السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، عد الله ورسوله رسول رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ...
فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا.
كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة، تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة، ويذكره الله فيمن عنده.
أيها الإخوان إن من نعم الله تعالى على عبده، أن يوفقه للإسلام والإيمان، أعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان الناس كلهم عباد الله، والخلق كلهم عباد الله العبودية العامة، فإن الله تعالى هو مربيهم (1:20) وخالقهم، وموجدهم، ولكنه سبحانه وتعالى منّ على المؤمنين بالعبودية الخاصة، فوفقهم لعبادته وتوحيده، وإخلاص الدين له.
فهذه أعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان بعد أن خلقه وأوجده من العدم أن جعله مؤمنًا، حبب إليه الإيمان، وزينه في قلبه، وكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، فهذه نعمة الله على عبده المؤمن خصه بها (1:52)، ولكن الله حبب إليكم الإيمان، وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، أولئك هم الراشدون فضلًا من الله ونعمة، فلله تعالى على المؤمن نعمة خصه بها في كل مكان.
ثم إذا من الله على المؤمن بالعلم والتوجه للعلم وطلب العلم، فهذه أيضًا نعمة عظيمة، منّ عليه بوراثة الأنبياء والرسل، فإن العلم الشرعي هو وراثة على الأنبياء والمرسلين، والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهم، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذه، أخذ بحظ وافر.
والعلم وفضل العلم وفضل العلماء معلوم مشهور، قد (2:37) الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم بمنزلة العلماء وفضلهم، قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9]، فالله تعالى فاوت بين العالم وغير العالم، والله تعالى قرن شهادة، شهادته، قرن شهادة العلماء بشهادته، وشهادة ملائكته على أجل مشهود به، وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18]، هذه أعظم شهادة.
الشهادة لله تعالى بالوحدانية هي أعظم شهادة، والله تعالى قارن شهادة العلماء بشهادته وشهادة ملائكته، ومن سلك طريق العلم فإنما يسلك الطريق إلى الجنة، من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، ومن فقهه الله في الدين، وعلمه ما لم يعلم فإن الله تعالى أراد به خيرًا.
فهذه من إرادة الله العبد الخير أن يفقهه في الدين، كما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من يُرد الله به خيرًا يفقه في الدين، وأنا قاسم والله المُعطي».
قال العلماء هذا الحديث له منطوق وله مفهوم:
ومنطوقه أن من فقهه الله في الدين، فقد أراد به خيرًا.
ومفهومه أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيرًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والفقه في الدين هو البصيرة، بصيرة في شريعة الله، وفي دين الله وفي أسماء الله وصفاته، أن يصبره الله أي يفقهه، فيعلم الحكمة والأسرار، في أسماء الله وصفاته وفي دينه، فإن العلم الموروث عن الأنبياء أقسام ثلاثة:
القسم الأول: العلم به، بالله وأسمائه، وصفاته.
الثاني: العلم بالحلال والحرام، والأمر والنهي، الذي شرعه الله بشرع الله اللي هو الأوامر والنواهي.
والثالث: العلم بالجزاء، جزاء المؤمنين، وجزاء الموحدين، وجزاء الكافرين (5:15).
هذه أقسام العلم النافع، كما قال العلامة ابن القيم –رحمه الله-:
والعلم أقسام ثلاثة ما لها من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للرحمن
هذا علم بأوصاف الإله وفعله، وكذلك الأسماء للرحمن، من أوصاف الله وأفعاله وأسمائه.
والأمر والنهي الذي هو دينه، هذا هو القسام الثاني.
الأمر والنهي بدينه، العلم بدين الله الأمر والنهي.
وجزاءه يوم الميعاد الثاني هذا القسم الثاني، هذه أقسام العلم النافع.
فمن رزقه الله العلم في هذه الأقسام الثلاثة، فقد رزقه الله العلم وعليهم بعد ذلك أن يعتبروا، وأن يتأمل وأن يتفكر وأن يعمل بعلمه، حتى يكون من المنعم عليهم، يعمل ويستقيم على طاعة الله، فإن العلماء قسمان:
علماء الدنيا، وعلماء الآخرة، علماء الدنيا وعلماء الآخرة هم العاملون بعلمه، الذين أنعم الله عليهم بالعلم، وأنعم الله عليهم بالعمل، وأما علماء الدنيا فهم الذين يعلمون ولا يعملون.
كما قال العلامة ابن القيم: "علماء السوء كلما حسنت منهم الأقوال ساءت منهم الحال"، إذا قالوا للناس يقولون بألسنتهم اعملوا وتقول أفعالهم لا تفعلوا، فإن الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم بيّن أقسام الناس، في سورة الفاتحة، التي هي أعظم سورة في القرآن، هذه السورة العظيمة التي جمع الله فيها ما في القرآن كما قال بعض أهل السنة: "جُمع ما، جمع ما في الكتب السابقة وهي التوراة والإنجيل من العلوم والمعرفة، جمع الله القرآن، وجمع الله ما في القرآن في سورة الفاتحة، وجمع الله ما في سورة الفاتحة في آية ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة:5] فهي السر الذي خُلق الخلق من أجله، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة:5] وهي بمعنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله.
﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة:5] لما قُدم الظرف أفاد الاختصاص، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة:5] معناها نعبدك ولا نعبد غيرك، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، وهذا هو التوحيد، ليس هناك توحيد إلا بأمرين نفي وإثبات.
فالنفي ينفى عن التوحيد وهو أصل، النفي في قولك لا إله، وهذا هو الكفر بالطاغوت، وهو البراءة عن كل معبود سوى الله.
والأصل الثاني: الإثبات هو (إلا الله)، (8:10) الإيمان بالله بهما يكون التوحيد، ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:256]، فهؤلاء المُنعم عليهم هم الذين منّ الله عليهم بالعلم، ومنّ الله عليهم بالمعرفة، فلاحظوا في الصلاة في قراءة الفاتحة نسأل الله أن يهدينا للصراط المستقيم، صراط المُنعم عليهم.
والطائفة الثانية المغضوب عليهم، وهم الذين يعلمون ولا يعملون، عندهم علم لكن لا يعملون، وهم اليهود وأشباههم، ومن فسد من علماء هذه الأمة.
والطائفة الثانية، الذين عندهم عمل لكن دون علم، يعملون على جهلهم وضلال، كالنصارى وأشباههم، الصوفيين والزُّهاد الذين يتخبطون في دائرة الظلمات.
فالله سبحانه وتعالى منّ علينا بالقرآن، ومنّ علينا بهذه السورة العظيمة وهي سورة الفاتحة التي فيها الثناء على الله سبحانه وتعالى وتمجيده سبحانه وتعالى، وبيان حقه سبجانه، والإيمان بالجزاء والحساب، وبيان أركان العبادة: المحبة والخوف والرجاء.
ثم تخصيص الله -سبحانه وتعالى- بالعبادة هي كالعمود، ثم الدعاء، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (7) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:7]، هذا الدعاء أعظم دعاء وأفضل دعاء، وأجمع دعاء، وأنفع دعاء، وحاجة العبد إلى هذا الدعاء، وإلى مضمونه، أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أعم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبي الإنسان؛ لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب مات الجسد، والموت لا بد منه إن عذر أو أجر، ولا يضر الإنسان الموت إذا كان مستقيم على طاعة الله، إذا كان موحد ما (10:20) الموت لا بد منه.
لكن إذا فقد، لكن إذا فقد التوحيد والإيمان مات روحه وقلبه، وصار إلى النار، وتبين بهذا أن حاجة الإنسان إلى الهداية، وإلى هذا الدعاء، أعظم من حاجته للطعام والشراب، بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبي الإنسان.
ومن فضل الله تعالى وإحسانه، ورحمته بنا، أن أوجب علينا أن ندعو بهذا الدعاء، في اليوم والليلة سبعة عشر مرة في صلاة الفريضة، عدا النوافل سبعة عشر مرة والإنسان يجب عليه أن يدعو بهذا الدعاء ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:6-7].
فالمُنعم عليهم هم الذين منّ الله عليهم بالعلم والعمل، هم أربعة أصناف:
الصنف الأول: الأنبياء.
والصنف الثاني: الصديقون.
والصنف الثالث: الشهداء.
والصنف الرابع: الشهداء.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:69].
فالأنبياء أفضل الناس، أفضل الناس حرم الله أجسادهم على الأرض أن تأكله، فهم أفضل الناس، وأعظم الناس قربى وزلفى عند الله.
ثم إليهم الصديقون، جمع صديق، والصديق هو الذي قوي إيمانه (11:55) حتى أحرق الشبهات والشهوات، وبمقدمتهم الصديق الأكبر أبو بكر -رضي الله عنه-؛ لأن أفضل الناس بعد الأنبياء -رضي الله عنه وأرضاه-.
وكلما قوي الإيمان والتصديق، أحرق الشبهات والشهوات، فلا يمكن أن يُصر الصديق على معصية ولا على كبيرة، وإذا ضعف الإيمان والتصديق جاءت المعاصي والبدع، وإذا قوي الإيمان أحرق الشبهات والشهوات.
ثم الشهداء، هو الشهيد الذي قتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، الشهيد باع نفسه لله، ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة:111] الشهيد بذل أغلى ما يملك وهي روحه التي بين جنبيه، بذلها لله.
ثم يليه الصالحون، والصالحون طبقات أقسام، على ثلاثة أقسام:
الصالحون المقربون، (13:11) هم أصحاب اليمين، والظالمون لأنفسهم، كلهم من أهل التوحيد، ماتوا على التوحيد، وكلهم مصطفون، وكلهم أورثهم الله الكتاب، لكن السابقين الأولين تقربوا إلى الله بأداء الواجبات والفرائض، ثم صار عندهم نشاط وتقربوا إلى الله بالنوافل المستحبة، وتقربوا إلى الله بترك المحرمات، والمعاصي، ثم تقربوا إلى الله بترك المكروهات كما التنزيه، وترك فضول المباحات، و(13:46) المباحات.
والمقتصدون أصحاب اليمين تقربوا إلى الله من فعل الفرائض والواجبات، ولكن لم يكن عندهم نشاط في فعل المستحبات والنوافل، وقفوا عند هذا الحد، وتقربوا إلى الله بترك المحرمات، والمعاصي ولكن لم يكن عندهم نشاط في ترك المكروهات.
قد يفعلوا المكروهات كما التنزيه، و(14:14) في المباحات.
والظالمون لأنفسهم هم الموحدون، مؤمنون ماتوا على التوحيد، لكنهم لم يقعوا في أعمال الشرك، ولكن قصروا في بعض الواجبات، أو فعلوا بعض المحرمات.
فالسابقون والمقتصدون دخلوا الجنة من أول وهلة؛ لأنهم أدوا ما أوجب الله عليهم، إلا أن درجات السابقين أعلى، والظالمون لأنفسهم، ومنهم موحدون ماتوا على التوحيد، لا يخلدون في النار لكن على خطر، على خطر قد يعذب أحدهم في قبره كما في حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فقال: «إنهما يعذبها وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وغرس في كل قبر واحدة، وقال: «لعلي أخفف عنهما ما (15:12)».
ومنهم من يصيبه أهوال وشدائد أخرى، ومنهم من يعفو الله عنه، فهم (15:17) ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:48]، ومنه من يعفو الله عنه، ومنهم من يشفع فيه فلا يدخل النار، ومنهم من يدخل النار.
فمن لم، فمن عفى الله عنه، ومن غفر الله له طهر، ومن لم يعفو الله عنه لا بد أن يطهر بالنار، وقد تواتر الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل النار جملة من الكبائر من المؤمنين الموحدين المصلين، ولا تأكل النار مواضع السجود ولكنهم ماتوا على كبائر من غير توبة، وهم موحدون، هذا مات على الزنا من غير توبة، هذا مات على الربا من غير توبة، هذا مات على عقوق الوالدين من غير توبة، هذا مات على شرب الخمرة من غير توبة، هذا مات على الغيبة، هذا مات على النميمة، يعذبون.
بقدر جرائمهم ومعاصيهم، وقد يطول مُكث بعضهم في النار لكثرة جرائمه أو لشناعتها وفُحشها كالقاتل، فإن القاتل أخبر الله أنه مخلد، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء:93] والخلود خلودان: خلود مؤبد لا نهاية له، هذا خلود الكفرة، والثاني: خلود مأمد له أمد ونهاية، وهذا خلود بعض العُصاة.
فهؤلاء الذين دخلوا النار بمعاصيهم، لا يخلدون؛ لأن معهم الإيمان والتوحيد، ولا يُخلد الموحد، ولكن هذه المعاصي طاهرة يطهرون منها، كالنجاسة التي تصيب الثوب، فلا بد من تطهيره، فإذا طهروا من معاصيهم أخرجوا إلى النار، بالشفاعة، أو برحمة أرحم الراحمين، قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع أربع شفاعات في كل مرة يحد الله له حدًا.
وكذلك يشفع بقية الأنبياء، وكذلك يشفع الملائكة، ويشفع الأفراد، ويشفع الصالحون وتبقى لا تنالهم الشفاعة، يخرجهم رب العالمين في رحمته، يقول شفاعة الملائكة وشفاعة الأنبياء ولم يبقى إلا رحمة الله، إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج القوم من النار (17:42) يعني زيادة عن التوحيد والإيمان.
فيخرجون كما ثبت في الحديث «قد انتحسوا وصاروا فحمًا» (17:51) فيصب عليهم من نهر الحياة، فإذا هذبوا ونقوا أذنوا بدخول الجنة، فإذا تكامل خروج عُصاة الموحدين، ولم يبقى أحد أطبقت النار على الكفرة، جميع أصنافهم: اليهود والنصارى والوثنيين، والملاحدة والمنافقون في الترك الأسفل من النار، كما قال تعالى إنها عليهم مؤصدة، يعني مطبقة مغلقة.
وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة:37]، وقال سبحانه: ﴿ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة:167]، وقال سبحانه ﴿ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء:97]، وقال سبحانه: ﴿لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ:23]، والحقب هو المدد المتطاولة، كلما انتهى حقب يعقبه حقب إلى ما لا نهاية، نسأل الله السلامة والعافية.
وهؤلاء الأصناف الثلاثة، الذين هم أهل الإيمان السابقون، والمقتصدون والظالمون لأنفسهم، كلهم أورثهم الله الكتاب، وكلهم ممن اصطفاهم الله، اصطفاهم الله فسلموا من الشرك، قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾ [فاطر:32] كل الأصناف الثلاثة، والصنف الرابع الكفرة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ [فاطر:36].
فنسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل الصالح الذي يرضيه، ونسأله سبحانه أن يوفقنا وإياكم تحقيق التوحيد وتنفيذه، وتنقيته وتخليصه من شوائب الشرك والبدع، فإن من حقق التوحيد ونقاه وخلصه سواء من الشرك والبدع، دخل الجنة بغير حساب فضلًا من الله تعالى وإحسانه، كما في قصة السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لما كان الصحابة يخوضون فيهم «هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون».
فنسأل الله وإياكم أن يجعلنا منهم، ويوفقنا للعمل الصالح الذي يرضيه، يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يتوفانا على الإسلام غير مغيرين ولا مبدلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبي الله ورسوله نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.