آداب وصفات طالب العلم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلِّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي ثُمَّ المدنيِّ، صلَّى الله وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعد ...
فنحمد الله -سبحانه وتعالى- أن وفَّقنا للكلام على ما تيسَّر في هذه الدورة المباركة، ونسأل الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص في العمل، والصدق في القول.
أيُّها الإخوان، وأيُّها الأبناء، إن من نعم الله على العبد أن يكون على الإسلام، وأن يهديه للإيمان، هذه أعظكم نعمة، وأعظم كرامة للإنسان أن يمُنَّ الله عليه بالإيمان ويهديه للإسلام، ثمَّ المؤمن الذي منَّ الله عليه بالتوجه إلى طلب العلم هذه نعمةٌ عظيمة؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبياء؛ ولأن العالم العامل بعلمه صِدِّيق تلي مرتبة الأنبياء.
وإن طالب العلم عليه أن يتحلى بصفات طالب العلم، وأهم هذه الصفات: أهمها صفات طالب العلم، وأهم حلية لطالب العلم: الإخلاص لله -عزَّ وجلَّ-، وحسن النية، إخلاص العمل لله بأن يقصد وينوي بطلبه للعلم تعلُّمه وتعليمه وجه الله والدار الآخرة.
لأن تعلم العلم وتعليمه من أفضل القُرُبات، وأجَلِّ الطاعات، والطاعة والعبادة لا تكون نافعة ولا تكون مقبولةٌ عند الله إلا إذا توفَّر فيها الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110].
فلا بد من جهاد النفس حتى تصح النية، وتَسْلم الطوية من إرادة غير الله -عزَّ وجلَّ-، فالأعمال بالنيات، فمن طلب العلم لله فله الأجر والثواب العظيم، ومن طلب العلم لغير الله فله ما نوى، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِه، فَهِجرَتِهِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجِرَتَهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، فلا بد من تصحيح النية لطالب العلم.
ثمَّ هناك آدابٌ أخرى يتأدَّب بها طالب العلم:
من هذه الآداب: حسن الخلق، وحسن المعاملة مع الناس، بأن يكون قدوةً لغيره؛ لأنه يتعلَّم العلم؛ ولأنه يطلب العلم، وأهل العلم هم قدوة الناس، فعليه أن يُحسِّن خلقه مع والديه، ومع أهله، ومع إخوانه، ومع أقاربه، ومع جيرانه، ومع أهل بلده، ومع سائر الناس.
وفي الحديث: «كان حُسن الخُلق أن يبلغ خيري الدنيا والآخرة»، وفي الحديث الآخر: «أثقل ما في الميزان حسن الخلق» أو كما قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «ألا أنبئكم بأقربكم مني منزلةً يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقًا» أو ما قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-.
وحسن الخلق ليس كلمةً تُقال باللسان، حسن الخلق يجمع ثلاثة أمور:
-بسط الوجه:
يبسط الإنسان وجهه للناس، ويلاقيهم بوجهٍ مستبشر لا بوجهٍ مكفهر، فابسطوا أسارير وجهكم، يبتسم في وجه أخيه «ابتسامك في وجه أخيك صدقة»، يقابلهم بالتحية والسلام، لا يقابلهم قطب الوجه، وهذا هو الذي يسعه به الناس.
الإنسان لا يستطيع أن يسع الناس بماله «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بحسن الخلق»، حسن الخلق يسع الناس كلها، لكن ما تستطيع أن تسع الناس كلها بمالك، بسط الوجه، فإذا لقيت أخا تُسلِّم عليه، وتبسط وجهك، واسأله عن حاله، وابتسم في وجهه حتى تكون ضاحكًا مستبشرًا.
-والأمر الثاني: كفُّ الأذى عن الناس.
بأن تكف أذاك عن الناس، لا (06:28) عليهم لا بالقول ولا بالفعل، كف أذاك، كفَّ لسانك عن الغيبة، وعن النميمة، وعن القيل والقال، وعن الكذب، وعن الزور، وعن البهتان، كُف يدك عن الناس بلسانك، وبكلامك في قلبك فحوى قلبك فلا تظن في الناس إلا خيرًا.
وكذلك أيضًا كُفَّ جوارحك عن الناس، فلا تتطاول عليهم بيدك، أو برجلك، ولا تؤذيهم بالضرب، أو بالإشارة، أو بالسخرية، والهمز واللمز، وغير ذلك من أنواع الأذى، كَفُّ الأذى، وفي الحديث ما معناه: كفُّ الأذى صدقةٌ منك على نفسك.
-والأمر الثالث: بذل النَّدى، بذل الخير والمعروف بقدر ما تستطيع.
إن كنت صاحب مال تبذل مالك للفقير بالصدقة، وللغني بالهدية.
هذا حسن الخلق يجمع هذه الأمور الثلاثة: بسط الوجه، وكف الأذى وبذل الندى، بذل المعروف، وكف الأذى، وبسط الوجه هذا هو حسن الخلق، وأولى الناس بذلك أهل العلم الذين يتعلمون ويكونون قدوة للناس في مدخلهم ومخرجهم، وأقوالهم، وأفعالهم.
وأولى الناس ببرك والداك اللذان هما السبب في وجودك، عليك أن تبرهما، وتتلطَّف معهما، وتُحسن القول معهما، وتدعوا لهما تقول: ﴿رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[الإسراء:24]، وتعاملهما معاملةً حسنة، بالنفقة إذا كان محتاجان، وبالمقابلة والجلوس معهم، وبقضاء حوائجهم، ثمَّ أولادك إن كان لك أولاد، وزوجتك إن كان لك زوجة، وإخوانك إن كان لك إخوان، وأخواتك، وأعمامك، وأبناء أعمامك، وأخوالك، وأبناء أخوالك.
وخالاتك وأبنائهم وبناتهم، وعماتك وأبنائهم، الأقرب فالأقرب، هم أولى بالرحم هم أولى بالمعروف، الرحم هم الأقرب، والقرابة هم الأب والأم، ما كان يوصل إلى أبيك أو إلى أمك هم أرحامك هم أقاربك، وأولى الناس ببرك، ثمَّ بعد ذلك الجيران والأبعدين.
هذا هو الذي ينبغي لطالب العلم فهو قدوة لكل الناس في سمته، في كلامه، في حديثه، في دخوله، في خروجه، لا يتسلَّط بلسانه، بالسباب، أو الشتام، أو التكفير، أو التبديع، أو التفسيق، أو الرمي ببهتان، وغير ذلك، يكون (09:50) للسانه، تأدبًا بالآداب الشرعية، يسأل عمَّا أُشْكِل عليه، ويقف عند الحدود، ويحيل إلى أهل العلم وأهل البصيرة، هكذا ينبغي لطالب العلم.
كذلك ينبغي أيضًا لطالب العلم: أن يحرص على طلب العلم، وألا يتخلَّف، فإن طلب العلم يحتاج إلى صبر، وإلى مزاحمة للعلماء بالركب، حضور الدروس والحلقات، من طلب (10:26)، أمَّا كون الإنسان لا يحضر إلا مرة كل أسبوع هذا تذوق وليس طلب العلم يحتاج إلى استمرار، وصبر، وتحمل، ولا بد أيضًا من إحضار الكتاب، وقراءة الدرس قبل الشرح، وقراءته بعد تسجيل الفوائد، وتقييدها حتى لا تضيع.
العلمُ صَيْــدٌ والكتابة قيدُه
قَـيــِّدْ صيودك بالحبال الواثقة
وكذلك أيضًا عليك أن تفيد، هذه الفائدة التي حصلت عليها توصلها إلى غيرك، إلى أهلك، إلى جيرانك، إلى زملائك، يكون لك زميل أو زملاء تتعاون معهم في تسجيل الفوائد.
كذلك أيضًا من الآداب: أن تحب الخير لغيرك كما تحبه لنفسك، قال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، فلا تكون حسودًا حاسدًا تحسد أخاك أو زميلك وتمنعه من الفائدة وتبخل عليه بالفائدة، كن متعاون كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة:2] بتسجيل الفوائد، والتعاون على إثباتها وتقييدها.
وكذلك أيضًا: طالب العلم يحرص على سؤال أهل العلم، فيتصل مشافهةً، أو مهاتفة ويسأل عمَّا أشكل عليه.
كذلك أيضًا من الآداب: أن طالب العلم يعمل بما علم، يعمل ويُطبِّق، كان الإمام أحمد -رحمه الله-: كلما عرف حديث بما علم به، (12:19) الحجامة احتجم وهكذا، الإمام البخاري ما ورد حديث في كتابه حتى صلى ركعتين، واستخار الله، هذه آداب، الإمام مالك في مجلس الحديث يتوضأ فيستقبل القبلة، ولا يأتي إلا متطهِّرًا متعمِّمًا، متطيبًا، هكذا ينبغي لطلاب العلم.
كذلك ألا يتدخل فيما لا يعنيه، وأن يُعرض عن الأشياء التي ليست من شأنه، ولا يكون سببًا في الضرر على غيره، يؤذي وجوده.
وأنتم الآن الشباب أنتم رجال الغد، أنتم الشباب وأنتم رجال الغد، أنتم في المستقبل تُسند إليكم الأمور، بصلاحكم تصلح الأمة، وبفسادكم تفسد الأمة، أنتم رجال الغد.
الأولاد الصغار الذين يدرسون في المدارس وفي الحلقات هؤلاء وإن كانوا صغارً لكنهم كبار في المستقبل، ورجال الغد، هم رجال الغد؛ فلهذا ينبغي لمن يحرص على طلب العلم التأدب بالآداب الشرعية حتى يجني ثمرة ذلك في المستقبل، العلم النافع، والعمل الصالح، ورضا ربِّه -عزَّ وجلَّ-، والدعوة إلى الله، وسلوك منهم الرسل -عليهم الصَّلاة والسَّلام-؛ وبذلك يكون من أحباب الله، ويرجى أن يكون من أهل كرامة -الله تعالى-.
ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يرزقنا جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، ونسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يثبتنا على دينه، وفَّق الله الجميع للعلم النافع، والعمل الصالح.