بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ...
طلب العلم وتعلم العلم وتعليمه من أجلّ القربات وأفضل الطاعات، والعلم وراثة عن الرسل فالعلماء ورثة الأنبياء، و«الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهم وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر»، وهو طريقٌ إلى الجنة: «فمن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة».
والعلماء رفع الله منزلتهم بهذا القرآن العظيم وبالسُنَّة النبوية، كما ثبت في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «إنّ الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا ويضع به آخرين»، فالعلماء رفعهم الله وأعلى شأنهم.
ومن فضلهم أنّ الله تعالى قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته على أجلّ مشهودٍ به، قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[آل عمران:18].
فلا يستوي أهل العلم مع أهل الجهل، أهل العلم على بصيرة وعلى دراية في أمور دينهم، يعبدون الله على بصيرة، وأهل الجهل ليسوا كذلك، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾[الزمر:9].
ومما يدل على البصيرة من أهل العلم أنّ أهل العلم وأهل البصيرة هم الذين يتبين لهم الحق جليًا عندما يخفى ويبينون للناس في الدنيا والآخرة، في الآخرة يقول الله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾[الروم:55]، وقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[الروم:56] هذا في الآخرة.
وفي الدنيا قصّ الله علينا قصة قارون: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾[القصص:76]، نصح القوم خمس نصائح ولكنها لا تفيد:
- النصيحة الأولى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾[القصص:76].
- والنصيحة الثانية: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ﴾[القصص:77].
- والنصيحة الثالثة: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾[القصص:77].
- والنصيحة الرابعة: ﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾[القصص:77].
ماذا قال؟ قال بالكبر والعلو والاعتداد بالنفس ونسيان نعمة الله، ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾[القصص:78]، على علم [04:23] على علمٍ مني على حصافة عقلي وذكائي وقوتي وتدبيري للأمور حصلت على هذا.
قال الله: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾[القصص:78]، وكان كبرياؤه وترفه وإيثاره على الآخرة كما قال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يخرج في الصباح في حُلَّة وفي المساء في حُلَّة حتى اغتر وأثر البصائر.
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا﴾[القصص:79] رؤفاء البصائر همتهم [05:15]، ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[القصص:79]، اغتروا تمنوا ليت لنا مثل قارون حظ، ماذا قال أهل العلم؟ ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾[القصص:80] هذه نصيحة أهل العلم، هذه البصيرة عند أهل العلم.
أولئك اغتروا: ﴿َا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾[القصص:79-80]، يوفق لهذا الصابرون.
ماذا كانت النتيجة؟ قال الله: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾[القصص:81]، ندم الذين تمنوا أنْ يكونوا مثله، قال الله: ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[القصص:82]، هذه قصة ذكرها الله تبين فيها العلم.
والقصة الثانية قصّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا تبين فضل العالم على العابد، ومما ثبت في الصحيحين أنّ رجلًا ممن كان قبلنا قتل تسعةً وتسعين نفسًا، فسأل عن عالم قال: هل له من توبة؟ يريد أنْ يتوب فدُل على راهب عابد ما هو بعالم ليس بعالم، فقال إنه قتل تسعةً وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فاستغرب العابد: تسعة وتسعين نفس توبة؟ ما لك توبة، أعوذ بالله تقتل تسعة وتسعين وتسأل؟ فقتله وكمّل به المئة، فقتله وهذه عقوبةٌ عاجلة لأنه أفتى بجهل، عابد ليس بعالم أفتى بجهل فهذه عقوبةٌ مُعجلة فقتله وكمّل به المئة.
ثم سأل عن عالم فدُل على عالم، فقال إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة؟ دُل على العالم المرة هذه الثانية ليس عابد، قال العالم: نعم، وهل يحول بينك وبين التوبة؟ ما يحول أحد بينك وبين التوبة مقبولة من أي شخص، التوبة مقبولة من أي شخص.
في كتابنا العزيز يقول الله تعالى إذا وُجدت الشروط: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[الزمر:53]، هذه أجمع العلماء على أنها في التائبين إنه الله عمم وأطلق، أما آية النساء: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء:48] فهذه ليست في التائبين لأنّ الله خصّ وعلق: خصّ الشرك بأنه لا يُغفر وعلّق ما دونه بالمشيئة، فدلّ على أنّها في غير التائبين، وأما هذه الآية فإنّ الله عمم وأطلق.
والله تعالى عرض التوبة على المثلثة: النصارى الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة عرض عليهم التوبة، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[المائدة:73]، ثم قال سبحانه: ﴿أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾[المائدة:74].
فهذا الرجل الذي قتل مئة نفس قال له العالم: نعم لك توبة، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ما دمت في زمن الإمهال في الحياة والروح ما بلغت الحلقوم لا تنتهي التوبة ما وُجد مانع منها، ولكن قريتك هذه قرية سوء اذهب إلى قرية كذا فاذهب فاعبد الله معهم فإنّ فيها قومًا صالحين، فذهب الرجل تائب نازع في صدره بقدر حقائق الإيمان.
فمشى في الطريق يريد القرية الصالحة، فلما انتصف في الطريق جاءه الموت أدركه الموت، فاختصم فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قالت ملائكة العذاب: لم يعمل خيرًا قط نقبضه، هذا رجل سوء ما عمل خيرًا قط، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا نازعًا فنقبضه، فاختصموا فأرسل الله ملكًا يحكم بينهم.
فقال: قيسوا ما بين القريتين فلأيتهما كان أقرب فهو من أهلها، فقاسوا ما بين القريتين فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر فقبضته ملائكة الرحمة، وفي رواية أنه لما كان في الموت في منتصف الطريق وهو يعاني سكرة الموت جعل ينوء بصدره وهو في سكرة الموت، حقائق الإيمان وقوة الإيمان اللي في صدره جعل ينوء إلى القرية الصالحة حتى تقدم بشبر فقبضته ملائكة الرحمة.
وفي رواية إنّ الله أوحى إلى القرية الصالحة أنْ تقربي وأوحى إلى قرية السوء أنْ تبعدي، فقربت هذه شبر وبعدت هذه فقبضته ملائكة الرحمة.
هذه القصة فيها انظر العلم والبصيرة الآن، العالم قال لك توبة والعابد قال ليس لك توبة، انظر الفتوى بغير علم فتوى الجاهل، العظة نور وبصيرة، الإنسان إذا رزقه الله العلم صار عنده نور وبصيرة يعرف بها الحق والباطل، النور حياةٌ للقلوب والأرواح نور يهتدي به.
ولهذا سمى الله القرآن حياة لتوقف الحياة الحقيقية عليه، وسماه نورًا لتوقف الهداية عليه، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾[الشورى:52] وهو القرآن سماه الله روح، ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾[الشورى:52]، سماه نور وروح.
فالعلم به يعرف الإنسان ربه بأسمائه وصفاته، فيعظم الله ويخشى الله ويتقيه، يعرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، يعرف أسرار الشريعة، يكون عنده بصيرة، يعلم ما أمر الله به فيمتثله، ويعلم ما نهى الله عنه فيتركه، هذا إذا وفقه الله للعمل، ثم أيضًا يعلم الناس ويدعو الناس ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويكون من الدعاة على بصيرة، يكون من أتباع الرسل ومن العلماء الربانيين الذين يربون الناس بالعلم ويصبر على الأذى.
والعالم درجة الصديقين، من الصديقين الذين مرتبتهم تلي مرتبة الأنبياء، فإنّ المؤمنين أربع طبقات أربع مراتب:
- مرتبة الأنبياء
- ثم مرتبة الصديقين
- ثم مرتبة الشهداء
- ثم مرتبة الصالحين
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا﴾[النساء:69].
بالعلم يرفع الإنسان الجهل عن نفسه ثم يرفع الجهل عن غيره؛ لأنّ أصل الإنسان أنه لا يعلم كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾[النحل:78]، فمن رزقه الله العلم فهو على خيرٍ عظيم.
ولهذا فإنّ من علامات الخير من علامات أنّ الله يريد بالعبد خيرًا أنْ يفقهه في الدين، ومن علامات عدم إرادة الخير ألا يُفقه في الدين، ولهذا ثبت في الصحيحين في حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من يريد الله يفقهه في الدين»، قال العلماء هذا الحديث له منطوق وله مفهوم:
منطوقه: أنّ من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيرًا، ومن لم يفقهه في الدين لم يرد به خيرًا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فمن وفقه الله لطلب العلم عليه أنْ يتأدب بآداب طلب العلم وأنْ يحمد الله أنْ وفقه لسلوك طريق العلم، ويفرح بذلك لأنه من الفرح المحمود، الفرح فرحان: فرحٌ محمود وفرحٌ مذموم، الفرح المحمود: الفرح بتوفيق الله، الإيمان، والإسلام، والعلم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:58].
وأما الفرح الثاني فرح الأشر والبطر هذا هو المذموم، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾[غافر:76] وهو فرح قارون، ﴿قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾[القصص:76] فرح الأشر والبطر.
وطالب العلم عليه أنْ يحمد الله على هذه النعمة وعليه أنْ يتأدب بالآداب، وأعظم الآداب الإخلاص إخلاص النية، يجاهد نفسه على الإخلاص، يتعلم العلم لوجه الله لينقذ نفسه من الجهل ليعبد الله على بصيرة، ليحصل على الأجر والثواب ليكون من أهل العلم الذين رفع الله منزلتهم وأعلى درجاتهم، لا للدنيا، لا للجاه، لا يتعلم العلم للمال، أو يتعلم العلم لجاه أو لوظيفة أو للرياء والسمعة أو للماراة أو للمجاراة هذه من أقبح المقاصد.
والله تعالى يقول في كتابه العظيم: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[هود:15-16]، من كان الحياة الدنيا في عمله في عبادته والعلم من أجلّ العبادات وأفضل القربات.
وفي الحديث: «من تعلم علمًا بما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عوضًا من الجنة لم يرح رائحة الجنة»، وفي الحديث: «أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: عالم أو قارئ، والثاني مجاهد، والثالث منفق ومتصدق، أما الأول العالم فيؤتى به ويوقف بين يدي الله فيسأله الله ماذا عملت؟ فيقول: يا ربي تعلمت فيك العلم وقرأت فيك القرآن، فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، وإنما تعلمت العلم ليُقال عالم وقرأت القرآن ليُقال قارئ وقد قيل وليس لك إلا ذلك، ثم يأمر الله به فيُسحب على وجهه حتى يُلقى في النار، ويؤتى بالمجاهد الذي قُتل في المعركة ويوقف بين يدي الله، فيقول الله: ماذا عملت؟ فيقول يا ربي قاتلت فيك حتى قُتلت ابتغاء وجهك، فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، وإنما فعلت ذلك ليُقال فلان جريء وليقال فلانٌ شجاع، فقد قيل وليس لك إلا ذلك، ثم يأمر الله فيُسحب على وجهه حتى يُلقى في النار، ويؤتى بالمنفق الذي أنفق أمواله في سبل الخيرات، فيوقف بين يدي الله فيقول له: ماذا عملت؟ فيقول: يا ربي ما تركت من سبيلٍ تحب أنْ أنفق فيها إلا أنفقت فيها ابتغاء وجهك، فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، وإنما فعلت ذلك ليُقال فلانٌ كريم وليقال فلانٌ جواد، فقد قيل وليس لك إلا ذلك، ثم يأمر الله فيُسحب على وجهه حتى يُلقى في النار».
قال أبو هريرة: فهؤلاء الثلاثة أول خلق الله تُسعر بهم النار يوم القيامة وهم في صحيحه، ما الذي جعل هؤلاء أعمالهم انقلبت وصارت وبلًا عليهم؟ النية السيئة، العالم هذا لو كانت نيته خالصة لكان من الصديقين، والثاني لو كان نيته خالصة لكان من الشهداء، والثالث لو كانت نيته خالصة لكان من الصالحين، فلا بد من جهاد النفس.
لا يتعلم الإنسان العلم من أجل الوظيفة أو لأجل المال أو لأجل الشهرة والسمعة أو لغير ذلك، إذا كنت تريد المال، تريد الوظيفة، تجعل العلم طريق إلى المال يكون العلم خادم هذا مصيبة، إذا كنت تريد الدنيا ادخل في [18:48] الحياة: الشركات والمؤسسات والبقالات وغيرها، لكن الواجب أنْ يكون العلم هو الأصل، وما جاءك من هذا مما يعينك هذا يكون وسيلة، وسيلة تعينك على طلب العلم مكافآت لكن لا تكون هي الأصل.
ولا بد من جهاد النفس حتى تزول الخواطر الرديئة، يجاهد الإنسان نفسه، والجهاد والنية من أصعب الأمور إصلاحها كم قال بعض السلف، لكن الإنسان مأمور بالجهاد، والله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[العنكبوت:69] موعود بالهداية، ومن جاهد فإنما يجاهد نفسه، وطلب العلم متيسر الآن.
على الإنسان من آداب طلب العلم الاستمرار في طلب العلم والحضور، حضور الحلقات والدورات ويستمر، ما يكون حضوره حضور قليل مرة في الأسبوع هذا تذوق، العلم اعطه كلك يعطيك بعضه، العلماء الذين أعطاهم الله العلم سهروا الليالي، تعبوا، ما نالوه بالنوم والراحة والكسل، والحمد لله أنّ الوسائل متاحة الآن متعددة في طلب العلم عن طريق المعاهد العلمية والجامعات وكليات العلوم الشرعية، وعن طريق حلقات الدروس والدورات العلمية، وقراءة الكتب والرسائل المسجلة لأهل العلم والبصيرة والكتب كتب أهل العلم القدامى والمعاصرين، كل هذا من طلب العلم، والحرص أيضًا على الفوائد تقييدها، تقييد الفوائد.
العِلْمُ صيدٌ والكِتَابةُ قيدُهُ
قَيّدْ صُيُودَكَ بالحِبَالِ الوَاثِقَة
الفوائد تقيدها حتى لا تضيع، والحذر أيضًا من الحسد وكذلك أيضًا على الإنسان يحرص على عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة ويحذر من التحزبات، التحزبات الآن التي أضاعت الشباب وفرقتهم وأضاعت عليهم العلم، هذا فلانٌ كذا هذا فلانٌ كذا، تحزبات: هذا تبليغي، هذا تكفيري، هذا سنوري، هذا كذا، هذا كذا، كونوا حزب واحد.
كونوا من أهل السُّنَّة والجماعة من أهل الحق، من السلف الصالح أهل السُّنَّة والجماعة، ما كان عن النبي إلا أصحابه هم أهل الحق وهم أهل البصيرة وهم أهل السُّنَّة والجماعة وهم الطائفة المنصورة كونوا منهم، الزموا الحق، اتركوا هذه التحزبات واطلبوا العلم، واحذروا من الشغب والأعمال السيئة والنيات والإيذاء، كونوا من أهل السُّنَّة والجماعة واطلبوا العلم، وإذا سألكم أحد قولوا نحن من أهل السُّنَّة الجماعة، إذا قال لك ما تقولوا شيء؟ ما نقول شيء، اسألوا أهل العلم لا تسألونا، نحن نطلب العلم ولا نتكلم بالناس.