إذا حج وهو مصرٌ على الشرك لا يصح حجه، إذا لم يتب من الشرك فحجه باطل، فعليه أن يتوب من الشرك، ومن شروط الحج كما سبق الإسلام، والإسلام معناه: هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

فالذي يذبح لأصحاب القبور أو يدعوهم من دون الله، يقول يا فلان، يا رسول الله، بعضهم يدعو النبي ، بعض الحجاج ينادي الرسول ﷺ ويدعونه من دون الله، يقولون: يا محمد جئتك من بلادٍ بعيدة أغثني فرج كربتي لا تُخيب رجائي، أنا في حسبك، أنا في جوارك أشرك بالله.

أو يقول يا سيد البدوي يا دسوقي يا عبد القادر يا فلان، يا ابن علوان دعا غير الله، قال الله تعالى: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ، وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ، فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين يعني من المشركين.

قال سبحانه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ۝ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14,13]، فالدعاء عبادة لا تكون إلا لله، فإذا دعا غير الله، إذا دعا الميت أو دعا الرسول أو دعا القبر أو دعا جني أو شجر أو حجر أو ملائكة أو غيرهم فإنه صرف العبادة لغير الله فيكون مشرك، يكون وثنياً من أهل الأوثان.

وكذلك إذا ذبح لهم، أو طاف بقبورهم تقرباً إليهم، أو نذر لهم يقول بعض الحجاج: هذه ذبيحة لأهل الله، قلت له كيف ذبيحة لأهل الله؟ قال: هذه ذبيحة لأهل الله الأولياء أذبح لهم، كيف تذبح لأولياء الله؟ تتصف لهم حق الله، هذا الذبح عبادة عليك أن تتوب، تتوب من هذا الشرك حتى يصح حجك، أما أن تحج وأنت مصر على الشرك فحجك باطل، أنت تهل بالتوحيد بلسانك فلا تنقضه بأفعالك.

لا شريك لك، لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك، لا شريك لك في الربوبية، فمن اعتقد أن هناك مدبر مع الله، أو أن هناك أحد يُشارك الله في الربوبية، أو يتصرف في الكون فهو مشرك، جعل لله شريكاً في الربوبية.

وكذلك من جعل شريكاً له في العبادة، جعل له شريكاً له في الصلاة، أو في الدعاء أو في الذبح أو في النذر أو في الزكاة أو في الصيام أو في غيرها، صرفه لغير الله صرف العبادة لغير الله وقع في الشرك.

وكذلك إذا جعل لله شريكاً في الأسماء والصفات، وكذلك إذا جعل له شريكاً في الملك، فهذه الكلمة أنت توحد الله، تقول: لا شريك لك، لا شريك لك يا ألله في الربوبية، ولا شريك لك في الإلوهية ولا شريك له في الأسماء والصفات، ولا شريك لك في الملك، ويجب على كل مسلم أن يكون داعية إلى الله، وينبه الحجاج إذا رأى منهم من يقع في الشرك يُنبهه، يجب وجوب إذا علمت، يتعين عليك إذا لم يعلم بذلك إلا أنت.

لأن أعظم المنكر الشرك بالله والنبي يقول: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ([10])، رواه الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري .

وأعظم المنكر الشرك، أعظم منكر, واعظم ذنب عصي الله به هو الشرك بالله عز وجل وصرف العبادة لغير الله U، فهؤلاء المساكين الذين يحجون وهم يذبحون لأصحاب القبور، أو ينذرون لهم، أو يطوفون بقبورهم أو يدعونهم من دون الله، عليك أن تنبههم، وتوضح لهم أن هذا الأمر الذي فعلوه هو الشرك بالله U، تُبين لهم أن العبادة التي صرفوها لهؤلاء لأصحاب القبور هي حق لله ، هي محض حق الله.

حق الله التوحيد، حق الله العبادة، لا يرضى أن يُشرَك معه غيره، لا ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل.

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ولا يزال الحاج في هذه التلبية يُلبي مادام محرم، ويتذكر أنه موحد لله، وأنه عبد لله، ويُشعر نفسه ويُشعر غيره بأنه لا يجعل لله شريكاً، فهذا أثرٌ عظيم في الحاج، الحاج المسلم تؤثر فيه التلبية؛ لأنه يلبي ويهل بالتوحيد.

والتوحيد هو إخلاص العبادة لله، والعبادة اسمٌ جامع لكل ما يرضاه الله من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، هذه هي العبادة، العبادة هي الأوامر والنواهي التي أمر الله بها أو أمر بها رسوله، والتي نهى الله عنها أو نهى عنها رسوله، تفعل الأوامر طاعة لله، وامتثال لأمر الله وطاعة لله ورسوله.

وتارة تكون نواهي خوفاً من الله وطاعة لله ولرسوله ، هذه هي العبادة، الصلاة عبادة، والصوم عبادة، والزكاة عبادة، والحج عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، والجهاد في سبيل الله عبادة، وبر الوالدين عبادة، والإحسان إلى الناس عبادة، وكف نفسك عن المحرمات عبادة، وكذلك الحاج إذا طاف بالبيت أول شيء يبدأ به ينوي الطواف, أن هذا طواف الإفاضة، أو طواف الوداع، أو طواف القدوم، ثم يُكبر الله أكبر، الله أكبر أعظم من كل شيء، التكبير يؤثر في الحاج، الله أكبر من كل شيء الله أكبر من المخلوقات كلها، هو الأكبر وهو الأعظم ، فلا يليق بك أن تصرف حقه لغيره، كيف تكبر تقول الله أكبر، وأنت تذبح لأصحاب القبور أو تنذر لهم، أو تدعوهم من دون الله، أو تطوف بقبورهم.

ما عظمت الله، وما قدروا الله حق قدره، لو قدرت لله حق قدره، وعظمت الله حق تعظيمه، وعلمت أنه أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، لما صرفت حقه لغيره، ثم أيضاً الكعبة التي يُطاف بها، والتي تُستقبل في الصلاة، يستقبلها المسلمون في كل مكان، ولا يُطاف إلا بها، فأُسس دين الإسلام على التوحيد، والقبلة أسست على التوحيد، قبلة واحدة ودينٌ واحد وربٌ واحد ونبيٌ واحد عليه الصلاة والسلام.

تذكر أن هذه القبلة إنما أُسست على التوحيد، وهذه الكعبة إنما أسست على التوحيد بناها خليل الرحمن وابنه إسماعيل عليهم الصلاة والسلام.

ثم تذكر الله في أثناء الطواف، تسبح سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذا التوحيد، لابد أن يؤثر هذا في الحاج، أنت تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله، فكيف تقع في الشرك، كيف تعصي الله؟ كيف تصر على المعاصي وأنت تعظم الله بالتسبيح والتهليل والتكبير؟

ثم تصلي ركعتين خلف المقام تقرأ فيهما في الركعة الأولى الفاتحة وقل يا أيها الكافرون، وفي الركعة الثانية تقرأ الفاتحة وقل هو الله أحد، تذكر حين تقرأ الفاتحة، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۝إيَّاكَ نعبُد نخصك يا ألله بالعبادة والتوحيد, وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة:5]، ثم قراءة قل يا أيها الكافرون، شُرعت قراءة قل يا أيها الكافرون ليُشعر الإنسان نفسه ويشعر غيره بأنه إنما يطوف بالبيت لا يعبد لا البيت ولا الكعبة؛ الكعبة أحجار لكن نطوف بها امتثالاً لأمر الله، وتأسياً بنبينا ﷺ.

فأنت تُشعر نفسك، وتشعر غيرك بأنك إنما تطوف بالبيت لله، لا للكعبة ولا لغيرها، تقول قل يا أيها الكافرون تتبرأ من الكفر وأهله.

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ۝ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ۝ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ ۝ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ۝ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[الكافرون:1:6]، وفيه أن الكفار على دين لكن على دين باطل، لكم دينكم الباطل ولي ديني الحق، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ[الكافرون:1]، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ[الكافرون:2] من دون الله، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ[الكافرون:3]، حالهم هكذا، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ [الكافرون:4] في المستقبل، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون:5],لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6].

تيئيس لهم ,لكم دينكم الباطل ولي ديني الحق، هذا التوحيد، براءة من الكفر وأهله، براءة من الشرك وأهله، فكيف تتلبس بالشرك وأنت تتبرأ من الكفر وأهله، كيف الحاج يقرأ قل يا أيها الكافرون، وهو يدعو غير الله، تتبرأ منهم بقراءتك بلسانك وأنت تكون معهم بأفعالك؟  تدعو الميت من دون الله، تذبح له، تنذر له، تركع لمخلوق، تسجد له، كيف ما تتأثر أيها الحاج بهذا؟.

ثم بعد الطواف يُشرع للحاج أن يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، وأول شيء يبدأ به يسن له صعود الصفا، ثم استقبال القبلة، اقتداءً بالنبي ، ثم توحيد الله، وتكبيره وتعظيمه، فيُشرع للحاج الاقتداء بالنبي كما ذكر جابر في سياق حجة النبي أنه استقبل البيت ووحده، وكبر الله وهلل، وقال: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يحيي ويميت وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ([11]).

توحيد لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله، ألا يؤثر هذا في الحاج؟ أثره عظيم في الحاج، حينما يهلل ويوحد الله، لا إله إلا الله هذه كلمة التوحيد التي من أجلها خلق الله الخلق، ومن أجلها أرسل الله الرسل، من أجلها أنزل الله الكتب، من أجلها ينقسم الناس إلى شقي وسعيد إلى مؤمن وكافر، من أجلها خلقت الجنة والنار، من أجلها حُقت الحاقة ووقعت الواقعة  وقامت القيامة، ومعناها لا معبود حق إلا الله.

هي مشتملة على نفي وإثبات، مشتملة على كفر وإيمان، كفر بالطاغوت وإيمانٌ بالله، براءة من الشرك وأهله، لا إله هذا كفر بالطاغوت، إلا الله الإيمان بالله، وليس هناك توحيد إلا بأمرين: نفي وإثبات، كفر بالطاغوت وإيمان بالله.

قال الله تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[البقرة:256]، كيف أيها الحاج تهلل على الصفا تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، توحد الله، ثم تُشرك وتقع في الشرك بأفعالك، توحد الله بلسانك وتنقض التوحيد بأفعالك.

أين أثر الحج فيك؟ هل أثر الحج فيك؟ المؤمن الموحد لا يقع في الشرك، ويبتعد عن الشرك، ويهرب من الشرك، ويبحث عن الشرك وذرائعه ووسائله حتى يتجنبها ويحذرها، لأن الشرك لا يُغفر لمن لقي الله به، من لقى الله بالشرك فهو لا يُكفر، هو ذنبٌ عظيم.

في حديث ابن مسعود عن النبي قال:  أي الذنب أعظم؟ قال: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ([12])، هذه أعظم الذنوب، والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .

وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام الذي كسَّر الأصنام بيديه، وأخبر الله أنه أمة، وقاطع وعادى أباه وأهله وجميع الناس في زمانه، وبقي على التوحيد ومع ذلك يدعو الله ويقول: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، وبنيه من هم؟ أنبياء إسماعيل وإسحاق أنبياء، وهو خليل الرحمن.

وهو الذي كسَّر الأصنام بيده، ثم يقول، يسأل ربه: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ [إبراهيم:36]، يسأل الله أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام.

ولهذا قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم عليه السلام، يعني إذا كان إبراهيم الخليل الذي كسَّر الأصنام بيديه ومع ذلك يسأل ربه أن يجنبه وبنيه الأنبياء، ويُباعد بينه وبينهم، قال: أجنبني يعني باعد بيني وبين عبادة الأصنام فكيف بغيره، فهذا الأمر عظيم.

فيتعين على الحاج أن يوحد الله وأن يُحسن له العبادة، وأن يعلم حق الله حتى يؤديه، وحتى لا يصرف حق الله لغيره.

حق الله العبادة، الصلاة عبادة إذا صرفتها لغير الله وقعت في الشرك، الدعاء عبادة إذا صرفته لغير الله دعوت الميت أو الحي أو الشجر أو الحجر أو الجن أو الملائكة أو أي أحد من المخلوقات وقعت في الشرك.

ولهذا قال الله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]، حكم الله عليه بالكفر.، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر:13]، إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ، سماه الله شركاً، قال الله تعالى: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ الهاً آخَرَ فتكُونَ من المُعذَّبين[الجن:18]

قال سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن:18]، كيف تدعو غير الله، وأنت توحد الله وتهل بالتوحيد، الذبح عبادة، لا يجوز لك أن تصرفها إلا لله، الصلاة عبادة، النذر عبادة، بعض الناس ينذر يقول إن شفى الله مريضي أو نجح ولدي في الامتحان فلله علي خروف أن أذبح على روح السيد البدوي، أو على روح فلان، أو على روح الرسول، هذا الشرك نذر لغير الله، لا تنذر لغير الله.

الله تعالى مدح الأبرار، قال: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا[الإنسان:7]، قال سبحانه: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ، كذلك الحاج حينما يكبر ويلبي في طريقه إلى منى في وقوفه بعرفة، كاشف الرأس يتضرع إلى الله ، يدعو الله ويهلله، أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير.

يسن الإكثار من هذه الكلمة في عرفة، كيف تُكثر بكلمة التوحيد في عرفة، وأنت تقع في الشرك إذا رجعت إلى بلدك، احذر أن تقع في الشرك، ألزم التوحيد، احذر  أن تذبح لغير الله، احذر أن تدعو غير الله، احذر أن تنذر لغير الله، احذر أن تطوف بغير بيت الله تقرباً لذلك الغير.

احذر أن تصلي لغير الله أو تركع لغير الله، أو أن تسجد لغير الله، اصطبر على التوحيد أنت وحدت الله في حجك فاصطبر على التوبة.

هكذا ينبغي للمسلم، وكذلك أيضاً الحجاج في جميع تنقلاتهم يذكرون الله، في الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار حينما ترمي الله أكبر، تكبر الله وتعظم توحيد، حينما تطوف بالبيت توحد الله، حينما تسعى في الصفا والمروة توحد الله وتذكر الله، وذكر الله توحيد.

قال : إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ([13])، فالحاج في جميع أحواله، وفي جميع تنقلاته ذاكرٌ لله ، وموحد لله، حينما يكشف رأسه، يتذكر أنه خاضع لله U، حينما يُلبي؛ يلبي بالتوحيد، حينما يذكر الله، يذكر الله بالتوحيد، حينما يطوف بالبيت، حينما يسعى بين الصفا والمروة، حينما يذكر الله ويعلن كلمة التوحيد فوق الصفا، وفوق المروة، وفي مزدلفة وفي عرفة، وفي جميع أحواله كله ذاكرٌ لله موحد لله.

فالواجب على الحاج أن يكون للحج أثرٌ عليه، في أفعاله، وفي أقواله، وفي تصرفاته، يتأثر يلزم التوحيد، يحذر الشرك، يكون عنده بصيرة، يسأل عن ما أشكل عليه، إذا من الله عليه بالتوحيد يكون داعية لأهل بلده، ينصح هؤلاء الجهال الذين يذهبون إلى القبور يذبحون لهم وينذرون لهم ويدعونهم من دون الله.

 فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح الذي يرضيه، ونسأله سبحانه أن يوفقنا للإخلاص في العمل، والصدق في القول، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وصواباً على هدي نبيه الكريم.

فإن الحج بل جميع الأعمال لا تصح إلا بشرطين:

الشرط الأول: أن يكون العمل خالصاً لله.

والشرط الثاني: أن يكون موافقاً لشرع الله، وصواباً على هدي رسول الله .

نظراً لكثرة الأسئلة أختم بهذه الكلمة ببيان شروط صحة العمل، العمل الذي يعمله المسلم سواء كان صلاة أو صيام أو زكاة أو حج، أو بر الوالدين، أو صلة للأرحام أو غير ذلك، لا يصح ولا يُقبل ولا يكون نافع عند الله إلا إذا توافر فيه أمران:

الأمر الأول: أن يكون خالصاً لله مراداً به وجه الله والدار الآخرة.

والأمر الثاني: أن يكون موافقاً لشرع الله وصواباً على هدي رسول الله r، قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[الكهف:110]، العمل الصالح ما كان موافقاً للشرع، والذي ليس فيه شرك والخالص لله.

وقال سبحانه: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ[لقمان:22]، واسلام الوجه هو إخلاص العمل لله، والإحسان هو أن يكون العمل موافقاً للشرع.

وقال عليه الصلاة والسلام: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى([14])، والإخلاص لله هو فيه تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله تحقيق لشهادة أن لا اله إلا الله، وإذا تخلف حل محله الشرك.

والركن الثاني: أن يكون العمل موافقاً للشرع، كما قال في الحديث الصحيح التي روته عائشة –رضي الله عنها-: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ([15])، وفي لفظ لمسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ([16])، إذا تخلف هذا الشرط حل محله البدعة.

فالركن الأول: إخلاص العمل لله، وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا تخلف حل محله الشرك.

والركن الثاني: أن يكون العمل موافقاً للشرع، وهو تحقيق شهادة أن محمد رسول الله، وإذا تخلف حل محله البدع.

فهنا تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين وأساس الملة، لا يصح إسلام المسلم حتى يشهد لله تعالى بالوحدانية، ويشهد لنبيه محمد بالرسالة.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح الذي يرضيه، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لتحقيق التوحيد، وتخليصه وتنقيته وتصفيته من شوائب الشرك والبدع، والمحدثات في الدين، فإن من أخلص عمله لله، وحقق التوحيد ونقاه وصفاه وخلصه من شوائب الشرك والبدع دخل الجنة من غير حساب ولا عذاب.

فنسأل الله للجميع أن يوفقنا لتحقيق التوحيد، وأن يجنبنا الشرك والبدع والمحدثات في الدين، وأن يوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه، وأن يتوفانا على الإسلام غير مغيرين ولا مبدلين إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.

 


([1])  صحيح مسلم (1/ 55)، باب من لقي الله بالإيمان، رقم: 26.

([2])  صحيح مسلم (4/ 2074)،باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، رقم: 2699.

([3])  صحيح البخاري (1/ 11)،باب قول النبي صلي الله عليه وسلم، رقم : 8.

([4])  صحيح البخاري (2/ 138)،باب التلبية، رقم: 1549.

([5])  صحيح ابن حبان - محققا (9/ 165)،باب ذكر رجاء العتق من النار.

([6])  صحيح مسلم (2/ 893)،باب ما جاء أن عرفه كلها موقف، رقم: 1218.

([7])  صحيح ابن خزيمة (4/ 317)،باب الذكر عند رمى الجمار، رقم: 2970.

([8])  صحيح مسلم (2/ 943)،باب استحباب رمى جمر العقبة.

([9])  صحيح البخاري (1/ 6)، باب كيف كان بدء الوحي، رقم: 1.

([10])  صحيح مسلم (1/ 69)،باب بيان كون النهي عن المنكر، رقم: 49.

([11])  صحيح مسلم (2/ 888)،باب حجه النبي، رقم: 1218.

([12])  صحيح البخاري (6/ 110)، باب قوله والذين لا يدعون مع الله ألها ، رقم: 4761.

([13])  سنن أبي داود (2/ 179)،باب في الرمل ،رقم: 1888.

([14])  صحيح البخاري (1/ 6) ، باب كيف كان بدء الوحي، رقم: 1.

([15])  صحيح مسلم (3/ 1343)  باب نقض الأحكام الباطلة، رقم: 1718.

([16])  سبق تخريجه.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد