(المقدمة)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أيها الأحبة في الله يسر إخوانكم في تسجيلات الراية الإسلامية بالرياض أن يقدموا لكم دروس الدورة العلمية التاسعة والتي أقيمت بجامع شيخ الإسلام ابن تيمية بمدينة الرياض ومع شرح كتاب الاقتصاد في الاعتقاد للحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي والذي قام بشرحه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي نسأله تعالى أن ينفع المسلمين بهذه الدروس وأن يجزي الشيخ خير جزاء والآن نترككم مع مادة هذا الشريط .
(الشيخ)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فإنا نحمد الله ونشكره أن وفقنا لمجالس العلم، وأسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما وأن لا يجعل فينا ولا منا شقيا ولا محروما، وأسأله أن يجعل مجلسنا هذا مجلس علم تحفه الملائكة وتغشاه الرحمة وتنزل عليه السكينة ويذكره الله فيمن عنده، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ.
وطلب العلم وحضور مجالس العلم فيه فضل عظيم وأجر كبير، وطلب العلم مع حسن النية وإخلاص النية لا يعدله شيء، فهو من أفضل القربات وأجل الطاعات.
والعلم هو وراثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وَالْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ.
والله تعالى بيَّن فضل العلم وأهل العلم والعلماء، وقال سبحانه في كتابه العظيم: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ، وقال سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.
وقرن شهادة أهل العلم بشهادته وشهادة ملائكته على أعظم مشهود به، وهي الشهادة لله بالوحدانية، فقال سبحانه: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
ومجالس الذكر وطلب العلم أفضل من نوافل العبادة يعني أفضل من نوافل الصلاة ونوافل الصيام ونوافل الحج طلب العلم مقدم على نوافل العبادات، وما ذاك إلا لأن طلب العلم ومجالس العلم فيه يتعلم الإنسان دينه ويتبصر ويتفقه في دينه، يعلم الحلال والحرام، يعلم ما يجب لله تعالى وما يصف الله به نفسه من الأسماء والصفات، يعلم حق الله فيعبده على بصيرة.
ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان أن النبي ﷺ قال: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ قال العلماء: هذا الحديث له منطوق وله مفهوم، فمنطوقه أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيرا، ومفهومه أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيرا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فينبغي للمسلم أن يحرص على مجالس العلم وحلقات العلم والدروس العلمية، وأن يكون له نية حسنة يخلص هذه النية لله؛ لأن طلب العلم عبادة من أفضل القربات وأجَلِّ الطاعات.
والعبادة لا بد فيها من شرطين، لا تصح إلا بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون خالصة لله مرادا بها وجه الله والدار الآخرة.
والشرط الثاني: أن تكون موافقة لشرع الله وصوابا على هدي رسول الله ﷺ.
فينبغي لطالب العلم أن يحرص على مجالس العلم وعلى الدروس العلمية، وأن يرتبط بها وأن ينتهز الفرصة ما دام هذه المجالس موجودة وهذه الحلقات موجودة وأهل العلم موجودون، فقد يأتي وقت لا يتيسر له هذه المجالس ولا يجد وقتاً قد يفقدها، وقد توجد المجالس ولا يوجد فيها من أهل العلم من هو من أهل البصيرة.
فعلى طالب العلم أن يجتهد وأن يحرص وأن يخلص نيته لله، وأن يكون قصده أن يتفقه في دين الله وأن يتبصر في دين الله، وأن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان أنه لا يعلم، قال الله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا. وقيل للإمام أحمد رحمه الله كيف ينوي طالب العلم؟ قال: ينوي أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره. نعم، الأصل في الإنسان أنه لا يعلم، فأنت تتعلم وتتبصر فترفع الجهل عن نفسك فتعبد ربك على بصيرة، ثم ترفع الجهل عن غيرك بأن تعلم غيرك ما علمت.
والأدلة والنصوص كثيرة في فضل العلم وطلب العلم، كثيرة مشهورة معلومة، وأهل العلم وأهل البصيرة هم أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم، الذين مَنَّ الله عليهم بالعلم والعمل.فإن أهل الصراط المستقيم هم أهل الهداية وهم المتقون وهم أهل الفلاح وهم أهل التقوى وهم أهل البر، وهم الذين نسأل الله في كل ركعة من ركعات الصلاة في سورة الفاتحة أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم، وهم المنعم عليهم، أنعم عليهم الله بالعلم والعمل، فأنت في كل ركعة في قراءة الفاتحة تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم، الذين مَنَّ الله عليهم بالعلم والعمل.وتسأل الله أن يجنبك طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين، المغضوب عليهم هم الذين يعلمون ولا يعملون نسأل الله السلامة والعافية، عندهم علم ولكن لا يعملون بعلم، ويدخل في ذلك كثيرون، اليهود يعلمون ولا يعملون، وتسأل الله أن يجنبك طريق الضالين وهم الذين يعبدون الله على جهل وضلال، عندهم عمل لكن ليس عندهم علم ولا بصيرة، تَخَلَّفَ العلم، كالنصارى وأشباههم من الصوفية والزهاد الذين يتخبطون في الظلمات وليس عندهم بصيرة.
فهما داءان من سلم منهما سلم من داء الغواية وداء الضلال، داء الغواية هو عدم العلم بما يعمله الإنسان، وداء الضلال هو أن يتعبد على جهل وضلال، وقد برأ الله نبيه الكريم من هذين الداءين وهما داء الغواية وداء الضلال، فقال : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى أقسم سبحانه بالنجم وله أن يقسم بما شاء أن نبينا ﷺ ليس ضالا ولا غاويا، بل هو راشد عليه الصلاة والسلام.
وعلى طالب العلم أن يعتني بالدروس العلمية والإصغاء والانتباه وحسن النية، وكذلك ينبغي له أن يسأل عما أشكل عليه، لكن سؤال استرشاد واستفهام، سؤال تعلم لا سؤال تعنت ولا سؤال إظهار رياء، بأن يظهر أنه يعلم أو يقصد من سؤاله إعنات المسؤول وإيقاعه في الحرج، أو السؤال عن الأشياء التي لا تقع، أو يكثر من الأسئلة والتشكيك في المسائل التي لا حاجة إليها، بل يسأل سؤال استرشاد واستفهام، يقصد العلم ويقصد الفائدة لا يقصد الرياء ولا إعنات المسؤول، ولا السؤال عن الألغاز والأشياء المشكلة والتي لم تقع أو نادرة الوقوع، هكذا ينبغي لطالب العلم.
ونحن إن شاء الله سوف ندرس معكم في هذه الدورة كتاب ( الاقتصاد في الاعتقاد ) للحافظ عبد الغني المقدسي، هذا الكتاب سمي بالاقتصاد في الاعتقاد، وهو عقيدة للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسين بن جعفر المقدسي نسبة إلى بيت المقدس، "الجمَّاعِين" نسبة إلى بلدة جماعين، وهي قرية تابعة من أرض فِلَسطين تابعة لبيت المقدس، ويسمى أيضا الدمشقي لأنه انتقل إلى دمشق، "والصالحي" لأنه أيضا سكن في قرية الصالحية في جبل قاسيون في دمشق.
وكانت ولادة الإمام عبد الغني وكان من علماء القرن السادس الهجري؛ وكانت ولادته سنة خمسمائة وإحدى وأربعين أو اثنيتن وأربعين أو ثلاث وأربعين أو أربع وأربعين على خلاف، وكانت وفاته سنة ستمائة من الهجرة، والحافظ عبد الغني رحمه الله له باع طويل في الحديث وعلوم الحديث، وهو صاحب ( عمدة الأحكام ) المعروف الآن المنتشرة بين يدي طلاب العلم عمدة الأحكام في الحديث على أبواب الفقه، وهو سلفي المعتقد رحمه الله.
وقد عاصر الموفق محمد ابن قدامة صاحب ( المغني ) و( الشرح الكبير ) وهو ابن خالته، عاصره، تأخر عنه قليلا، ست سنوات أو ثمان سنوات أو عشر سنوات، وأخذ عنه، وكذلك عاصر الضياء المقدسي صاحب المختارة وأخذ عنه، وله شيوخ كثيرون وتلاميذ كثيرون، والحافظ رحمه الله له عناية كبيرة بالحديث وعلومه، وابن خالته محمد ابن قدامة المقدسي صارت عنايته بالفقه أكثر، فألف كتاب ( المغني ) الذي هو من أوسع كتب الفقه، ويعتبر أعلى كتاب فيه المقارنة بين المذاهب الأربعة كتب المذاهب الأربع وأدلتها.
والحافظ عبد الغني المقدسي ألف هذه الرسالة تسمى "عقيدة الحافظ عبد الغني" أو تسمى "الاقتصاد في الاعتقاد" وسماها الاقتصاد، معنى الاقتصاد معناه: كون الشيء وسطا، القصد هو الوسط، وقصده من ذلك بيان المذهب الوسط من العقيدة وهو مذهب أهل السنة والجماعة؛ لأن مذهب السلف وسط بين طرفي الإفراط والتفريط، فالاقتصاد معناه الوسطية، الوسطية بين الإفراط والتفريط؛ لأنه ما من شيء إلا وله طرفان ووسط، الطرفان هما مجاوزة الحد والغلو أو التقصير، إما جفاء وإما إفراطا، إما تفريطا وإما إفراطا، هذان الطرفان مذمومان (كلا طرفي قصد الأمور ذميم) والوسط هو الحق، والوسط هو مذهب أهل السنة والجماعة.
مذهب أهل السنة والجماعة وسط بين مذاهب أهل البدع والفِرق، فمثلا مذهب أهل السنة والجماعة وسط في القدر، وسط بين مذهبي الجبرية والقدرية، فالجبرية غَلَوْا في إثبات أفعال الرب ونَفَوْا أفعال العبد، وقالوا: إن العبد ليس له أفعال والرب -سبحانه- هو الفاعل، والأفعال هي أفعال الله والعباد وعاء -وعاء للأعمال- وعاء للأعمال ، فالله هو المصلي والصائم والعباد كأنهم وعاء، كالكأس الذي يصب فيه الماء، فالعباد كؤوس والله صباب الماء، فيها فلم يثبتوا للعبد اختيارا ولا قدرة، سلبوا قدرته واختياره وقابلهم القدرية فقالوا: العبد هو الذي يخلق فعل نفسه استقلالا، خيرا أو شرا طاعة أو معصية، والله لم يخلق أفعال العباد. وأهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، أثبتوا أفعال العباد وأثبتوا لهم الاختيار، كما دلت النصوص على ذلك، ولكن مشيئتهم واختيارهم تابع لمشيئة الله فالله خلق العباد وخلق أفعالهم وقدرهم، والعبد له قدرة واختيار، والله خلق العبد وخلق قدرته واختياره، والعباد لهم قدرة واختيار، فهم الذين يصلون ويصومون، وهم الذين يقومون ويقعدون ويفعلون باختيارهم.
كذلك مثلا في باب الإيمان فهم وسط بين المرجئة الخوارج والوعيدية الذين يقولون: إن العبد إذا فعل المعصية إذا فعل الكبيرة كَفَرَ، الزاني كافر عندهم والسارق كافر وشارب الخمر كافر، وبين الجهمية جهمية المرجئة الذين يقولون: إن العبد إذا عرف ربه بقلب فهو مؤمن ولا يضره ولو فعل جميع الكبائر والمنكرات فلا يضره، ما دام عرف ربه بقلبه فهو مؤمن ولا يكفر إلا إذا جهل ربه بقلبه، والمعاصي لا تضره والكبائر، لو فعل جميع الكبائر، وقد عرف ربه دخل الجنة من أول وهلة.هذان مذهبان باطلان، وأهل السنة وسط بين هؤلاء وهؤلاء، فقالوا: إن العبد لا يكفر بفعل المعصية، ولكن يكون ناقص الإيمان، ضعيف الإيمان إذا لم يستحل كبيرة، ولكن المعاصي تضر الإيمان وتنقصه وتضعفه إلا أنها لا تقضي عليه، فلا يقضي على الإيمان إلا الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر... وهكذا.
والمؤلف رحمه الله في هذه الرسالة يعني استعرض وذكر فيها كثيرا من الموضوعات العقدية والمسائل العقدية والصفات، فالمؤلف رحمه الله بحث جميع الصفات أو أغلب الصفات في هذه الرسالة، وبحث صفة الاستواء وصفة العلو، وصفة الوجه وصفة النزول، وصفة اليدين وصفة المحبة، وصفة المشيئة والإرادة، وصفة الضحك وصفة الفرح، وصفة العجب وصفة البغض، وصفة السخط وصفة الكره، وصفة الرضا والنفس والرؤية والكلام والقول في القرآن هو كلام لله والقضاء والقدر، والإسراء والمعراج، ورؤية الرسول ﷺ لربه ليلة المعراج ورؤية المؤمنين لربهم، والشفاعة والحوض، وعذاب القبر ونعيمه والجنة والنار والميزان، وأركان الإيمان وسنة الإيمان، وحقيقة الإيمان والإسلام، والإيمان بخروج الدجال ونزول عيسى وقتله الدجال، والإيمان بملك الموت وخصائص النبي ﷺ والمفاضلة بين الخلفاء الراشدين، والشهادة لمن شهد له النبي ﷺ بالجنة وفضل الاتِّباع.
كل هذه المسائل والمباحث العقيدية كلها بحثها المؤلف رحمه الله في هذه العقيدة التي تسمى "عقيدة الحافظ عبد الغني" أو "الاقتصاد في الاعتقاد". والآن نبدأ الرسالة، نعم تفضل.
(المتن)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده حسبنا والله نعم الوكيل، قال الشيخ الإمام العالم الزاهد الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الحنبلي المقدسي رحمه الله تعالى:
(الشرح )
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه خطبة المؤلف رحمه الله افتتحها بالبسملة والحمد لله اقتداء بكتابه العزيز، فالله تعالى افتتح كتابه بـ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فالبسملة الصواب أنها آية منفصلة في أول كل سورة، ليست من السور، ليست من الفاتحة ولا من غيرها، والفاتحة سبع آيات أولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والآية السادسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ والسابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ أي سبع آيات بدون البسملة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
ويدل على ذلك نصوص منها الحديث القدسي أن الرب قال: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فالمراد بالصلاة هنا الفاتحة، يعني: الفاتحة لها أسماء، من أسمائها الصلاة، فإذا قال العبد: فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي فقول الرب -سبحانه-: فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ دل على أن أول آية الحمد لله ، ولم يقل: إذا قال العبد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فدل على أن أول آية: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فالمؤلف افتتح كتابه بالبسملة، باسم الله يعني أستعين، باسم الله أستعين، باسم الله البالغ السعة.
والله لفظ جلالة ولا يسمى به غيره، أعرف المعاني، والله أصلها الإله، ثم حذفت الهمزة فاجتمعت اللامان وأدغمت كلاهما في الأخرى، الله هو المألوه، الإله بمعنى مألوه، المألوه المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وتعظيما وخوفا ورجاءً.
"الرحمن": اسم من أسمائه، اسم من أسماء الله لا يسمى به غيره، المشتمل على الرحمة، يعني: ذو الرحمة، "الرحيم": اسم آخر، والرحمن لا يسمى به غيره، والرحيم مشترك يطلق على الله وعلى غيره، قال تعالى- عن نبيه لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فوصف نبيه بأنه رحيم.
فأسماء الله نوعان:
منها ما هو خاص به لا يسمى به غير الله ( الرحمن، و خالق الخلق، مالك الملك، النافع، الضار، المحيي، المميت، المعطي، المانع ) لا يسمى به غيره.
ومنها ما هو مشترك كـ: ( العزيز، والعليم، والسميع، والبصير، والحي، والرحيم ) وغير ذلك.
مستعينا بالله "الرحمن": المتصف بالرحمة.
وكل اسم من أسماء الله مشتق، ليست أسماء الله جامدة، فهي مشتقة مشتملة على الصفات: الرحمن مشتمل على الرحمة، العليم مشتملة على صفة العلم، القدير صفة القدرة، الحكيم صفة الحكمة، وهكذا بخلاف الصفات كصفة الغضب وصفة الرضا لا يشتق لها أسماء منها، ما يقال، فالأسماء والصفات توقيفية، ما يقال: إن الله اتصف بالرضا فنقول: من أسمائه الراضي، والغضب فنقول: من أسمائه الغاضب، لا، لكن الأسماء مشتملة على صفات، الرحمن مشتملة على صفة الرحمة، العليم مشتملة على العلم.
قال: والحمد لله الحمد لله وحده، قد يقال: إن قول: بسم الله الرحمن رب يسره عني يا كريم، الحمد لله وحده، حسبنا الله ونعم الوكيل، يعني: الله كافينا، ونعم الوكيل المتوكل عليه سبحانه، قد يكون هذا ليس من قول المؤلف، ولهذا قال بعد ذلك، قال الشيخ الإمام العالم الزاهد الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الحنبلي المقدسي، حنبلي يعني: حنبلي المذهب، قد يكون مقلدا وقد يكون مجتهدا مثل شيخ الإسلام وابن القيم، يسمى كل منهما ينتسب إلى مذهب الحنابلة؛ لأنه وافق الإمام أحمد في الأصول، وليس معنى ذلك أنه مقلد، لا، وافقه في الأصول."المقدسي" نسبة إلى بيت المقدس، رحمه الله تعالى.
"الحمد لله" الحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية، وهو أكمل من المدح، فالمدح هو أن تذكر صفات الممدوح وقد تكون هذه الصفات اختيارية وقد تكون خِلْقية ليست اختيارية، والحمد إنما هو حين يكون بذكر صفات المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه، فالإخبار عن المحمود بالصفات الاختيارية مع حبه وإجلاله وتعظيمه هذا هو الحمد، وأما المدح فلا يلزمه الحب والمحبة. وتذكر صفات الإنسان وقد لا تكون صفات اختيارية، مثل الأسد تذكر أوصاف الأسد وتقول: إنه قوي العضلات، هذا مدح للأسد ولكن ليس فيه محبة، لا يلزم لذلك المحبة، ليس فيه محبة، فلا يسمى حمداً، فلا تقول: أحمد الأسد، وإنما قل: أمدح الأسد، فالحمد أكمل والإخبار عن المحمود أو ذكرك صفات المحمود الاختيارية، فالثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله؛ ولهذا جاء الحمد في صفات الله ، جاء الحمد في حق الرب ، الحمد لله، ولا تقول: أمدح الله؛ لأنه أكمل والثناء على المحمود من صفاته الاختيارية مع الحب والإجلال والتعظيم.
وأل للاستغراق، يعني: جميع أنواع المحامد مستغرقة لله ملكا واستحقاقا.
فـ"الحمد لله" فالله علما على الرب - أعظم المعاني، يعني: المألوه الذي تألهه القلوب محبة وإجلالا وتعظيما.
"المتفرد بالكمال والبقاء" يعني: هو الذي يتفرد بالكمال، من صفاته الكمال، أما المخلوق فالصفات وإن اتصف ببعض الصفات إلا أنها ليست صفات كمال على الإطلاق، بل هي إن اتصف بشيء من الصفات فالكمال فيها كمال نسبي يليق بالمخلوق وبالبشر، أما صفات الكمال على الإطلاق فلا يستحقها إلا الرب ، هو الذي تفرد بالكمال وتفرد بالبقاء وهو الباقي وهو الحي القيوم، الحي الذي لا يموت، وأما المخلوق فإنه ليس له البقاء إلا بإبقاء الله له.
المتفرد بالكمال والعز، كذلك هو الذي تفرد بالعز، العز الكامل، والمخلوق له عز نسبي بإعزاز الله له، والكبرياء، تفرد بالكبرياء ، وأما المخلوق فليس له أن يتكبر، فإذا تكبر فهو مذموم، فالكبر للمخلوق من الصفات الذميمة ومن الكبائر قد يكون كفرا، كما إذا تكبر عن عبادة الله فلم يعبد الله، فهذا كبر يخرج من الملة، وقد يكون كبرا دون ذلك دون التوحيد فيكون من الكبائر، وفي الحديث: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ هذا وإن كان كبر على التوحيد فهو مخلد في النار، وإن كان دون التوحيد فهذا من باب الوعيد من الكبائر، فالله تعالى تفرد بالكمال والبقاء والعز والكبرياء.
"الموصوف بالصفات والأسماء" يعني: موصوف بالأسماء والصفات التي وصف بها نفسه وسمى بها نفسه في كتابه أو على لسان نبيه ﷺ، لأن الأسماء والصفات توقيفية ليس للعباد أن يسموا الله بأسماء من عند أنفسهم أو يصفوه بصفات من عند أنفسهم، العباد لا يخترعون لله أسماء أو صفات بل الأسماء والصفات توقيفية يوقف فيها عند النصوص.
"المنزه عن الأشباه والنظراء" الله تعالى ليس له شبيه ولا نظير، النظير هو المثيل، الله ليس له مثيل وليس له شبيه، بل هو لا أحد يماثله في صفاته لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، فليس له مثيل ولا شبيه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله .
"الذي سبق علمه في بريته بمحكم القضاء"، سبق علمه في بريته، يعني: المخلوقات، البرية المخلوقات، يعني: سبق علم الله فيما يكون في المخلوقات، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ.
والعلم سابق للكتابة، قال الله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وقال سبحانه : مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
سبق علمه في بريته بمحكم القضاء من السعادة والشقاء" يعني: الله تعالى سبق علمه، كتب الشقاء والسعادة، علم ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
واستوى على عرشه فوق السماء، استوى استواء يليق بجلاله وعظمته، يعني: استقر وعلا وصعد وارتفع فوق عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته.
فالمؤلف رحمه الله بيَّن في خطبته أنه يسير على وفق معتقد أهل السنة والجماعة على ما دلت عليه النصوص، استوى أثبت الاستواء، وأهل البدع يحرفون ويؤولون الاستواء بالاستيلاء.
"وصلى الله على الهادي إلى المحجة البيضاء والشريعة الغراء محمد ﷺ.
"وصلى الله" صلاة الله على عبده أحسن ما قيل أو أصح ما قيل في تعريف صلاة الله على عبده هي: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، صلى الله، أنت تسأل الله أن يثني على عبده في الملأ الأعلى. "صلى الله على الهادي" هذا وصف الرسول ﷺ الهادي هداية دلالة وإرشاد، والهداية هداية دلالة وإرشاد هذه يملكها النبي ﷺ ويملكها الدعاة والمصلحون، قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. أما هداية التوفيق والتسديد وخلق الهداية في القلوب وجعل اللسان يقبل الحق ويرضاه هذه لا يملكها إلا الله، لا يملكها النبي ﷺ ولا غيره، قال الله تعالى لنبيه الكريم لما عجز عن عمه أبي طالب أنزل الله فيه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. يعني: لا توفق، يعني النبي ﷺ لا تستطيع أن توفق، بل الذي يوفق هو الله؛ هو الذي يخلق الهداية في القلوب.
"وصلى الله على الهادي إلى المحجة البيضاء"، الشريعة والطريق "المحجة" هي الجادة والطريق البيضاء، وهي محجة الإسلام وطريق الإسلام والصراط المستقيم، "والشريعة الغراء" يعني: البيضاء الناصعة، وهي ما بعث به -عليه الصلاة والسلام- من الشريعة السهلة السمحة في العقيدة والعمل والخُلُق.
"محمد" هذا اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام، محمد لكثرة المحامد، وله أسماء كثيرة ﷺ، كمحمد وأحمد والحاشر والمُقفِي الذي يحشر الناس على قدميه، وله أسماء كثيرة عليه الصلاة والسلام، أسماء متعددة، محمد سيد المرسلين، سيدهم يعني له السؤدد والإمامة وهو مقدمهم وإمامهم ﷺ، "سيد المرسلين والأنبياء.
وعلى آله" المراد بالآل، قيل: المراد بالآل أهل بيته، أهل بيته يعني المؤمنين به، عمه العباس وعمه حمزة وعلي وفاطمة والحسن والحسين كلهم من أهل بيته، وقيل: المراد بآله أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، ويدخل في ذلك أهل بيته، ويدخل في ذلك أزواجه من أهل بيته.
"وصحبه" جمع صاحب، وهو كل من لقي النبي ﷺ- مؤمنا ولو لحظة ومات على الإسلام، ومن لقي النبي ﷺ، يشمل العميان كعبد الله بن أم مكتوم، هذا لقاء، ولا يقال: كل من رأى النبي ﷺ؛ لأن ابن أم مكتوم صحابي ولم ير النبي ﷺ، لكن لقيه، كل من لقي النبي ﷺ مؤمنا ولو لحظة ثم مات على الإسلام فهو صحابي، ولو كان صغيرا ولو كان صبيا.
"وعلى آله وصحبه"، وإذا فسر الآل بأتباعه على دينه يكون صلي على الصحابة مرتين، مرة بالعموم ومرة بالخصوص، "وعلى آله" أتباعه على دينه، ويدخل في ذلك الصحابة وأزواجه وأهل بيته، ثم قال: "وصحبه" هذا تخصيص بعد تعميم.
"الطاهرين" الذين طهرهم الله من الشرك والإصرار على الكبائر.
"الأتقياء" جمع تقي، والتقي هو الذي آمن بالله وأدى الواجبات وترك المحرمات.
"صلاة دائمة" يعني: مستمرة، "إلى يوم اللقاء"، وهو يوم الدين الذي يلقى فيه كل مؤمن ربه ويقف بين يديه للحساب، نعم.
(المتن)
قال رحمه الله:
(الشرح)
نعم، بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله بعد الخطبة والثناء على الله والصلاة على نبيه وأتباعه قال المؤلف رحمه الله : "اعلم وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل"، "اعلم" أمر، يعني: أمر بالعلم، والعلم هو الحكم الذهني الجازم ،الحكم الذهني الجازم يعني: تيقن، بخلاف الشك فإنه ما يشك فيه الإنسان بين أمرين، فإذا كان أحد الأمرين راجحا يسمى ظنا، فالراجح يسمى ظنا والمرجوح يسمى وهما، وإذا تساوى الأمران يسمى شكًّا، وإذا كان عنده جزم يسمى يقينا، يعني يسمى علما، فإن المعلومات أربع: علم وظن وشك ووهم، فالعلم هو ما يجزم فيه الإنسان، علم الذهن الجازم ما يتيقن به الإنسان، والظن هو أحد الأمرين الذي يشك فيهما أحد الأمرين أو الراجح من الأمرين الذين يشك فيهما، إذا كان عنده أمران يشك فيهما واحد أرجح من الآخر، فالراجح يسمى ظنا، والوهم هو المرجوح من أحد الأمرين، والشك هو أن يتساوى الأمران، فالمؤلف يقول: تيقن لا تشك ولا تظن ولا تتوهم بل تيقن، اعلم تيقن من غير شك ولا ظن ولا وهم، اعلم تيقن واجزم بأي شيء من صالح السلف.
ثم جاء بالجملة المعترضة، دعا لطالب العلم وهذا من نصحه رحمه الله من نصحه لطالب العلم بعلمه، ويدعو له قال: "وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل" دعاء لطالب العلم، تعليم ودعاء، هذا من نصحه، كما قال الشيخ الإمام المصلح المجدد محمد بن عبد الوهاب في كثير من رسائله: أعلم أرشدك الله لطاعته اعلم رحمك الله هؤلاء الأئمة وهؤلاء العلماء أنصح الناس للناس؛ الأنبياء أنصح الناس للناس والعلماء ورثة الأنبياء، فمن نصح العلماء أنهم يعلمون ويدعون فهو يعلمك يقول اعلم ويدعو لك، وفقنا الله وإياك، سأل الله أن يوفقك، سأل الله التوفيق له ولك يا طالب العلم، لأي شيء؟ لما يرضيه من القول والعمل والنية ، نسأل الله أن يوفقنا، يعني: يجعلنا موفقين مسددين قابلين للحق مختارين له راضين به، والحق هو الذي يرضي الله، الذي يرضيه من القول، و"القول": هو الكلام، كالنطق بكلمة التوحيد والشهادتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتلاوة القرآن، والتسبيح والتهليل والتكبير وغير ذلك، و"العمل": كالصلاة والصيام والصدقة والحج والنية، كذلك الاعتقاد الصحيح في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر. فهو يدعو لك يدعو لنفسه ولك يا طالب العلم "اعلم وفقنا الله وإياك" يسأل الله التوفيق لما يرضيه من القول والنية والعمل.
"وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل" استعاذة بالله، استعاذة بالله لنفسه ولطالب العلم، استعاذة بالله، قال: "أعاذنا الله وإياك من الزيغ"، "الزيغ": الانحراف عن الحق في الاعتقاد، يعني اعتقد اعتقادا باطلا اعتقادا سيئا، اعتقاد المشركين أو اعتقاد اليهود أو اعتقاد النصارى أو اعتقاد أهل البدع، اعتقاد الفلاسفة والضالين أو الجهمية أو الباطنية، أو الصوفية المنحرفين أو المعتزلة أو الأشاعرة، كل هذا زيغ استعاذ بالله من الزيغ لنفسه ولك يا طالب العلم استعاذ بالله لنفسه ولنا جميعا، وأعاذنا الله وإياك يا طالب العلم من الزيغ والانحراف، و"الزلل" كذلك، الزلل نوع من الانحراف، هو الزلل عن الحق، يعني: تخطي الحق وتجاوز الحق وعدم إصابة الحق ، هذه جملة معترضة، قوله: "وفقنا الله وإياك لما يرضيه من القول والنية والعمل، وأعاذنا وإياك من الزيغ والزلل" تجعلها بين شرطتين بين شرطتين جملة معترضة في الدعاء، أراد بها المؤلف أن يدعو لطالب العلم وتقرأ ما قبلها وما بعدها، تقول : " اعلم يا صالح السلف " يا طالب العلم ، تقول بعد أن تجعل الدعاء بين شرطتين:
"اعلم أن صالح السلف وخيار الخلف وسادة الأئمة وعلماء الأمة اتفقت أقوالهم وتطابقت آراءهم على الإيمان بالله ، "صالح السلف" والمراد بصالح السلف الصحابة ، الصحابة والتابعون والأئمة ومن سار على نهجهم، ومن سار على نهجهم هم خيار الخلف، خيار الخلف إذًا يقول المؤلف: "صالح السلف" وهم الصحابة والتابعون، "وخيار الخلف" من تبعهم وسار على نهجهم من الأئمة والعلماء وأهل السنة والجماعة، "وسادة الأئمة" يعني: مقدم الأئمة، الأئمة في الدين العلماء والمصلحون والأئمة سادتهم.
"وعلماء الأمة" العلماء جميعا، السادة مقدم العلماء وسائر العلماء، يقول: اعلم أن صالح السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين وخيار الخلف ومن تبعهم ، ومقدم الأئمة وسائر علماء الأمة كلهم اتفقت أقوالهم وتطابقت آراؤهم على الإيمان بالله كلهم اتفقوا اتفقت أقوالهم وتطابقت آراؤهم على أي شيء؟ على الإيمان بالله الإيمان بالله وأنه واجب الوجود بذاته، وأنه موجود فوق العرش وأنه له الأسماء الحسنى والصفات العُلَى، وأنه المعبود بالحق وأن غيره معبود بالباطل ، هذا اتفقت عليه ، اتفق على هذا السلف والخلف والأئمة والعلماء، اتفقوا على هذا، الإيمان بالله وإثبات وجوده، وأنه واجب الوجود بذاته وأنه فوق العرش، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي سمَّى بها نفسه أو وصف بها نفسه، وسماه بها رسوله ﷺ أو وصفه بها رسله عليهم الصلاة والسلام، وكذلك الإيمان بصفاته وبأفعاله والإيمان بألوهيته، الإيمان بربوبيته وألوهيته وأنه المعبود بالحق.واتفقوا على هذا على الإيمان بالله
ويدخل في الإيمان بالله قوله: "وأنه أحد فرد صمد حي قيوم سميع بصير" كل هذا داخل في الإيمان بالله أنه أحد، يعني: واحد لا نظير له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فرد مثل أحد بمعنى واحد، إلا أن فرد لم ترد في النصوص، التي وردت في النصوص أحد وصمد، هذا خبر عن الله من باب الخبر عن الله، ولا أعلم أن كلمة فرد من أسماء الله، لكن من أسماء الله الأحد والصمد، الأحد كافٍ عن الفرد لكن من باب الخبر، زادها من باب الخبر، لو قال: "أحد صمد" كفت، فالأحد كاف عن الفرد، أحد صمد، فرد صمد.
"صمد": هو السيد الذي كمل سؤدده، وهو الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فهو كامل في نفسه وهو سيد في نفسه لا يحتاج إلى غيره والقائم بنفسه ويقوم بغيره ، من تفسير "الصمد" الذي لا جوف له، يعني: لا يأكل ولا يشرب، والملائكة صمد لا يأكلون ولا يشربون، والله أولى بذلك من المخلوقين فهو صمد لا يحتاج إلى أحد، قام بنفسه ويقوم بغيره، كمل سؤدده وصمدت إليه الخلائق في حوائجها.
"حي": حياة كاملة أبدية لم يسبقها عدم ولا يتخللها ضعف ولا نوم ولا نعاس، فالحياة الكاملة باقية أبد الآباد.
"قيوم" هذا من أسمائه "قيوم" يعني: القائم بنفسه ويقوم بغيره، الحي القيوم وصفان عظيمان، اسمان عظيمان ترجع إليهما جميع الأسماء والصفات، جميع الأسماء والصفات حتى قيل: إنه الاسم الأعظم: اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
"سميع" من أسمائه ، "بصير" قال -سبحانه: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "سميع": متصف بالسمع يسمع الأصوات ويدركها ولا يخفى عليه شيء، "بصير": يرى كل شيء، سميع بسمعه بصير ببصره.
"لا شريك له" ليس له شريك، لا شريك له في أسمائه ولا شريك له في صفاته ولا شريك له في أفعاله، ولا شريك له في ألوهيته وعبوديته وعبادته، ولا شريك له لا أحد يشاركه لا في ملكه ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في استحقاقه للعبادة.
"ولا وزير" الوزير المُعِين، أي: ليس له معين يعينه، بخلاف المخلوق الضعيف يحتاج إلى وزير، ملوك الدنيا يحتاجون إلى وزراء يعينونهم ويساعدونهم، أما الرب فلا يحتاج إلى وزير، لا يحتاج إلى أحد بل هو كامل بخلاف المخلوقات؛ لأنه يحتاج إلى الولد، يحتاج إلى الزوجة تعينه، يحتاج إلى الوزير يحتاج إلى الأمير يحتاج إلى خادم، أما الرب فلا يحتاج إلى أحد -سبحانه.
"لا شريك له ولا وزير ولا شبيه له" لا أحد يشبهه لا في ذاته ولا في صفاته.
"ولا نظير": ليس له نظير ولا مماثل ولا عِدْل، لا، كلها بمعنى المثيل، لا، ليس له عدل ولا مثيل ولا نظير ولا مثل، كلها متقاربة، هذه من قوله لا نظير ولا شبيه ولا عدل، لا مثيل، كلها متقاربة، ليس له مماثل وليس له مشابه وليس له نظراء ولا عدلاء ولا أمثال، بل هو لا يماثله أحد من خلقه ولا يعدل به أحد من خلقه.
"وأنه موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه العزيز" يعني: أن الله تعالى موصوف بصفاته التي نطق بها كتابه العزيز الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد
"وصح بها النقل عن نبيه ﷺ" يعني: هو موصوف -سبحانه- بصفاته التي وصف بها نفسه في كتابه أو وصفه بها رسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الصفات والأسماء توقيفية ، العباد لا يخترعون لله أسماء وصفات من عند أنفسهم؛ ولهذا قال: موصوف بصفاته القديمة التي نطق بها كتابه وصح بها النقل عن نبيه وخيرته من خلقه محمد سيد البشر عليه الصلاة والسلام، الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته وجاهد في الله حق جهاده، هذا وصفه عليه الصلاة والسلام: "وبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وأقام الملة وهي الدين، وأوضح المحجة" الطريق، "وأكمل" أي: أكمل الله به الدين.
لو قال المؤلف: "وأكمل الله به الدين" كان أحسن، فأكمل الدين هو الله ليس هو النبي ﷺ كما قال الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فالذي أكمل الدين هو الله، ومقصود المؤلف "أكمل الدين" يعني: أكمل الله به الدين، "وقمع الكافرين" يعني: قمع الله به الكافرين، يعني الذي قمعهم هو الله، قمع الله الكافرين برسالته"ولم يدع لملحد" الملحد هو الذي انحرف عن الصواب.
والإلحاد أقسام: قد يكون الإلحاد كفراً كالذي ألحد في توحيد الله وفي أسمائه وصفاته، إلحادا يخرجه من ملة الإسلام، وقد يكون إلحادا دون كفر كإلحاد بالمعاصي وبالبدع، والإلحاد في نفي بعض الصفات وبعض الأسماء.
ولم يَدَع لملحد مجالا ولا لقائل مقالا لأنه عليه الصلاة والسلام بلغ الرسالة ونصح الأمة وأقام الملة وأوضح المحجة وكمل به الدين، ولم يترك لملحد مجالا ولا لقائل مقالا، لأن الشريعة كملت وهي واضحة ليس فيها لبس، فلا مجال لملحد ولا مجال لقائل يريد أن يزيد في هذا الدين أو ينقص منه أو يُحرِّف أو يؤول، نعم.
(المتن)
قال رحمه الله:
(الشرح)
هذا الأثر رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحهما البخاري ومسلم اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله وفيها بيان كمال هذا الدين، وهذا الأثر الذي رواه طارق بن شهاب: أن يهوديا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرءونها لو علينا -معشر يهود- نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر: أي آية؟ قال له: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية من آل عمران: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا يا لها من آية عظيمة! فيها بيان أن الدين كمل وأن الله أتم النعم على هذه الأمة، وأنه رضي الإسلام لهم دينا، هذا الدين كامل لا يحتاج إلى أن يزيد فيه أحد أو ينقص منه أحد، وهو محفوظ أيضا بحفظ الله له: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ فيه رد على الرافضة الذين يقولون: إن القرآن طار ثلثيه ولم يبق إلا الثلث، فهذا تكذيب لله، ومن كذب الله كفر، الله تعالى يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ بعض الرافضة يقول: لا القرآن ما حفظ ما بقي إلا الثلث وطار الثلثين من القرآن، حتى ألَّف بعض شيوخهم كتابا سماه ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب )، وأثبت أن القرآن محرف أعوذ بالله وهذا مصادم لقول الله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ولقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الآية صريحة قاطعة، ومن قال: إن القرآن مُحرَّف فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر، فالقرآن محفوظ بحفظ الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ إذًا هذا الدين كامل ما يحتاج إلى حذلقة متحذلق إلى أن يزيد فيه أو ينقص منه.وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي أتم الله النعمة، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا رضي الله لنا هذا الدين، وهذا من آخر ما نزل في سورة المائدة، ولما أكمل الله الدين وأتم النعمة قبض نبيه عليه الصلاة والسلام لأنها انتهت مهمته من الدنيا وأنزل عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت والمكان الذي نزلت على رسول الله ﷺ اليوم الذي نزلت فيه يوم عرفة وهو يوم الجمعة، والمكان يوم عرفة في عرفة، في عرفة قبل وفاة النبي ﷺ بما يقارب ثمانين يوما، نزلت هذه الآية يوم الجمعة وهو يوم عيد، يوم الحج الأكبر، وهو يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد، ونزلت في يوم عرفة في يوم عظيم وهو يوم الحج، يوم عرفة الذي يجتمع الناس فيه الحجاج في صعيد واحد من أقطار الدنيا كلها، نزلت عليه في هذا اليوم، وصادف اليوم يوم عرفة يوم جمعة، الحجة التي حجها النبي ﷺ كان يوم عرفة هو يوم جمعة ونزلت عليه هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا قال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت والمكان، نزلت على النبي ﷺ ونحن في عرفة عشية الجمعة، فنزلت في يوم عيد فنحن نتخذه عيدا، هو يوم عيد والحمد لله.
وهذا يدل على أن اليهود يعلمون الحق لكن حملهم البغي والحسد على عدم الإيمان، يعلمون هذا؛ ولهذا يقول: لو علمنا معشر اليهود هذا اليوم، لو كانت نزلت علينا لاتخذنا اليوم عيدا، يعرفون الحق لكن لم يوفقوا، قال الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وقال سبحانه: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ حملهم الكبر والبغي على عدم الإيمان وظنوا أن النبوة ستكون في بني إسرائيل، فلما كانت في بني إسماعيل جحدوا وكفروا: فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ نسأل الله السلامة والعافية ونعوذ بالله من زيغ القلوب، نعم.
(السؤال)
العشية -أحسن الله إليك- في قوله: "ونحن بعرفة عشية الجمعة"؟
(الجواب)
"عشية الجمعة" يعني: آخر النهار، العشية آخر النهار، معروف أن الوقوف إنما يكون في العشية.
(السؤال)
ما المراد في الرواح في أكثر النصوص الرواح الذي يرد في بعض النصوص؟
(الجواب)
الرواح نعم الرواح يكون بعد الظهر، يسمى رواحا
(السؤال )
والعشية مثلها ؟
(الجواب)
نعم كذلك العشية، عشية عرفة يعني: آخر النهار، والوقوف معلوم أن النبي ﷺ حينما وقف بعد الظهر، بعدما صلى الظهر، فهي عشية عظيمة عشية مباركة، نعم.
(المتن)
قال رحمه الله:
(الشرح)
نعم، يقول المؤلف: "فآمنوا" يشير إلى صالح السلف وخيار الخلف والسادة الأئمة وعلماء الأمة، يقول: "صالح السلف وخيار الخلف وسادة الأئمة وعلماء الأمة، اتفقت أقوالهم وتطابقت آراءهم على الإيمان بالله "، ثم قال: "فآمنوا" الضمير يعود إليهم، يعني: فآمنوا صالح السلف وخيار الخلف وسادة الأئمة وعلماء الأمة اتفقت آراءهم على الإيمان بالله، فآمنوا بما قال الله سبحانه في كتابه وصح عن نبيه ﷺ، يعني: آمنوا بما جاء في الكتاب العزيز وبما صح في السنة المطهرة ،"وأمرُّوه كما ورد" يعني: النصوص، المراد نصوص الصفات، "أمروه كما ورد من غير تعرض للكيفية" يعني: نصوص الصفات وإلا فالأحكام فهم يعلمونها ويفسرونها ويؤولونها على تأويلها الذي دلت عليه النصوص، أما الصفات فهي أمروها كما وردت من غير تعرض لكيفية، فالاستواء والنزول والعلم والقدرة والسمع والبصر كلها يمررونها كما جاءت، يثبتون المعنى ولا يتعرضون للكيفية، من غير تعرض لكيفية أو اعتقاد شبهة أو مثلية، لا يقولون: إن استواء الله كيفيته كذا أو يشبه كذا أو مثل كذا لا يتعرضون للكيفية ولا للتشبيه ولا للمثلية، "أو تأويل يؤدي إلى التعطيل" كذلك ما يؤولون استوى، يقولون استوى بمعنى استولى؛ لأن هذا التأويل يؤدي إلى التعطيل، التعطيل يعني تعطيل الصفة ونفيها وهم لا يكيفون بكيفية صفة الاستواء ولا يشبهونها ولا يمثلونها ولا يحرفونها بما يؤدي إلى تعطيل الصفة ونفيها "ووسعتهم السنة المحمدية"، "وسعتهم السنة" يعني: اكتفوا بالسنة، "السنة المحمدية" التي جاء بها محمد ﷺ "والطريقة المرضية" هي الطريقة التي رضيها الله لعباده ورضيها الصحابة، "ولم يتعدوها إلى البدعة" ما تجاوزوا السنة إلى البدعة، والبدعة كل حدث في الدين، كل حدث في الدين فهو بدعة، قال -عليه الصلاة والسلام: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ متفق على صحته وفي لفظ لمسلم: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ لم يتجاوزوا السنة إلى البدعة.
والبدعة وصفوها بأنها "مُردية ردية" يعني: تردي صاحبها، هي مردية في نفسها وتردي صاحبها، يعني: توصله إلى الردى، "فحازوا بذلك الرتبة السنية والمنزلة العلية" يعني: الصحابة والتابعون والأئمة والعلماء لما آمنوا بما جاء عن الله وعن رسوله ﷺ ولم يكيفوا الصفات ولم يؤولوها ولم يبتدعوا ولم يوافقوا أهل البدعة حازوا بذلك الرتبة السنية الشريفة والمنزلة العلية، وهي المنزلة العالية، حيث حازوا رضا الله وأعد لهم وأثابهم الثواب العظيم ورفع درجاتهم ومنزلتهم في الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، نعم.