شعار الموقع

شرح كتاب المغازي من صحيح البخاري (64-15)

00:00
00:00
تحميل
113

    [4006] قوله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر»، لأنه دخلها لا يريد النسك وإنما يريد القتال.


وفيه: دليل على أن من دخل مكة لا يريد النسك يجوز له أن يدخل بغير إحرام خلافا لمذهب الحنابلة([1])، فالحنابلة يقولون: كل من أراد أن يدخل مكة فعليه أن يحرم، ولا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلا بإحرام، إلا من دخل لقتال، وكذلك من يكثر ترداده كالحطاب وما أشبه ذلك، وما عداهم فإنه يجب على كل من يدخل مكة أن يحرم.

والصواب أنه لا يجب الإحرام إلا على من أراد النسك، والدليل على هذا حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت قال: «هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة»([2]) ومفهومه أن من لم يرد الحج والعمرة فإنه لا يجب عليه الإحرام؛ ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر.

قوله: «ابن خطل متعلق بأستار الكعبة» يعني: محتمٍ بها، فقال: «اقتله»؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه فقال: «إذا وجدتم ابن خطل فاقتلوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة»([3])؛ لأنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم.

وكل من هتك حرمة الحرم بالقتل أو الزنا يقتص منه بمكة؛ وعليه فتقام الحدود بمكة، أما من فعل شيئا خارج الحرم، ثم دخل الحرم فهذا هو الذي يؤمن.

قوله: «ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما نرى والله أعلم - يومئذ محرمًا» وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لفتح مكة فلا يريد النسك؛ ولذلك لم يكن محرماً.

    [4007] قوله: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب» سميت نصبا؛ لأنها تنصب للعبادة.

قوله: «فجعل يطعنها بعود في يده» يطعن: بضم العين وفتحها، والضم سماعي، وأما القياس فبالفتح؛ لأن القاعدة أن الفعل إذا كان ثاني حروفه حرف حلق فتح في المضارع، تقول: طعن يطعَن، ذهب يذهَب، وفي بعض الروايات: «يشير إليها»([4])، «ويقول: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ) [الإسراء: 81] (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ)[سبأ: 49]» ، فتتساقط على وجوهها.

ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى البعض وطعن البعض، وفعل ذلك بأمر الله، والله هو الذي أسقطها، وفي ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم وعلم من أعلام نبوته.

    [4008] عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت
وفيه: الآلهة فأمر بها فأخرجت، وأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام» وهذه الأزلام كان يستقسم بها المشركون، وهي ثلاثة أقداح يديرونها: واحد مكتوب عليه: افعل، وواحد: لا تفعل، وواحد: غفل، فإذا أرادوا سفرا أو تجارة أو غيرها استقسموا بتلك الأقداح، فإذا خرج افعل مضى، وإذا خرج لا تفعل أحجم، وإذا خرج الثالث الغفل أجلوا الأمر الذي كانوا يريدون فعله حتى يخرج واحد من الاثنين: افعل، أو: لا تفعل.

قوله: «فقال: قاتلهم الله، لقد علموا ما استقسما بها قط» أي: قاتل الله المشركين لقد علموا أن إبراهيم وإسماعيل لم يستقسموا بالأزلام أبدًا.

قوله: «ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه» هكذا حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل في جوف الكعبة كبر في نواحيها ولم يصل، أما في حديث بلال - كما سيأتي - أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل، وصلى ركعتين بين العمودين، وجعل بينه وبين الجدار الغربي ثلاثة أذرع([5]).

وقد جمع العلماء بين الحديثين بأن بلالاً مثبت للفعل وابن عباس ناف له، والمثبت مقدم على النافي؛ لأن معه علما خفي على ابن عباس، وأخذ العلماء من حديث بلال أن المصلي إذا لم يكن له سترة ومُرَّ أمامه لأكثر من ثلاثة أذرع فلا يضر.

قوله: «أبى أن يدخل البيت
وفيه: الآلهة»
وفي الحديث: الذي قبله: «وحوله ستون وثلاثمائة نصب» ففي الحديث الأول أن الأصنام كانت حول البيت، وفي هذا الحديث أن الأصنام كانت في البيت وسط الكعبة.

ونجمع بين الحديثين بأن الذي حول البيت من الأصنام غير الذي بالداخل، فالذي حول البيت هي النصب التي نصبت للعبادة والذبح للأصنام عليها، والذي بالداخل الصور التي على الجدران، وسيأتي في حديث آخر: أنه رأى فيه صورة إبراهيم فأمر بها فمحيت ولكن بقيت فيها بقية ثم محاها([6]).

قال الحافظ ابن حجر /: «ووقع في رواية ابن أبي شيبة، عن ابن عيينة: «صنمًا» بدل «نصبًا»([7])، ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام، وليست مرادة هنا، وتطلق الأنصاب على أعلام الطريق».

ويؤخذ من الحديث أن الإنسان لا يصلي إذا كانت أمامه صورة، لكن الصلاة صحيحة.

وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مرتين، وفي المرة الأولى امتنع لوجود الصور ثم رجع في المرة الثانية، فنرد عليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم ما دخل البيت إلا مرة واحدة يوم الفتح؛ ولهذا خرج حزينا وقال: «إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي»([8]) يعني: خوفا من أن تقتدي به الأمة وتتزاحم على دخول الكعبة، ولذلك لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت في حجة الوداع، ولما قالت عائشة: أريد أن أصلي في الكعبة قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «صَلِّي فِي الْحِجْرِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْكَعْبَةِ»([9]).

قال الحافظ ابن حجر /: «وفي الحديث: كراهة الصلاة في المكان الذي فيه صور لكونها مظنة الشرك وكان غالب كفر الأمم من جهة الصور».

وإذا صلى في المكان الذي فيه صور أو في الثوب الذي فيه صورة أو فيه صليب، فهل تصح صلاته؟ فيه خلاف: فمن العلماء من قال: تصح صلاته، ومنهم من قال: لا تصح.

* * *

المتن

[49/55] دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة

وقال الليث: حدثني يونس، قال: أخبرنا نافع، عن عبدالله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفاً أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، فَمكُث فيه نهارا طويلاً، ثم خرج فاستبق الناس، فكان عبدالله بن عمر أول من دخل فوجد بلالاً وراء الباب قائماً، فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، قال عبدالله: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة؟

    [4009] حدثنا الهيثم بن خارجة، قال: حدثنا حفص بن ميسرة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة أخبرته، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح من كَدا التي بأعلى مكة.

تابعه أبو أسامة ووهيب في كَدا.

    [4010] حدثني عبيد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، دخل النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح من أعلى مكة من كَدا.

الشرح

قوله: «دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة» هذه الترجمة دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح من أعلاها، وتدل على أن الحديث السابق: «أن خالداً دخل من أعلاها» وهم؛ فخالد رضي الله عنه دخل من أسفلها والنبي صلى الله عليه وسلم دخل من أعلاها([10]).

وحديث ابن عمر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة حيث قال: «ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فمكث فيه نهاراً طويلاً، ثم خرج فاستبق الناس فكان عبدالله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالاً وراء الباب قائما، فسأله: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه، قال عبد الله: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة؟» وحديث ابن عباس السابق فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في نواحيها ولم يصل، والمثبت مقدم على النافي.

 ●         [4009] قوله: «من كدا التي بأعلى مكة» فيه: نص على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة من أعلاها.

قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «تابعه أبو أسامة ووهيب في كداء»، أي: روياه عن هشام بن عروة بهذا الإسناد، وقالا في روايتهما: دخل من كداء، أي: بالفتح والمد».

 ●         [4010] وهذه رواية أبي أسامة التي سبق ذكرها.

قوله: «كدا» مقصورة بغير همزة، وفي نسخة أخرى بالهمز «كداء».

* * *

المتن

[50/55] منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح

 ●         [4011] حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو، عن ابن أبي ليلى: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ؛ فإنها ذكرت أنه يوم فتح مكة اغتسل في بيتها ثم صلى ثمانِ ركعاتٍ، قالت: لم أره صلى صلاة أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود.

الشرح

 ●         [4011] وابن أبي ليلى من كبار التابعين، وقد أدرك أم هانئ الصحابية القرشية فقد ماتت في خلافة معاوية.

قوله: «اغتسل في بيتها، ثم صلى ثمان ركعات» وهذه ركعات خفيفة إلا أنه أتم الركوع والسجود، وهذه الصلاة اجتمع فيها ثلاثة أمور: صلاة الفتح، وصلاة الشكر، وصلاة الضحى، وهذا دليل على أن السنن قد تتداخل، فله أن يصلي ركعتين وينوي بهما سنة تحية المسجد وسنة الوضوء وسنة الراتبة، وإذا صلى السنة الراتبة أجزأت عن تحية المسجد وعن سنة الوضوء، وإذا نواها لهذه السنن كلها يكون أفضل.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أحياناً، ويتركها أحيانًا([11])، وكان ذلك والله أعلم مراعاة لأمته خشية أن تفرض عليهم، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أوصى أبا الدرداء([12]) وأبا هريرة م بصلاة الضحى([13]) والمشروع المداومة على صلاة الضحى عملاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة وأبي الدرداء، خلافاً لمن كره المداومة عليها من العلماء، فبعض العلماء يقول: يكره المداومة على صلاة الضحى؛ لئلا تشتبه بالصلاة الواجبة، والصواب أنه لا يكره؛ لأن الإنسان يعلم أن صلاة الضحى مستحبة وليست واجبة.

* * *

المتن

[51/55] باب

 ●         [4012] حدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي».

 ●         [4013] حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رُئِيتُه دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ) [النصر: 1-2]- حتى ختم السورة -؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: ابنَ عباس، أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فتح مكة، فذلك علامة أجلك، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)، قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم.

 ●         [4014] حدثنا سعيد بن شرحبيل، قال: حدثنا ليث، عن المقبري، عن أبي شريح العدوي، أنه قال لعمرو بن سعيد - وهو يبعث البعوث إلى مكة -: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذنأي: ووعاه قلبي وأبصرته عينأي: حين يتكلمُ به؛ إنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجراً، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب»، فقيل لأبي شريح: ماذا قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك. يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخربة.

قال أبو عبدالله: الخربة البلية.

 ●         [4015] حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبدالله، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر».

الشرح

 ●         [4012] قوله: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده» بعد فتح مكة، وبعد أن نزلت سورة: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر: 1]: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»، قالت عائشة: يتأول القرآن.

وهذا وجه مناسبة الأحاديث للترجمة؛ لأن الله عز وجل أمره بأن يسبح إذا فتحت مكة، فالله عز وجل يقول: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)، أي: فتح مكة (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)، [النصر: 2 - 3] أي: فاستعد للقائنا فقد انتهت مهمتك في الدنيا، فبلغت الرسالة وأديت الأمانة، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي».

 ●         [4013] هذا الحديث فيه: دليل على أن نزول سورة النصر فيه إعلام بقرب أجل النبي صلى الله عليه وسلم كما فهم ابن عباس رضي الله عنهما.

قوله: «لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟» كان عمر رضي الله عنهيدخل ابن عباس - وكان صغيرا - مع الأشياخ والكبار، فقال بعضهم: كيف يأتي هذا الصغير ويدخل معنا ولنا أبناء مثله؟ فأراد أن يريهم مكانته ومنزلته من العلم، وأن الله فتح عليه استجابة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»([14])، فجمعهم مرة وسألهم فقال: «ما تقولون في (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ) [النصر: 1 - 2] حتى ختم السورة؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري»، فقال لابن عباس: ما تقول؟ قال: أقول: «هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له» فقال عمر: «ما أعلم منها إلا ما تعلم»، فبين عمر رضي الله عنه لهم فضل ابن عباس رضي الله عنه مع صغر سنه، وعند ذلك علموا أن عمر ما أدخله معهم إلا لمكانته من العلم.

 ●         [4014] هذا الحديث لأبي شريح فيه أنه نصح عمرو بن سعيد، وكان أميراً على المدينة من قبل يزيد بن معاوية.

قوله: «وهو يبعث البعوث إلى مكة»، أي: يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، فنصح أبوشريح - الصحابي الجليل - هذا الأمير عمرو بن سعيد وقال له: لا يجوز لك أن تقاتل بمكة، ولا يجب أن ترسل الجيوش إليها، ولا تسفك الدم بها، وقد تلطف الصحابي مع الأمير فقال: «ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً»، وقوله: «أحدثك» مجزوم في جواب الطلب، فينبغي للإنسان أن يخاطب الأمراء بما يناسبهم، ويتلطف معهم، ولا يغلظ لهم القول، فالصحابي الجليل أبو شريح العدوي تلطف مع عمرو بن سعيد، وكان أميراً ظالماً للمدينة من قبل يزيد بن معاوية.

وقوله: «الغد من يوم الفتح»، يعني: اليوم التالي ليوم الفتح.

وقوله: «سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عينأي: حين يتكلمُ به»، يعني: أنه متأكد مما يقول وليس عنده شك فيه.

وقوله: «إنه حمد الله وأثنى عليه»، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم«ثم قال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس»، وجاء في الحديث الآخر: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض»([15])، وأما حديث: «إن إبراهيم حرم مكة»([16])، فالمراد أنه أظهر تحريمها وبلغه للناس، وهذا هو الجمع بين الحديثين.

قوله: «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجراً»، فمكة لها خصوصيات، فلا يسفك فيها الدم، ولا يعضد فيها الشجر، ولا ينفر فيها الصيد، ولا يقاتل فيها.

وقوله: «فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم» فالحديث واضح في أنه إذا جاء أحد يحتج بقتال الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة يقال له: «إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم» فالرسول مأذون له من أجل الفتح، وأنتم لم يؤذن لكم.

وقوله: «وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار» هذه الساعة من الضحى إلى العصر حتى يتم الفتح، فالمراد بالساعة جزء من الزمن قد يطول وقد يقصر، وليست الساعة المعروفة اليوم، ومن ذلك الساعات المذكورة يوم الجمعة أنه «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة»([17])، الحديث؛ هذه الساعات من طلوع الفجر -أو من طلوع الشمس- إلى دخول الخطيب، وهي خمس ساعات، وتطول في الصيف وتقصر في الشتاء.

قوله: «أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخربة» وهذا رد قبيح من عمرو بن سعيد، رد به على نصح أبي شريح له، فيقول: أنا أعلم بمراد هذا الحديث منك، فالحرم لا يعيذ عاصيًا، وابن الزبير عاصٍ ولابد من قتاله، والحرم لا يعيذ فارًّا بدم، ولا فارًّا بخربة، وكان الواجب على هذا الأمير أن يسلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ويقول: سمعاً وطاعة، فأبو شريح أعلم منه؛ لأنه صحابي وأعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه عادة الأمراء الظلمة، يردون ردا قبيحاً، فعمرو بن سعيد قد عصى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا التأويل الفاسد.

 ●         [4015] الشاهد لمجيء هذا الحديث في الترجمة قوله: «عام الفتح»، حيث نادى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله حرم بيع الخمر، والخمر محرمة من قبل عام الفتح، لكن هذا زيادة تبليغ.

* * *

المتن

[52/55] مُقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح

 ●         [4016] حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، ح. وحدثنا قبيصة، قال: حدثنا سفيان، عن يحيى بن أبي إسحاق، عن أنس، أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة نقصر الصلاة.

 ●         [4017] حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبدالله، قال: أخبرنا عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين.

 ●         [4018] حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا أبو شهاب، عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس، أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر تسع عشرة نقصر الصلاة. وقال ابن عباس: ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة، فإذا زدنا أتممنا.

الشرح

قوله: «مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح» مُقام بمعنى إقامة، يعني: مدة الإقامة التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة زمن الفتح، أما الْمَقام بالفتح فهو مصدر ميمي.

 ●         [4016]، [4017]، [4018] ذكر المؤلف حديث أنس رضي الله عنه، فقال: «أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة نقصر الصلاة»، لكن هذا الحديث ليس في زمن الفتح، وإنما هو في حجة الوداع، ثم ذكر حديث ابن عباس وهو في زمن الفتح، والترجمة في مقام النبي صلى الله عليه وسلم في زمن الفتح، فكيف أتى المؤلف بحديث أنس الخاص بحجة الوداع؟ هل وهم المؤلف في ذلك؟

قال الحافظ ابن حجر /: «أدخله ولم يفصح بذلك تشغيلاً للأذهان».

والذي يظهر لي والله أعلم أن البخاري أراد أن يجمع بين حديث أنس وحديث ابن عباس، فالبخاري كان دقيقاً جداً، فلم يدخل هذا الحديث في الترجمة غفلة منه، وإنما أراد أن يبين أن حديث أنس في حكم من نوى الإقامة، وحديث ابن عباس في حكم من لم ينو الإقامة، ففي حديث أنس عزم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقيم أربعة أيام ابتداء من الرابع عشر، وأقام بالأبطح إلى اليوم الثامن عشر فجعل يقصر الصلاة، فأخذ العلماء من هذا أن المسافر إذا أقام بمكان أكثر من أربعة أيام فإنه يتم إذا نوى الإقامة، وأما أربعة أيام فأقل فإنه يقصر.

وأما حديث ابن عباس فهو فيما إذا لم ينو الإقامة.

قوله: «ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة، فإذا زدنا أتممنا»، أي: يقول ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة زمن الفتح تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، فإذا زدنا على التسعة عشر نتم الصلاة.

والأقوال متعددة في قصر المسافر للصلاة أو إتمامها، وقد سبق أن ذكرها الحافظ في «قصر صلاة المسافر»، وتقرب من عشرين قولاً، قال بعض العلماء: إذا نوى أكثر من ثلاثة أيام أتم، وذهب بعض العلماء إلى رأي: ابن عباس م، فرأوا أن مدة القصر للمسافر المقيم في مكان ما تسعة عشر يوماً، فإذا زاد على ذلك أتم، وبعضهم قال: اثنا عشر يوماً، وبعضهم قال: عشرة أيام، وبعضهم قال: عشرون يوماً، واستدلوا بوقائع حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم، وذهب جمهور العلماء إلى أن مدة القصر للمسافر المقيم أربعة أيام فقط؛ لحديث أنس هذا الذي ذكره المؤلف، فإنه أقام بالأبطح أربعة أيام، فإذا زاد عليها فإنه يتم، أما إقامته صلى الله عليه وسلم عام الفتح وإن كانت تسعة عشر يوما فهي إقامة عارضة؛ لتثبيت قواعد التوحيد، وإزالة شعائر الكفر، وتوطيد الفتح، فالأصل هو إتمام الصلاة، فإذا حدث الشك رجعنا إلى الأصل؛ لأنه أحوط، فمذهب جمهور العلماء أحوط.

وذهب بعض العلماء إلى أن المسافر يقصر ما لم ينو الإقامة المطلقة، ولو أقام شهوراً أو سنين، فإذا أقام في مكة أو أي: مكان أشهراً أو سنين فإنه يقصر ويأخذ بالرخصة، فما دام أنه لم ينو الاستيطان والإقامة المطلقة فإنه لا يزال مسافراً، واستدلوا بأن ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية /([18])، واختيار الشيخ محمد بن العثيمين أيضاً.

ولا شك أن ما ذهب إليه الجمهور هو الأرجح والأحوط؛ لأن الصلاة أمر عظيم فلابد أن يحتاط المسلم لهذه العبادة، فعلى قول شيخ الإسلام لا يوجد وقت محدد لقصر صلاة العمال الذين أقاموا بالعشر سنين؛ لأنهم لا يزالون مسافرين، فإذا فاتت أحدهم الصلاة، أو صلى وحده فإنه يقصر الصلاة، وله أن يفطر في رمضان، وهذا قول لا تطمئن إليه النفس، ومثل ذلك الطلاب الذين يدرسون، يأتي الطالب مثلاً إلى الجامعة الإسلامية يدرس فيها عشر سنين، وهو مسافر على قول شيخ الإسلام /، فإذا فاتته الصلاة يصلي وحده ويقصر في هذه المدة كلها، وله أن يفطر في رمضان.

وينتهي القول بأن البخاري لم يأت بحديث أنس غفلة، وإنما أراد أن يجمع بينه وبين حديث ابن عباس، هذا هو الظاهر - والله أعلم - وإن لم يذكر ذلك الشارح ولا غيره.

* * *

المتن

[53/55] باب

وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عبدالله بن ثعلبة بن صُعَير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه عام الفتح.

 ●         [4019] حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا هشام، عن معمر، عن الزهري، عن سُنينَ أبي جميلة، أخبرنا ونحن مع ابن المسيب قال، وزعم أبو جميلة أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه عام الفتح.

 ●         [4020] حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن سلمة قال: قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته، فقال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم: ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أوصى الله كذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام فكأنما يُقرَأ في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه؛ فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني؛ لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص.

 ●         [4021] حدثنا عبدالله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ح. وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة قالت: قال عتبة بن أبي وقاص: عهد إلى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة، وقال عتبة: إنه ابني، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة، فأقبل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه عبد بن زمعة، قال سعد: هذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه، قال عبد بن زمعة: يا رسول الله، هذا أخي، هذا ابن زمعة ولد على فراشه، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن وليدة زمعة فإذا أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو لك، هو أخوك يا عبدُ بن زمعة»؛ من أجل أنه ولد على فراشه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجبي منه يا سودة»؛ لما رأى من شَبَهِه عتبة بن أبي وقاص.

قال ابن شهاب: قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر».

قال ابن شهاب: كان أبوهريرة يصيح بذلك.

 ●         [4022] حدثنا محمد، قال: أخبرنا عبدالله، قال: أخبرنا يونس، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد بن حارثة يستشفعونه، قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: «أتكلمني في حد من حدود الله؟!»، قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشي قام رسول الله خطيبا؛ فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، قالت عائشة: وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 ●         [4023] حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا عاصم، عن أبي عثمان، قال: حدثني مجاشع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخي بعد الفتح، قلت: يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال: «ذهب أهل الهجرة بما فيها»، فقلت: على أي: شيء تبايعه؟ قال: أبايعه على الإسلام، والإيمان، والجهاد، فلقيت أبا معبد بعد - وكان أكبرهما - فسألته، فقال: صدق مجاشع.

 ●         [4024] حدثنا محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا فضيل بن سليمان، قال: حدثنا عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن مجاشع بن مسعود قال: انطلقت بأبي معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة، قال: «مضت الهجرة لأهلها، أبايعه على الإسلام، والجهاد»، فلقيت أبا معبد فسألته، قال: فقال: صدق مجاشع.

وقال خالد: عن أبي عثمان، عن مجاشع، أنه جاء بأخيه مجالد.

 ●         [4025] حدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد

قلت لابن عمر: أريد أن أهاجر إلى الشام، قال: لا هجرة، ولكن جهاد، فانطلق فاعرض نفسك؛ فإن وجدت شيئاً وإلا رجعت.

وقال النضر: أخبرنا شعبة، قال: أخبرنا أبو بشر، سمعت مجاهدا، قلت لابن عمر، فقال: لا هجرة اليوم، أو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثله.

 ●         [4026] حدثنا إسحاق بن يزيد، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثني أبو عمرو الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد بن جبر المكي، أن ابن عمر كان يقول: لا هجرة بعد الفتح.

 ●         [4027] حدثنا إسحاق بن يزيد، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، قال: حدثني الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير فسألها عن الهجرة، فقالت: لا هجرة اليوم، كان المؤمن يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية.

 ●         [4028] حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني حسن بن مسلم، عن مجاهد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض؛ فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، ولم تُحْلَلْ لي قط إلا ساعة من الدهر، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شوكها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد»، فقال العباس بن عبدالمطلب: إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنه لابد منه للقين والبيوت، فسكت ثم قال: «إلا الإذخر، فإنه حلال».

 ●         [4029] وعن ابن جريج قال: أخبرني عبدالكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس، بمثل هذا أو نحو هذا.

رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرح

الشاهد لمجيء هذا الحديث في الترجمة قوله: «قد مسح وجهه عام الفتح».

وعبد الله بن ثعلبة بن صعير كان موجودا يوم الفتح، فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به يعتبر صحابيًّا وإن كان صغير السن.

 ●         [4019] قوله: «وخرج معه عام الفتح» هذا هو الشاهد لمجيء الحديث في هذه الترجمة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في عام الفتح.

والظاهر من هذا الحديث أن أبا جميلة اثنان، أحدهما سنين، والآخر أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخرج معه عام الفتح، وذكر معاوية أنه حج معه حجة الوداع.

 ●         [4020] وهذه القصة يحكيها عمرو بن سلمة الجرمي من بني جرم، والراوي عنه أبو قلابة، والراوي عن أبي قلابة أيوب.

وقوله: «قال لي أبو قلابة ألا تلاقاه فتسأله» يعني: قال أيوب لأبي قلابة ألا تسأل عمرو بن سلمة عن قصته كيف قدم للصلاة وهو صغير؟

وقوله: «فلقيته» فتسألة، فقال : كنا بماء ممر الناس»، يعني: كان سكنهم بماء على طريق الناس الذين يأتون من عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: «وكان يمر بنا الركبان»، يعني: الذين أتوا من عند النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: «فنسألهم ما للناس ما للناس؟ ما هذا الرجل؟» يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم«فيقولون: يزعم أن الله أرسله»، يعني: أوحى إليه، فقال عمرو بن سلمة رضي الله عنه: «فكنت أحفظ ذلك الكلام فكأنما يقرأ في صدري».

قوله: «فكأنما يقرأ»، يعني: يثبت،
وفيه: روايات: «يقر»([19])، من القرار والثبات، و«يغرى»([20])، من الإلصاق.

وقوله: «وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح» يعني: تنتظر فتح مكة،«فيقولون: اتركوه وقومه؛ فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق» فالعرب والقبائل تأخروا وتوقفوا عن الإسلام، وقالوا: لم تسلم قريش وهم قوم النبي صلى الله عليه وسلم، فانظروا قومه فإن ظهر عليهم وأسلموا فهو نبي صادق، وإن غلبوه ولم يسلموا فليس على الحق فلا نسلم، فلما فتحت مكة ودخلوا في دين الله أفواجاً جاءت القبائل من كل مكان يسلمون؛ ولهذا سمي هذا العام عام الوفود.

وقوله: «وبدر أبي قومي بإسلامهم»، يعني: أن أباه بادر فأسلم قبل قومه.«فلما قدم»، يعني: من عند النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً ليخبرهم أنه أسلم ويأمرهم بالإسلام، فقال لهم: «جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً» فأسلموا، فنقل لهم عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً» ففيه: مشروعية الأذان،
وفيه: مشروعية تقديم الأكثر قرآناً.

وقوله: «فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني» لما أراد قوم عمرو بن أبي سلمة أن يقدموا أحدا يصلي بهم نظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا منه، وكان صبيا صغير السن.

قوله: «لما كنت أتلقى من الركبان» كان هذا هو سبب تقدم عمرو بن سلمة على غيره في حفظ القرآن والإمامة في الصلاة، أنه كان يتلقى الركبان العائدة من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فيسألهم ويحفظ عنهم، ويقر ما يحفظه في صدره.

وقوله: «فقدموني بين أيديهم»، يعني: إماما لهم أصلي بهم «وأنا ابن ست أو سبع سنين» والأقرب أنه ابن سبع سنين؛ لأنه يوافق حديث: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع».

وقوله: «وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني» أي: يلبس قطعة قماش لكنها قصيرة فوق الركبة أو تحت الركبة بقليل، فإذا سجد ظهرت عورته - وليس عليه سروال وليس عنده غير هذه البردة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أولكلكم ثوبان؟»([21])، فبعض الصحابة كان يصلي وعليه إزار، وهو قطعة من القماش يشد بها النصف الأسفل والكتفين، فكانوا فقراء ليس عندهم شيء، ولذلك ظهر شيء من عورة عمرو بن أبي سلمة رضي الله عنه ؛ «فقالت امرأة من الحي» وقد جاءت وهو ساجد وهم ساجدون: «ألا تغطوا عنا است قارئكم؟» والاست يعني: المقعدة.

قوله: «فاشتروا فقطعوا لي قميصًا» أي: صنعوا له قميصاً وافياً يستر جسمه.

قوله: «فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص»، أي: كان عمرو بن أبي سلمة صغير السن وقتئذ ففرح بذلك القميص فرحاً شديداً.

والحديث فيه كثير من الفوائد:

الأولى: صحة إمامة الصبي.

الثانية: صحة مصافة الصبي إذا كان مميزاً؛ لأنه وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل بالنهي عنه وحي.

وإذا قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما علم بذلك، نقول: إذا كان النبي لا يعلم فالله يعلم، فلا يمكن أن يقر أحدهم في زمن النبوة على غير حق؛ ولهذا قال جابر: «كنا نعزل والقرآن ينزل»([22]). فلو كان شيء نهي عنه لنهى عنه القرآن، فما وقع في زمن النبوة ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق.

قال الحافظ ابن حجر /: «وفي الحديث: حجة للشافعية في إمامة الصبي المميز، وهي خلافية مشهورة، ولم ينصف من قال: إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم ولم يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ لأنها شهادة نفي، ولأن زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز».

الثالثة: أن ما قد يبدو من العورة عند السجود بسبب قصر الثوب -إذا لم يجد المصلي غيره - معفو عنه، وهذا القول أولى من قول من استدل بهذا الحديث على أن ستر العورة في الصلاة ليس شرطا لصحتها بل هو سنة، فهذا ليس بصحيح.

وإذا انكشفت عورة المصلي وطال وفحش وقت انكشافها بطلت الصلاة ولو كان المكشوف شيئا يسيراً، وإن كان في زمن قصير وأزاله فلا يضر.

فستر العورة شرط لصحة الصلاة، ومثل ذلك الذي يصلي بغير وضوء وهو لا يعلم، ثم علم فإنه يعيد الوضوء والصلاة، وكالذي صلى إلى غير القبلة بغير اجتهاد فهو يعيد الصلاة، أما إذا اجتهد فلا إعادة، فلابد من الإتيان بالشروط.

 ●         [4021] الشاهد للإتيان بهذا الحديث في الترجمة أن هذه القصة حصلت في زمن الفتح، ولهذا قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح» فكل شيء يقع في زمن الفتح يذكره المؤلف في هذه الترجمة.

وهذا الحديث فيه أن زمعة كان له وليدة - يعني: أمة - يطؤها - ومن يمتلك الأمة كان له أن يتسراها وتسمى فراشاً له، وله أن يزوجها. فزمعة كان له هذه الوليدة يطؤها فأتت بولد، وهذا الولد اختصم فيه يوم الفتح عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص، وكل يدعي هذا الولد، فعبد بن زمعة يقول: «يا رسول الله هذا أخي، هذا ابن زمعة، ولد على فراشه»، فأمه وليدة لأبي يطؤها ويجعلها فراشاً، وقال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله «هذا ابن أخي» عتبة بن أبي وقاص، «عهد إلي أنه ابنه»؛ وكان أخوه عتبة توفي، وقد ادعى أنه زنى بأمة زمعة، وأن هذا الولد له، وخلق من مائه بدليل أنه يشبهه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو يشبه عتبة بن أبي وقاص.

وسعد بن أبي وقاص، صحابي جليل، لكنه لم يكن يعرف الحكم الشرعي في هذا الولد، فدافع عن وصية أخيه، وطلب الولد الذي يدعي أخوه أنه ولده من الزنا بهذه الأمة على عادة الجاهلية.

فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم للولد وجده أكثر الناس شبها بعتبة بن أبي وقاص، فقال صلى الله عليه وسلم: «هو لك، هو أخوك يا عبد بن زمعة» فالحكم الشرعي أن المرأة إذا كانت فراشاً لزوجها سواء كانت حرة أو أمة، ثم ولدت ولدا فإنه يكون له، ولو تخلل ذلك زنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وهذه قاعدة وحكم شرعي، فالعاهر هو الزاني له الخيبة والخسارة ولا يعطى ولداً، بل يقام عليه الحد ويوبخ ويؤدب، ومع ذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشبهه احتاط فقال لسودة ل وهي من أمهات المؤمنين وزوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أخت عبد بن زمعة: «احتجبي منه يا سودة»
وفي الحديث: الآخر: «أنها احتجبت عنه ولم يلقها حتى توفاها الله»([23])، فصارت سودة ل تحتجب عنه وهو أخوها احتياطاً؛ لأنه يشبه الزاني الذي زنا بوليدة زمعة.

والزاني لا ينسب له الولد ولو لم تكن المرأة التي زنا بها في ذمة زوج، أو ليست فراشاً لرجل، فيكون ولد الزنا ليس له أب، ويسمى باسم عام، فيقال: عبد الله بن عطاء الله، فالزاني معتد مجرم له الخيبة والخسران ولا يعطى الولد ولا ينسب إليه ويقام عليه الحد إما بالبينة أو بالإقرار، وهذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، والعاهر هو الزاني.

 ●         [4022] الشاهد في هذه القصة أنها حصلت في غزوة الفتح، وكل ما وقع في غزوة الفتح يذكره المؤلف في هذه الترجمة.

وهذا الحديث رواه عروة بن الزبير عن عائشة ل «أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها»، أي: خافوا أن تقطع يدها، وهي شريفة حسيبة نسيبة، وشق عليهم ذلك، ووصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها سرقت، فالنبي صلى الله عليه وسلم لابد أن يقيم عليها الحد، وفي رواية: «أنها تستعير المتاع وتجحد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها»([24]).

فلما رأوا ذلك قالوا: نبحث عن واساطة للنبي صلى الله عليه وسلم وننظر أحداً يتوسط لها لعلها لا يقام عليها الحد، فقالوا: الوسيط هو أسامة بن زيد حب رسول الله؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يحبه حباً شديداً، فجاء أسامة وكلم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله لو عفوت عنها، فلما كلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغير وغضب وقال: «أتكلمني في حد من حدود الله؟»، يخاطب أسامة رضي الله عنه.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يحب أسامة، والمحبة مكانة عظيمة، لكنه صلى الله عليه وسلم لا يرائي أحداً في أمر من أوامر الله ولو كان حبيبه، فخاف أسامة وقال: «استغفر لي يا رسول الله »، فلقد أخطأت. «فلما كان العشي قام رسول الله خطيباً؛ فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»، ثم أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق وله ألا يقسم، لكنه صلى الله عليه وسلم أقسم لتأكيد المقام، «والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، وهي أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم؛ ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، ثم حسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت، فقالت عائشة ل: «وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم».


وفي الحديث: مشروعية الخطبة للإمام أو نائبه إذا حدث أمر مهم.

وفيه: مشروعية حمد الله والثناء عليه في الخطبة، وكذلك قول: أما بعد.

وفيه: تحريم الشفاعة في الحدود، وأنه لا يجوز لإنسان أن يشفع عند الإمام أو السلطان في إقامة الحد؛ فقد جاء في الحديث: «إذا رفعت الحدود إلى السلطان فلعن الله الشافع والمشفع فيه»([25]).

وفيه: وجوب إقامة الحد على الشريف والضعيف، وأن التفريق بينهما سبب هلاك الناس، فكان سبب إهلاك بني إسرائيل أنهم يفرقون بين الشريف والضعيف، فالشريف لا يقيمون عليه الحد، والضعيف يقيمون عليه الحد، ثم قالوا بعد ذلك: نريد أن نصنع شيئاً عاما للشريف والضعيف، فغيروا حكم الله وصار إذا زنى فيهم واحد حمموه، وأركبوه على حمار ووجهه مقلوب، وفضحوه واكتفوا بذلك، ثم لما رفع اليهودي واليهودية اللذان زنيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه»([26])، فأقام الحد عليهما.

ولا بأس بالعفو عن الحد قبل أن يصل الأمر إلى السلطان؛ للحديث الآخر: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حدٍّ فقد وجب»([27])، يعني: قبل أن يرفع إلى السلطان أو إلى القاضي يمكن أن يعفو عنه أهل الحي فيما بينهم، ولاسيما إذا لم يكن للجاني سوابق فيؤدبونه أو يوبخونه أو ينصحونه أو يضربونه تأديبًا له فيما بينهم، ويأخذون عليه تعهداً ألا يفعل ذلك مرة أخرى.

 ●         [4023] هذا الحديث فيه أن مجاشعاً رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخي بعد الفتح» وهذا هو الشاهد لإتيان المؤلف بهذا الحديث في هذه الترجمة أن هذه القصة وقعت بعد الفتح.

قوله: «لتبايعه على الهجرة»، أي: الهجرة من مكة إلى المدينة، «قال: ذهب أهل الهجرة بما فيها»، يعني: كانت الهجرة قبل فتح مكة، وكان واجبٌ على من أسلم أن يهاجر من بلده إلى المدينة حتى ينصر الله وينصر رسوله وينصر المؤمنين ويكثر سوادهم، لكن لما فتحت مكة انتهت الهجرة، وبقيت الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية»([28]). يعني: لا هجرة من مكة إلى المدينة؛ لأنه بعد فتح مكة صارت مكة بلداً إسلاميًّا، والمدينة بلد إسلامي فليس هناك هجرة.

قوله: «أبايعه على الإسلام، والإيمان، والجهاد»، يعني: يلتزم بالإسلام والإيمان والجهاد في سبيل الله، أما الهجرة من مكة إلى المدينة فقد انتهى أمرها.

قوله: «فلقيت أبا معبد»، في رواية أخرى: «معبدًا»([29]).

 ●         [4024] قوله: «مضت الهجرة لأهلها»، يعني: من مكة إلى المدينة، ولكن بقي المبايعة على الإسلام والجهاد، فعليه أن يلتزم بالإسلام ويجاهد في سبيل الله أما الهجرة فقد انتهت.

 ●         [4025] قوله: «لا هجرة»، يعني: لا هجرة من مكة إلى المدينة «ولكن جهاد» ونية.

قوله: «فاعرض نفسك»، يعني: إن قدرت على الجهاد والصبر والمثابرة «فانطلق فاعرض نفسك فإن وجدت شيئًا وإلا رجعت»، يعني: فانطلق وانظر هل لديك قوة ونشاط واستعداد للجهاد فجاهد وإلا فاجلس.

قوله: «لا هجرة اليوم، أو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم» ظاهره أنه لا هجرة مطلقاً، وهذا ليس بصحيح، فبإجماع العلماء أن الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام باقية، وإنما الهجرة المنفية هي من مكة إلى المدينة بعد الفتح.

 ●         [4026] قوله: «لا هجرة بعد الفتح»، يحتمل أنه لا هجرة من مكة إلى المدينة، ويحتمل أنه لا هجرة مطلقاً، والأول هو المراد، فقد أجمع العلماء على بقاء الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.

 ●         [4027] قوله: «لا هجرة اليوم» المقصود بها: لا هجرة من مكة إلى المدينة، أما الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فباقية.

وقوله: «كان المؤمن يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم»، يعني: لما كانت مكة بلاد كفر كان المؤمن فيها يفر بدينه إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ويهاجر إلى المدينة مخافة أن يفتن، فكفار قريش كانوا يفتنون المؤمنين عن دينهم، فهاجر المؤمنون إلى المدينة فراراً بدينهم ونصرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فأما اليوم»، لما فتحت مكة، «فقد أظهر الله الإسلام، فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء»، أي: يعبد ربه في مكة أو في المدينة؛ فقد فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجاً.

قوله: «ولكن جهاد ونية»، يعني: أنه بقي اليوم الجهاد والنية الطيبة، فإذا نوى الإنسان نية صالحة كتب الله له ما نواه كأن ينام وينوي أن يتقوى به على العبادة فإن الله يكتب له هذه النية، وكذلك إذا أكل أو شرب ليتقوى بها على طاعة الله ويؤدي الواجب، أما الهجرة من مكة إلى المدينة فقد انتهى أمرها بفتح مكة.

والأصل في الجهاد أنه فرض كفاية إلا في ثلاثة أحوال:

الأولى: إذا هجم العدو على بلد.

الثانية: إذا وقف المجاهد في الصف.

الثالثة: إذا استنفر الإمام الناس.

ففي هذه الأحوال يكون فرض عين.

أما الاستعداد للجهاد والتهيؤ له فهذا شيء آخر، وهذه مسألة لابد منها؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق»([30]).

 

([1]) انظر «الفروع» (3/281 - 282).

([2]) أحمد (1/238)، والبخاري (1524)، ومسلم (1181).

([3]) أبو داود (2683)، والنسائي (4067)، وأصل قصة قتل ابن خطل في «الصحيحين».

([4]) «المعجم الكبير» (12/452)، و«سيرة ابن هشام» (5/80).

([5]) أحمد (6/13)، والبخاري (504 - 506)، ومسلم (1329).

([6]) أحمد (1/365)، والبخاري (3352).

([7]) الأزرقي في «أخبار مكة» (1/91).

([8]) أحمد (6/137)، وأبو داود (2029) واللفظ له، والترمذي (873)، وابن ماجه (3064).

([9]) أحمد (6/92)، وأبو داود (2028)، والترمذي (876)، والنسائي (2912).

([10]) البخاري (4280).

([11]) أحمد (3/21)، والترمذي (477).

([12]) أحمد (6/440)، ومسلم (722).

([13]) أحمد (2/258)، والبخاري (1178)، ومسلم (721).

([14]) أحمد (1/266) واللفظ له، والبخاري (143)، ومسلم (2477).

([15]) أحمد (1/259)، والبخاري (1834)، ومسلم (1353).

([16]) أحمد (4/40)، والبخاري (2129)، ومسلم (1360).

([17]) أحمد (2/460)، والبخاري (881)، ومسلم (850).

([18]) انظر «الفتاوى الكبرى» (2/342).

([19]) البخاري (4302).

([20]) الطبراني في «الكبير» (7/48)، والدارقطني في «السنن» (2/42).

([21]) أحمد (2/345)، والبخاري (358)، ومسلم (515).

([22]) أحمد (3/309)، والبخاري (5209)، ومسلم (1440).

([23]) أحمد (6/226)، والبخاري (2218).

([24]) أحمد (6/162)، ومسلم (1688).

([25]) الطبراني في «الأوسط» (2/380)، والدارقطني في «السنن» (3/205).

([26]) أحمد (4/286)، ومسلم (1700).

([27]) أبو داود (4376)، والنسائي (4886).

([28]) أحمد (1/226)، والبخاري (2783)، ومسلم (1353).

([29]) أحمد (3/469)، والبخاري (4306).

([30]) أحمد (2/374)، ومسلم (1910).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد