شعار الموقع

العلماء ورثة الأنبياء

115

 

 

العلماء ورثة الأنبياء.

ولهذا من أعظم النعم على العبد أن يوجهه إلى تعلم العلم الشرعي؛ فإن العلماء ورثة الأنبياء، والعالم الذي يعمل بعلمه مرتبته تلي مرتبة الأنبياء؛ لأن الأنبياء، لأن الناس طبقات كما بينه الله تعالى، الأنبياء ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون.

العالم الرباني هو صديق، ولهذا أفضل الأُمة بعد نبيها، أو أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر الصديق، هو صديق وصديق بمعنى فعيل: صيغة مبالغة، وهو الذي قوي إيمانه وتصديقه حتى أحرق الشبهات والشهوات، قوة الإيمان والتصديق يحرق الشبهات والشهوات، إذا ضعف الإيمان وضعف التصديق جاءت الشبهات والشهوات.

ولهذا ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف عالية من فوقهم كما يتراءى الناس في الدنيا، الكوكب الغابر في المشرق أو في المغرب»، يتفاضل الإيمان بينهم.

وذلك أن الجنة كما سبق أن قلت: درجات، الجنة درجات، كل درجةٍ عليا أعظم نعيم من الدرجة التي تحتها، والنار –والعياذ بالله منها، نعوذ بالله- دركات، كل دركةٍ سفلى أشد عذابًا من الدركة التي أعلى منها والعكس صحيح، عكس الجنة.

الجنة درجات: كل درجةٍ عليا أعظم نعيم من الدرجة التي تحتها، والنار دركات كل دركةٍ سفلى أشد عذابًا من الدركة التي فوقها، والمنافقون أين هم؟ في الدرك الأسفل من النار، الدركة تحت دركة اليهود والنصارى، وذلك لأنهم وافقوا اليهود والنصارى في الكفر وزادوا عليهم في الخداع، -نسأل الله السلامة والعافية-.

وهذا يدل على تفاضل الدرجات، يتفاضل المؤمنين والتفاضل درجات، أهل الجنة يتراءون أهل الغرف العالية؛ يتراءونها من بُعد، كما يتراءى أهل الدنيا الكوكب الغابر الذي لا يكاد يُرى في المشرق أو في المغرب، إيش بعده عن الكوكب، نعم بعيد، وكذلك أهل الجنة يتفاضلون، ولذلك أن أهل الجنة ثلاث طبقات بيًّنهم الله تعالى في سورة فاطر: السابقون المقربون، فالمقتصدون، أصحاب اليمين، والظالمون لأنفسهم.

السابقون المقربون: هؤلاء هم أعلى الأصناف، وهم الذين أدوا الواجبات، والفرائض، وتركوا المُحرمات والمنهيات، ثم زادوا على ذلك ففعلوا المستحبات والنوافل.

الشيخ: ليش ما استأذنت؟

طالب: استأذنت.

الشيخ: تقول: السلام عليكم أأدخل؟ هذا الاستئذان، كما علمنا الإمام أبي موسى الأشعري، السلام عليكم أأدخل؟ إذا أُذن لك فادخل، لكن المحاضرة الأولى يعني أسامح فيها.

فالسابقون المقربون: هم الذين أدوا الواجبات والفرائض، وانتهوا عن المُحرمات والمنهيات، ثم زادوا على ذلك ففعلوا المُستحبات والنوافل، وزادوا على ترك المنهيات، فتركوا أيضًا المكروهات كراهة تنزيه المكروهات، والتوسع في المُباحات؛ فهؤلاء درجتهم عالية، في أعلى المراتب.

وأما المقتصدون السابقون: فأقل في الدرجة هم في المرتبة الثانية، وهم الذين أدوا الواجبات والفرائض، وتركوا المُحرمات والمنهيات، ووقفوا عند هذا الحد، ما كان لهم نشاط في فعل المستحبات والنوافل؛ اقتصروا على أداء الواجبات والفرائض.

وكذلك أيضًا اقتصروا على ترك المُحرمات والمنهيات، ولم يكن عندهم نشاط في ترك المكروهات كراهة تنزيه، ولا في ترك التوسع في المُباحات؛ فلهذا الأساس مرتبتهم أقل من مرتبة السابقون المقربون، وإن كان كل من الصنفين يدخلون الجنة من أول وهلة، كل من الصنفين يدخلون الجنة من أول وهلة فضلًا من الله تعالى وإحسان، لأنهم أدوا ما عليهم، فعلوا الواجبات وتركوا المُحرمات، بقي زيادة الدرجات هذه حصلت من إيش؟ من فعل المُستحبات والنوافل.

 فأهل الجنة كلهم يدخلون الجنة بالتوحيد والإيمان، دخولهم الجنة بالتوحيد والإيمان سبب، يدخلون الجنة برحمة الله لكن سببه التوحيد والإيمان، ولا يمكن أن يدخل الإنسان الجنة بعمله أبدًا، لكن العمل سبب اللي هو التوحيد والإيمان سبب، وأما الدخول فهو برحمة الله، قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».

فالدخول برحمة الله ولكن سببه التوحيد والإيمان، فمن جاء بالسبب نالته الرحمة ودخل الجنة، ومن لم يأتي بالسبب والتوحيد لم تنله الرحمة، قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا﴾[الأعراف:156]، لمن؟ ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾[الأعراف:156]، ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾[الأعراف:156]، طيب الذين لا يتقون؟ فلن تنالهم رحمة الله في دخول الجنة.

ثم إذا دخلوا الجنة تقاسموا الدرجات والغرف بإيش؟ بالأعمال، تتفاوت درجاتهم: هذا في درجات عليا، وهذا في درجة أقل، كيف حصل هذا التفاوت؟ تقاسمونها بالأعمال، بالأعمال الصالحة الذي يعتني بالصلاة، يعتني بالزكاة، بالنوافل يكون إيش؟ (8:45) نسبته عالية، يحصل على درجة عالية، والذي أقل؟ الذي لا يؤدي النوافل والمُستحبات تكون درجته أقل.

ثم الظالمون لأنفسهم: هم القسم الثالث، الظالمون لأنفسهم، ظلموا لأنفسهم، مؤمنون موحدون ماتوا على التوحيد، ما حصل عندهم شِرك لكن هذا التوحيد أضعفوه، أضعفوه بأي شيء؟ أضعفوه فضعف، ونقص بالكبائر والمعاصي التي ماتوا عليها من غير توبة، ماتوا على كبائر من غير توبة، فضعف إيمانهم وتوحيدهم، وأنهم ماتوا على التوحيد.

ولكن هؤلاء اللي ظلموا لأنفسهم قد يتأخر دخولهم الجنة، ما يدخلوا الجنة من أول وهلة، قد يتأخر دخولهم الجنة بسبب المعاصي والكبائر، وهم طبقات منهم من يتأخر بمشيئة الله، معاصيهم(10:00) تحت مشيئة الله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48].

منهم من يغفر الله له؛ فإذا غفر الله له طهُر من الذنوب ودخل الجنة، ومنهم من لا يغفر الله له؛ فيشفع فيهم الشفعاء، منهم من يُشفع له، يشفع فيهم الشفعاء فيقبل الله شفاعتهم، والفضل والأمر، والفضل من الله -عز وجل- هو اللي قدر وهيأ هذا أن يشفع حتى يكرمه (10:33) وهو الذي قبل الشفاعة -سبحانه وتعالى-؛ فيُشفع فيه فلا يدخل النار، ويدخل الجنة.

ومنهم من يدخل النار، ومنهم من تصيبه الأهوال والشدائد في موقف القيامة، ومنهم من يُعذب في قبره قبل يوم القيامة، كما في حديث ابن عباس في قصة الرجلين الذين مر بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستبرأ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدةٍ رطبة وشقها نصفين، وغرز في كلِ قبرٍ واحدة وقال: «لعله يُخفف عنها مالم ييبسا»، ما لم ييبسا.

    فهؤلاء عُذبوا بسبب المعاصي قبل يوم القيامة، ومنهم من تصيبه الأهوال والشدائد في موقف القيامة، ومنهم من يعفو الله له فيدخل الجنة من أول وهلة، ومنهم من يعذب في النار مدة، ومنهم من يطول مكثه بسبب كثرة المعاصي والجرائم أو غِلظها وفُحشها، وهم مؤمنون موحدون لكن ماتوا على المعاصي من غير توبة، ولا تأكل النار جباههم وهم على السجود.

هذا مات على الزنا من غير توبة، هذا مات السرقة من غير توبة، هذا مات على التعامل بالربا من غير توبة، هذا مات على عقوق الوالدين من غير توبة، هذا مات على الغيبة من غير توبة، هذا مات على النميمة، هذا مات على قطيعة الرحم، هذا مات على أكل الرشوة وهكذا، هذا مات  على الناس (12:21) في دمائهم، وأموالهم وأعراضهم، مع كبائر ماتوا عليها من غير توبة، فمنهم من يعفو الله عنه، ومنهم من يشفع فيه الشفعاء ومنهم من يُعذب.

قد تواترت الأخبار بأنه يُعذب طوائف كثيرون في النار، وأنهم يمكثون فيها مُدة، حتى أن بعضهم يطول مكثه كالقاتل، أخبر الله أنه يُخلد، قال: مخلدًا فيها، والخلود هو المُكث الطويل، فالخلود خلودان:

-خلودٌ مؤبد لا نهاية له هذا خلود الكفرة، والكافر خلوده مؤبد لا ينتهي.

-والعاصي خلوده خلودٌ مؤمد له نهاية لابد أن يخرج منها، إذا طُهر من المعاصي بالنار خرج منها إلى الجنة.

فهؤلاء القسم الثالث من الجنة الظالمين لأنفسهم: الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي والكبائر وماتوا عليها من غير توبة، هم هذه الأقسام، بعضهم يُعذب في قبره، وبعضهم يصيبه أهوال وشدائد في موقف يوم القيامة، بعضهم يغفر الله له، بعضهم يشفع فيه الشفعاء، بعضهم يجلس يمكث في النار.

والذي يكون في النار: قسمٌ يطول مُكثه، وقسمٌ لا يطول؛ هذا حسب إيش؟ المعاصي والجرائم، وثبت أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- يشفع فيهم أربع شفاعات، كل مرة يحد الله له حدًا، ويشفع الملائكة، ويشفع الأنبياء، ويشفع الأفراط، ويشفع الصالحون.

ونيبنا -صلى الله عليه وسلم- يشفع أربع شفاعات كل مرة يحد الله له حدًا بالعلامة، ويخرج من النار من كان في قلبه مثقال بُرةُ من إيمان، أو مثقال ذرةٍ من إيمان، يُقال له، ثم يقال في المرة الثانية: أخرج من كان في قلبه مثقال حبة، أو نصف حبة، ثم في المرة الثالثة يقال له: «أخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردلٍ من إيمان، ثم المرة الرابعة يقال له: أخرج من كان في قلبه أدنى  أدنى  أدنى مثقال حبةٍ من خردل من إيمان»، حبة خردلٍ صغيرة.

وهذا فيه دليل على الإيمان يضعف حتى ما يبقى منه إلا إيش؟ يسير لكن ما ينتهي، ما ينتهي بالمعاصي لابد يبقى بقية يخرج بها من إيش؟ من النار، متى ينتهي الإيمان؟ بالشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر، أو الظلم الأكبر المُخرج من المِلة، أو الفسق الأكبر، هذا ينتهي الإيمان.

أما المعاصي ولو كثرت، ولو زادت، ولو عظمت ما تقضي على الإيمان بل تضعفه حتى يبقى بقية يخرج بها بإيش؟ من النار، فإذا خرج العصاة بقي بقية ما تنالهم الشفاعة إذا خرجوا بالشفاعة، فيُخرجهم رب العالمين برحمته، يقول الله -سبحانه وتعالى-: «شفعت الملائكة، وشفع الأنبياء، ولم يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين؛ فيُخرج القوم من النار، لم يعملوا الخير قط زيادة يعني عن التوحيد والإيمان.

وثبت أنهم يخرجون منها ضبائر ضبائر قد امتحشوا وصاروا فحمًا كالعيدان، كعيدان السماسم؛ فإذا خرجوا وصاروا فحمًا صُب عليهم من نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحِبة في حميل السيل، يعني الحبة: البذرة، حميل السيل: يعني محمول السيل، الذي يحمله السيل، السيل حينما يمشي يحمل معه كذا، أو تصير فيه على حافته حبة تنبت لتخرج، تخرج خضراء أو صفراء ملتوية تنبت، فهؤلاء شُبهوا بها، ينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا هذبوا ونقوا؛ أُذن لهم بدخول الجنة، فدخلوا الجنة، وصاروا هم الطبقة الثالثة من أهل الجنة، الطبقة الثالثة الظالمون لأنفسهم.

وآخر من يخرج من النار جاء في الحديث وصفه، آخر رجل يخرج من النار من الموحدين رأى وآخر رجل يدخل الجنة، وآخر رجلٌ هو آخر من يخرج من النار من العصاة، يخرج ووجهه موجهٌ إلى النار، قد أصابه حرها يعني يلفحه حرُها؛ فجلس مُدة دعا ربه وقال: ربِ أصرف وجهي عن النار، فقد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها؛ فيأخذ الله عليه عهودًا وثيقة ألا يسأل غيرها، فيعطي الله وعودًا ألا يسأل غيرها، فيصرف الله وجهه عن النار، يستريح استراحة الآن.

ثم بعد ذلك تُرفع له شجرة خضراء أمام من بُعد، فيسكت ما شاء الله ثم يقول يا رب قربني من هذه الشجرة أشرب من ماءها، وأستظل بظلها، فيقول الله: «ويلك يابن آدم ما أغدرك! ألم تعطني المواثيق أن لا تسأل غيرها؟! فيقول: يا رب، لا أكون أشقى خلقك، وربه يعذره فيدنيه الله منها، فيقول الله: «ويلك إن أعطيتك ألا تسألني غيرها، فقال: ربِ لا أسألك غيرها؛ فإذا وصلها وشرب من مائها، وأستظل بظلها جلس مُدة، رفعت له شجرةٌ أحسن منها أمامه.

فيسكت ما شاء الله، ثم يسأل ربه قال: ربِ أدنني من هذه الشجرة، فيقول الله له: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك هذا ثابت في الحديث الصحيح، ألم تعطني المواثيق ألا تسأل غيرها، فيقول: يا ربِ لا أكون أشقى خلقك؟! وربه يعذره فيدنيه؛ وهكذا.

حتى يرى الجنة، ويرى أبوابها فيسكت ما شاء الله؛ ثم يقول: يا ربِ أدنني من الجنة، وأدنني من باب الجنة، فيسأل ربه؛ قد أعطى ربه العهود والمواثيق ألا يسأل، وربه يعذره فيدنيه من باب الجنة، فإذا وصل إلى باب الجنة، فاح(20:0) الجنة، ورأى ما فيها من النعيم والحبور والسرور؛ فيسأل فيقول: ربِ أدخلني الجنة، فيقول الله له: أدخل الجنة، فيخيل له أنها ملئ، يخيل إليه أمام عينيه أنها ما فيها مكان، قال ربِ ما في مكان، ما أشوف مكان، الناس قد أخذوا أخذاتهم.

كلٌ يخيل إليه يرى أن الناس في قصورهم في منازلهم، وأنه كلهم الآن ليس له مكان، فيقول: ياربِ ليس لي مكان إنها ملئ؛ فيقول الله له: أما ترضى أن أعطيك ويكون لك مثل مُلك مَلك ملوك الدنيا؟! قال: أعطيك مثل ملك ملوك الدنيا، فيقول: رضيت يا رب رضيت، فيقول له: لك ذلك ومثله، ومثله، ومثله، ومثله، ومثله أي خمس مرات؛ ثم يقول له: لك ذلك وعشرة أمثاله عشرة في خمسة بخمسين، هذا آخرًا قال له: لك مثل ملك من ملوك الدُنيا خمسين مرة، ولك بعد ذلك ما اشتهت نفسك ولذة عينك.

هذا آخر من يخرج من النار، وآخر من يدخل الجنة يعطى مثل ملك من ملوك الدنيا خمسين مرة، وهذا مع الفارق:

-أولًا: مُلك ملك من ملوك الدنيا يزول، وهذا لا يزول.

-وثانيًا: الدنيا فيها متاعب، وهموم، وغموم وأكدار، وبول، وغائط، وحر وبرد، والجنة ما فيها شيء من هذا، لا بول ولا غائط، ولا حر، ولا برد، ولا هموم، ولا أسقام، ولا أمراض، يعني مع الفارق؛ والملك من ملوك الدُنيا تصيبه هذه ليس تصيبه كلها تصيبه نسأل الله العافية.

هذا آخر إيش؟ آخر من يخرج من النار وآخر من يدخل الجنة، -نسأل الله الجنة- فما ظنك بالسابقين المقربين ما هم فيه النعيم –نسأل الله من كريم فضله-، فهؤلاء السابقون المقربون أعلى هم أيضًا متفاوتون، أفضلهم وأعلاهم العلماء، العلماء، علماء بالله.

وفي مُقدمة العلماء الأنبياء والرُسل، أعلم الناس هم العلماء أعلم الناس بربهم وبالرسل، في مقدمتهم الأنبياء ثم الرُسل، وأفضل الرُسل وأعلاهم منزلة: أولي العزم الخمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومُحمد، -عليهم الصلاة والسلام- هؤلاء هم أولي العزم الخمسة؛ ذكرهم الله تعالى في إيش؟

 في آيتين من كتابه في سورة الأحزاب: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾[الأحزاب:7]، وفي سورة الشورى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]

هؤلاء أولي العزم الخمسة قال الله تعالى لنبيه: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾[الأحقاف:35]، لهم من العقوبة والتحمل ما ليس لغيرهم –عليهم الصلاة والسلام-، نوح أول العزم، أول الرسل أولوا العزم ماذا لبس في قومه؟ لبس في قومه مُدة الدعوة ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، صبر عظيم ألف سنة، تسعمائة وخمسين سنة مُدة الدعوة، وفي عُمرٌ سابق وعمر لاحق، قبل الدعوة في عُمر أليس كذلك؟

قبل أن يُنبأ فيها الطفولة، وفيها الشباب، وفيها الكهولة ثم بعد ذلك أرسله الله، وبعد ذلك بعد ما أغرق الله إيش؟ الكفرة بالطوفان أيضًا عاش عُمر مدة، لكن مدة الدعوة ما هي؟ ألف سنةٍ إلا خمسين عام، وهو صابر ومُتحمل، الليل في الليل، والنهار، والسر، والجهار.

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾، ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾، ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾، ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا﴾، ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾، ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾، ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾، ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾[نوح12:5].

إذًا هذه المُدة فيها صابر يدعوه ليل ونهار، وهم لا يزدادون إلا عثوًا وعنادًا واستكبارًا؛ حتى أنهم سدوا جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا، واستغشوا ثيابهم تغطوا تدثروا بها، وأصروا واستكبروا استكبارًا وصار الأجداد يوصون الأحفاد بالكفر بنوح وعدم الاستجابة له، الأجداد الشيوخ الكبار يوصون إيش؟ الأبناء والأحفاد بإيش؟ الأبناء والأحفاد بإيش؟ بعدم الاستجابة لنوح -عليه الصلاة والسلام-.

ولم يؤمن في هذه المدة الطويلة إلا قليل، كلهم ركبوا في سفينة في هذه المدة الطويلة؛ حتى أن الله أخبره أنه لن يزداد عدد المؤمنين وأنه ليس هناك مؤمن جديد؛ فلما أخبره الله بذلك دعا عليهم، دعا عليهم: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾، ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾[نوح27:26].

 فعند ذلك أمره الله بصنع السفينة؛ فصار يصنع السفينة بالألواح والمسامير جلس مُدة طويلة وهو يصنع، قال تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾[القمر:13]، مسامير، فكانوا يغرون به ويسخرون منه، قالوا أنظر إلى هذا، حتى رموه(28:01) بالجنون هذا مجنون، يصنع سفينة بالبر، البر فيه يحتاج سفينة! السفينة في البحر ما هي في البر؛ فيقول لهم: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾، ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾[هود39:38].

فلما أتم بناء السفينة وأحكمها والوحي يُسدد من الله، يُسدد ويوفق، جبريل ينزل بالوحي، فلما أتمها وجاء الوقت المُحدد الذي قدره الله، أمر الله نوح أن يركب السفينة وأن يُركب فيها المؤمنين، وأن يُركب فيها من الدواب من كلِ نوع إثنين حتى لا ينقطع النسل والحيوانات، الحيوانات كُلها ذكر وأنثى، ذكر وأنثى، والمؤمنين ركبوا.

 ﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾[هود:40]، أهله إلا امرأته وابنه، ابنه لم يركب قال الله أبوه: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾، ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾[هود43:42]، وامرأته كذلك والباقي ركبوا.

فلما جاء الوقت الذي قدره الله، أمر الله السماء فانشقت المياه العظيمة وأمر الله الأرض فانفجرت بالعيون، السماء انشقت بالمياه، والأرض انفجرت بالمياه، التقى ماء السماء وماء الأرض حتى التنور الذي يخرج فيه الخبز فار، الذي أبعد شيء عن الماء، نعم قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ﴾[هود:40]، التنور الذي (30:14) أبعد شيء فار، والتقى ماء السماء وماء الأرض وصارت السفينة تجري بأمر الله في هذه السيل المتلاطم، وابنه الكافر لم يركب.

قال نوحٌ: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾، ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾[هود43:42]، قال: سأصعد فوق رأس الجبل ما هو واصل(30:33) الماء إلى الجبال، فقال: سآوي إلى الجبل،﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ﴾[هود43:42]، قال له والده: ﴿قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾[هود:43]، قال الله: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾[هود:43]، ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾[هود:45].

طالب: السلام عليكم.

الشيخ: وعليكم السلام تراك تأخرت.

طالب: (31:14)

الشيخ: تفضل.

﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾[هود:43]، ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾[هود:45]، فأجابه الله قال: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾[هود:46]، ليس من أهلك الناجين، ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾[هود:46]، يوم القيامة إنه عمل ﴿فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾[هود:46]، فقال: دعا ربه قال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[هود:47].

فعلى الماء رؤوس الجبال حتى غطى الجبال كلها وغرق هذا الابن الكافر، وأغرق الله جميع أهل الأرض إلا من ركب السفينة، نعم.

طالب: أغرق الله جميع الأرض؟ ما كان في الأرض إلا قوم نوح؟

الشيخ: هذا هو نعم، هو الأب الثاني، ما كان في في ذلك الوقت؛ ولذلك لما انتهى الطوفان، وأمر الله الأرض والسماء فأقلعت والأرض ابتلعت ماءها، قيل ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي﴾[هود:44]، ونزل نوح من السفينة ومن معه قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾[الصافات:77]، قال: وأغرقنا الآخرين، ثم بعد ذلك عاش المؤمنون فترة من الزمن وانقرضوا وانقرض نسلهم، ولم يبقى إلا أولاد نوح.

قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾[الصافات:77]، سام، وحام، ويافث، واحد أبو العرب، وواحد أبو البربر، وواحد أبو الصقالبة؛ انتشروا وصار هو الأب الثاني، الأب الأول: آدم، والأب الثاني: نوح، ما بقي إلا أولادهم، انتهى، تسلسل النسل من أولادهم؛ لأن المؤمنين الذين آمنوا ونزلوا لما نزلوا من السفينة عاشوا مُدة وانقرضوا، بقي أولاد نوح كانوا ثلاثة أو أربعة: سام، وحام، ويافث.

كل واحد من الأبناء تسلسل منه العرب، سام، وحام، ويافث واحد أبو العرب، وواحد أبو الصقالبة، وكذا وأبو البربر وتناسلوا؛ وانتشر الناس، ثم بعد فترة وبعد زمن وقع الشرك أيضًا؛ فبعث الله هود -عليه السلام- بعد نوح، ثم بعث الله صالح، حتى جاء وقت إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.

فلما بعث الله إبراهيم الخليل كان في زمانه يقال زمان شُعيب، وكذلك لوط ابن أخيه في زمانه، لوط هو عمه إبراهيم، وكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم صار من ذرية إبراهيم، بعد إبراهيم حصلت النبوة والكُتب المُنزلة في ذرية إبراهيم؛ لأن إبراهيم رزقه الله ابنان كريمان نبيان:

-الأول: إسماعيل وهذا من سريته هاجر، الذي أهداها له ملك مصر في ذلك الوقت أو اللي أخدمها لزوجته ساره بنت عمه، ثم أعطته إياه فتسراها فولدت إسماعيل، وكانت زوجته هي بنت عمه سارة، وكانت من أجمل النساء، ولكنها عقيم لا تلد، ثم بعد ما يقرب من ثنتي عشرة سنة من ولادة إسماعيل؛ رزقها الله الولد، وهي بشرتها الملائكة بالولد.

وجاءت ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾[الذاريات:29]، استغربت لما بشروها بالولد، قالت: مضى شبابي الآن ما جاءني أولاد، والآن لما صرت عجوز يأتيني الولد؟! كنت شابة وعقيم فلا ألد، والآن عجوز وعقيم كيف يأتي الولد! تعجبت، فقالت الملائكة: ﴿ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾[هود:73]، فرزقها الله بإسحاق، وإسحاق أنجب يعقوب، ويعقوب أنجب يوسف؛ أربعة أنبياء كلهم في نسق.

-إبراهيم نبي وأنجب إسحاق نبي، وإسحاق أنجب يعقوب نبي، ويعقوب إيش؟ أنجب يوسف نبي؛ أربعة أنبياء في نسق، في الحديث الكريم ابن الكريم، ابن الكريم، ابن الكريم، بن الكريم، يوسف ابن يعقوب، ابن إسحاق، ابن إبراهيم، قال الله تعالى عن عيسى: ﴿وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾[يوسف:38].

طالب: إسماعيل نبي؟

الشيخ: نعم إسماعيل نبي، فإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- رزقه الله الابنان: إسماعيل نبي ومن سلالته نبينا مُحمد -صلى الله عليه وسلم-، وأما إسحاق فإنه أنجب يعقوب، وأنبياء بني إسرائيل كلهم من سلالة يعقوب، حتى ختمهم الله بعيسى؛ لأن أنبياء بني إسرائيل كثيرون، كلهم من سلالة يعقوب.

-وأما إسماعيل فإنه إيش؟ إسماعيل من سلالته نبينا مُحمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو أبو العرب، فصار يعني انحصرت النبوة بعد بعثت إبراهيم النبوة في ذريته، وكذلك الكتاب، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾[العنكبوت:27]، بعدما(38:41) تسلسل النبوة، لعلنا أيضًا نقف عند هذا إن شاء الله في المُحاضر الخامسة سنكمل توجيه إن شاء الله.

بعد ذلك إن شاء الله نبدأ في المُحاضرات، والدروس، أنتم عندكم الرسالة التنويرية إن شاء الله من أول القاعدة الخامسة.

وفق الله الجميع لطاعته، سبحانك اللهم وبحمدك.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد