إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا
}7083{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِي لَيَالِيَ الْفِتْنَةِ، فَاسْتَقْبَلَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُول؟ِ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ».
قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لأَِيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِي بِهِ، فَقَالاَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الْحَسَنُ عَنْ الأَْحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا.
وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْد،ٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ الأَْحْنَفِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَرَوَاهُ مَعْمَر،ٌ عَنْ أَيُّوبَ.
وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ.
وَقَالَ: غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ.
قوله: «بَاب إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا» ، أي: فما الحكم؟ وهذه الترجمة مأخوذة من لفظ الحديث، والمؤلف ترجم على لفظ الحديث ليبين معناه: ويبين متى يكون القتال بين الشخصين مشروعًا، ومتى ىكون محرمًا، ومتى يكون كبيرة؛ لأن القتال قد يكون للدفاع عن النفس، أو الدفاع عن الدين، أو عن الأهل، أو المال، وكل هذا مطلوب.
}7083{ قوله: «عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «هو عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة، وكان سيئ الضبط، هكذا جزم المزي في «التهذيب» بأنه المبهم في هذا الموضع، وجوز غيره كمغلطاي أن يكون هو هشام بن حسان وفيه: بعد».
وفي هذا الحديث: منع أبو بكرة الأحنف بن قيس من القتال مع علي؛ لأنه أخذ الحديث على عمومه، وهو من الذين يرون عدم القتال ويرى اعتزال الفريقين، فلهذا لما رأى الأحنف أخذ السلاح ليقاتل، يريد بذلك نصرة ابن عم رسول الله، قال له: ارجع ثم ساق له الحديث: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» ، والصواب: أن قتال علي ومعاوية رضي الله عنهما لا يدخل في هذا الحديث؛ لأن معنى الحديث في القتال في الفتنة، وهو القتال بغير حق، ولكن أبا بكرة ومن معه من الصحابة ممن ترك القتال مع علي في حروبه كسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وسلمة بن الأكوع، كلهم احتجوا بهذا الحديث في اجتناب الفريقين.
وفيه: أن القاتل والمقتول في النار، واستدلوا بالحديث السابق: «ستكون فتنة القائم فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي من تشرف إليها تستشرفه»[(72)] فهذه حجتهم، وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين، وحملوا هذا الحديث وأمثاله بما إذا لم يعرف صاحب الحق كالقتال لأجل العصبية والحمية، وقتال الثورات، واعتلاء العروش، ومن أجل الملك والسياسة فكل ذلك وما أشبهه داخل في قوله: «فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» ، ولا يدخل في هذا الحديث الدفاع عن النفس، أو الدفاع عن الأهل، أو الدفاع عن المال، أو الدفاع عن الدين، فلو جاء إنسان يريد أن يقتل شخصًا أيستسلم أم يدافع عن نفسه؟
_خ الجواب: يقاتل دفاعًا عن نفسه وأهله ودينه وماله، والدليل على ذلك حديث: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد»[(73)] وكذلك روى الإمام مسلم في «صحيحه»: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك» ، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله» قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد» قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»[(74)] .
فهذه الأحاديث وغيرها تخصص عموم حديث: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» ، ولابد من العمل بالنصوص جميعها.
قوله: «قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُول؟ِ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» استدل بهذا الحديث من قال: إنه يؤاخذ بالعزم وإن لم يقع الفعل، فالمقتول لم يقع منه فعل فكيف يؤاخذ؟
_خ الجواب: قال بعض العلماء: لأنه عازم على قتله كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فيؤاخذ بالعزم وإن لم يقع الفعل، لكن أجيب بأن له فعلاً وهو المواجهة بالسلاح، حيث فعل ما أمكنه، فوقعت العقوبة على عزمه، ويدل على ذلك قوله تعالى: [البَقَرَة: 286]{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} والاكتساب اختيار باب الافتعال في الشر، يشعر بأنه لابد فيه من المعالجة، والاكتساب بخلاف الكسب، فالخير يثاب عليه بالنية المجردة والشر لا يعاقب إلا إذا فعل كما في حديث: «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشرًا إلى سبعمائة ضعف ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب وإن عملها كتبت»[(75)] إذًا لابد من المعالجة في الشر، فيكتب عليه إذا عالج وفعل، أما الخير فيكتب له بمجرد النية.
فالمراتب ثلاث:
الأولى: الهم المجرد، ويثاب عليه في الطاعة، ولا يؤاخذ عليه في المعصية، فإن هم بالحسنة كتبت له حسنة، وإن فعلها كُتبت له عشر حسنات.
الثانية: اقتران الفعل بالهم أو بالعزم، ولا نزاع في المؤاخذة به إذا اقترن الهم أو العزم بالفعل.
الثالثة: العزم، وهو أقوى من الهم، وهل يؤاخذ به؟ فهل يؤاخذ الإنسان على ترك السيئة أو لا يؤاخذ؟
_خ الجواب: فيه نزاع، والنصوص قد دلت على أن فيه تفصيلاً، ولابد من الجمع بين النصوص كما يلي:
الأمر الأول: إذا هم بسيئة وتركها عجزًا عنها فإنه يؤاخذ بها كما في هذا الحديث: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُول؟ِ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» ، فهذا عالج، وأخذ السلاح، وواجه صاحبه، لكن غلبه صاحبه فقتله، فكتبت عليه سيئة، فصار في النار، مثل لو أراد سارق أن يسرق وجعل سُلّمًا، ولكن جاء صاحب الدار، فهرب، فهذا يؤاخذ؛ لأنه فعل ما يستطيعه.
الأمر الثاني: أن يترك السيئة خوفًا من الله، فهذا تكتب له حسنة، لأنه هم بالسيئة لكنه تركها خوفًا من الله، ويدل على ذلك حديث: «إذا هم عبدي بسيئة وتركها فاكتبوها له حسنة فإنه إنما تركها من جرائي»[(76)] يعني: من أجلي، وهذا حديث قدسي.
الأمر الثالثة: أن يتركها لا خوفًا من الله، ولا عجزًا، وإنما تركها إعراضًا، أي: عرض له شيء فتشاغل عن عمل السيئة، فهذا لا له ولا عليه.
قوله: «فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله تعالى إن شاء عاقبهما، ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين، وإن شاء عفا عنهما فلم يعاقبهما أصلاً، وقيل: هو محمول على من استحل ذلك، ولا حجة فيه للخوارج، ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار؛ لأنه لا يلزم من قوله: «فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» استمرار بقائهما فيها، واحتج به من لم ير القتال في الفتنة وهم كل من ترك القتال مع علي في حروبه كسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأبي بكرة، وغيرهم، وقالوا: يجب الكف حتى لو أراد أحد قتله لم يدفعه عن نفسه، ومنهم من قال: لا يدخل في الفتنة فإن أراد أحد قتله دفع عن نفسه، وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين» فلوجاء جماعة في البلد وصاروا يقتلون وينهبون من خيرات الارض نتركهم (لا) بل نقاتلهم نصرة للحق لكن المصيبة فيمن جاء يقاتل والناس آمنون من أجل سياسة أو حمية أو عصبية هذا هو قتال الفسق.
وهذا هو الصواب، ويحمل حديث الباب وأمثاله على القتال في الفتنة التي لم يتبين فيها وجه الحق.
ثم قال: «وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق، واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم»، فلا يجوز أن نطعن في الصحابة علي ومعاوية فالواجب الكف عما شجر بينهم واعتقاد أن لهم من الحسنات ونصرة النبي والجهاد في سبيله ما يغطي ما حصل منهم من هفوات هؤلاء الصحابة لا كان ولا يكون مثلهم أفضل الناس بعد الأنبياء اجتهادهم الله لنصرة نبيه فلا يجوز الطعن فيهم ونشر مساوئهم بل يجب الكف عنها هم الذين نقلوا الشريعة وحفظوا الكتاب والسنة وبلغوا دين الله في مشارق الأرض ومغاربها وجهاد في سبيل الله أما هذا الذي صدر بينهم مثل ما قال شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية الآثار المروية في مساويهم:
منها ما هو كذب.
ومنها ما هو زيد فيها ونقص وغير عن وجهه.
والصحيح منه هو فيه معذورون:
- إما مجتهدون مصيبون.
- وإما مجتهدون مخطئون[(77)].
فالصحيح هم فيه ما بين مصيب له أجران أو مخطئ له أجر فالمصيب له أجر الإصابة وأجر الإجتهاد، والمخطئ له أجر الإجتهاد وفاته أجر الإصابة والمعصومون الانبياء وذلك من الشرك والكبائر وعن الخطأ في تبيلغ دين الله، أما الصغائر فقد تصدر منهم أما الصحابة رضي الله عنهم فقد تصدر منهم الكبائر لكن إذا صدر منهم ذنوب محققه فإما أن يُوفّق للتوبة وإما أن يوفق لحسنات ماحيه وإما أن تصيبه مصائب يغفر له إن لم يكن هذا ولا هذا، فهم أولى الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الذنوب المحققة، فكيف يأتي بعض الناس ويسبهم ولا يجوز الطعن كذلك فيمن قاتل، ولا فيمن أمسك عن القتال، فكل منهم مجتهد، والمصيب له أجران، ومن لم يصب فله أجر واحد.
ثم قال: «لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا وأن المصيب يؤجر أجرين كما سيأتي بيانه في كتاب الأحكام، وحمل هؤلاء الوعيد المذكور في الحديث على من قاتل بغير تأويل سائغ بل بمجرد طلب الملك، ولا يرد على ذلك منع أبي بكرة الأحنف من القتال مع علي؛ لأن ذلك وقع عن اجتهاد من أبي بكرة، أداه إلى الامتناع والمنع احتياطًا لنفسه ولمن نصحه، قال الطبري: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل، ولوجد أهل الفسوق سبيلاً إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال، وسفك الدماء، وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. انتهى».
وكلام الطبري هنا كلام جيد، يقول: لو كان كل قتال يُكف عنه لتسلط أهل الفسوق وأهل الظلم وقاتلوا أهل الحق، وعاثوا في الأرض فسادًا، وهذا ليس بصحيح، فأهل الظلم يمنعون من ظلمهم.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد أخرج البزار زيادة تبين المراد في الحديث «إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار» ، ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: «لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل» ، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: «الهرج، القاتل والمقتول في النار»[(78)] قال القرطبي: فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب الدنيا أو اتباع هوى فهو المراد. قلت: ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددًا من الذين قاتلوا، وكلهم متأول مأجور إن شاء الله بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا كما سيأتي عن أبي برزة الأسلمي، والله أعلم. ومما يؤيد ما تقدم ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رفعه: «من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية»[(79)] » والراية العمية: هي التي عَمِي فيها الأمر ولم يعرف وجه الحق.
قوله: «حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا» ، أي: الإسناد متصل.
قوله: «وَقَالَ مُؤَمَّلٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْد،ٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ الأَْحْنَفِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، هذا سند متصل، وكذلك رواه بكار بن عبدالعزيز، عن أبيه، عن أبي بكرة، ورواه معمر، عن أيوب، كما بين ذلك الحافظ.
قوله: «وَرَوَاهُ مَعْمَر،ٌ عَنْ أَيُّوبَ» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وصله مسلم وأبو داود والنسائي[(80)] والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق عنه، فلم يسق مسلم لفظه ولا أبو داود، وساقه النسائي والإسماعيلي فقال: عن أيوب، عن الحسن، عن الأحنف بن قيس، عن أبي بكرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث دون القصة، وفي هذا السند لطيفة وهو أن رجاله كلهم بصريون، وفيهم ثلاثة من التابعين في نسق أولهم أيوب، قال الدارقطني بعد أن ذكر الاختلاف في سنده: والصحيح حديث أيوب من حديث حماد بن زيد ومعمر عنه».
قوله: «وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «عبدالعزيز هو ابن عبدالله بن أبي بكرة، وقد وقع منسوبًا عند ابن ماجه، ومنهم من نسبه إلى جده فقال: عبدالعزيز بن أبي بكرة، وليس له ولا لولده بكار في البخاري إلا هذا الحديث، وهذه الطريق وصلها الطبراني من طريق خالد بن خداش بكسر المعجمة والدال المهملة وآخره شين معجمة، قال: حدثنا بكار بن عبدالعزيز بالسند المذكور، ولفظه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن فتنة كائنة، القاتل والمقتول في النار، إن المقتول قد أراد قتل القاتل»[(81)] .
قوله: «عن رِبْعِي» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «بكسر الراء وسكون الموحدة، وهو اسم بلفظ النسب، واسم أبيه حراش بكسر المهملة وآخره شين معجمة، تابعي مشهور، وقد وصله الإمام أحمد قال: حدثنا محمد بن جعفر، وهو غندر، بهذا السند مرفوعًا، ولفظه: «إذا المسلمان حمل أحدهما على صاحبه السلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتله وقعا فيها جميعًا»[(82)] وهكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» عن شعبة[(83)]، ومن طريقه أبو عوانة في «صحيحه»».
قوله: «وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ» ، أي: جعله من كلام أبي بكرة رضي الله عنه لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «عني بالسند المذكور، وقد وصله النسائي من رواية يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري بالسند المذكور إلى أبي بكرة قال: «إذا حمل الرجلان المسلمان السلاح أحدهما على الآخر فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما الآخر فهما في النار»[(84)] .
كَيْفَ الأَْمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ
}7084{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِم،ٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيَّ، أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْر،ِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرّ،ٍ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرّ؟ٍ قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
قوله: «بَاب كَيْفَ الأَْمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ» ، أي: ماذا يفعل المسلم إذا كان في وقت ليس فيه للمسلمين جماعة ولا إمام، والمؤلف رحمه الله لم يبين جواب السؤال، والجواب أنه يلزم الحق، ويعتزل جميع الفرق كما دل عليه الحديث حتى يأتيه الموت وهو على ذلك.
}7084{ ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب هذا الحديث العظيم، وهو حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وجزاه الله خيرًا على هذه الأسئلة التي أجراها الله على لسانه، ووفق نبيَّه للإجابة عليها وسدده بالوحي.
قال حذيفة رضي الله عنه: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْر،ِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي» ، أي: أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسألون عن الخير حتى يفعلوه وينتفع المسلمون، وكان حذيفة يسأل عن الشر حتى يجتنبه ويحذره المسلمون، قال: «فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرّ» أي: قبل الإسلام، والشر الأكبر هو الكفر، ومن الشر قتل بعضهم بعضًا وسبي بعضهم بعضًا، فكان القوي يأكل الضعيف، وكانوا يشربون الخمور، ويقطعون الأرحام، قال: «فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ» ، أي: دين الإسلام، بما فيه من المكارم، وصلاح الحال، واجتماع الكلمة، واجتناب الفواحش، قال: «فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ» قال العلماء: الشر هو ما حصل من قتل عثمان رضي الله عنه، وما ترتب على ذلك من الفتن، ولهذا جاء في الحديث عند ابن أبي شيبة أنه قال: «فما العصمة منه؟ قال: «السيف» ، قال: فهل بعد هذا السيف من تقية؟ قال: «نعم، هدنة»[(85)] قال حذيفة: «وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» أي: فيه كدر، والمراد: دخن المعاصي وفساد القلوب، فسأله حذيفة فقال: «وَمَا دَخَنُهُ؟» ، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم: «قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر»[(86)] هذا هو الكدر، وهؤلاء يخلطون، يعملون عملاً صالحًا وعملاً سيئًا، تعرف الحق منهم وتنكر الباطل، وفي رواية أبي الأسود: «يكون بعدي أئمة يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي» ، فإن صحت هذه الرواية، فالمعنى أنهم يعملون ببعض الهدي والسنة ولا يعملون بالبعض الآخر؛ قال: «قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرّ؟ٍ قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» ، وهذا وقع من قديم، فإن الدعاة إلى النار كثيرون، في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية يدعون للإلحاد والقوميات والعصبية والأحزاب السياسية كالشيوعية والاشتراكية والبعثية والحزبية والديمقراطية والعلمانية، كلهم دعاة إلى النار، وكلها مخالفة للإسلام والديمقراطية حكم الشعب بالشعب.
قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» ، أي: من العرب يتكلمون بألسنة فصيحة، وما أكثر ما يُسمع من الشُّبَه بألسنة حداد وكلام مؤثر من العرب ومن غيرهم أيضا. قال: «قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟» أي: فماذا أصنع إن أدركت هذا الوقت وهذا الزمان وهذه الفئات من الناس؟ «قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» . وفيه: أنه يجب على المسلم أن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم ويكثر سوادهم، إذا كان هناك جماعة وإمام، ويُستشهد بهذا الحديث على وجوب طاعة ولاة الأمور وعدم الخروج عليهم.
ومن قال: لا يوجد في هذا الزمن جماعة ولا إمام فقوله غير صحيح، بل يوجد الآن جماعة وإمام على الحق في هذه البلاد السعودية وفي غيرها من بلاد المسلمين ويوجد كذلك في الأقليات كذلك والجمعيات الإسلامية في الدول الأخرى، ولو كانوا في وسط دولة فاسدة أو كافرة فإذا ذهب الى بلد فيها مركز إسلامي فإن رئيس المركز يكون بمثابة الإمام، فيكون معهم ويُكثِّر سوادهم.
أما إذا لم يجد جماعة ولا إمامًا، وإنما فرق متناحرة وأحزاب كل حزب بما لديهم فرحون، فإنه يأتي جواب السؤال الذي بعده. قال: «قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» ، الفعل: عض المضارع منه: يعَض، ومنه قوله: «عَضوا عليها بالنواجذ»[(87)] وفيه: أنه إذا لم تكن جماعة للمسلمين على الحق فعلى المسلم أن يلزم الحق حتى يموت عليه ويعتزل جميع الفرق كلها، وهذا هو جواب سؤال الترجمة: «بَاب كَيْفَ الأَْمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ» وهذا يكون في آخر الزمان حينما تكثر الفتن وتكثر الفرق، ولا يستطع المسلم أن يعيش بين تلك الفرق، ولا يستطيع أن يظهر دينه، فيفر بدينه إلى البراري والصحاري، إذا نزع الخير من المدن والقرى ولا يكون فيها جماعة ولا تعليم ولا ذكر ولا صلاة فكونه يعيش مع الوحوش أحسن من الناس، فيأتي العمل بالحديث الذي سيأتي ذكره وهو: «يوشك أن يكون خير مال المرء غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن»[(88)] فلا يجوز أن يترك الجمعة والجماعة ويذهب الى البادية بل هذا من الكبائر أن يكون أعرابياً قال تعالى: [التّوبَة: 97]{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *} لكن إذا نزع الخير فلم يكن وخاف على نفسه من الفتن يهرب الى البراري والقفار ويعمل بالحديث وحين إذ يأنس بالوحش لأن الوحوش لا تضره بينما الإنس يفسدون عليه دينه ويأتي قول الشاعر:
عوى الذئب فستأنست بالذئب إذا عوى
وصوت انسان فكدت أطير
لأن عيشه الإنسان في هذه الحال مما يضره.
مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ
}7085{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَْسْوَدِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ أَبِي الأَْسْوَدِ، قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ، فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ، فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْيِ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: [النِّسَاء: 97]{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}.
هذه الترجمة في كراهة تكثير السواد في الفتن والظلم، والكراهة إذا جاءت في كلام الله وكلام رسوله وكلام السلف فالمراد بها الكراهة التحريم وعند المتـأخرين المراد بها كراهة التنزيه، والمراد بالكراهة: كراهة التحريم، والمراد بالسواد: الأشخاص، فلا يكون مع أهل الفتن والظلم بل يعتزلهم ويبتعد عنهم.
}7085{ قوله: «عَنْ أَبِي الأَْسْوَدِ» هو: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن الأسود، وكان جده الأسود من مهاجرة الحبشة، وممن مات بها، وكان أبوه أوصى به إلى عروة بن الزبير فقيل له: يتيم عروة، وكان ثقة كثير الحديث. توفي سنة سبع وثلاثين.
قوله: «قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ، فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ» ، أي: عُقِدت راية سرية تخرج من المدينة، وذلك حينما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، وأرادوا الخروج عليه فكان الأسود ضمن هذا الجيش الذي يخرج لقتال يزيد بن معاوية في الشام؛ لأنهم نقموا عليه بعض المنكرات.
قوله: «فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ» ، أي: عكرمة مولى ابن عباس، «فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْيِ» ، أي: أخبره أنه سيذهب معهم لقتال يزيد، فنهاه عكرمة عن أن يكون معهم وشدد عليه في ذلك، وقال: لأنهم خرجوا عليه بسبب معاصي إن الخروج على ولاة الأمور من الفتن، ويترتب عليه مفاسد عظيمة، ولو كان صدر منهم جور وظلم.
قوله: «أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، أي: لم يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، بل بقوا في مكة على إيمانهم فخرجوا مع المشركين في غزوة بدر ـ والظاهر أنهم خرجوا مكرهين ـ فكانوا يكثرون عدد المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
قوله: «فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ» ، أي: يرمي المسلمون السهام تجاه المشركين فيصيب أحد المؤمنين الضعفاء الذين أخرجهم المشركون كرهًا فيقتله، «أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ» ، أي: بالسيف، فتحرج الصحابة وقالوا: قتلنا إخواننا المؤمنين الذين أُخرجوا مكرهين مع المشركين، «فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: [النِّسَاء: 97]{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}» توبيخًا لهؤلاء المؤمنين الذين بقوا في مكة وكانت لهم قدرة على الهجرة وتوعدهم بالوعيد الشديد، فسماهم ظالمي أنفسهم بالبقاء مع المشركين، ثم تحصل محاورة بينهم وبين الملائكة كما في الآية: {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ}، فهذا الخطاب من الملائكة لضعفاء الإيمان الذين حضرهم الموت وهم في صفوف المشركين، فكان جوابهم: {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} ، أي: قالوا: نحن ضعفاء، فرد عليهم الملائكة: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} أي: ولا تبقوا مع المشركين، قال الله تعالى فيهم: [النِّسَاء: 97]{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا *}، أي: توعدوا بالنار، وهذا الوعيد الشديد يدل على أنهم ارتكبوا كبيرة، ثم استثنى الله العجزة من الضعفاء، فقال: [النِّسَاء: 98-99]{إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً *فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا *}؛ لأن العاجز ليس له حيلة.
وقد خرج هؤلاء المسلمون المستضعفون مع المشركين في غزوة بدر، ولم يقاتلوا المسلمين معهم، ولو قاتلوهم لكانوا مرتدين؛ لأن قتال المسلمين مع الكفار كفر مستقل، ومحبة الكفار بالقلب كفر مستقل، وأما الخروج مع المشركين ففيه تفصيل، إن كان باختيارهم فهم مرتدون أيضًا، فيكون هذا الوعيد بالنار لكفرهم وارتدادهم، وإن كانوا مكرهين ـ وهو الظاهر من حال من خرجوا في بدر ـ فيكون هذا الوعيد لكونهم ارتكبوا كبيرة وهي الإقامة بين الكفار مع قدرتهم على الهجرة، ومن كان عاجزًا فهو معذور.
والشاهد للترجمة في الحديث: أن تكثير سواد المشركين متوعد عليه بالوعيد الشديد، وكذلك تكثير سواد أهل البدع وأهل الفتن والظلم، وأن الخروج على ولاة الأمور بالجور من طريقة أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة والرافضة، والواجب على المسلم عدم الخروج على ولاة الأمور، حتى إذا حصل ظلم أو معاصٍ من ولي الأمر فهذا منكر، لكن الخروج عليه منكر أعظم يترتب عليه من المفاسد ما الله به عليم.
إِذَا بَقِيَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ
}7086{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآْخَرَ. حَدَّثَنَا: أَنَّ الأَْمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ.
وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَْمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَْمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ.
وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَلاَ أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِْسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا».
قوله: «بَاب إِذَا بَقِيَ فِي حُثَالَةٍ مِنْ النَّاسِ» ، يعني: إذا بقي المسلم الذي يجاهد نفسه على الاستقامة وعلى طاعة الله في ناس لا خير فيهم فماذا يصنع؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الطبري، وصححه ابن حبان من طريق العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف بك يا عبدالله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا؟» وشبك بين أصابعه قال: فما تأمرني؟ قال: «عليك بخاصتك، ودع عنك عوامهم»[(89)] ، والعلاء بن عبدالرحمن ليس من رواة البخاري؛ ولهذا لم يخرج هذا الحديث.
}7086{ ذكر في هذا الباب حديث حذيفة رضي الله عنه أيضًا؛ وذلك لأن حذيفة رضي الله عنه له عناية واهتمام بالفتن، وكما هو معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه أسماء المنافقين، وكان يكثر من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن أخبار الفتن.
قوله: «قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآْخَرَ حَدَّثَنَا: أَنَّ الأَْمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ» ، أي: في أصل قلوب الرجال، والمراد بالأمانة هنا الأمانة العظمى، وهي الإيمان بالله وتوحيده، وكذلك أمانة التكليف وأداء الفرائض وأداء الحقوق، والانتهاء عن المحارم ومن ذلك الودائع وحقوق العباد، وهي المرادة في قوله تعالى: [الأحزَاب: 72]{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً *}.
قوله: «وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا» ، أي: عن رفع هذه الأمانة التي نزلت في أصل القلب.
قوله: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَْمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ» ؛ لأنه ينام على معصية الله، فليحذر المسلم من أن ينام على معصية وليبادر بالتوبة لئلا يعاقب بقبض الأمانة والإيمان من قلبه.
قوله: «فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ» ، أي: لما خرجت الأمانة التي نزعت من القلب، صار لخروجها أثر مثل السواد في اللون.
قوله: «ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ» ، وهو من أثر: العمل في اليد، «كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ» ، نفط أي: صار منتفطًا وهو المنتبر، يقال: انتبر الجرح وانتفط إذا ورم وامتلأ ماءً، فإذا كان الإنسان يعمل بالمسحاة مثلاً مدة فإنه يصير في يده انتفاخ من أثر العمل فهذا هو المجل، والمعنى: إذا نام الرجل نزعت الأمانة من قلبه وبقي أثرها مثل هذا.
قوله: «وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَْمَانَةَ» ، أي: بعدما قبضت الأمانة من القلوب، «فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا» ، أي: يتسامع الناس ويتخابرون، والمعنى: أن الأمناء يكونون قلة.
قوله: «وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا أَظْرَفَهُ! وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ» ، أي: أن أحسنهم حالاً الذي يوصف بالعقل والظرف والجلد ليس في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فماذا يكون حال غيره؟
قوله: «وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَلاَ أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإِْسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ» ، يقول: ما كنت أبالي في البيع والشراء فسواء علي تعاملت مع مسلم أو مع نصراني، فإن بايعت مسلمًا يعطيني حقي؛ لأنه مسلم ملتزم، وإن تعاملت مع نصراني فقيمه ومولاه ينصفني منه ويعطيني حقي، وهذا كان أولاً، ولكن لما تأخرت حياة حذيفة قال: «وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا» ، وهذا يدل على نزع الأمانة من القلوب؛ لأن الباقين ليس عندهم أمانة، وهذا قاله حذيفة في آخر خلافة عثمان في منتصف القرن الأول، فكيف لو رأى أحوال الناس في القرن الخامس عشر؟!
التَّعَرُّبِ فِي الْفِتْنَةِ
}7087{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَال: يَا ابْنَ الأَْكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ، قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ.
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ.
}7088{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ».
قوله: «بَاب التَّعَرُّبِ فِي الْفِتْنَةِ» أي: جواز التعرب في الفتنة، و«التعرب»، أي: السكنى مع الأعراب، وهو أن ينتقل من البلاد والمدن التي هاجر إليها فيسكن في البادية، فيرجع بعد هجرته أعرابيًّا، وهذا محرم لا يجوز إلا عند الفتن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عده من الكبائر كما جاء في حديث عد فيه النبي صلى الله عليه وسلم الكبائر وفيه: «والمرتد بعد هجرته أعرابيًّا»[(90)] ؛ لأنه إذا خرج من البلد وسكن البادية ابتعد عن الجمعة والجماعة، وابتعد عن سماع الخير وسماع الذكر، فلا يتعلم دينه ويكون جافيًا ويعبد ربه على جهل، لكن عند الفتن يكون هذا مستثنى؛ ليحفظ المسلم دينه.
}7087{ قوله: «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ» ، أي: الحجاج بن يوسف، وهو أمير العراق وكان ظالمًا، فقال له: «يَا ابْنَ الأَْكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ» ، وهذا من جفاء الحجاج، فلا يليق به أن يخاطب الصحابي الجليل بهذا الكلام وهذه الغلظة، فقال له سلمة: « لاَ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِي فِي الْبَدْوِ» ، أي: السكنى في البادية، وهذا مقيد بحلول الفتنة كما دل عليه الحديث الثالث: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر؛ يفر بدينه من الفتن»[(91)] أما التعرب بدون سبب بأن يرتد ـ أي: يرجع ـ بعد هجرته أعرابيًّا فمن كبائر الذنوب؛ فقد جاء الوعيد عليه في كما تقدم؛ بل نقل ابن حجر رحمه الله عن ابن الأثير أنهم كانوا يعدونه كالمرتد.
قوله: «خَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً» ، أي: اعتزل عليًّا ومعاوية، فلم يشارك في القتال هو وسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وجماعة رضي الله عنهم، اعتزلوا الفريقين خوفًا من الفتنة وعملاً بالأحاديث التي فيها القعود في الفتنة وعدم المشاركة في القتال واستدلوا بأحاديث منها: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي»[(92)] فأخذوا بعموم هذه الأحاديث، وأما جمهور الصحابة فكانوا مع علي رضي الله عنه؛ لأنهم رأوا أن عليًّا هو الخليفة الراشد الذي بايعه أكثر أهل الحل والعقد، وأن معاوية رضي الله عنه وأهل الشام بغاة يجب عليهم أن يخضعوا للحق وأن يبايعوا عليًّا، فانضموا مع علي عملاً بقول الله تعالى: [الحُجرَات: 9]{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} وهذا هو الصواب لما فيه من نصر الحق ودفع البغي والظلم، وأما سلمة ومن معه فلم يتبين لهم وجه الحق، فعملوا بالأحاديث التي فيها القعود في الفتنة ولم يباشروا القتال فلهم اجتهادهم، كما أن معاوية رضي الله عنه وأهل الشام اجتهدوا أيضًا في قتال عليّ ولهم أجر على اجتهادهم، ولكن فاتهم أجر الصواب.
}7088{ تناول الحافظ ابن حجر هذا الحديث تناولاً جيدًا فقال رحمه الله: «وقد اختلف السلف في أصل العزلة، فقال الجمهور: الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام، وتكثير سواد المسلمين، وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك. وقال قوم: العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين، وقد مضى طرف من ذلك في «باب العزلة» من «كتاب الرقاق» . وقال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى. وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين، ومنهم من يترجح، وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينًا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان، وممن يترجح من يغلب على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وممن يستوي من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة؛ لما ينشأ فيها ـ غالبًا ـ من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها، كما قال الله تعالى: [الأنفَال: 25]{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً}، ويؤيد التفصيل المذكور حديث أبي سعيد أيضًا: «خير الناس رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره»[(93)] وقد تقدم في «باب العزلة» من «كتاب الرقاق» حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أشرت إليه آنفًا، فإن أوله عند مسلم: «خير معاشر الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله...» . الحديث، وفيه: «ورجل في غنيمة»[(94)] الحديث، وكأنه ورد في أي الكسب أطيب؟» ولفظه عند مسلم: «فمن خير معاش الناس لهم» قم قال رحمه الله: «فإن أخذ على عمومه دل على فضيلة العزلة لمن لا يتأتى له الجهاد في سبيل الله، إلا أن يكون قيد بزمان وقوع الفتن، والله أعلم».
والصواب من هذا: أنه يختلف باختلاف أحوال الناس، فمن كان له تأثير في الناس، أو يستطيع أن ينفع الناس بفعل الخير وإنكار المنكر، فهذا يتعين عليه أن يخالط الناس، وهو مأجور على صبره، وله أجر من استفاد منه، وأما إذا لم يكن له تأثير أو ليس عنده علم، ويخشى على نفسه الفتنة والوقوع في المعاصي فهذا يعتزل.
التَّعَوُّذِ مِنْ الْفِتَنِ
}7089{ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: «لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَكُمْ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالاً؛ فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لاَفٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِْسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ».
فَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ هَذِهِ الآْيَةِ [المَائدة: 101]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
}7090{ وَقَالَ: عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا، وَقَالَ: كُلُّ رَجُلٍ لاَفًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، وَقَالَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ، أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَوْأَى الْفِتَنِ.
}7091{ وقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَمُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا، وَقَالَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ .
قوله: «بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ الْفِتَنِ» فيه: مشروعية التعوذ من الفتن.
}7089{، }7090{، }7091{ قوله: «سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ» أي: حتى أكثروا عليه، والإحفاء: الإكثار.
قوله: «فَصَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمِنْبَرَ» وكان مغضبًا بسبب الإكثار والإلحاح عليه في المسألة.
قوله: «لاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَكُمْ» قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا بوحي من الله أنه لا يُسأل عن شيء في هذا المقام إلا أخبر به، والذين يسألون عن هذه المسائل إما أنهم من المنافقين على وجه التحدي والتعجيز، أو أنهم أرهقوه من المسائل الكثيرة في هذا اليوم.
وفيه من الفوائد: أنه ينبغي للإنسان أن يتخير من المسائل المهمة، وأن يترك الأسئلة التي فيها تعنت، فينبغي للإنسان ألا يشغل نفسه بالفرضيات التي لم تحدث، ولا أن يشغل المفتي بها؛ ولهذا قال الله تعالى: [المَائدة: 101]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}.
قوله: «فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالاً؛ فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لاَفٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي» وكان صغيراً رضي الله عنه وسببب ذلك البكاء هو تأثر الصحابة رضي الله عنهم لغضب النبي صلى الله عليه وسلم، والخوف من نزول العقوبة.
قوله: «فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى» من الملاحاة وهي المماراة والمجادلة والمخاصمة، «يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ» أي: ينسب إلى غير أبيه؛ تشكيكًا في نسبه، فانتهز الفرصة وسأل عن نسبه هل هو صحيح أم غير صحيح؟ «فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ» فثبت بهذا نسبه واطمأن، وجاء في الرواية الأخرى أن أمه أنكرت عليه وقالت: هل أمِنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف أهل الجاهلية، فتفضحها على رؤوس الخلائق؟ فقال: إني والله أريد أن أعرف نسبي، لو ألحقني بكذا للحقت به.
قوله: «ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِْسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ» ، قال ذلك حتى يسكن غضب النبي صلى الله عليه وسلم، أي: ليس عندنا شك بل قلوبنا مطمئنة.
قوله: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ» هذا هو الشاهد من الترجمة: «بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ الْفِتَنِ» .
وفيه: مشروعية التعوذ من الفتن؛ لأن الفتن شرور تؤدي إلى الهلاك، والفتن أنواع منها:
- فتن الشبهات التي تؤدي إلى الضلال، كأن يعتقد الإنسان رأيًا يخالف الحق.
- فتن الشهوات فيفعل الإنسان المنكرات والمعاصي.
- فتن الحروب التي لا يعرف فيها وجه الحق.
قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ» ، أي: ما رأيت الخير أقرب من اليوم وما رأيت الشر أقرب من اليوم، وبين ذلك فقال: «إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ» ، فالجنة هي الخير، وقد قربت له، والنار هي الشر، وقد قربت له، وكان ذلك في صلاة الكسوف، حيث كشف الله عز وجل له صلى الله عليه وسلم عن الجنة والنار فرآهما أمامه، والله على كل شيء قدير، وفي الحديث الآخر قال: «إني رأيت الجنة، أو أريت الجنة، فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر كاليوم منظرًا قط، ورأيت أكثر أهلها النساء» قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: «بكفرهن» قيل: يكفرن بالله؟ قال: «يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط»[(95)] .
وفيه: إثبات الجنة والنار، والرد على المعتزلة الذين ينكرون وجودهما الآن، ويقولون: إنهما يخلقان يوم القيامة أما الآن فهما معدومتان؛ لأنهم يعتمدون على عقولهم، ويتركون النصوص وراءهم ظهريًّا، ويقولون بعقولهم: لو كانت الجنة والنار موجودتين الآن ولا جزاء لكان وجودهما عبثًا، والعبث محال على الله، وهذا من فرط جهلهم وضلالهم؛ لأن النصوص واضحة في أنهما موجودتان، فقد قال الله تعالى عن الجنة: [آل عِمرَان: 133]{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *}، وقال سبحانه عن النار: [البَقَرَة: 24]{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *}، ثم أيضًا هما ليستا بمعطلتين، ففي الجنة الحور العين والولدان، وفيها أرواح المؤمنين تُنَعّم، وفي النار أرواح الكفار تعذب، والمؤمن يفتح له في قبره باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والكافر يفتح له باب إلى النار فيأتيه من سمومها وحرها، وهذا من انحراف المعتزلة عن الحق بسبب جهلهم، وفي هذا الحديث رد عليهم.
قوله: «كُلُّ رَجُلٍ لاَفًّا رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، وَقَالَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ، أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَوْأَى الْفِتَنِ» فيه: الاستعاذة من الفتن وهو الشاهد للترجمة، وكتبت «سُوءِ» الثانية في بعض النسخ: «سوأى» والمعنى واحد، قال الله تعالى: [الرُّوم: 10]{ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ *}، وقوله: «عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ» ، هذا اختلاف في اللفظ عن الحديثين السابقين والمعنى واحد.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن بطال: في مشروعية ذلك الرد على من قال: اسألوا الله الفتنة، فإن فيها حصاد المنافقين، وزعم أنه ورد في حديث، وهو لا يثبت رفعه، بل الصحيح خلافه، قلت: أخرجه أبو نعيم من حديث علي بلفظ: «لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان فإنها تبين المنافقين»[(96)] قال: وفي سنده ضعيف ومجهول، وقد تقدم في «الدعوات» تراجم للتعوذ من عدة أشياء منها: «الاستعاذة من فتنة الغنى» ، و «الاستعاذة من فتنة الفقر» ، و «الاستعاذة من أرذل العمر» ، ومن فتنة الدنيا ومن فتنة النار، قال العلماء: أراد صلى الله عليه وسلم مشروعية ذلك لأمته».
قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ»
}7092{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَالَ قَرْنُ الشَّمْسِ».
}7093{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ يَقُولُ: «أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
}7094{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي نَجْدِنَا؟ فَأَظُنُّهُ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
}7095{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِين الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا، قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدِّثْنَا عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: [البَقَرَة: 193]{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟ إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِين،َ وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ.
}7092{، }7093{ قوله في الحديث الأول: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، أَوْ قَالَ قَرْنُ الشَّمْسِ» ، أي: من المشرق، كما دل على ذلك قوله في الحديث الثاني: «وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ» ، وذلك أن الفتن الكبرى خرجت من المشرق الأعلى والمشرق الأدنى، فخرج من المشرق الأعلى الجهمية والقدرية والرافضة، وكذلك التتار والشيوعية، والدجال أيضًا يخرج في آخر الزمان من خلة بين الشام والعراق من المشرق.
وكذلك المشرق الأدنى ففي نجد حصلت شرور، وارتدت بعض القبائل مثل أسد وبني حنيفة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعوا مسيلمة الكذاب في دعواه النبوة.
وليس معنى ذلك أن الجهات الأخرى كالمغرب والشمال والجنوب سلمت من الفتن، بل الجهات الأخرى لها حظها من الفتن، ولكن المراد أن الفتن في المشرق أكثر وأعظم.
}7094{ قوله: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا» ، هذا من علامات النبوة؛ فإن الشام لم تفتح في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه: إخبار بأن الشام ستفتح وتكون للمسلمين، وقد فتحت الشام في زمن الصديق رضي الله عنه، وتوفي قبل إكمال الفتح، ثم أكمل فتحها عمر رضي الله عنه، وجعل الله فيها بركة وخيرًا، وانتشر فيها الإسلام، ورحل إليها العلماء والمحدثون، ثم تغيرت الحال، ووجدت فيها النصيرية الذين يعبدون عليًّا وأهل البيت وصار فيها من الفتن والشر الكثير.
وكذلك اليمن دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة، فجعل الله فيها بركة في زمنه صلى الله عليه وسلم، وجاءت الوفود منه، والأوس والخزرج أصلهم من اليمن، ثم تغيرت الحال بعد ذلك فحصل فيها من الفتن ما الله به عليم، حيث حصل في جنوب اليمن الشيوعية، وفي الشمال الشيعة الرافضة.
والمقصود: ما داموا على حالهم ففيهم بركة.
قوله: «وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» ، أي: من المشرق، وهذا شامل لنجد العراق، ونجد الجزيرة، فكل حصل فيه شر كثير، هذا وقد حصل في الشرق الأقصى خير كثير، فقد خرج من خراسان وما وراءها كثير من الأئمة والعلماء والأخيار كالبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي مع أن فيها شرًّا، وكذلك خرج من نجد العراق علماء ومحدثون كالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى القطان مع أن فيها شرًّا.
والمقصود من الحديث: أن جهة المشرق فيها الشر الكثير، ومع ذلك فقد يكون فيها خير، وكذلك الجهات الأخرى يكون فيها خير ويكون فيها شر، لكن أغلب الفتن تكون في جهة المشرق.
}7095{ في هذا الحديث أن سعيد بن جبير رحمه الله كان في جماعة من التابعين، فخرج عليهم ابن عمر رضي الله عنه، فقال سعيد بن جبير: «فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا، قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ» ـ وهي كنية عبدالله بن عمر ـ «حَدِّثْنَا عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: [البَقَرَة: 193]{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}» ، الخطاب في الآية للمؤمنين، والضمير يعود إلى الكفار، والفتنة: هي كونهم يفتنون المسلمين عن دينهم، فإذا قاتلهم المسلمون ودخلوا في دين الله زالت الفتنة، «فَقَالَ» أي: ابن عمر يخاطب هذا الرجل، «هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟» أي: فقدتك أمك؛ لتحريضه على الانتباه، قال: «إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِين،َ وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ» ، وذلك أن ابن عمر رضي الله عنه كان يرى اعتزال الناس في الفتنة، وعدم الدخول في القتال، ولذلك لم يشارك في القتال بين علي ومعاوية، ولم يبايع في وقت القتال حتى اجتمع الناس على معاوية رضي الله عنه فبايعه هو وأولاده، وكذلك في قتال ابن الزبير رضي الله عنهما وعبدالملك بن مروان بعد ذلك، فكان يرى عدم الدخول في الفتنة وأخذ بعموم الأحاديث التي فيها التحذير من الفتن.
بينما رأى جمهور الصحابة القتال مع علي رضي الله عنه ورأوا أنه الخليفة الراشد، وأنه هو المصيب، وأنه بايعه أهل الحل والعقد، وأن من لم يبايع يقاتل عملاً بقول الله تعالى: [الحُجرَات: 9]{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}. وسبق التنبيه على أن الصحابة اختلفوا: فمنهم من قاتل مع علي، ومنهم من قاتل مع معاوية، ومنهم من اعتزل الفريقين، ولكل اجتهاده، فالمجتهد المصيب له أجران، والمخطئ له أجر، وعلي ومن معه مصيبون فلهم أجر الاجتهاد وأجر الصواب، ومعاوية رضي الله عنه ومن معه مخطؤون فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب، ومن الصحابة رضي الله عنهم من اعتزل الفريقين؛ لأنهم لم يتبين لهم الأمر فأخذوا بالأحاديث التي فيها النهي عن القتال في الفتنة كحديث: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي»[(97)] فلهذا اعتزلوا الفريقين.
الْفِتْنَةِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَْبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ: قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً
تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ
حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا
وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ
شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ
مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ
}7096{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ، سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ إِذْ قَالَ أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنْ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ عُمَرُ: إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْتُ: أَجَلْ، قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَْغَالِيطِ، فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنْ الْبَابُ؟ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنْ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ.
}7097{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَم،َ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَر،ٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْحَائِطَ جَلَسْتُ عَلَى بَابِهِ، وَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَأْمُرْنِي، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ فَوَقَفَ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَجَاءَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَاءَ عُمَرُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَجَاءَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ فَدَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَامْتَلَأَ الْقُفُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجْلِسٌ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ مَعَهَا بَلاَءٌ يُصِيبُهُ، فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ مَجْلِسًا، فَتَحَوَّلَ حَتَّى جَاءَ مُقَابِلَهُمْ عَلَى شَفَةِ الْبِئْر،ِ فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ثُمَّ دَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَعَلْتُ أَتَمَنَّى أَخًا لِي وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَأْتِيَ» قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمْ اجْتَمَعَتْ هَا هُنَا وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.
}7098{ حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُِسَامَةَ: أَلاَ تُكَلِّمُ هَذَا؟ قَالَ: قَدْ كَلَّمْتُهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ، وَمَا أَنَا بِالَّذِي أَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنْتَ خَيْرٌ، بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ، فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ، فَيَقُولُ: إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ، وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ».