بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
الحمد لله الذي جعل في كل زمانٍ بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويُحيون بكتاب الله الموتى، وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل الجهالة والردى، فكم لإبليسٍ من قتيلٍ قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هَدَوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الجُهَّال عليهم.
ولا عجب أن يُخبرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- عن استغفار أكبر المخلوقات في البحر، وأصغرها في البر، فالحوت في البحر، والنمل في الجُحر يستغفرون لأهل العلم، فما بالك بما بنهما من الدواب والمخلوقات، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، قال الله –تعالى-: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11].
وقال عزَّ مِنْ قائل: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾[الزمر:9].
هم في الخير قادة، وهم في الهُدى سادة، يُقتدى بأفعالهم، وتُتبع أقوالهم، وتُقتص أقوالهم، وترغب الملائكة في مجالسهم، وبأجنحتها تحفُّهم، وكل رطبٍ ويابسٍ يستغفر لهم، فكفى بذلك شرفًا وفخرًا.
أيها الحضور الكريم، يسر إخوانكم في مسجد الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أن يُقدموا لكم هذه السلسلة بعنوان: (وصية الأعلام لأمة الإسلام)، تضم كوكبةً من أهل العلم والفضل، وهذا أيها الأحبة استمرارٌ لمناشط هذا المسجد المبارك.
وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكتب لمشايخنا أجر الخطوات، وفضل الكلمات، وأن ينفعنا بما نسمع وبما يقول مشايخنا، وأن يكون حُجةً لنا لا علينا.
وأما الآن مع شيخنا وحبيبنا فضيلة الشيخ العلامة الشيخ/ عبد العزيز الراجحي –حفظه الله-، فليتفضل مأجورًا غير مأزورٍ.
فاصل صفحات
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، ورسول رب العالمين، صلى الله بوارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان وممن تبعهم إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإني أحمد الله إليكم، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله –سبحانه- أن يُصلح قلوبنا وأعمالنا، ونياتنا، وذُريتانا، كما أسأله –سبحانه وتعالى- أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا.
كما أسأله –سبحانه- أن يجعل جمعنا هذا جمع خيرٍ وعلمٍ ورحمة تنزل عليه السكينة، وتحفه الملائكة، وتنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، ويذكره الله فيمن عنده، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ومَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
أيها الإخوان، الله –سبحانه وتعالى- خلقنا لعبادته، وتوحيده وطاعته، وهذا معلومٌ لكل مسلم؛ فإن الله –تعالى- لم يخلق الجن والإنس الثقلين همَلًا، ولم يخلقهم سُدىً، وإنما خلقهم لأمرٍ عظيم، أمرٍ جسيم، خلقهم ليعبدوه، وليعرفوه بأسمائه وصفاته، قال –تعالى-: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات:56]؛ وبذلك أمر الله جميع الخلق أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، وبذلك أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، كلها تدعوا إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له –سبحانه-.
قال –تعالى-: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾[النحل:36].
قال –سبحانه-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء:25].
وكل نبيٍ بعثه الله، كل نبي، كل رسول بعثه الله أوَّل ما يدعوا قومه بادئ ذي بدء إلى أن يأمرهم بعبادة الله، وبإخلاص الدين لله، وبإخلاص العبادة لله وحده، كما قال –سبحانه-: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:59].
﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[الأعراف:65].
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[هود:61].
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾[هود:84]؛ هذه هي دعوة الرسل، وهذا هو الأمر الذي خلق الله العباد له.
إذا تقرر هذا فوصيتي لنفسي وإخواني: التَّفقُّه والتبصُّر في شريعة الله؛ حتى نعبد ربنا على بصيرة، لأن الله خلقنا للعبادة، وهذه العبادة التي خلقنا لها لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إلا عن طريق الوحي، تُعرف العبادة بالوحي بالكتاب والسنة.
والكتاب والسنة وحي من الله -عز وجل-، قال –تعالى- عن نبيه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾[النجم:3-4]؛ فالقرآن وحي، والسنة وحي.
إذًا لا بد أن تتبصر وتتفقه في هذا الوحي الذي أنزله الله علينا في كتابه، وعلى لسان رسوله في سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- حتى نعرف الأمر الذي خُلقنا من أجله؛ لأن العبادة لا تصح إلا بالعلم بها أولًا، تتعلم كيف تعبد ربك، ثم تعمَل، ولا بد في العبادة من الإخلاص لله -عز وجل-، والمتابعة لنبيه -صلى الله عليه وسلم-، المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لا تكون إلا عن معرفة، وعن علم، إذًا لا بد من العلم والتفقه والتبصر في شريعة الله.
وهناك فتنٌ تفتن الناس عن دينهم، فلا بد أن يعرف الإنسان هذه الفتن التي تفتنه عن دينه حتى يتجنبها ويبتعد عنها، ولهذا فإن وصيتي في الفتن وأُجملها مقدمًا، وأتكلم عليها متأخرًا هو:
البعد عن أسباب الفتن واجتنابها.
وثانيًا: الاعتصام بالكتاب والسنة.
وثالثًا: الإقبال على العبادة.
هذه وصيتي في الفتن.
والفتن التي كثرت في آخر الزمان، وهي موجودة في كل وقت ولكنها تزيد في آخر الزمان، والفتن جمع فتنة، والفتنة أصلها: الاختبار والابتلاء والامتحان، يُقال: فتنت الذهب إذا أدخَلته النار حتى يصفو ويخرج من النار قد تبين الخالص من الذهب، وذهب الزَّغَل وما ليس منه، فتنت الذهب في النار إذا أدخلته في النار حتى يخرج صفيًا نقيًا مما خالطه.
والفتنة لها إطلاقات في الكتاب والسنة، وتُطلق الفتنة على الشرك، قال –تعالى-: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾[البقرة:193]، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾[البقرة:217].
وتُطلق الفتنة على الشرك، وتُطلق الفتنة على العذاب، وتُطلق على الابتلاء والامتحان في الخير والشر: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾[الأنبياء:35].
وتُطلق على العذاب، وعلى الغُلو، وعلى الصَّدِّ عن سبيل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾[البروج:10].
وقد أُمرنا بالاستعاذة من الفتن، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ»؛ في آخر التشهد، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، ومِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»، فهذا استعاذة بالله من فتنتين: من فتنة المحيا، ومن فتنة الممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثلاث فتن.
وهذه الدعوات الأربع التي أُمرنا بالاستعاذة بالله منها، هذه الدعوات الأربع مستحبة، يُستحب للمسلم أن يستعيذ بالله من هذه الأربع بعد أن يأتي بالتشهد ويُصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من أربع: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، ومِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»، وهي مستحبة عند جمهور العلماء، فلو تركها فلا حرج عليه، إذا أتى بالتشهد والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- كفى.
وذهب طاووس بن كيسان اليماني العالم الجليل إلى وجوب الاستعاذة بالله من الأربع، وقال: إنه يجب على المصلي أن يستعيذ بالله من هذه الأربع، وثبت عنه أنه سأل ابنه مرة وقد صلَّى: هل استعذت بالله من أربع؟ قال: لا، قال: أعِدْ صلاتك، فدل على أنه يرى وجوب الاستعاذة بالله من هذه الأربع.
ولكن جمهور العلماء على أن الاستعاذة بالله من هذه الأربع مستحبة.
فالاستعاذة بالله من الفتن مطلوبٌ من المسلم، هذا أمرٌ من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ بالله من فتنة المحيا، ومن فتنة الممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
ولمَّا خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- مرةً وكثُر السائلون وألححوا في المسألة، جاء قام النبي -صلى الله عليه وسلم- مُغضبًا صعد المنبر وقال: «لَا تَسْأَلُوُنِي فِي مَقَامِي هَذَا عَنْ شَيءٍ إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يُلَاحَى»، يُلاحى يُشَكُّ في أبيه، «فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُوُلَ الله؟ قَالَ: أَبُوُكَ فُلَان»، وكان عند المُلاحاة يقولون: أنت... يطعنون في نسبه، فثبت نسبه، قال: أنت ابن فلان، ولهذا قالت له أمه: ما أرى أحدًا أعقَّ بأمه منك، أرأيت لو قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لم نُلحقك بأبيك، وكانت أمك قد اقترفت ما يقترفه أهل الجاهلية، ماذا يكون أمرك؟ قال: والله لو لم يُلحقني (00:12:22)، أريد أن أثبت نسبي.
فالمقصود: أنه لما جعل كلما سُئل وكان مُغضبًا -عليه الصلاة والسلام-، جاء عُمر وجثى على ركبتيه وقال: «رَضِينَا باللَّهِ رَبًّا، وَبالإسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيًا، عَائِذًا باللَّهِ مِن الفِتَنِ، عَائِذًا باللَّهِ مِن الفِتَنِ، عَائِذًا باللَّهِ مِن الفِتَنِ»، حتى سكن غضب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكأنه أُوحي إليه في هذا المقام -عليه الصلاة والسلام- ألا يُسأل شيئًا إلا أخبر به.
فالاستعاذة بالله من الفتن مطلوب، أعوذ بالله من الفتن، والاستعاذة معناها: التجاء واعتصام بالله -عز وجل- من أن يكفيك شر الفتن.
والفتن كلها كل الفتن تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: فتنٌ في الشُّبهات.
والقسم الثاني النوع الثاني: فتنٌ في الشهوات.
جميع الفتن كلها تعود إلى هذين الأمرين، جميع الفتن كلها ما تخرج عن هذين الأمرين: إما فتنةٌ في الشبهات، أو فتنةٌ في الشهوات، إما شُبهةٌ أو شهوةٌ.
والفتن في الشبهات أعظم وأشد، والفتن في الشبهات تُؤدي إلى الشرك، إما إلى الشرك، أو إلى البدعة، واحد أمرين: إما أن تُوصل إلى الشرك والكفر والنفاق، أو تُوصل إلى البدعة.
والفتن في الشهوات تُؤدي إل:ى المعاصي، والكبائر.
وفتن الشبهات منها: فتن في الشرك، قال –تعالى-: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾[البقرة:193]، جاء تفسير الفتن بأنها الشرك، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾؛ يعني قاتلوا الكفار، ﴿حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾؛ يعني حتى لا يُوجد الشرك، فسمى الشرك فتنة، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾؛ يعني قاتلوا المشركين حتى يذهب الشرك الذي هو الفتنة ويكون الدين لله.
وقال –سبحانه وتعالى-: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:63]؛ قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في قوله –تعالى- ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾: أتدري ما الفتنة؟ قال: الفتنة الشرك، لعلَّه إذا ردَّ بعض قوله؛ يعني بعض قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلِك.
قال الإمام أحمد: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾؛ الضمير يعود إلى الرسول، تحذير من مخالفة الرسول، ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ قال الإمام -رحمة الله عليه-: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعلَّه إذا ردَّ بعض قوله؛ يعني بعض قول النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيهلِك.
ومن الفتنة التي هي الشرك: قول الله –تعالى-: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾[البقرة:10]؛ المنافقين، ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾[البقرة:10]؛ مرض الشبهة، هذا مرض الشبهة، وهو: مرض الشك والنفاق والحيرة، ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾[البقرة:10]؛ المنافقون، ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾[البقرة:10]؛ يعني شكٌ وريبٌ وكفرٌ ونفاق، ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾[البقرة:10].
ومن ذلك: قول الله –تعالى-: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ(124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾[التوبة:124-125]؛ فالمرض هنا مرض النفاق والشك والشبهة؛ لأن المرض نوعان: مرض شبهة، ومرض شهوة، هذا مرض الشبهة في هاتين الآيتين: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾[البقرة:10]، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾[التوبة:125].
ومرض الشهوة ذُكر في قول الله –تعالى-: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾[الأحزاب:32]؛ مرض الشهوة، نهى الله أمهات المؤمنين والنساء أن تخضع بالقول حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض الشهوة، والميل للنساء والزنا، فهو الشهوة، هذا مرض الشهوة، ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾.
ومرض الشبهة أشد من مرض الشهوة، مرض الشبهة أشد؛ لأن هذا في الاعتقاد، مرض الشبهة في الاعتقاد ويُؤدي إلى الشرك والبدعة، وأما مرض الشهوة فهذا معصية وكبيرة من كبائر الذنوب، والكيرة والمعصية أخف من البدعة، وأخف من الشرك.
فالشبهة التي تكون عند الإنسان قد تُوصله إلى الكفر، أو تُوصله إلى البدعة، فتوصله إلى الكفر كالشبهة التي عند المنافقين وعند الكفار الذين لم يُؤمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من اليهود والنصارى وغيرهم، الذين جحدوا نبوته -عليه الصلاة والسلام- ولم يُؤمنوا برسالته، هؤلاء عندهم شبهة، إما شبهة أو عناد واستكبار، فبقوا على كفرهم وشركهم وآثروا الدنيا على الآخرة، فالمنافقين في قلوبهم مرضٌ وشكٌ وريبٌ وحيرة، فهذا مرض الشبهة.
ومنه قول الله –تعالى-: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾[البقرة:193]؛ أي حتى لا يكون شركًا.
ومنه قول الله –تعالى-: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾[البقرة:217]؛ فتنة المسلمين عن دينهم وإخراجهم من الإسلام إلى الكفر؛ هذه أكبر من القتل، أعظم من القتل؛ لأن الفتنة شرك، والقتل معصية، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾.
لمَّا أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- سريةً وكانت هذه السرية مع عمرو بن الحضرمي، قتلوا رجلًا من المشركين في اليوم الذي يُشك فيه هل هو من رجب أو من جمادى الآخرة، رجب من الأشهر الحُرم التي لا قتال فيها، الأشهر الحُرم كان لا قتال فيها، تضع الحُرُمُ أوزارها، معروفٌ في الجاهلية، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، فهذا اليوم الذي (00:19:45) بعض الصحابة المشركينَ يُشك هل هو أول يومٍ من رجب فيكون من الأشهر الحُرم الذي لا قتال فيه، أو آخر يومٍ من جمادى الآخرة.
فعَيَّر المشركون النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: انظروا إلى محمدٍ وأصحابه، يقتلون في الشهر الحرام، فأنزل الله هذه الآية في الرد عليهم: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾[البقرة:217]؛ لكن في أشد منه أنتم متلبسون به، كأن الله –تعالى- يقول: صحيح القتال في الأشهر الحُرم ممنوع وكبير، لكن في أعظم، إذا كان محمد وأصحابه قتلوا في الشهر الحرام فأنتم تلبَّسْتُم بالشرك أعظم.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾؛ ثم قال: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾؛ وهذه الأمور كلها متلبسون بها أنتم أيها المشركون، يعني أنتم متلبسون بعَظائم ولا تنظرون إليها، وتنظرون بعين العورة إلى المسلمين أنهم قتلوا واحدًا في الشهر الحرام، أنتم متلبسون بعظائم، ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ تصدون الناس عن سبيل الله، هذه أعظم من القتل في الشهر الحرام.
﴿وَكُفْرٌ بِهِ﴾؛ أيضًا كفرتم بالله، ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ﴾؛ المؤمنون النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أخرجتم أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام، ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾؛ وهي فتنتهم عن دينهم، والفتنة هنا معناها: الشرك.
فإذًا الفتنة الشبهة تُوصل إلى الشرك، وقد تُوصل إلى البدعة، من ذلك: الخوارج والمعتزلة، والجهمية، والقدرية، والمرجئة،كل هؤلاء عندهم شُبه وصلوا بها إلى البدعة، وخرجوا بها عن معتقد أهل السنة والجماعة.
والخوارج كفَّرُوا المسلمين بالمعاصي من أحل الشبهة فوقعوا في البدعة، فأخذوا نصوص الوعيد وحملوها على المسلمين، وقالوا: إن المسلم إذا فعل كبيرة كفر، واستحلوا دمه وماله، وخلدوه في النار، الخوارج، مثل قوله –تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾[النساء:10]؛ قالوا: آكل مال اليتيم تُوعِّدَ بالنار؛ إذًا هو كافر، فيقتلونه ويستحلون دمه وماله ويُخلدونه في النار، مع أن هذا من باب الوعيد عند أهل السنة، من باب الوعيد.
كذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»؛ قالوا: هذه تدل على أن الزاني كافر، والسارق كافر، وشارب الخمر كافر، والناهب كافر، إذًا دمه حلال، يقتلونه ويستحلون دمه وماله، أخذوا بنصوص الوعيد، لكن لأنهم أهل زيغ أخذوا بنصوص وتركوا النصوص الأخرى، وأهل السنة أخذوا بنصوص الوعيد ونصوص الوعد.
نقول: نعم، هذه الأحاديث فيها نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، لكن هذا نفي كمال الإيمان الواجب، لكن أصل الإيمان موجود عنده، ليس بكافر، لو كان الزاني والسارق كافر لقُتل ولا يَرِث ولا يُورث، لكن هو يُقام عليه الحد، الزاني والسارق وشارب الخمر ليس بكافر، عاصي، ضعيف الإيمان، وهو داخلٌ في قوله –تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[المائدة:90].
فالخوارج حصلت لهم شبهة، ما هي الشبهة التي حصلت لهم؟ وصلوا بها إلى البدعة، وهي: أنهم أخذوا نصوص الوعيد، وتركوا نصوص الوعد، وحملوا نصوص الوعيد حملوها على الكفر وكَفَّرُوا المسلمين بالمعاصي، فاستحلوا دمائهم وأموالهم في الدنيا، وخلدوهم في النار.
والمعتزلة وافقوا الخوارج في تخليد العاصي في النار، ولكنهم في الدنيا يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، خرج من الإيمان بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِن»، لكنه ما دخل في الكفر لأنه ما عندهم دليل يدل على أنه دخل في الكفر، ماذا يكون؟ قالوا: يكون في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر، يُسمونه فاسق، لا مؤمن ولا كافر، في الدنيا، لكن في الآخرة يُوفقون الخوارج على أنه مُخلدٌ في النار.
هؤلاء من أين حصل لهم هذا؟ من الشبهة، الشبهة أوصلتهم إلى البدعة، شُبهة، ما عرفوا النصوص، أخذوا بعض النصوص دون بعض، ما قبلوا من أهل الحق، ولا وُفقوا لمن يُبين لهم المعتقد الصحيح الذي تدل عليه النصوص.
كما أن المرجئة يُقابلونهم، المرجئة يُقابلون الخوارج والمعتزلة، الخوارج والمعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد وكفروا المسلمين بالمعاصي وخَلَّدُوهم في النار.
المرجئة بالعكس، أخذوا بنصوص الوعد، من قال (لا إله إلا الله) دخل الجنة، قالوا: خلاص، من قال: (لا إله إلا الله) دخل الجنة ولو زنى، ولو سرق، وما تضره، ما يضره الزنا ولا السرقة ولا شرب الخمر، ما يُؤثر على إيمانه شيء، مؤمن كامل الإيمان ولو فعل جميع الجرائم والمعاصي، شبهتهم ما هي؟ نصوص الوعد، هذه من الشبه، أخذوا بنصوص الوعد ومن قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ادخلوا الجنة، وما شابه هذا النص الذي فيه أن أهل التوحيد مآلهم إلى الجنة.
وأهل الحق أهل السنة عملوا بالنصوص من الجانبين، فأخذوا نصوص الوعد واستدلوا بها على أن المؤمن الذي يموت على الإيمان، ولم يقع في عمل الشرك ولا كُفر؛ أنه من أهل الجنة في الآخرة، ولكن إذا مات على كبائر فهو على خطر من دخول النار، قد يُعذب في القبر، قد تُصيبه الأهوال والشدائد في موقف القيامة، قد يُعذب في النار، قد يُشفع فيه، لكن مآله الجنة والسلامة بعد أن يُطهَّر، إذا دخل النار يُطهر منها ثم يخرج منها، وهكذا.
فأهل السنة جمعوا بين النصوص جمعًا معقولًا، فعملوا بنصوص الوعد، وعملوا بنصوص الوعيد، وأما الخوارج حصلت لهم شبهة؛ أخذوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد؛ فكفروا المسلمين بالمعاصي وخلدوهم في النار.
والمُرجئة حصلت لهم شُبهة فأخذوا بنصوص الوعد وقالوا: إن المعاصي والكبائر لا تُؤثر على الإيمان، فالإيمان كامل ولا يضره ارتكابه للكبائر وشُعب الكفر شاء؛ لأنهم أخذوا بنصوص الوعد وتركوا نصوص الوعيد.
فهذه البدعة نشأت من الشبهة، فهذه الشبه الآن إما تؤدي إلى الكُفر، وإما تُؤدي إلى البدعة، فهذه من الفتن، فتنة، يُفتن الإنسان ويعتقد بمعتقد الخوارج، يُفتن الإنسان ويعتقد بمعتقد المعتزلة، يُفتن الإنسان ويعتقد بمعتقد المرجئة.
كذلك المعتزلة والجهمية نفوا الصفات عن ربي -عز وجل- لشبهة حصلت، قالوا: نفوا العلم والسمع والبصر، قالوا: إن الله لا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، ولا يرضى، ولا يغضب، فإذا قيل لهم: كيف؟
قالوا: لو قلنا: إن الله يرضى ويغضب، ويرحم ويعفوا؛ لشابه المخلوق، والله ليس كمثله شيء، ولكان جسمًا، ففرارًا من ذلك قالوا نفوا الصفات عن الله، شبهة، شبهة نفوا الصفات عن الله -عز وجل-.
فإذا قيل: كيف هي الصفات؟ قالوا: الصفات صفة المخلوقات ليست صفات الله، الصفات: ﴿وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾[الزمر:7]؛ قالوا: وإن أُضيفت إلى الله فهذا إضافة على سبيل المجاز، وإلا فهي للمخلوق، لماذا؟ قالوا: لأنه لو أثبتنا الصفات لله والمخلوق له صفات لشابه الخالقُ المخلوق، والله ليس كمثله شيء، طيب، اقرأ آخر الآية: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]؛ لكن أغمضوا عينهم عن: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، وأخذوا بقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11].
فهذه شُبهة، هذه من الشبه، حصلت لهم هذه الشبهة، والجهمية قد وصلوا إلى الكفر؛ لأنهم أنكروا الصفات لله -عز وجل-، حتى أقر جمع من أهل العلم كفر الجهمية.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-: كَفَّرَهم خمسمائة عالِم، خمسمائة عالم كفروا الجهمية.
ولقد تقلَّدَ كفرهم خمسون في
عشرٍ من العلماء في البلدان
خمسون في عشر بخمسمائة، (00:28:34)
لماذا وصلوا إلى الكفر؟ بسبب الشبهة، شبهة، قالوا: لو أثبتنا الصفات لله وأثبتنا هذه الصفات للمخلوق؛ لشابه الخالق المخلوق ففرارًا من ذلك نفوا الصفات عن الله -عز وجل-.
والمعتزلة نفوا الصفات وأثبتوا الأسماء لله -عز وجل-، نفوا الصفات وأثبتوا الأسماء، قالوا: نُثبت أن الله رحيم، عليم، سميع، بصير، لكن رحيم بلا رحمة، عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، شبهة حصلت لهم، والأشاعرة أثبتوا سبع صفات فقط، وأثبتوا سبع صفات: الحياة، والكلام، والبصر، والسمع، والعلم، والقدرة، والإرادة، سبع، والباقي ينفونه يُؤولونها، يُؤولون الاستواء، والغضب، والرضا، والمحبة، والعلو، وغيرها كلها ينفونها، لماذا؟ قالوا: لأن هذه الصفات السبع دلَّ عليها العقل والشرع، اعتمدوا على العقل، وهذه الصفات بقية الصفات ما دلَّ عليها إلا الشرع، والشرع مُحتمِل، النصوص ظنية ليست قطعية، بخلاف العقل فإنه قطعي، دل عليه العقل والشرع فهو قطعي، فأثبتوا سبع صفات، ونفوا بقية الصفات.
ما الذي أوصلهم إلى ذلك؟ الشبهة، إذًا فتنة، هذه فتنة، فتنة في الدين، أمرٌ عظيم.
فالفتنة في الشبهات أمرها عظيم، وخطرها جسيم؛ لأن الفتنة في الشبهات أمرها عظيم، تُوصل الإنسان إما إلى الكفر، وإما إلى الشرك، وإما إلى النفاق، وإما إلى البدعة كما رأيتم، قد يصل إلى الكفر فلا يُؤمن بالله، ولا يُؤمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كالمنافقين، وكالمشركين، وكاليهود والنصارى، أو تكون أو توصله إلى البدعة، كأهل البدع من الخوارج والمعتزلة، والقدرية.
القدرية آمنوا بمراتب القدر الأربعة وقالوا: مراتب القدر أربع كما هو معلومٌ عند أهل العلم: العلم، والكتابة، والمشيئة والخلق، يعني علم الله، الإيمان بالقدر أصلٌ من أصول الإيمان، لا يصح الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بهذه المراتب الأربعة اللي هي: العلم، بإثبات العلم، أن الله علم الأشياء قبل كونها في الأزل، وعلم ما يكون في الحاضر، وعلم ما يكون في المستقبل.
علِم ما كان في الماضي، يعني علِم ما كان في الماضي إلى ما لا نهاية، علم ما كان في الماضي، يعني علم في الأزل ما كان في الماضي، علمًا ليس له بداية؛ لأن الله هو الأول بذاته، الأول بأسمائه وصفاته، هو الأول الذي ليس قبله شيء، هو الأول والآخر، والظاهر، والباطن، هذه أربعة أسماء، هو الأول والآخر والظاهر، والباطن، كما قال –سبحانه- في سورة الحديد: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[الحديد:3].
وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الأسماء الأربعة في الحديث الصحيح وقال: «الَّلهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اِقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ».
الأول: تفسيرها الذي ليس قبله شيء.
والآخر: الذي ليس بعده شيء.
والظاهر: الذي ليس فوقه شيء.
والباطن: الذي ليس دونه شيء، لا يحجبه أحد من خلقه.
فالله –تعالى- هو الأول بذات وأسماءه وصفاته وأفعاله، الذي لا بداية لأوليته، لأنه لو كان له بداية لكان (00:32:22) من العدم، كما أنه الآخر لا نهاية لآخرته بذاته وأسماءه وصفاته، فالعلم، إثبات العلم.
الكتابة، كتابة الأشياء في اللوح المحفوظ، الله علِم الأشياء وكتبها، ما الذي علمه وكتبه؟ كل شيء، الذوات، الصفات، والأفعال، والحركات، والسكنات، والغنى، والفقر، والسعادة، والشقاوة، والعز والذل، والرطب واليابس، والعجز والكيس، كل شيء مكتوب، حتى العجز والكيس مكتوب (00:32:56)، قال الله –تعالى-: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[الأنعام:59].
المرتبة الثالثة: مرتبة المشيئة والإرادة، وهو الإيمان بأن الله سبقت مشيئته وإرادته، كل شيء يقع في هذا الوجود سبقت فيه مشيئة الله وإرادته، ما يمكن يقع شيء صدفة بالنسبة لله، لكن بالنسبة لي أنا وأنت نقيس كصدفة، بالنسبة لي أنا ما أعلم، وأنت ما تعلم، لكن الله -تعالى- ما في شيء صدفة، كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، وكل شيء يقع في هذا الوجود سبقت فيه مشيئة الله وإرادته.
ثم المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، الإيمان بأن كل شيء في هذ الوجود خلقه الله، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الزمر:62]، ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفرقان:2].
المعتزلة والقدرية حصلت لهم شبهة، آمنوا بالمراتب الأربع للقدر لكن حصلت لهم شبهة، فقالوا: إن الله شاء كل شيء وخلق كل شيء؛ إلا شيئًا واحد ما شاءه ولا خلقه ما هو؟
قالوا: أفعال العباد، أفعال العباد ما خلقها ولا شاءها، شوف حاصلت أمرهم، قالوا: لو قلنا إن الله شاء المعاصي والكفر وخلقها ويعذِّب عليها كان ظالمًا، ففرارًا من ذلك قالوا: لا، العبد هو الذي يخلق المعاصي والطاعات، حتى إذا أُثيب يُثاب على عمله.
ولهذا قالوا: يستحق العامل سواء الثواب على الله كما يستحق الأجير أُجرته، وإذا فعل معصية قالوا: يجب على الله أن يعذبه وليس له أن يعفو عنه ولا أن يرحمه؛ لأن الله لا يُخلف الميعاد، هذه الشبهة حصلت له.
ردَّ عليهم أهل السنة والجماعة وبيَّنوا لهم أن هذا يلزمه أن (00:34:47)، يلزمه أن تكون مشيئة العبد تغلب مشيئة الله، وأن يقع في ملك الله ما لا يريد، وأما كل الأسباب خلقها لحكمة، الخلق مبني على الحكمة، والعبد هو الذي باشرها وكسبها، باختياره، العبد هو الذي باشرها وكسبها باختياره وفعلها، لو قلت له هو اختيار، والله –تعالى- خلقها لحكمة؛ لِما يترتب على خلق العاصي أظن من العبوديات المتنوعة: عبودية التوبة، عبودية الولاء والبراء، عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبودية الحب في الله والبغض في الله، عبودية الجهاد في سل الله؛ كل هذه العبادات كلها حصلت من خلق الله –تعالى- للمعاصي والكفر.
لو كان الناس كلهم مؤمنون، وليس هناك كفار ولا عصاة، أين عبودية الولاء والبراء؟ أين عبودية الجهاد في سبيل الله؟ أين عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين عبودية الحب في الله والبغض في الله؟ فردوا عليهم أهل العلم، ردوا عليهم.
المقصود أن هذه شبهة، شبهة حصلت لهم وصَّلتهم إلى البدعة، نسأل الله السلامة والعافية.
هذه فتن الشبهات، أعظم الفتنتين فتن الشبهات، ومن ذلك من فتن الشبهات: فتنة المسح الدجال، وفتنة القتال والخروج على ولاة الأمور، وقتال الأئمة، كلها من فتن الشبهات، شبهات.
المسيح الدجال له فتنة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أمرٌ أو خلقٌ أَعظمُ مِنَ الدَّجَّالِ»؛ والدجال رجل، رجل من بني آدم، يخرج في آخر الزمان كما دلت عليه الأحاديث، يدَّعي أولًا الصلاح، أنه رجل صالح، ثم يدَّعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، ويقول للناس أنا ربكم.
ومن الابتلاء والامتحان أن الله تعالى يجري عليه خوارق، خوارق عادات يفتتن بها كثير من الناس، من ذلك أنه معه صورة الجنة والنار، فالنار سوداء تُدخِّن معه، والجنة خضراء تجري، فمن أطاعه وضعه في الذي يراه الناس الجنة؛ وهي النار، ومن عصاه وضعه في الذي يراه الناس النار؛ وهي الجنة، ابتلاء وامتحان.
ومن الابتلاء والامتحان أنه يأمر السماء فتُمطر، والأرض فتُنبت في الحال، ومن الفتن أنه يقتل الرجل نصفين يسلط عليه فيمشي بين قطعتيه، ثم يقول له: قُم فيحيه الله، فيستوي قائمًا، وهو أعور ليس له إلا عين واحدة، مكتوب بين عينيه: عليه كافر، يقرأها كل إنسان كل مؤمن، ومع ذلك، ومن أطاعه من الابتلاء والامتحان، يأتي إلى البادية، من أطاعه وقبل قوله حصل لهم خِصْب وأمطار، وكثرت مواشيهم، ودرَّت باللبن ضروعهم، ومن رد دعوته أصبح مُمحلًا فقيرًا هلكت أمواله وأنعامه، ابتلاء وامتحان.
وجاء في الحديث أنه يتبع الدجال أناسٌ يقولون: نعرف كذبه، لكن نتبعه لنعيش عيشة رغيدة، آثروا الدنيا على الآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.
فهذه فتنة، فتنة المسيح الدجال، من الفتن هذه، وكثيرًا من يشتبه عليه أمره، (00:38:00) الناس يتبعونه، ما عندهم بصيرة، إذًا هذا فيه شبهة من الشُبَه، قد يصلون إلى كفر، يصلون إلى كفر ويؤمنون بالدجال ويكفرون بالله -عز وجل-.
فتنة القتال والقتل، من الفتنة: أن يكون القتال إذا كان القتال مُلبِس، ما يُعرف المُحق من المُبطل؛ هذه فتنة، فالواجب على الإنسان أن يبتعد عن هذا القتال، لا يشارك؛ ولهذا جاء في الأحاديث الصحيحة النهي عن القتال في الفتنة، جاء فيها في بعض الأحاديث كثيرة: «ستَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، والمًاشِي خيرٌ مِنَ السَّاعِي».
وجاء في بعضها الأمر بتكسير السيوف، وعدم المشاركة في الفتنة في القتال، وجاء في الحديث: أنه في آخر الزمان يكون قتال فلا يدري القاتل فيما قَتل، ولا يدري المقتول فيما قُتِل، زجوه المهم في القتال، ولا يدرون، جنود يزجونهم في القتال، فالقاتل ما يدري لماذا قَتَل، والمقتول لا يدري بماذا قُتِل فيه، نسأل الله السلامة والعافية، وهذه هي التي ينبغي تركها، أما إذا تبين الحق وصار واضح المُحق فهذا يجب الانضمام إلى الُمحق.
من ذلك: القتال الذي حصل بين علي ومعاوية -رضي الله عنهم- من الصحابة، فإن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هو الخليفة الراشد، بايعه أكثر أهل الحَلِّ والعَقدِ، بعد قتل عثمان -رضي الله عنه- بُويِعَ علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين، فتمت له البيعة، وامتنع معاوية وأهل الشام من مبايعته، معاوية لا يطلب الولاية، ولكنه يُطالب بدم عثمان، يقول: أنا أقرب الناس إلى عثمان، وأولًا نأخذ قتلة عثمان ثم أبايعك، فقال له علي -رضي الله عنه-: نعم أنا أوافق لكن ما نستطيع نأخذ القتلة الآن، الوقت وقت فتنة، وهؤلاء القتلة يندسون في العسكر وفي الجيش ما يُعرَفون، ولهم قبائل تنتصر لهم، فإذا هدئت الأحوال واستتبت الأم، نأخذهم، لكن معاوية وأهل الشام امتنعوا، فحصل قتال بين علي ومعاوية -رضي الله عنهم-.
أكثر الصحابة انضموا إلى علي، قالوا: هذا القتال معروف، عليٌّ هو المحق، هو الخليفة، هو الذي تمت له البيعة، وأهل الشام ومعاوية بُغاة، واستدلوا بقول الله –تعالى-: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾[الحجرات:9].
فلهذا اكثر الصحابة تبين لهم أن علي -رضي الله عنه- هذا قتال هذا ليس قتال فتنة، قتال عن اجتهاد، من أصاب منه فله أجران ومن أخطأ فله أجر، فأكثر الصحابة انضموا إلى علي، وقالوا: إنه هو الخليفة الراشد، وأن معاوية وأهل الشام بُغاة لكن لا يدرون أنهم بُغاة، قالوا: والدليل على ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمَّار: «تَقتُلُه الفِئَةُ البَاغِيِة»؛ فقَتَلهُ جيشُ مُعاوِية، فدل على أنهم بُغاة، فانضموا إلى علي -رضي الله عنه-.
ومعاوية وأهل الشام يُطالبون ما يعلمون أنهم مخطئون، هذا اجتهاد، فلهم أجر الاجتهاد، وهناك طائفة من الصحابة ما تبين لهم، اشتبه عليهم الأمر فاعتزلوا الفريقين، من ذلك: سلمة بن الأكوع؛ ما قاتل، اعتزل إلى الفريقين وذهب إلى البادية وتزوج وقال: أذن لي النبي -صلى الله عليه وسلم- في البدو، ومن ذلك: أبو بَكْرة، ومن ذلك: عبد الله بن عمر، اعتزلوا الفريقين.
ومن ذلك أسامة بن زيد الذي قَتَل في بعض الغزوات لما قَتَل بني جَذِيمة، قاتلهم فلما رفع السيف على واحد منهم قال: لا إله إلا لله، فكفَّ الأنصاري عنه فقتله أسامه، فلما أُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ شدَّدَ عليه، وقال: «يا أُسامه قتلتهُ بعدما قالَ لَا إِلَهَ إلَّا الله؟ قال: يا رسول الله قالها مُتَعوِّذًا»؛ ما هو بصادق، أنا لما رفعت السيف عليه قال لا إله إلا الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَشقَقتَ عَن قَلبِه؟ أَشقَقتَ عَن قَلبِه؟»، ثم قال: ولا زال يكررها حتى قال: «كيف تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة إذا جاءت؟»؛ فشدَّدَ عليه حتى قال أسامه: حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذٍ، استفاد ولم يدخل، لما حصل الخلاف بين علي ومعاوية اعتزل الفريقين، استفاد من نصيحة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما تبين لهم.
والصواب مع علي ومن كان معه بنص الآية: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي﴾[الحجرات:9]، فهذا فيه شبهة، القتال فيه شبهة هذا، لكن القتال الذي لا يُعرف المُحق من المُبطل المُلبس هذا هو الذي يجب اعتزال الفريقين.
وكذلك الخروج على ولاة الأمور، اللي يخرجون على ولاة الأمور من الخوارج والبُغاة وغيرهم سببه شبهة حصلت لهم، ظنوا أن ولي الأمر يجب قتاله وأنه يجب الاستجابة لمطالبهم، وأنه يجب قتاله، وأهل السنة بينوا لهم أن لا يجوز قتال ولي الأمر، ويبينوا لهم نصو والأدلة التي دلت على أنه لا يجوز الخرج على ولاة الأمور، قالوا: أدوا الحق الذي عليكم، واسألوا الله الذي لكم، وأن القتال قتال ولاة الأمور يؤدي إلى فتن، وإلى إراقة الدماء، واختلال الأمن وانقسام الناس، وحروب طاحنة، وفتن تقضي على الأخضر واليابس.
ولكن كون ولي الأمر حصل منه بعض الخطأ، أو بعض الغلط، أو بعض الظُلم هذه مفسدة صغرى، لكن الخروج عليه مَفسَدة كبرى، فلا يجوز الخروج على ولاة الأمر بالمعاصي أبدًا، ولا يجوز كما أقر العلماء لا يجوز الخروج على ولي الأمر إلا بشروط خمسة:
الشرط الأول: أن يفعل كفرًا لا معصية ولا فسقًا.
الشرط الثاني: أن يكون الكفر واضحًا لا لبس فيه، فإن كان فيه شكٌ فلا.
الشرط الثالث: أن يكون الدليل واضح من الكتاب والسنة.
والدليل على هذه الشروط الثلاثة: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح في النهي عن الخروج على ولاة الأمور قال: »إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَان«، كفر إذا كان يفعل كفرًا، إذا فعل فسق أو معصية فلا، «بَوَاحًا« يعني واضح لا لبس فيه، فإن كان فيه شك أو ترد فلا، «عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَان«؛ دليل واضح من الكتاب والسنة.
والشرط الرابع: وجود البديل الذي يحُل محله، وجود مؤمن يحل محله، لا بد يكون بديل مؤمن يحل محل هذا الكافر.
والشرط الخامس: القدرة والاستطاعة، يقول الله –تعالى-: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن:16].
فإذا جاء ووجِدت الشروط الخمس جاز الخروج على ولاة الأمور، وإلا فلا يجوز الخروج على ولي الأمر، هذه الشروط الخمسة.
فالمقصود أن القتال من الفتن، هذا من الفتن، الاقتتال والخروج على ولاة الأمور من فتن الشبهات، فتنة المسيح الدجال من فتن الشبهات، هذه هي الفتنة، هذا النوع الأول هذه أمثلة للنوع الأول فتن الشبهات.
النوع الثاني: فتن الشهوات؛ وهذه أخف، فتن الشهوات.
والشهوات معاصي وكبائر لا تصل إلى البدعة ولا تصل إلى الكفر، والبدعة أحب إلى الشيطان من الكبيرة؛ لأن صاحب البدعة يظن أنه على حق، فلا يتوب.
فإذا جئت إلى الخوارج والمعتزلة، ويقولون: لا، نحن على الصواب، أنت على الباطل، فلا يتوب، بخلاف العاصي، والزاني، والسارق، وشارب الخم؛، يعرف أنه عاصي، فقد يتوب، قد يفكر بالتوبة، لأنه يعلم معترف، بأنه عاصي.
لكن المبتدع ما يعترف بأنه مخطئ، يقول: أنت المخطئ، يظن أنه هو المُصيب، فلا يفكر بالتوبة؛ فلهذا البدعة أحب إلى الشيطان من الكبيرة، لماذا؟ لأن صاحب البدعة لا يعلم أنه مخطئ فلا يفكر بالتوبة، وصاحب المعصية والكبيرة يعلم ويعترف بأنه مخطئ فقد يتوب.
النوع الثاني: فتن الشهوات، ومنه قوله –تعالى-: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾[الأحزاب:32]؛ يقول لنساء نبيه، ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾[الأحزاب:32]؛ مرض الشهوة.
ففتن الشهوات كثيرة لا حصر لها: فتنة المال، فتنة المنصب والجاه، فتنة النساء، فتنة الإنسان في أهله وماله وجاره؛ ولهذا سأل عمر -رضي الله عنه-حذيفة عن الفتنة، قال: ما الفتنة التي أخبرنا عنها الرسول؟
فقال حذيفة: يا أمير المؤمنين، فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تُكفِّرها الصلاة والصيام والصدقة والحج، فتنة يعني ما يحصل بين الإنسان وبين أهله، وبين أولاده، وبين جيرانه من الكلام والزلات هذه فتن خفيفة تُكفرها الصلاة والصيام والصدقة.
قال: لا، لا أسأل هذا، إنام أسأل عن الفتن التي تموج كموج البحر.
فقال حذيفة: يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مُغلقًا.
فقال عمر لحذيفة: هذا الباب يُكسر أو يفتح؟ قال: يُكسر، قال: إن ذلك أحرى ألا يُؤتى. لو كان يُفتح؛ يُغلق، لكن لو كُسر ما في حيلة يُغلق.
فقيل لحذيفة: هل يعلم عمر ذلك؟ قال: نعم، فلما سُئل حذيفة: من هو الباب؟ قال: عمر؛ يعني قتل عمر، فلما قُتل عمر، هو الباب، فلما قُتل اندلعت الفتن، بعدها فتنة عثمان -رضي الله عنه-ثم فتنة القتال بين الصحابة، وتوالت الفتن، فقيل لحذيفة: هل يعلم عمر بذلك؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غدٍ الليلة.
فتن الشهوات كما قلنا من أعظمها: فتنة المال، وفتنة المنصب والجاه، فتنة المناصب، وفتنة المال.
فتنة المال: يُفتن الإنسان في المال في جمع المال، فتنة تكون في جمع المال وتحصيله، وفتنة في تمويله واقتناءه، وفتنة في إنفاقه.
فالفتنة في تحصيله: من الناس من فُتِن في جمع المال من حلال وحرام، فيجمع المال من الحلال والحرام ومن شبهات ولا يبالي، يجمعه من الربا، من الرشوة، من السرقة من بيت المال، من الغش، من الخداع، من تلفيق السلعة بالحلف الكاذب، من إخفاء العيب، لا يبالي، المال الحلال ما حلَّ بيده، والحرام ما عجز عنه، يجمع المال من حلال وحرام، فهذا والعياذ بالله هذه من الفتنة.
فهذا والعياذ بالله من يجمع المال من حلال وحرام هذا هو المفتون، هذا إن تصدق منه لم يُقبل منه، ويُغذِّي يجسمه على الحرام، وكل جسد نبت على السحت فالنار أولى به، وإن أنفق منه وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن خلَّفَه كان زادًا له إلى النار والعياذ بالله، هذه فتنة في تحصيل المال، يجمع المال من حلال وحرام ومتشابه وشُبُهات، فهذا والعياذ بالله آثم في جمعه وفي تحصيله ولا يستفيد، إن تغذى به تغذى جسمه على الحرام، وإن أنفق وإن تصدق لم يقبل منه، وإن مات وخلفه كان زادًا له إلى النار، أعوذ بالله.
ومن الناس من يسعى في جمع المال من الحلال، ويتورَّع، ولا يأخذ المال من المتشابه ولا من الحرام، فهذا هو الذي وفقه الله ولو كان المال قليلًا فهذا يكون يُبارك الله فيه وإن كان قليلًا، إن أنفق منه تغذى جسمه بالحلال، وإن تصدق قبله الله منه، وإن خلَّفَه فهو أيضًا كذلك غانمٌ منه، يكون من مال حلال.
أما الأول إذا خلَّفه كان زادًا له إلى النار، والورثة يأخذونه هنيئًا مريئًا حلال لهم، وهو يُعذب عليه -نسأل الله السلامة والعافية-، يجمع الآن المال من حلال، وحرام، ومتشابه، فيغذي جسمه على النار، وإذا أنفقه لا يقبل، وإذا خلفه صار زادًا له إلى النار، والورثة لهم حلال، حلال طيب بالنسبة للورثة، وهو الآثم، هذه الفتنة في تحصيله.
والفتنة في تمويله واقتناءه، من الناس من هو مفتون نَهِمٌ لا يشبع، الليل والنهار همُّه في جمع المال، الليل والنهار، ويسهر، ويسافر، ويذهب، ويتكلم، كما ترون بعض الناس، وإذا جلس في المجلس عنده ثلاث جوالات، وثلاث هواتف يُكلم هذا ويكلم هذا ويكلم هذا وهو يأكل ما يستطع أن يأكل، ما يكمل الأكل، ما يأكل إلا وهو يكلم ويجاوب، ويذهب ويسافر ويقوم أحيانًا من نصف الأكل، وأحيانًا ما يهتم بالأكل، الليل والنهار، وإن نام يُفكر فيه الليل والنهار، وأحلامه كلها في الليل والنهار، هذا مفتون.
ومن الناس من يأخذ المال لكن في يده لا في قلبه، يُنفق منه ويتصدق وينفق ولا يهتم، يؤدي العبادات مرتاح الضمير، ينام مرتاحًا، لأن المال ما هو بغاية، وسيلة، المال في يده مو في قلبه.
والأول المال في قلبه، أحلامه فيه ليله ونهاره، يرضى ويغضب له، فهذه فتنة في تحصيل الأموال.
ثالثًا: الفتنة في إنفاقه، من الناس البخيل الذي لا ينفق في الواجبات، أو لا يؤدي الزكاة، ولا يصل رَحِمه، ولا يؤدي النفقات الواجبة لأهله وأولاده وبهائمه، هذا بخيل، بخيلٌ مُمسك.
ومن الناس المسرف؛ الذي ينفق أمواله في المحرمات، وفي الشهوات، وفي البذخ والإسراف، فهذا آثم وهذا من إخوان الشياطين ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾[الإسراء:27].
ومن الناس المتوسط؛ يؤدي الواجبات التي أوجبها الله عليه، يؤدي الزكاة، يؤدي ما أوجب الله عليه، كذلك يُنفق في المستحبات، وفي المعروف كذلك، فهذا هو الذي يُبارك الله له فيه، يؤدي الواجبات التي أوجب الله عليه، ويتصدق أيضًا، ويصل رَحِمَه، فهذا قد أدى ما أوجبه الله عليه، وأنفق، وبَذَل ما له في الواجبات، وفي المستحبات، فهذه الفتنة في المال.
وكالفتنة في المنصب والجاه، الفتنة في المنصب والجاه، بعض الناس يحرص على أن يكون رئيسًا، أو مديرًا، أو وزيرًا، أو رئيس قسم، أو أميرًا، فيُفتن، قد يُفتن في هذ المنصب، من الناس من لا يُفتن.
من الناس من يُفتن في هذا المنصب فتجده في هذا المنصب يسكت عن المنكرات، أو يداهن فيها، أو يختلس أموالًا تحصل له، أو يوظف من لا يكون أهلًا لذلك، فهذه فتنة، فتنة المنصب، يُداهن فيسكت عن إنكار منكرات، أو يؤيدها أو يدخل فيها حتى يبقى في منصبه، ويولِّي من ليس أهلًا لذلك، ويحصل له أموال يأخذها بغير طريق شرعي، فهذا ابتلاء وامتحان، ابتلاء وامتحان في المنصب.
ومن الناس يستعمل هذا المنصب في طاعة الله -عز وجل-، كالإمام العادل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ»؛ يُقيم العدل في أرض الله، ويُحكِّم شريعة الله، هذا أول السبعة الذين يُظلهم الله في ظله.
ومن ذلك يوسف عليه السلام قال: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف:55]؛ هل هو محبة للرئاسة والمنصب؟ لا؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- يعلم أن في نفسه الكفاية وأنه ليس هناك أحد يقوم مقامة، فلهذا قال: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف:55].
فالمنصب له فتنة أشد من فتنة الخمر؛ ولهذا بعض الناس إذا أزيل عن منصبه اعتبر هذه مصيبةً عظيمة، وحصلت له همومٌ وأفكارٌ أشد من لو فقد أحدًا من أولاده وأبناءه وماله، بل أشد من المال، فالمنصب والجاه والرئاسة لها فتنةٌ عظيمةٌ تفتن الإنسان عن دينة، وتكون نقصًا عند بعض الناس، بل قد يترك شيئًا من الواجبات، وقد يفعل شيئًا من المحرمات، وقد يُداهِن في أمر الله، وقد يدخل في المنكرات، وقد يُولي من ليس أهلًا للولاية، وقد يأخذ مالًا لا يستحقه؛ فهذه فتنة عظيمة، فتنة المنصب والجاه، وفتنة المال.
فهذان فتنتان عظيمتان؛ فتنة المال كما سمعتم، وفتنة المنصب والجاه، أخبر النبي -صلى الله عليه سلم- أن حِرص الإنسان على المال، وحرصه على الجاه والمنصب يُفسد دينه أكثر من إفساد الذئبين الجائعين إذا أُرسلا في زريبة غنم، إذا أُرسل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في زريبةِ غنَمٍ لِيَفْسَدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِهِ»؛ معنى الحديث: أن حرص المرء على المال وحرصه على الجاه يُفسد دينه أكثر من إفساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم.
الذئب إذا أرسل للغنم ماذا يعمل؟ حتى ولو كان ما هو شبعانًا يُفسد، يُشرح بطونها ويتركها، فكيف إذا كان معه ذئب آخر! فكيف إذا كان جائعًا! فكيف إذا كان ذئبان جائعان! ذئبان جائعان أُرسلا في زريبة غنم ما عندهم أحد، هل يتركون منها شيئًا؟ ذئبان جائعان أُرسلا في زريبة غنم لا يبقيان عليها شيئًا، حتى لو كان واحدًا ما يبقيها، حتى لو كان شبعانًا، فكيف إذا كان جاء اثنان ذئب ومعه ذئب آخر وجائعان أُرسلا في زريبة غنم!
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن حرص المرء على المال، وحره على الجاه والمنصب يفسد دينه أكثر من إفساد الذئبين الجائعين إذا أرسلا في زريبة غنم؛ الحديث رواه الإمام أحمد وقالوا إسناده صحيح: «ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في زريبةِ غنَمٍ لِيفْسدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِهِ»؛ فالشرف المنصب.
التقدير فيه تقديم وتأخير، تقدير: «ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في زريبةِ غنَمٍ، ليفسدَ لَها لدين المَرءِ لحرص المرء علَى المالِ والشَّرَفِ والجاه»؛ ليفسد لها لدينه من حرص المرء على المال والشرف، الجاه والمنصب، المنصب والجاه، «ما ذِئبانِ جائعانِ أُرْسِلا في زريبةِ غنَمٍ، ليفسدَ لَها من حِرصِ المَرءِ علَى المالِ والشَّرَفِ لدينِهِ».
فهذه فتنة، فهناك فتن كثيرة كما ذكرنا: فتنة النساء، فتنة الشهوات، الفتنة في شرب الخمور والدخان، والقات، وفتنة النساء، والغيبة والنميمة.
المخرج من هذه الفتن وموقف المسلم من هذه الفتن ما هو؟
أولًا الأمر الأول: وصيتي، وصيتي لنفسي ولإخواني المسلمين ولأبنائي في هذه الفتن المخرج منها أوصيهم بنفسي بثلاثة أمور:
الأمر الأول: البعد من الفتن، البعد عن أسبابها، ومكانها، يبتعد الإنسان عن الفتن، فلا يدخل في الفتنة، يبتعد عنها؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ»؛ يبتعد عنه لا يقابله؛ لأن الإنسان قد يأتي إلى الدجال يقول يعرف أنه كاذب فإذا وصل إليه افتتن، «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ»؛ يبتعد عنه.
إذًا ابتعد عن أساب الفتن، قتال غير معروف شرعًا لا تدخل، لا تُشارك في القتل، ولا في القتال، لا تكن قاتلًا ولا مقتول، ابتعد عنه، كن كما قال النبي: «كُن عبدَ اللهِ المقتول، ولا تكن عبدَ اللهِ القاتلَ»؛ ابتعد عن أسباب الفتنة لا تدخل فيها، اِنأ عنها.
فتنة مال أشكل عليك ما تدري هل حلال أو حرام؟ ابتعد عنه، شبهة، لا تدخل فيه.
مساهمات أشكل عليك اسأل أهل العلم، فإن لم يتبين لك ولم تطمئن نفسك ابتعد عنه لا تدخل فيه.
ثانيًا: الاعتصام بالكتاب والسنة، قال –تعالى-: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾[آل عمران:103]؛ يتسلح الإنسان بسلاح العلم الشرعي، إذا كنت طالبًا ابحث عن العلم وفي كتب أهل العلم، وإذا كنت لا تستطيع اسأل أهل العلم حتى تتبصر وتتفقه في شريعة العلم، وحتى تعرف هذا الأمر الذي تُقدم عليه؛ هل أنت على صواب أو على خطأ.
الأمر الثالث: الإقبال على العبادة في وقت الفتن، في وقت الفتن يُقبل على العبادة، قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: «العِبَادةُ في الهَرجِ كَهِجرَةٍ إِلَي»، والهَرجُ القتال والقتل والفتن، يُقبل الإنسان على العبادة.
إذا كان أقبل الناس على الفتن ودخلوا فيها أنت عليك أن تُقبل على العبادة، وعلى تعلُّم العلم الشرعي، والبعد عن الفتن، بهذه الأسباب الثلاثة يسلم الإنسان من الفتن.
أنسأل الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يُعيذني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يفقهنا في الدين، ويبصرنا في شريعة الله.
وأسأله أن يثبتنا على دينه القويم، وأن يُعيذنا من مُضلات الفتن، وأن يتوفنا على الإسلام غير مغيرين ولا مبدلين، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.