في هذه الليلة المباركة زيارة الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله، جزاه الله خيرًا زارنا في الكويت، وتحمل عناء السفر للقاء أبناءه وإخوانه في الله، أسأل الله أن يكتب هذا في ميزان حسناته، في الحقيقة الكويت تشرف بأمثال الشيخ، وزيارة المشايخ دائمًا تجدد النشاط، وتضخ الدماء في عروق الشباب ويحمسهم زيارته، لذلك نحن نقول للشيخ: جزاك الله خيرًا، ونرجوا ألا تكون هذه آخر زيارة؛ لأن كل من زارنا من المشايخ فرحنا، بل أقل ما فيها هذا التجمع الجميل، كثير من الإخوة من الممكن ألا يراهم إلا في مثل هذه المناسبات الطيبة.
فنسأل الله -شيخنا الكريم- أن يجعل ذلك في ميزان حسنات، وأن يكتب لك الأجر وألا يحرمك إن شاء الله أجره، شيخنا! الشباب قد يكون عندهم بعض الأسئلة، فنحن نريد منك كلمة في بداية هذا اللقاء، وبعدها نفتح إن شاء الله المجال للإخوان.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإني سررت كثيرًا لما رأيت إقبال الشباب على الدورة العلمية، وحرصهم على الاستفادة، وكذلك أيضًا تساؤلاتهم وأسئلتهم التي تدل على حرصهم وحبهم للعلم، وهذا يبشر بالخير، فالأمة لا تزال بخير والحمد لله، فأنا أوصي الشباب بالاستمرار على الخير، والحرص على حضور حلقات الدروس العلمية والدورات العلمية، وأوصيهم ونفسيس بتقوى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وبإحسان القصد وإحسان النية، وأن ينوي الإنسان بحضوره للدروس أنه يريد تعلم العلم والاستفادة، وإنقاذ نفسه من الجهل، وإفادة الآخرين، قيل للإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: ماذا ينوي طالب العلم؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه، ثم رفع الجهل عن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان أنه لا يعلم، قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:78]، وتعلم العلم وتعليمه من أفضل القربات وأجل الطاعات، وعبادة لله عز وجل.
الإنسان يتعبد بطلبه للعلم، والذهاب للعلم سلوك في طريق الجنة، قال علي الصلاة والسلام: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، وينبغي لطالب العلم أن يستشعر هذا وأن يحرص على حضور الدروس العلمية والاستفادة منها، وأن يعلم أنه في عبادة، وأن هذه العبادة لا تصح ولا تكون مقبولة عند الله إلا إذا تحقق فيها أصلان:
الأصل الأول: أن تكون خالصة لله، مراد بها وجه الله والدار الآخرة.
والأصل الثاني: أن تكون موافقة للشرع، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110]، ولهذا قال العلماء: إن تعلم العلم وتعليمه مقدم نوافل العبادة، نوافل الصلاة والصيام والحج، وذلك لأن الإنسان يتعلم، يتبصر، وتفقه في شريعة الله، وأنقذ نفسه من الجهل، الإنسان يعبد الله على بصيرة، وكذلك ينقذ غيره، فينبغي للشباب أن ينتهزوا فرصة الشباب؛ لأنه قد يأتي وقت لا يجدون أهل العلم، ولا يجدون أهل العلم، وأهل البصيرة، وليس كل من قرأ أو كتب أو تكلم أو خطب يكون من أهل العلم وأهل البصيرة، نحن في زمان يفشو القلم، ويكثر الخطباء ولكن ليس كلهم علماء، العلم الشرعي والعلم الديني عزيز نادر، والعلماء قلة، والعلماء ورثة الأنبياء، العلماء بالله، العلماء العاملون بعلمهم، العلماء أتباع الرسل هم القلة.
في آخر الزمان أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة يقل العلم ويكثر الجهل، فينبغي للشباب أن يحرصوا على طلب العلم الشرعي، وأخذه من أفواه العلماء وأن يستفيدوا من حضور الدروس والحلقات والدورات العلمية، وكذلك أيضًا الأشرطة المسجلة لأهل العلم، وأهل البصيرة، والمؤلفات وكذا الاتصال بأهل العلم عن طريق الوسائل الحديثة، وعن طريق المشافهة، وكذلك الرسائل والفاكس، وغيره من أنواع وسائل الاتصال التي وجدت في هذا الأصل، وكذلك أيضًا تقييد الفوائد وتسهيلها حتى لا تفوت، وكذلك الحرص وعدم التخلف، وكذلك أيضًا الحرص على اليقظة وحضور الذهن، والبعد عن الكسل والنوم حتى يستفيد طالب العلم.
ونسأل الله للجميع العلم النافع والعمل الصالح، وإذا حسنت نية الإنسان وبذل السبب فإنه يوفق في الغالب، والعلم رزق يرزقه الله من شاء من عباده، هو رزق يرزقه الله كما قال الإمام البخاري رحمه الله، العلم رزق يرزقه الله من شاء من عباده، فابتغوا عند الله الرزق.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يثبتنا على دينه، إنه ولي ذلك والقادر عليه ولعلي لا أطيل حتى أفسحت المجال للمباحثات والمسآلات والبحث والاستفادة من الجميع؛ لأن الجميع إذا اجتمع الإخوان وطلبة العلم يحصل الاستفادة، ويحصل فسح المجال للبحث، والقرائح يكون فيها تتلاقى وتحصل الفائدة من الجميع، وقد تكون الفائدة عند الأصاغر قبل الأكابر، وقد تكون الفائدة عند الطالب قبل المعلم، الفائدة هي التي يقتصر عليها المسلم، الحق ضالة المؤمن أنى وجدها اقتنصها.
وفق الله الجميع لطاعته.