شعار الموقع

شرح كتاب المغازي من صحيح البخاري (64-3)

00:00
00:00
تحميل
120

● [3739] ذكر المؤلف في هذا الأثر: «أن ابن عمر ذكر له أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وكان بدريًّا» الشاهد من هذا الأثر أنه شهد غزوة بدر، فكل شخص من أهل بدر يذكره المؤلف، وسعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة.

قوله: «فركب إليه بعد أن تعالى النهار، واقتربت الجمعة»، أي: بعد أن ارتفع النهار واشتد الضحى، واقترب وقت الجمعة.

قوله: «وترك الجمعة»، أي: ابن عمر، ويحتمل هذا أحد أمرين:

الأول: أنه خاف عليه من الموت من هذا المرض، وكان لا بد له من مواجهته وتكليمه في أمر لا بد منه قبل أن يموت.

والثاني: أن سعيد بن زيد كان يعيش بعيدًا عن المدينة، فركب إليه ابن عمر قبل الزوال وسافر، والمسافر إذا سافر يوم الجمعة قبل الزوال تسقط عنه الجمعة. وإنما يحرم السفر يوم الجمعة إذا زالت الشمس حتى يصلي.

وهذا الحديث فيه قصة سبيعة بنت الحارث الأسلمية في عدة الحامل.

قوله: «كانت تحت سعد بن خولة» وقد مات عنها في حجة الوداع، وكان يرثي له النبي صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة؛ لأنه هاجر منها وقد تركها لله وهو لا يريد أن يموت فيها، لكن الموت ليس باختياره.

قوله: «وكان ممن شهد بدرًا» هذا الشاهد للترجمة، وقد أتى بهذا الحديث من أجل أنه شهد بدرًا، وكانت امرأته سبيعة بنت الحارث الأسلمية حاملًا في آخر حملها.

قوله: «فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته»، أي: وضعت حملها بعد وفاته بيسير، «فلما تعلت من نفاسها»، أي: مضى عليها النفاس أربعون يومًا أو أقل، «تجملت للخطاب»، أي: رأت أنها خرجت من العدة، وكانت سبيعة فهمت من قول الله تعالى: (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق: 4] أنها عامة تشمل المتوفى عنها وغيرها. ثم شككها أبو السنابل بن بعكك فقال لها: «ما لي أراك تجملت للخطاب؟ ترجين النكاح؟!»، يعني: تريدين أن تتزوجي، «وإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا»، فانصرف ذهنه إلى أطول الأجلين، وأنه لا بد أن تمر عليها أربعة أشهر وعشرة أيام. فتشكت لما سمعت ذلك من أبي السنابل، ظنًّا أنه قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي بذلك. فلبست ثيابها حين أمست، وأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، قالت: «فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزوج إن بدا لي» فبين لها النبي صلى الله عليه وسلم أن عدتها انتهت بوضع الحمل، وأنه يجوز لها الزواج، فدل هذا على أن المتوفى عنها زوجها عدتها هو وضع الحمل سواء طالت أو قصرت، فلو مات عنها زوجها وبقي على وضع الحمل تسعة أشهر تظل معتدة تسعة أشهر وتكون هذه المدة هي العدة، ولو وضعت بعد وفاته بلحظة خرجت من العدة بعد النفاس.

وكان في أصل المسألة خلاف قديم، فبعض السلف قالوا: إن المتوفى عنها زوجها تعتد بأطول الأجلين، سواء كان الأطول الحمل أو الأربعة أشهر وعشرًا، ثم زال الخلاف واستقرت الشريعة، وأجمع العلماء على أن الحامل عدتها وضع الحمل سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، فإذا وضعت حملها خرجت من العدة.

* * *

المتن

[10/55] باب شهود الملائكة بدرًا

 ●         [3740] حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا جرير، عن يحيى بن سعيد، عن معاذ ابن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين» -أو كلمة نحوها- قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة.

 ●         [3741] حدثنا سليمان، قال: حدثنا حماد، عن يحيى، عن معاذ بن رفاعة بن رافع -وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقبة، وكان يقول لابنه: ما يسُرُّني أني شهدت بدرًا بالعقبة - قال: سأل جبريلُ النبيَّ صلى الله عليهما... بهذا.

 ●         [3742] حدثني إسحاق بن منصور، أنا يزيد، أنا يحيى، سمع معاذُ بن رفاعةَ، أن مَلَكًا سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم... و عن يحيى، أن يزيد بن الهاد أخبره، أنه كان معه يوم حدثه معاذ هذا الحديث، فقال يزيد: قال معاذ: إن السائل هو جبريل عليه السلام.

 ●         [3743] حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أنا عبدالوهاب، قال: حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب».

الشرح

قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «باب شهود الملائكة بدرًا»، تقدم القول في ذلك قبل بابين، وأخرج يونس بن بكير في زيادات «المغازي»، والبيهقي من طريق الربيع بن أنس قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة من قتلى الناس بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل وسم النار. وفي «مسند إسحاق» عن جبير بن مطعم قال: رأيت قبل هزيمة القوم ببدر مثل النجاد الأسود أقبل من السماء كالنمل فلم أشك أنها الملائكة، فلم يكن إلا هزيمة القوم. وعند مسلم من حديث ابن عباس: بينما رجل مسلم يشتد في أثر رجل مشرك إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس... الحديث، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذلك مدد من السماء الثالثة»([1])».

 ●         [3740] هذا الحديث فيه أن الملائكة شهدت بدرًا وقاتلت مع المسلمين،
وفيه: أن الملائكة الذين شاركوا في القتال يوم بدر يفضلون على الملائكة الذين لم يشاركوا فيها، ولهذا قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: «ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين»»، أي: لهم مزية عن غيرهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»([2])، أو «فقد وجبت لكم الجنة»([3])، فقال جبريل: «وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة»، أي: فهم من أفضل الملائكة.

 ●         [3741] في هذا الحديث أن رفاعة بن رافع الزرقي شهد بدرًا، وشهد أبوه رافع العقبة، وهما صحابيان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: «ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة» كان رافع يقول ذلك لابنه رفاعة أي: ما أود أن أكون شهدت بدرًا بدلًا من العقبة.

وكان ذلك رأي: كعب بن مالك أيضًا قال: «إني شهدت العقبة وما شهدت بدرًا، وكانت بدر أذكر في الناس، ولكني ما يسرني أن لي بدرًا بالعقبة»، أي: إن شهود العقبة عنده أفضل من شهود بدر. وكانت بيعة العقبة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في موسم الحج، لما جاء جماعة من الأنصار وبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يأتيهم بالمدينة فيمنعونه مما يمنعون منه أهليهم وأموالهم؛ ولذا كان كعب بن مالك ورافع الزرقي م يريان أن العقبة تفضل بدرًا؛ لأنها هي السبب في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وتكوين الدولة الإسلامية، فكان الجهاد وكانت الغزوات، وهذا باجتهاد منهما، ولكن الصواب أن شهود بدر أفضل؛ فالبدريون لهم مزية ليست لغيرهم.

 ●         [3742] قوله: «إن السائل هو جبريل عليه السلام» أي: الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3743] قوله: «هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب»، أي: ليشارك في القتال.

قال الحافظ ابن حجر /: «قوله في حديث ابن عباس م «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: هذا جبريل»؛ الحديث هو من مراسيل الصحابة، ولعل ابن عباس م حمله عن أبي بكر رضي الله عنه؛ فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر! أتاك نصر الله؛ هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار»([4]). ووقعت في بعض المراسيل تتمة لهذا الحديث مقيدة، وهي ما أخرج سعيد بن منصور([5]) من مرسل عطية بن قيس: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد تخضب الغبار بثنيته عليه درعه وقال: يا محمد إن الله بعثني إليك وأمرني ألا أفارقك حتى ترضى، أفرضيت؟ قال: «نعم» ووقع عند ابن إسحاق([6]) من حديث أبي واقد الليثي قال: إني لأتبع يوم بدر رجلًا من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي. ووقع عند البيهقي([7]) من طريق ابن محمد بن جبير بن مطعم أنه سمع عليًّا يقول: هبت ريح شديدة لم أر مثلها، ثم هبت ريح شديدة، وأظنه ذكر ثالثة، فكانت الأولى جبريل والثانية ميكائيل والثالثة إسرافيل، وكان ميكائيل عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر، وإسرافيل عن يساره وأنا فيها، ومن طريق أبي صالح عن علي قال: قيل لي ولأبي بكر يوم بدر: مع أحدكما جِبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يحضر الصف ويشهد القتال، وأخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه الحاكم([8])، والجمع بينه وبين الذي قبله ممكن، قال الشيخ تقي الدين السبكي: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم مع أن جبريل عليه السلام قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه، فقلت: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا على عادة مدد الجيوش رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو فاعل الجميع والله أعلم».

المتن

[11/55] بابٌ

 ●         [3744] حدثني خليفة، قال: حدثنا محمد بن عبدالله الأنصاري، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: مات أبو زيد، ولم يترك عقبًا، وكان بدريًّا.

 ●         [3745] حدثنا عبدالله بن يوسف قال: حدثنا الليث، قال: حدثني يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن ابن خَبَّابٍ، أن أبا سعيد بن مالك الخدري قدم من سفر، فقدم إليه أهله لحمًا من لحوم الأضاحى، فقال: ما أنا بآكله حتى أسأل، فانطلق إلى أخيه لأمه وكان بدريًّا: قتادةَ بن النعمانِ، فسأله، فقال: إنه حدث بعدك أمرٌ نَقْضٌ لما كانوا يُنهوْنَ عنه من أكل لحوم الأضحى بعد ثلاثة أيام.

 ●         [3746] حدثني عبيد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال الزبير: لقيت يوم بدر عبيدة بن سعيد بن العاصي وهو مُدَجَّجٌ لا تُرى منه إلا عيناه، وهو يُكنَى أبو ذاتِ الكَرِش، فقال: أنا أبو ذات الكرش، فحملت عليه بالعَنَزة فطعنتُه في عينه؛ فمات.

قال هشام: فأُخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه، ثم تمطَّأْتُ، فكان الْجَهدُ أن نزعتها، وقد انثنى طرفاها، قال عروة: فسأله إياه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه، فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها، ثم طلبها أبو بكر فأعطاه، فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها، ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قُتل عثمان وقعت عند آل علي، فطلبها عبدالله بن الزبير، فكانت عنده حتى قُتل.

 ●         [3747] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو إدريس عائذُالله بن عبدالله، أن عبادة بن الصامت - وكان شهد بدرًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بايعوني».

 ●         [3748] حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة، أن أبا حذيفة -وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- تبنى سالمًا وأنكحه بنت أخيه هندَ بنت الوليد بن عتبة -وهو مولى لامرأة من الأنصار- كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا، وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث من ميراثه، حتى أنزل الله تعالى (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) [الأحزاب: 5]، فجاءت سهلة النبي صلى الله عليه وسلم.... فذكر الحديث.

 ●         [3749] حدثنا علي، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا خالد بن ذكوان، عن الرُّبَيِّع بنتِ مُعَوِّذ قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائي يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غدٍ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين».

 ●         [3750] حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أنا هشام، عن معمر، عن الزهري. ح ونا إسماعيل، قال: حدثني أخي، عن سليمان، عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، أن ابن عباس قال: أخبرني أبو طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان قد شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة»، يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح.

 ●         [3751] حدثنا عبدان، قال: أنا عبدالله، قال: أنا يونس. ح ونا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة، قال: حدثنا يونس، عن الزهري، قال: أنا علي بن الحسين، أن حسين بن علي أخبره، أن عليًّا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله من الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم واعدت رجلًا صواغا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي، فبينما أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال، وشارِفَتأي: مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، حتى جمعت ما جمعت، فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتُهما، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت المنظر، قلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبدالمطلب، وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار، عنده قينة وأصحابه، فقالوا في غنائها:

ألا يا حمز للشرف النواء  ................

فوثب حمزة إلى السيف، فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، قال علي: فانطلقت حتى أدخلَ على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت فقال: «ما لك؟» قلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم! عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شرب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى، ثم انطلق يمشي، واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن عليه، فأذن له، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر، فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟ فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل؛ فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى، فخرج، وخرجنا معه.

 ●         [3752] حدثني محمد بن عبَّاد، قال: أنا ابن عيينة، قال: أنفذه لنا ابن الأصبهاني، سمعه من ابن مَعقِل، أن عليًّا كبر على سهل بن حنيف، فقال: إنه شهد بدرًا.

 ●         [3753] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني سالم بن عبدالله، أنه سمع عبدالله بن عمر يحدث، أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد شهد بدرًا، توفي بالمدينة - قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها.

 ●         [3754] حدثنا مسلم، قال: حدثنا شعبة، عن عدي، عن عبدالله بن يزيد، سمع أبا مسعود البدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نفقة الرجل على أهله صدقة».

 ●         [3755] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، سمعت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبدالعزيز في إمارته: أَخَّر المغيرة بن شعبة العصر وهو أمير الكوفة، فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن شهد بدرًا فقال: لقد علمتُ نزل جبريل عليه السلام فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات، ثم قال: هكذا أمرت.

كذلك كان بشير بن أبي مسعود يحدث عن أبيه.

 ●         [3756] حدثنا موسى، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن علقمة عن أبي مسعود البدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه» قال عبدالرحمن: فلقيت أبا مسعود وهو يطوف بالبيت، فسألته، فحدثنيه.

 ●         [3757] حدثنا يحيى، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمود بن الربيع، أن عتبان بن مالك - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار - أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم... ح حدثنا أحمد، قال: حدثنا عنبسة، قال: حدثنا يونس، قال ابن شهاب: ثم سألتُ الحُصَيْنَ بن محمد - وهو أحد بني سالم، وهو من سراتهم - عن حديث محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك - فصدقه.

 ●         [3758] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني عبدالله بن عامر بن ربيعة - وكان من أكبر بني عدي، وكان أبوه شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم - أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، وكان شهد بدرًا، وهو خال عبدالله بن عمر وحفصة.

 ●         [3759] حدثنا عبدالله بن محمد بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن مالك، عن الزهري، أن سالم بن عبدالله أخبره قال: أخبَر رافعُ بن خديج عبدَالله بن عمر أن عميه -وكانا شهدا بدرًا- أخبراه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، قلت لسالم: فتكريها أنت؟ قال: نعم، إن رافعًا أكثر على نفسه.

 ●         [3760] حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن حصين بن عبدالرحمن، سمعت عبدالله بن شداد بن الهاد الليثي قال: رأيت رفاعة بن رافع الأنصاري، وكان شهد بدرًا.

 ●         [3761] حدثنا عبدان، قال: أنا عبدالله، قال: أنا معمر و يونس، عن الزهري، عن عروة بن الزبير أنه أخبره، أن المسور بن مخرمة أخبره، أن عمرو بن عوف - وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرضوا له؛ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء؟» قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا، وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلكَكُم كما أهلكتهم».

 ●         [3762] حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن نافع، أن ابن عمر كان يقتل الحيات كلها حتى حدثه أبو لبابة البدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت؛ فأمسك عنها.

 ●         [3763] حدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، قال ابن شهاب: حدثنا أنس بن مالك، أن رجالًا من الأنصار استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، قال: «والله لا تذرون منه درهمًا».

 ●         [3764] حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن عبيدالله بن عدي، عن المقداد بن الأسود. ح وحدثني إسحاق، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، قال: أخبرني عطاء بن يزيد الليثيُّ ثم الْجُندُعيُّ، أن عبيدالله بن عدي بن الخيار أخبره، أن المقداد بن عمرو الكندي - وكان حليفًا لبني زهرة، وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أآقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله»، فقال يا رسول الله: إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعدما قطعها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال».

 ●         [3765] حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا سليمان التيمي، قال: حدثنا أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «من ينظر ما صنع أبو جهل؟»، فانطلق ابن مسعود فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، فقال: أنت أبا جهل؟ قال ابن علية: قال سليمان: هكذا قالها أنس، قال: أنت أبا جهل؟ قال: وهل فوق رجل قتلتموه؟ قال سليمان: أو قال: قتله قومه؟

قال: وقال أبو مجْلَزٍ: قال أبو جهل: فلو غيرُ أكَّارٍ قتلني!

 ●         [3766] حدثنا موسى، قال: حدثنا عبدالواحد، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، قال: حدثني ابن عباس، عن عمر: لما تُوُفِّيَ النبي صلى الله عليه وسلم قلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فلقينا منهم رجلان صالحان شهدا بدرًا.

فحَدثت عروةَ بن الزبير، وقال: هما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي.

 ●         [3767] حدثني إسحاق بن إبراهيم، سمع محمد بن فضيل، عن إسماعيل، عن قيس: كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف، وقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم.

 ●         [3768] حدثني إسحاق بن منصور، قال: أنا عبدالرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن محمد بن جبير، عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي.

 ●         [3769] وعن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له».

 ●         [3770] وقال الليث، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: وقعت الفتنة الأولى - يعني: مقتلَ عثمان- فلم تُبق من أصحاب بدر أحدًا، ثم وقعت الفتنة الثانية -يعني: الْحَرَّةَ- فلم تُبق من أصحاب الحديبية أحدًا، ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طَبَاخٌ.

 ●         [3771] حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا عبدالله بن عمر النميري، قال: حدثنا يونس بن يزيد، قال: سمعت الزهري، قال: سمعت عروة بن الزبير و سعيد بن المسيَّب و علقمة بن وقاص و عبيدالله بن عبدالله، عن حديث عائشة - كلٌّ حدثني طائفةً من الحديث - قالت: فأقبلت أنا وأم مسطح، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح! فقلت: بئس ما قلت! تسبين رجلًا شهد بدرًا!... فذكر حديث الإفك.

 ●         [3772] حدثني إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح بن سليمان، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: هذه مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم... فذكر الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلقيهم: «هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟»، قال موسى: قال نافع: قال عبدالله: قال ناس من أصحابه: يا رسول الله، تنادي ناسًا أمواتًا؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنتم بأسمع لما قلت منهم» فجميع من شهد بدرًا من قريش ممن ضرب له بسهمه أحد و ثمانون رجلًا، فكان عروة بن الزبير يقول: قال الزبير: قسمت سهمانهم فكانوا مائة، والله أعلم.

 ●         [3773] حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أنا هشام، عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير قال: ضُرِبَتْ يوم بدر المهاجرون بمائة سهم.

الشرح

 ●         [3744] قوله: «وكان بدريًّا» هذا هو الشاهد للترجمة. وأبو زيد هذا هو أحد عمومة زيد بن ثابت وأحد الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو زيد الأنصاري.

 ●         [3745] قوله: «عن ابن خباب أن أبا سعيد بن مالك الخدري قدم من سفر» أبو سعيد هذه كنيته، واسمه سعد بن مالك بن سنان، ولعل سفره هذا كان للتجارة، «فقدم إليه أهله لحمًا من لحوم الأضاحى» فامتنع من أكلها، وقال: «ما أنا بآكله حتى أسأل»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام؛ وذلك لما دفت دافة بالمدينة أي: جاء أناس فقراء إلى المدينة ورآهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال فأمر أصحابه ألا يدخروا اللحم حتى يطعموا إخوانهم فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخروا فوق ثلاث»، ثم لما جاء العام القادم قالوا: يا رسول الله أندخر؟ قال: «كلوا وادخروا»([9]). فلما قدم أبو سعيد الخدري بعد ثلاثة أيام قدم أهله له لحمًا من لحوم الأضاحي فامتنع لعلمه بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأكل من لحوم الأضاحي فوق ثلاث.

وقوله: «ما أنا بآكله حتى أسأل» هذا كان حال صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فلديهم من الورع والتقوى ما يجعلهم ينتهون عما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا في خلوة ولا يراهم أحد. فانطلق أبو سعيد إلى أخيه لأمه وهو قتادة بن النعمان فسأله لعله قد نزل وحي بغير ما يعلم من ذلك، «وكان بدريًّا» هذا الشاهد من الحديث للترجمة. «فقال: إنه حدث بعدك أمر نقض لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضحى بعد ثلاثة أيام»، أي: حدث نسخ للأمر الأول الذي كان من أجل الدافة من الفقراء.

و «الأضحى» بفتح الهمزة ليس له إلا وجه واحد، أما الأضحية فيجوز فيها وجهان: كسر الهمزة وضمها.

 ●         [3746] في هذا الحديث قصة يحكيها الزبير بن العوام رضي الله عنه - وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة - في بعض بطولاته يوم بدر، قال: «لقيت يوم بدر» هذا هو الشاهد من القصة أن الزبير شهد بدرًا، وأنه لقي «عبيدة بن سعيد بن العاصي»، وهو كافر من الكفار، «وهو مدجج»، أي: مغطى بالسلاح، «لا ترى منه إلا عيناه»، أي: لبس درعًا غطى كل جسده فلم يظهر منه غير عينيه؛ ليحميه من وقع السلاح مبالغة في التجهز والحرص على الحياة، قال الزبير: «فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات»، أي: إن الزبير لم يجد موضعًا يضربه فيه يرى أن يصيبه غير عينه، فتحين الفرصة فطعنه بالحربة فدخلت في نفس العين فقتله.

قوله: «قال هشام: فأخبرت أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي عليه» أي: إنه جمع قوته وطاقته لنزع العنزة، فوضع رجله عليه وهو يجر العنزة، وأنه حصل له شدة حتى تمكن من نزعها من عينه مما يدل على قوة الطعنة وتمكنها، قال: «ثم تمطأت»، أي: مد جسمه، «فكان الجهد أن نزعتها»، أي: ما نزعها إلا بعد المشقة، «وقد انثنى طرفاها»، أي: العنزة.

قوله: «قال عروة: فسأله إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه»، أي: العنزة، «فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها»، أي: رجعت العنزة إلى الزبير، «ثم طلبها أبو بكر فأعطاه، فلما قبض أبو بكر سألها إياه عمر فأعطاه إياها، فلما قبض عمر أخذها» وعادت العنزة للزبير ثانية، «ثم طلبها عثمان منه فأعطاه إياها، فلما قُتل عثمان وقعت عند آل علي فطلبها عبدالله ابن الزبير»؛ لأنها تدخل في ميراثه من أبيه، «فكانت عنده حتى قُتل»، أي: قتله الحجاج بن يوسف في مكة، وكان ذلك في عام اثنين وسبعين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن لماذا يحرصون على هذه العنزة؟ الجواب: لعلها كانت أداة مميزة في الحرب؛ هم يأخذونها لأجل استعمالها، أو لما جعل الله فيها من البركة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أخذها.

 ●         [3747] اختصر البخاري الحديث ليأتي بموضع الشاهد، فقوله: «وكان شهد بدرًا» هذا هو الشاهد من الحديث للترجمة: أن عبادة بن الصامت ممن شهد بدرًا.

 ●         [3748] في هذا الحديث جرى البخاري على عادته في اختصار الأحاديث وتعليقها مقتصرًا على الشاهد منها، وموضع الشاهد في هذا الحديث قوله: «عن عائشة أن أبا حذيفة -وكان ممن شهد بدرًا».

و أبو حذيفة هو ابن عتبة بن ربيعة، و كان قد تبنى سالمًا أي: اتخذه ابنًا له، وكانوا في الجاهلية يتبنون الغلمان ويدعونهم لأنفسهم، ويقول المتبني: هذا ابني، فأبو حذيفة لما تبنى سالمًا زوجه من بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة، وهذا فيه: دليل على أنه لا تشترط الكفاءة في النسب، وإنما الكفاءة تكون في الدين والخلق؛ فهذا مولى زوجه بنت أخيه وهي قرشية، وكذلك المقداد بن الأسود تزوج صفية بنت عبد المطلب، وكان عبد الرحمن بن عوف قد زوج بلالًا وهو من الحبشة.

وقال بعض العلماء: لا بد من الكفاءة في النسب، فالقرشية لا تتزوج إلا قرشيًّا، والعرب لا يتزوجون من الموالي؛ لأن الموالي والعجم ليسوا أكفاء للعرب.

والصواب أن الكفاءة إنما هي في الدين والخلق، وهذه الوقائع كلها تدل على أنه لا بأس بعدم التكافؤ في النسب، فيجوز أن يتزوج الأعجمي عربية، ولغير القرشي أن يتزوج القرشية وهكذا.

لكن إذا كان يحصل مفسدة فيمتنع الإنسان درءًا للمفسدة، ففي بعض القبائل يحصل فتنة؛ فمثلًا إذا تزوج قبيلي خضيرية جاءوا بالقوة و بالسلاح وخلعوها منه، وهذا حصل كثيرًا، فإذا حصلت مفسدة فينبغي الترك، وإلا فشرعًا لا بأس أن يتزوج الأعجمي من العربية، والعربي من الأعجمية، والخضيري من قبيلية والعكس.

وزيد بن حارثة كان يدعى زيد بن محمد فأبطل الله هذه النسبة، وأنزل الله تعالى في سورة الأحزاب: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) [الأحزاب: 5] وعند ذلك صاروا يدعون لآبائهم وأبطل الله التبني وهدمه قولًا؛ كما في الآية السابقة، وفعلًا؛ حيث أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زوجة ابنه الدعي، فلما طلقها زوجه الله إياها من فوق سبع سموات، قال الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا) [الأحزاب: 37] ، وبيَّن الحكمة قال: (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) [الأحزاب: 37] ، لأنه ليس ابنًا للصلب، وليس ابنًا من الرضاعة.

قوله: «فجاءت سهلة النبي صلى الله عليه وسلم»، هي زوجة أبي حذيفة، اختصر المؤلف الحديث وتمامه أنها جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله إن سالمًا رجل تربى عندنا، وهو الآن صار رجلًا ذا لحية، وإنه يدخل علينا فقال: «أرضعيه خمس رضعات تحرمين عليه»([10])، فأرضعته خمس رضعات؛ فصار بذلك محرمًا لها، قال العلماء: إن هذا - أي: إرضاع الكبير - خاص بسالم وسهلة.

وكانت عائشة ترى أنه لا بأس أن ترضع ولو كان كبيرًا، وأما سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فإنهن خالفنها في ذلك.

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية /([11]) يرى أنه من كانت حالته مثل حالة سهلة وسالم، كمن تربى عندهم إنسان وعمت به البلوى فلا بأس أن ترضعه المرأة ويحرم عليها، فليس لكل مولى، وليس كل كبير؛ لكن في حالات خاصة.

وأما جماهير العلماء على أن هذا خاص بسالم وسهلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «لا رضاع إلا ما أنشز العظم وكان في الحولين»([12]).

 ●         [3749] هذا الحديث فيه قصة الربيع بنت معوذ في صبيحة عرسها، قالت الربيع: «دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي»، أي: صبيحة زواجها، «فجلس على فراشي» أي: النبي صلى الله عليه وسلم، «كمجلسك مني»، تخاطب خالد بن ذكوان؛ لأنه الذي يروي عنها من وراء حجاب، «وجويريات يضربن بالدف»، وهذا مما يتسامح فيه للجواري وهن البنات الصغار، ولا بأس به في الأعراس وفي العيد، مثل ما حدث عندما دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يغنين يوم العيد فقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما، فإن لكل قوم عيدًا»([13])، فهؤلاء الجاريات كن يغنين صبيحة زواج الربيع بنت معوذ ولم ينكر عليهن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه: جواز سماع صوت الدف وسماع ضربه صبيحة العرس من الجواري الصغار.

قولها: «يندبن من قتل من آبائي يوم بدر» هذا هو الشاهد من القصة فأتى البخاري بهذا الحديث من أجل هذه الكلمة.

قولها: «حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد»، أنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليها هذا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين» وهذا من شدة أدبه صلى الله عليه وسلم وحسن تعليمه حتى للجواري الصغار يعلمها برفق ولين، فما نهرها ولا ضربها ولا تجهم في وجهها، وهذا هو الأدب الجم منه صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3750] هذا حديث ابن عباس م قال: «أخبرني أبو طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان قد شهد بدرًا» هذا الشاهد من الحديث، «أنه قال»، أي: النبي صلى الله عليه وسلم، «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» المراد: ملائكة الرحمة، وأما الملائكة الذين لا يفارقون الإنسان مثل الحفظة والكتبة فهم لا يتركون الإنسان في أي: مكان يكون فيه.

قوله: «يريد صورة التماثيل التي فيها الأرواح»، أي: إن الممنوع صور ذوات الأرواح كالآدميين والحشرات والطيور والأسماك والحيوانات، أما الصورة التي ليست فيها روح مثل الشجرة أو النهر أو السماء أو الأرض أو السيارة فلا حرج.

 ●         [3751] هذا الحديث فيه قصة حدثت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: «كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر» والشارف هو البعير الكبير أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من الغنيمة التي غنمها المسلمون يوم بدر، وقد أتى البخاري بهذه القصة الطويلة من أجل أن عليًّا شهد بدرًا.

قوله: «وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله من الخمس يومئذ» فيه: دليل على أن غنيمة بدر خمست خلافًا لما ذهب إليه أبو عبيد في «كتاب الأموال» من أن آية الخمس إنما نزلت بعد قسمة غنائم بدر، والجمهور على أن آية الخمس نزلت في قصة بدر؛ لأن عليًّا كان له بعيران البعير الأول نصيبه من المغنم والبعير الثاني أعطاه إياه النبي صلى الله عليه وسلم كما في اللفظ الآخر: «وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفًا نصيبي من الخمس»([14]).

قوله: «فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم»، أي: أراد أن يتزوجها، «واعدت رجلًا صواغًا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر» الإذخر هو نوع من حشائش الأرض، «فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به في وليمة عرسي»، أي: يحتشان الإذخر ويبيعانه فيستعين بالدراهم التي يحصلها من ثمنه على الوليمة، قال: «فبينما أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال»، هذه الأدوات التي يستخدمها في حمل الإذخر على البعير.

قوله: «وشارفتأي: مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار» أي: إنه ترك البعيرين مربوطين بجوار بيت أحد الأنصار، قال: «فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما»، أي: إنه لما جاء إلى البعيرين وجدهما قد قطعت أسنمتهما بالسيف وشقت بطونهما واستخرجت أكبادهما وأخذ منها، قال: «فلم أملك عيني حين رأيت المنظر»، يعني: بكى من هول ما رآه قد حدث للبعيرين وهما يمثلان رأس ماله، فسأل عمن فعل بهما هذا، فقال له الناس: «فعله حمزة بن عبدالمطلب»، وهو عمه، وعم النبي صلى الله عليه وسلم، ودلوه على مكانه فقالوا: «وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار» الشرب هم الجماعة الذين اجتمعوا على شرب الخمر، وكان هذا قبل أن تحرم الخمر. «عنده قينة»، أي: عند حمزة مغنية تقول في غنائها: «ألا يا حمز للشرف النواء»، أي: هيا يا حمزة عليك بالإبل، فهيجته بغنائها، «فوثب حمزة إلى السيف فأجب أسنمتهما»، أي: لما وصل الخمر إلى رأسه والمغنية تغني وقد غاب عقله، انطلق إلى البعيرين فقطع أسنمة البعيرين وشق بطونهما وأخرج الأكباد وجعل يأكل منها، «قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم»، أي: ليشتكي له ما فعل حمزة، قال: «فعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت» أي: رأى في وجهه علامات التأثر والتكدر، فسأله: «ما لك؟»، فقال: «قلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم!» وهذه عبارة تقولها العرب عند رؤية ما يفزع أو ما يبهر، وحكى للنبي صلى الله عليه وسلم ما حدث، قال: «فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى» في هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متخففًا يلبس الإزار في البيت - وكان العرب يلبسون الأزر والأردية، والإزار قطعة قماش يشد بها النصف الأسفل والرداء على كتفه مثل المحرم - فلما أراد أن يخرج أمر بردائه فارتداه فيجوز للإنسان أن يتخفف في البيت بأن يجعل عليه قميصًا للبيت أو للنوم، فإذا أراد أن يخرج يلبس ثيابه.

قال: «فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل»، أي: جعل يعاتبه ويشتد عليه، لكن حمزة ما يدري؛ لأنه سكران غائب العقل، «محمرة عيناه»، هذه من علامات السكر، فجعل حمزة ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويصعد النظر فيه، ثم قال حمزة: «وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟» فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال في سكره، قال: «فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى»، أي: تركه صلى الله عليه وسلم؛ لأن السكران لا فائدة في الكلام معه، وجعل يرجع إلى الخلف؛ لأن السكران غير مأمون الجانب، فقد يصيبه بشيء إذا ولاه ظهره؛ فإذا أعطاه وجهه كان أهيب له.

 ●         [3752] ذكر البخاري في هذا الأثر: «أن عليًّا كبر على سهل بن حنيف، فقال: إنه شهد بدرًا»، أي: كبر على جنازته.

وجاء في بعض الروايات أن عليًّا زاد على أربع كما عند الحاكم وغيره: «فكبر عليه ستًّا وقال: إنه بدري»([15])، والزيادة على الأربع فيها كلام لأهل العلم منهم من قال: كانت التكبيرات أوَّلًا لا تحد بأربع، ثم بعد ذلك في آخر الأمر اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على أربع كما جاء في تكبيره صلى الله عليه وسلم على النجاشي([16])، فاستقرت الشريعة على أربع، وقال آخرون من أهل العلم: لا بأس بالزيادة.

ومقصود المؤلف من هذا الأثر بيان أن سهل بن حنيف رضي الله عنهقد شهد غزوة بدر.

 ●         [3753] قوله: «حين تأيمت حفصة» أي: صارت أيمًا -والأيم: هي التي لا زوج لها - وذلك بعد موت زوجها خنيس بن حذافة السهمي، وكان قد توفي بالمدينة، «وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد شهد بدرًا» هذا هو الشاهد والمؤلف ساق هذا الحديث من أجل إثبات أن خنيس بن حذافة السهمي رضي الله عنهكان من البدريين.

وفي هذا الحديث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهعرض ابنته حفصة لعلى عثمان رضي الله عنه ثم عرضها على أبي بكر رضي الله عنه، ويحتج بفعل عمر رضي الله عنه على أنه ينبغي للإنسان أن يختار لابنته أو وليته رجلًا صالحًا يعرضها عليه.

ولما عرض عمر حفصة على أبي بكر لم يرد عليه بشيء قال عمر: «فكنت عليه أوجد مني على عثمان»، أي: وجد في نفسه شيئًا والمعنى أنه غضب منه،
وفيه: أنه ينبغي لمن عُرض عليه أن يجيب؛ لئلا يكون في نفس أخيه الذي يعرض عليه مولاته شيء، ولئلا يكون سببًا في كسل أهل الصلاح عن عرض بناتهم إذا أرادوا أن يختاروا لهن من الصالحين الأكفاء.

فقال أبو بكر: «لعلك وجدت علي»، أي: غضبت مني، ثم بين له عذره قال: «فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها» وهذا دليل على أن أبا بكر أخص برسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره وهو فوق عمر في ذلك، حتى إنه ليطلعه على أسراره وأموره الخاصة الداخلية في زواجه كما هو معروف، وكما خصه قبل ذلك بصحبته في الهجرة إلى المدينة.

قوله: «فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لقبلتها»، فيه: ما كان عليه الصحابة ي من حفظ الأمانات والأسرار وخصوصًا ما كان متعلقًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه ومسارعتهم في إرضائه صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3754] قوله: «سمع أبا مسعود البدري»؛ هذا هو الشاهد أن أبا مسعود من البدريين.

قوله: «نفقة الرجل على أهله صدقة» فيه: فضل النفقة على الأهل، وأنها صدقة من الصدقات، بل قد ورد أنها أفضل من الإنفاق في الجهاد كما في الحديث: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على دابتك، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك»([17])، ويدل أيضًا على هذا قصة ميمونة ل زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعتقت أمة لها فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءها في يومها: أشعرت أني أعتقت وليدتي فلانة؟ قال: «أما إنك لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك»([18])، فدل على أن الإنفاق على الأقارب أفضل من العتق وأفضل من الجهاد.

وينبغي للإنسان أن ينفق على أهله ولا يجعلهم يحتاجون إلى غيره، لكن من غير سرف.

وظاهر سياق البخاري في إيراده لحديث أبي مسعود البدري في هذا الباب يدل على أنه شهد بدرًا، ولكن اعترض عليه ابن كثير فقال: «وقع في «صحيح البخاري» أنه شهد بدرًا،
وفيه: نظر عند كثير من أصحاب المغازي ولهذا لم يذكروه»([19]).

 ●         [3755] في هذا الحديث أن عروة بن الزبير حدث عمر بن عبد العزيز في إمارته على المدينة - وكان عمر أمير المدينة للوليد بن عبد الملك - قبل أن يكون خليفة، قال: «أخر المغيرة بن شعبة العصر وهو أمير الكوفة»، لأن الأمراء كانوا هم الذين يصلون بالناس، فأخر العصر، قال: «فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري جد زيد بن حسن» وأنكر عليه تأخير الصلاة.

قوله: «شهد بدرًا» هذا هو الشاهد أن أبا مسعود من البدريين، ولم يثبت عند كثير من أهل المغازي أنه شهد بدرًا. والله أعلم.

قال له أبو مسعود: «لقد علمتُ نزل جبريل عليه السلام فصلى، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم»
وفي الحديث: الآخر: «نزل فصلى ثم نزل فصلى...»([20]). قوله: «خمس صلوات»، أي: يأتي جبريل ويصلي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقتدي به في يومين متواليين: في اليوم الأول صلى به في أول الأوقات، وفي اليوم الثاني في آخر الأوقات ثم قال: «الوقت ما بين هذين الوقتين»([21]) فلما أخر المغيرة الصلاة أنكر عليه أبو مسعود وقال: لقد علمت أن الأوقات محددة، حددها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فصلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال للصحابة: «هكذا أمرت»، أي: هكذا أمرت أن أؤدي الصلوات في أوقاتها.

وفي هذا الحديث أنه لا ينبغي تأخير الصلاة عن وقتها، ويجب الإنكار على من يفعل ذلك من الأمراء أو غيرهم، فمن أخر الصلاة ينكر عليه لكن بشروط:

الشرط الأول: أن يكون عن علم وبصيرة لا عن جهل.

الشرط الثاني: أن يكون لله لا مراءاة للناس.

الشرط الثالث: هو أن يكون ذلك برفق.

فإذا كان يخاطب الأمراء فإنه يكلمهم بما يناسبهم حتى يكون أدعى للقبول، بأن يكون سرًّا ولا ينصحه أمام الناس.

وكون الصحابي فعل ذلك؛ لأن الصحابة لهم مكانة ليست لغيرهم، فالأمراء يقدمونهم ويقبلون منهم، لكن غير الصحابة يختلفون.

ومن خاف على نفسه من ضرب أو سجن أو خاف على أهله أن ينالهم أذى أو ماله أن يؤخذ أو نحو ذلك فأراد أن يترخص - فله رخصة ويسقط عنه الإنكار في حالة عجزه، وكان ذلك عذرًا للترك، وإن تحمل الأذى وصبر إن لم يتعدَ الأذى لغيره -فهو أفضل.

وكان بعض الأمراء من بني أمية يؤخرون الصلاة عن وقتها وبعضهم يؤخرها إلى آخر الوقت وكان عمر بن عبد العزيز في أول الأمر - لما كان واليًا على المدينة - على طريقة بني أمية ثم بعد ذلك استقامت حاله.

 ●         [3756] قوله: «عن أبي مسعود البدري» هذا هو الشاهد وهذه الأحاديث الثلاثة كلها في أبي مسعود البدري.

قوله صلى الله عليه وسلم: «الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة» هما: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) الآية [البقرة: 285] والآية الثانية: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)الآية [البقرة: 286]، وقوله: «كفتاه» قيل: المعنى كفتاه من قيام الليل، وقيل: كفتاه من كل سوء.

قوله: «قال عبد الرحمن»، هو عبد الرحمن بن يزيد، روى عن علقمة عن أبي مسعود.

قوله: «فلقيت أبا مسعود وهو يطوف بالبيت، فسألته فحدثنيه»؛ فيه: حرص عبد الرحمن بن يزيد حيث سأل أبا مسعود وهو يطوف، ولم يصبر حتى ينتهي الطواف؛ ليسمعه منه بلا واسطة، وهذا فيه طلب العلو في الإسناد.


وفي الحديث: جواز السؤال في الطواف، فلا حرج أن يسأل طالب العلم العالم وهو يطوف، وأن الطواف بالبيت يجوز فيه الكلام كما في حديث ابن عباس مرفوعًا: «الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير»([22]).

 ●         [3757] قوله: «شهد بدرًا» هذا هو الشاهد من الحديث للترجمة، ففيه: إثبات أن عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه ممن شهد بدرًا، وقد جرى المؤلف على عادته واقتصر على موضع الشاهد من الحديث.

قوله: «وهو من سراتهم»، يعني: من أشرافهم، والمعنى أن ابن شهاب الزهري سأل «عن حديث محمود بن الربيع، عن عتبان بن مالك»، أي: الحديث السابق «فصدقه»، أي: في حديثه.

 ●         [3758] ذكر المؤلف في هذا الأثر اثنين من البدريين:

الأول: عامر بن ربيعة، كما في قوله: «أخبرني عبدالله بن عامر بن ربيعة - وكان من أكبر بني عدي، وكان أبوه شهد بدرًا»، فأثبت بذلك أن عامر بن ربيعة كان ممن شهد بدرًا.

الثاني: قدامة بن مظعون، كما في ذِكْره: «أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، وكان شهد بدرًا» وقدامة بن مظعون هو خال عبدالله بن عمر وخال حفصة، وليس المراد دولة البحرين الآن، بل المراد كل ساحل الخليج، فكل منطقة الأحساء تسمى البحرين.

 ●         [3759] ذكر في هذا الحديث: «أن عميه وكانا شهدا بدرًا» وهو الشاهد منه
وفيه: إثبات أن عمي رافع بن خديج شهدا بدرًا.

يقول رافع بن خديج في هذا الحديث أن عميه «أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع»، والكراء: يعني: تأجير المزارع، قال الزهري: «قلت لسالم: فتكريها أنت؟»، على حذف حرف الاستفهام والتقدير: أفتكريها أنت؟ «قال: نعم، إن رافعًا أكثر على نفسه»، أي: لما نهى عن كراء المزارع.

وحديث رافع بن خديج هذا أشكل على كثير من الناس لما فيه من تداخل وتضارب الروايات، لكنه عند التأمل يتبين أن النهي عن كراء المزارع يتوجه إلى أحد احتمالين:

الأول: الكراء على أشياء معينة من الأرض كأقبال الجداول و ما يكون عليه الماء، كأن يؤجر ما يكون على البركة أو على السواقي فيسلم هذا ويهلك هذا، وربما أنبتت هذه ولم تنبت هذه، فلهذا نهي عنه، أو يقول على أن يكون لي الجهة الشمالية وأنت لك الجهة الجنوبية فهذا ممنوع؛ لأنه ربما تنبت هذه ولا تنبت هذه؛ فيكون غررًا.

الثاني: أن يكريها بأن يشترط معه شيئًا من التبن أو الآصع مما تخرجه فيكون هذا ممنوعًا.

والمشروع أن يكريها بجزء مشاع كالربع أو الثلث مثلًا، أو يكريها بالدراهم كأن يقول له: تعمل في أرضي لي النصف ولك النصف، أو لي الربع ولك ثلاثة الأرباع، أو بالعكس، أو بدراهم معلومة فلا بأس بذلك.

أما عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض مطلقًا فكان في أول الإسلام إما أن يزرعها بنفسه أو يمنحها أخاه([23])، ثم بعد ذلك جاءت الرخصة، لكن قيدت الرخصة بهذين الوجهين إما بجزء مشاع أو على دراهم معينة.

 ● [3760] قوله في هذا الحديث: «رأيت رفاعة بن رافع الأنصاري، وكان شهد بدرًا»، هو الشاهد منه، ورفاعة هو أحد عمي رافع بن خديج.

 ●         [3761] قوله: «أخبره أن عمرو بن عوف - وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرًا» هذا هو الشاهد من الحديث،
وفيه: إثبات أن عمرو بن عوف شهد بدرًا.


وفي الحديث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها» وكان أهل البحرين مجوسًا، والجزية تؤخذ من أهل الكتاب من اليهود والنصارى بنص القرآن، وأما المجوس فليسوا من أهل الكتاب، ولكن قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»([24])، أي: في الجزية، فأمر صلى الله عليه وسلم أن يعاملوا معاملة أهل الكتاب.

قوله: «فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة»، أي: علموا أنه قدم ومعه شيء من المال، وكان قد أصابهم شدة في أول الهجرة، «فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرضوا له» يريدون أن يعطيهم شيئًا من المال، «فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم»، لأنه عرف حالهم، وعلم حاجتهم، فقال: «أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء؟ قالوا: أجل يا رسول الله» أجل للتقرير، أي: ما جئنا إلا لهذا، قال: «فأبشروا، وأملوا ما يسركم» هذا فيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم؛ فمن شمائله صلى الله عليه وسلم أنه كان دائم البشر، يحب التيسير على الناس وإدخال السرور على المسلمين، ثم قال: «فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم»، أي: أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدنيا من الزيادة في الأموال وغير ذلك، ثم علل فقال: «فتنافسوها كما تنافسوها»، كما هو الواقع الآن فصار التنافس في السيارات وفي الأبنية، وفي العمارات، فهذا يريد قصرًا كبيرًا، وهذا يريد أن ينتقل إلى حي آخر يكون أكبر وأوسع، وكذلك تنافسوا في الفرش وفي الزينة، ثم بين نتيجة التنافس في الدنيا فقال: «وتهلككم كما أهلكتهم» وهذا هلاك أخروي، والمعنى أن هذا التنافس لا يزال بالناس حتى يصل بهم إلى ارتكاب المحرمات والمعاصي التي يأثمون بفعلها فتوقعهم في الهلاك ويستحقون العقوبة والعذاب.

وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإنسان مع الفقر أقرب إلى الاستقامة ولزوم الطاعة، ومع الغنى أقرب إلى المعصية والانحراف وعدم الشكر، قال الله تعالى: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)[العلق: 6، 7]. وقال بعض السلف: ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر.

وهذا واقع مشاهد فكثير من الناس لما كانوا فقراء كانت عندهم استقامة وحرص على الخير، فلمَّا أغناهم الله تغيرت أحوالهم؛ فصار عندهم تساهل في كثير من الواجبات وجرأة على المحرمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 ●         [3762] ذكر البخاري في هذا الحديث: «أن ابن عمر كان يقتل الحيات كلها»، أي: أينما وجدها سواء كانت في البيت أو خارجه، «حتى حدثه أبو لبابة البدري» هذا هو الشاهد؛ لأن فيه إثبات شهود أبي لبابة غزوة بدر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت» والجنان: جمع جنة، وهي الحية البيضاء أو الرقيقة أو الصغيرة، وهذا النهي كان في المدينة، ثم نسخ ذلك في حجة الوداع بعدما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الفواسق الخمس، وهي: الفأرة، والحية، والعقرب، والكلب العقور، والغراب([25])؛ ولم يستثن جنان البيوت؛ وقد حضر خطبته في مكة من لم يسمع نهيه صلى الله عليه وسلم في المدينة، ويحتمل أن يقال: إن الرخصة خاصة بالحرم وما عدا مكة فهو باق على النهي، فلو أنذرها ثلاثة أيام لكان أحوط، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تنذر ثلاثة أيام أو ثلاث مرات([26])، في كل مرة يقول: أحرج عليك إلا خرجت من هذا البيت، أو يقول: لئن لم تخرجي لأفعلن بك، أو يقول: هذا البيت لا يحل لك، اخرجي إلى الصحراء وإلى الخربات وهكذا. فإذا أنذرها ثلاثة أيام ولم تزل قتلها بعد ذلك كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل جنان البيوت حتى تنذر ثلاثًا([27])؛ فإن أنذرها الإنسان ثلاثًا إن كانت من الجن ذهبت، وإن لم تكن من الجن بقيت بعد ذلك فله قتلها، وإن كانت من الجن وبقيت إذا أنذرها ثلاثًا تكون في هذه الحالة لا حرمة لها.

قوله: «فأمسك عنها»، أي: ابن عمر، لما أخبره أبو لبابة بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل حيات البيوت صار لا يقتلها حتى ينذرها.

 

([1]) مسلم (1763).

([2]) البخاري (3007)، ومسلم (2494).

([3]) البخاري (3983).

([4]) «سيرة ابن هشام» (3/174).

([5]) أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (2/26)، وابن قتيبة في «غريب الحديث» (1/324) من مرسل عطية بن قيس.

([6]) أخرجه ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (2/391)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (3/56) عن أبي واقد، وقال ابن أبي حاتم: «قال أبو زرعة: عن أبي داود المازني، والذي قال: عن أبي واقد فقد أخطأ»، وقد وقع عند ابن هشام في «السيرة النبوية» (3/181) من حديث أبي داود المازني لا أبي واقد الليثي، وهو ما جزم بصحته أبو زرعة /.

([7]) «دلائل النبوة» (3/55).

([8]) أخرجه أحمد في «المسند» (1/147)، وأبو يعلى في «المسند» (1/283)، وصححه الحاكم في «المستدرك» (3/72).

([9]) مسلم (1973).

([10]) أبو داود (2061).

([11]) انظر «الفتاوى الكبرى» (5/515).

([12]) البيهقي في «السنن الكبرى» (7/462).

([13]) البخاري (3931)، ومسلم (892).

([14]) البخاري (3091)، ومسلم (1979).

([15]) الحاكم في «المستدرك» (3/462).

([16]) البخاري (1245)، ومسلم (951).

([17]) مسلم (999).

([18]) البخاري (2592)، ومسلم (999).

([19]) «البداية والنهاية» (3/322).

([20]) البخاري (522)، ومسلم (611).

([21]) أبو داود (393).

([22]) الترمذي (960).

([23]) أحمد (1/286)، والبخاري (2633)، ومسلم (1536).

([24]) مالك في «الموطأ» (1/278).

([25]) البخاري (1829)، ومسلم (1198).

([26]) أحمد (3/27)، ومسلم (2236).

([27]) أحمد (3/41)، ومسلم (2236).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد