شعار الموقع

كلمة توجيهية في مكتب بقيق 2

00:00
00:00
تحميل
89

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني أشهد أنه رسول الله إلى الناس كافة إلى العرب والعجم، إن الجن والإنس. 

أشهد أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده، أشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى آتاهم الرب (1:39) صلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمسلمين على آله وعلى أصحابه على أتباعه بإحسان إلى يوم الدين. 

أما بعد،  

فإني أحمد لله إليكم، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، كما أسأله سبحانه أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل منا ولا فينا شقيًا ولا محرومًا، كما أسأله سبحانه أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة، تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة، ويذكره الله فيمن عنده. 

أيها الإخوان، إن المسلم الذي منّ الله عليه بنعمة الإسلام، وهداه الإيمان، (2:28) الله عليه له أعظم نعمة، ثم إذا منّ الله عليه بالتوجه إلى طلب العلم هذه نعمة أخرى خصه الله بهذا الخصيصة، كونه يرث ميراث الأنبياء والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ أخذ بحظ واسع، فأنت إذا اتجهت إلى العلم الشرعي ورغبت فيه وبذلت جهدك في التعلم فاعلم أن هذا من علامات الخير، وأن الله أراد بك خيرًا. 

قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: «من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، قال العلماء هذا الحديث له منطوق وله مفهوم. 

منطوقه أن من فقهه الله في الدين، فقد أراد به خيرًا. 

ومفهومه أن من لم يُرد له بخير لم يفقهه الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

ميراث الأنبياء، ميراث الأنبياء يا إخوة هو العلم، ولما مرّ أبو هريرة -رضي الله عنه- على قوم جلوس من التابعين، خارج المسجد، قال لهم: "أنتم جالسون هكذا وميراث محمد صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد"؟ فذهبوا مسرعين إلى المسجد، وثم رجعوا إليه، هذه فقالوا يا أبو هريرة ما وجدنا شيئًا يقسم، قال: ما وجدتم؟ قالوا: وجدنا حِلق، قال: هذا هو ميراث محمد، هذا ميراث محمد، حِلق العلم ميراث محمد ليس الدرهم والدينار وإنما العلم، العلم الشرعي قال الله وقال رسوله، قال الصحابة. 

العلم بالله والعلم بحق الله –عز وجل-، العلم الذي بعث الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأتت به الرسل، وأنزل به الكتب، ثلاثة أنواع: ثلاثة أقسام:  

القسم الأول، أو النوع الأول: العلم بالله وبأسمائه وبصفاته. 

وهذا هو أصل العلوم، شرف العلم وشرف المعلوم، والمعلوم هو الله، العلم بالله وبأسمائه وصفاته، هذا أول المعارف، أول واجب تعرف الله، تعرف ربك تعرف معبودك، والخالق من؟ هو الله الذي لا إله إلا هو، هو الله خالق العرش، هو الرب وغيره المربوب، هو الخالق وغيره المخلوق، هو المالك وغيره المملوك، هو المُدبر وغيره المدبر، تعلم هذا، تعرف ربك أنه هو الخالق وغيره المخلوق، أنه الرب وغيره المربوب، وأنه المالك وغيره المملوك، وأنه المُدبِر وغيره المدَبَر. 

تعرف الرب بأنه هو الذي أوجد هذا العالم، وهو واجب الوجود لذاته، لم يجده أحد، بل واجب الوجود لذات، والإله هو الرب هو الأحد الذي لم يلد ولم يولد، لم يتفرع منه شيء، ولم لم يتفرع منه شيء ولم يُتفرع منه شيء لم يلد ولم يولد، ليس له أب ولا، ليس له والد ولا ولد، بل هو واجب الوجود لذاته سبحانه وتعالى. 

والله الأحد الصمد، الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، والصمد في نفسه، والكامل في ذاته، الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، الذي ليس له مثيل ولا نظير لم يكن له كفوًا أحد، لم تعلم له (6:19)، الملك القدوس، السلام المؤمن المهين العزيز الجبار، المتكبر الخالق البارئ المصور، عالم الغيب والشهادة، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته. 

هو الذي أوجد الخلائق، هو الذي أوجد العالم، هو الذي بيده ملكوت كل شيء، هو الذي يقول للشيء كن فيكون، وله صفة الكمال، وله صفة الجلال، وله صفة الجمال -سبحانه وتعالى-. 

هذا هو العلم الأول، يعرف المعاني، شرف العلم شرف المعلوم، المعلوم هو الله تعرف ربك، إذا عرفت ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله فعليك أن تنتقل إلى العلم الثاني، وهو معرفة الحق، حقه الذي خلقك من أجله. 

ما هو لماذا خُلقنا؟ خلقنا لنأكل ونشرب؟ لنشق الأنهار، لنغرس الأشجار؟ لا خلقنا الله لعبادته، لكن لنشق الأنهار ونغرس الأشجار، نستعين بذلك على طاعة الله وعبادته، مخلوقون لأمر عظيم قد هيأوك لأمر لو فطنت به فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل، خلقت لأمر عظيم، لست مثل الحيوانات، والبهائم العجماوات، مثل (7:47). 

الله أعطاك السمع والبصر والفؤاد، واصطفاك من بين سائر المخلوقات، وكرمك وأنعم عليك النعم وحملك بالبر والبحر والجو ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70]. 

خلقك الله أيها الإنسان في أحسن تقويم، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين:4]، جعل رأسك مرفوع إلى السماء بخلاف الحيوانات رأسها في الأرض، تمشي ورأسها في الأرض، رأسك في السماء، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين:4]. 

فلا بد أن تعرف حقه، الذي خلقك من أجله، حقه العبادة، العبادة، والذي خلق من أجله العبادة والتوحيد والطاعة، وهو أرسلت به الرسل وهو الذي أنزلت به الكتب. 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36] أنت مخلوق لهذا الأمر العظيم، أن تعبد الله. 

تعبد الله بأي شيء؟ بعبادته التي شرعها في كتابه وعلى لسان رسوله، شرع الله علينا الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، شرع الدعاء، والذبح، والنذر، والاستعاذة، والاستغاثة، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الناس، شرع لنا الكف أن نكف عن أذى الناس، لا (9:36) لا في دمائهم ولا في أموالهم، ولا في (9:38) هذه هي العبادات. 

هذه هي العبادة التي خُلقنا من أجلها، هي التي أرسل الله بها الرسل وأنزل بها الكتب، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36]، كل نبي بعثه الله بالتوحيد، وهو أول واجب أفرضوا الفرائض وأوجبوا الواجبات، هو توحيد الله. 

أفرضوا الفرائض، أول واجب في القرآن الكريم، أول أوامر في القرآن هو الأمر بالتوحيد، في أول سورة البقرة بعد ما ذكر الله سبحانه وتعالى الطوائف الأربع، الطوائف الثلاث:  

المؤمنون باطنًا وظاهرًا ذكرهم الله في أربع آيات. 

ثم ذكر الله الكفر ظاهرًا وباطنًا في آيتين. 

ثم ذكر الله الكفار في الباطن، المسلمون في الظاهر في ثلاثة عشرة آية. 

﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:20]، انتهى الكلام عن الطوائف، هي أول الأوامر، أول أمر في القرآن هو إفراده (10:48) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة:21] هذا أول الأوامر، وأفرضها وأوجبها وألزمها، وأهمها، الأمر بالتوحيد، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة:21]. 

ثم استدل عليه بستة أدلة: هي توحيد الربوبية، استدل عليها بأنه مستحق العبادة، بأنهم مقرون بالربوبية، فيستدل عليهم على استحقاقه للعبادة بهذه الأمور، استدل عليهم بأنه هو الخالق الذي خلقنا، هو الذي خلق من قبلنا، وهو الذي جعل الأرض لنا فراشًا، وجعل الشمس بناء، والذي أنزل من السماء ماء وأنبت به من الثمرات. 

هذه ستة أدلة، ففعل لمعاشهم مستحق للعبادة، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾ [البقرة:22]. 

ثم جاء بعده أول نهي في القرآن، وأعظم نفي، نهي وأغلظ نهي وهو النهي عن الشرك، ﴿ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22]، هذا أول نهي في القرآن، أول نهي وهو النهي عن الشرك، أغلظ النواهي وأفحشها، وأعظمها وأخطرها وأشدها الشرك، ﴿ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22]. 

فإذًا أول الأوامر الأمر بالتوحيد، وأول النواهي النهي عن الشرك في القرآن الكريم، وهو دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، كل نبي بعثه الله يدعو للتوحيد، وهو أول واجب لا كما يقول بعض أهل البدع من النصارى وغيره، يقولوا أول واجب بعد الفرق المنحرفة يقولون أول واجب الشك، تشك فيمن حولك ثم تشكل اليقين. 

بعضهم أول واجب النظر، تنظر ثم تتأمل ثم. 

بعضهم يقول: القصد من (12:47) كلها أقوال باطلة، أول واجب التوحيد، أول واجب التوحيد، النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ إلى اليمن فقال: «فليكن أول ما تدعهم إليه»، ما قال الشك ولا النظر، «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله». 

كل نبي ما يقول شكوا يأمرهم بالعبادة، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:59]، ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:65]، ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:73]، ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:85]. 

هذه هي دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم، ومجددون ومصلحون والأئمة من بعدهم كلهم يدعون إلى التوحيد. 

ومن الدعاة ومن آخر الدعاة المجددين للتوحيد، الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-، أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بغير حساب، وجمعنا وإياه الفردوس الأعلى –رحمه الله ورضي عنه-، فقد دعا إلى توحيد الله، وبارك الله في دعوته، وانتشرت ونفع الله بها، في المشارق والمغارب، رحمة الله عليه. 

هذا هو الشق الثاني، النوع الثاني من أنواع العلوم النافعة. 

العلم الأول: العلم بأسماء الله وبصفاته. 

الثاني: العلم بحق الله، الأوامر والنواهي، علم الحلال والحرام، ثم النوع الثالث العلم بالجزاء، جزاء أهل التوحيد، جزاء الموحدين، وما أعد الله لهم في الجنة من الكرامة والنعيم، وما أعد الله لهم من النصر، والتأييد، وجزاء من ترك التوحيد، جزاء أهل الشرك والعُصاة، وما وعدوا به من العذاب والنكال في الآخرة، وما وعدوا به من الخزي، والهزيمة والنكال في الدنيا. 

هذه هي أقسام العلم كما قال العلماء: قالوا: "العلم أقسام ثلاثة ما لها من رابع والحق ذو تبيان، علم بأوصاف الإله وفعله، وكذلك الأسماء للرحمن"، هذا نوع. 

"الأمر والنهي الذي هو دينه"، هذا النوع الثاني. 

"وجزاءه يوم الميعاد" الثاني، هذا الثاني. 

فأنت يا أخي احرص على العلم النافع بأنواعه الثلاثة، تعلم العلم النافع، هذا العلم النافع، هذا هو علم الآخرة، هذا هو العلم الذي هو عبادة، ولا يجوز أن تتعلمه لأجل الدنيا، بل إذا تعلمته لأجل الدنيا فعليك الوعيد الشديد؛ لأنه عبادة، علم الشرع عبادة، بخلاف العلوم الأخرى علم الهندسة علم الطب، علم الصيدلة، علم الرياضة، الكهرباء، علم السباكة، علم الفيزياء، علم الكيمياء، هذه علوم، علوم يجوز لك أن تتعلم من أجل الدنيا، ما في مانع، هذا مجلس تكون حرف، ولكن إذا تعلمتها بنية نفع المسلمين وإغنائهم عن غيرهم فأنت مأجور ومُثاب على ذلك، وإن تعلمت لأجل الدنيا لا حرج ليك حرفة. 

لكن (16:30) لا يجوز لك أن تتعلم من أجل الدنيا، ما يجوز أن تجعل على العلم الشرعي والعبادة سُلم للحصول على الآخرة، ولذلك طالب العلم الشرعي عليه جاهد نفسك، على أن تكون أن يكون تعلمه لله؛ لأنه عبادة تعبد الله، تعبد لله، ومن تعلم العلم لأجل الدنيا عليه الوعيد الشديد. 

فالحديث: «من تعلم علمًا مما يبتغى وجه الله، لم يرح رائحة الجنة" هذا وعيد شديد، وكذلك يتعلم من أجل الرياء والسمعة، سواء كان معلمًا أو متعلمًا، في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم «أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة، ثلاثة: رجل عالم أو قارئ، ورجل مجاهد، ورجل متصدق فأما العالم والطالب فيؤتى به فيوقف بين يدي الله فيقول يا فلان ماذا عملت، فيقول يا رب تعلمت فيك العلم، وقرأت إليك القرآن يعني من أجلك، قال الله له: كذبت، فتقول الملائكة كذبت وإنما تعلمت ليقول عالم، وقرأت ليقال قارئ وقد قيل، وليس لك إلا ذلك، ثم يأمر الله به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار. 

ويؤتى بالقتيل، قتيل المعركة ويوقف بين يدي الله، فيقول ماذا عملت؟ فيقول يا رب قاتلت في سبيلك لإعلاء كلمتك، حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، فتقول الملائكة: كذبت، وإنما فعلت ذلك ليقال فلان شجاع، وليقال فلان جريء، فقد قيل وليس لك إلا ذلك. 

ثم يأمره الله بأن يسحب على وجهه حتى يُلقى في النار، ويؤتى بالمتصدق الذي أنفق في المشاريع الخيرية في الظاهر، ويقول فيوقف بين يدي الله، فيقول: ماذا عملت؟ يقول: يا رب ما تركت من سبيل تحب أن أنفق فيها إلا أنفقت فيها ابتغاء مرضاتك، فيقول له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت إنما فعلت ليقال فلان جواد، ويقال فلان كريم، فقد قيل، وليس لك إلا ذلك، ثم يأمر الله بأن يسحب على وجهه حتى يلقى في النار. 

قال أبو هريرة، فهؤلاء الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة، رواه الإمام مسلم في صحيحه. 

ما الذي جعل أعمالهم هذه تكون وبالًا عليهم؟ النية، النية السيئة، النية السيئة «إنما الأعمال بالنيات»، وإلا فالعالم والقارئ لو كانت نيته سليمة لكانوا من الصديقين هذه من درجة الأنبياء، يقاتل معك فهو من الشهداء لو كان لله، والثاني يكون من الصالحين، «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». 

ولهذا لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجبت الهجرة وهاجر الناس، وهاجر رجل من مكة إلى المدينة لا لله، وإنما لأجل أن يتزوج امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، هذا حسب نسيته. 

«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل مرئ ما نوى»، والنية تحتاج يعني من أصعب الأمور، تحتاج إلى إصلاح، تحتاج إلى جهاد، فلا بد من جهاد النفس، حتى تصح النية، والمجاهد موعود بالهداية، والمجاهد موعود بالهداية، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت:6]. 

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69]. 

وقال بعض السلف: "طلبنا العلم للدنيا، فأبى إلا أن يكون لله"، لما جاهدوا أنفسهم. 

فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع، والعمل الصالح، ونسأله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في العمل والصدق في القول، وأن يعيذنا من الرياء والسمعة، ومن الشرك والشقاق والنفاق، وسوء الأخلاق. 

وأن يثبتنا على دينه القويم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونحن في هذا اليوم العلم به أو في هذه الدورة، سوف نقرأ الرسائل الشخصية لمحمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-. 

وهي رسائل شخصية، لكنها دعوة إلى الله، دعوة إلى التوحيد، كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- ما في شيء حشر، حتى رسائله الشخصية كلها دعوة، وأحيانًا يخاطبهم بألفاظ عامية، ليفهموا، يخاطب الناس بما يعرفون، يخاطبهم بلهجتهم العامية، ويدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالتوحيد. 

فالشيخ –رحمه الله- يركز على التوحيد في جميع رسائله، هو أصل الدين وأساس الملة، هو الذي خلقكم من أجله. 

بل كما قال (21:17) –رحمه الله-: "القرآن كله من أوله في التوحيد، وحقوقه، وجزاء أهله، وفي الشرك، وأوصافه وأفعاله، وجزاء أهله". 

جنة الموحدين ما دعوتهم إلى الله، وهي وإما دعوة وإما خبره عن الله وعن أسمائه، وصفاته وأفعاله فهذا هو العلم الخبري، وإما أمر بالتوحيد، وبيان فضله، وهذا هو توحيد الألوهية، وإما أمر بالعبادات، والواجبات، وهذا يحققه التوحيد. 

وإما نهي عن الشرك وفي جزاء أهله، وما أعد الله لهم، هذا في شأن من ترك التوحيد وأهله. 

فالقرآن كله في التوحيد للتوحيد، وحقوقه وجزاء أهله، وفي من ترك التوحيد وأشرك بالله، وفي جزاءه، جزائهم وجزاء أهله.  

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد