كلمة توجيهية في الحفل الختامي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني.
أشهد أنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، إلى العرب والعجم، وأشهد أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربهاليقين، فصلاة الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبين والمرسلين وعلى آله وعلى أصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، كما أسأله سبحنه وتعالى اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا، كما أسأله سبحانه أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده.
فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده».
أيها الإخوان لقد سررت بهذا الجمع المبارك وبما سمعت من تلاوات الطلاب والأبناء والإخوان، وسررت بما سمعته من تنظيم هذه الدورة المباركة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزق الجميع الإخلاص في العمل والصدق في القول، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وصوابًا على سنة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أيها الإخوان إن تعلم القرآن وتعليمه من أجل القربات، وأفضل الطاعات، هو عبادة عظيمة، يتلو المسلم كتاب ربه ويتعلم كتاب ربه ويعلم كتاب ربه.
والقرآن كلام الله تعالى، تكلم به سبحانه وتعالى وسمعه منه جبرئيل ونزل به على قلب نبنا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193(عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ(194)بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾[الشعراء:195]
وهذا الكتاب كتاب الله العظيم، أعظم كتاب وخير كتاب، هذا الكتاب العظيم من عمل به سعد في الدنيا والآخرة، كتاب السعادة كتاب الهدى، كتاب البيان، يهدي هذا القرآن لأقوم الاخلاق ولأحسن الأعمال، فيه بشارة ونذارة ووعد ووعيد، وتخويف وتحذير فيه قصص الأولين والآخرين، فيه أخبار الأمم الماضية، فبه الإخبار عما يكون في آخر الزمان، فيه الإخبار عن البعث والنشور والجزاء والحساب والجنة والنار، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا(9(وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[الإسراء:10]
هذا القرآن فيه شفاء لعلل القلوب والأبدان، شفاء لما في الصدور لمن وفقه الله وهداه، أما من لم يهده الله فلا يزداد إلا ضلال وعمى إلى عمى، نسأل الله السلامة والعافية، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[يونس:57] قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾[فصلت:44]
وهذا القرآن حياة للقلوب، سماه الله روحًا لتوقف الحياة الحقيقة عليه، وسماه الله نورًا لتوقف الهداية عليه، بين الله سبحانه وتعالى أن نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعله الله نورًا،﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾[الشورى:52] وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا، سماه الله روحًا لتوقف الحياة الحقيقة عليه،﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا﴾[الشورى:52] فسماه الله روحًا لتوقف الحياة الحقيقة عليه، وسماه الله نورًا لتوقف الهداية عليه، فهو نور وهداية، لكن ليس لكل أحد بل لمن وفقه الله ولمن أراد الله هدايته، ولهذا قال سبحاته وتعالى: ﴿ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾[الشورى:53]
هذا القرآن العظيم من قرأه وعمل بما فيه نال السعادة، نال سعادة الدنيا والآخرة، هذا القرآن يشفع لمن عمل به كما ثبت في الحديث الصحيح الذيي رواه الإمام مسلم -رَحِمَهُ اللهُ- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «اقرءوا هذا القرآن فإنه يأتي شفيعًا يوم القيامة لأصحابه».
هذا القرآن يحاج عن صاحبه لمن قرأه وعمل بما فيه ووقف عند حدوده، وعمل بمحكمه وآمن بمتشابه واتعظ بمواعظه وانزجر بزواجره، ثبت في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان في رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة».
الذين يتعلمون القرآن ويعملون به ويعلمونه هم خير الناس وأفضل الناس كما ثبت في صحيح البخاري أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ولما سمع أبو عبد الرحمن السلمي هذا الحديث جلس يقرؤ الناس أربعين سنة، جلس يقرؤ الناس ويعلم الناس القرآن أربعين سنة حتى يحصل على هذه الخيرية، خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها في بيان فضل قارئ القرآن الذي أتقنه وجوده، والذي يقرأ القرآن ويشق عليه كلهم على خير، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة –وهم الملائكة_ الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» وهذا في فضل عظيم.
والذي يقرأ القرآن له ميزة على من لا يقرأ القرآن، فالمؤمن الذي يقرأ القرآن له مزية على المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، وإن اشتركا في الإيمان، وكذلك أيضًا من يقرأ القرآن من المنافقين له مزية على من لا يقرأ القرآن، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : في حديث أبي موسى من حديث عائشة رضي الله عنها «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ريحها طيب لأنه معه القرآن، وطعمها طيب لأنه معه الإيمان – ومثل المؤمن الذي لايقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها _لأنه ليس معه القرآن_ وطعمها حلو –لأنه معه الإيمان- ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب –لأن معه القرآن- وطعمها مر -لأن معه الكفر والنفاق- ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن، مثل الحنظلة، لا ريح لها –لأنه ليس معه القرآن- وطعمها خبيث مر –لأن معه النفاق والكفر».
والله سبحانه وتعالى رفع قدر أهل العلم وأهل القرآن، والقرآن هو ينبوع العلم، وأصل العلم، ماخوذ من كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله تعالى يرفع العلماء العاملين بهذا القرآن فوق الآخرين كما ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين».
والذي يقرأ القرآن ويتعلم القرآن ويعلم القرآن صاحبه مغبوط، كما أن صاحب المال الذي يكسبه من الوجوه المشروع وينفقه في المشاريع الخيرية مغبوط، كل منهما محسود حسد غبطة، والحسد نوعان: حسد غبطة هو أن تتمنى مثل النعمة التي حصلت لأخيك من غير زوال، هذا لا بأس به، والحسد الثاني: حسد مذموم يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وهو الذي يتمنى زوال النعمة عن أخيه المسلم، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح، «لا حسد إلا في اثنتين –المراد بالحسد الغبطة يعني لا غبطة إلا في خصلتين- لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» كل منهما محسود حسد غبطة، لا حسد إلا في اثنتين يعني لا غبطة إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار، على كل شيء كريم، وفي لفظ «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» (00:11:59) المأخوذ من كتاب الله وسنة رسول الله، رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالًا فسلطه على هلكته في الحق.
وتلاوة القرآن وحدها عبادة مستقلة، يتعبد المسلم بتلاوة كتاب ربه، وله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا يقال الأمر، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث بن مسعود رضي الله عنه الذي رواه الترمذي وقال حديث حسن «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» وهذا من فضل الله وإحسانه إذا قال الم هذه ثلاثة حروف بثلاثين حسنة إذا تقبل الله.
والمسلم الذي يرأ القرىن ويعمل به ويقف عند حدوده ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابه وينفذ الأوامر ويصدق الاخبار، هذا يرتقي في درج الجنة وغرفها، وهذا فضل الله، وينتهي عند نهاية قراءته للقرآن، جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «يقال لقارئ القرآن اقرا وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها».
وينبغي للمسلم أن يحسن صوته وأن يقرأ قراءة حسنة واضحة يخرج الحروف من مخارجها، ولا يسقط شيئًا من الحروف، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «من لم يتغن بالقرآن فليس منا» يعني يحسن صوته، وثبت أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان حسن الصوت، وكان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستمع لقراءته، وقال لما سمع قراءه: «لقد أوتي أبو موسى مزمارًا من مزامر آل داود»، يعني صوتًا حسنًا، المزمار يعني الصوت الحسن، يطلق المزمار على الصوت الحسن، ويطلق على صوت المغني، والمراد الصوت الحسن، وثبت في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العشاء فقرأ بالتين والزيتون، فما سمعت صوتًا أحسن منه، عليه الصلاة والسلام، ولكن ينبغي لحافظ القرآن، من منَّ الله عليه بحفظ القرآن أن يتعاهده، وأن يكثر من تلاوته حتى يثبت هذا القرآن في صدره، يكون حافظًا، ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾[العنكبوت:49].
وقد أوصى عليه الصلاة والسلام أمته من الحفظة، بتعاهد هذا القرآن، قال عليه الصلاة والسلام: «تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها»، وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد أمسكها، وإن تركها ذهبت»، يعني الإبل المعقلة التي تربط أيديها بالحبل إذا لم يكن عندها أحد، تقوم وتتحرك وتتفلت ثم تتبعها الثانية والثالثة ثم تذهب، لكن إذا كان عندها صاحبها فإنه يتعاهدها، وإذا تفلت أحدها عقلها وهكذا، وكذلك صاحب القرآن، وتلاوة القرآن عبادة من أجل القربات وأفضل الطاعات، وتلاوة القرآن نوعان:
النوع الأول: تلاوة ألفاظه، وقراءة حروفه، والتعبد لله بذلك، هذه عبادة مستقلة، تعبد الله المسلمين بقراءة القرآن، يتلونه آناء الليل، وآناء النهار، ولهم بكل حرف حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.
والنوع الثاني: تلاوة حكمية، وهذه هي التي عليها مدار السعادة والشقاوة، والتلاوة الحكمية: هي تصديق أخباره وتنفيذ أحكامه، وأن تصدق الأخبار وتنفذ الأحكام، فالتلاوة الأولى أي اللفظية وسيلة إلى التلاوة الحكمية، وسيلة إليها، فأنت تتلو كلام الله، وتتعبد لله بتلاوته لتعمل به، ولتصدق أخباره، ولتنفذ أحكامه؛ لأن القرآن إما خبر يصدق، وإما أمر ينفذ.
إما خبر يصدق، كما أخبر سبحانه وتعالى عن نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله، وكما أخبر عن أنبيائه ورسله، وكما أخبر عن اليوم الآخر وعن الجنة والنار، فالأخبار يصدقها المسلم، والأوامر ينفذها.
والأوامر نوعان: أمر بالفعل، قال: {وأقيموا الصلاة}، وأمر بالترك: {لا تقربوا الزنى}، أمر بالفعل وأمر بالترك، فالأخبار تنفذ، تمتثل الأوامر، أقيموا الصلاة، تنتهي عن النواهي، {لا تقربوا الزنى}، {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، {ذروا ما بقي من الربا}.
هذه التلاوة هي التي عليها مدار السعادة والشقاوة، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾[البقرة:121]، يعني: يعملون به حق العمل، فلا بد من العمل بهذا القرآن العظيم، لا بد من تصديق الأخبار، ولا بد من تنفيذ الأحكام، وهؤلاء الطلاب في هذه الحلقات، وهؤلاء طلابنا وأبناؤنا الذين يلتحقون بهذه الحلقات هم على خير عظيم، وهم من خير الناس، وكونهم يتفرغون لتلاوة القرآن هذا فيه فضل عظيم، وفيه أجر عظيم، فيه فضل عظيم لهم، وكذلك فيه أجر للقائمين عليه والمدرسين والمعلمين، وكذلك الإداريون الذين ينظمون ويساعدونهم ويهيئون السبل للحفظ، فهم على خير عظيم -نحسبهم والله حسيبهم- ونسأل الله أن يرزقنا وإياهم الإخلاص في العمل والصدق في القول.
ينبغي للجميع أن يحتسب وأن يكون عنده احتساب، ينبغي أن يكون الجميع عندهم احتساب، الإداريون، والمدرسون، والمساعدون، وكذلك أيضًا المشجعون والداعمون لهذه الحلقات ماديًا ومعنويًا، فهم على خير عظيم، والنفقة في هذا السبيل، الحلقات، نفقة في سبيل الله، وهي من أفضل النفقات، وأجل القربات، تنفق من مالك، تدعم هذه الحلقات، تؤيدها حتى تقوم بواجبها، الحلقات تحتاج إلى مدرسين لهم رواتب، تحتاج إلى عناية، تحتاج إلى تشجيع للطلاب، فأنت تدعمهم وتنفق من مالك ابتغاء وجه الله فأنت على خير عظيم، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾[البقرة:272]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[البقرة:273]، وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[البقرة:274]، وقال سبحانه: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الحج:77]، وافعلوا الخير، وهذا من الخير، {لعلكم تفلحون}، (لعل ليست للترجي؛ لأن الله تعالى لا يرجو أحدًا ولا يخاف من أحد، بل هي للتعيين، والمعنى: وافعلوا الخير لكي تفلحوا، لتفلحوا، والمعنى أن من فعل الخير حصل على الفلاح، وهذا مقيد بالإخلاص والإيمان بالله ورسوله، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النصوص يضم بعضها إلى بعض.
فأنا أوصي إخواني المحسنين، ومن منَّ الله عليهم بالمال أن يدعموا هذه الحلقات، وأن ينفقوا من أموالهم، أن يحتسبوا الأجر عند الله، وكذلك الدور النسائية فيها الخير العظيم، ينبغي الاحتساب ودعمها، والإنفاق عليها، وشراء الدور، وإيقافها عليها، فقد حصل فيها خير عظيم، واستفاد كثير من الأمهات، استفادوا وحفظوا كتاب الله، وحفظ كثير منهن كتاب الله، وبعضهن حفظ شيئًا كثيرًا من كتاب الله عز وجل، فينبغي للمحسنين أن يدعموا هذه الدور النسائية، وهذه الحلقات، وأن ينفقوا من أموالهم وأن يحتسبوا الأجر من الله، وأن يعلموا أن النفقة مخلوفة في الدنيا، وأجرها مضاعف في الآخرة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[سبأ:39].
فالنفقة مخلوفة ومضاعفة إذا أخلص الإنسان عمله لله، وأنفق من ماله ابتغاء وجه الله، فأجره مضاعف والنفقة مخلوفة، وهؤلاء الأبناء الذين يلتحقون بهذه الحلقات لا شك أنهم ينشغلون بكلام الله عز وجل، وبتلاوة كتاب الله عز وجل في وقت كثر فيه الشر والفساد، في وقت كثرت فيه الفضائيات والقنوات الفضائية والدشوش والأشرطة السيئة التي ملئت الدنيا، هذه الدشوش التي ينشر فيها الشر والفساد، ينشر فيها الدعوة إلى اليهودية والنصرانية، الدعوة إلى التنصير، الدعوة إلى المذاهب القبيحة، المذاهب التي تسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينشر فيها تعليم الإجرام والسرقة والقتل، تنشر فيها الدعارة والفجور، ينشر فيها العري، ينشر فيها صور النساء العاريات.
فأبناؤنا ينشغلون، أبناؤنا في هذا الوقت يمضون أوقاتهم في كتاب الله عز وجل ويبتعدون عن هذه الشرور وهذه الفتن، وهذه المناظر السيئة، وهذه القنوات وهذه الدشوش، وسماع الأشرطة السيئة، وهم يتلون كتاب الله، فهم على خير عظيم، وما يقال، أو ما يقوله بعض الناس من التنفير من هذه الحلقات، وأن الحلقات فيها كذا وكذا، وفيها كذا وكذا، وأنها تفرق الإرهاب وما أشبه ذلك، كل هذا تنفير، كل هذا أمر باطل، هذا فيه تنفير عن هذه الحلقات، الحلقات ليس فيها إلا الخير.
ما يقال عن هذه الحلقات أن فيها كذا، وأنها تفرق الإرهاب، وأنها يحصل فيها كذا، كل هذا أمر باطل، لم نرى من هذه الحلقات إلا الخير، فهم على الفطرة، وهم خير الناس، خير من الذين يتسكعون في الشوارع، خير من الذين يتعلمون الشر والفساد واللعن والسباب، خير من الذين يؤذون الناس، لا يؤذون الناس، هم يتعلمون، كيف يفرق الإرهاب؟! وإذا وجد شيء نادر فهذا لا يضاف إلى الحلقات، يضاف إلى شيء خارج، إذا حصل من بعض الطلاب، حصل شذوذ من أفراد ينسب هذا إلى الحلقات، ويقال إن الحلقات تفرق الإرهاب، وأن فيها كذا وكذا، ينفر الناس من الالتحاق بالحلقات التي تدرس كتاب الله، وتدرس كتاب الله، هذا أمر باطل، ولا عبرة بالشذوذ، ولا عبرة بما إذا وجد من شذ، هذا لا ينسب إلى الحلقات، الحلقات ليس فيها إلا الخير، لكن الذين شذوا إنما جائهم هذا الأمر من أمر خارج، خارج عن القرآن وخارج عن الحلقات، فلا يضاف إلى الحلقات هذا الأمر.
هؤلاء أبناؤنا وإن كانوا الآن شبابًا صغارًا ولكنهم في المستقبل هم رجال الغد، هؤلاء الأبناء هم الذين يتولون المناصب، سيكون منهم في المستقبل إن شاء الله المدرس، يكون منهم القاضي، يكون منهم المدير، يكون منهم الوزير، يكون منهم المعلم، يكون منهم المستشار، يكون منهم الكاتب، يتولون الأعمال، فإذا صلحوا صلح المجتمع، وإذا فسدوا -لا قدر الله إلا الخير- فسد المجتمع -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.
بصلاحهم يصلح المجتمع، هم رجال الغد، هم الذين سيتولون الأعمال، من الذي يتولى الأعمال؟ هم، هم الجيل، الجيل الأول يذهب، ويأتي هذا الجيل، إذا كان جيل صالح تولى الأعمال، هذا وزير، هذا طبيب، هذا مدرس، هذا قاضي، هذا مستشار، هذا رئيس، هذا مدير، وهكذا، إذا صلحوا صلح المجتمع، وإذا فسدوا فسد المجتمع، فعلينا العناية بهم، تربيتهم وتعليمهم وتنشأتهم وتدريسهم وحضهم على الخير والإحسان والرفق والإيثار وتحذيرهم من الشر والفساد والإيذاء والشذوذ والانحراف وسوء الخلق، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، العلم النافع مأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، نسأل الله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، نسأل الله أن يحمي بلادنا من شرور الأعداء الذيت يتربصون بها الشر، نسأل الله أن يصلح ولاة أمورنا، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، وأن يعيذهم من بطانة السوء، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا جميعًا على دينه القويم إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.