السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا محمدًا بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، وأشهد أنه خاتم النبيين فلا نبي بعده، وأشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله، وعلى أصحابه، وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني أحمد الله إليكم، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يصح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا مرحومًا، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة تنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة، ويذكره الله فيمن عنده.
فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».
أيها الإخوان! إن تعلم القرآن وتعليمه ودراسته وتدريسه من أفضل القربات، وأجل الطاعات، وذلك أن كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- هو طريق السعادجة، وهو طريق النجاة، السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة لمن سلك الطريق المستقيم، والطريق المستقيم إنما يؤخذ من كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فالقرآن العظيم كتاب الله وسنة رسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيهما الهدى والنور، وهما كفيلان لمن اعتصم بهما للنجاة من الفتن في الدنيا، وكفيلان لمن اعتصم بهما أن يكون من أهل السعادة، وأهل النجاة في الآخرة، وتلاوة القرآن عبادة عظيمة من أفضل القربات وأجل الطاعات، والقرآن يشفع لمن قرأه بحق، ولمن عمل به، وتدبره، وعمل بمحكمه، وعمل بمتشابهه، ووقف عند حدوده، فإنه يكون له شفيعًا يوم القيامة، كما جاء في الحديث ما معناه: «أن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة كالرجل الشاحب، فإن كان ممن عمل بالقرآن، وعمل بفرائض القرآن، وانتهى عن نواهيه، واتعظ بمواعظه، وزجر بزواجره، وعمل بمتشابهه، فإنه يكون خصمًا يدافع عنه، يكون محاجًا له عند ربه، ولا يزال يقوم بالحجج عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- ويقول: يا رب! أدى فرائضي، وعمل بواجباتي، وانتهى عن محارمي»، أو كما جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يأمر الله أن (...) به، فلا يزال به حتى يدخله الجنة، وألبس تاج الوقار.
وأما إن كان يقرأ القرآن ولكنه يرتكب الزواجر، ولا يؤدي الواجبات، ولا تعظه المواعظ، ولا يعمل بالمحكم فإنه يكون خصمًا دونه، فإنه خصمًا عليه، يقول: يا رب! ترك فرائضي، وركب زواجري، وتعدى حدودي، فلا يزال يقذف بالحجاج حتى يقول الله: شأنك به، فيأخذه ويسوقه، فلا يزال به حتى يكبه على وجهه في النار، أو كما جاء في الحديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وتلاوة القرآن عبادة عظيمة، من أفضل القربات وأجل الطاعات، وهو وسيلة إلى التنفيذ والعمل، ولهذا ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»، وثبت أيضًا في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما»، وثبت في صحيح البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، هذه فضيلة ومنقبة لأهل القرآن الذين يتعلمونه ويعلمونه، خير الناس، «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، ولما سمع عبد الرحمن السلمي -رَحِمَهُ اللهُ- -من التابعين- هذا الحديث جلس في المسجد يقرأ القرآن أربعين سنة، رغبة في هذا الفضل، وهذا الأجر.
وثبت أيضًا في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق ه أجران»، فقارئ القرآن على خير، إن كان ماهرًا فهو مع السفرة الكرام البررة، مع الملائكة، وإن كان يشق عليه ويتتعتع فله أجران: أجر التلاوة وأجر المشقة، والماهر تجاوز هذه المرحلة، وصار مع السفرة الكرام البررة، وهذا فضل عظيم، والذي يقرأ القرآن له ميزة على من لا يقرأ القرآن، سواء كان من المؤمنين أوغيره من المنافقين؛ لأن القرآن يقرأه المؤمن ويقرأه المنافق، والذي يقرأه له ميزة، فإن كان من المؤمنين فله ميزة مع إيمانه، مع إيمانه يكون له ميزة بقراءة القرآن، وإن كان من المنافقين وهو يقرأ القرآن، فله ميزة قراءة القرآن وإن كان لا ينفعه، ولهذا ثبت في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسم الناس أقسام، قسم الناس قسمان: قسم المؤمنين قسمين، وقسم المنافقين قسمين تجاه تلاوة القرآن، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو في الصحيحين: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب»، طعمها طيب لأن معه الإيمان، وريحها طيب لأن معه القرآن، «ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها، وطعمها حلو»، لا ريح لها؛ لأنه ليس معه قرآن، وطعمها حلو؛ لأن معه الإيمان، «ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر»، ريحها طيب؛ لأن معه قرآن، وطعمها مر؛ لأن معه النفاق والكفر -والعياذ بالله-، «ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مر».
هذه ميزة لقارئ القرآن، وأهل القرآن الذين يتعلمون ويعلمون ويعملون به يرفعهم الله فوق الناس درجات بعلمهم وإيمانهم وفضلهم، لا بالجاه والمنصب، ثبت في الحديث الصحيح في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين»، إن الله يرفع بهذا الكتاب أي: القرآن، أقوامًا؛ لأنهم عملوا به، ووقفوا عند حدوده، وتدبروا معانيه، وتحاكموا إليه وحاكموه، رفعهم الله، ويضع به آخرين؛ لأنهم لم يعملوا به، لو يرفعوا به رأسًا.
قال الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11].
وتلاوة القرآن عبادة مستقلة، وإن كانت وسيلة إلى عبادة أخرى، فهي عبادة فيها فضل، وفيها أجر، كل حرف يقرأه المسلم فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وقد تضاعف الحسنة أضعافًا كثيرة بحسب ما يكون بالقلب من تعظيم الله عز وجل وخشيته، وبحسب ما يكون بالقلب من حقائق الإيمان، ثبت في سنن الترمذي رحمه الله من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول {ألم} حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف»، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، إذا قرأ المسلم {ألم}، فهذه ثلاث حروف بثلاث حسنات إذا تقبل الله، فضل عظيم.
والإنسان الذي لا يقرأ القرآن وليس معه شيء من القرآن لا شك أنه محروم، الجسد لا يكون عامرًا إلا بهذا القرآن، فإذا لم يكن فيه قرآن خرب هذا الجسد، ولهذا ثبت في سنن الترمذي رضي الله عنه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب»، والمسلم الذي وفقه الله للقرآن وعمل به وتدبر معانيه، وامتثل أوامره، واجتنب نواهيه، وتحاكم إليه، هذا يرتقي في درجات في الجنة، حتى ينتهي عند آخر آية يقرأها، لا يزال يصعد في غرف الجنة ودرجاتها، هذا فوز عظيم، كما ثبت وهو في سنن أبي داود، وسنن الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لقارئ القرآن: اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها»، وهذا فضل عظيم.
وأنا أوصي القراء أبنائي وإخواني الذين يحفظون القرآن أن يتعاهدوه، وأن يكثروا من تلاوته، تعبدًا لله عز وجل وطلبًا لمرضاته حتى يثبت، فإن القرآن إذا تركه الإنسان وأهمله تفلت، تفلت وذهب، فلا بد من تعهده، والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت القرآن بالإبل المعقلة، إذا تعاهد عليها ولاحظها، وتفلت واحدة منها ربطها بقي القرآن، وإن أهمله ضاع، مثل الإبل المعقلة التي ليس عندها أحد تقوم وتتفلت وتقتدي بها الأخرى وتتفلت ثم تلحق بها، قال عليه الصلاة والسلام: «تعهدوا القرآن، فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من صدور الرجال من الإبل في عقولها»، وقال عليه الصلاة والسلام: «مثل صاحب القرآن كالإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها، وإن تركها ذهبت»، وأبنائنا الطلاب، والذين يقرأون في هذه الحلقات ويحفظون القرآن هم على خير عظيم يرجى لهم مستقبلًا زاهرًا، فهم يقرأون القرآن ويحفظون القرآن، ويتعلمون، وينفقون الساعات في وقت انصرف كثير من الناس إلى القنوات الفضائية، القنوات الفضائية التي تبث الشرور والسموم.
كذلك هؤلاء العاملون من الإداريين وغيرهم ممن حبسوا أنفسهم ونشأوا هؤلاء الطلاب على حفظ القرآن، وصاروا يتابعونهم، ويربونهم، ويذهبون معهم، ويلاحظونهم، الإداريين وغيرهم، وكذلك الأساتذة هم على أجر عظيم، وعلى خير عظيم إن أخلصوا النية لله عز وجل.
فأوصيكم ونفسي بالإخلاص والاحتساب، ينبغي للإنسان أن يكون عنده احتساب، إذا كان الإنسان عنده احتساب فإن الله يبارك في عمله ولو كان قليلًا، وإذا كان الإنسان يحتسب الأجر عند الله فإنه لا يتأثر من طول الوقت؛ لأنه يرجو ما عند الله حتى ولو كان يأخذ مرتب، الناس كلهم يأخذون مرتبات، لكن منهم المحتسب، ومنهم غير المحتسب، المحتسب يبارك الله في عمله، ويكون عمله مباركًا ومثمرًا، وغير المحتسب لا يكون له ذلك، فهؤلاء المدرسون والإداريون والطلاب يحبسون أنفسهم في هذه الأوقات على خير الأعمال وأفضلها عند الله عز وجل من الحساب والنية في وقت أقبل الناس على القنوات الفضائية التي تبث السموم والشرور والفتن الأوقات الطويلة، هذه القنوات الفضائية ينشر فيها الشر والبلاء، ينشر فيها التشكيك في دين الإسلام، ينشر فيها التشكيك في دين الإسلام، ينشر فيها الدعوة إلى اليهودية والنصرانية، الدعوة إلى الوثنية، الدعوة إلى البدع، والدعوة إلى الفساد والشر، ينشر فيها الاستهزاء والسخرية بأصول الدين، السخرية بالله وبكتابه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، السخرية بالجنة والنار، هكذا كله يوجد في القنوات الفضائية.
ينشر فيها تعليم الإجرام والقتل، وتعليم السرقة، والتخلص، ينشر فيها الدعارة والفجور، ينشر فيها العري، ينشر فيها المرأة كما ولدتها أمها عارية، هذا البلاء وهذه الشرور التي تبثها هذه القنوات الفضائية، وهؤلاء الأبناء يحبسون أنفسهم، ويحمون أنفسهم من هذه الشرور وهذه الفتن، وهذه البلايا، هذه الفتن التي فتحت على الناس، وكان الناس في عافية منها، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيبصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليؤتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتوه»، يعني: يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه، هذه شرور وفتن على الناس، فعلينا أن نحمي أنفسنا، وأن نحمي أهلينا وأبنائنا وطلابنا من هذه الشرور بشغل النفس بالخير، والنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، وتلاوة القرآن وتعلمه هذا لا شك أنه عبادة، ولكنه وسيلة إلى عبادة أخرى، وهي التلاوة الحكمية.
وتلاوة القرآن نوعان: تلاوة لفظية كما سمعنا، «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها».
وتلاوة حكمية، وهي التي يترتب عليه مدار السعادة والشقاوة، وهي تصديق الأخبار، وتنفيذ الأحكام، أن تصدق الأخبار وأن توفي الأحكام، تمتثل الأوامر وتبتعد عن النواهي، وهذه هي التي عليها مدار السعادة والشقاوة، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[البقرة:121]، يتلونه حق تلاوته أي: يعملون به حق العمل.
فتلاوة القرآن عبادة ولكنها لا تكفي وحدها للحصول على السعادة؛ لأن القرآن يقرأه المؤمن والمنافق، السعادة ومدارها على التلاوة الحكمية، وتصديق أخبار القرآن وتنفيذ أحكامه، تصدق الأخبار التي يخبرنا الله بها من أسمائه وصفاته، وعما يكون في آخر الزمان، وعما يكون من أشراط الساعة، وقيامها، والجنة، والنار، وكذلك تنفذ الأحكام، الأوامر والنواهي، تؤدي ما أوجب الله عليك، وتنتهي عما حرم الله عليك، وتقف عند حدود الله، وتستقيم على طاعة الله، هذا هو الذي عليه مدار السعادة، هذه التلاوة الحكمية، هي التي عليها مدار السعادة الشرعية، فمن صدق الأخبار ونفذ الأحكام فهو السعيد، ومن لم يصدق الأخبار ولم ينفذ الأحكام فهو الشقي، ولو كان يقرأ القرآن، ولو كان يقرأ القرآن وهو لا يصدقه ولا ينفذ الأحكام فلا ينفعه كما سمعتم أن المنافق يقرأ القرآن وهو منافق، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، المنافقون نفاقًا اعتقاديًا، فلا ينفعه تلاوة القرآن إذا لم يؤمن به، وإذا لم يعمل به، فلم يقف عند حدوده، ولم يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[البقرة:121].
فهذه تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه هذا وسيلة إلى التلاوة الحكمية، وأبناؤنا هؤلاء الذين يتعلمون وهم صغار الآن، ولكنهم رجال الغد في المستقبل، هؤلاء الطلاب الذين ننشؤهم ونربيهم على كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- نرجو الخير ونرجو الثمرة في المستقبل، لأنهم هم الذين سيتولون الأعمال في المستقبل، منهم المدرس، ومنهم القاضي، ومنهم الطبيب، ومنهم الوزير، فإذا صلحوا صلحت بهم البلاد والعباد، وإذا فسدوا فسدت بهم البلاد والعباد، فلا بد من الاحتساب، علينا أن نحتسب.
ثم إني في هذه المناسبة أدعوا إخواني المحسنين إلى دعم هذه الحلقات في كل مسجد، إلى دعمها والإنفاق فيها، والإنفاق في سبل الخيرات، ومنها: حلقات القرآن، من النفقة في سبيل الله، ومن النفقة في الأعمال الخيرية، والنفقة في الأعمال الخيرية مضاعفة مع الإخلاص ومتابعة نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهي مخلوفة في الدنيا، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[سبأ:39]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾[البقرة:272]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[البقرة:273].
فالنفقة، ﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾[البقرة:272]، قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[البقرة:274]، ومن هذه المشاريع الخيرية تحفيظ القرآن، فأنا أدعو إخواني المحسنين للمشاركة والدعم، وأن يحتسبوا ذلك عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد سمعنا من فضيلة إمام الجامع أن الجماعة يدعمون هذا المسجد، وأنهم متعاونون، فنسأل الله أن يثيبهم ويرزقنا وإياهم الإخلاص، ونشد على أيديهم ونقول لهم: احتسبوا الأجر واعملوا أنكم على خير عظيم، فعليكم بالإخلاص، وعليكم بالاستمرار، ونسأل الله أن ينفق عليكم ما أخلفتم، ويثيبكم ويأجركم.
أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، أسأل الله أن يوفق الطلاب والأبناء إلى كل خير، وأسأل الله أن يوفق العاملين من الإداريين والمشرفين، وأن يوفقهم لكل خير، وأن يرزقنا وإياهم الإخلاص في العمل والصدق في القول، وأسأله سبحانه أن يثبت الجميع على الهدى، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأسأله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يثبتنا على دين الإسلام حتى الممات إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان