لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ الْقُبُورِ
}7115{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ».
قوله: «بَاب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ الْقُبُورِ» ، يعني: حتى يأتي الشخص ويتمنى أن يكون ميتًا مثلهم، يغبطهم على حالهم، والغبطة: هي تمني مثل حال المغبوط مع بقائه على حاله، فإن تمنى أن يزول عنه وأن ينتقل إليه فهو الحسد المذموم الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
والغبطة جائزة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين»[(126)] يعني: لا غبطة «رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار»[(127)] وفي لفظ: «رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق»[(128)] .
}7115{ قوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» وذلك عند ظهور الفتن خوفا من ذهاب الدين لغلبة الباطل وأهله، وهذا خاص بأهل الخير، فهم الذين يتمنون ذلك، كما في الحديث: «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين إلا البلاء»[(129)] أما غيرهم فيكون ذلك لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» أي: كنت ميتًا. قال ابن بطال: تغبط أهل القبور وتمني الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوف ذهاب الدين بغلبة الباطل وأهله، وظهور المعاصي والمنكر انتهى. وليس هذا عامًا في حق كل أحد، وإنما هو خاص بأهل الخير، وأما غيرهم فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه، وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه، ويؤيده ما أخرجه في رواية أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم: «لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر وليس به الدَيْن إلا البلاء»[(130)] وذكر الرجل فيه للغالب، وإلا فالمرأة يتصور فيها ذلك، والسبب في ذلك ما ذكر في رواية أبي حازم أنه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو أعظم المصائب أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده، وبهذا جزم القرطبي».
وليس في الحديث معارضة لأحاديث النهي عن تمني الموت؛ لأن هذا الحديث سيق للإخبار عما سيقع، والنهي عن تمني الموت صريح وفي الحديث: «لا يتمنين أحد منكم الموت لضرٍّ نزل به، فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي»[(131)] وقد ذكر الحافظ رحمه الله أنه في قوله: «وليس به الدَيْن، إنما هو البلاء» إيماء إلى أنه لو فعل ذلك بسبب الدين لكان محمودًا، ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد الدين عن جماعة من السلف، قال النووي: لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر بن الخطاب وعيسى الغفاري وعمر بن عبد العزيز وغيرهم.
ثم قال الحافظ رحمه الله: «قال القرطبي: كأن في الحديث إشارة إلى أن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف أمر الدين، ويقل الاعتناء بأمره، ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاش نفسه، وما يتعلق به، ومن ثَمَّ عَظُمَ قدر العبادة أيام الفتنة، كما أخرج مسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه رفعه: «العبادة في الهرج كهجرة إلي» [(132)] يعني: في الفتن واختلاط الأمور.
ثم قال رحمه الله: «ويؤخذ من قوله: «حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ» أن التمني المذكور إنما يحصل عند رؤية القبر، وليس ذلك مرادًا بل فيه إشارة إلى قوة هذا التمني؛ لأن الذي يتمنى الموت بسبب الشدة التي تحصل عنده قد يذهب ذلك التمني أو يخف عند مشاهدة القبر والمقبور، فيتذكر هول المقام فيضعف تمنيه، فإذا تمادى على ذلك دل على تأكد أمر تلك الشدة عنده، حيث لم يصرفه ما شاهده من وحشة القبر وتذكر ما فيه من الأهوال عن استمراره على تمني الموت».
تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَوا الأَْوْثَانُ
}7116{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَال: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ، وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ».
}7117{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ».
قوله: «بَاب تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى تُعْبَدَ الأَْوْثَانُ» . هذه الترجمة في تغير الزمان حتى تعبد الأوثان.
}7116{ قوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ، وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ» ، كانوا يعبدونه في الجاهلية، ثم أزيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك رجع مرة أخرى، في زمن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وكان ذو الخلصة في بيشة وهو الآن قريب منها، وعبدته دوس.
وقد يعود مرة ثالثة في آخر الزمان، وفي «صحيح مسلم» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تذهب الليالي والأيام حتى تُعبد اللات والعزى»[(133)] وهذا يؤيد ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو داخل في الترجمة، وفي «الصحيحين» من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن»[(134)] واليهود والنصارى وقعوا في الشرك، وفي حديث ثوبان رضي الله عنه عند أبي داود وغيره: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان» [(135)].
وفي هذه النصوص الرد على من ادعى عصمة هذه الأمة من الشرك، وقال: إن هذه الأمة مطهرة لا يقع فيها الشرك، وقال: إن ما يقع من عباد القبور من الدعاء والذبح والنذر وسؤال الحاجات ليس من الشرك، بل هو وسيلة وتشفع بالصالحين ومحبة لهم، ويستدلون بحديث: «إن الشيطان يئس أن يعبد في بلدكم هذا»[(136)] وحديث: «إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»[(137)] .
وهذا الحديث أجاب عنه العلماء بثلاثة أجوبة محققة:
أحدها: أن الشيطان هو الذي يئس لمّا رأى ظهور الإسلام، وظن أن الشرك لا يقع، والشيطان ليس بمعصوم لا في يئسه ولا في رجائه، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أيأسه، ولكن هو الذي يئس.
الثاني: أن الألف واللام في «المصلون» للعهد، والمراد بهم الصحابة الذين رسخ الإيمان في قلوبهم، وهم غير الأعراب الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ممن لم يثبت الإيمان في قلوبهم، فالشيطان يئس أن يعبده الصحابة.
الثالث: أن المراد يئس أن تُطِبْقَ الأمةُ على الشرك، وهذا حق يدل عليه الحديث: «لا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون»[(138)] فالأمة معصومة من أن تطبق على الشرك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال ابن بطال: هذا الحديث وما أشبهه» يعني: حديث ذي الخلصة[(139)]: «ليس المراد به أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء؛ لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبًا كما بدأ، ثم ذكر حديث: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة حتى يأتي أمر الله»[(140)] قال: فتبين في هذا الحديث تخصيص الأخبار الأخرى، وأن الطائفة التي تبقى على الحق تكون ببيت المقدس إلى أن تقوم الساعة»، وهذا في زمن المهدي وفي زمن عيسى عليه السلام.
}7117{ قوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» . هذا الحديث مطابقته للترجمة من جهة أن سوق رجل من قحطان الناس بعصاه إنما يكون في تغيير الزمان.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ» ، قال القرطبي في التذكرة: قوله: «يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ» كناية عن غلبته عليهم وانقيادهم له، ولم يرد نفس العصا، لكن في ذكرها إشارة إلى خشونته عليهم وعسفه بهم، قال: وقد قيل: إنه يسوقهم بعصاه حقيقة كما تساق الإبل والماشية لشدة عنفه وعدوانه، قال: ولعله جهجاه[(141)] المذكور في الحديث الآخر، وأصل الجهجاه الصياح، وهي صفة تناسب ذكر العصا، قلت: ويرد هذا الاحتمال إطلاق كونه من قحطان، فظاهره أنه من الأحرار، وتقييده في جهجاه بأنه من الموالي ما تقدم أنه يكون بعد المهدي وعلى سيرته، وأنه ليس دونه، ثم وجدت في كتاب «التيجان» لابن هشام ما يعرف منه إن ثبت اسم القحطاني وسيرته وزمانه فذكر أن عمران بن عامر كان ملكًا متوجًا، وكان كاهنًا معمرًا، وأنه قال لأخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا لما حضرته الوفاة: إن بلادكم ستخرب، وإن لله في أهل اليمن سخطتين ورحمتين، فالسخطة الأولى: هدم سد مأرب وتخرب البلاد بسببه، والثانية: غلبة الحبشة على أرض اليمن، والرحمة الأولى بعثة نبي من تهامة اسمه محمد يُرسل بالرحمة ويَغلب أهل الشرك».
وتهامة: هي كل ما يقع جنوب المدينة، يسمى يمنًا ويسمى تهامة، ولهذا سمي بذلك الركن اليماني. وليس المراد اليمن الجغرافية، بل المراد كل الساحل، هذا هو الأصل؛ ولهذا يقال نبي من اليمن يعني: من تهامة كلها.
ثم قال رحمه الله: «والثانية: إذا خرب بيت الله يبعث الله رجلاً يقال له: شعيب بن صالح فيهلك من خربه ويخرجهم حتى لا يكون بالدنيا إيمان إلا بأرض اليمن. انتهى. وقد تقدم في «الحج» أن البيت يحج بعد خروج يأجوج ومأجوج، وتقدم الجمع بينه وبين حديث: «لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت»[(142)] وأن الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة، فينتظم من ذلك أن الحبشة إذا خربت البيت خرج عليهم القحطاني فأهلكهم، وأن المؤمنين قبل ذلك يحجون في زمن عيسى بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم، وأن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ بمن بقي بعد عيسى، ويتأخر أهل اليمن بعدها، ويمكن أن يكون هذا مما يفسر به قوله: «الإيمان يمان»[(143)] أي: يتأخر الإيمان بها بعد فقده من جميع الأرض، وقد أخرج مسلم[(144)] حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة ذو السويقتين فلعله رمز إلى هذا».
ثم قال رحمه الله: «وحاصله أنه مطابق لصدر الترجمة وهو تغير الزمان، وتغيره أعم من أن يكون فيما يرجع إلى الفسق أو الكفر، وغايته أن ينتهي إلى الكفر، فقصة القحطاني مطابقة للتغير بالفسق مثلاً، وقصة ذي الخلصة للتغير بالكفر».
ثم قال رحمه الله: «واستدل بقصة القحطاني على أن الخلافة يجوز أن تكون في غير قريش، وأجاب ابن العربي بأنه إنذار بما يكون من الشر في آخر الزمان من تسور العامة على منازل الاستقامة، فليس فيه حجة؛ لأنه لا يدل على المدعي ولا يعارض ما ثبت من أن الأئمة من قريش. انتهى. وسيأتي بسط القول في ذلك في «باب الأمراء من قريش» أول «كتاب الأحكام» إن شاء الله تعالى».
والصواب في هذا أن الأئمة يكونون من قريش إذا وجد فيهم من يصلح للخلافة وأقاموا الدين، وصار الاختيار والانتخاب للمسلمين، أما إذا لم يوجد فيهم من يقيم الدين فيختار من غيرهم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين»[(145)] وفي لفظ: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»[(146)] .
وإذا لم يوجد يختار من غيرهم، هذا إذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين كما ثبتت البيعة للصديق ولعثمان ولعلي بالاختيار والانتخاب، أما إذا غلب الناس بسيفه وسلطانه وتمت له البيعة وجب له السمع والطاعة، وكذلك بولاية العهد فالخلافة تكون بثلاثة أمور: إما باختيار وانتخاب أهل الحل والعقد كما ثبتت البيعة للصديق وعثمان وعلي، أو بولاية العهد من الخليفة السابق كما ثبتت لعمر بولاية العهد من أبي بكر، أو بالقوة والغلبة كما حصلت بعد عهد الخلفاء الراشدين إلى الآن يعني: الخلافة ما يثبت من بعد الخلفاء الراشدين إلا بالقوة والغلبة من عهد الخلافة إلى الآن الدولة الاموية والعباسية كلها بالغلبة.
خُرُوجِ النَّارِ
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ».
}7118{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِْبِلِ بِبُصْرَى».
}7119{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا».
قَالَ عُقْبَةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: «يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ».
}7120{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا مَعْبَد،ٌ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تَصَدَّقُوا فَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا. قَالَ مُسَدَّدٌ: حَارِثَةُ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لأُِمِّهِ، قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.
}7121{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ يَعْنِي آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ [الأنعَام: 158]{لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا».
قوله: «بَاب خُرُوجِ النَّارِ» ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب ثلاث علامات من علامة الساعة:
العلامة الأولى: النار التي يعقبها قيام الساعة.
العلامة الثانية: النار التي تقع قبل قيام الساعة من جملة الأمور التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم.
العلامة الثالثة: انحسار الفرات عن جبل ذهب، أو كنز من ذهب.
فكل هذا من علامات الساعة، والنار التي ذكرها أولاً في حديث أنس هي المتأخرة، والنار التي ذكرها ثانيًا هي المتقدمة.
قوله: «وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ» . هذه النار جاء وصفها في الحديث الآخر أنها آخر أشراط الساعة وعلامتها قال: «إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات»[(147)] فذكر منها: المهدي والدابة والدجال، ثم عيسى، ثم يأجوج ومأجوج، ثم بقية العلامات، ثم قال: «وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا»؛ وهنا قال: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ» ، فهي سميت آخر أشراط الساعة هناك، لأنه لا يعقبها شيء من العلامات ولا من أمور الدنيا، وهنا قال: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ» وقد ذكر الحافظ كلاما في الجمع بينهما، فقال رحمه الله: «يجمع بينهما بأن آخريتها باعتبار ما ذكر معها من الآيات، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلاً، بل يقع بانتهائها النفخ في الصور».
فهي آخر أشراط الساعة باعتبار ما ذكر معها من الآيات يعني: تسبقها الآيات وهي آخرها، وهي أول باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا، فيقع بانتهائها نفخ الصور، فتكون الأولية والآخرية نسبية آخر الآيات؛ لأنه لا يأتي بعدها آيات أخر، لكن قد يقال: إنه يقع شيء من أمور الدنيا، مثل ما جاء في الحديث: «تقوم الساعة وهذا يلوط حوض إبله، وهذا يرفع اللقمة إلى فمه، وهذا يغرس فسيلة»[(148)] وهذا شيء من أمور الدنيا.
}7118{ قوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِْبِلِ بِبُصْرَى» . وهذه النار وقعت في عام ستمائة وأربعة وخمسين من الهجرة قبل سقوط بغداد بسنتين على أيدي التتار، وقعت في الحرة في شرقي المدينة، وارتفعت حتى أضاءت في الشام كما في الحديث: «تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِْبِلِ بِبُصْرَى» ، وقد ذكرها الحافظ ابن كثير وبسطها في البداية والنهاية[(149)]، والحافظ ابن حجر تكلم عنها وذكر شيئًا من التفصيل؛ والحاصل أنها نار عظيمة ولم يكن لها حرٌّ ولفحٌ على عظمها، وهي من أشراط الساعة، ولكن ليست من الأشراط التي تعقبها الساعة، والحافظ لم يذكر شيئا من أخبارها، ومن شدة ارتفاعها والنور الذي أضاء وصل إلى الشام وكتب الكُتًّابُ الكتب من ضوئها.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ» . قال القرطبي في التذكرة: قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة»، أي: بعد صلاة العشاء «الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة، فسكنت وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم، عليها سور محيط عليها شراريف وأبراج ومآذن، وترى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دوي كدوي الرعد، يأخذ الصخور بين يديه، وينتهي إلى محط الركب العراقي، واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى.
وقال النووي: تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام، وقال أبو شامة في «ذيل الروضتين» : وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كتب من المدينة الشريفة فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في «الصحيحين»، فذكر هذا الحديث، قال: فأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب.
ومن ذلك: أن في بعض الكتب ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة في شرقي المدينة نار عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض، وسال منها واد من نار حتى حاذى جبل أحد، وفي كتاب آخر: انبجست الأرض من الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد المدينة، وهي برأي العين من المدينة، وسال منها واد يكون مقداره أربعة فراسخ، وعرضه أربعة أميال يجري على وجه الأرض، ويخرج منه مهاد وجبال صغار.
وفي كتاب آخر ظهر ضوؤها إلى أن رأوها من مكة، قال: ولا أقدر أصف عظمها، ولها دوي.
قال أبو شامة: ونظم الناس في هذا أشعارًا، ودام أمرها أشهرًا ثم خمدت، والذي ظهر لي أن النار المذكورة في حديث الباب هي التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره، وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى.
وقد الأحسن أن يقال وقدروي أنه) وقع في بعض بلاد الحجاز في الجاهلية نحو هذه النار التي ظهرت بنواحي المدينة في زمن خالد بن سنان العبسي، فقام في أمرها حتى أخمدها ومات بعد ذلك في قصة له ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى في «كتاب الجماجم» .
}7119{ قوله: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ» . وفي الحديث التالي قال: «يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ» فهو كنز وهو جبل بالنسبة لكثرته وارتفاعه.
قوله: «فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» فيه: تحريم الأخذ منه؛ لأن النهي الأصل فيه أنه للتحريم، والحكمة في النهي عن أخذه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه فقد جاء في الحديث بأنه يحصل قتال، فمن ذلك ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وفيه: «يقتتل عليه الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو»[(150)] وجاء في حديث آخر: «يأتيه الناس من كل مكان فيقول أهل العراق: الناس يأتون من كل مكان فيشاركونهم فيقتتلون مقتلة عظيمة يقتل من كل مائة تسعة وتسعون ولا يسلم إلا واحد»[(151)] فهذا النهي عن الأخذ منه لما ينشأ من الفتنة والقتال.
وهذا الجبل الذي ينحسر عن ذهب لم يذكر أنه من أشراط الساعة لكن جاء ما يدل على أنه يكون قريبًا من الحشر من النار، وجاء ما يدل على أنه في زمن المهدي.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ» ، يعني: أن الروايتين اتفقتا إلا في قوله: «كَنْزٍ» فقال الأعرج: «جَبَلٍ» ؛ وقد ساق أبو نعيم في «المستخرج» الحديثين بسند واحد من رواية بكر بن أحمد بن مقبل عن أبي سعيد الأشج، وفرقهما ولفظهما واحد إلا لفظ: «كَنْزٍ» و «جَبَلٍ» ، وتسميته كنزًا باعتبار حاله قبل أن ينكشف، وتسميته جبلاً للإشارة إلى كثرته، ويؤيده ما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت»[(152)] .
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا»[(153)] قال ابن التين: إنما نهي عن الأخذ منه؛ لأنه للمسلمين فلا يؤخذ إلا بحقه قال: ومن أخذه وكثر المال ندم لأخذه ما لا ينفعه، وإذا ظهر جبل من ذهب كسد الذهب ولم يُرد. قلت: وليس الذي قاله ببيّن، والذي يظهر أن النهي عن أخذه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه».
ثم قال الحافظ رحمه الله: «ويحتمل أن تكون الحكمة في النهي عن الأخذ منه لكونه يقع في آخر الزمان عند الحشر الواقع في الدنيا، وعند عدم الظهور أو قلته فلا ينتفع بما أخذ منه، ولعل هذا هو السر في إدخال البخاري له في ترجمة «خروج النار» ، يعني: يكون انحساره عند حشر النار للناس؛ ولذلك ذكر في ترجمة الباب.
ثم قال رحمه الله: «ثم ظهر لي رجحان الاحتمال الأول؛ لأن مسلمًا أخرج هذا الحديث أيضًا من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: «يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل عليه الناس، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو»[(154)] .
وأخرج مسلم أيضًا عن أبي بن كعب قال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله قال: فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون»[(155)] فبطل ما تخيله ابن التين وتوجه التعقب عليه، ووضح أن السبب في النهي عن الأخذ منه ما يترتب على طلب الأخذ منه من الاقتتال، فضلاً عن الأخذ، ولا مانع أن يكون ذلك عند خروج النار للمحشر، لكن ليس ذلك السبب في النهي عن الأخذ منه، وقد أخرج ابن ماجه عن ثوبان رضي الله عنه رفعه قال: «يقتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة»[(156)] فذكر الحديث في المهدي، فهذا إن كان المراد بالكنز فيه الكنز الذي في حديث الباب دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي، وذلك قبل نزول عيسى، وقبل خروج النار جزمًا. والله أعلم».
هذا ـ والله أعلم ـ لأن أشراط الساعة كلها ظهرت ما عدا الجبل، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنه في زمن المهدي، وليس هناك نفط؛ لأن الدجال في زمن المهدي يخرج بعد فتح القسطنطينية، والقسطنطينية يفتحونها بالسيوف، فإذا علق الناس سيوفهم بالزيتون خرج الدجال، ولو كان هناك نفط لكان القتال بالطائرات والصواريخ ولم يكن بالسيوف، وفي وقت خروج النار ينحسر الفرات عن جبل ذهب، فالناس يعلمون أنه سيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ومع ذلك يقدمون عليه ولا يبالون.
جاء في بعض نسخ صحيح البخاري في هذا الموضع «باب» بغير ترجمة فيكون كالفصل من الترجمة السابقة، هكذا في رواية أبي ذر التي عليها شرح ابن حجر وقد قال رحمه الله: «كذا للجميع بغير ترجمـ» لكن سقط من شرح ابن بطال» فعلى رواية غيره يكون هذا الباب كالفصل، ويكون تعلقه بالباب كما ذكر الحافظ رحمه الله من جهة الاحتمال المتقدم، وهو أن هذا يقع في الزمان الذي يستغني فيه الناس عن المال، إما لاشتغال كل أحد منهم بنفسه بسبب الفتن، فلا يلوي أحد على أحد، وهذا يكون في زمن الدجال، وإما بحصول الأمن المفرط والعدل البالغ بحيث الكل يستغني بالمال الذي عنده، وهذا في زمن المهدي وزمن عيسى، وإما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر فيزهدون في المال في هذه الحالة، وحتى تباع الحديقة بالبعير الواحد، ولا يلتفت أحد إلى شيء يثقله.
فيطوف الواحد بالصدقة فلا يجد من يقبلها بسبب الفتن، أو بسبب كثرة المال واستغناء الناس.
}7120{ قوله: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: تَصَدَّقُوا فَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا.» فيه: أنه ينبغي للمسلم أن ينتهز الفرصة، وأن يتصدق مما أعطاه الله من المال ما دام في وقت الإمكان، وما دام يجد من يقبل صدقته قبل أن يحال بينه وبين ذلك، فيتصدق على المحتاجين وعلى المنكوبين، والإنفاق في المشاريع الخيرية، والجهاد في سبيل الله، والإنفاق على الأقربين، وعلى اليتامى والمساكين، والتجارة الرابحة هي الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، قال تعالى: [الصَّف: 10-11]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنَجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *}. فسيأتي على الناس زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها بسبب كثرة الفتن، أو بسبب كثرة المال، واستغناء كلٍّ بما عنده في زمان المهدي، وفي زمان الدجال، أو بسبب النار التي تحشر الناس.
}7121{ قوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ» . هذه المقتلة هي التي وقعت بين أهل الشام وأهل العراق، بين علي ومعاوية في وقعة صفين، وكانت دعواهما واحدة، وكل منهما مجتهد يطلب الحق، ويدعي أنه على الحق والصواب، وهذا من دلائل النبوة، فقد اقتتلت فئتان عظيمتان مقتلة عظيمة دعواهما واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: «إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»[(157)] .
قوله: «وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ» والمراد بهؤلاء من له شوكة، وإلا فالذي ادعى النبوة كثير، وعندما كنت صبيًا صغيرًا كان عندنا في بلدنا رجل في عقله خلل، يصلي مع الناس ويمشي ولا يؤذي أحدًا، وكان إذا صلى مع الناس وقف أمامهم، وقال: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا، وهذا لخلل في عقله، فالمقصود من له شوكة وله أتباع مثل مسيلمة، وسجاح، وطليحة الأسدي، والأسود العنسي وغيرهم ممن ادعى النبوة، ومثل غلام ميرزا أحمد القادياني.
قوله: «وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ» ، وهذا حصل منذ أزمنة طويلة، «وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ» ، وهذا واقع الآن، وقل أن يمر يوم أو أيام إلا ونسمع حصول الزلازل.
قوله: «وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ» . فسر تقارب الزمان ـ كما سبق ـ بذهاب البركة، وفسر باعتدال الليل والنهار، وفسر باستلذاذ العيش والتنعم في الدنيا، فيمر الوقت بسرعة، وفسر بتقارب أحوال أهله وقلة الدين وغلبة الفسق وظهور أهله، وفسر بقصر الأعمار بالنسبة إلى كل طبقة.
ونحن نقول: قد يفسر بالمركوبات الجديدة السريعة التي تقطع المسافات الطويلة في زمن قصير، فكأن الزمان يتقارب وهذا هو الأقرب؛ لأن هذه المخترعات الحديثة ما كانت تدور في خلد العلماء السابقين، فمن يتصور أن أحدا يكلم آخر في المشرق أو في المغرب في الحال.
قوله: «وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ» ، أي: فتن الشبهات والشهوات والحروب، «وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ» ، أي: القتل، وفي هذا الزمن قل أن تجد بلدًا إلا وفيه قتل، «وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ» ، يعني: يكثر، «حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ» ، والمراد بالصدقة الزكاة بحيث يفيض المال ويكثر، وفي اللفظ الآخر: «تصدقوا، فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها، يقول الرجل: لو جئت بها بالأمس لقبلتها، فأما اليوم فلا حاجة لي بها»[(158)] .
قال بعضهم: إن هذا وقع في خلافة عمر بن عبدالعزيز بسبب عدله، وفي الحديث: «لئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه ذهبا يلتمس من يقبله فلا يجده»[(159)] وقيل: إن هذا في زمن المهدي وفي زمن عيسى بن مريم _ب، فيكثر المال ويقل الناس، ويستشعر الناس قيام الساعة فلا يقبلون الصدقة لهذه الأمور الثلاثة:
أولاً: المال الكثير.
ثانيًا: قلة الناس.
ثالثًا: يستشعرون قيام الساعة كما جاء في الحديث: «تكون السجدة لأحدهم خير من الدنيا وما فيها»[(160)] .
قوله: «وَحَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي بِهِ» ، يعني: لا حاجة لي به، «وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ» ، وهذا أيضًا وقع منذ أزمان.
قوله: «وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ» من شدة البلاء والفتن، وسبق الحديث: «لا تقوم الساعة حتى يأتي الرجل يتمرغ في القبر ويقول: يا ليتني مكانه»[(161)] .
قوله: «وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» ، وهذه من أشراط الساعة الكبرى، «فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ يَعْنِي آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ [الأنعَام: 158]{لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}» ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، فليس هناك إيمان جديد، بل كلٌّ يبقى على حاله من الإيمان أو الكفر.
قوله: «وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ» ، يعني: يصعقان فيموتان قبل أن يطوياه، فالناس مشغولون بدنياهم.
قوله: «وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ» ، اللقحة من الإبل: ذات اللبن، فالرجل يريد أن يشرب فتقوم عليه الساعة قبل أن يشرب لبنه.
قوله: «وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِي فِيهِ» يعني: يليط الحوض لإبله.
وقوله: «وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا» الأكلة بضم الهمزة: هي اللقمة، وأما الأكلة بفتح الهمزة: فهي الواحدة من الأكل، وذلك حين ينفخ إسرائيل في الصور نفخة الصعق والموت حين لا يبقى إلا شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة؛ لأن المؤمنين قبضت أرواحهم بالريح الطيبة.
ذِكْرِ الدَّجَّال
}7122{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: قَالَ لِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مَا سَأَلْتُهُ، وَإِنَّهُ قَالَ لِي: «مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ قُلْتُ: لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ، وَنَهَرَ مَاءٍ، قَال: هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِك».
}7123{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ».
}7124{ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَة،َ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَجِيءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ».
}7125{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ».
}7126{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْر،ٍ حَدَّثَنَا مِسْعَر،ٌ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ».
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا.
}7127{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَر».
}7128{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْر،ٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ، جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ، رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ».
}7129{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.
}7130{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الدَّجَّالِ: «إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا، فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ» قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
}7131{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلاَّ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَْعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ».
فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: «بَاب ذِكْرِ الدَّجَّال» الدجال على صيغة فعال بفتح أوله والتشديد، وهذه صيغة مبالغة من الدجل وهو التغطية، وسمي الكذاب دجالاً لأنه يغطي الحق بباطله، والدجال يعني: كثير الدجل وكثير الكذب وكثير المَخْرَقة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ويقال: دجل البعير بالقطران؛ إذا غطاه، والإناء بالذهب إذا طلاه، وقال ثعلب: الدجال المموه يقال سيف مدجل إذا طلي». والمادة تدل على التغطية.
ثم قال رحمه الله: «قال ابن دريد: سمي دجالاً لأنه يغطي الحق بالكذب».
ومن الدجاجلة ابن صياد، الذي ظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه الدجال، ثم بيَّن الله له أن الدجال يخرج آخر الزمان، وهناك دليل على أنه كان موجودًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث عدي أنه مربوط في جزيرة من الجزر[(162)]، وحديث فاطمة بنت قيس الذي أخرجه مسلم[(163)] أنه كان موجودًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه محبوس في بعض الجزر، ويخرج عند فتح المسلمين للقسطنطينية في زمن المهدي، وسبب خروجه غضبة، ويخرج من قبل المشرق ويدعي أولاً الصلاح، ثم ينتقل فيدعي النبوة، ثم ينتقل فيدعي الربوبية، ويقول للناس: أنا ربكم ـ قبحه الله ـ ومكتوب بين عينيه كافر، يقرؤها كل إنسان مؤمن، وهو أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، معه صورة الجنة والنار ومعه خوارق، فجنته نار، وناره جنة فالذي يعصيه يلقيه في النار وهي الجنة، والذي يطيعه يلقيه في الجنة وهي النار.
ومن خوارق العادات التي يعطيها الله له ابتلاء وامتحانًا أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، ومن أطاعه كثر ماله، ومن عصاه أصبحوا موحلين، ويتبعه ناس يعلمون كذبه لكنهم يريدون عيشة رغيدة، يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، وفي صحيح مسلم: «ما بين خلق آدم حتى قيام الساعة أمر أو خلق أكبر من الدجال»[(164)] ويأتي برجل فيقتله ويشقه نصفين ويمشي بين النصفين ثم يقول: قم فيستوي قائما بإذن الله.
ويمكث في الأرض أربعين يومًا: يوم طوله سنة ويوم طوله شهر ويوم طوله جمعة، وبقية الأيام كأيامنا هذه، فاليوم الأول تطلع الشمس ولا تغيب إلا بعد ثلاثمائة وستين يومًا، واليوم الثاني تطلع الشمس ولا تغيب إلا بعد شهر، واليوم الثالث تطلع الشمس ولا تغيب إلا بعد سبعة أيام، وبقية الأيام سبع وثلاثون يوما مثل أيامنا، والصلوات حينئذ تقدر، كل أربعة وعشرين ساعة خمس صلوات، كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة.
}7122{ قوله: «مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مَا سَأَلْتُهُ، وَإِنَّهُ قَالَ لِي: «مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ قُلْتُ: لأَِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ، وَنَهَرَ مَاءٍ، قَال: هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِك»» أي: هو أهون على الله من أن يجعل ما خلقه الله على يده مضلا للمؤمنين وموقعًا لهم في الشك، كما ذكر القاضي عياض وعنه النووي قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ولاسيما وقد جُعِل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره».
وإن أريد به ظاهره فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت لم يوح إليه بأن الدجال معه صورة الجنة والنار؛ ولذلك ما أجابه بأن معه ذلك، ثم أوحي إليه ذلك بعدُ.
}7123{ قوله: «أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» ، يعني: جعل الله علامة النقص ظاهرة أمام كل أحد، فكيف يدعي الربوبية وهو لا يستطيع أن يزيل العيب عن نفسه؟! فهو أعور يأكل ويشرب ويبول ويتغوط فكيف يكون ربًّا؟!
}7124{ قوله: «يَجِيءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ» . في هذا الوقت تنفي المدينة خبثها النفي الكامل، وفي اللفظ الآخر: «فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص»[(165)] والمدينة فيها خبث الآن، ففيها رافضة وغيرهم.
ولما جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصابته الحمى وأسلم، قال: أقلني من إسلامك، يعني: يريد أن يرجع عن الإسلام، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أبى خرج، فقال: «المدينة تنفي خبثها»[(166)] وهذا نفي جزئي، لكن النفي الكامل إذا جاء الدجال، فإنه لا يدخل المدينة، لكن ينعق عند سبخة وترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه أتباعه.
}7125{ هذا الحديث فيه: أن أهل المدينة آمنون من رعب المسيح الدجال، وأتباعه يخرجون إليه ولا يدخلها، ولا يدخل مكة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ» . قال عياض: هذا يؤيد أن المراد بالأنقاب في حديث أبي هريرة يعني: ثاني أحاديث الباب الذي يليه الأبواب وفوهات الطريق.
قوله: «عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ» ، كذا في رواية إبراهيم بن سعد، وفي رواية محمد بن بشر: «لكل باب ملكان»[(167)] وأخرجه الحاكم من رواية الزهري، عن طلحة بن عبدالله بن عوف، عن عياض بن مسافع، عن أبي بكرة قال: أكثر الناس في شأن مسيلمة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه كذاب من ثلاثين كذابًا قبل الدجال، وإنه ليس بلد إلا ويدخله رعب الدجال، إلا المدينة على كل نقب من أنقابها ملكان يذبان عنها رعب المسيح»[(168)] .
}7126{ هذا الحديث سبق شرحه ضمنًا في الذي سبقه.
}7127{ قوله: «إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَر» . الأعور: هو الذي ليس له إلا عين واحدة، والله ليس بأعور؛ بل له عينان سليمتان، فيفهم منه إثبات العينين لله كما يليق بذاته، وليس هناك دليل في السنة يؤخذ منه إثبات العينين إلا هذا الحديث.
}7128{ في هذا الحديث إشكال، وهو: كيف يدخل الدجال مكة ويطوف بالكعبة وهو ممنوع من دخول مكة؟
_خ الجواب: أن هذه رؤيا، والرؤيا غير اليقظة، ويمكن أن يقال: إنه ممنوع وقت خروجه ووقت فتنته، وأما الآن فهو لم يخرج.
وفي هذه الرؤيا رأى النبي صلى الله عليه وسلم عيسى بن مريم «سَبْطُ الشَّعَرِ» ، يعني: مسرح الشعر، «يُهَرَاقُ رَأْسُهُ» ؛ وأما الدجال فهو: «رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ، جَعْدُ الرَّأْسِ» غير سبط.
}7129{ في هذا الحديث: مشروعية الاستعاذة من فتنة الدجال في كل صلاة فريضة أو نافلة، فيستعيذ المسلم من فتنة الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ومن عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، وهو عند الجمهور مستحب، وعند طاوس بن كيسان اليماني رحمه الله واجب، فقد قال لابنه مرة وقد صلى: هل استعذت بالله من أربع في صلاتك؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك، وهذا يدل على أن فتنته فتنة عظيمة.
}7130{ قوله: «إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا» ، هذا من خوارق العادات التي أعطاها الله الدجال، وفي اللفظ الآخر: «معه جنة ونار»[(169)] ، ثم قال: «فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَمَاؤُهُ نَارٌ» .
وفي الحديث الآخر: «معه نهران يجريان، أحدهما: رأي العين ماء أبيض، والآخر: رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارًا وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد»[(170)] .
ومعه أيضًا من الخوارق أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، ويأتي للخربة فيدعوها فتتبعه كنوزها كعسيب النحل، ويقطع رجلاً نصفين، ويدعو القوم فيستجيبون له، فتروح أنعامهم وسارحتهم أطول ما كانت، ويأتي القوم فيردون عليه دعوته فيصبحون موحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، فهذه فتنة عظيمة.
}7131{ هذا الحديث فيه: أن كل نبي أنذر أمته الدجال، وفي اللفظ الآخر: «وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: إنه أعور وإن الله ليس بأعور»[(171)] .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قيل: إن السر في اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتنبيه المذكور مع أنه أوضح الأدلة في تكذيب الدجال أن الدجال إنما يخرج في أمته دون غيرها ممن تقدم من الأمم، ودل الخبر على أن علم كونه يختص خروجه بهذه الأمة كان طوي عن غير هذه الأمة كما طوي عن الجميع علم وقت قيام الساعة».
قوله: «الأَْعْوَرَ الْكَذَّابَ» فيه: وصفه بالكذب كما وصف مسيلمة بالكذب.
قوله: «أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» استدل به العلماء على إثبات العينين لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته، وأن لله عينين سليمتين ليس فيهما نقص ولا عيب، وقد جاء في القرآن الكريم إثبات العين للرب تعالى في قوله: [طه: 39]{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *}، وأما إفراد العين فيراد به الجنس مثل إفراد اليد في قوله: [المُلك: 1]{بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وإلا فله يدان، وجمع العينين كقوله تعالى: [القَمَر: 14]{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} يراد به التعظيم كما أن جمع الأيدي يراد به التعظيم كقوله: [يس: 71]{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}.
قوله: «بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ» ، وفي اللفظ الآخر: «ك ف ر»[(172)] مقطعة.
قوله: «فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، أي: يدخل في الباب حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس، فيحتمل أن يريد أصل الباب، فيتناول كلامه كل شيء ورد مما يتعلق بالدجال من حديث المذكورين، ويحتمل أن يريد خصوص الحديث الذي فيه وهو أن كل نبي أنذر قومه الدجال وهو أقرب».