شعار الموقع

وقفات حول طلب العلم وتعليمه وآدابه 1

00:00
00:00
تحميل
60

بسم الله الرحمن الرحيم 

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، أشهد أنه رسول الله حقًا، وأنه رسول الله إلى الناس كافة من العرب والعجم إلى الجن والإنس، وأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتى من ربه اليقين. 

فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ... 

فإني أحمد الله إليكم وأشكره وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا، وأعمالنا ونياتنا ودنياتنا. 

كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا ولا منا شقيًا ولا محرومًا، كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل مجلسنا هذا واجتماعنا هذا مجلس خير وعلم ورحمة، تنزل عليه السكينة، وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده. 

لقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده». 

أيها الإخوان، إن تعلم العلم وتعليمه وطلب العلم من أفضل القُربات، وأجل الطاعات، تعلم العلم فضله عظيم، حتى إن العلماء بينوا أن التفرغ لطلب العلم وأن تعلم العلم مقدم على نوافل العبادة. 

يعني على نوافل الصلاة، ونوافل الصوم ونوافل الحج، إذا تعارض طلب العلم مع صلاة الضحى مثلًا، أو مع قيام الليل فإن طلب العلم مقدم، وكذلك إذا تعارض طلب العلم مع الصيام، صيام النفل، الصيام مثلًا يوم، وفطر يوم، أو الصيام ثلاثة أيام صيام الاثنين والخميس، فإنه يُقدم طلب العلم. 

وكذلك حج النفل، وما ذاك إلا لأن طلب العلم يتبصر به المسلم، (3:08) بإذن الله، ويعرف حق الله –عز وجل-، وما أوجب الله عليه، وما نهى الله، يتبصر في دين الله، فينقذ نفسه من الجهل، ويرفع الجهل عن نفسه، ويرفع الجهل عن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان أن لا يعلم، كما قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78]. 

قيل للإمام أحمد –رحمه الله- ماذا ينوي العلماء؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه، ورفع الجهل عن غيره. 

ولهذا ثبت بالحديث الصحيح الذي رواه الشيخان، من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يُرد الله به خيرًا يفقه في الدين»، «من يُرد الله به خيرًا يفقه في الدين»، والله قال: وأنا معطي، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام-، قال: «من يُرد الله به خيرًا يفقه في الدين» قال العلماء: هذا فيه لا هو منطوق ولا مفهوم، فمنطوقه أن من فقهه الله في الدين، فقد أراد به خيرًا، ومفهومه أن من لم يفقهه لله في الدين لم يرد به خيرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

وسلوك طريق العلم والعناية في طلب العلم، والصبر على تعلم العلم، طريق إلى الجنة، إذا خلصت نية المسلم كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة». 

العلم وراثة، وراثة الأنبياء، يرثه أهل العلم عن الأنبياء، كما في الحديث «فإن العلماء ورثة الأنبياء»، والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا علمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. 

وقد ميز الله أهل العلم العامرين، ورفع شأنهم وأعلى قدرهم، قال الله تعالى: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9]، وأمر الله نبيه أن يسأله الزيادة من العلم، ولم يسأل (5:40) الزيادة من الجاه ولا المال ولا المنصب، يقول: ﴿ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]. 

وقد قرن الله تعالى شهادة أهل العلم بشهادته وشهادة ملائكته، على أجل مشهود به، وهو الشهادة لله تعالى بالوحدانية، وقال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18]. 

والعلم ثلاثة أقسام: لا رابع له، العلم النافع، ثلاثة أقسام لا رابع لها: 

القسم الأول: العلم الذي يتعلق بذات الرب. 

وهو إثبات حقيقة ذات الرب، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فاعلم أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، ويتفقه فيها، فتعرف معبودك، وإلهك بأسمائه وصفاته وأفعاله. 

الثاني، القسم الثاني: معرفة الأوامر والنواهي، الذي هو دين الله، الحلال والحرام، معرفة حق الله، أولًا: تعرف معبودك، الأول تعرف معبودك، وإلهك بأسمائه وصفاته وأفعاله، وأنه -سبحانه وتعالى- فوق العرش بذاته، وأنه العلي الأعلى، وأنه العزيز الحكيم، العلي العظيم، الملك القدوس، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، إلى غير ذلك من أسماء الله وصفاته وأفعاله، وأنه الخلاق أنه الرزاق، أنه المحيي أنه المميت أنه المدبر، أنه الخالق وغير المخلوق، وأنه الرب وغير المربوب، وأنه المالك وغير المملوك، وأنه المُدبِر وغير مُدَبر. 

وهذا هو الوسيلة، وهذا هو الذي يسمى عند أهل العلم بتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، إثبات حقيقة ذات الرب، وأسمائه وصفاته وأفعاله. 

القسم الثاني: معرفة حق الله. 

بعد أن عرفت ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله، فاعرف فاعرف الحق، وما أوجبه عليك، وهي الأوامر والنواهي الذي هو دين الله، معرفة الحلال والحرام، والأوامر والنواهي. 

فتعبد الله بأفعالك أنت، وهذا ما يسمى عند أهل العلم بتوحيد الألوهية والعبادة. 

القسم الثالث: أن تعلم الجزاء في الآخرة. 

الذي أعده الله في الآخرة للمطيعين، والجزاء الذي أعده الله للعاصيين. 

بعد أن عمل الناس في هذه الدنيا، الناس يكدحون ويعملون بعد ذلك لا بد من الجزاء، الجزاء على الأعمال الصالحات، والجزاء على الأعمال السيئة. 

لأننا لم نُخلق عبثًا، ولم نترك هملًا ولا سدى، لا نؤمر ولا ننهى في الدنيا، ولا نجازى ولا نحاسب في الآخرة، فتعرف أن الله -سبحانه وتعالى- تعلم تعتقد أن الله تعالى (9:49) في الخلائق يوم القيامة، وينشئهم خلقًا جديدًا، بأن تُغير الصفات، أما الذوات فهي هي، بعد أن نادى الله إسرافيل ينفخ في الصور ويرفع والموت، يمكث الناس أربعين، وينزل الله مطرًا، تنبت منه أجساد الناس. 

وذلك أن ابن آدم، يبلى، كله إلا عجم الذنب، وهو العصعص آخر العمود الفقير، كما ذكر في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل ابن آدم يبلى إلى عجم الذنب، إنما خلق ابن آدم (10:35) يركب». 

فيعيد الله (10:35) تراب، أن تستحيل تراب، إلا الأنبياء سلام الله عليهم، (10:44) والشهداء بعضهم تبقى أجسادهم مددًا، ثم تبقى أجسادهم مدة، فيعيد الله الذرات التي في (10:55) لأنه عليم (10:58)، وقادر، وينشأهم تنشأة قوية، تقوي الصفات وتبدل الصفات، والذوات هي هي. 

فإذا تم خلقهم أمر الله إسرافيل فنفخ في الصور نفخة البعث، فعادت الأرواح إلى أجسادها، ودخلت كل روح في جسدها، فقام الناس ينقضون عن رؤوسهم التراب، وذلك أن الروح ما تبلى، ما تموت، الموت هو مفارقة الروح للجسد، ثم روح المؤمن تنقل إلى الجنة، ولها صلة بالبدن، تُنعم الروح متصلة بالجسد، ومنفردة، وروح الكافر تنقل إلى النار ولها صلة بجسده، تعذب مفردة، وتعذب متصلة في الجسد. 

كما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نشبت المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثون»، يعني يأخذ، فتأخذ شكل طائر فتنعم في الجنة، وأما الشهيد، فإنه روحه تتنعم بواسطة خواطر (12:16) أكمل تنعم الشهيد أكمل من تنعم غير الشهيد، كذلك أن الشهيد، لما بذل جسده لله عوض الله روحه جسدًا آخر تتنعم بواسطة، وهي حواصل الطير، كما في الحديث، «إن أرواح الشهداء في حواصل الطير تضرم تفرح بالجنة، تجد أنهارها وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش». 

وأما المؤمن غير الشهيد، فإن روحه تتنعم وحدها وتأخذ شكل طائر، من حديث طائر نعم (12:51) إلى الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثون، يعني يأخذ لا بد من الإلمام بهذا، من لم يؤمن بالبعث فهو كافر، بإجماع أهل السنة، ونص القرآن، (13:5) الله نبيه أن يقسم عالبعث في ثلاثة مواضع من كتابه، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [التغابن:7]، وقال سبحانه في سورة يونس: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ يعني البعث ﴿قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [يونس:53]، وقال سبحانه في سورة سبأ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ [سبأ:3]. 

ثم بعد البعث يُبعث الناس حفاة عراة، حفاة عراة غرلًا، حفاة لا نعال عنهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلًا غير مختونين، تعود القطعة الجلدة التي قطعت من الإنسان في وقت الختان وهو صغير تعود إليه. 

ثم بعد أن يقفون هذا الموقف العظيم، وبعد ذلك يحاسب الناس، وتتطاير الصحف، فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله، وتوزن الأعمال ويوزن الأشخاص، ويرد الناس على حوض نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك المرور على الصراط، المنصوب على متن جهنم، فمن تجاوزن فإلى الجنة، ومن هوى سقط في النار، وعلى الصراط كلاليب تستطيع (14:33) بخطفه. 

ثم بعد ذلك الاستقرار في الجنة أو في النار، العصاة الموحدين على خطأ، منهم من يعفى عنهم ومنهم من يدخل النار، ويعذب ثم يخرج، هذا الجزاء معرفة الجزاء هذا العلم الثالث. 

ولهذا قال يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "والعلم أقسام ثلاثة كلها، والعلم أقسام ثلاثة كلها"، والعلم أقسام ثلاثة كلها. 

"والعلم أقسام ثلاث مالها من رابع، والحق ذو تبيان، علم بأوصاف الإله وفعله، وكذلك الأسماء للرحمن" هذا الأول. 

"والأمر والنهي الذي هو دينه" هذا الثاني، وجزاءه يوم يبعث هذا الثاني. 

(والعلم أقسام ثلاث ما لها من رابع والحق ذو تبيان علم بأوصاف الإله وفعله، وكذلك الأسماء للرحمن، والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاءه يوم الميعاد الثاني). 

فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا للبصيرة في دينه، والفقه في شريعته، والعمل لتصفيق الأخبار، وتنفيذ الأحكام، وأن يُثبتنا على ذلك حتى الممات، إنه ولي ذلك والقادر عليه. 

وفق الله جميع اللقاءات، ثبت الله جميعنا للهدى، وصلى الله وسلم على محمد وآله وسلم. 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد