شعار الموقع

شرح كتاب المغازي من صحيح البخاري (64-13)

00:00
00:00
تحميل
93

● [3963] هذا الحديث فيه أن عمر رضي الله عنه حلف فقال: «أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس ببانًا ليس لهم شيء» ببانًا: بموحدتين مفتوحتين، قال الحافظ ابن حجر /: «قال الطبري: الببان في المعدم الذي لا شيء له، فالمعنى: لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم، أي: متساوين في الفقر».

قوله: «ما فتحت علي قرية إلا قسمتها»، أي: على أهلها، وذلك على إثر الجهاد وإعلاء دين الله عزوجل.

قوله: «كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر» هذا هو الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر وقسمها على الفاتحين.

قوله: «ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها»، يعني: يضرب عليها الخراج فيقتسمونها، حتى ينتفع المسلمون المتأخرون وأبناؤهم وأبناء أبنائهم، فكل من جاء يأكل من الخراج، وهكذا تكون مستمرة.

 ●         [3964] قوله في الأثر الثاني: «لولا آخر المسلمين ما فتحت عليهم قرية إلا قسمتها»، يعني: لولا أني أراعي آخر المسلمين لقسمت القرية التي أفتحها، فأنا أضرب عليها الخراج؛ حتى يستفيد آخر المسلمين.

 ●         [3965] قوله: «أن أبا هريرة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله» أن يعطيه من غنائم خيبر؛ لأنه جاء بعد فتح خيبر. «قال له بعض بني سعيد بن العاص: لا تعطه»، أي: من الغنيمة، والقائل هو أبان بن سعيد. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: «هذا قاتل ابن قوقل» فرد عليه أبان، وقال: «واعجباه لوبر تدلى من قدوم الضأن»
وفيه: أن هذا الكلام قد يحصل عند الملاحاة والخصومات والله يغفر للجميع.

وأما في الرواية الثانية: فينقل الزبيدي، عن الزهري قال: أخبرني عنبسة بن سعيد، أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاصي بن أمية - وكان أميرًا على المدينة من قبل معاوية - قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبانا على سرية من المدينة قبل نجد، قال أبو هريرة: فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحها، وإن حزم خيلهم لليف، قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، لا تقسم لهم»، يعني: من غنائم خيبر. «قال أبان: وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبان اجلس»، فلم يقسم لهم».

 ●         [3966] فأما الأثر الثالث ففيه: قوله: «حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد قال: أخبرني جدي» هو: سعيد بن العاص بن أمية «أن أبان بن سعيد»، هو: ابن العاص بن أمية، وهو عم سعيد بن العاص الذي في الأثر الأول «أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه»، أي: جاء إلى خيبر، وكان قادمًا من سرية قبل نجد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على رأسها. وهذا الشاهد وهو أن قصة أبان وأبي هريرة م كانت في فتح خيبر.

قوله: «فقال أبو هريرة: يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل»، هو: النعمان بن قوقل الأنصاري.

قوله: «فقال أبان لأبي هريرة: واعجبًا لك وبر تدأدأ» الوبر: دابة صغيرة كالسنور وحشية، وبعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرًا؛ لأنه جاء من الجبال. و«تدأدأ»: يعني: تهجم و نزل علينا بغتة من الجبال. وكذلك تدلى و تحدر بنفس المعنى. وقوله: «من قدوم ضأن» القدوم: هو الطرف، والضأن: أصل الجبل؛ لأنه في الغالب مرعى للغنم، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة.

وكأن أبانًا يقول: أنت تقول هذا وأنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلست من أهله ولا من قومه ولا من أولاده، وقد جئتنا وكأنك وبر كالدابة التي تنزل من الجبال وتتحكم وتقول للرسول صلى الله عليه وسلم: لا تعطه.

قال الحافظ ابن حجر /: «قال الخطابي: أراد أبان تحقير أبي هريرة، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع، وأنه قليل القدرة على القتال».

وهذه ملاحاة مع الخصومة، وإن كانوا هم خير الناس وأفضل الناس رضي الله عنهم أجمعين.

فقال أبان: «تنعى علي امرأ أكرمه الله بيدي ومنعه أن يهـني بيده» يعني: تعيب علي وتعيرني لأني قتلت ابن قوقل، وابن قوقل أكرمه الله بالشهادة على يدي، ولم يهني الله بأن يقتلني في ذلك الوقت على الكفر، بل أمهلني حتى هداني الله للإسلام.

 ●         [3967] هذه القصة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في سؤال فاطمة ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر؛ لأن أبا بكر هو الذي تولى الخلافة، فجاءت فاطمة تسأله ميراثها ظنًّا منها ل أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث، فبين لها أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث.

ذكرت عائشة ل «أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر» بعد أن تولى الخلافة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم «تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر»، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يورث، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يورث لكان لزوجاته الثمن، ولابنته فاطمة النصف، والباقي لعمه العباس، وهو المعصب. فقال أبو بكر رضي الله عنه: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة»([1])، وهذا الحديث رواه أكثر العشرة المبشرين بالجنة.

ثم قال: «إنما يأكل آل محمد في هذا المال»، يعني: الفيء، يأكلون ويُعطَوْن بدون ميراث ويُنفق عليهم منه؛ ولهذا كان أبو بكر ينفق على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ابنته فاطمة ل.

ثم قال أبو بكر رضي الله عنه لها: «وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك»، أي: غضبت في نفسها منه، «فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر» والصواب مع أبي بكر رضي الله عنه، وأما فاطمة ل فقد وهمت، فهي ليست معصومة، وإن كانت «سيدة نساء أهل الجنة»([2]). كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وادعت أن لها حقًّا في الميراث، وكذلك كان علي معها، وهما ليسا معصومين. أما أبو بكر فمعه النص، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث، ما تركنا صدقة»([3]) وقد روى هذا النص جماعة من الصحابة منهم علي أيضًا، بل رواه أكثر العشرة المبشرين بالجنة، والقاعدة في هذا: أن السنة حاكمة على كل أحد من الصحابة فمن بعدهم، وليس قول أحد حاكمًا على السنة كائنًا من كان؛ فالحجة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هناك أحد معصوم -وإن كان عظيمًا- إلا النبي صلى الله عليه وسلم، «فلما توفيت» بعد ستة أشهر «دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر»، أي: إنه بقي في نفسه بعض الشيء من أجل هذا فلم يخبره.

ففي هذا الحديث: جواز الدفن ليلًا إذا أعطي الميت حقه كاملًا من تغسيل أو تكفين، وما جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الدفن ليلًا([4]) - فهذا محمول على ما إذا كان هناك تقصير في حق الميت في تغسيله أو تكفينه، فلا يدفن ليلًا، فهذا هو الجمع بين النصوص.

قولها: «وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة»، أي: كانت له مكانة من الناس من أجل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.

قولها: «فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس»، أي: خفت منزلته في القلوب شيئًا ما لوفاة فاطمة.

قولها: «فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر فأرسل» أي: علي «إلى أبي بكر أن ائتنا» يعني: في البيت «ولا يأتنا أحد معك كراهية ليحضر عمر»، يعني: ائت وحدك حتى تتم المصافاة.

فقال عمر لأبي بكر: «لا والله لا تدخل عليهم وحدك، فقال أبو بكر: وما عسيتهم أن يفعلوه بي، والله لآتينهم، فدخل عليهم أبو بكر، فتشهد علي» فيه: مشروعية التشهد عند الخطبة أو عند الكلام؛ بأن يقول: الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم صل وسلم على محمد. ثم تكلم يريد أن يخبر أبا بكر بما عنده، فقال: «إنا قد عرفنا فضلك» يعني: يا أبا بكر، «وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك» يعني: لم نحسدك على الخلافة، ولم نحسدك على فضلك، وأنك أفضل الناس بعد الأنبياء، «ولكنك استبددت علينا بالأمر» يعني: بالمال، ما أعطيتنا من صدقة النبي صلى الله عليه وسلم، فعلي لا يزال في نفسه شيء من أبي بكر رضي الله عنه. قال: «وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبًا»، يعني: من هذا المال.

قوله: «حتى فاضت عينا أبي بكر» بالدمع «فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فإني لم آل فيها عن الخير»، أي: ما قصرت فيها عن الخير، إنما أعمل فيها عملًا بمقتضى النصوص. «ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلا صنعته» فالرسول صلى الله عليه وسلم كان ينفق على زوجاته، فأنا سأنفق عليهن، فما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فأنا أفعله، فكان ينفق على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وينفق على فاطمة، لكن فاطمة لم تقتنع ل،وكذلك علي رضي الله عنه.

قوله: «فقال علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة» فلم يكن علي رضي الله عنه بايعه. «فلما صلى أبو بكر الظهر رقي على المنبر، فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر» ثم قام علي بعد ذلك.

قوله: «وتشهد علي فعظم حق أبي بكر، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر»، يعني: حسدًا له، «ولا إنكار للذي فضله الله به»، قال: «ولكنا كنا نَرى لنا في هذا الأمر نصيبًا فاستبد علينا»، يعني: المال والصدقة التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «فوجدنا في أنفسنا. فسر بذلك المسلمون، وقالوا: أصبت، وكان المسلمون إلى علي قريبًا حين راجع الأمر المعروف».

وفيما يلي ذكر الأدلة على سوء فهم الرافضة والحجج عليهم فيما كان بين الصديق وعلي م :

أولًا: ما صححه ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره أن عليًّا بايع أبا بكر في أول الأمر([5]).

ثانيًا: ما ذكره ابن كثير في «البداية» أن عليًّا بايع أبا بكر مرتين: مرة مع الناس، ومرة بعد موت فاطمة([6]).

ثالثًا: قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «وكان المسلمون إلى علي قريبًا» أي: كان ودهم له قريبًا حين راجع الأمر بالمعروف، أي: من الدخول فيما دخل فيه الناس».

رابعًا: قال الحافظ ابن حجر /: «قال القرطبي /: من تأمل ما دار بين أبي بكر وعلي من المعاتبة ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الإنصاف عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر».

فعلي اعترف بفضل أبي بكر وأبو بكر اعترف بفضل علي م ، فتسابقا الخير م ، لكن الرافضة قوم بهت.

ثم قال /: «وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانًا، لكن الديانة ترد ذلك، والله الموفق. وقد تمسك الرافضة بتأخر علي عن بيعة أبي بكر م إلى أن ماتت فاطمة، وهذيانهم في ذلك مشهور».

خامسًا: ما قاله شيخ الإسلام /: الرافضة أكذب الناس في المنقول، وأجهل الناس في المعقول، ويتخذون الكذب ديدنًا لهم وعادة([7]).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الرافضة إذا اختلفوا وذكروا قولين، وأحد القولين لا يعرف صاحبه، فالقول الحق هو القول الذي لا يعرف صاحبه.

سادسًا: يكفي أنهم جعلوا دينهم مبنيًّا على خرافة مهديهم المنتظر، الذي دخل سرداب سامراء سنة ستين ومائتين، ولم يخرج منه إلى الآن، فمحمد بن الحسن أبوه الحسن مات عقيمًا ولم يولد له، فجعلوا له ولدًا وأدخلوه السرداب سنة ستين ومائتين، وكما يقول شيخ الإسلام: «له اليوم أكثر من أربعمائة وأربعين سنة»([8]) هذا في زمانه، ونحن نقول الآن: مضى عليه ألف ومائتا سنة، وما خرج بعدما دخل في السرداب، وهم في كل سنة يأتون له بدابة عند باب السرداب، وينادون بأصوات مرتفعة: يا مولانا اخرج، يا مولانا اخرج.

أما المهدي عند أهل السنة، فهو رجل من آل البيت يخرج ويبايع له آخر الزمان.

وهذا دفع لهذيان الرافضة.

تحرير رواية الزهري:

ثم قال الحافظ ابن حجر /: «وأما ما وقع في مسلم عن الزهري: «أن رجلًا قال له: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة ي قال: لا ولا أحد من بني هاشم»([9]) فقد ضعفه البيهقي([10]) بأن الزهري لم يسنده وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح».

فرواية الزهري منقطعة في هذا، والزهري تابعي.

قال: «وجمع غيره بأنه بايعه بيعة ثانية مؤكدة للأولى؛ لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث كما تقدم، وعلى هذا فيحمل قول الزهري: «لم يبايعه علي في تلك الأيام» على إرادة الملازمة له والحضور عنده وما أشبه ذلك، فإن في انقطاع مثله عن مثله ما يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك؛ وبسبب ذلك أظهر علي المبايعة التي بعد موت فاطمة ل لإزالة هذه الشبهة».

 ●         [3968]، [3969] أما هذا الحديث فذلك لأن الصحابة ي أصابتهم الشدة في أول الهجرة، ولكنهم صبروا ونصروا دين الله عزوجل فأفلحوا وفازوا رضي الله عنهم وأرضاهم؛ فلما فتح الله خيبر، وحصلت الأموال والحوائط مَنَّ الله عليهم بالرخاء.

قالت عائشة: «الآن نشبع من التمر»، وقال ابن عمر: «ما شبعنا حتى فتحنا خيبر»؛ لأن خيبر لما غنمها المسلمون كان بها نخل كثير، فعند ذلك زالت الشدة.

* * *

المتن

[39/55] استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر

 ●         [3970] حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن عبدالمجيد بن سهيل، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري و أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل تمر خيبر هكذا؟»، قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصَّاعَيْن بالثلاثة، فقال: «لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتعْ بالدراهم جنيباً».

وقال عبدالعزيز بن محمد، عن عبدالمجيد، عن سعيد، أن أبا سعيد وأبا هريرة حدثاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أخا بني عدي من الأنصار إلى خيبر، فأمَّره عليها.

وعن عبدالمجيد، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة وأبي سعيد... مثله.

الشرح

هذه الترجمة عقدها المؤلف في «استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل خيبر».

 ●         [3970] ذكر عن أبي سعيد وعن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر»
وفيه: مشروعية استعمال أو جعل أمير على البلد المفتوحة، وأن الإمام ينبغي له إذا فتح بلدًا أن يولي عليها أميرًا.

وفي هذا الحديث مشروعية البيع والشراء؛ لأن هذا الرجل باع واشترى؛ لأن الأصل في البيع والشراء الإباحة، إلا ما دل الدليل على تحريمه، وهذا الرجل الذي استعمله على خيبر باع بيعًا محرمًا ربويًّا، وذلك أنه باع تمرًا بتمر بزيادة، ولا يجوز بيع التمر بالتمر إلا مثلًا بمثل سواء بسواء، ومثله البر، ومثله الشعير، ومثله الملح، ومثله الذهب والفضة. فبيع بعضهما ببعض لابد فيه من المماثلة في الوزن فيما يوزن، والمماثلة بالكيل فيما يكال؛ ولابد من التقابض في مجلس العقد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى»([11]). وهذا الرجل اشترى تمرًا جيدًا بتمر رديء، والتمر الرديء أكثر من التمر الجيد، اشترى صاعين من التمر الرديء بصاع من التمر الجيد فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن أن هذا هو الربا، ثم بيَّن له الحكم الشرعي والطريقة الشرعية المباحة لتصحيح هذا البيع وهي أنه يبيع التمر الرديء بدراهم ثم يشتري التمر الجيد.

قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «وعن عبد المجيد» هو معطوف على الذي قبله، وهو عن عبد العزيز الدراوردي، عن عبد المجيد، فلعبد المجيد فيه شيخان. والله أعلم».

* * *

المتن

[40/55] معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر

 ●         [3971] حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا جويرية، عن نافع، عن عبدالله قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها.

الشرح

 ●         [3971] هذه مزارعة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على أن يدفع لهم الأرض فيعملوا بها ولهم شطر الثمن - أي: النصف - وللنبي صلى الله عليه وسلم الشطر.

* * *

المتن

[41/55] باب الشاة التي سُمَّت للنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر

رواه عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3972] حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: حدثنا الليث، قال: حدثني سعيد، عن أبي هريرة: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سُمٌّ.

الشرح

قوله: «سُمَّت» أي: التي جُعل فيها السم.

قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «رواه عروة عن عائشة»؛ لعله يشير إلى الحديث الذي ذكره في الوفاة النبوية من هذا الوجه معلقًا أيضًا، وسيأتي ذكره هناك».

 ●         [3972] قوله: «لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم» هكذا أورده البخاري هنا مختصرًا، وقد سبق مطولًا في أواخر كتاب «الجزية».

* * *

المتن

[42/55] غزوة زيد بن حارثة

 ●         [3973] حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفيان بن سعيد، قال: حدثنا عبدالله بن دينار، عن ابن عمر قال: أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة على قوم فطعنوا في إمارته، فقال: «إن تطعَنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيمُ الله، لقد كان خليقاً للإمارة، وإن كان من أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده».

الشرح

قوله: «غزوة زيد بن حارثة» هي غزوة مؤتة في السنة الثامنة من الهجرة.

 ●         [3973] قوله: «أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة على قوم فطعنوا في إمارته، فقال: إن تطعَنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله» وأبوه هو زيد بن حارثة رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر /: «يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، وعند النسائي عن عائشة قالت: «ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم»([12])، وفيه: جواز إمارة المولى، وتولية الصغار على الكبار، والمفضول على الفاضل؛ لأنه كان في الجيش - الذي كان عليهم أسامة - أبو بكر وعمر».

قوله: «وأيم الله» قسم معناه: وايمن الله، وأقسم النبي صلى الله عليه وسلم لتأكيد المقالة، وتكتب أيضًا: «وايم الله».

قال الحافظ ابن حجر /: «بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة أصله: ايمن الله، وهو اسم وضع للقسم هكذا، ثم حذفت منه النون تخفيفًا وألفه ألف وصل مفتوحة، ولم يجئ كذلك غيرها، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: ايم الله قسمى، وفيها لغات جمع منها النووي في «تهذيبه» سبع عشرة وبلغ بها غيره عشرين».

قوله: «لقد كان خليقًا للإمارة»، أي: جديرًا وأهلًا للإمارة.

قوله: «وإن كان من أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده» هذه منقبة لزيد، أقسم النبي صلى الله عليه وسلم إنه لخليق بالإمارة، وإنه أهل لها، وهو من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وابنه أسامة من أحب الناس إليه بعد أبيه.

* * *

المتن

[43/55] عمرة القضاء

ذكره أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3974] حدثنا عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضانا عليه محمد رسول الله، قالوا: لا نقر بهذا؛ لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً، ولكن أنت محمد بن عبدالله، فقال: «أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبدالله»، ثم قال لعلي بن أبي طالب: «امحُ رسول الله»، قال: لا والله، لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب -وليس يحسن يكتب- فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله؛ لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع من أصحابه أحداً إن أراد أن يقيم بها. فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليا فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك بنت عمك حَمَلتْها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر؛ قال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، فقال زيد: بنت أخي، فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم»، وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي»، وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»، قال علي: ألا تتزوج بنت حمزة؟ قال: «إنها بنت أخي من الرضاعة».

 ●         [3975] حدثني محمد، هو: ابن رافع، قال: حدثنا سريج، قال: حدثنا فليح ح. وحدثني محمد بن الحسين بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا فليح بن سليمان، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمراً فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية، وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل، ولا يحمل سلاحاً عليهم إلا سيوفاً، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم، فلما أن أقام بها ثلاثاً أمروه أن يخرج فخرج.

 ●         [3976] حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة، ثم قال: كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعا، ثم سمعنا استنان عائشة، قال عروة: يا أم المؤمنين، ألا تسمعي ما يقول أبو عبدالرحمن: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر؟ فقالت: ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط.

 ●         [3977] حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، سمع ابن أبي أوفى يقول: لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم؛ أن يؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3978] حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد - هو: ابن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقَد وهنهم حمى يثرب، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاءُ عليهم.

 ●         [3979] حدثني محمد، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة؛ ليري المشركين قوته.

وزاد ابن سلمة، عن أيوب، عن سعيد، عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم لعامه الذي استأمن، قال: «ارمُلوا»؛ ليُرِيَ المشركين قوتهم، والمشركون من قِبَل قُعَيْقِعانِ.

 ●         [3980] حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بِسَرِفَ.

وزاد ابن إسحاق: حدثني ابن أبي نجيح وأبان بن صالح، عن عطاء ومجاهد، عن ابن عباس: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة في عمرة القضاء.

الشرح

قال الحافظ ابن حجر /: «قال ابن الأثير: أدخل البخاري «عمرة القضاء» في «المغازي» لكونها كانت مسببة عن غزوة الحديبية. انتهى، واختلف في سبب تسميتها عمرة القضاء، فقيل: المراد ما وقع من المقاضاة بين المسلمين والمشركين من الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية، فالمراد بالقضاء: الفصل الذي وقع عليه الصلح؛ ولذلك يقال لها: عمرة القضية».

 ●         [3974] قوله: «اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام»، أي: صالحهم على أن يقيم ثلاثة أيام.

قوله: «فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضانا عليه محمد رسول الله، قالوا: لا نقر بها؛ لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا، ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله» وهذا الذي قالوه من كفرهم وتعنتهم.

قوله: «ثم قال لعلي بن أبي طالب: امح رسول الله، قال: لا والله لا أمحوك أبدًا» ليس هذا من قبيل العصيان.

قوله: «فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب -وليس يحسن يكتب- فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله؛ لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب» أي: كتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يُدخل مكة سلاحًا إلا في الغمد.

قوله: «وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد أن يقيم بها» هذا فيه غضاضة على المسلمين، فلو أراد أحد أن يخرج من مكة إلى المدينة اشترطوا أن يردوه عليهم، ولو أراد أحد أن يبقى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لم يردوه عليه.

وفي هذا دليل على أن للإمام أن يتنازل عن بعض الحق في صلحه إن رأى مصلحة في ذلك، وقد شق هذا على الصحابة، لكن كان فيه الخير؛ فقد وضعت الحرب أوزارها عشر سنين، وتفرغ النبي صلى الله عليه وسلم بعدها لفتح خيبر، ثم نقضوا الصلح بعد ذلك بسنتين؛ فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم وفتح مكة.

قوله: «فلما دخلها»، يعني: في العمرة.

قوله: «ومضى الأجل» أي: ثلاثة أيام.

قوله: «أتوا عليًّا فقالوا: قل لصاحبك»، أي: النبي صلى الله عليه وسلم «اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك بنت عمك حملتها» يعني: خذي ابنة عمك حمزة بن عبد المطلب.

قوله: «فاختصم فيها علي وزيد وجعفر؛ قال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي» أي: ابنة عمه حمزة.

قوله: «وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، فقال زيد: بنت أخي» لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين زيد وبين حمزة.

قوله: «فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم»، أي: قضى بها لجعفر؛ لأن خالتها تحته، وفيه: أن الخالة مقدمة على ابنة العم في الحضانة؛ لأنها -أي: الخالة- بمنزلة الأم.

قوله: «وقال لعلي: أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا»، أي: أرضاهم النبي صلى الله عليه وسلم كلهم، وطيب خاطرهم.

 ●         [3975] قوله: «عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرًا فحال كفار قريش بينه وبين البيت؛ فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية» فيه: دليل على أن المحصر ينحر ويحلق، ويتحلل في مكانه إذا كان محرمًا.

قوله: «وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل»، أي: صالحهم على أن يرجع هذا العام ويتحلل من عمرته، ويعتمر من العام القادم.

قوله: «ولا يحمل سلاحًا عليهم إلا سيوفًا، ولا يقيم بها إلا ما أحبوا، فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم»، أي: حسب الصلح.

قوله: «فلما أن أقام بها ثلاثًا أمروه أن يخرج فخرج»، أي: لما أكمل ثلاثة أيام طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يخرج من مكة، وهذا في السنة السابعة من الهجرة.

 ●         [3976] قوله: «سمعنا استنان عائشة»، يعني: كانت أم المؤمنين عائشة ل في الحجرة تسوك أسنانها حتى سمعوا ضربها بالمسواك، فناداها عروة - وهي خالته أخت أمه، فعروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر: «يا أم المؤمنين ألا تسمعي ما يقول أبو عبدالرحمن: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر؟» وأبو عبدالرحمن هو: عبدالله بن عمر م .

فردت عليه عائشة ل: «ما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة إلا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط»، أي: تريد أن تقول: نسي ابن عمر، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما اعتمر إلا وهو معه، لكنه ما اعتمر في رجب، إنما عمره كلها في ذي القعدة. وفيه: أن الصحابي الجليل قد يخفى عليه بعض أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم.

 ●         [3977] قوله: «سترناه من غلمان المشركين»، يعني: كانوا يحرسونه من غلمان المشركين أن يرميه أحد؛ لأن هذه العمرة هي عمرة القضاء، وأهل مكة لم يسلموا بعد، وإنما اعتمرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة سبع من الهجرة مقاضاة لهم، فإنهم صالحوه على أن يرجعوا عام الحديبية سنة ست، وأن يعتمروا من العام القابل، فجاءوا من العام القابل؛ كي يعتمروا فكان الصحابة يحرسون النبي صلى الله عليه وسلم من كفار قريش خشية أن يرميه أحد.

 ●         [3978] بعدما قالت قريش: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ي قد وهنتهم حمى يثرب فلن يقدروا أن يمشوا، - فإذا هم يرملون كالغزلان، فإذا تجاوزوهم بين الركنين صاروا يمشون، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمشوا رفقًا بهم، وهذا في عمرة القضاء، ثم في حجة الوداع أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الشوط كله من الركن إلى الركن، واستقرت الشريعة على هذا، وأن الرمل مشروع من أول الشوط إلى آخره.

 ●         [3979] قوله: «إنما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة» السعي: شدة المشي، وهو الهرولة، والمعنى: إنما سعى بالبيت ثلاثة أشواط، وهرول بين الصفا والمروة.

قوله: «ليري المشركين قوته»، أي: إن أصل مشروعية الهرولة أنه لما اعتمروا عمرة القضية في السنة السابعة قال المشركون: يقدم عليكم محمد وأصحابه قد أضعفتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا؛ ليري المشركين قوته، فلما رأوهم يهرولون قالوا: انظروا إليهم يقفزون كالغزلان، ثم صارت الهرولة سنة مطلقًا.

 ●         [3980] هذا الحديث صحيح، لكن وهم فيه ابن عباس كما حقق ذلك أهل التحقيق، حيث قالوا: إن ابن عباس وهم في قوله: «تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم»، والصواب: أنه تزوجها وهو حلال، ويدل على ذلك أمور:

الأمر الأول: أن ميمونة نفسها أخبرت أنه تزوجها وهو حلال، وهي صاحبة القصة.

الأمر الثاني: أن أبا رافع أخبر أنه تزوجها وهو حلال؛ لأنه هو الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينها، وكذلك أخبر يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وهي خالته، كما أنها خالة ابن عباس.

الأمر الثالث: أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة كان في عمرة القضاء، وابن عباس إذ ذاك في سن العاشرة، فدل على أن هذا وهم من ابن عباس، والصواب: أنه تزوجها وهو حلال، ولو قُدَّر أنه تزوجها وهو محرم فيحتمل أن هذا قبل النهي، ويحتمل أن هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح»([13]).

قوله: «وماتت بسرف»، مكان قريب من مكة.

 

([1]) أحمد (1/4)، والبخاري (3093)، ومسلم (1759).

([2]) أحمد (3/80)، والبخاري (3624).

([3]) أحمد (1/4)، والبخاري (3093)، ومسلم (1759).

([4]) أحمد (3/295)، ومسلم (943).

([5]) وصححه الحاكم في «المستدرك» (3/80).

([6]) «البداية والنهاية» لابن كثير (9/417) ط هجر.

([7]) «مجموع الفتاوى» (13/263) بمعناه.

([8]) «جامع الرسائل» (1/263).

([9]) «مسند أبي عوانة» (4/251).

([10]) قال / في «السنن الكبرى» (6/300): «منقطع، وحديث أبي سعيد الخدري t أصح».

([11]) أحمد (5/314)، ومسلم (1587).

([12]) النسائي في «الكبرى» (5/52).

([13]) مسلم (1409).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد