نحمد الله ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا ونبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، نشهد أنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، إلى العرب والعجم، وأشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى آتاه من ربه اليقين، وأشهد أنه خاتم النبيين وخاتم الأنبياء والمرسلين، وأنه لا نبي بعده.
فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله وعلى أصحابه وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ...
فإني أحمد الله إليكم، وأثني عليه الخير كله، وأرسله النبي (31:15) وأسأله -سبحانه وتعالى- أن يصلح قلوبنا، وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا.
كما أسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعًا مرحومًا، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، وألا يجعل فينا لا شقيًا ولا محرومًا، كما أسأله سبحانه أن يجعل جمعنا هذا جمع خير وعلم ورحمة، تنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة، وتحفه الملائكة ويذكره الله في عليين.
كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده».
أيها الإخوان، إن طلب العلم وتعلم العلم وتعليمه من أفضل القُربات، وأجل الطاعات، وذكر العلماء على أن طلب العلم أفضل من نوافل العبادات، نوافل الصلاة والصوم والحج، وقد أمر الله تعالى طائفة إذا نفر المجاهدون في سبيل الله، (32:52) مثلًا إذا رجع المجاهدون يتفقه، يفقهوهم في الدين، قال تعالى: ﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ [التوبة:122] إنه ذكر طائفة، ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة:122].
ثم جاء بأن تعلم العلم وتعليمه، وطلب العلم وتعلم العلم، وسيلة إلى معرفة الأمر الذي خُلق العباد من أجله، فالله تعالى خلقنا لعبادته وتوحيده وطاعته، وأمر بأوامر ونهانا عن نواهي، ولا سبيل إلى معرفة الأمر الذي يحبه الله، حتى يفعله المسلم، والأمر الذي يكرهه الله حتى يصرفه المسلم، إلا عن طريق العلم، تعلم العلم.
والأصل في الرسالة المبياعة، قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل:78].
على المسلم الذي وفقه الله لطلب العلم، أن (34:19) بهذه النعمة، وبهذا الخير، الذي وفقه الله له، وعليه أن يراعي الآداب آداب طالب العلم، من أعظم الآداب والواجبات التي يجب على طالب العلم وغيره إمراءها الإخلاص، الإخلاص لله –عز وجل-.
لأن الإخلاص أصل لا تصلح العبادة إلا به، فلا تصلح العبادة إلا بالإخلاص والمتابعة لله –عز وجل-، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5].
فأنت حينما تتعلم وتطلب العلم تعبد الله بذلك، عليك أن تخلص هذه العبادة لله، تتعلم لله لا للرياء ولا للسمعة، ولا لمماراة العلماء، ولا لمجاراة السفهاء، احذر أن تكون أن تتعلم لهذه الدنيا، أو لأجل الرياء والسمعة، أو لأجل مقصد من المقاصد التي تنافي الإخلاص لله –عز وجل-، ولهذا جاء الوعيد الشديد لمن تعلم العلم بهذه الدنيا، والحديث «من تعلم علمًا (36:00) أراد وجه الله لا يتعلمه إلا هربًا من الدنيا» (36:2) ليس علمًا.
لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- لما رواه الإمام مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أو ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة طالب أو عالم، ومجاهد قتل في المعركة، ومتصدق».
أما الطالب أو العالم فيؤتى به بين يدي الله –عز وجل-، فيقول الله لهم، ماذا عملت؟ فيقول يا رب قرأت في كثرة وتعلمت منك العلم، (36:46) دعوتك، فتقول الملائكة له، وإذا تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ وليس لك إلا ذلك، ثم أمر الله به فيشهد عليه حتى يلقى في النار.
ويؤتى بالمجاهد الذي قتل في المعركة شهيدًا، فيؤتى به لله، فيقال له: ماذا عملت؟ فيقول: يا الله قتلت فيك في سبيلك، لأجلك قال الله: كذبت، (37:20) وإنما فعلت ليقال شجاع، ويقال جريء وقد قيل وليس لك إلا ذلك، ثم أمر الله فيسكب على وجهه فيلقى في النار.
ويؤتى بالمتصدق الذي أنفق أمواله، ينصبون الخيرات والمشاريع الخيرية، فيؤتى به ويقول له: ماذا عملت؟ يقول يا رب ما ترك من خليل تحب أن أنفق فيها إلا (37:47) يقول له الله كذبت وإنما فعلت ليقال (37:54) ويقال كريم، وقد قيل وليس لك إلا ذلك، ثم أمر الله به فيسكب على وجهه حتى يلقى في النار.
قال أبو هريرة هؤلاء الثلاثة، قال أبو هريرة -رضي الله عنه- هؤلاء الثلاثة أول خلق الله يسعر بهم دار الوقيع.
هذه الأعمال الآن، الأعمال التي في الظاهر هي أعمال ما الذي جعلها وبال على أصحابها؟ عدم الإخلاص، هذا العالم أو القارئ لو كان عمله خالصًا لله لكان من الصديقين، (38:28) الأنبياء، وهذا الذي قتل في المعركة لو كان لإعلاء كلمة الله كان من الشهداء، في مرتبة صالحة، والذي يتصدق الذي أنفق أمواله في سبل الخيرات، لو كان العمل لله لكان من الصالحين، ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:69].
فلا بد من الإخلاص وجهاد النفس، والإخلاص وتعلم لله، لأجل أن تنقذ نفسك من الجهل، حتى تعمل بما أمر الله بك، بما أمرك الله به، وتمتنع (39:18).
رحمه الله، ماذا ينوي طالب العلم؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه، ثم رفع الجهل عن غيره، ترفع الجهل عن نفسك أنت، ثم ترفع الجهل عن غيرك، يعني أكثر الناس لا يعلمون.
فلا بد من الآداب التي يراعيها طالب العلم الإخلاص، وجهاد النفس الصلاة (39:52)، والمجاهد.
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69]، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [العنكبوت:6].
لا بد من الإخلاص؛ لأن تعلم العلم عبادة عظيمة، تعلم العلم من أجل الطاعات، والعبادة والطاعة والقربة لا بد فيها من الإخلاص، لا بد من إخلاص لها الشيء.
الأصل الأول: أن تكون لله، أخلص لله ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [البينة:5].
والأصل الثاني: أن يكون موافق لشرع الله، وصوابًا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110].
والعمل الصالح ما كان فيه شرك بالله، والعمل الذي ليس فيه شرك (40:48) قال: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [لقمان:22]، والإحسان هو كان العمل موافقًا للشريعة.
والإخلاص هو شهادة أن لا إله إلا الله، إذًا مقتضاها (41:12) إلا الله، أن تكون العبادة لله.
والأصل الثاني، مقتضى أن محمدًا رسول الله، إن مقتضاها متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وترك البدع، وترك (41:26) أصل الدين، وآفة الملة.
أصل الدين وآفة الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وتشهد للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، أصل دين الإسلام مفتاح باب الإسلام الشهادة، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد نبي الله.
ثم أيضًا بعد ذلك تراعي الآداب الأخرى، وهي العناية والاهتمام، وحضور القلب، والاستمرار في الحضور، وعدم التخلف، (42:12) والمدارسة مع الزملاء، ندرس علم أنت تفيد وتستفيد، في ذلك الحسد، ولا أثر، فكل الطوائف فقضية العلم (42:42).
ولكن مع ذلك من غير العلم، ولا يعتمد على التحقيق، التحقيق قد يحتاج إلى وقت الطباعة، وقراءته، لا بد من الاهتمام والعناية.
ولا بد أيضًا من سؤال الله والدعاء إليه، بأن يوفقك الله للعلم، من يوفقه للعلم يوفقه الله للعبادة، العلم يوفقك الله للعبادة، فعليك أن تسأل الله.
وفق الله الجميع (43:27) ويثبت الله الجميع على الهدى، وصلى الله على محمد وآله وسلم.