شعار الموقع

طلب العلم والثبات على الحق

00:00
00:00
تحميل
98

طلب العلم والثبات على الحق 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للممتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعي لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد. 

فإن تعلم العلم وتعليمه من أفضل القربات، وأجل الطاعات التي ينال بها الإنسان عند ربه أفضل الدرجات، فإن العلم وسيلة إلى العمل، والله تعالى خلقنا لعبادته وتوحيده وطاعته، ولا طريق لنا لمعرفة هذه العبادة إلا العلم. 

 العلم هو الوسيلة التي تعرف ها العبادة، التي أمر الله بها وخلققك أيها العبد لها، فإنننا خلقنا لعبادة الله وتوحيده وطاعته، نخن عبيد مخلوقين لأمر عظيم، هو أن نعبد الله ونطيعه ونمتثل أمره ونجتنب نهيه، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56] فلا بد من العلم بما أمر الله به حتى يفعله المسلم، ولا بد من العلم بما نهى الله عنه حتى يتركه المسلم. 

والله سبحانه وتعالى من رحمته بعباده لم يتركهم سدى، ولم يخلقهم عبثًا، بل بين لهم سبحانه وتعالى السبيل الذي توصل إليه، والأمر الذي يحبه سبحانه وتعالى، والأمر الذي يكرهه ويأباه، وذلك عن طريق الرسل، فأرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين، كما قال سبحانه: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾[البقرة:213] وكان حظنا من الرسل هونبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي هو أفضل الخلق على الإطلاق، فمن الله به على هذه الأمة وكمل خلقه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أنفسنا من العرب، فبعثه الله بالحق بشيرًا ونذيرًا، يتلو آيات الله، يزكي النفوس، ويعلم الناس الكتاب والحكمة، وقد كانوا فبل بعثته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ضلال، وبعد عن الحق. 

وهو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشق عليه ما يشق على الأمة ويعنتها، وهو حريص على هدايتها، وإصال النفع الدنيوي والأخروي  إليها، وهو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من صفته الرأفة والرحمة بالأمة،﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[آل عمران:164]. 

 ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[التوبة:128]. 

﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾[الجمعة:2]  

فبلغ نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوان من النبين والمرسلين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. 

ولم يمت -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أكمل الله الدين لهذه الأمة وأتم عليها النعمة. ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:3] ولم يترك شيئًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحتجه الأمة إلا بينها لها، قال بعض الصحابة: مات رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما طائر يطير بجناحيه إلا ذكر لنا منه علمًا، وقيل لسلمان الفارسي علمكم نبييكم كل شيء؟ قال نعم، علمنا كل شيء، حتى الخراء، حتى أحكام الإستنجاء والإستجمار -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 

ومن أعطم ما يهم الأمة ويكون سببًا في نجاتها سعادتها هو تعلم هذه الأمة التوحيد ونهيهم عن الشرك، ولذا أنزل الله القرآن الكريم، الذي هو أعظم كتاب وأفضل كتاب وخير كتاب، كتاب عظيم، من عمل بما فيه فهو السعيد، ومن تركه وأعرض عنه هو الشقي، هذا الكتاب العظيم الذي بين الله فيه طريق أهل السعادة وطريق أهل الشقاوة، فيه صفات المؤمنين، وصفات الكفار, وصفات المنافقين، فيه الدعوة إلى الطريق الموصل إلى الله، فيه النهي عن طرق الضلال، وسبل الظلام، فيه الهداية لأفضل الطرق وأحسن الأخلاق، فيه البشارة للمؤمنين بالجنات، والتنعم في دار الكرامة، فيه النذارة والتحذير للكفار،﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[الإسراء:10. 

فأكمل الله الدين لهذه الأمة، وبلغ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البلاغ المبين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، فانتهت مهمته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد ربه حتى أتاه اليقين، وبلغ الرسالة وأدى الأمانة، فأنزل الله عليه في آخر  حياته سورة النصر، وجعل له علامة على قرب أجله، وهي مجئ نصر الله وفتح مكة، ودخول الناس في دين الله أفواجًا، فهذه علامة أجله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله عليه هذه السورة،﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)﴾[النصر:1/3]. 

ولهذا فقه ذلك حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي  الله عنه، وأن هذه الآية علامة أجله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولما جمع عمر الصحابة وسألهم عن هذه السورة واختلفوا، ثم سأل بن عباس فقال أتقول مثلهم؟ قال لا إنما هي أجل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 

والصحابة الذين صحبوا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هم خير الناس، وهم أفضل الناس، اختارهم الله لصحببة نبيه، لا كان ولا يكون مثلهم، أسلموا عن طواعية الاختيار، وذاقوا حلاوة هذا الدين، اعتنقوا هذا الدين وأحبوه، وكان هذا الدين أحب إليهم من أنفسهم وأموالهم وأهليهم، ونبيهم محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أفضل الناس، وخير الناس وأحب إليهم من كل شيء، يفدونه بكل غال ونفيس، والوحي يتنزل بين أظهرهم والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهم، وهويبين لهم آيات الله، ويسئلونه عما أشكل عليهم ويجاهدون معه، فهم خير الناس وأفضل الناس، اختارهم الله لصحبة نبيه، لا كان ولا يكون مثلهم، من طعن فيهم أوسبهم فذلك لمرض في قلبه، وحب الصحابة دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، كما قال ذلك الطحاوي -رَحِمَهُ اللهُ- في عقيدته الطحاوية،حملوا دين الله، ودعوا إلى دين الإسلام، ونشروا دين الله في مشارق الأرض ومغاربها. 

 ثم خلفهم التابعون، فدعوا إلى دين الله وجاهدوا في الله حق جهاده، ثم تبعهم تابعوا التابعون وهكذا، والعلماء في كل زمان يدعون إلى الله ويجاهدون في سبيل الله، ويبينون للناس الأمر الذي خلق له العباد، فرسموا خطى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة الكرام. 

ثم لما تطاوات العهود والآثار فصار عند الناس ضعف في دينهم، وظهرت بعض الفرق المنحرفة، فظهر في أواخر عصر الصحابة الخوارج الذين اشتبهت عليهم بعض النصوص، وتأولوها على غير تأويلها، وحملوا النصوص التي وردت في العصاة جعلوها في العصاة، فاعتقدوا أن المسلم يكفر بالمعصية وبالكبيرة، فكفروا المسلمين وقاتلوهم واستحلوا دمائهم وأموالهم، فالصحابة بيينوا لهم خطأهم، ولما لم يرجعوا قاتلوهم. 

ثم ظهرت أيضًا عقيدة السبئية وهي التشيع المنحرف، وهو الغلو في آل البيت وعبادتهم من دون الله، وسب الصحابة والطعن فيهم. 

 ثم ظهرت عقيدة الجهمية، ظهر الجهم بن صفوان وأنكر صفات الله -عَزَّ وَجَلَّ- وتقلد بها عن المعتزلة، وظهرت فرقة القدرية وفرقة المرجئة، وكثرت الفرق، فانبرى العلماء والأئمة وتصدوا للرد على هؤلاء، وردهم إلى فضيلة الحق والصواب، وألفوا في ذلك المؤلفات والكتب والرسائل التي تبين للناس الحق الذي التبس على كثير من الناس، من أشهر هؤلاء الأئمة الأربعة، الإمام أبي حنيفة النعمان، والإمام مالك بن أنس، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وتسلط المعتزلة في زمان الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- حينما أشاروا على الخليفة المعتصم وتأثر بعقيدة المعتزلة، وتصدى لهم الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- ووقف وقفة صادقة ولم ينثني وصبر على الأذى، وامتحن في ذلك حتى صار إمام أهل السنة والجماعة، حتى قال بعض العلماء إن الله نصر هذا الدين برجلين: أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين ارتد الناس، بعد وفاة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فردهم أبو بكر رضي الله عنه والصحابة إلى الحق، والإمام أحمد بن حنبل حينما ظهرت الفتنة، فتنة القول بخلق القرآن، فصمد لها الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- وفق الله الجميع لطاعته، وثبت الله الجميع على الهدى، وصلى الله على نبينا محمد. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد