المتن
بسم الله الرحمن الرحيم
55- كتاب المغازي
[1/55] غزوة العُشَيْرة
● [3700] حدثني عبدالله بن محمد، قال: حدثنا وهب، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق: كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قيل: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت: فأيهم كانت أولَ؟ قال: العُسَيْرُ أو العُشَيْر، فذكرت لقتادة فقال: العُشَيْر.
قال ابن إسحاق: أول ما غزا النبي صلى الله عليه وسلم: الأبواءُ، ثم بُواطُ، ثم العُشَيْرة.
الشرح
المغازي: جمع مغزى، يقال: غزا يغزو غزوًا ومغزى، والواحدة غزوة وغزاة، وأصل الغزو: القصد؛ يقال: مغزى الكلام مقصده.
والمراد بالمغازي هنا: ما وقع من قصد النبي صلى الله عليه وسلم الكفار بنفسه أو بجيش من قبله، وقصدهم أعم من أن يكون إلى بلادهم أو إلى الأماكن التي حَلُّوها؛ ولهذا دخل في مغازيه مثل أحد والخندق.
● [3700] قوله: «كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قيل: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت: فأيهم كانت أولَ؟ قال: العسير أو العشير» هذا أمر اجتهادي من زيد في تعداد الغزوات، وهذا التعداد فيه خلاف بين العلماء؛ فمنهم من زاد ومنهم من نقص، منهم من عد البعوث والسرايا والغزوات سواء التي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه أو لم يخرج وأطلق عليها جميعًا غزوات، ومنهم من اقتصر على التي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وأطلق عليها غزوة سواء قاتل أو لم يقاتل، وما لم يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم أطلق عليها سرايا.
قوله: «فذكرت لقتادة فقال: العُشَيْر» الذي يقول ذكرت لقتادة هو شعبة، فعند قتادة: العشير أصح.
قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «تسع عشرة»، كذا قال، ومراده الغزوات التي خرج النبي صلى الله عليه وسلم فيها بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل، لكن روى أبو يعلى من طريق أبي الزبير عن جابر: «أن عدد الغزوات إحدى وعشرون»([1])، وإسناده صحيح وأصله في مسلم([2])، فعلى هذا فقد فات زيد بن أرقم ذكر ثنتين منها، ولعلهما الأبواء وبواط، وكأن ذلك خفي عليه لصغره، ويؤيد ما قلته ما وقع عند مسلم بلفظ: «قلت ما أول غزوة غزاها؟ قال: ذات العشير أو العشيرة»([3]). اهـ. والعشيرة كما تقدم هي الثالثة. وأما قول ابن التين: يحمل قول زيد بن أرقم على أن العشيرة أول ما غزا هو - أي: زيد بن أرقم - والتقدير: فقلت: «ما أول غزوة غزاها؟» أي: وأنت معه، قال: العشير. فهو محتمل أيضًا، ويكون قد خفي عليه اثنتان مما بعد ذلك، أو عد الغزوتين واحدة، فقد قال موسى بن عقبة: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان: بدر ثم أحد ثم الأحزاب ثم المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف. اهـ. وأهمل غزوة قريظة؛ لأنه ضمها إلى الأحزاب لكونها كانت في أثرها، وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب، وكذا وقع لغيره عد الطائف وحنين واحدة لتقاربهما، فيجتمع على هذا قول زيد بن أرقم وقول جابر، وقد توسع ابن سعد فبلغ عدة المغازي التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعًا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي، وهو مطابق لما عده ابن إسحاق إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر. أشار إلى ذلك السهيلي».
قوله: «الأبواء» هي قرية بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلًا، قيل: سميت بذلك لما كان فيها من الوباء، فهي على القلب، وإلا لقيل: الأوباء.
وقوله: «بواط» جبل من جهينة بقرب ينبع.
وقوله: «العُشَيرة» بالتصغير: موضع من بطن ينبع، غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، قال العيني: «وقال ياقوت: قال الأزهري: ذو العشيرة موضع بالصَّماَّن، ينسب إلى عشرة نابتة فيه».
المتن
[2/55] ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من يقتل ببدر
● [3701] حدثني أحمد بن عثمان، قال: حدثنا شريح بن مسلمة، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، قال: حدثني عمرو بن ميمون، أنه سمع عبدالله بن مسعود حدث عن سعد بن معاذ أنه قال: كان صديقًا لأمية بن خلف، وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انطلق سعد معتمرًا فنزل على أمية بمكة، فقال لأمية: انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبًا من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل، فقال: يا أبا صفوان، من هذا معك؟ قال: هذا سعد، فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمنا، وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم! أمَا والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالمًا! فقال له سعد ورفع صوته عليه: أمَا والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة! فقال له أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي! فقال سعد: دعنا عنك يا أمية، فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنهم قاتليك، قال: بمكة؟ قال: لا أدري، ففزع لذلك أمية فزعًا شديدًا، فلما رجع أمية إلى أهله قال: يا أم صفوان، ألم ترين ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدًا أخبرهم أنهم قاتِلِيَّ، فقلت له: بمكة؟ فقال: لا أدري، قال أمية: والله لا أخرج من مكة، فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس، فقال: أدركوا عيرَكم! فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان، إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك، فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة، ثم قال أمية: يا أم صفوان جهزيني؛ فقالت له: يا أبا صفوان، وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبًا، فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلًا إلا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله الله عز وجل ببدر.
الشرح
يذكر البخاري في هذا الباب من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقتل ببدر من المشركين.
● [3701] هذه القصة فيها أنه كانت هناك صداقة بين سعد بن معاذ سيد الأوس - وهو الذي اهتز له عرش الرحمن لما مات - وبين أمية بن خلف، وكانت هذه الصداقة قديمة واستمرت حتى جاء الإسلام، ولم يُنه المسلمون عن ذلك أول الأمر، حتي جاء النهي عنه والأمر بمقاطعة الكفار، حتى النساء المسلمات اللاتي كُنَّ تحت الكفار ما جاء التحريم في حقهن إلا متأخرًا؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)[الممتحنة: 10].
قوله: «وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد، وكان سعد إذا مر بمكة نزل على أمية» كان هذا في الجاهلية وأول الإسلام، وكان من حق الصداقة بينهما أن يضيف أحدهما الآخر إذا نزل بأرضه.
قوله: «فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة»، أي: مهاجرًا في السنة الأولى، وقبل أن يُنْهوا عن مقاطعة الكفار.
قوله: «انطلق سعد معتمرًا فنزل على أمية بمكة» لما كان بينهما من صداقة في الجاهلية.
قوله: «فقال لأمية: انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت»، يعني: انظر لي ساعة ليس فيها أحد من الناس حتى أطوف بالبيت فلا يراني المشركون.
قوله: «فخرج به قريبًا من نصف النهار»، يعني: في وقت منتصف النهار وشدة الحر بمكة؛ لأنه في الغالب ما يسير أحد حول الكعبة في هذا الوقت من النهار.
قوله: «فلقيهما أبو جهل»، وكان يكنى أبا الحكم، وهو والد عكرمة بن أبي جهل، وكان من سادات قريش ومن رؤوس الكفر.
قوله: «فقال: يا أبا صفوان من هذا معك؟ قال: هذا سعد»، يعني: ابن معاذ صديقه، سيد الأوس.
قوله: «فقال له أبو جهل»، يعني: مخاطبًا سعدًا.
قوله: «ألا أراك تطوف بمكة آمنا!» هذا تعجب واستنكار من أبي جهل لما يحدث، كيف يطوف سعد بالبيت في أمن وهو الذي يأوي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أعداءهم؟! ولكن أبا جهل راعى أنه مع أمية بن خلف، وأن سعدًا في حمايته، وكانت العرب لا يخفرون ذمة بعضهم البعض.
قوله: «وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم» الصباة: جمع صابئ، وهو الذي ينتقل من دين إلى دين آخر. فالصابئ عندهم الذي يخرج من دين إلى دين، يقصد النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين انتقلوا من دين الوثنية والكفر إلى دين آخر وهو الإسلام.
قوله: «أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما» فيه: مراعاة لجانب أبي صفوان وهو أمية بن خلف صديق سعد، فهو في حمايته ولولا ذلك لما تجرأ سعد أن يذهب ليطوف بالبيت بمفرده.
قوله: «أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على المدينة» رد عليه سعد ورفع صوته عليه وهدده بما هو أشد عليه وعلى قريش من منعه الطواف بالبيت؛ لأن قريشًا كانوا أهل تجارة، وليس بمكة زرع ولا طعام إلا ما يجلبونه عن طريق القوافل من الشام ومن اليمن.
قوله: «فقال له أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي» انتصر أمية لأبي جهل، وفي هذا مراعاة من أمية لجانب أبي جهل.
قوله: «فقال سعد: دعنا عنك يا أمية»؛ فجاء سعد بالقاضية لأمية؛ قال: «فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنهم قاتليك»، أي: يكونون قاتليك على تقدير كان المحذوفة، وفي رواية أخرى «قاتلوك»، بصيغة الجمع؛ والمراد المسلمون أو النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره بهذه الصيغة تعظيمًا.
قوله: «ففزع لذلك أمية فزعًا شديدًا»؛ لأنهم يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق ولا يقول شيئًا إلا وقع كما قال، ففزع فزعًا شديدًا ورجع إلى أهله بغير الوجه الذي خرج به.
قوله: «يا أم صفوان ألم ترين ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدًا أخبرهم أنهم قاتلي» في اللفظ الآخر أنها قالت: «إنك لتعلم أن محمدًا لا يكذب»([4]).
قوله: «فكره أمية أن يخرج»؛ لأنه تذكر قول سعد له وتوعده بالقتل.
قوله: «أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة»، يعني: حتى يتمكن من الهرب عليه.
قوله: «ثم قال أمية: يا أم صفوان، جهزيني» كان هذا من أمية لخوف المعرة، وخشية أن يقول الناس: إنه جبان، وما كان في نيته أن يخرج.
قولها: «وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟» تقصد سعد بن معاذ، و اليثربي نسبة إلى يثرب، وهي المدينة، كانوا يسمونها قبل الإسلام يثرب.
قوله: «ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبًا»، أي: لن نذهب بعيدًا.
قوله: «فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلًا إلا عقل بعيره»، أي: كل منزل ينزله يعقل فيه البعير؛ لأنه يريد الرجوع.
قوله: «فلم يزل بذلك حتى قتله الله عز وجل ببدر»، أي: استدرجوه حتى وصل إلى بدر، فقتل هناك.
وهذا الحديث مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ووقع كما قال، ففيه: علم من أعلام النبوة.
* * *
المتن
[3/55] قصة غزوة بدر
وقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
إلى (فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ) [آل عمران: 123-127]
وقال وحشي: قتل حمزة طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر.
وقوله: (وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال: 7] الشوكة: الحد.
● [3702] حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبدالرحمن ابن عبدالله بن كعب، أن عبدالله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يقول: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت في غزوة بدر ولم يُعَاتَب أحدٌ تخلف عنها؛ إنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.
الشرح
غزوة بدر هي الغزوة العظيمة المشهورة التي فرق الله بها بين الحق والباطل، والتي سمي يومها يوم الفرقان، وكانت في يوم الجمعة في اليوم السابع عشر من رمضان، وكانت أول لقاء بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين.
وبدر نسبة إلى قرية مشهورة، وقال بعضهم: إنها نسبة إلى بئر، وحكى الواقدي أنها ليست نسبة لا إلى بئر ولا إلى شخص، وإنما هي منازل واسم للأرض، وهي الآن محافظة كبيرة معروفة، تسمى محافظة بدر.
ذكر المؤلف الآيات التي ذكر الله فيها هذه القصة من سورة آل عمران؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران: 123] هذه الآية في غزوة بدر، ثم قال بعد ذلك: (ِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) [آل عمران: 124].
فهل الآية الثانية متعلقة بقوله: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ)[آل عمران: 123] فعلى هذا تكون في قصة بدر، أم إنها متعلقة بقوله تعالى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ)[آل عمران: 121]، فتكون في غزوة أحد؟
قولان لأهل العلم: فمنهم من قال: إنها في غزوة بدر، وهذا هو الذي اختاره المؤلف، وهو قول الأكثر.
ومنهم من قال: إنها في غزوة أحد، وهذا وعد من الله ولم يحصل لهم؛ لأنهم فروا ولم يثبتوا.
وقد ذكره الحافظ ابن كثير /، وأطال فيه.
ثم ذكر البخاري قول وحشي رضي الله عنه؛ قال: «قتل حمزة طعيمة بن عدي بن الخيار يوم بدر» والصواب أنه طعيمة بن عدي بن نوفل وليس ابن الخيار؛ لأن ابن نوفل ابن عم وحشي بن حرب، ولذلك أخذ وحشي بثأر ابن عمه وانتصر له، فقتل حمزة يوم أحد، ثم منَّ الله عليه بالإسلام بعد ذلك، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني»([5])، ثم بعد ذلك حسن إسلامه فقتل مسيلمة الكذاب، وقال: قتلت خير الناس وقتلت شر الناس.
ثم ذكر المؤلف الآية الأخرى، وهي قوله تعالى: «( وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ)» [الأنفال: 7]. وهذه نزلت في قصة بدر بلا خلاف، والمراد من إحدى الطائفتين: العير أو النفير، فكان العير مع أبي سفيان ومن معه كعمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل وما معهم من الأموال، وكان النفير أبا جهل وعتبة بن ربيعة وغيرهما من رؤساء قريش.
فالله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير، إما الحرب والقتال وإما الغنيمة، وكان ميل المسلمين إلى حصول العير لهم؛ يريدون المال، ولهذا قال الله تعالى: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ)، فذات الشوكة هي الحرب، والشوكة السلاح، أي: تودون أن غير الحرب تكون لكم، (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)، أراد الله أمرًا آخر وهو إحقاق الحق، فكانت الحرب هي الفاصلة.
و لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خروج أبي سفيان خرج يريد اعتراض العير وهي حل لهم؛ لأن هؤلاء الكفار كانوا قد أخرجوا المسلمين من بلادهم وأموالهم، ولما بلغ أبا سفيان ذلك، أرسل إلى أهل مكة يخبرهم فأسرعوا وفاتت العير المسلمين.
ويقال: إن هذه العير التي كان فيها أبو سفيان كانت ألف بعير، وكان معها من الأموال خمسون ألف دينار، وكان فيها ثلاثون رجلًا من قريش، وقيل: أربعون، وقيل: ستون، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد لهم الحرب لإحقاق الحق وإبطال الباطل؛ فكانت هذه المعركة عظيمة وفاصلة، فرق الله تعالى فيها بين الحق والباطل، وبعدها قوي المسلمون، ونجم النفاق وظهر المنافقون في المدينة، فلما رأى عبد الله بن أبي ومن معه قوة المسلمين وأن الله نصرهم قال عبد الله بن أبي: هذا أمر قد توجه له؛ فأظهر الإسلام وأبطن الكفر. نسأل الله السلامة والعافية.
● [3702] ذكر حديث كعب بن مالك في تخلفه عن غزوة تبوك: قال كعب رضي الله عنه: «لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك» ذكر رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم كل غزواته عدا غزوة تبوك، فقد تخلف عنها عامدًا، والقصة جاءت في سورة التوبة، وفيها أن الله تاب عليه وعلى صاحبيه اللذين تخلفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون عذر.
قوله: «غير أني تخلفت في غزوة بدر ولم يُعَاتَب أحدٌ تخلف عنها» لم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا ممن لم يحضر هذه الغزوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أنه خارج لقتال أَحَد، ثم ذكر كعب رضي الله عنه في كلام آخر له أنه حضر بيعة العقبة، فبيعة العقبة عنده أهم؛ وإن كانت بدر أذكر منها([6])، وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه.
* * *
المتن
[4/55] باب قوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)
إلى قوله: (الْعِقَابِ) [الأنفال: 9]
● [3703] حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إسرائيل، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، قال: سمعت ابن مسعود يقول: شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به، أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا)[المائدة: 24]، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره.
● [3704] حدثني محمد بن عبدالله بن حوشب، قال: حدثنا عبدالوهاب، قال: حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك! اللهم إن شئت لم تعبد!» ، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )[القمر: 45].
الشرح
قال المصنف في الترجمة السابقة: «قصة غزوة بدر»، ثم ساق الآيات من قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[آل عمران: 123]، وقبلها قوله تعالى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[آل عمران: 121]، في غزوة أحد، ثم قال: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، ثم جاءت الآيات بعدها، فمن العلماء من قال: إنها في غزوة بدر تابعة لقول الله تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ)، ومنهم من قال: إنها في غزوة أحد.
وأما هذه الترجمة التي صدرها بآيات سورة الأنفال فهي في غزوة بدر.
قوله: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) [الأنفال: 9]، الاستغاثة: هي الدعاء مع الشدة والكرب، والنبي صلى الله عليه وسلم استغاث ربه ورفع يديه وقال: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»([7])، حتى سقط رداؤه صلى الله عليه وسلم، وجاءه أبو بكر ووضع رداءه على كتفيه وقال: كفاك مناشدتك ربك وسينجز لك ما وعدك.
فاستجاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم كما يستجيب سبحانه للمستغيثين والداعين، فقال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي)[البقرة: 186]، والاستغاثة دعاء خاص من المكروب، والدعاء عام يشمل المكروب وغيره.
وقوله تعالى: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9]، أي: يقاتلون مع المؤمنين.
وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 10]، يعني: أن الله سبحانه وتعالى جعل إمداد المؤمنين بالملائكة بشرى وطمأنينة للقلوب، وإلا فالنصر من عند الله، فالله سبحانه وتعالى إذا أراد نصرهم فَعلَ بدون الملائكة، فالله تعالى لا يحتاج إلى أحد، ولو شاء لأهلك الكفار في لحظة واحدة، ولكن الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة يبتلي عباده الكفار بالمؤمنين والمؤمنين بالكفار.
وقوله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) [الأنفال: 11]، أي: طمأنينة لقلوب المؤمنين أن جاءهم النعاس، والنعاس في القتال دليل على الإيمان؛ فمن الصحابة من كان يأتيه النعاس فيسقط السيف من يده ويأخذه، وذلك من الأمان، بخلاف الخائف؛ فإنه لا يأتيه النعاس ويكون عنده هلع وجزع، أما المؤمن الذي يأتيه النعاس يثبت قلبه ويطمئن، ويكون هذا من نصر الله لعباده؛ فتقوى قلوبهم، بخلاف الخائف الذي ليس عنده ثبات قلب، بل عنده إحجام وضعف وخور وجبن، فيسلط عليه العدو.
وقوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)[الأنفال: 11]، فيه من نصر الله تعالى للمؤمنين أنه تعالى أنزل عليهم مطرًا في ذلك اليوم، وهذا المطر له فوائد بينها الله تعالى في هذه الآية:
الفائدة الأولى: تطهير المؤمنين.
الفائدة الثانية: إذهاب رجز الشيطان وتخييله، فيثبت هذا قلوبهم.
الفائدة الثالثة: تقوىة القلوب وإلقاء الشجاعة فيها وإزالة الخوف عنها.
الفائدة الرابعة: تثبيت الأقدام حتى لا تفر؛ حيث إن الأرض صارت متلبدة قوية بعدما كانت ترابًا لينًا رقيقًا.
وقوله تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) [الأنفال: 12] ، فيه من نصر الله لأوليائه أن الملائكة تثبت المؤمنين بوحي من الله.
وقوله تعالى: (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) فيه أيضًا من نصر الله لأوليائه أن الله تعالى ألقى في قلوب الكفار الرعب والخوف والفزع، والمؤمنون مطمئنون ينعسون، وعندهم طمأنينة وعندهم رباطة جأش وثبات وقوة قلب والملائكة تثبتهم، وأما الكفار فتزعزعهم الملائكة وتلقي في قلوبهم الرعب.
والأقرب والأظهر أن هذا ليس للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته خاصة، بل هو عام له ولأمته صلى الله عليه وسلم من بعده، فنصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالرعب للعدو مسيرة شهر له ولأوليائه ولأمته إلى يوم الدين.
وقوله تعالى للملائكة: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ). الأعناق: جمع عنق، وهي الرقبة، والضرب فوق الأعناق ضرب للأعناق، وهذا واقع، فقد وجد بعض الصحابة رقبة الكافر تسبقه قبل أن يحمل عليه، فقد قتله ملك من الملائكة، وبعضهم رأى الملائكة وعليهم ثياب بيض.
وقوله تعالى: (وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ). البنان: هو الأصبع.
وقد بين الله تعالى سبب ذلك بقوله عز وجل: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [الأنفال: 13] ، أي: إنهم كانوا في شقاق لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بكفرهم وعنادهم.
وقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، فكان العقاب الذي أصابهم يوم بدر أن قتلت صناديدهم، فقتل سبعون وأسر سبعون، مع ما ينتظرهم من عذاب القبر وعذاب النار.
● [3703] في هذا الحديث منقبة للمقداد بن الأسود رضي الله عنه، شهد بها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به»، يعني: رأيت موقفًا عظيمًا من المقداد لو كان لي وزن الدنيا كلها لكان مقدمًا عليه، ولأن أكون صاحبه أحب إليَّ مما يقابل به من الدنيا من زينتها وزخارفها.
وهذا الموقف في قوله: «أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين، فقال:» ، أي: المقداد «لا نقول كما قال قوم موسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا) [المائدة: 24] ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك».
وهذا الكلام قاله أيضًا غير المقداد؛ قاله سعد بن معاذ وغيره([8])؛ فقد قال: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فسُرّ النبي صلى الله عليه وسلم وأشرق وجهه.
● [3704] في هذا الحديث مناشدة النبي صلى الله عليه وسلم لربه يوم بدر،
وفيه: دليل على أن المسلم يعمل بالأسباب الحسية والمعنوية، فالأسباب الحسية أن يعد العدة والسلاح والعتاد، والأسباب المعنوية هي دعاء الله والتضرع إليه وحسن الظن به والتوكل عليه والثقة به سبحانه وتعالى، والصحابة جمعوا بين هذا وهذا، وقد أعد النبي صلى الله عليه وسلم العدة وظاهر بين درعين وقاتل مع المسلمين، وكان قائدهم، ولجأ إلى الله تبارك وتعالى وتضرع إليه وسأله قائلاً: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك! اللهم إن شئت لم تعبد!» ، يعني: إذا شئت أن يهلك المؤمنون هلكوا ولم تعبد.
قوله: «فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك»، يعني: يكفيك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي اللفظ الآخر: «كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك»([9]).
قوله: «فخرج وهو يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر: 45]» ، أي: سيهزم جمع الكفار وسيولون الأدبار منهزمين.
* * *
المتن
[5/55] باب
● [3705] حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أنا هشام، أن ابن جريج أخبرهم، قال: أخبرني عبدالكريم، أنه سمع مقسمًا مولى عبدالله بن الحارث يحدث عن ابن عباس أنه سمعه يقول: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)[النساء: 95] عن بدر والخارجون إلى بدر.
الشرح
● [3705] يدل هذا الحديث أن هذه الآية نزلت في بدر، أي: عند ابن عباس رضي الله عنه، والمشهور أنها نزلت في صلح الحديبية، وسوف تأتي أيضًا في «كتاب التفسير»، والآية عامة في بدر وفي الحديبية.
قال تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) [النساء: 95-96]. فلا يستوي القاعد والمقاتل إلا من له عذر، وإن كان كل منهما على خير، فكل موعود بالجنة، لكنَّ المجاهدين لهم درجات، ولهذا قال الله تعالى: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً).
وفي الحديث: «إن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله»([10]).
* * *
المتن
[6/55] باب عدة أصحاب بدر
● [3706] حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: استصغرت أنا وابن عمر. ح وحدثني محمود، قال: حدثنا وهب، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نَيِّفًا على ستين والأنصار نيفًا وأربعين ومائتين.
● [3707] حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: سمعت البراء يقول: حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين أجازوا معه النهر بضعة عشر وثلاثمائة. قال البراء: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن.
● [3708] حدثنا عبدالله بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كنا أصحاب محمد نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر - ولم يجاوزوا معه إلا مؤمن - بضعة عشر وثلاثمائة.
● [3709] حدثني عبدالله بن أبي شيبة، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء. ح ونا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كنا نتحدث أن أصحاب بدر ثلاثُمائة وبضعة عشر بعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، وما جاوز معه إلا مؤمن.
الشرح
قوله: «باب عدة أصحاب بدر»، يعني: عددهم.
● [3706] قوله: «استصغرت أنا وابن عمر»، يعني: استصغروا في الجهاد يوم بدر؛ لأنهم لم يبلغوا السن، ولا يشارك في الجهاد إلا البالغ، والبراء كان صغيرًا في غزوة بدر وكذلك ابن عمر، فعدهم النبي صلى الله عليه وسلم من الصغار الذين لم يبلغوا فلم يقاتلوا.
وهذا الحديث فيه عدة أصحاب بدر، أي: الذين شهدوا وقعة بدر، وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر، على عدة أصحاب طالوت الملك.
قوله: «وكان المهاجرون يوم بدر نيفًا على ستين» النيف -ويقال له أيضًا بضع- هو ما بين العقدين، يعني: ما بين الستين والسبعين.
قوله: «والأنصار نيفًا وأربعين ومائتين» فيه: أن الأنصار كانوا مائتين وأربعين وأن المهاجرين كانوا ستين، فيكون المجموع ثلاثمائة، والنيف من واحد إلى تسعة في المهاجرين والأنصار، فيكون عدد الذين شهدوا بدرًا ثلاثمائة وبضعة عشر، وجاء أنهم بلغوا أعلى البضع - ثلاثمائة وتسعة عشر -كما سيأتي في الأحاديث الأخرى.
● [3707] هذا من الموافقات بين أصحاب بدر وأصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر؛ فقد كان عدد كل من الفريقين ثلاثمائة وبضعة عشر.
وطالوت هو الذي بعثه الله ملكًا لبني إسرائيل لما أخرجوا من ديارهم وأموالهم، قال تعالى: (إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً)، فاعترضوا على الله بعتوهم وعنادهم؛ (قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ)، أي: كيف يكون طالوت ملكًا علينا ونحن أحق بالملك منه وهو فقير؟ فقال لهم نبيهم بوحي من الله: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة: 246، 247].
ثم قال الله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ثم قال: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ)، أي: لما سار الجيش مع طالوت؛ (قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي)[البقرة: 248، 249]، قال: ستمرون بنهر فمن شرب فلا يتبعني، ومن صبر فلم يشرب فإنه يكون عنده قوة وتحمل -فهو يملك زمام نفسه ويكبح جماحها- إلا من تصبر بغرفة بسيطة تبلغه، (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً)، شربوا كلهم، ما بقي إلا القليل، فالذين شربوا منعهم من الخروج معه، فجاوز النهر بمن معه الذين انصاعوا لأمره، فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وما جاوزه إلا مؤمن؛ كما قال البراء؛ قال: «لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن».
● [3708]، [3709] الكلام في هذين الحديثين على موافقة عدة أصحاب بدر لأصحاب طالوت الملك.
([1]) أبو يعلى في «مسنده» (4/167).
([2]) مسلم (1813)
([3]) مسلم (1254).
([4]) البخاري (3632).
([5]) البخاري (4072).
([6]) البخاري (4418)، ومسلم (2769).
([7]) مسلم (1763).
([8]) مسلم (1779).
([9]) مسلم (1763).
([10]) البخاري (2790) من حديث أبي هريرة، ومسلم (1884) من حديث أبي سعيد الخدري.