شعار الموقع

شرح كتاب المغازي من صحيح البخاري (64-11)

00:00
00:00
تحميل
124

● [3920]. في هذا الحديث أنه شاع بين الناس أن ابن عمر م أسلم قبل أبيه عمر رضي الله عنه، وهنا يبين نافع - وهو مولى ابن عمر - سبب هذه المقالة ويوضح للناس الحق في المسألة.

قوله: «إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر، وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبدالله»، أي: ابنه «إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبدالله»، أي: قبل أن يرجع إلى أبيه، فكانت مبايعة عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم قبل أبيه، فلما رجع عبدالله إلى أبيه بالفرس أخبره أنه وجد الناس يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.

وقوله: «وعمر يستلئم للقتال»، يعني: يلبس اللأمة، وهي: السلاح.

وقوله: «قال: فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم» فهذا هو السبب في كون الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر.

وقد ساق البخاري هذا الحديث ليبين أن عمر وابنه عبدالله م ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.

 ●         [3921] قوله: «حدثنا عمر بن محمد العمري»، هو أخو عاصم بن محمد العمري.

وقوله: «عن ابن عمر، أن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر» هذا هو الشاهد من الحديث أن هذا كان يوم الحديبية.

وقوله «فإذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال»، يعني: قال عمر لابنه عبدالله: «يا عبدالله، انظر ما شأن الناس؟ قال: أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم» وفي لفظ: «قد أحدقوا».

وقوله: «فوجدهم يبايعون فبايع» يعني: قبل أبيه.

وقوله: «ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع» فلما سبقه بالبيعة يوم الحديبية تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل أبيه.

 ●         [3922] قوله: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين اعتمر، فطاف فطفنا معه، وصلى وصلينا معه، وسعى بين الصفا والمروة» هذا في عمرة القضاء في السنة التي بعد صلح الحديبية؛ لأنه كان من بنود الصلح أنهم يرجعون هذا العام ولا يعتمرون، ثم يعتمرون من العام القادم.

وسميت عمرة القضاء من المقاضاة وهي الصلح - لأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على أن يرجعوا هذا العام - وليست قضاء لتلك العمرة الماضية -كما زعم بعض الناس- فقد كانت هذه العمرة تامة، فقد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه وتحلل منها([1]).

وقوله: «فكنا نستره من أهل مكة؛ لا يصيبه أحد بشيء» فكان المسلمون يسترون النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة؛ خشية أن يرميه أحد وهو يطوف، أو وهو يسعى، أو وهو يصلي.

 ●         [3923] قوله: «حدثني الحسن بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن سابق»، كل منهما من شيوخ البخاري، ومحمد بن سابق تارة يروي عنه البخاري مباشرة، وتارة يروي له بالواسطة كما هنا.

وفي هذه القصة يروي لنا أبو وائل - واسمه شقيق بن سلمة - جانبًا مما حدث في وقعة صفين فيقول: «لما قدم سهل بن حنيف من صفين» صفين كانت حربًا ضروسًا وقعت بين أهل العراق بقيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وكانت بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه.

وقوله: «اتهموا الرأي»، أي: دعوا رأيكم في هذا القتال؛ فإنما تقاتلون إخوانكم المسلمين، واعتصموا بالنصوص؛ فالمسألة ليست بالرأي: ولكنها باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام.

وقوله: «فلقد رأيتني يوم أبي جندل» هذا هو الشاهد؛ فيوم أبي جندل كان في صلح الحديبية؛ حيث جاء يرسف في قيوده يرمي بنفسه بين المسلمين ويقول: أيها الناس أنقذوني من المشركين.

وقوله: «ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت، والله ورسوله أعلم» فقد رد الرسول صلى الله عليه وسلم أبا جندل بن سهيل إلى المشركين للعهد والصلح الذي أمضاه معهم، فيقول سهل بن حنيف: لو كان الأمر إليّ ما رددته على المشركين، ولو أستطيع أن أرد على الرسول صلى الله عليه وسلم أمره لفعلت، ولكن الله ورسوله أعلم، وهذا يبين كيف كانت ثقة المسلمين في الله عز وجل وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وكيف رضوا بهذا الأمر - على ما بدا فيه من عنت شديد وظلم- طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما يبين مدى قوتهم وصلابتهم في الحق.

وقوله: «وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفضعنا»، أي: تشتد كراهته علينا، وفي لفظ: «يفظعنا»([2])، أي: يوقعنا في أمْر فَظيع شديد.

وقوله: «إلا أسهل بنا إلى أمر نعرفه»، أي: يتبين لنا الأمر: هل هو حق أو باطل؟ هل هو صواب أو خطأ؟

وقوله: «قبل هذا الأمر»، المعنى: إن أي: قتال قبل صفين كان إذا انتهت الحرب عرفنا وجهه، هل هو صواب أو خطأ؟ إلا حرب صفين؛ فإنه لم يتبين لنا فيها وجه القتال، والتبس علينا الأمر.

وقوله: «ما نسد منها خصمًا إلا انفجر علينا خصمًا»، لأنها حرب فتنة والتباس، وإن كان الصواب مع علي رضي الله عنه، لكنها كانت بين المسلمين أنفسهم، وفي ذلك مشقة عليهم.

وقوله: «ما ندري كيف نأتي له»، يعني: أن حرب صفين ملتبس أمرها؛ فالتبس الحق بالباطل فلا نستطيع أن نعرف وجه الأمر.

 ●         [3924] قوله: «أتى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية والقمل يتناثر على وجهي» هذا محل الشاهد، وهو أن هذا كان زمن الحديبية.

وقوله: «انسك نسيكة»، يعني: اذبح ذبيحة.

وهذا فيه: دليل على أن المحرم إذا احتاج إلى فعل محظور فإنه يفعله ويفدي، والفدية - كما جاء في هذا الحديث - أن يخير بين واحد من ثلاثة: إما أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين كلَّ مسكين نصفَ صاع، أو يذبح ذبيحة.

فإذا احتاج المحرم إلى أن يحلق رأسه؛ ليداوي جروحًا فيه، أو احتاج أن يغطي رأسه من أجل البرد، أو يلبس المخيط من أجل البرد أيضًا - فلا بأس، فيفعل المحظور ويفدي ولا إثم عليه.

أما إذا فعل المحظور دون حاجة فعليه التوبة من الإثم وعليه الكفارة.

 ●         [3925] أعاد المؤلف هذا الحديث مرة ثانية؛ ليأتي به من طريق أخرى فيتقوى، ولما فيه من الزيادات، منها ذكر الآية.

قوله: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون» صرح بأنهم كانوا في الحديبية.

وقوله: «وقد حصرنا المشركون»، يعني: منعونا، والحصر: معناه أن يمنع المحرم من أداء النسك ومن دخول مكة.

وقوله: «تَسَّاقط»، يعني: تتساقط.

ثم ذكر الآية: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا) [البقرة: 196]. وهذه الآية فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الآخر: «صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو اذبح شاة»([3]) فالسنة تفسر القرآن؛ فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الصيام بأنه صيام ثلاثة أيام، وفسر الصدقة بأنها إطعام ستة مساكين، وفسر النسك بأنه ذبح شاة.

وهذه الأمور الثلاثة متساوية في حق من يفدي عن نفسه بحسب الاستطاعة، وليس هناك أفضلية بينها؛ فيختار الأيسر عليه، فإذا اختار النسك ذبح، وإذا اختار الإطعام أطعم، وإذا اختار الصيام صام، ولا حرج عليه.

* * *

المتن

[36/55] قصة عكل وعرينة

 ●         [3926] حدثني عبدالأعلى بن حماد، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، أن أنسًا حدثهم، أن ناساً من عكل وعرينة قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم و تكلموا بالإسلام، فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهل ضرع و لم نكن أهل ريف، و استوخموا المدينة، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود و راعي، و أمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها و أبوالها، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم، و قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم فسَمَرُوا أعينهم، و قطعوا أيديهم، و تركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم.

قال قتادة: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة.

الشرح

 ●         [3926] هذا الحديث في «قصة عكل وعرينة»، وهما قبيلتان قدم ناس منهم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة.

قوله: «وتكلموا بالإسلام»، يعني: أسلموا.

وقوله: «فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف» الضرع هي الغنم، يعني: نحن أهل بادية نرعى الغنم في البوادي ونشم الهواء النقي، ولم نكن أهل ريف.

وقوله: «واستوخموا المدينة»، يعني: لما جاءوا المدينة مرضوا؛ لأنهم اعتادوا على الهواء النقي في البادية، و لم يعتادوا حياة المدن وما فيها من جدران وبيوت؛ فمرضوا وأصابتهم الحمى.

وقوله: «فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراعي»، وفي لفظ آخر: «أمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وبراع»([4])، والذود: الإبل ما بين الثنتين إلى التسع.

وقوله: «و أمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها»، أي: أمرهم أن يلحقوا بإبل الصدقة؛ فيشربوا من أبوالها وألبانها، و كانت الإبل في الصحراء خارج البلد.


وفيه: دليل على طهارة بول ما يؤكل لحمه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، خلافًا للشافعية([5]) الذين يقولون: إن البول كله نجس حتى بول ما يؤكل لحمه كأبوال الإبل. والصواب أن بول ما يؤكل لحمه طاهر؛ فالإبل والبقر والغنم بولها وروثها ومنيها وجميع فضلاتها طاهرة.

وليس عندي علم في خلط أبوال الإبل مع ألبانها، وظني أنه لا شيء فيه، وإذا كان يناسب المريض باستشارة الطبيب فليخلطه، ولا بأس به إذا كان مفيدًا؛ لأن هذا طاهر وهذا طاهر.

أما الذي لا يؤكل لحمه فبوله نجس كالسباع والقطط والكلاب والحمير وغيرها، وكذلك فضلاتها.

وقوله: «فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم» في اللفظ الآخر: «فشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا وذهب الوخم والمرض كفروا بعد إسلامهم»([6]).

وقوله: «وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود»، يعني: كفروا، وارتدوا، وقتلوا الراعي، وفي لفظ: «قتلوا الرعاة وسمروا أعينهم»([7]).

وقوله: «فبعث الطلب في آثارهم»، أي: أرسل إليهم جماعة فرسان([8]) ليأتوا بهم ليعاقبهم، وفي لفظ آخر: «فجيء بهم في منتصف النهار»([9]).

وقوله: «فأمر بهم فسمروا أعينهم» سمر الأعين هو أن يؤتى بالحديد، ويحمى بالنار، ويوضع على العين، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بهم قصاصًا، كما فعلوا بالراعي.

وقوله: «وقطعوا أيديهم»، أي: كل واحد قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، وهذا حد الحرابة.

وقوله: «وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم»، أي: تركوا يستسقون فلا يسقون، ويستطعمون فلا يطعمون؛ حتى ماتوا ودماؤهم تنزف؛ حدًّا للردة والكفر.

ولهذا جاء في نص آخر أن أنسًا رضي الله عنه قال: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وارتدوا. نسأل الله العافية.

وقوله: «قال قتادة: وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يحث على الصدقة وينهى عن المثلة» هذا منقطع؛ لأنه قال: «وبلغنا».

* * *

المتن

[37/55] غزوة ذي قَرَدٍ
وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم قبل خيبر بثلاث

 ●         [3927] حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد، قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول: خرجت قبل أن يؤذن بالأولى، وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد، قال: فلقيني غلام لعبدالرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: من أخذها؟ قال: غطفان، قال: فصرخت بثلاث صرخات: يا صباحاه، قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة، ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء، فجعلت أرميهم بنبلي، وكنت راميًا، وأقول: أنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرضع، وأرتجز، حتى استنقذت اللقاح منهم، واستلبت منهم ثلاثين بردة، قال: وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس فقلت: يا نبي الله، قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال: «يا ابن الأكوع، ملكت فأسجح»، قال: ثم رجعنا، ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة.

وقال شعبة وأبان وحماد، عن قتادة: من عرينة.

وقال يحيى بن أبي كثير وأيوب، عن أبي قلابة، عن أنس: قدم نفر من عكل.

حدثني محمد بن عبدالرحيم، قال: حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الحوضي، قال: حدثنا حماد بن زيد، قال: حدثنا أيوب والحجاج الصواف، قالا: حدثني أبو رجاء مولى أبي قلابة وكان معه بالشأم، أن عمر بن عبدالعزيز استشار الناس يوماً فقال: ما تقولون في هذه القسامة؟ فقالوا: حق، قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضت بها الخلفاء قبلك. قال: وأبو قلابة خلف سريره فقال عنبسة بن سعيد: فأين حديث أنس في العرنيين؟ قال أبو قلابة: إيأي: حدثه أنس بن مالك.

قال عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس: من عرينة.

وقال أبو قلابة، عن أنس: من عكل.

ذكر القصة.

الشرح

 ●         [3927] يقول سلمة بن الأكوع: «خرجت قبل أن يؤذن بالأولى» المراد: أنه خرج قبل صلاة الصبح.

وقوله: «وكانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بذي قرد» هو مكان على بعد مسافة من المدينة،اللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة: ذوات الدر من الإبل، واحدها لقحة - بالكسر وبالفتح أيضًا – واللقوح: الحلوب، وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة، قال: وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته، فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة.

وقوله: «قال: فلقيني غلام لعبدالرحمن بن عوف فقال: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم» يعني: سرقت الإبل، وقد ذكر الحافظ رحمه الله أنه لم يقف على اسم هذا الغلام، وأنه قد يكون رباحاً.

وقوله: «فصرخت بثلاث صرخات: يا صباحاه» أي: صرخ صرخات تحذير واستنفار،فكلمه «ياصباحاه» فقال عند استنفار من كان غافلاً من عدوه .

وقوله: «فأسمعت ما بين لابتي المدينة»، أي: نادى بأعلى صوته حتى عم صوته المدينة بأسرها.

وقوله: «ثم اندفعت على وجهي حتى أدركتهم» فسلمة رضي الله عنه صرخ صرخاته الثلاث، ثم اندفع على وجهه لم يلتقي بمينا ولا شمالا، بل اسرع الجري حتى أدرك هؤلاء الذين أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم وهم من غطفان، في رواية مكي: «حتى ألقاهم وقد أخذوها»([10])

وقوله: «وقد أخذوا يستقون من الماء» أي: وجدهم على الماء.

وقوله: «فجعلت أرميهم بنبلي وكنت راميًا» أي: رماهم بالسهام.

وقوله: «وأقول: أنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرضع»، أي: يهددهم؛ والرضع: جمع راضع وهو اللئيم، والمعنى: اليوم يوم هلاك اللئام، وهم يظنون أن وراءه أحدًا؛ لأنه لا يفعل هذا الفعل إلا ومعه أحد، ولو علموا أنه وحده لكروا عليه.

والأصل كما قال الحافظ رحمه الله : (( فيه أن شخصًا كان شديد البخل فكان إذا أراد حلب ناقته ارتضع من ثديها؛ لئلا يحلبها فيسمع جيرانه أو من يمر به صوت الحلب فيطلبون منه اللبن. وقيل: بل صنع ذلك لئلا يتبدد من اللبن شيء إذا حلب في الإناء أو يبقى في الإناء شيء إذا شربه منه، فقالوا في المثل: ألأم من راضع. وقيل: بل معنى المثل: ارتضع اللؤم من بطن أمه. وقيل: كل من كان يوصف باللؤم يوصف بالمص والرضاع. وقيل: المراد من يمص طرف الخلال إذا خلل أسنانه وهو دال على شدة الحرص. وقيل: هو الراعي الذي لا يستصحب محلبًا فإذا جاءه الضيف اعتذر بأن لا محلب معه، وإذا أراد أن يشرب ارتضع ثديها. وقال أبو عمرو الشيباني: هو الذي يرتضع الشاة أو الناقة عند إرادة الحلب من شدة الشره. وقيل: أصله الشاة ترضع لبن شاتين من شدة الجوع. وقيل: معناه اليوم يعرف من ارتضع كريمة فأنجبته ولئيمة فهجنته. وقيل: معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره. وقال الداودي: معناه هذا يوم شديد عليكم تفارق فيه المرضعة من أرضعته فلا تجد من ترضعه».

وقوله: «حتى استنقذت اللقاح منهم»، أي: حتى أخذ الإبل منهم.

وقوله: «واستلبت منهم ثلاثين بردة»، أي: إنه صار يتبعهم بعدها ويرميهم؛ حتى صاروا يتخبطون، وكل من عليه عباءة يلقيها حتى أخذ منهم ثلاثين بردة.

في رواية مسلم: «فما زلت كذلك حتى ما خلق الله من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعير إلا خلفته وراء ظهري، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحًا يتخففون بها، قال: فأتوا مضيقًا فأتاهم رجل فجلسوا يتغدون، فجلست على رأس قرن، فقال لهم: من هذا؟ فقالوا: لقينا من هذا البرج، قال: فليقم إليه منكم أربعة، فتوجهوا إليه فتهددهم فرجعوا، قال: فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أولهم الأخرم الأسدي فقلت له: احذرهم فالتقى هو وعبدالرحمن بن عيينة فقتله عبد الرحمن»([11])».وهذا يدل على شجاعة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

وقوله: «وجاء النبي صلى الله عليه وسلم والناس فقلت: يا نبي الله، قد حميت القوم الماء وهم عطاش» أي: منعتهم من الماء.

وقوله: «فابعث إليهم الساعة» وقوله في رواية مسلم: «فقلت: يا رسول الله، خلني أنتخب من القوم مائة رجل فأتبعهم فلا يبقى منهم مخبر قال: فضحك»(1)،«فقال: «يا ابن الأكوع ملكت فأسجح» أسجح يعني: سهِّل، من السجاحة، وهي السهولة، والمعنى: قدرت فاعف عنهم. زاد مكي في روايته: «إن القوم ليقرون في قومهم»([12])، وعند الكشميهني: «من قومهم»، ولمسلم: «إنهم ليقرون في أرض غطفان»([13]). و«يقرون» من القرى وهي الضيافة. ولابن إسحاق فقال: «إنهم الآن ليغبقون في غطفان»([14])؛ من الغبوق، وهو شرب أول الليل، والمراد أنهم فاتوا وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم ونزلوا عليهم، فهم الآن يذبحون لهم ويطعمونهم. ووقع عند مسلم قال: «فجاء رجل فقال: نحر لهم فلان جزورًا فلما كشطوا جلدها إذا هم بغبرة فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين»(2).

قوله: «ثم رجعنا» إلى المدينة «ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة» في رواية مسلم: «ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء» وذكر قصة الأنصاري الذي سابقه فسبقه سلمة قال: «فسبقت إلى المدينة، فوالله ما لبثنا إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر»-
وفيه: - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا اليوم سلمة» قال سلمة: «ثم أعطاني سهم الراجل والفارس جميعًا»(2)».

 قال الحافظ ابن حجر /: «وفي الحديث: جواز العدو الشديد في الغزو والإنذار بالصياح العالي».

فإذا دعت الحاجة للعدو الشديد في الغزو فلا بأس؛ لأن سلمة رضي الله عنه عدا عدوًا شديدًا من الفجر إلى الظهر وهذه شجاعة وقوة منه رضي الله عنه.

وتعريف الإنسان بنفسه إذا كان شجاعًا ليرعب خصمه؛ وذلك في قول سلمة رضي الله عنه: «أنا ابن الأكوع» .

وفيه: ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على سلمة رضي الله عنه: «ملكت فأسجح»، كما قال الحافظ رحمه الله:«واستحباب الثناء على الشجاع ومن فيه فضيلة لاسيما عند الصنع الجميل؛ ليستزيد من ذلك، ومحله حيث يؤمن الافتتان».

 فإذا أُمنت الفتنة ولم يعجب بنفسه وكان بالشيء القليل فلا بأس في ذلك.

وفيه: المسابقة على الأقدام، ولا خلاف في جوازه بغير عوض، وأما بالعوض فالصحيح لا يصح – كما قال الحافظ رحمه الله- .

قوله: «عن قتادة: من عرينة»، ثم قوله: «عن أنس: قدم نفر من عكل» الصواب أن بعضهم من عرينة وبعضهم من عكل، كما ترجم البخاري فقال: «قصة عكل وعرينة».

فهذا سند آخر للقصة.

ثم ذكر «أن عمر بن عبدالعزيز استشار الناس يوما»، فيه: استحباب استشارة ولي الأمر للناس؛ حيث إن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه استشار الناس؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعملًا بسنته.

وقوله: «ما تقولون في هذه القسامة؟» القسامة: هي أن يوجد قتيل لا يعرف من قتله، ويكون هناك لوث -أي: يكون هناك عداوة بين هؤلاء الذين وجد فيهم القتيل و بين أهل القتيل- فإذا أراد أهل القتيل أن يطالبوا بدمه فإنهم يحلفون خمسين يمينًا على رجل، ثم يُدفع إليهم، فإن نكلوا أبرأهم أولئك بخمسين يمينًا أنهم ما فعلوا.

وقوله: «فأين حديث أنس في العرنيين؟»، أي: إنهم ذكروا قصة العرنيين وما حدث فيها من قصاص، والقصاص يكون من المرتكب للحد على غرار ما فعل؛ فمن قتل أحدًا بالخنق فإنه يخنق، وإذا ألقاه من شاهق يلقى من شاهق؛ لقوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة: 179]، ولحديث أنس رضي الله عنه: عدا يهودي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جارية فأخذ أوضاحًا كانت عليها ورضخ رأسها، فأتى بها أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رمق وقد أصمتت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتلك؟ فلان؟» لغير الذي قتلها، فأشارت برأسها أن لا. قال: فقال لرجل آخر غير الذي قتلها، فأشارت: أن لا، فقال: «ففلان؟» لقاتلها، فأشارت: أن نعم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين([15]).

قوله: «قال عبد العزيز بن صهيب، عن أنس: من عرينة. وقال أبو قلابة، عن أنس: من عكل»؛ الصواب أن بعضهم من عرينة وبعضهم من عكل، كما ترجم البخاري فقال: «قصة عكل وعرينة».

* * *

المتن

[38/55] غزوة خيبر

 ●         [3928] حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن بُشير بن يسار، أن سويد بن النعمان أخبره، أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كنا بالصهباء - وهي من أدنى خيبر - صلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ.

 ●         [3929] حدثنا عبدالله بن مسلمة، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلًا، فقال رجل من القوم لعامر: يا عامر، ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلًا شاعرًا، فنزل يحدو بالقوم يقول:

اللهمَّ لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدَّقنا ولا صلَّينـا

فاغفِـرْ فِـدًا لك مـا أبقينا وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقَيْنا

وألْــقِ السَّكينـــة علينــا إنَّا إذا صِيـح بنـا أتينـا

وبالصِّيـاح عوَّلـوا علينـا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا السائق؟»، قالوا: عامر بن الأكوع، قال: «يرحمه الله»، قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله، لولا أمتعتنا به، فأتينا خيبر، فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة، ثم إن الله فتحها عليهم، فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما هذه النيران؟ على أي: شيء توقدون؟»، قالوا: على لحم، قال: «على أي: لحم؟»، قالوا: لحمَ حمر الإنسية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهريقوها واكسروها»، فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها؟ قال: «أو ذاك» فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيراً، فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه، قال: فلما قفلوا قال سلمة: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ يدِي، قال: «ما لك؟»، قلت له: فَداك أبي وأمي، زعموا أن عامرًا حبط عمله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كذب مَن قاله؛ وإن له أجرين - وجمع بين إصبعيه - إنه لَجَاهَدَ مَجَاهِد، قَلَّ عربي مشى بها مثلُه».

حدثنا قتيبة، قال: حدثنا حاتم، قال: «نشأ بها».

 ●         [3930] حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن حميد الطويل، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلًا، وكان إذا أتى قومًا بليل لم يَقْرَبْهُم حتى يصبح، فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خربت خيبر؛ إنا إذا نزلنا بساحة قوم (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ) [الصافات: 177]».

 ●         [3931] حدثنا صدقة بن الفضل، قال: أخبرنا ابن عيينة، قال: حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: صبحنا خيبر بكرة، فخرج أهلها بالمساحي، فلما بصروا بالنبي صلى الله عليه وسلم قالوا: محمد والله، محمد والخميس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«الله أكبر! خربت خيبر؛ إنا إذا نزلنا بساحة قوم (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ)[الصافات: 177]»، فأصبنا من لحوم الحمر، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر؛ فإنها رجس.

 ●         [3932] حدثني عبدالله بن عبدالوهاب، قال: حدثنا عبدالوهاب، قال: حدثنا أيوب، عن محمد، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جائِي فقال: أكلت الحمر. فسكت، ثم أتى الثانية فقال: أكلت الحمر. فسكت، ثم أتى الثالثة فقال: أفنيت الحمر. فأمر مناديًا فنادى في الناس: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية»، فأكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم.

 ●         [3933] حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريبًا من خيبر بغلس، ثم قال: «الله أكبر! خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ)»، فخرجوا يسعون في السكك، فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية، فصارت إلى دحية الكلبي، ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عتقها صداقها، فقال عبدالعزيز بن صهيب لثابت: يا أبا محمد، أنت قلت لأنس: ما أصدقها؟ فحرك ثابت رأسه؛ تصديقًا له.

 ●         [3934] حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن عبدالعزيز بن صهيب قال: سمعت أنس ابن مالك يقول: سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية، فأعتقها وتزوجها. فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها.

 ●         [3935] حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبدالواحد، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي موسى قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر - أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير:الله أكبر، لا إله إلا الله؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اربعوا على أنفسكم؛ إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم»، وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: «يا عبدالله بن قيس»، قلت: لبيك رسول الله، قال: «ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟»، قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

 ●         [3936] حدثنا قتيبة، قال: حدثنا يعقوب، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه من أهل النار»، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه؛ كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت؛ فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك؟»، قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض، وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة».

 ●         [3937] حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة قال: شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي الإسلام: «هذا من أهل النار»، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال، حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهمًا فنحر بها نفسه، فاشتد رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول الله، صدق الله حديثك؛ انتحر فلان فقتل نفسه، فقال: «قم يا فلان فأذن: ألّا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر».

تابعه معمر، عن الزهري.

وقال شبيب، عن يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني ابن المسيب وعبدالرحمن بن عبدالله بن كعب، أن أبا هريرة قال: شهدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينًا.

وقال ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

تابعه صالح، عن الزهري.

وقال الزبيدي: أخبرني الزهري، أن عبدالرحمن بن كعب أخبره، أن عبيدالله بن كعب قال: حدثني من شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.

قال الزهري: وأخبرني عبدالله بن عبدالله وسعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3938] حدثنا المكي بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد، قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة، فقلت: يا أبا مسلم، ما هذه الضربة؟ قال: هذه ضربة أصابتها يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنفث فيه ثلاث نفثات؛ فما اشتكيتها حتى الساعة.

 ●         [3939] حدثنا عبدالله بن مسلمة، قال: حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل قال: التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا، فمال كل قوم إلى عسكرهم، وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه، فقيل: يا رسول الله، ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان، فقال: «إنه من أهل النار»، فقالوا: أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟! فقال رجل من القوم: لأتبعنه، فإذا أسرع وأبطأ كنت معه حتى جرح، فاستعجل الموت، فوضع نصاب سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله، فقال: «وما ذاك؟»، فأخبره، فقال: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وإنه مِن أهل النار، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة».

 ●         [3940] حدثنا محمد بن سعيد الخزاعي، قال: حدثنا زياد بن الربيع، عن أبي عمران قال: نظر أنس إلى الناس يوم الجمعة فرأى طيالسة، فقال: كأنهم الساعة يهود خيبر.

 ●         [3941] حدثنا عبدالله بن مسلمة، قال: حدثنا حاتم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة قال: كان علي بن أبي طالب تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان رمدًا، فقال: أنا أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم! فلحق، فلما بتنا الليلة التي فتحت قال: «لأعطين الراية غدًا، أو ليأخذن الراية غدًا رجل يحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه»، فنحن نرجوها، فقيل: هذا علي، فأعطاه ففتح عليه.

 ●         [3942] حدثنا قتيبة، قال: حدثنا يعقوب بن عبدالرحمن، عن أبي حازم، قال: أخبرني سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟»، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: «فأرسِلوا إليه»، فأُتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ؛ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن تكون لك حمر النعم».

 ●         [3943] حدثنا عبدالغفار بن داود، قال: حدثنا يعقوب ح. و حدثني أحمد، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثني يعقوب بن عبدالرحمن الزهري، عن عمرو مولى المطلب، عن أنس بن مالك قال: قدمنا خيبر، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها وكانت عروسًا، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فخرج بها، حتى بلغنا سَدَّ الصهباء حلت، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صنع حيسًا في نطع صغير، ثم قال: «آذن من حولك»، فكانت تلك وليمةً على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُحَوِّي لها وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب.

 ●         [3944] حدثنا إسماعيل، قال: حدثني أخي، عن سليمان، عن يحيى، عن حميد الطويل، سمع أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها، وكان فيمن ضرب عليها الحجاب.

 ●         [3945] حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، قال: أخبرني حميد، أنه سمع أنسًا يقول: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بلالًا بالأنطاع فبسطت فألقى عليها التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب.

 ●         [3946] حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة ح. وحدثني عبدالله بن محمد، قال: حدثنا وهب، قال: حدثنا شعبة، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن مغفل قال: كنا محاصري خيبر، فرمى إنسان بجراب فيه شحم، فنزوت لآخذه فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت.

 ●         [3947] حدثني عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن عبيدالله، عن نافع و سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل الثوم، وعن لحوم حمر الأهلية.

نهى عن أكل الثوم: هو عن نافع وحده، ولحوم الحمر الأهلية: عن سالم.

 ●         [3948] حدثنا يحيى بن قزعة قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبدالله و الحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما، عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الإنسية.

 ●         [3949] حدثنا محمد بن مقاتل، قال: أخبرنا عبدالله، قال: أخبرنا عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية.

 ●         [3950] حدثني إسحاق بن نصر، قال: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا عبيدالله، عن نافع و سالم، عن ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الأهلية.

 ●         [3951] حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر بن عبدالله قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، ورخص في الخيل.

 ●         [3952] حدثنا سعيد بن سليمان، قال: حدثنا عباد، عن الشيباني، سمعت ابن أبي أوفى يقول: أصابتنا مجاعة يوم خيبر؛ فإن القدور لتغلي، قال: وبعضها نضجت، فجاء منادي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئًا، وأهْريقوها. قال ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها؛ لأنها لم تخمس، وقال بعضهم: نهى عنها البتَّةَ؛ لأنها كانت تأكل العَذرة.

 ●         [3953] حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عدي بن ثابت، عن البراء و عبدالله بن أبي أوفى، أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابوا حمرًا فاطبخوها، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: «أكْفِئُوا القدور».

 ●         [3954] حدثني إسحاق، قال: حدثنا عبدالصمد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا عدي بن ثابت، سمعت البراء و ابن أبي أوفى يحدثان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر -وقد نصبوا القدور: «أكفئوا القدور».

 ●         [3955] حدثنا مسلم، قال: حدثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم... نحوه.

 ●         [3956] حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا عاصم، عن عامر، عن البراء قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر أن تُلقى الحمر الأهلية نيئة ونضيجة، ثم لم يأمرنا بأكله بعد.

 ●         [3957] حدثني محمد بن أبي الحسين، قال: حدثنا عمر بن حفص، قال: حدثنا أبي، عن عاصم، عن عامر، عن ابن عباس قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمه يوم خيبر لحم الحُمر الأهلية؟

 ●         [3958] حدثنا الحسن بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن سابق، قال: حدثنا زائدة، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفارس سهمين، وللراجل سهمًا.

قال: فسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم.

 ●         [3959] حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن جبير بن مطعم أخبره قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن بمنزلة واحدة منك، فقال: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» قال جبير: ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس وبني نوفل شيئًا.

 ●         [3960] حدثني محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا بريد بن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم؛ أحدهما: أبو بردة، والآخر: أبو رهم، إما قال: بضعًا، وإما قال: في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلًا من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، وكان أناس من الناس يقولون لنا - يعني: لأهل السفينة: سبقناكم بالهجرة، ودخلت أسماء بنت عميس -وهي ممن قدم معنا- على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس، قال عمر: آلحبَشِيَّةُ هذه؟ آلبحْريَّةُ هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؛ فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار -أو في أرض- البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيم الله، لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت للنبي صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال: «فما قلت له؟»، قالت: قلت له كذا وكذا، قال: «ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان»، قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتون أسماء أرسالًا يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو بردة: قالت أسماء: ولقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني.

وقال أبو بردة، عن أبي موسى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن حين يدخلون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار، ومنهم حكيم إذا لقي الخيل - أو قال: العدو - قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تَنظُرُوهُم».

 ●         [3961] حدثني إسحاق بن إبراهيم، سمع حفص بن غياث، قال: حدثنا بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى قال: قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن افتتح خيبر، فقسم لنا، ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرَنا.

 ●         [3962] حدثني عبدالله بن محمد، قال: حدثنا معاوية بن عمرو، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن مالك بن أنس، قال: حدثني ثور، قال: حدثني سالم مولى ابن مُطِيع، أنه سمع أبا هريرة يقول: افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له: مِدْعَمٌ، أهداه له أحد بني الضباب، فبينا هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئًا له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا»، فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شراك أو شراكين من نار».

 ●         [3963] حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد، عن أبيه، أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس بَبَّانًا ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر؛ ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها.

 ●         [3964] حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن مهدي، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر قال: لولا آخر المسلمين ما فتحت عليهم قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر.

 ●         [3965] حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت الزهري -وسأله إسماعيل بن أمية- قال: أخبرني عنبسة بن سعيد، أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، قال له بعض بني سعيد بن العاص: لا تعطه، فقال أبو هريرة: هذا قاتل ابن قَوْقَلَ، فقال: واعجباهُ لوبر تدلى من قدوم الضأن.

ويذكر عن الزبيدي، عن الزهري، قال: أخبرني عنبسة بن سعيد، أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاصي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبانًا على سرية من المدينة قبل نجد، قال أبو هريرة: فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحها، وإن حزم خيلهم لليف، قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، لا تَقْسِمُ لهم. قال أبان: وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبان، اجلس» فلم يقسم لهم.

قال أبو عبدالله: الضَّال السِّدر.

 ●         [3966] حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني جدي، أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل، فقال أبان لأبي هريرة: واعجبًا لك وبر تَدَأدَأ من قدوم ضأن، تنعى علي امرأً أكرمه الله بيدي، ومنعه أن يُهِـنِّي بيده.

 ●         [3967] حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» إنما يأكل آل محمد في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلًا، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبي بكر: أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك؛ كراهية ليحضر عمر، فقال عمر: لا والله، لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوه بي، والله لآتينهم، فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي فقال: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا بالأمر، وكنا نَرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبًا، حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الخير، ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته. فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى أبو بكر الظهر رَقِيَ على المنبر، فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعُذْرَه بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر وتشهد علي فعظم حق أبي بكر، وحدث أنه لم يحملْه على الذي صنع نفاسةٌ على أبي بكر، ولا إنكارٌ للذي فضَّله الله به؛ ولكنَّا كنَّا نَرى لنا في هذا الأمر نصيبًا فاستبد علينا، فوجدنا في أنفسنا. فسر بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت، وكان المسلمون إلى علي قريبًا حين راجع الأمر المعروف.

 ●         [3968] حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثني حرمي، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عُمارة، عن عكرمة، عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر.

 ●         [3969] حدثنا الحسن، قال: حدثنا قرة بن حبيب، قال: حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر.

الشرح

هذا الباب يتعلق بغزوة خيبر، وخيبر بينها وبين المدينة مرحلة - أي: مسافة قصر، وكان يسكنها اليهود، وقد فتحت عنوة، وبعض حصونها حاصره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم فتح صلحًا بعد الحصار.

 ●         [3928] هذا الحديث فيه: أن سويد بن نعمان كان ممن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر.

قوله: «حتى إذا كنا بالصهباء» فسرها في الحديث بأنها «من أدنى خيبر» أي: قرب خيبر.

وقوله: «ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق»، والسويق: هو حب الحنطة أو الشعير إذا قلي ثم طحن.

وقوله: «فثري»، يعني: نثر.

وقوله: «ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ»، يعني: صلى المغرب بوضوء العصر، وفيه: نسخ وجوب الوضوء من الأكل مما مسته النار؛ لأن السويق مما مسته النار، وكانوا في أول الإسلام يتوضؤون مما مسته النار، فإذا أكل شيئًا محموسًا أو مطبوخًا، أو شرب مرقًا فإنه يتوضأ، ثم نسخ هذا، كما جاء في حديث جابر: كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسته النار([16])، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من كتف شاة فدعي للصلاة فترك السكين على اللحم ثم قام ولم يتوضأ([17])، ولكن هل يستحب الوضوء منه أم لا؟ قيل: إنه نسخ الوجوب ولم يبق الاستحباب، وقيل: إنه بقي الاستحباب، والصواب: أن الاستحباب باقٍ.


وفيه: دليل على جواز الصلاتين فأكثر بوضوء واحد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أنه صلى الصلوات الخمس بوضوء واحد، فسأله عمر فقال: «عمداً فعلت يا عمر»(.[18])
وفيه: أنه مسح على خفيه.

 ●         [3929] هذه القصة يرويها سلمة بن الأكوع أخو عامر بن الأكوع م .

قوله: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فسرنا ليلًا»، يعني: ساروا ليلًا ونهارًا؛ لأن المسافة من المدينة إلى خيبر بعيدة.

وقوله: «فقال رجل من القوم لعامر»، هو عم ٍسلمة بن الأكوع.

وقوله: «يا عامر، ألا تسمعنا من هنيهاتك؟» يعني: من الرجز و الشعر الذي تحدو به؛ كي ينشطنا.

وقوله: «فنزل يحدو بالقوم» الحدو: هو الرجز والشعر الذي ينشط القوم، ولا محذور فيه؛ لأن فيه تشجيعًا لهم على الجهاد والعمل.

وقوله:

«اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا»

يخاطب ربه سبحانه وتعالى، يعني: أن الله تعالى هو الذي وفقنا للهداية، كما قال أهل الجنة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف: 43] فبنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضالون، وليس ذلك بحول من الإنسان ولا قوته ولكنه بتوفيق الله، والإيمان نعمة أنعم الله بها على المؤمنين، فخصهم بها دون غيرهم من الكفرة، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحجرات: 7، 8].

وقوله:

«فاغفر فدًا لك ما أبقينا ....................»

يعني: أننا نقدم محبتك ومحبة مرضاتك على أنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقدم أوامرك يا الله وأوامر رسولك صلى الله عليه وسلم على مراد نفوسنا، وفي لفظ:

«فاغفر فداءً لك ما اتقينا ..................»([19])

وقوله:

«................. وثبت الأقدام إن لاقينا»

دعاء بالثبات في حربهم مع المشركين.

وقوله:

«وألق السكينة علينا  إنا إذا صيح بنا أتينا»

وفي لفظ:

«وألقين سكينة علينا  إنا إذا صيح بنا أبينا»(1)

والمعنى: ألق سكينة في قلوبنا يا الله؛ فإنا إذا صاح بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال العدو أتينا فنقاتله ولا نتركه؛ طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: «وبالصياح عولوا علينا»

أي: إذا صاح المجاهد، ودعا داعي الجهاد فإنا يعول علينا، فنستجيب ونلبي الداعي.

وبهذا يتبين أن هذا الرجز كله خير؛ ففيه: اعتراف لله تعالى بتوفيقه ونعمته، وسؤال الله ودعاؤه بالثبات.

وقوله: «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا السائق؟» أي: الذي يحدو.

وقوله: «وجبت يا نبي الله»، يعني: وجبت له الشهادة؛ ففي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالرحمة إرهاص بأنه قد وجبت له الشهادة.

وقوله: «لولا أمتعتنا به»، يعني: بكلماته.

قال: «فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة» جاء في بعض الروايات: أن الحصار طال مدة طويلة، وأنه وقع ما يقارب عشرين يومًا أو يزيد؛ حتى أصابهم جوع شديد بسبب قلة ذات اليد؛ وقد انتهت الأقوات؛ ولهذا جاء عن عبدالله بن مغفل أنه قال: رمي بجراب من شحم ونحن في حصار خيبر قال: فالتزمته فقلت: اليوم آخذه ولا أعطي منه أحدًا فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت([20]) أي: استحيا أن يأخذ هذا الشحم الذي رمي به من قبل اليهود؛ والشيء القليل من الطعام والفاكهة الذي يؤخذ من أرض العدو لا يعتبر من الغنيمة التي تخمس، بل يؤكل ولا حرج.

قوله: «ثم إن الله فتحها عليهم» بعد الحصار الطويل.

قوله: «ما هذه النيران؟» أي: رأى النبي صلى الله عليه وسلم نيرانًا مد البصر، فسأل وقال صلى الله عليه وسلم: «على أي: شيء توقدون؟» فقالوا: «على لحم» فقال لهم: «على أي: لحم؟»، فقالوا: «لحم حمر الإنسية»، يعني: حمر أهلية؛ تفريقًا بينها وبين الحمر الوحشية؛ فالحمار الوحشي - المخطط - نوع من الصيد، أما الحمر الأهلية أو الحمر الإنسية -وكانت قبل ذلك في أول الإسلام مباحة وتؤكل- فهي حرام.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أهريقوها واكسروها»، أي: اكسروا القدور واطرحوا لحم الحمر؛ عقوبة لهم؛ حيث إنهم بادروا ولم يستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم.

فقالوا: «يا رسول الله: أو نهريقها ونغسلها؟»، أي: نغسل القدور ولا نكسرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أو ذاك»، أي: رخص لهم بعد ذلك لما طلب أحدهم أن تبقى القدور ولا تكسر، ومن هذا الوقت جاء تحريم لحوم الحمر الأهلية. وفي اللفظ الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل مناديًا ينادي: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية»([21])، فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم.

وقوله: «فلما تصاف القوم» يعني: تصاف المسلمون واليهود للقتال.

وقوله: «كان سيف عامر قصيرًا»، وفي رواية: «أن عامر بن الأكوع تبارز هو ويهودي، وكان سيفه قصيرًا»([22]).

وقوله: «فتناول به ساق يهودي ليضربه، ويرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبة عامر فمات منه» أي: رجع طرف السيف إلى عين ركبة عامر فأصابها؛ فسرى السم في جسده فمات منها، يعني: مات خطأ؛ فما أراد أن يقتل نفسه، بل أراد قتل الكافر اليهودي.

وقوله: «فلما قفلوا قال سلمة: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ يدي»، وفي لفظ آخر: «أنه رآه حزينًا».

وقوله: «فداك أبي وأمي» فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يفدى بالآباء والأمهات؛ لأن محبته صلى الله عليه وسلم مقدمة على محبة الأبوين.

وقوله: «زعموا أن عامرًا حبط عمله»، أي: تحدث الناس وقالوا: حبط عمل عامر؛ لأنه قتل نفسه.

وقوله: «كذب من قاله»، يعني: أخطأ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «كذب أبو السنابل»([23])، ومثل: «صدق الله وكذبت بطن أخيك»([24])، أي: أخطأت، فيقال لمن أخطأ في شيء: كذب في كذا.

وقوله: «وإن له أجرين»، وفي لفظ آخر: «بل له أجران»([25])، أي: لم يبطل عمله، بل له أجران، فيحتمل أن له أجر الجهاد وأجر الشهادة.

وقوله: «إنه لجاهد مجاهد، قل عربي مشى بها مثله» في رواية قتيبة عن حاتم: «نشأ بها»، وفي رواية: «قل عربي مشابهًا مثله»([26]).

قال الحافظ ابن حجر /: «وقال ابن التين: الجاهد من يرتكب المشقة، و «مجاهد» أي: لأعداء الله تعالى».

قال الحافظ ابن حجر /: «في رواية ابن إسحاق: «إنه لشهيد»، وصلى عليه»([27])، ومعروف أن الشهيد لا يصلى عليه، فالشهداء يدفنون بدمائهم إذا ماتوا في المعركة، أما من تأخر موته يومًا أو يومين فهذا يصلى عليه، والله أعلم.

وهذا الحديث فيه : أن المسلم إذا قتل نفسه خطأ في الجهاد أو غيره - كما لو رجع إليه ذباب سيفه - فإنه لا يكون قاتلًا لنفسه.


وفيه: دليل على أن العمليات التي يسمونها بالعمليات الاستشهادية ليست استشهادية، ولكنها عمليات انتحارية؛ لأن الذي يفجر نفسه هذا قتل نفسه باختياره ليس خطأ؛ لأنه إذا كان أشكل على بعض الصحابة فعل عامر، وقالوا: حبط عمله؛ لأنه قتل نفسه خطأ - فكيف بالذي يفجر نفسه باختياره؟!

ولكن هناك من أفتى من إخواننا من طلبة العلم بأنها عمليات استشهادية، ويقيسون ذلك على قصة الرجل الذي غمس نفسه في الروم فقال الناس: سبحان الله يقتل نفسه؟! فقال لهم أبو أيوب: إنكم تحملون هذه الآية على غير تأويلها، وإن هذا لم يلق بنفسه إلى التهلكة، ومثله قصة الزبير حين دخل في صف المشركين ورجع وبه ضربات.

ونقول لهؤلاء: هذا ما قتل نفسه، ولا فجر نفسه، بل قتله العدو، وأيضًا العمليات الانتحارية ليست في صف القتال، فقد يكون من حوله من لا يقاتل، ومن لا يستحق القتل كالعجائز والأطفال وغيرهم، فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه العمليات انتحارية وليست استشهادية، وبهذا أفتى سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز /، وأيضًا الشيخ محمد بن عثيمين/ وغيرهما .

وأما قصة الغلام([28]) فهي في شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت شرعنا بخلافه، والغلام ما قتل نفسه، ولكن قتله الملك الظالم.

 ●         [3930] ذكر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلًا» يعني: أتى قرب خيبر، وليس المراد أنه دخلها.

وقوله: «وكان إذا أتى قومًا بليل لم يقربهم حتى يصبح» في رواية: «لم يغر بهم».

قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «لم يغر بهم حتى يصبح»، كذا للأكثر من الإغارة، ولأبي ذر عن المستملي: «لم يقربهم»،بفتح أوله وسكون القاف وفتح الراء وسكون الموحدة».

وقوله: «فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم»، المساحي: جمع مسحاة، وهي: أداة يستخدمونها في حراثة الأرض، والمكاتل: الزنابيل جمع زنبيل: وهو القفة الكبيرة، والمعنى: أنهم بدءوا في عملهم صباحًا فبغتهم النبي صلى الله عليه وسلم ودخل عليهم بجيشه.

وقوله: «فلما رأوه قالوا: محمد والله، محمد والخميس»، أي: إنهم بهتوا وبغتوا، والخميس: الجيش.

وقوله: «فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ) [الصافات: 177]» ، يعني: خربت على اليهود، وساء صباحهم؛ حيث إنهم بهتوا وأخذوا على غرة وغفلة؛ لأنهم استمروا على كفرهم وقد بلغتهم الدعوة.

 ●         [3931] قوله: «صبحنا خيبر بكرة» لا منافاة بين هذا الحديث والحديث السابق الذي فيه أنهم جاءوا خيبر ليلًا؛ فقد باتوا قربها ثم صبحوها.

وقوله: «فخرج أهلها بالمساحي»، أي: خرجوا كعادتهم في الصباح بأدوات الزراعة يشتغلون ويعملون.

وقوله: «فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر! خربت خيبر»، فيه: مشروعية التكبير عند رؤية ما يفرح به.

وقوله: «إنا إذا نزلنا بساحة قوم (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ)» ذكر الحافظ ابن حجر أنه يؤخذ منه التفاؤل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى المساحي والفؤوس ورأى آلات الهدم تفاءل أن مدينتهم ستخرب.

وقوله: «فأصبنا من لحوم الحمر» الحمر: جمع حمار.

وقوله: «فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر» هذا فيه اختصار، يعني: لما طبخوا الحمر جاء تشريع تحريم أكلها، فأكفئت القدور، وكانت قبل ذلك مباحة تؤكل.

وقوله: «فإنها رجس» فيه: بيان علة النهي والنص عليها وهي الرجس والنجس، وجاء عن بعض العلماء - كما سيأتي في الأحاديث الآتية - أنها حرمت؛ لأنها حمولة الناس، فلو أكلها الناس ما وجدوا شيئًا يركبونه. وقيل: حرمت لأنهم استعجلوا وطبخوها وذبحوها ولم تخمس - أي: لم يؤخذ منها الخمس كباقي الغنيمة؛ حيث تقسم خمسة أخماس: خمس لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولذي القربى ولليتامى، والمساكين وابن السبيل، والباقي للغانمين - فلما لم تخمس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإهراقها؛ عقوبة لهم.

وقيل غير ذلك. والنبي صلى الله عليه وسلم نص هنا على العلة بأنها رجس، لا لأنها حمولة الناس، ولا لأنها لم تخمس، بل لنجاستها وخبثها.

 ●         [3932] قوله: «عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جائي فقال: أكلت الحمر. فسكت، ثم أتى الثانية فقال: أكلت الحمر. فسكت، ثم أتى الثالثة فقال: أفنيت الحمر. فأمر مناديا فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية» هذا احتراز عن الحمر الوحشية؛ لأنها صيد فهي حلال.

وفي هذا الحديث أنه جاء رجل وقال: أكلت الحمر الأهلية، و جاء أخرى وقال: أكلت، وجاء ثالثة وقال: أفنيت، فظن بعض الناس أن سبب النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية خشية أن تفنى، لكن الحديث السابق فيه النص على العلة، وأن العلة أنها رجس، لا خشية فنائها.

 ●         [3933] قوله: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريبًا من خيبر بغلس» الغلس: هو اختلاط ضوء الصبح بظلام الليل، يعني: أنه صلى الفجر مبكرًا بعد انشقاق الفجر وطلوع الصبح، وهذه السنة في صلاة الفجر أن تكون بغلس، لكن بعد التحقق من طلوع الفجر، فكان بلال لا يؤذن حتى يرى الصبح، ثم يتأخر بعض الشيء ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليؤذنه فيصلي الراتبة، ثم يصلي بعد ذلك.


وفي الحديث: الآخر: كان يصلي الفجر بغلس، وكان يصلي معه نساء متلفعات بمروطهن فينصرفن من صلاة الفجر ما يعرفهن أحد من الغلس([29]) يعني: لا يزال هناك ظلمة.

أما التأخير إلى قرب طلوع الشمس، فهذا خلاف السنة، وهذا مذهب الأحناف([30])، ويستدلون بحديث: «أسفروا بالفجر أعظم للأجر»([31])، وهذا الحديث يحمل -بعد صحته- على أن المراد التحقق من طلوع الفجر، وليس المراد التأخر؛ فلا ينبغي التأخر الكثير.

وقوله: «الله أكبر خربت خيبر» فيه: التفاؤل بفتحها.

وقوله: «فخرجوا»، يعني: اليهود.

وقوله: «يسعون في السكك» من الخوف والرعب الذي أصابهم من النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.

وقوله: «فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية»، أي: بعد الحصار الطويل، قتل الرجال الذين بلغوا، و سبى الذرية وهم الأطفال الذين لم يبلغوا والنساء.

وقوله: «وكان في السبي صفية» هي: صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية، وكانت من ذرية نبي الله هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، وكانت قبل ذلك تحت سلام بن مشكم القرظي، ثم فارقها وتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقتل يوم خيبر.

وقوله: «فصارت إلى دحية الكلبي» فقد استأذن دحية النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، أعطني جارية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فخذ جارية من السبي» فأخذ صفية، فأتى آت فقال: يا رسول الله، أعطيت دحية صفية، وهي بنت ملك لا تصلح أن تكون إلا لك، وهي من أجمل النساء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خذ سبيًا غيرها»([32])، فأخذ غيرها، وفي لفظ: «أنه أعطاه بنت عمها»([33])، وفي لفظ آخر: «أنه أعطاه بدلها سبعة أرؤس»([34]).

وقوله: «ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عتقها صداقها» اصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه، فلما كان في أثناء طريقه من خيبر إلى المدينة استبرأها بحيضة، فطهرت من الحيضة؛ فبنى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأعتقها، وجعل عتقها صداقها.

وقوله: «فقال عبدالعزيز بن صهيب لثابت»، هو: ثابت البناني الراوي عن أنس رضي الله عنه.

وقوله: «يا أبا محمد، أنت قلت لأنس: ما أصدقها؟» هذا استفهام، قال: «فحرك ثابت رأسه تصديقًا له».

 ●         [3934] قوله: «سبى النبي صلى الله عليه وسلم صفية فأعتقها وتزوجها. فقال ثابت لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها».

فيه أنه لا بأس بإعتاق الجارية، وجعل عتقها صداقها، فمن كانت له جارية أو أمة فهي ملكه؛ له أن يتسراها - أي: يطؤها - بملك اليمين، وله أن يزوجها غيره، وله أن يعتقها ثم يتزوجها بعد ذلك، وله أن يجعل الصداق نفس العتق بأن يقول: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك؛ فتنتقل من كونها أمة إلى كونها حرة.

ولهذا أشكل على الصحابة أمر صفية ل، هل هي من أمهات المؤمنين أو من الجواري؟ فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي من الجواري - وذلك لأن الحرة تحجب والأمة لا تحجب، إلا إذا كانت جميلة ويخشى عليها من الفتنة - فلما بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم حجبها، فعرفوا أنها من أمهات المؤمنين.


وفيه: دليل على أنه لا بأس أن يكون الصداق منفعة، ومثل ذلك ما كان من أم سليم ل لما خطبها أبو طلحة رضي الله عنه -قبل أن يسلم- قالت: يا أبا طلحة مثلك لا يرد، إلا أنك رجل كافر وأنا مسلمة، فإن تسلم فهو صداقي، فأسلم، وبذلت نفسها له بإسلامه، فكان إسلامه صداقها.

 ●         [3935] قوله: «لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر - أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم» الشك من الراوي، والصواب أن هذا كان بعد فتح خيبر؛ لأن أبا موسى الأشعري حضر هو وجعفر بن أبي طالب وأصحاب السفينة ي إلى خيبر بعد أن أتم الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فتحها.

وقوله: «أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله»
وفي الحديث: الآخر عن أبي موسى الأشعري –أيضًا- أنه قال: «ارتفعنا فلما ارتفعنا ارتفعت أصواتنا بالتكبير»([35]). وكان الصحابة يرفعون أصواتهم بالتكبير؛ امتثالًا لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وشكرًا لله على نعمائه، ولكنهم أجهدوا أنفسهم، «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اربعوا على أنفسكم»، أي: ارفقوا ولا تشقوا على أنفسكم؛ «إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا»، وهو الله سبحانه وتعالى.

وقوله: «إنكم تدعون سميعًا قريبًا» فيه: إثبات صفة السمع لله عز وجل، والرد على أهل البدع - كما ناقشهم شيخ الإسلام في «التدمرية» وفي غيرها، ومن أهل البدع المعتزلة الذين أنكروا الصفات كلها وأثبتوا الأسماء فيقولون: لا يلزم من نفي إحدى الصفتين المتقابلتين ثبوت الأخرى؛ والصواب: أن السمع والصمم صفتان متقابلتان، فإذا انتفى السمع ثبت الصمم، وإذا ثبت السمع انتفى الصمم، وكذلك العلم والجهل، فإذا ثبت العلم انتفى الجهل، وإذا انتفى الجهل ثبت العلم، وإذا ثبت العلو انتفى السفل، وإذا انتفى السفل ثبت العلو، وهذا من الأدلة العقلية الصحيحة الواضحة.


وفيه: أن الله حاضر وليس غائبًا.


وفيه: إثبات القرب لله، فهو قريب سبحانه وتعالى، وقربه عز وجل نوعان: قرب من الداعين بالإجابة، وقرب من العابدين بالإثابة، كما قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)[البقرة: 186] يعني: قريب من الداعين وليس قريبًا من كل أحد، كما قال سبحانه وتعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19]. فالساجد قريب من الله بالإثابة، وقال الله تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 56].فالله قريب وليس بعيدًا، وهو حاضر وليس غائبًا، وهو سميع وليس أصم.

وقوله: «وهو معكم»؛ هذه معية خاصة بهم؛ لأنهم يدعون الله ويكبرون، فهي معية خاصة بالمكبرين والداعين.


وفيه: إثبات المعية لله عز وجل، وهي صفة من صفاته، والمعية نوعان:

النوع الأول: المعية الخاصة، وهي خاصة بالمؤمنين من الأنبياء والصابرين والمتقين والمحسنين، وتأتي في سياق المدح والثناء، ومقتضاها النصر والحفظ والكلاءة والتأييد، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128]، وكما قال الله تعالى لموسى وأخيه هارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)[طه: 46] ، يعني: إن معيتي خاصة بكما، يعني: حفظي ورعايتي وتأييدي، فلما دخل معهم فرعون جاءت المعية العامة (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ)[سورة الشعراء: 15]. وقوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]. هذه معية خاصة من الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه في الهجرة.

النوع الثاني: المعية العامة، وتكون للمؤمن والكافر، وتأتي في سياق المحاسبة والمجازاة والتخويف، ومقتضاها الإحاطة والاطلاع ونفوذ السمع والبصر ونفوذ القدرة والمشيئة، فهو سبحانه وتعالى مع كل أحد، وهو فوق عرشه يبصر أعمالهم، كما قال الله سبحانه وتعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد: 4] ، وكما قال سبحانه وتعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [المجادلة: 7].


وفيه: أن عبدالله بن قيس كان يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟» وفي لفظ: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟»([36]) فيه فضل لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنها كنز من كنوز الجنة.

وقوله: «فداك أبي وأمي»، يعني: أفديك يا رسول الله بأبي وأمي؛ لأنه عليه الصلاة والسلام مقدم على الآباء والأمهات والنفوس.

وهذا الحديث فيه مشروعية التكبير للمسافر إذا صعد مرتفعًا؛ لأن الله أكبر من كل شيء، ومشروعية التسبيح إذا انخفض -كأن يكون نازلًا واديًا- تنزيهًا لله عن السفول والنقص.

 

([1]) البخاري (1808) بنحوه.

([2]) البخاري (3181)، ومسلم (1785).

([3]) البخاري (1814)، ومسلم (1201).

([4]) البخاري (5727).

([5]) انظر «أسنى المطالب» (1/12).

([6]) البخاري (4192)، ومسلم (1671).

([7]) مسلم (1671) نحوه.

([8]) في عشرين فارساًبقيادة كرز بن جابر الفهري، انظر ابن هشام (4/ 383/ 384)؛ ابن سعد : الطبقات (2/93)؛الواقدي (2/ 569).

([9]) البخاري (233) نحوه.

([10]) البخاري (3041).

([11]) مسلم (1807).

([12]) البخاري (3041).

([13]) مسلم (1807).

([14]) «السيرة النبوية» (4/247).

([15]) البخاري (5295)، ومسلم (1672).

([16]) أبو داود (192)، والنسائي (185).

([17]) البخاري (208)، ومسلم (355).

([18]) مسلم (277).

([19]) البخاري (4196)، ومسلم (1802).

([20]) البخاري (3153)، ومسلم (1772).

([21]) البخاري (4199)، ومسلم (1940).

([22]) مسلم (1802) نحوه.

([23]) أحمد (1/447).

([24]) البخاري (5684)، ومسلم (2217).

([25]) مسلم (1807) نحوه.

([26]) البخاري (4196)، ومسلم (1802).

([27]) «السيرة النبوية» (4/298).

([28]) مسلم (3005).

([29]) البخاري (578)، ومسلم (645).

([30]) انظر «المبسوط» (1/145 - 146).

([31]) أبو داود (424)، والترمذي (154)، وابن ماجه (672).

([32]) البخاري (371)، ومسلم (1365).

([33]) «السيرة النبوية» (4/300).

([34]) مسلم (1365).

([35]) البخاري (6610).

([36]) البخاري (6384)، ومسلم (2704).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد