شعار الموقع

شرح كتاب مناقب الأنصار من صحيح البخاري (63-7)

00:00
00:00
تحميل
83

● [3658] هذا الحديث تابع لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ي إلى المدينة.

قول عائشة ل: «لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين» أبواها هما أبو بكر وأم رومان م؛ يعني: أنها ل منذ نشأت وعقلت وهي ترى والديها يدينان بدين الإسلام.

وقولها ل: «ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية»؛ هذا قبل الهجرة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيهم طرفي النهار بكرة وعشية؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كانت له صحبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم «فلما ابتلي المسلمون»، يعني: بأذى المشركين «خرج أبو بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة» على الرغم من أن له مكانة في مجتمع قريش إلا أنهم آذوه أيضًا رضي الله عنه؛ لأنه خالفهم في عقيدتهم، والعقيدة هي الأساس وعليها يوالي الناس ويعادون، سواء كانت حقة أم باطلة، وفي سبيلها تقدم المهج والنفوس، وينفق كل غال ونفيس.

قوله: «حتى إذا بلغ برك الغماد» هو موضع على مسيرة خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن، خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجرًا حتى مشى مسافة خمس ليال.

قوله: «لقيه ابن الدغنة» الدغنة عند أهل اللغة بضم المهملة والمعجمة وتشديد النون، وعند أهل الحديث بفتح أوله وكسر ثانيه، والدغنة هي أمه أو أم أبيه أو دابته، وأصل الدغنة الغمامة كثيرة المطر؛ فلقيه ابن الدغنة وكان له مكانة في قريش «وهو سيد القارة» قبيلة مشهورة من بني الهون «فقال: أين تريد يا أبا بكر؟»، يعني: ما الذي أخرجك من مكة؟ «فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي»، أي: آذوني، واضطروني إلى الهجرة من أرضي، فخرجت التمس أرضًا أتمكن فيها من عبادة ربي. «فقال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يَخرُج ولا يُخرَج»، أنت يا أبا بكر رجل عظيم القدر تتحلى بمكارم الأخلاق، كيف تخرج من مكة؟! ثم ذكر أوصافه التي وصفت بها خديجة ل النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تدل على مكانة أبي بكر رضي الله عنه ومنزلته العظيمة في الإسلام وقوة إيمانه.

قوله: «تكسب المعدوم»، يعني: الفقير.

قوله: «وتحمل الكل» يعني: من لا يقدر على العمل والكسب كالضعيف وغيره من النساء والأطفال.

قوله: «وتقري الضيف» يعني: تعطيه حقه من الضيافة.

قوله: «فأنا لك جار»؛ من الإجارة، يعني: أمنعك مما يؤذيك.

قوله: «أتخرجون رجلا يكسب المعدم ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق! فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة»، يعني: لم ترد عليه قوله في أمان أبي بكر رضي الله عنه، بل قبلت جواره.

قوله: «مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها، وليقرأ ما شاء» يعني: لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يعلن عبادته، يصلي وحده في بيته في كل وقت؛ فالذي تقتصر عبادته على نفسه ما ينكر عليه أحد ولا يقول له شيئًا، لكن الذي يعلن دينه والذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هذا الذي يقف الناس في طريقه؛ لأنه يؤثر في المجتمع، وستجيب الناس لدعوته؛ ولهذا قالت قريش لابن الدغنة: مر أبا بكر يصلي في بيته ما شاء ويقرأ ما شاء لكن لا يعلن دينه، لا يعلنه أمام نسائنا ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر؛ ولهذا قالوا: «ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به» والأصل أن يقولوا: «ولا يؤذنا»، بحذف الياء؛ لأنها مجزومة، ولم تحذف الياء؛ لأن العرب قد تبقي الياء مع الجزم وقد تحذف من باب التخفيف كما قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) [هود: 105] أصلها: يوم يأتي، ما فيه جازم ومع ذلك حذفت، والمعنى فليصل وليقرأ مع كونه لا يؤذينا «فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره» ومكث على ذلك وقتًا «ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدًا بفناء داره» الفناء الرحبة التي حول الباب خارج البيت؛ فجعل رضي الله عنه يصلي ويقرأ القرآن «فيتقذف عليه نساء المشركين» وفي اللفظ الآخر: «فيتقصف»، يعني: يأتي إليه النساء ويتجمعن حوله ويتدافعن ينظرن إليه ويتسمعن ويعجبن به، «وكان أبو بكر رجلًا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن»، فأفزع ذلك أسلاف «قريش من المشركين»، فزعوا لما رأوا أبناءهم ونساءهم يتجمعون حوله، خافوا أن يؤثر عليهم أبو بكر رضي الله عنه «فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، وقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا»، هكذا جعلوا الدين فتنة! نسأل الله عز وجل العافية (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الحج: 46] ، يعني: خشوا أن يتأثر أبناؤهم ونساؤهم فيتركوا ما هم فيه من الكفر ويدخلوا في دين الإسلام، قالوا: «فانْهَهُ فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك»، يعني: أمانك له، ويرد عليك الجوار، «فإنا قد كرهنا أن نُخفِرك»، يعني: أن نؤذي رجلًا أدخلته في جوارك «ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان»، لسنا نقر أن يعلن دينه ويعلن الصلاة. «قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك»، يعني: تصلي في بيتك «وإما أن تَرجعَ إليَّ ذمتي»، يعني: ترد علي أماني «فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أُخفرت في رجل عَقدت له»، يعني: لا أحب أن العرب يقولون: فلان أوذي في جواري «فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله تعالى» وفي هذا شجاعة أبي بكر رضي الله عنه وقوته، رد عليه حمايته وأمانه ولم يبال، ورضي بأمان الله عز وجل وحمايته، وفي هذا جواز الأخذ بالشدة في الدين،
وفيه: قوة يقين أبي بكر رضي الله عنه وإيمانه، وعدم اكتراثه بالمشركين.

قوله: «إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان»؛ وسبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو الهجر، فإذا هي المدينة يثرب».

قوله: «فهاجر من هاجر قبل المدينة»، يعني: هاجر بعض الصحابة ي قبل النبي صلى الله عليه وسلم «ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة» للهجرة، «فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك»، يعني: على مهلك لا تستعجل «فإني أرجو أن يؤذن لي»، يعني: في الهجرة «فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟»، يعني: أفديك بأبي، «قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه»، يعني: في الهجرة «وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر - وهو الخَبَطُ - أربعة أشهر» علفهما ليكونا هما الراحلتين اللتين يرتحلان بهما في الهجرة إلى المدينة «قالت عائشة: فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة»، يعني: في شدة الحر، «قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعًا في ساعة لم يكن يأتينا فيها!» ، يعني: كان متخفيًا «فقال أبو بكر: فدًى له أبي وأمي»، يعني: أفديه بأبي وأمي، «والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمرٌ، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن، فأذن له فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج مَن عندك»، إمعانًا في كتمان أمر الهجرة، «فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله»،يعني: عائشة زوجته ل - وكان قد عقد عليها - وأمها أم رومان ل. «قال: فإني قد أذن لي في الخروج»، يعني: في الخروج إلى المدينة «قال أبو بكر: الصحابةَ بأبي أنت يا رسول الله!» ، يعني: أفديك بأبي: أصحبك، «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين» يعني: بعدما علف الراحلتين. «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالثمن» فما قبلها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن يدفع له ثمنها، وإن كان أبو بكر رضي الله عنه له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أمن الناس علي بنفسه وماله أبو بكر»([1])، قال العلماء: لأجل أن تكون هجرته من مال نفسه، لا من مال غيره.

قوله: «قالت عائشة: فجهزناهما أحَثَّ الجهاز»، يعني: أسرعه «وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها»،وهي أخت عائشة ل؛ والنطاق: ما يشد به الوسط، «فربطت به على فم الجراب؛ فبذلك سميت ذات النطاقين»، يعني: قطعت الرباط الذي تشد به وسطها قطعتين قطعة لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وقطعة تشد به فم الجراب، ولذلك سميت ذات النطاقين في ذلك الوقت، وكان الحجاج بن يوسف لما قتل ابنها عبدالله بن الزبير م أرسل إليها أن تأتيه وإلا أرسل لها من يسحبها من قرونها، فقالت: لا آتيك، أرسل لي من يسحبني من قروني، ولم تبالي، فجاء الحجاج بن يوسف إليها، وقال لها: كيف رأيت فعلي بعدو الله؟ فقالت: أراك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، ثم قال: يا ذات النطاقين، قالت: نعم، أنا قطعت ما أشد به وسطي قطعتين، قطعة لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم وقطعة أربط بها فم الجراب - يعني: نعم الوصف حق - أنت تعيبني بهذا وهذا وصف طيب؛ ثم رجع ولم يقل لها شيئًا؛ والشاهد أن الحجاج كان يعيب عليها أنها سميت ذات النطاقين، وقالت: إنه فخر ليس عيبًا، وهي مشهورة بهذا اللقب، وهو لقب شريف.

قوله: «ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور» وهذه قصة الهجرة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليه الطلب هو وأبو بكر رضي الله عنه اختفيا في غار في جبل ثور، قوله: «فكمنا فيه ثلاث ليال»، بفتح الميم ويجوز كسرها؛ يعني: اختفيا فيه ثلاث ليال، في هذه الليالي كانت قريش تبحث عنهما، وأعدت جائزة لمن يأتي بواحد منهما حيًّا أو ميتًا، جائزته ديته، والدية مائة من الإبل؛ فصار الناس يبحثون عنهما؛ فاختفى أبو بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الغار ثلاث ليال، وفي هذه الليالي كان يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر م ،«وهو غلام شاب ثقف لقن»، يعني: حاذق سريع الفهم، «فيدلج من عندهما بسحر»، يعني: يسرع ويخرج من الغار في آخر الليل فيصبح مع قريش في مكة كبائت معهم، وكان يتسمع الأخبار، «فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام»، يعني: أي: أمر أو خبر أو شيء يضرهما يأتيهما به إذا اختلط الظلام.

وأما عن كيفية غذاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه فكان «يرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء» يأتيهما ويحلب لهما ويسقيهما، وهكذا يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، مع ما تأتي به إليهما أسماء ذات النطاقين رضي الله عنهما .

قوله: «واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل» يدلهما الطريق، «وهو من بني عبد بن عدي»، هو عبدالله بن أريقط «هادياً خريتاً والخريت: الماهر بالهداية»، يعني: كان يعرف الطريق، وكان على دين قومه، لكنه كان حليفًا لآل العاص بن وائل؛ ولهذا قال: «قد غمس حلفاً في آل العاصي بن وائل السهمي»، يعني: كان حليفًا لهم، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيمانهم في دم أو خلوق طيب أو في شيء تأكيدًا للحلف، وهو على دين كفار قريش لكنه مؤتمن، استأجراه -وهو على دين قومه- بالأجرة، وهو أيضًا أمين لا يخبر عنهما.

قوله: «فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صُبْحَ ثلاثٍ»، يعني: أعطياه راحلتين من الإبل وقالا: بعد ثلاث ليال تأتينا في الغار؛ فلما مضت الثلاث ليال، وهدأ الطلب وأيسوا من وجودهما قريبًا من مكة، جاء عبدالله بن أريقط وأتى بالراحلتين ثم شرعوا في طريق الهجرة، «وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهم طريق السواحل» فصاروا أربعة: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وعامر بن فهيرة مولاه صاحب الغنم والدليل عبدالله بن أريقط، سلك بهما طريق الساحل، ساحل البحر.

 ●         [3659] هذا الحديث موصول بسند الحديث السابق، وهو تكملة للقصة.

قوله: «وأخبرني عبدالرحمن بن مالك المدلجي - وهو ابن أخي سراقة بن جُعْشُم»، يعني: أن سراقة عمه، يحدث أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم رضي الله عنه يقول: «جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره»، يعني: جاءت الرسل الذين أرسلهم كفار قريش وانطلقوا في كل مكان وكل جهة، يدورون على الناس ويخبرونهم؛ يقولون: من جاء بمحمد مقتولًا أو أسيرًا فله مائة من الإبل، ومن جاء بأبي بكر مقتولًا أو أسيرًا فله مائة من الإبل، وهي الدية، وهي جائزة ثمينة.

وصار الناس في كل مكان في الشرق والغرب وكل جهة يبحثون عنهما، كل واحد يتمنى أن يحصل على الجائزة الثمينة، يقول سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه: «فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة، إني قد رأيت آنفًا أسودة بالساحل»؛ آنفًا؛ يعني: قريبًا، «أسودة بالساحل»؛ يعني: أشخاصًا «أراها محمدًا وأصحابه» يقول هذا لسراقة رضي الله عنه، أنه رأى أشباح أشخاص ويظن أنها محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ي؛ يعني: كأنه يقول: هل تريد أن نذهب لنحصل على الجائزة؟

قوله: «قال سراقة: فعرفت أنهم هم»؛ عرف أنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ي.

قوله: «فقلت له: إنهم ليسوا بهم، ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا انطلقوا بأعيننا»، ليصرفه عنه؛ كان يريد أن تكون الجائزة له وحده، يريد أن يخفيها عن صاحبه.

قوله: «ثم لبثت في المجلس ساعة» المراد بالساعة: جزء من الزمن، ليس المراد بالساعة التي نعرفها الآن، قد تكون الساعة أو أقل أو أكثر.

قوله: «ثم قمت فدخلت، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي»؛ يريد أن يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر «وهي من وراء أكمة»، يعني: مرتفع من الأرض. «فتحبسها علي»، يعني: حتى يأتي. «وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فحَطَطت بزجه الأرض»؛ يعني: بالزج الحديدة التي في أسفل الرمح، و«حططت»، يعني: أمكنت أسفله لئلا يظهر بريق الرمح لمن يراه من بعيد حتى يذهب خفية، لعله يحصل على الجائزة.

قوله: «وخَفَضتُّ عاليَه حتى أتيت فرسي، فركبتُها فرَفَعْتُها تُقَرِّبُ بي»؛ يعني: أسرعت بها السير، والتقريب سير دون العدو؛ يعني: يسرع لكنه ليس عدوًا؛ فهو سير بين التباطؤ وبين العدو «حتى دنوت منهم»؛ حتى دنا من النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، «وعثَرتْ بي فرسي فخررت عنها»؛ سقط من عليها لما أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم، «فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي»؛ والكنانة: جراب السهام؛ «فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها: أضُرُّهم أم لا؟» كان كفار قريش يستقسمون بالأزلام؛ والأزلام هي أقداح ثلاثة مكتوب على أحدها: افعل، والثاني: لا تفعل، والثالث: غفل ليس عليه كتابة؛ فإذا أراد أحدهم شيئًا زواجًا أو سفرًا أو غيره يستقسم بها ويستشيرها؛ فإن خرج افعل مضى لما يريد، وإن خرج لا تفعل انصرف وأحجم، وإن خرج غفل أعادها مرة أخرى؛ وسراقة رضي الله عنه لما أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم استقسم بالأزلام هل يضرهم، أو لا يضرهم فخرج له: لا تفعل، وهذا قوله: «فخرج الذي أكره» أنه لا يضرهم لأنهم محفوظون بأمر الله عز وجل.

قوله: «فركبت فرسي، وعصيت الأزلام» عصى الأزلام، وما عمل بها، وهذا يدل على أن كل صاحب هوى يبرر لنفسه عمله، حتى ولو كان خلاف ما يدعيه.

قوله: «ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين»، يعني: غاصت قوائم الفرس في الأرض حتى وصل إلى الركبتين، «فخررت عنها ثم زجرتها»، يريد منها أن تخرج من الأرض، «فنهضت فلم تكد تخرج يديها؛ فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبارٌ ساطعٌ في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام» استقسم بالأزلام مرة ثانية «فخرج الذي أكره»: لا تفعل، «فناديتهم بالأمان»، يعني: نادى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه بالأمان، «فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتُهُم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم»، يعني: أنه لما رأى أنه حبس وأنه منع منهم وقع في نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم سينتصر وسيظهر أمره؛ فقال سراقة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن قومك قد جعلوا فيك الدية» لمن يأتي بك، «وأخبرتهم، أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: أَخْفِ عنَّا»، يعني: لا تعلم أحدًا بأمرنا وخبرنا. «فسألته أن يكتب لي كتاب أمن» أنه آمن؛ «فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أَدَمٍ»، يعني: من جلد، «ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم».

 ●         [3660] هذا الحديث في قصة الهجرة.

قوله: «قال ابن شهاب» هذا موصول بالإسناد السابق.

قوله: «قافلين من الشام»، يعني: راجعين.

قوله: «فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثياب بياضٍ»، ثيابًا لونه أبيض.

قوله: «وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة»، يعني: مهاجرًا، «فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يَرُدَّهم حر الظهيرة» أي: كان من محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أنهم إذا أصبحوا خرجوا من بيوتهم ووقفوا عند الحرة ينتظرونه لعله يأتي حتى تشتد حرارة الشمس فيردهم حر الظهيرة؛ وفي اليوم الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم انتظروا حتى ردهم حر الظهيرة، فانقلبوا بعدما طال انتظارهم، ودخلوا بيوتهم.

قوله: «فلما أَوَوْا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهودَ»، يعني: صعد «على أُطُم من آطامهم لأمر ينظرُ إليه»، يعني: صعد حصنًا من حصونهم لأمر ينظر إليه، فلما صعد «فبصُر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مُبَيَّضِينَ يزول بهم السراب»، رآهم من بعد لأنه صعد على الحصن، وما صعد لأجل أن ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما صعد لينظر شيئًا خاصًّا به.

قوله: «فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته» وهو على الحصن: «يا معشر العرب، هذا جَدُّكم الذي تنتظرون»، يعني: هذا حظكم وشرفكم؛ فالجد يطلق على الحظ والشرف، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد»([2])، يعني: لا ينفع صاحب الحظ؛ ويطلق الجد على أبي الأب، ويطلق الجد على العظمة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح: «وتعالى جدك»([3]) يعني: وارتفعت عظمتك.

فسمّع اليهودي من في المدينة من المسلمين؛ لأنه إذا علا المنادي مرتفع المدينة أسمع كل من فيها، أو أسمع جل من فيها.

قوله: «فقام أبو بكر للناس»، أي: يستقبل الناس ويسلم عليهم؛ لأنه رضي الله عنه كان معروفًا للأنصار؛ فهو صاحب تجارة في المدينة. «وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتًا»، لأنه صلى الله عليه وسلم كان غير معروف للأنصار، فهم لم يروه؛ وجلس أبو بكر رضي الله عنه يقابل الناس ويسلمون عليه.«فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر» يظنونه الرسول صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة» البضع من ثلاثة إلى تسعة.

قوله: «وأسس المسجد الذي أسس على التقوى»، هو مسجد قباء.

قوله: «وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربدًا للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة» المربد: المكان الذي يجمع فيه التمر، ويقال له: البيدر، ويقال له: الجرين.

وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مجمعًا للتمر، وكان فيه نخيل، وكان فيه قبور المشركين؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخيل فقطعت، وأمر بالقبور فنبشت وسويت.

قوله: «ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين؛ فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا»، يعني: قال: بيعوا لي المربد «فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله»، يعني: ما نريد ثمنه؛ «فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة»؛ أراد صلى الله عليه وسلم أن يكون مسجده من خالص ماله، وأراد أيضًا مواساة هذين اليتيمين.

قوله: «وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللَّبِن» يعني: في بنيان المسجد؛ فالصحابة ي كانوا ينقلون اللبن والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يتمثل بهذا البيت:

«هذا الحمال لا حمال خيبر هــذا أبـر ربنـا وأطهـر»

ربنا: منادى بالفتح: والتقدير: يا ربنا.

قوله: «قال ابن شهاب: ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت شعر تامٍّ غيرِ هذه الأبيات»، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بيتًا إلا هذا البيت:

هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

لم يقل بيتًا إلا هذا البيت إن صح أنه بيت، ولهذا لا يصدق عليه أنه شاعر؛ ولهذا قال الله عز وجل: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ) [يس: 69]؛ قالوا: لم يتمثل إلا بهذين البيتين، ولم يقل بيتًا صحيحًا إلا هذا البيت:

هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت([4])

قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «وأسس المسجد الذي أسس على التقوى»، أي: مسجد قباء، وفي رواية عبدالرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن عروة قال: الذين بني فيهم المسجد الذي أسس على التقوى هم بنو عمرو بن عوف، وكذا في حديث ابن عباس م عند ابن عائذ، ولفظه: ومكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدًا فكان يصلي فيه، ثم بناه بنو عمرو بن عوف؛ فهو الذي أسس على التقوى. وروى يونس ابن بكير في زيادات المغازي عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل بقباء قال عمار بن ياسر رضي الله عنه ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم بد من أن يجعل له مكانًا يستظل به إذا استيقظ ويصلي فيه فجمع حجارة فبنى مسجد قباء فهو أول مسجد بني - يعني: بالمدينة - وهو في التحقيق أول مسجد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأصحابه جماعة ظاهرًا، وأول مسجد بني لجماعة المسلمين عامة، وإن كان قد تقدم بناء غيره من المساجد، لكن لخصوص الذي بناها كما تقدم في حديث عائشة ل في بناء أبي بكر رضي الله عنه مسجده، وروى ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنهقال: لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين نعمر المساجد ونقيم الصلاة. وقد اختلف في المراد بقوله تعالى: (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [التوبة: 108] فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء، هذا وهو ظاهر الآية، وروى مسلم من طريق عبدالرحمن بن أبي سعيد عن أبيه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «هو مسجدكم هذا»([5]).

والصواب أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد قباء، وإذا كان مسجد قباء أسس على التقوى فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب أولى أسس على التقوى، ولا منافاة بينهما، وظاهر هذا أنه مسجد قباء؛ لأن هذه الزيادة التي ذكرها - زيادة المغازي عن المسعودي قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قباء - صريحة في هذا؛ ولهذا ذكر أنه لبث ليالٍ في بني عمرو بن عوف، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى قباء، ثم بعد ذلك بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده كما سبق.

 ●         [3661] قوله: «ذات النطاقين»؛ النطاق ما يشد به الوسط.

 ●         [3662] قوله: «فحلبت فيه كثبة من لبن» وسبق ذكر أن أبا بكر رضي الله عنه صب عليه من إداوة من ماء حتى برد أسفله.

 ●         [3663] هذه منقبة لعبدالله بن الزبير م، وهو أول مولود ولد في الإسلام، وكان في السنة الأولى، وقد حنكه النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «ثم دعا بتمرة فمضغها»، يعني: مضغها النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «ثم حنكه بتمرة، ثم دعا له، وبرك عليه» حنكه؛ يعني: وضع في فيه تمرة ودلك بها باطن فمه «وبرك عليه»؛ يعني: قال: بارك الله فيك، ودعا له بالبركة، وذلك لما جعل الله عز وجل في ريقه صلى الله عليه وسلم وجسده من البركة؛ ولهذا كان الصحابة ي يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ليحنك أولادهم، ولا يقاس على النبي صلى الله عليه وسلم غيره؛ لأن الصحابة لم يفعلوه مع غيره فلا يتبرك بغير النبي صلى الله عليه وسلم.

والخصوصية للتبرك بجسد النبي صلى الله عليه وسلم، أما التحنيك فهو سنة، وليس خاصًا بالعلماء بل يحنكه أبوه أو أمه.

 ●         [3664] هذا الحديث فيه مشروعية التحنيك للصغير بالتمر.

قوله: «فلاكها»، يعني: مضغها، ثم وضعها في فم الصبي.

 ●         [3665] هذا الحديث في قصة الهجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم أقبل إلى المدينة وهو مردف أبا بكر رضي الله عنه، ولما أقبل الناس عرفوا أبا بكر رضي الله عنه، أما النبي صلى الله عليه وسلم فما عرفه أحد.

قوله: «قال: فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر»، لأنهم يعرفون أبا بكر رضي الله عنه، «من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب» يعني: يظن الظان أنه يعني: الطريق الحسي، طريق المدينة، «وإنما يعني: سبيل الخير»، أي: يهديني سبيل الخير؛ فهذا فيه تورية.

قوله: «فالتفت أبو بكر»؛ يعني: وهو في طريقه للهجرة، «فإذا هو بفارس قد لحقهم»، وهو سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه، «فقال: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا؛ فالتفت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اصرعه! فصرعه فرسه»، يعني: سقط من على فرسه، «ثم قامت تُحمحم»؛ فعرف سراقة رضي الله عنه، «فقال: يا نبي الله، مرني بما شئت، قال: فقف مكانك، لا تتركنَّ أحدًا يلحق بنا»، فامتثل رضي الله عنه لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .

قوله: «فكان أول النهار جاهدًا على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النهار مَسْلَحَةً له»، يعني: أنه في أول النهار كان حريصًا على أن يأتي بهما ليأخذ الجائزة، وفي آخر النهار صار حارسًا لهما، يدافع عنهما ويرد عنهما الطلب، كل من لقيه من هذه الجهة قال له: كفيتكم هذه الجهة، ما فيها أحد، اذهبوا إلى جهة أخرى، وهذا من حماية الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه.

قوله: «فنزل رسول الله جانب الْحَرَّة، ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم» وهذا في قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة لما نزل في جانب الحرة، «فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمِنَيْنِ مُطاعَيْنِ؛ فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفُّوا دونهما بالسلاح، فقيل في المدينة: جاء نبي الله! جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فأشرفوا ينظرون»، تنظر الرجال والنساء والأطفال من البيوت، يا له من يوم عظيم، فاز به أهل المدينة «ويقولون جاء نبي الله جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم»، مثلما قال أنس رضي الله عنه: هما يومان: اليوم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرًا أشرقت المدينة وحصل الفرح والسرور، واليوم الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة وساد الحزن فيها.

وفي هذا الحديث قصة إسلام عبدالله بن سلام رضي الله عنه.


وفيه: أن عبدالله بن سلام رضي الله عنه كان يحدث أهله فسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم «وهو في نخل لأهله يخترف لهم»، يعني: يجني لهم الثمار، «فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه»، يعني: جاء والثمرة التي اخترفها معه من السرعة، أي: من العجلة، «فسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: أي: بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبي الله، هذه داري، وهذا بابي، قال: فانطلق فهيئْ لنا مَقِيلًا»، أي: مكانًا للقيلولة.

قوله: «قال: قوما على بركة الله، فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبدالله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق» أسلم واليهود قوم بهت لم يسلم منهم إلا العدد القليل، كما جاء في الحديث: «لو تابعني عشرة من اليهود لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم»([6])، أو كما جاء.

فاليهود قوم بهت عندهم عتو وعناد، قلوبهم قاسية؛ فلهذا لم يسلم منهم إلا قليل، بخلاف النصارى فإن قلوبهم رقيقة، وهم أقرب مؤدة للمؤمنين.

فعبدالله بن سلام رضي الله عنه منّ الله عز وجل عليه بالإسلام -وهو مشهود له بالجنة- قال: «أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت؛ فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ؛ فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم»، يعني: إلى اليهود «فدخلوا عليه» فسألهم: «فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله! فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقًّا، وأني جئتكم بحق فأسلموا، قالوا: ما نعلمه»، يعني: يعلمون صفات النبي صلى الله عليه وسلم عندهم في التوراة والإنجيل، لكن هذا من جحدهم للحق (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 146].

قوله: «قال: فأي: رجل فيكم عبدالله بن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا، قال: أفرأيتم إن أسلم؟»، كررها ثلاثًا، «قالوا: حاشَ لله، ما كان ليسلم»؛ وفي اللفظ الآخر: «قالوا: أعاذه الله من ذلك»؛ فلما خرج عليهم ونصحهم، «فقال: يا معشر اليهود اتقوا الله! فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق، فقالوا: كذبت» وجاء في اللفظ الآخر أنهم قالوا في الحال: «شرنا وابن شرنا»؛ فقال عبدالله بن سلام رضي الله عنه: ألم أقل لك يا رسول الله إن اليهود قوم بهت([7]).

 ●         [3666] هذا الحديث فيه فرض عمر رضي الله عنه لأعطيات المسلمين من بيت المال.

قوله: «كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة» قوله «في» زائد، والمعنى أنه فرض لكل واحد من المهاجرين الأولين أربعة آلاف أربعة، أربعة أربعة، وسقطت من رواية النسفي، وهو الوجه؛ يعني: أن عمر رضي الله عنه يفرض لهم قدرًا من المال، وهذا الفرض سنوي، وأنه من بيت المال يوزع على المهاجرين الأولين، كل واحد منهم أربعة آلاف، ومن دونهم مثلاً من هاجر متأخرًا يعطيه أقل، ثلاثة آلاف مثلاً، وهكذا فصارت للناس أعطيات، من تقدم إسلامه يعطيه أكثر ومن تأخر يعطيه أقل.

وأما أبو بكر رضي الله عنه في زمانه فكان يساوي بين الناس في الأعطيات ويقول: إنما أسلموا لله عز وجل وأجرهم على الله عز وجل، المتقدم أجره على الله عز وجل، ويعطي المتقدم والمتأخر سواء، أما عمر رضي الله عنه فكان لا يساوي بينهم في الأعطيات، بل فاضل بينهم بحسب سابقتهم وفضلهم وعملهم اجتهادًا منه رضي الله عنه.

قوله: «وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟!» يعني: ابنك هذا من المهاجرين الأولين! «فقال: إنما هاجر به أبواه»، يعني: هاجر وراءهم.

قوله: «ليس هو كمن هاجر بنفسه» يعني: ما هاجر وحده بل هاجر معي؛ فلهذا نقصته.

 ●         [3667] هذا الحديث فيه بيان ما أصاب الصحابة ي في أول الأمر بعد الهجرة من الشدة حتى إنهم كانوا لا يجدون الكفن للميت، وكان منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، الذي قتل يوم أحد ولم يجدوا شيئًا يكفن فيه إلا قطعة قماش قصيرة ما تكفي للبدن، إذا غطي الرأس خرجت الرجلان، وإذا غطي الرجلان خرجت الرأس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «غطوا بها رأسه»([8])، لأنه أشرف، واجعلوا على رجليه شيئًا من الحشائش والإذخر.

قال خباب رضي الله عنه: هؤلاء الصحابة ي عاشوا في شظف من عيش لقلة ذات اليد، فاستكملوا أجرهم، أما نحن فتأخرنا وفاتنا حتى فتحت علينا الدنيا فاستعجلنا شيئًا من أجورنا، ولهذا قال: «فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير».

قوله: «ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها»، كناية عن الفتوح؛ فإنه لما فتحت الفتوح وفتحت الدنيا على الناس خاف رضي الله عنه أن يكون تعجل شيئًا من أجره، من أجل الدنيا التي فتحت عليه، وهذا من باب الورع، وهؤلاء ي هم على خير، من تقدم فله أجره ومن تأخر فهو على خير، نال أجرًا بسبب جهاده ونشره لدين الله عز وجل وتعليمه.

 ●         [3668] هذا الحديث فيه محاورة بين الصحابي الجليل عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري م حكاها عبدالله بن عمر م لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري م، هذه المحاورة بين الابنين، وقبل ذلك كانت محاورة بين الأبوين.

قوله: «هل تدري ما قال أبي لأبيك؟ قال: قلت: لا، قال: فإن أبي» عمر بن الخطاب رضي الله عنه «قال لأبيك» أبي موسى الأشعري رضي الله عنه «يا أبا موسى، هل يسرك إسلامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معه بَرَد لنا»؛ يعني: هل يسرك أن يكون إسلامنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهجرتنا وجهادنا معه سلم لنا؛ أي: سلم لنا الأجر كاملًا ولم يكن فيه نقص؟ يعني: يكفينا الأجر الذي حصلناه مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لنا هذا، وهذا خير كثير يكفينا، «وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافاً رأساً برأس؟» وأما العمل الذي عملنا بعده يصير كفافًا لا علينا ولا لنا، هل يسرك هذا؟ قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : «لا والله، قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم» بعد وفاته صلى الله عليه وسلم «وصلينا، وصمنا، وعملنا خيرًا كثيرًا؛ وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجو ذلك»، نرجو الأجر، بالإضافة إلى صحبتنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وجهادنا معه؛ فقال عمر رضي الله عنه: «لكني أنا والذي نفس عمر بيده، لوددت أن ذلك برد لنا، وأن كل شيء عملنا بعد نجونا منه كفافا رأسا برأس» هذا من ورع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كأنه يقول: أنا أتمنى أن يسلم لنا عملنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأما عملنا الذي عملنا بعده يصير كفافًا لا علينا ولا لنا.

قال الحافظ ابن حجر /: «لكن لا يمتنع أن يفوق بعض المفضولين بخصلة لا تستلزم الأفضلية المطلقة، ومع هذا فعمر رضي الله عنه في هذه الخصلة المذكورة أيضًا أفضل من أبي موسى رضي الله عنه لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء، فالعلم محيط بأن الآدمي لا يخلو عن تقصير، وإنما قال عمر رضي الله عنه ذلك هضمًا لنفسه رضي الله عنه، وإلا فمقامه في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر».

وقول أبي موسى رضي الله عنه ليس ببعيد، لكن عمر رضي الله عنه حمله شدة الورع على ألا يرجو لهم -ما عملوه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم- عظيم خير مثلما قال أبو موسى رضي الله عنه: «قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا وصمنا وعملنا خيرًا كثيرًا، وأسلم على أيدينا بشر كثير، وإنا لنرجو ذلك» نرجو ثواب ذلك، وهم - والله - كان لهم ذلك، لكن عمر رضي الله عنه غلب جانب الخوف وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه غلب جانب الرجاء.

وكذلك عندما طعن عمر رضي الله عنه جاءه الشاب فقال له: أبشر ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وليت فعدلت، ثم الشهادة، فقال رضي الله عنه: «وددت أن ذلك كفافًا لا علي ولا لي»، من باب الورع؛ ويدل على ذلك النصوص التي فيها أن الله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

قوله: «فقلت» القائل أبو بردة رضي الله عنه، «إن أباك»، يعني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه «والله، خير من أبي»، هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر «قوله: «فقلت»، القائل هو أبو بردة رضي الله عنه، وخاطب بذلك ابن عمر رضي الله عنه، فأراد أن عمر رضي الله عنه، خير من أبي موسى رضي الله عنه وأراد من الحيثية المذكورة، وإلا فمن المقرر أن عمر رضي الله عنه أفضل من أبي موسى رضي الله عنه عند جميع الطوائف».

 ●         [3669] هذا الحديث تابع لترجمة «هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة».

وهذا الحديث فيه أن عمر وابن عمر م كليهما من المهاجرين الأولين، وكان ابن عمر م هاجر مع أبيه، وسبق أن عمر رضي الله عنه فرض لابن عمر رضي الله عنه ثلاثة آلف وخمسمائة، وكان يعطي المهاجرين أربعة آلاف من بيت المال، فقيل له: إنه هاجر، فلم نقصته عن الناس؟ فقال: إنه هاجر به أبوه.

وكان ابن عمر م يغضب إن قيل: إنه هاجر قبل أبيه، أورد الطبراني أن ابن عمر م كان يقول: «لعن الله من يزعم أنني هاجرت قبل أبي، إنما قدمني في ثقله»([9]). وهذا إسناد فيه ضعف.

قوله: «فقدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه قائلا»، يعني: نائمًا نومة القيلولة، «فرجعنا إلى المنزل»، يعني: رجعوا إلى المنزل لأن النبي صلى الله عليه وسلم نائم، «فأرسلني عمر فقال: اذهب فانظر هل استيقظ؟ فأتيته فدخلت عليه فبايعته، ثم انطلقت إلى عمر فأخبرته أنه قد استيقظ؛ فانطلقنا إليه نهرول هرولة»، يعني: نسرع «حتى دخل عليه»، يعني: عمر رضي الله عنه «فبايعه، ثم بايعته» هذه بيعة وليست هجرة، يعني: أن عمر رضي الله عنه أرسل ابنه لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في القيلولة ورجعا إلى منزلهما، ثم قال: ارجع فانظر هل استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم؟ فرجع فوجده قد استيقظ فبايعه؛ فأخبر أباه أنه بايع، وجاءا جميعًا فبايع عمر رضي الله عنه ثم بايع ابنه عبدالله رضي الله عنه مرة ثانية؛ ويحتمل أن هذه البيعة كانت في صلح الحديبية أو في غيرها.

والبعض يقول كيف تكون هذه البيعة في صلح الحديبية أو في غيرها وهذه المقولة في أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة؟

نقول إن هذا جاء في أول الحديث: «فقدمت أنا وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه قائلا»، وقوله: «إذا قيل له: هاجر قبل أبيه يغضب» إذا كان الحديث يرتبط بعضه ببعض، ولهذا ذكر الحافظ ابن حجر فقال: «ولعلها بيعة الرضوان»؛ يعني: في صلح الحديبية.

وقال أيضًا: «وزعم الداودي أنها بيعة صدرت حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعندي في ذلك بعد؛ لأن ابن عمر م لم يكن في سن من يبايع، وقد عرض على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بثلاث سنين يوم أحد فلم يجزه فيحتمل أن تكون البيعة حينئذ على غير القتال، وإنما ذكرها ابن عمر م ليبين سبب وهم من قال إنه هاجر قبل أبيه، وإنما الذي وقع له أنه بايع قبل أبيه، فلما كانت بيعته قبل بيعة أبيه توهم بعض الناس أن هجرته كانت قبل هجرة أبيه، وليس كذلك، وإنما بادر إلى البيعة قبل حرصًا على تحصيل الخير، ولأن تأخيره لذلك لا ينفع عمر رضي الله عنه».

والمقصود أن هذه البيعة كانت في صلح الحديبية على الأقرب؛ لأنه حين الهجرة كان صغيرًا.

 ●         [3670] وهذا الحديث في قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه إلى المدينة؛ فالبراء بن عازب رضي الله عنهيذكر هذا الحديث الذي دار بين أبي بكر رضي الله عنه وبين أبيه عازب.

قوله: «ابتاع أبو بكر رضي الله عنه من عازب رحلا»، يعني: اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب - وعازب: والد البراء - رحلًا؛ يعني: ناقة يرتحلها، أو الرحل الذي يكون على الناقة.

قوله: «فحملته معه»؛ لأن الرحل يكون على الناقة.

قوله: «قال: فسأله عازب»، أي: سأل أبا بكر رضي الله عنه «عن مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم»، يعني: يوم الهجرة، وهذا فيه الحرص على الخير والعلم والسؤال عنه، وانتهز عازب رضي الله عنه هذه الفرصة وسأله عن مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. «قال: أخذ علينا بالرصد»، يعني: أن قريشًا يرصدونه ويبحثون عنه، «فخرجنا ليلًا فأحيينا ليلتنا ويومنا»، أي: ما ذاقوا فيها طعم النوم، وظلوا في الغار ثلاثة أيام، ثم في صبح اليوم الثالث جاءهما عبدالله بن أريقط «حتى قام قائم الظهيرة» كانوا يسيرون حتى اشتد النهار، «ثم رفعت لنا صخرة»، يعني: مروا عليها في سيرهم، «فأتيناها ولها شيء من ظل»، يستظلون بها في القيلولة؛ وبسط الصديق نطعًا للرسول صلى الله عليه وسلم ليستريح عليه من عناء هذا السفر الطويل.

قوله: «فإذا أنا براعي قد أقبل في غنيمته يريد من الصخرة مثل الذي أردنا»، يريد أن يستظل بالصخرة؛ فسأله أبو بكر رضي الله عنه: «لمن أنت يا غلام؟»، يعني: أنت مملوك من؟ «فقال: أنا لفلان»، وأبو بكر رضي الله عنه كان يعرفه، «فقلت له: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قلت له: هل أنت حالب؟ قال: نعم» وهذا قد يستشكله بعض الناس كيف أخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الغنم ولم يستأذن صاحب الغنم، الجواب أن ذلك كان بإذن مالك الغنم، وكان هذا معروفًا عندهم، إكرام الضيوف ومن يمر بهم، ثم إن هذا كان قبل تشريع الأحكام.

قوله: «فقلت له: انفض الضرع»، يعني: انفضه من التراب والعيدان.

قوله: «ومعي إداوة من ماء عليها خرقة»، يعني: قربة صغيرة من جلد عليها خرقة جعل فيها ماءً يبرده للنبي صلى الله عليه وسلم، والناس كانوا يبردون الماء بالقرب؛ فإذا كان الجلد قديمًا برد الماء سريعًا؛ فلما كان اللبن حارًّا والوقت في منتصف النهار صب أبو بكر رضي الله عنه على اللبن من هذه القربة التي فيها الماء حتى برد أسفل اللبن، ثم أيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اشرب يا رسول الله؛ فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت، ثم ارتحلنا والطلب في أَثَرنا»، طلب قريش لهم.

ثم ذكر نهاية القصة بعد الهجرة لما وصلوا إلى المدينة، قال البراء رضي الله عنه: «فدخلت مع أبي بكر على أهله فإذا عائشة ابنته مُضْطجعةً قد أصابتها حمى» حمى المدينة، لما هاجروا إلى المدينة أصابتهم الحمى، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقلها إلى الجحفة.

قوله: «فرأيت أباها فقبل خدها وقال: كيف أنت يا بنية؟» أخذ كثير من العلماء من هذا كراهة تقبيل المحرمات من الشفتين، وإنما هذا خاص بالزوج، أما غيره فيقبل من الخد أو من الرأس إن كانت امرأة كبيرة، وكيف دخل أبو بكر رضي الله عنه ودخل معه البراء رضي الله عنه وقبلها أمامه ورآها كاشفة وجهها؟! يؤول هذا بأنه كان أول الهجرة قبل أن يشرع الحجاب، وكانت عائشة ل أيضًا دون البلوغ، وأيضًا البراء رضي الله عنه كان صغيرًا.

 

([1]) أحمد (3/18)، والبخاري (3654)، ومسلم (2382).

([2]) أحمد (3/87)، والبخاري (844)، ومسلم (471).

([3]) أحمد (3/50)، ومسلم (399).

([4]) أحمد (4/312)، والبخاري (2802)، ومسلم (1796).

([5]) مسلم (1398).

([6]) أحمد (2/346)، ومسلم (2793)، ونحوه في البخاري (3941).

([7]) أحمد (3/108)، والبخاري (3938).

([8]) أحمد (5/111)، والبخاري (4047).

([9]) الطبراني في «الأوسط» (2/5).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد