طلب العلم.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.
فنحمد الله تعالى أن يسر لنا هذا اللقاء بعد آداء صلاة الجمعة، بهذا المسجد المبارك، نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في العمل، والصدق في القول، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا وأن يجعل تفرقنا تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا، وأن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده.
لا شك أيها الإخوان ويا أيها الأبناء الأعزاء أن تعلم العلم وتعليمه من أجل القربات وأفضل الطاعات، والعلم الشرعي هو أشرف العلوم، وطالب العلم الشرعي له خصائص وله مميزات، منها أن طريقه الذي يسلكه طريقًا للجنة، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة».
ومنها أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع، ومنها أن أهل العلم والذين يتعلمون والذاكرون، الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات يغفر لهم، ثبت في الحديث أن الملائكة تتبع مجالس الذكر، ومجالس العلم أعلى من مجالس الذكر، تتبع مجالس الذكر فإذا وجدوها حفوها بأجنحتهم وجلسوا.
وثيت أن الرب سبحانه وتعالى يسأل ملا ئكته وهو أعلم سبحانه وتعالى فيقولون يا ربنا أتينا من عند عبادك وهم يذكرونك ويسبحونك ويحمدونك، قال فماذا يسألوني؟ قالوا يسألونك الجنة، قال فبماذا يستعيذوني؟ قالوا يستعيذون بك من النار، فيقول الرب أشهدكم أني أعطيتهم ما يسألون ومنعتهم مما يعيذون، قالوا ربنا إن فيهم عبدك فلان ليس منهم جاء وجلس معهم، وليس منهم، فقال الله -عَزَّ وَجَلَّ- هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فيغفر الله له، وهذه مزية عظيمة.
(00:2:32) طالب العلم يتعلم دينه ويتفقه ويتبصر في شريعة الله، ويعبد الله على بصيرة، ويدعوا الناس إلى هذا الخير العظيم، فقد ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفبان أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين» قال العلماء هذا الحديث له منطوق وله مفهوم، ومنطوقه أن من فقه الله في الدين فقد أراد به خيرًا، ومفهومه أن من لم يرد الله به خيرًا لم يفقه في الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الدين شامل، وأعظم الفقه في الدين الفقه في أسماء الله وصفاته، وأشرف العلوم العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله، لأن في هذا معرفة المعبود سبحانه وتعالى، أشرف العلوم العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والفقه في أسمائه الله وصفاته، والفقه في الدين شامل، ليس المراد الفقه في أحكام الطهارة والصلاة والصيام والحج فقط لا، لكن أيضًا الفقه في أسماء الله وصفاته وفهم معاني الصفات والنصوص وأحكامها وما تدل عليها، وهذا هو الفقه الأكبر.
ولهذا سمى الإمام أبو حنيفيه كتب مسائل في أصول الدين سماها الفقه الأكبر، هذا الفقه الأكبر فقه الأسماء والصفات، والفقه في العبادات والمعاملات هذا هو الفقه الأصغر، من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين عام، يفقه في الدين في أسماء الله وصفاته وأفعاله وفي أحكام عباداته وفي أحكام معاملاته شامل، من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين.
والعلم الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه ثلاثة أنواع لا يحيد عنها:
النوع الأول: العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا أشرف العلوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، والمعلوم هو الرب سبحانه وتعالى، وبهذا العلم تعرف ربك بأسمائه وصفاته وأفعالهن تعرف أن الله سبحانه وتعالى هو الرب وغيره مربوب، تعلم أن الله هو الخالق وغيره مخلوق، تعلم أن الله هو المالك وغيره مملوك، تعلم أن الله هو مدبر وغيره مدبر، تعلم الله هو الذي له الأسماء الحسنى، وهو الذي له الصفات العلى هو العلي هو العظيم هو الكبير، هو الذي أكبر من كل شيء، هو الذي أوجد العالم، هو الذي خلقهم ورزقهم، هو الذي يميتهم ويحيهم، هو الذي يسعدهم ويشقيهم ويعزهم ويذلهم.
تعلم هذا الرب العظيم الذي لا يحيط أحدًا علمًا بأسمائه وصفاته ولا بذاته سبحانه وتعالى،{لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا} تعرف ربك أنه المستحق للعبادة لما له من الأسماء الحسنى ومن الصفات العلى، ولما له من النعم العظيمة.
ثم إذا عرفت ربك تنتقل إلى النوع الثاني من أنواع العلوم الذي بعث الله بها رسوله: وهو العلم بالأمر والنهي، العلم بالشؤع، بالحلال والحرام، العلم بالأوامر والنواهي وبالحلال والحرام، فتعبد ربك، حينئذ تعلم الأمر الذي خلقك من أجله ربك، لماذا خلقت؟ خلقك الله لتوحيده وعبادته، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]
والعبادة هي التوحيد والطاعة، والعبادة هي الأوامر والنواهي، تعرف الأوامر التي أمر الله بها تفعلها، سواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب، أو إيجاب كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، أمر استحباب مثل أمر السواك عند الوضوء وعند الصلاة، هذا أمر استحباب ليس أمر بواجب، تترك ما حرم الله عليك، تجتنب ما نهى الله عنه سواء نهي تحريم، مثل ولا تقربوا الزنى ولا تأكلوا الربى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، هذا نهي تحريم.
أو نهي تنزيه كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء، كان يكره النوم قبله والحديث بعده، هذه هي العبادة تفعل الاوامر سواء أمر إيجاب أو أمر استحباب، تترك النواهي سواء نهي تحريم أو نهي تنزيه، هذه هي العبادة، تكون عرفت الأمر الذي خلقك الله من أجله، الأوامر والنواهي.
تعرف كيف تصلي كيف تزكي كيف تصوم كيف تحج، كيف تعبج ربك، كيف تبيع كيف تشتري، كيف تستأجر، تعرف أحكام الصلح، لأن الإستثناء ينبهك الوقوف غير مناسب هذا، ما ينبغي الوقوف، لكن نسيت ال (00:7:14) جلست ذكرت، فهذا النوع الثاني من أنواع العلم، العلم بحق الله -عَزَّ وَجَلَّ- الذي خلقنا من أجله، تعرفالعبادة التي خلقنا الله من أجلها، فحينئذ عرفت ربك، وعرفت الأمر الذي خلقك من أجله فعبدته.
بقي القسم الثالث: وهو العلم بالجزاء يوم القيامة، العلم بجزاء أهل التوحيد وما لهم من الثواب، وما أعد الله لهم، ويتبع ذلك أحكام القبر وننعيمه وعذابه وضمة القبر، وأحكام البعث والجزاء والحساب، والصراط والميزان والحوض والجنة والنار، جزاء من حقق التو حيد وجزاء من ترك التوحيد، جزاء من حقق التوحيد وهم المؤمنون المطيعون لله لهم الجنة والكرامة، ولهم التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم، وجزاء من ترك التوحيد أو نقص شيئًا من وهم عصاة الموحدين، وهم العصاة من بني آدم والجن والكفرة من بني آدم والجن، فالكفرة لهم الخلود في النار والعياذ بالله مخلدون في النار، والعصاة منهم من يغفر له ومنهم من يعفو الله عنه ومنهم من يعذب في النار، ومنهم من (00:8:46) على حسب جرمه، فإذا طهرون أخرجهم إلى الله إلى الجنة، العصاة الذين ماتوا على التوحيد.
أما من مات على الشرك هذا لا حيل فيه، ليس هناك سبيل إلى خروجه من النار، والعياذ بالله، لكن الموحد الذي مات على التوحيد هذا من أهل الجنة، لكن العاصي حصل له نجاسة لا بد أن يطهر منها، فإذا عفا الله عنه طهر، وإلم يعف الله عنه لا بد من تطهيره بالنار، نسأل الله السلامة والعافية.
نسأل الله لنا ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.