شعار الموقع

نصائح عامة لطلبة العلم

00:00
00:00
تحميل
44

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: 

فنهنئ أنفسنا بتكرم صاحب الفضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي بهذه الزيارة الكريمة، فأهلًا به وسهلًا ومرحبًا، ونسأل الله تعالى أن يكتب خطواته حسنات، وأن يجزل له الأجر والثواب حيث خصنا بهذا الجزء الثمين من وقته؛ لنستفيد من علمه وتجاربه وتوجيهاته ونصائحه التي نحن بأمس الحاجة إليها، خاصة وأنه يلتقي بطلاب العلم الشرعي، وطلاب الحديث في أفضل البقاع، والذين يمثلون عددًا من الجنسيات ليتأهبوا ويتزودوا للذهاب إلى بلادهم معلمين الخير فيها. 

فنسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى، وأن يكتب لشيخنا الأجر والثواب على هذا التكريم لنا بهذه الزيارة، وأعلم حرصكم على الاستفادة مما عنده فلا أطيل وإنما أكتفي بأن أطلب منكم أن تدعوا لشيخنا بأن خطواته حسنات، وأن يكرر علينا الزيارات، وأن تكون في وقت متسع، وعلى الأقل في كل فصل مرة، أسأل الله جلا وعلا للجميع التوفيق والسداد، وصلى الله على نبينًا محمد، وأترك المجال لفضيلته لنستفيد منه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسول رب العالمين، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: 

فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه أن يصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا، كما أسأله سبحانه أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة، تنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة، ويذكره الله فيمن عنده. 

أيها الإخوان! أولًا: اعتذر من كلمة المقدم وفقه الله فإني وصفني بأوصاف يغفر لي الله، فلست علامة، وأنا مقصر كثيرًا، وأنا طالب علم صغير لا زلت أتعلم، ولكني أحاول أن أبذل ما عندي للقاصرين مثلي، فأستغفر الله وأسأله أن يغفر لي وله، فلست أهلًا لذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

أيها الإخوان! إن المسلم الذي من الله عليه بالإسلام وهداه للإيمان فإن الله تعالى قد أنعم عليه بهذه النعمة العظيمة، اجتباه واصطفاه وجعله مسلمًا، ومن عليه بالهداية ولم يجعله من اليهود ولا من النصارى ولا من الوثنيين ولا من الملاحدة، هذه نعمة أنعم الله بها عليك أيها المسلم، فعليك أن تغتبط بهذه النعمة، وتسأل الله الثبات عليها، وعليك أن تقوي إيمانك وتنميه بالعمل الصالح، فالله تعالى جعلك تختار الإيمان وتحبه، وجعلك تكره الكفر والمعاصي، وجعلك راشدًا ولم يجعلك غاويًا، فلله تعالى على المؤمن مزية خصه بها دون الكافر، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾[الحجرات:8]. 

فعلى المسلم أن يستشعر هذه المنة العظيمة والمنحة الربانية، أن اجتباه واصطفاه وجعله مسلمًا، إذا نظر إلى الناس الذين أضلهم الله لحكمة بالغة حمد ربه، وسأل ربه الثبات على هذه النعمة العظيمة. 

ثم إن المؤمن إذا من الله عليه بطلب العلم، وجعله يتجه إلى العلم، ويطلب العلم، فهذه نعمة أخرى، نعمة عظيمة، جعله من الذين يرثون الرسل، جعله يختار أن يكون من أهل ميراث نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإن العلم ميراث الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، فهذه نعمة عظيمة أيضًا عليك أن تغتبط بها، فيا طالب العلم، وأن تعلم أن الله أراد بك خيرًا حيث جعلك تتجه إلى طلب العلم الذي تعرف به الطريق الموصل إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، هو الطريق الموصل إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وهو الطريق الموصل إلى الله وإلى كرامته، «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، فعليك أن تحمد لله على هذه النعمة، وأن تسأل الله الثبات عليها، وتعلم أن الله أراد بك خيرًاكما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»، وهذا خاص من الله تعالى. 

قال العلماء: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم، منطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيرًا، ومفهومه: أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيرًا ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيغتبط طالب العلم بهذه النعمة وبهذا الخير، لكن عليه مع ذلك أن يحذر من أن تزول عنه هذه النعمة، أو أن يوجهها إلى غير ما أراد الله، كأن يطلب العلم لغير الله، طلب العلم عبادة عظيمة، والعبادة التي يتعبد بها المسلم إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا بد أن تكون خالصة لله، ولا بد أن تكون موافقة لشرع الله، وصوابًا على هدي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 

العبادة التي يتعبد بها المسلم من صلاة وصيام وزكاة وحج وبر للوالدين وصلة للرحم وجهاد في سبيل الله وطلب للعلم وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر إلى غير ذلك من العبادات، لا بد أن يتحقق فيها أصلان: 

الأصل الأول: أن تكون هذه العبادة خالصة لله مراد بها وجه الله والدار الآخرة. 

والأصل الثاني: أن تكون موافقة لشرع الله، وصوابًا على هدي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال الله تعالى في كتابه العظيم: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110]. 

والعمل الصالح ما كان موافقًا للشرع، والعمل الذي فيه شرك هو الخالص لله، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[لقمان:22]، وإسلام الوجه: هو إسلام العمل لله، والإحسان: هو أن يكون العمل موافقًا للشرع، قال تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[البقرة:112]، فالإخلاص هو أصل الدين وأساس الملة. 

أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وتشهد لنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محمد بالرسالة، والإخلاص هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، هو إخلاص العمل لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وإذا تخلف هذا الأصل وهو الإخلاص حل محله الشرك، ثبت في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، الأعمال بالنيات، عليك أن تنوي بعلمك وجه الله والدار الآخرة، فإذا حفظت هذا الأصل فقد حفظت شرط أن لا إله إلا الله، وإذا تخلف الأصل الثاني وهو أن يكون العمل موافقًا للشرع حل محل البدع، كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنْها- أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وهذا هو تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله. 

إذن طلب العلم عبادة من أجل العبادات، وأفضل القربات، والله سبحانه وتعالى رفع شأن العلماء، ونوه بفضلهم، وقرن شهادتهم بشهادته، وشهادة ملائكته على أجل مشهود به، وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[آل عمران:18]. 

والعلماء هم أهل الخشية الكاملة، هم أعظم الناس خشية، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28]، المعنى: إنما يخشى الله الخشية الكاملة، وإلا فكل مؤمن عنده أصل الخشية، من لم يخش الله ولم يقع في قلبه الخوف فليس بمؤمن، إذا فقدت الخشية وفقد الخوف زال الإيمان، وكل مؤمن عنده أصل الخشية، الخشية الكاملة إنما هي للعلماء، وفي مقدمة العلماء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم أعظم الناس خشية لله -عَزَّ وَجَلَّ-، الأنبياء والرسل هم في مقدمة العلماء، هم أعظم الناس خشية لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأعظمهم خشية الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأعظم الرسل خشية أولو العزم الخمسة، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. 

كما نوه الله تعالى لذلك في آيات من كتابه، قال سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، وكذلك في سورة الأحزاب، فأولوا العزم الخمسة هم أكثر الناس خشية لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأفضلهم خشية الخليلان (إبراهيم ومحمد) عليهم الصلاة والسلام، وأكبر الخليلين: نبينا وإمامنا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هو أكبر الناس خشية لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فهو أفضل الناس، وأعبد الناس، وأخشى الناس، وأتقى الناس، وأزهد الناس، وأفضل الناس عليه السلام في علمه بربه وعبادته وتقواه ونصحه وإبلاغه وفصاحته عليه الصلاة والسلام، فهو أفضل الناس، أخشى الناس، كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إني أخشاكم لله وأتقاكم»، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، «إني أعلمكم لله وأتقاكم له، وأشدكم له خشية». 

فهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام وأتقى الناس خشية، ثم يليه جده إبراهيم، ثم يليه موسى الكليم، ثم يليه بقية أولو العزم الخمسة، ثم بقية الرسل، ثم الأنبياء، ثم يليهم خشية الصديقون، الصديقون جمع صديق، والصديق هو الذي قوي إيمانه وتصديقه حتى أحرق الشبهات والشهوات، لا يصر على معصية، وفي مقدمتهم: الصديق الأكبر/ أبو بكر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فهو أفضل الناس بعد الأنبياء، فالصديقون هم أفضل الناس بعد الأنبياء، ثم يليهم الشهداء، الشهيد الذي قتل في المعركة لإعلاء كلمة الله [00:14:39] 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد