شعار الموقع

شرح كتاب المغازي من صحيح البخاري (64-4)

00:00
00:00
تحميل
129

● [3763] قوله: «حدثنا أنس بن مالك أن رجالًا من الأنصار»، أي: ممن شهدوا بدرًا؛ لأن هذا كان بعد غزوة بدر؛ وذلك أن العباس كان ممن أسر يوم بدر مع المشركين، وهؤلاء الأسراء منهم من قتل صبر، ومنهم من فدى نفسه بمال يدفعه، ومنهم من فدى نفسه بأن يعلم عشرة من صبيان المدينة، فكان العباس ممن فدى نفسه، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذن رجال من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتركوا للعباس فداءه، قالوا: «ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه» وقولهم: ابن أختنا؛ لأن سلمى أم أبيه عبد المطلب كانت من بني النجار من الأنصار، فهم أخواله فأرادوا أن يسمحوا له عن فدائه ولا يدفع شيئًا؛ لكونه عم النبي صلى الله عليه وسلم ولكونهم أخواله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لا تذرون منه درهمًا» أي: لا بد أن يؤدي مثل ما يؤدي غيره، فيدفع فداءه كاملًا لا ينقص منه شيئًا؛ وذلك لأمرين:

الأمر الأول: لأنه يخشى أن يكون في ذلك محاباة له؛ لكونه عمه.

والأمر الثاني: أن العباس كان ذا مال، فينتفع بفدائه المسلمون.

 ●         [3764] ذكر المؤلف في هذا الحديث «أن المقداد بن عمرو الكندي - وكان حليفًا لبني زهرة، وكان ممن شهد بدرًا» هذا هو الشاهد من الحديث، ففيه: إثبات أن المقداد رضي الله عنهممن شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم.


وفي الحديث: أن المقداد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أرأيت إن لقيت رجلًا من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله»، وفي لفظ: «قال: لا إله إلا الله»([1]) «أآقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله»»؛ لأن الكافر إذا أسلم ونطق بالشهادتين يجب الكف عنه ويُحكم بإسلامه ويعامل معاملة المسلمين، ثم بعد ذلك ينظر فإن التزم بأحكام الإسلام فالحمد لله، وإلا يعتبر مرتدًّا ويقتل.

وهذا مثل ما حصل لأسامة بن زيد لما رفع السيف على رجل فقال: لا إله إلا الله فقتله فشدد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟» قال: يا رسول الله قالها تعوذًا، قال: «أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟» قال: يا رسول الله قالها تعوذًا، قال: «أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟» قال: يا رسول الله قالها تعوذًا، قال: «أشققت عن قلبه؟»([2])؛ وفي رواية: «كيف تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة»([3]).

فقال المقداد: «يا رسول الله: إنه قطع إحدى يدي، ثم قال ذلك بعدما قطعها!» أي: إنه ما قال: لا إله إلا الله إلا تعوذًا حتى لا أقتله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله»، أي: ولو قطع إحدى يديك؛ أخذًا بالظاهر وأنه أسلم، قال: «فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله»، أي: أصبح معصوم الدم، «وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» أي: بمنزلته في إباحة الدم والقصاص، فهو قبل أن يقول كلمته كان مهدر الدم، وأنت إن تقتله تصبح مهدر الدم فيباح دمك بالقصاص؛ لأنك اعتديت على مسلم حكم بإسلامه قال: لا إله إلا الله.

ومثل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لخالد لما قتل بني جذيمة جاءوا وجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، يريدون أن يقولوا: أسلمنا أسلمنا، لكن لا يعرفون كيف يقولون، فجعل خالد يقتلهم، فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك شدد على خالد ورفع يديه وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد»([4]) ووداهم من عنده، فدفع دياتهم كلهم، وكذلك كل شيء أفسده المسلمون مع خالد دفعه حتى مِيلَغة الكلب وهو الإناء الذي يشرب فيه الكلب.

وقيل: إن قوله: «إنه بمنزلتك قبل أن تقتله» خرج مخرج الزجر، وكذلك قوله: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» وذلك أن من أظهر الإسلام وجب الكف عنه مطلقًا في القتال أو في غيره.

وهذا الكلام لا ينطبق على من يتكرر منه قول: لا إله إلا الله وهو يفعل الشرك أو الكفر، كمن يدعو غير الله و يذبح للأموات نقول: لا يكفي ذلك لإسلامه حتى يتوب من الشرك، مثل عباد القبور يعبدونها ويذبحون لها ويقولون: لا إله إلا الله، فإذا أردت أن تقاتل عابد القبر وقال: لا إله إلا الله فلا تكف عنه حتى يتوب من الشرك الذي يفعله، وكذلك من قال: لا إله إلا الله ثم يفعل فعل الردة ورفض الالتزام بأحكام الإسلام كأن لا يصلي فإنه يقتل.

 ●         [3765] هذا الحديث فيه قصة قتل أبي جهل، قال أنس: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود» هذا هو الشاهد، ففيه: إثبات شهود عبد الله بن مسعود بدرًا؛ والشاهد أيضًا أن هذا كان مما وقع في يوم بدر. «فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد»، هما معاذ ومعوذ، وهما الشابان اللذان أشار لهما عبد الرحمن بن عوف، فانقضا على أبي جهل كالصقرين وضرباه بسيفيهما حتى سقط، فجاءه عبد الله بن مسعود وهو في الرمق الأخير ووقف على صدره وقال: «أنت أبا جهل؟» على حذف حرف الاستفهام، وفي رواية: «أأنت أبو جهل؟»([5]) وهو استفهام للتوبيخ، يوبخه وهو في الموت؛ لأنه من صناديد قريش ومن كبرائها، وكان فرعون هذه الأمة، وكان عبد الله بن مسعود يقف على صدره، ويضرب برجليه على صدره؛ وفي اللفظ الآخر أنه قال له: «لقد ارتقيت مرتقًى صعبًا يا رويعي الغنم»([6])، احتقارًا له، فهو يتكبر وهو في الموت.

وقوله: «أنت أبا جهل»، نصب على طريقة النداء، «قال سليمان: هكذا قالها أنس»، فقال أبو جهل يجيبه وهو في الرمق الأخير: «وهل فوق رجل قتلتموه؟»، أي: شريف من أشرافكم، «قال سليمان أو قال: قتله قومه؟»، أي: وهل فوق رجل قتله قومه ولا يبالون بمكانته؟ ثم احتز ابن مسعود رأسه وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ابنا عفراء هما اللذان قتلاه.

قوله: «وقال أبو مجلز»، اسمه حميد بن لاحق.

قوله: «قال أبو جهل: فلو غير أكار قتلني» الأكار : الزراع أو الفلاح؛ لأن الذي قتله من الأنصار، والأنصار أهل زراعة وفلاحة؛ لأن ابني عفراء من الأنصار والأنصار معظم مهنتهم الزراعة. قال ذلك استخفافًا بهم وتنقصًا لهم، فهو لا يزال في كبره وتيهه وهو في الموت، والمعنى أنه يقول: لو قتلني صاحب تجارة خير من أن يقتلني زَرَّاع.

 ●         [3766] قوله: «فلقينا منهم رجلان صالحان شهدا بدرًا» هذا هو الشاهد في الحديث على الترجمة، فذكر اثنين من البدريين، وجاء بيان اسميهما في قول عروة: «هما: عويم بن ساعدة ومعن بن عدي».

 ●         [3767] هذا الحديث فيه بيان الأعطيات، والأعطيات هي الرواتب السنوية، وكان مبدأ هذا زمن الصديق؛ لما صار بيت المال فيه شيء من الأموال التي تأتي من الخراج وغيره، وصار عمر رضي الله عنه يعطي الناس رواتب كل عام، فكل المسلمين سواء فيه، أما من يعمل عملًا فهذا يعطى راتبًا مقابل عمله.

وكان الصديق رضي الله عنه يساوي بين الناس، من تقدم إسلامه ومن تأخر، والكبير والصغير، كلهم سواء يعطي أربعة آلاف أربعة آلاف ويقول: إنما أسلموا لله وأجورهم على الله، فمن كان له سابقة فأجره على الله.

قوله: «كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف» هذا هو الشاهد من الحديث؛ لأن له تعلقًا بغزوة بدر.

قوله: «وقال عمر: لأفضلنهم على من بعدهم»، أي: لما استخلف عمر رضي الله عنه فاضل بين الناس، وصار يعطي من تقدم إسلامه أكثر ممن تأخر، فمن شهد بدرًا يعطيهم أكثر ممن لم يشهدها وهكذا، وقال: أنا لا أسوي بين من شهد بدرًا ومن تأخر إسلامه، فمن تقدم إسلامه له مزية وله مكانة؛ ففضَّل أهل بدر على غيرهم وزادهم في الأعطيات، وكذلك فضَّل أهل الحديبية، وفضَّل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الذين أسلموا في الفتح.

وقد عمل الخلفاء بعده بالتفضيل، وأخذ الناس بما فعله عمر رضي الله عنه إلى يومنا هذا، فكما هو موجود في مرتبات الوزراء ووكلاء الوزراء ونواب الوزراء وغيرهم، فهي مراتب وطبقات بينها تفاوت واسع.

 ●         [3768] هذا الحديث رواه جبير بن مطعم بن عدي قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور» وكان مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طلب فداء أسارى بدر، وكان ذلك بعد وقعة بدر بقليل.

قوله: «وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي»، يعني: أول ثباته في قلبه لما سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ بالطور وفي اللفظ الآخر قال: «كاد قلبي أن يطير»([7]) وذلك، لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآيات: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ)[الطور: 35].

وجبير في هذا الحديث كان قد جاء مشركًا يطلب فداء الأسارى، لكنه أسلم بعد ذلك قيل في الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش أو قبل الهدنة، وقيل: لم يسلم إلا يوم الفتح.

 ●         [3769] قوله: «في أسارى بدر» هذا الشاهد من الحديث، ففيه: ما يتعلق بغزوة بدر.

قوله: «لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له»، أي: لتركتهم له من غير فداء مكافأة له؛ وذلك لأن المطعم بن عدي أسدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم معروفًا، وكانت له يد عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهي إجارته للنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من الطائف، فقد جاء إلى قريش وقال: إني أجرت محمدًا، فوقف أولاده الأربعة ومعهم السلاح يحمون النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قيامه بنقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب، وقد مات المطعم وهو على شركه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم سيد من يحفظ الجميل، ويذكر المعروف.

و«النتنى»: جمع نتن، بكسر التاء، كزمنى جمع زمن، - والزمن : من به مرض دائم - وسموا نتنى لكفرهم، والمراد النتن المعنوي وليس الحسي؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة: 28]؛ والمراد بالنتنى الأسارى الأحياء من كفار قريش، وليس المراد بهم الأموات الذين قتلوا كما توهم العيني.

ومكافأة الكافر من باب الإحسان إليه جائزة، فالكافر غير الحربي يحسن إليه، فيطعم ويسقى، وكذا من له ذمة، ومن له أمان، ومن له عهد، قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة: 8]. وبعض السلف أوقف على بعض أقاربه من الكفَّار وقفًا؛ فالمقصود أن الكافر له المعاملة الحسنة إذا لم يكن حربيًّا.

 ●         [3770] قوله: «وقعت الفتنة الأولى - يعني: مقتل عثمان - فلم تُبق من أصحاب بدر أحدًا» هذا هو الشاهد، والمعنى أن أكثرهم مات قبل ذلك.

قوله: «ثم وقعت الفتنة الثانية - يعني: الحرة» كان ذلك في زمن يزيد بن معاوية في آخر خلافته لما استباح الجيش المدينة، وذلك أن أهل المدينة كانوا ينكرون عليه أشياء يفعلها، فخلعوا بيعته، فلما علم أرسل لهم جيشًا يخضعهم، ثم استباح المدينة ثلاثة أيام، وهذه المفاسد سببها الخروج على ولاة الأمور، فقد يكون ما ينكرونه منكرًا، ولكن ما وقعوا فيه كان منكرًا أعظم.

وقد نصحهم عبد الله بن عمر، ونصح أميرهم عبد الله بن مطيع وشدد عليه، وقال: لا تخرج على ولاة الأمور، فلما خرجوا على ولاة الأمور أرسل إليهم جيشًا فاستباح المدينة ثلاثة أيام، الكل يفعل ما يشاء - والعياذ بالله - من الزنا ومن القتل ومن النهب، فحصل من الفساد ما الله به عليم، ولهذا قال العلماء: إن الصبر على ولاة الأمور وعلى جورهم وعلى ظلمهم أفضل من الخروج عليهم.

قوله: «فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدًا»، أي: كان أكثرهم قد مات قبل ذلك فانتهى آخرهم عند هذه الفتنة.

قوله: «ثم وقعت الثالثة فلم ترتفع وللناس طباخ»، أي: قوة، والأقرب أن تكون الفتنة الثالثة ما وقع في أيام عبد الله بن الزبير من الحروب بينه وبين عبد الملك بن مروان، وكان عبد الله بن الزبير هو الخليفة، بايعه أهل مكة والمدينة والطائف، فنازعه مروان بن الحكم ومن بعده ابنه عبد الملك، فكان يرسل الجيوش إليه حتى قتله الحجاج، وكان أميرًا لعبد الملك على العراق سنة ثلاث وسبعين، واستمرت الحرب تسع سنين، وفيها فتنة المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعى النبوة.

وقد أنكر بعض الإخوان أن تكون فتنة الحرة قد وقعت بهذا الشكل الذي جاءنا، وقد كتب بعضهم رسائل يقولون: إن وقعة الحرة غير ثابت فيها أنهم استباحوا المدينة. وهذا ليس بصحيح؛ فوقعة الحرة ثابتة في «صحيح البخاري» بسند صحيح عن سعيد بن المسيب([8]) وعن غيره، وسيأتي أيضًا ذكر تفاصيل فيها في مواضع، وأثبتها العلماء والأئمة كالإمام أحمد وشيخ الإسلام وغيرهم، ولكن بعض المعاصرين أنكرها حتى قال بعضهم وهو يشرح بعض الأحاديث في شريط له: أرجو ألا تثبت وقعة الحرة؛ لأنه لم يمض على النبي صلى الله عليه وسلم إلا مقدار كذا وكذا يعني: أقل من مائة سنة وتحصل هذه الشرور وهذه الفتن. هكذا قال، ولكن هي ثابتة في «الصحيحين» وغيرهما وليس في إثباتها إشكال، فلا وجه لإنكارها.

 ●         [3771] ذكر البخاري هنا إشارة إلى حديث الإفك، والإفك هو أسوأ الكذب، والمراد به الحديث الذي تكلم به المنافقون وبعض من شاركهم من المسلمين في عائشة ورموها بما برأها الله منه.

قوله: «قالت: فأقبلت أنا وأم مسطح»، أي: لقضاء الحاجة؛ وكانت المدينة صغيرة ومظلمة. وكانوا ما يخرجون إلا من ليل إلى ليل؛ لأنهم ما يأكلون إلا مرة واحدة في اليوم.

ومسطح: هو مسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر الصديق، قالت: «فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح»، أي: دعت عليه وسبته، فقالت لها عائشة: «بئس ما قلت! تسبين رجلًا شهد بدرًا» هذا هو الشاهد أنه شهد بدرًا، وقد أتى البخاري بهذا الحديث من أجل هذه الجملة التي فيها إثبات شهود مسطح بن أثاثة غزوة بدر.

 ●         [3772] قوله: «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلقيهم»، أي: الذين قتلوا من المشركين في بدر وسحبوا وألقوا في بئر معطلة هناك. وفي رواية: «يلقّيهم»، وروي: «وهو يلعنهم».

قوله: «هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟»، فيه: تقريع لهؤلاء الكفار الذين ماتوا على الشرك والكفر ولم يستمعوا لنداء الحق من النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «قال موسى»، يعني: موسى بن عقبة المذكور في الإسناد.

قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أنتم بأسمع لما قلت منهم»، أي: إنهم يسمعون ما قاله صلى الله عليه وسلم؛ والصواب أن هذا الباب توقيفي، وأن الأصل عدم سماع الموتى كما قال الله تعالى: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) [النمل: 80]. وقال سبحانه: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [فاطر: 22]، ويستثنى من هذا العموم ما جاءت النصوص بتخصيصه ويقتصر عليه، كسماع أهل بدر كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهذا مستثنى، وسماع الميت قرع نعال المشيعين فهذا مستثنى، وسماعه للملكين حينما يجلسانه ويسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ كما جاء في حديث فتنة القبر([9])، وما عداه فالأصل أن الميت لا يسمع.

 ●         [3773] قوله: «ضربت يوم بدر المهاجرون بمائة سهم»، يجمع بين هذا الأثر وبين الحديث السابق أن الذين حضروا واحد وثمانون، وهم مائة بعد إضافة من ألحق بهم ممن لم يحضر، مثل عثمان بن عفان رضي الله عنهوغيره، مثلما ضرب لأصحاب السفينة جعفر ومن معه في خيبر.

قال الحافظ ابن حجر /: «فيجمع بينهما بأن حديث البراء أورده فيمن شهدها حسًّا، وحديث الباب فيمن شهدها حسًّا وحكمًا، ويحتمل أن يكون المراد بالعدد الأول الأحرار، والثاني بانضمام مواليهم وأتباعهم».

المتن

[12/55] تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع

النبي محمد بن عبدالله الهاشمي صلى الله عليه وسلم، عبدالله بن عثمان أبو بكر الصديق القرشي، عمر بن الخطاب العدوي، عثمان بن عفان القرشي - خلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته، وضرب له بسهمه، علي بن أبي طالب الهاشمي، إياس بن البُكَيْر، بلال بن رباح مولى أبي بكر القرشي الصديق، حمزة بن عبدالمطلب الهاشمي، حاطب بن أبي بلتعة حليف لقريش، أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة القرشي، حارثة بن الربيع الأنصاري - قتل يوم بدر، وهو حارثة بن سراقة، كان في النظارة، خبيب بن عدي الأنصاري، خنيس بن حذافة السهمي، رفاعة بن رافع الأنصاري، رفاعة بن عبد المنذر أبو لبابة الأنصاري، الزبير بن العوام القرشي، زيد بن سهل أبو طلحة الأنصاري، أبو زيد الأنصاري، سعد بن مالك الزهري، سعد بن خولة القرشي، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي، سهل بن حنيف الأنصاري، ظهير بن رافع الأنصاري، وأخوه، عبدالله بن مسعود الهُذَلِي، عبد الرحمن بن عوف الزهري، عبيدة بن الحارث القرشي، عبادة بن الصامت الأنصاري، عمرو بن عوف حليف بني عامر بن لؤي، عقبة بن عمرو الأنصاري، عامر بن ربيعة العَنَزي، عاصم بن ثابت الأنصاري، عُوَيْمِرُ بن ساعدة الأنصاري، عتبان بن مالك الأنصاري، قدامة بن مظعون، قتادة بن النعمان الأنصاري، معاذ بن عمرو بن الجموح، مُعَوَِّذ بن عفراء، وأخوه مالك بن ربيعة أبو أسيد الأنصاري، مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف، مرارة ابن الربيع الأنصاري، معن بن عدي الأنصاري، مِقْدام بن عمرو الكندي حليف بني زهرة، هلال بن أمية الأنصاري.

الشرح

قوله: «تسمية من سمي من أهل بدر» المراد: من سمي في الأحاديث أو له ذكر في الأحاديث أما من لم يذكر ولو حضر بدرًا لا يذكره.

قوله: «في الجامع» أي: في الجامع الصحيح الذي وضعه البخاري /، وهذا يدل على أنه اعتنى بالبدريين.

قوله: «النبي محمد بن عبدالله الهاشمي صلى الله عليه وسلم» بدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم تبركًا وتيمنًا بذكره صلى الله عليه وسلم، وإلا فذلك من المقطوع به أنه أول من حضر بدرًا، ثم قال: «عبدالله بن عثمان أبو بكر الصديق القرشي» ذكره بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، ثم «عمر بن الخطاب العدوي»، ثاني الخلفاء، ذكره بعد أبي بكر لما له من الفضل، ثم «عثمان بن عفان القرشي»، الخليفة الثالث، «خلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته» رقية يمرضها، «وضرب له بسهمه»، قال: «أنت لك أجر من حضر بدرًا وسهمه»([10])، اعْتُبِر بدرياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خلفه، وعاب عليه بعض الخوارج من الذين ينقمون عليه أنه ما شهد بدرًا، فبين لهم ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي خلفه وضرب له بسهم.

قوله: «علي بن أبي طالب الهاشمي»، الخليفة الراشد، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد ذلك بدأ بحرف الهمزة فذكر «إياس بن البكير»، وفي حرف الباء: «بلال بن رباح»، وفي حرف الحاء: «حمزة بن عبد المطلب» سيد الشهداء، و «حاطب بن أبي بلتعة حليف لقريش»، فهو من الحلفاء وليس من قريش، وهو الذي كتب كتابًا لقريش يخبرهم بقدوم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي نزلت فيه آية سورة الممتحنة.

قوله: «حارثة بن الربيع الأنصاري» «الرُّبيع» بضم الراء مصغرًا، اسم أمه، وأبوه اسمه سراقة فنسبه إلى أمه ونسبه إلى أبيه.

قوله: «كان في النظارة»؛ بالظاء المعجمة المشدَّدة، أي: القوم الذين ينظرون ويراقبون العدو، وفي رواية النسائي: أنه ما خرج للقتال، كان صغيرًا ووقف على الماء، فجاءه سهم من المشركين فقتله، فحزنت عليه أمه وقالت: يا رسول الله إنك تعلم مكانة حارثة مني ووجدي عليه، إن كان في الجنة صبرت، وإن لم يكن في الجنة اجتهدت عليه في البكاء، فقال لها: «أوقد هبلت؟ أوجنة واحدة هي؟! إنها جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى»([11]).

قوله: «خنيس بن حذافة السهمي»، هو زوج حفصة قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «سعد بن خولة القرشي»، هو الذي كان يرثي له النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مات بمكة.

قوله: «سعيد بن زيد»، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

قوله: «ظهير بن رافع الأنصاري وأخوه»، أي: وأخوه رفاعة، وهما عما رافع بن خديج.

قوله: «عبد الرحمن بن عوف الزهري»، أحد العشرة المبشرين بالجنة.

قوله: «عتبان بن مالك الأنصاري»، هو الذي حصلت له القصة، راوي حديث: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»([12]). والحديث في «كتاب التوحيد» للشيخ محمد بن عبد الوهاب باب: فضل شهادة أن لا إله إلا الله.

قوله: «قدامة بن مظعون»، الذي شرب الخمر متأولًا، والذي حصل له مع عمر رضي الله عنه قصة.

قوله: «معوذ بن عفراء»، أحد اللذين قتلا أبا جهل.

قوله: «مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف» هذا ابن خالة أبي بكر الصديق وهو الذي تكلم في الإفك، فحلف أبو بكر أن يقطع عنه النفقة فأنزل الله: (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)[النور: 22] ، فأعاد النفقة، وقال: بلى أحب أن يغفر الله لي.

قوله: «مرارة بن الربيع الأنصاري» الذي تخلف عن غزوة تبوك مع كعب بن مالك.

قوله: «هلال بن أمية الأنصاري» هذا الثالث الذي تخلف مع مرارة وكعب بن مالك عن غزوة تبوك.

وهؤلاء الذين ذكرهم البخاري هم من سُمي ممن شهدوا بدرًا أو لهم ذكر في الأحاديث، وهناك من شهد بدرًا ممن لم يذكر في الأحاديث، فالذين حضروا بدرًا كثير فهم ثلاثمائة وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا النهر.

* * *

المتن

[13/55] حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إليهم في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم

وقال الزهري، عن عروة: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد.

وقول الله: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا)[الحشر: 2]، وجعله ابن إسحاق بعد بعث بئر معونة وغزوة أحد.

 ●         [3774] حدثني إسحاق بن نصر، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: أنا ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: حاربت النضير وقريظة، فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن عليهم حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأموالهم وأولادهم بين المسلمين إلا بعضهم ممن لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأمنهم وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم : بني قينُقاع - وهم رهط عبدالله بن سلام - ويهود بني حارثة وكل يهود بالمدينة.

 ●         [3775] حدثني الحسن بن مدرك، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر، قال: قل: سورة النضير. تابعه هشيم، عن أبي بشر.

 ●         [3776] حدثنا عبدالله بن أبي الأسود، قال: حدثنا معتمر، عن أبيه، سمعت أنس بن مالك قال: كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنضير، فكان بعد ذلك يرد عليهم.

 ●         [3777] حدثنا آدم، قال: حدثنا الليث، عن نافع، عن ابن عمر قال: حَرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ)[الحشر: 5].

 ●         [3778] حدثني إسحاق، قال: أنا حَبَّان، قال: أنا جُوَيريَّةُ بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم حَرَّق نخل بني النضير، قال: ولها يقول حسان بن ثابت:

وهان على سَراةِ بني لُؤَيٍّ حريقٌ بالبُوَيْرَة مُستطِيرُ

فأجابه أبو سفيان بن الحارث:

أدام الله ذلك مِن صنيـعٍ وحرَّق في نواحِيها السَّعِيرُ

ستَعلـمُ أيُّنـا منهـا بِنُـزْهٍ وتَعلـمُ أي: أرْضِينا تَضِيرُ

 ●         [3779] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني مالك بن أوس ابن الحدَثان النَّصْريُّ، أن عمر بن الخطاب دعاه إذ جاءه حاجبه يَرْفا فقال: هل لك في عثمان و عبدالرحمن و الزبير و سعد يستأذنون؟ قال: نعم، فأدخلهم، فلبث قليلا، ثم جاء فقال: هل لك في عباس و علي يستأذنان؟ قال: نعم، فلما دخلا قال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا - وهما يختصمان في التي أفاء الله على رسوله من بني النضير - فاستب علي وعباس، فقال الرهط: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما، وأرح أحدهما من الآخر، فقال عمر: اتئدوا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» - يريد بذلك نفسه؟ قالوا: قد قال ذلك، فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟ قالا: نعم، قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره فقال: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ) إلى قوله: (قَدِيرٌ)[الحشر: 6]، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: فأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضه أبو بكر، فعمل فيه بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم حينئذ، وأقبل على علي وعباس وقال: تذكران أن أبا بكر فيه كما تقولان، والله يعلم إنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله عز وجل أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه ما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، والله يعلم أنِّي فيه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني - يعني: عباسا - فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»، فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وما عملت فيه منذ وليت وإلا فلا تكلماني؛ فقلتما: ادفعه إلينا بذلك، فدفعته إليكما، أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟! فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنه فادفعا إلي، فأنا أكفيكماه.

 ●         [3780] قال: فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير، فقال: صدق مالك بن أوس، أنا سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبي بكر ليَسْأَلْنَه ثُمُنَهُنَّ مما أفاء الله على رسوله، فكنت أنا أردهن، فقلت لهن: ألا تتقين الله؟! ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا نورث ما تركنا صدقة - يريد بذلك نفسه - إنما يأكل آل محمد في هذا المال»؟ فانتهى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن، قالت: فكانت هذه الصدقة بيد علي منعها علي عباساً، فغلبه عليها، ثم كان بيد الحسن ابن علي، ثم بيد الحسين بن علي، ثم بيد علي بن الحسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولانها، ثم بيد زيد بن حسن، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً.

 ●         [3781] حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أنا هشام، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما أرضه من فَدَك وسهمه من خيبر، فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال»، والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي.

الشرح

ترجم المؤلف على ما حدث من بني النضير، وهم قبيلة من قبائل اليهود.

قوله: «قال الزهري، عن عروة: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد» يعني: حديث بني النضير، وبنو النضير: طائفة من طوائف اليهود، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان فيها ثلاث طوائف من اليهود وهم: بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة، فصالحهم وعاهدهم، وكلهم نقضوا العهد، فأما بنو قريظة قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك بنو قينقاع وسيأتي الكلام فيهم.

فأما بنو النضير فسبب نقضهم العهد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يطلب دية رجلين يستعينهم فيها فقالوا: اجلس، فلما جلس تحت جدار لهم، أرادوا أن يلقوا عليه حجرًا من فوق الجدار، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فخرج فصار هذا نقضًا للعهد، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم قتلهم فاستوهبه عبدالله بن أبي بالقوة، قال: هبهم لي؛ قال: «لا»، قال: هبهم لي، قال: «لا»، حتى جر النبي صلى الله عليه وسلم بالقوة، قال: هبهم لي؛ فوهبهم له وتركهم له ولم يقتلهم فأجلوا إلى الشام([13]).

وهم الذين نزلت فيهم سورة تسمى سورة الحشر قال تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ) [الحشر: 1، 2].

وقد جعلها ابن إسحاق بعد غزوة أحد وبئر معونة.

 ●         [3774] في هذا الحديث أن قبائل اليهود كلهم نقضوا العهد، فأجلى النبي صلى الله عليه وسلم أولًا بني النضير لما نقضوا العهد، ونقضت بنو قريظة، فعفا عنهم ومنَّ عليهم، ثم حاربوا مرة أخرى فحكّم فيهم سعد بن معاذ، فحكم بأن تقتل رجالهم وأن تسبى نساؤهم وذراريهم، فلحق بعضهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا فأمنهم صلى الله عليه وسلم.

وكذلك أجلى النبي صلى الله عليه وسلم بني قينقاع، وهم قوم عبدالله بن سلام رضي الله عنه، فلم يبق بالمدينة يهود.

 ●         [3775] في هذا الأثر بيان أنه يجوز أن يقال: سورة الحشر أو سورة النضير؛ لأنها نزلت في بني النضير وهي قوله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ) [الحشر: 1 - 2].

 ●         [3776] في هذا الحديث وصف لحال المسلمين في أول الهجرة من الشدة، قال أنس رضي الله عنه: «كان الرجل يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم النخلات حتى افتتح قريظة والنضير»، أي: كان الأنصار يعطون المهاجرين المنائح من النخيل، فلما فتحت قريظة والنضير قسم النبي صلى الله عليه وسلم النخلات، فصار للمهاجرين أموال حصلت لهم من الغنائم، فردوا على إخوانهم الأنصار منائحهم التي أعطوها إياهم.

 ●         [3777] في هذا الحديث بيان سبب نزول بعض آيات سورة الحشر، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر بني النضير وضرب عليهم الحصار أيامًا، فاختلف الصحابة في نخيلهم، قال بعضهم: نحرقه، وقال بعضهم: نبقيه، فجاء القرآن مقرًّا للفريقين، فمن حرق نخل بني النضير وقطعه فوجهته إغاظة اليهود فيتألمون من قطع نخليهم، ومن أبقاها تأول أن هذا مال يؤول إلى المسلمين سوف ينتفعون به، فقال الله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) يعني: نخلة (أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) [الحشر: 5]. وهذا هو الإذن الشرعي؛ فالإذن نوعان: إذن شرعي، و إذن قدري؛ فالإذن القدري كقوله تعالى في السحرة: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة: 102] ، أي: بقدره، والإذن الشرعي كما في هذه الآية أي: ما قطعتم من نخلة أو تركتموها فالله أذن لكم فيه شرعًا وقت الحصار، فكل له وجهة.

 ●         [3778] في هذا الحديث أن ابن عمر ذكر «أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير» أي: إغاظة لهم، «ولها يقول حسان بن ثابت» وهو شاعر النبي صلى الله عليه وسلم:

«وهان على سراة بني لؤي
 

حريق بالبويرة مستطير»
 

 

قوله: «سراة» أي: أشراف، وقوله: «بني لؤي» هم قريش، وذلك أن قريشًا هم الذين حرضوا اليهود على نقض العهد، فصارت في ذلك نهايتهم، فحُرّق نخيلهم وهدمت بيوتهم، فحسان يريد أن يغيظ قريشًا، يقول: هان عليكم تحريق نخيل بني النضير، هل نفعتموهم؟

قوله: «بالبويرة» أي: المكان الذي يسكنون فيه.

قوله: «فأجابه أبو سفيان بن الحارث» هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم:

«أدام الله ذلك من صنيع
 

وحرق في نواحيها السعير»
 

 

يدعو على المسلمين أن تشتعل عليهم نارًا، قاله وهو على شركه، وهذا قبل أن يسلم، لكنه أسلم بعد ذلك رضي الله عنه وحسن إسلامه، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين، وقال شعراً حسن في مدح النبي صلى الله عليه وسلم .

 ●         [3779] في هذا الحديث في قصة أرض فدك وهي قصة طويلة ذكرها المؤلف بطولها وهو في معرض ذكر مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير؛ فبنو النضير لما نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يقتلهم، فطلبهم عبد الله بن أبي وشدد على النبي صلى الله عليه وسلم أن يهبهم له فوهبهم له، ثم أخرجهم من ديارهم وأجلاهم عن المدينة، وبقيت ديارهم فيئًا للمسلمين.

وقوله: «وهما يختصمان»، أي: علي والعباس م ، فقد جاءا إلى عمر رضي الله عنه كل منهما يريد أن يليها هو من دون الآخر، «في التي أفاء الله على رسوله من بني النضير»، أي: أرض فدك، وهي من الفيء الذي أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فاستب علي وعباس» هذا من باب النزاع، وليس سبابًا كما هو معروف، ولكن بالشدة في الكلام والأخذ والرد.

قوله: «أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض» هذا هو الإذن الكوني القدري، فالإذن - كما سبق - نوعان: إذن كوني قدري كما في قول الله تعالى في السحرة: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ)[البقرة: 102] ، وهو المقصود هنا، وهناك إذن شرعي كما في قوله تعالى في سورة الحشر: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ)[الحشر: 5].

قوله: «هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» - يريد بذلك نفسه؟» الضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأنبياء ما جاءوا لجمع المال، إنما جاءوا لهداية الناس؛ فلذلك لا يورثون وما يتركونه بعدهم يكون صدقة، فلما شهدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك، قال عمر رضي الله عنه: «فإني أحدثكم عن هذا الأمر»، يعني: عن هذا الفيء، «إن الله كان خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره»، أي: إن الفيء الذي يتركه المشركون من أموالهم وأراضيهم بدون قتال يكون توليه للنبي صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يقول في كتابه العظيم: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحشر: 6] ، أي: إنكم ما تعبتم فيه ولا قاتلتم عليه، قال عمر: «فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم»، أي: إن الفيء خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم ليس للناس منه شيء، بخلاف الغنيمة التي يقاتلون عليها تكون لهم أربعة أخماسها، وينزع الخمس فيقسم خمسة أخماس: خمس لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، وخمس لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل، كما قال الله تعالى في سورة الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال: 41]، قال: «ثم والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وقسمها فيكم»، أي: كان صلى الله عليه وسلم ينفق منها على قرابته وعلى زوجاته، ومعلوم أن العباس وعليًّا من قرابته.

قوله: «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال» هذا فيه: دليل على أنه لا بأس بحبس نفقة سنة،
وفيه: الرد على الصوفية وبعض المتزهدة الذين يقولون: لا يجوز للإنسان أن يحبس عنده أكثر من نفقة يومه؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدخر لأهله نفقة سنة وهو أزهد الناس صلى الله عليه وسلم وأشدهم توكلًا، لكنه لا يبقى عنده سنة؛ لأنه تأتي عليه النوائب والضيوف وحاجات المسلمين حتى يحتاج ويستدين، وقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي([14]).

قوله: «ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله»، أي: في الجهاد، وفي السلاح والعتاد، وفي الفقراء والمساكين وابن السبيل والمصالح العامة.

قوله: «فقبضه أبو بكر، فعمل فيه بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم» أي: كان ينفق على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وينفق على أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، والباقي يجعله في المصالح العامة.

قوله: «فقبضته سنتين من إمارتي، أعمل فيه ما عمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر»، أي: قبضه عمر في أول خلافته، وأنفقه في مصارفه المذكورة.

قوله: «ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع»، أي: جاءه العباس وعلي فقالا: ادفعه لنا ونحن نتولاه ونعمل فيه، قال: «فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة»، أي: بيَّن لهما عمر لن هذا ليس ميراثًا وأقرا بذلك، فدفعه إليهما وأخذ عليهما العهد والميثاق أن يعملا فيه مثل ما كان يعمل فيه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ومثل ما كان يعمل فيه أبو بكر في حياته، ومثل ما كان يعمل هو سنتين من خلافته، فقالا: «ادفعه إلينا بذلك»، أي: على هذا الشرط وبهذا العهد، قال: «أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟!»، أي: هل تريدان حكمًا غير الذي حكمت لكما به؟ قال: «فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنه فادفعا إليَّ فأنا أكفيكماه»، أي: إنه رفض أن يقسمه بينهما أو يعطيه واحدًا منهما، فقال: ما عندي غير الحكم الأول، إما أن تعملا فيه بالشرط الذي دفعته إليكما به، أو تدفعاه إلي وأنا أتولى إنفاقه.

 ●         [3780] تقول عائشة ل في هذا الحديث: «أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان إلى أبي بكر ليسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله»، أي: من أرض فدك، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة، وفي هذا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خفي عليهن قول النبي صلى الله عليه وسلم أو حصل لهن لبس في هذا، تقول عائشة: «فكنت أنا أردهن، فقلت لهن: ألا تتقين الله؟! ألم تعلمن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا نورث ما تركنا صدقة - يريد بذلك نفسه - إنما يأكل آل محمد في هذا المال؟ فانتهى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما أخبرتهن»، أي: انتهين لما ذكرتهن بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يورث، ولو كان يورث لكان لأزواجه الثمن؛ لأن هناك فرعًا وارثًا وهي فاطمة، ولابنته فاطمة النصف والباقي لعمه العباس تعصيبًا.

وفاطمة لجاءت إلى أبي بكر تسأله ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم، فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة»، وأبى عليها أبو بكر الصديق وقال: ليس هناك ميراث، وقال مسترضيًا لها كما في الحديث التالي: «والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي»، لكن ما أستطيع أن أخالف السنة، فلم تقتنع، وهجرته ستة أشهر حتى توفيت، والصواب مع أبي بكر، وفاطمة ل - وإن كانت سيدة نساء أهل الجنة - ليست معصومة من الخطأ، فكل يؤخذ من قوله ويرد، وليس أحد معصومًا من الخطأ إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فهو معصوم من الشرك ومن الكبائر ومن الخطأ فيما يبلغ عن الله، أما غيره فقد يخطئ ولو كانت منزلته عالية، فقد غلط الصديق وعمر وعثمان ي وهم أفضل الناس بعد الأنبياء، ومع ذلك فكانوا يفتون بالإفراد بالحج مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بالمتعة وشدد عليهم وألزمهم([15])، والمتعة هي التحلل من العمرة ثم الإحرام بالحج فكان ابن عباس وعمران بن حصين وأبو موسى الأشعري يفتون بهذا، ثم بدا للخلفاء الثلاثة فصاروا يفتون الناس بالإفراد وقالوا: نحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالمتعة لكن نريد أن يأتي الناس للعمرة في وقت آخر فلا يزال هذا البيت يُحج ويُعتمر، وهذا اجتهاد منهم.

ولما قيل لابن عباس: أنت يا ابن عباس تفتي بالمتعة وأبو بكر وعمر يفتيان بالإفراد،اشتد ابن عباس عليهم، وقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!؛ أي: أنا أنقل لكم السنة وأنتم تعارضون السنة بقول أبي بكر وعمر؟! فكيف بالذي يعارض السنة بقول بعيد عن قول أبي بكر وعمر؟!

 ●         [3781] الحديث الأخير في هذا الباب حديث عائشة، وفيه: «أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما: أرضه من فدك وسهمه من خيبر» هذا هو موضع الشاهد من الحديث، وهذا يدل على أن العباس -مع أنه سمع الحديث- ربما حصلت له شبهة، أو أنه نسي، فجاء هو وفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر لما ولي الخلافة قالا: أعطنا الميراث، «فقال أبو بكر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال»، أي: في حياته، ينفق عليهم منه، وليس ميراثًا لهم؛ وآله، أي: قرابته.

قوله: «والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي» قال أبو بكر رضي الله عنه ذلك معتذرًا عن منعه القسمة، وبين أن قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم مقدمة في بره على قرابته، لكن لا يستطيع أن يعطيهم ميراثًا؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يورث كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو لا يستطيع أن يخالف النصوص، وفي لفظ أنه قال: «إني أخاف إن خالفت السنة وما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيغ»([16]).

 

([1]) مسلم (95).

([2]) البخاري (6872)، ومسلم (96).

([3]) مسلم (97).

([4]) البخاري (4339).

([5]) البخاري (3963).

([6]) الحربي في «غريب الحديث» (1/306)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (3/86).

([7]) البخاري (4854).

([8]) البخاري (4024).

([9]) البخاري (4699)، ومسلم (2871).

([10]) البخاري (3130).

([11]) البخاري (3982).

([12]) البخاري (425)، ومسلم (33).

([13]) «سيرة ابن هشام» (2/48).

([14]) البخاري (2916).

([15]) البخاري (1564)، ومسلم (1240).

([16]) البخاري (3093)، ومسلم (1759).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد