(المتن)
اللهم صل على نبيا محمد وآله وصحبه أجمعين، قال الإمام الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي في كتاب ( الاقتصاد في الاعتقاد ):
فمن صفات الله -تعالى- التي وصف بها نفسه ونطق بها كتابه وأخبر بها نبيه ﷺ أنه مستوٍ على عرشه كما أخبر عن نفسه، فقال -عز من قائل- في سورة الأعراف: إِنَّ رَبكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال في سورة يونس : إِنَّ رَبكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتةِ أَيامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال في سورة الرعد: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال في سورة طه: الرحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وقال في سورة الفرقان: ثُمَ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ وقال في سورة السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتةِ أَيَّامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال في سورة الحديد: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ.فهذه سبعة مواضع أخبر الله فيها -سبحانه- أنه على العرش.
وروى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ.
(الشرح)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على رسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
بدأ المؤلف -رحمه الله- الكلام في الصفات عن صفة الاستواء على العرش، وبعدها صفة العلو.
وصفة الاستواء على العرش من الصفات التي تدل على التي تثبت علو الله على خلقه، وصفة العلو وصفة الاستواء كل منهما تدل على علو الله كل منهما في إثبات علو الله ولكن صفة الاستواء تدل على علو خاص وهو العلو على العرش، وصفة العلو تدل على إثبات علو الله على خلقه وإن كان كل من الصفتين -صفة الاستواء وصفة العلو- فيهما إثبات علو الله على خلقه إلا أن بينهما فرق، فصفة الاستواء إنما دل عليها دل عليها النص ودل عليها النقل ولم يدل عليها العقل، فلولا أن الله أخبرنا في كتابه أنه استوى على العرش لما علمنا ذلك، بخلاف صفة العلو فإنه دل عليها العقل والنقل والفطرة، العلو -صفة علو الله على خلقه- ثابت بالعقل وثابت بالنقل -النصوص- وثابت بالفطرة، أما استواء الله على عرشه فإنه ثابت بالنقل، لولا أن الله أخبرنا في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ أنه استوى على العرش لما علمنا ذلك فهذا من الفروق بين الصفتين -بين صفة الاستواء وصفة العلو- أن صفة الاستواء صفة دلت عليها النصوص والنقل ولكن العقل لم يدل على ذلك، بخلاف صفة العلو فإنما دل عليها النقل والعقل والفطرة.
وصفة العلو والاستواء تدلان على إثبات العلو، من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، وهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فصفة العلو وصفة الكلام وصفة الرؤية، هذه الصفات الثلاث من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فمن أثبتها فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدع ، صفة العلو وصفة الكلام وصفة الرؤية، تجد الجهمية والمعتزلة والأشاعرة لا يثبتون هذه الصفات، الأشاعرة والجهمية والمعتزلة لا يثبتون صفة الاستواء ولا صفة العلو ولا صفة الرؤية ولا صفة الكلام، والأشاعرة يثبتون الرؤية على غير وجهه، أو يثبتون الكلام على غير وجهه، يثبتون الكلام لكن يقولون: إنه معنى نفسي وليس بحاصل على صورته، ويثبتون الرؤية ولكن في غير جهة، فهم لم يثبتوا صفة الرؤية على حقيقتها ولا صفة الكلام على حقيقته، أما العلو فهم ينفونه.
فتبين بهذا أن هذه الصفات من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، ومن الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع العلو والكلام والرؤية، وصفة الاستواء تدل على العلو، تثبت علو الله على خلقه، إلا أن الاستواء على العرش إنما هو علو خاص على العرش، وصفة العلو في قوله -تعالى-: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ هذا علو، هذا إثبات صفة العلو على جميع المخلوقات، وأما الاستواء على العرش فهو علو خاص، فعل يفعله -سبحانه- كما يليق بجلاله وعظمته.
وصفة الاستواء على العرش دلت عليها النصوص من كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب العزيز فإن الله تعالى أثبت صفة الاستواء في سبعة مواضع، سبعة مواضع في كتاب الله سردها المؤلف -رحمه الله- وكلها جاءت بلفظ الاستواء، جاءت بحرف ( على ) التي تدل على العلو والارتفاع: ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ في سورة الأعراف وفي سورة يونس وفي سورة الرعد وفي سورة طه وفي سورة الفرقان وفي سورة السجدة وفي سورة الحديد، سبعة مواضع فقط، كلها دلت على ثبوت صفة الاستواء، وكلها جاءت بلفظ ( على ) التي تدل على العلو والارتفاع، والمؤلف -رحمه الله- سردها أمامنا في سورة الأعراف في سورة الأعراف، قال الله -تعالى-: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتةِ أَيامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ "استوى" تَعدَّى بـ ( على ) التي تدل على العلو والارتفاع، وفي سورة يونس قال -تعالى-: إِنَّ رَبكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتةِ أَيامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال في سورة الرعد: اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى "على" وقال في سورة الفرقان: ثُم اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ وقال في سورة السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتةِ أَيامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وقال في سورة الحديد: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتةِ أَيامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ.سبعة مواضع لا ثامن لها في القرآن العظيم، وكلها جاءت بلفظ ( على ) التي تدل على العلو والارتفاع.
فإن الاستواء يأتي له معان متعددة:
المعنى الأول: أن يأتي متعديا بـ ( إلى ): ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ وهي تدل على العلو.
وأحيانا يتعدى بالواو التي تفيد المعية: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن معَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ استوى الماء والخشبة.
وتتعدى بلفظ ( على ) التي تدل على العلو والارتفاع.
ونصوص الاستواء جاءت كلها في سبعة مواضع، كلها جاءت بلفظ اسْتَوَى، وبلفظ عَلَى التي تدل على العلو والارتفاع والاعتدال، يقول -سبحانه-: لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُم تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ على ظهورها.
وهذه المواضع السبعة كلها صريحة في علو الرب على العرش وعلى خلقه، علوه على العرش، والعرش سقف المخلوقات ليس فوقه شيء، وهو سقف المخلوقات، المخلوقات تنتهي من جهة العلو للعرش، سقف المخلوقات، والله -تعالى- فوق العرش بعد ما تنتهي المخلوقات.
ولهذا فإن نصوص الاستواء السبعة كلها من أدلة علو الله على خلقه؛ لأن نصوص أدلة علو الرب على خلقه كثيرة، أفرادها تزيد على ثلاثة آلاف دليل كلها تدل على علو الله على خلقه، ولكنها أنواع، من أنواعها الاستواء والاستواء تحته سبعة أدلة، سبعة أفراد من الأدلة، يكون هذا نوعا من أدلة العلو، التصريح بأن الله استوى على العرش بلفظ ( على ) وهذا في سبعة مواضع، ولكن لو جمعت أفرادها لزادت على ثلاثة آلاف دليل ومع ذلك ينكرها أهل البدع.
وكونها صريحة وكثيرة، أنكر أهل البدع علو الله على خلقه، وقالوا: إن الله ليس فوق المخلوقات. وسلكوا أحد المسلكين:
المسلك الأول: الذين أنكروا علو الله على خلقه سلكوا أحد المسلكين: المسلك الأول قالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، إن الله مع المخلوقات. وضربوا النصوص بعضها ببعض، وقالوا: إن أدلة المعية تبطل الفوقية وتناقضها، قوله: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ، لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ قالوا هذه النصوص، نصوص المعية تناقض الفوقية وتبطلها، فقالوا بالاختلاط، وقالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات. تعالى الله عما يقولون، حتى قالوا: إن الله في كل مكان. نعوذ بالله، ولم ينزهوه عن الأماكن القذرة، سبحان الله عما يقولون، قالوا: إنه في أجواف السباع (في بطون السباع)، وفي أجواف الطيور، وفي كل مكان. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
والطائفة الثانية: الذين أنكروا نصوص العلو والاستواء، قالوا بنفي النقيضين عن الله، قالوا بالنفي المحض، قالوا: إن الله لا يكون مع المخلوقات، لا فوق المخلوقات ولا مع المخلوقات. أين يكون؟ قالوا: يكون لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به ولا منفصل عنه. أيش يكون، أين يكون؟ يكون عدما؟ أشد من العدم، يكون ممتنع مستحيل، والمستحيل أشد من العدم. فهؤلاء أهل البدع -نسأل الله السلامة والعافية- طائفتان: طائفة أنكرت طائفة قالوا بالاختلاط، وطائفة قالوا بنفي النقيضين.
استدل المؤلف -رحمه الله- على إثبات الاستواء من الكتاب العزيز بسبعة مواضع، واستدل من السنة بنصوص، منها حديث أبى هريرة في الصحيحين، وهو حديث قدسي أضافه النبي ﷺ إلى ربه، يقول الله يقول أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت رسول الله ﷺ يقول: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ.
قوله: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي هذا من كلام الله لفظا ومعنى، هو حديث قدسي؛ لأن الحديث القدسي منسوب إلى قدسية الله، منسوب إلى الله، فهو من كلام الله لفظا ومعنى، مثل القرآن من كلام الله لفظا ومعنى، إلا أن القرآن له أحكام تختلف، كلام الله يتفاضل، بعضه أفضل من بعض؛ ولهذا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن.
فالقرآن له أحكام: منها أنه لا يمسه إلا متوضئ، ومنها أنه متعبد بتلاوته، ومنها أنه معجز في ألفاظه، والحديث القدسي ليس له ذلك، وإن كان من كلام الله، أما الحديث غير القدسي فهو من كلام النبي ﷺ لفظا، ومن الله معنى، من النبي ﷺ لفظا، ومن الله معنى.قال -تعالى- عن نبيه الكريم: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.
فهذا الحديث يقول النبي ﷺ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ. والشاهد قوله: فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ. إثبات الفوقية، فهو عنده فوق العرش، فالله فوق العرش، فوق العرش عنده، والكتاب عنده، وعنده في أي مكان؟ فوق العرش فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ. هذا صريح في إثبات الفوقية.
والحديث رواه الشيخان وغيرهما: أخرجه البخاري في صحيحه، ومسلم في صحيحه، وغيرهما.
فالحديث فيه: فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ. الشاهد من الحديث أو وجه الدلالة إثبات العندية، فهو عنده، وأنه فوق العرش، هو هذا الكتاب عنده في أي مكان؟ فوق العرش. ودل على أن الله فوق العرش، ففيه إثبات الفوقية.
والحديث يدل على صفات أخرى أيضا، يدل على صفة الرحمة: إِنَّ رَحْمَتِي صفة الغضب، صفة الكتابة: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ وصفة العلو، فيدل الحديث على أربع صفات: صفة الكتابة، صفة الرحمة، صفة الغضب، صفة الفوقية، يقول: فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ.
النصوص الكثيرة دلت على أن العرش هو سقف المخلوقات، وهذا الكتاب فوق العرش، كيف الجمع بينهما؟ العرش سقف المخلوقات، أحاديث كثيرة تدل على أن العرش نصوص كثيرة تقول: العرش سقف المخلوقات، وليس فوقه شيء، والله فوق العرش، وهذا الحديث فيه أن الله فوق العرش، فكيف الجمع بينهما؟ الجمع بينهما أنه قال: هذا مستثنى، هذا خاص وهذا عام، هذا مستثنى خاص، مستثنى، هذا الكتاب مستثنى فوق العرش، والخاص عند أهل العلم يقضي على العام، الخاص يقضي على العام، النصوص عامة في أن العرش سقف المخلوقات، وهذا خاص استثناء هذا الكتاب، نعم.
وهناك فرق أيضا بين الاستواء -أيضا- والعلو، فرق آخر: هو أن العرش الاستواء من الصفات الفعلية، والعلو من الصفات الذاتية.
فيكون الفرق بين صفة الاستواء وصفة العلو من جهتين (من وجهين):
الوجه الأول: أن صفة العرش من الصفات الفعلية، فعل يفعله -سبحانه-، وكان بعد خلق السماوات والأرض، متى كان الاستواء؟ بعد خلق السماوات والأرض قال: إِنَّ رَبكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتةِ أَيامٍ ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الله -تعالى- خلق الأرض أولا، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض، ثم استوى على العرش ، إذا كان الاستواء بعد خلق السماوات والأرض إذن بعض الصفات الفعلية هي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار، مثل: الغضب، ومثل: الرضا والاستواء والنزول، تتعلق بالمشيئة والاختيار، متى شاء نزل، ومتى شاء غضب، يغضب إذا شاء، وكذلك الاستواء، فكان في وقت مستويا، وفي وقت ليس مستويا، في وقت قبل خلق السماوات والأرض لم يكن مستويًا على العرش، ثُم اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أما العلو فهو من الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها الباري ، فلا يقال: إنه في وقت عال، وفي وقت ليس عاليا. لا، في جميع الأوقات عال، في جميع الأوقات عال على خلقه.
ومنها العرش، الله -تعالى- فوق المخلوقات كلها ومنها العرش، إذن ما معنى الاستواء على العرش؟ الاستواء على العرش صفة أخرى، فعل يفعله، علو خاص على العرش، الله أعلم بكيفيته، أما العلو فهو عام مطلق، لا ينفك عن الباري، عال على جميع المخلوقات ومنها العرش، أما الاستواء فهو علو خاص على العرش، هذا الفارق الأول.
والفارق الثاني: أن العلو دل عليه العقل والنقل والفطرة، وأما الاستواء دل عليه النقل فقط، دلت عليه النصوص، ولولا أن الله أخبرنا بالاستواء، لما علمنا بذلك، أما العلو دل عليه العقل والفطرة، فطر الله الخلائق على أن الله في العلو، حتى البهائم العجماوات ترفع رأسها إلى السماء، فيكون الفرق بين الاستواء والعلو من هاتين الجهتين، نعم.
(المتن)
قال -رحمه الله-:
(الشرح)
هذا الحديث هو الدليل الثاني من الأدلة من السنة، التي استدل بها المؤلف -رحمه الله- على العلو، على علو الله على العرش وعلى جميع المخلوقات، هو حديث العباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ وفيه النبي ﷺ ذكر سبع سماوات، بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، يعني: مسيرة خمسمائة عام. ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ، أوعال: ملائكة يعني، ملائكة على خلق الأوعال، صفتهم على خلق الأوعال، يحملون العرش. فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، يعني: بين أظلافهم وركبهم كما بين السماء والأرض. ثُمَّ فَوقَ ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ، العرش مَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ يعني: مسيرة خمسمائة عام. تكون المسافات كلها من الأرض إلى السماء الدنيا خمسمائة عام، وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام.
وجاء في الحديث الآخر: كَفُّ كُلِّ سَمَاءٍ -يعني: غلظ كل سماء- مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وفَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ (خمسمائة عام)، فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ الْعَرْشُ مَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، فيكون الجميع ما يقارب كل خمسمائة عام، تجمع ما يقارب ما بين خمسين ألف تقريبا، كما جاء في بعضها: أنه ما بين العرش إلى الفرش يعني مسيرة خمسين ألفا .
(السؤال)
إذا ضربت خمسمائة عام (20:19)
(الجواب)
نعم؟ لا، خمسين هي خمسمائة ألف أو ما يقارب من هذا، أشار إليها ابن القيم -رحمه الله- في "الكافية الشافية"، يقول: إن هذه المسافة، يعني بعد أن تزول السماوات يوم القيامة قال وتكلم عن قوله -تعالى-: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُم يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مما تَعُدونَ خمسين ألف سنة في سورة سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، خمسين ألف سنة، وفي "سورة السجدة" قال -تعالى-: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُم يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مما تَعُدُّونَ
والجمع بين الآيتين هو أن هذا في الدنيا، وهذا في يوم القيامة، فهذا الحديث فيه بيان هذه المسافات.
والشاهد من الحديث قوله: وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ. أن العرش هو سقف المخلوقات -فوق ظهور الأوعال العرش-، وَاللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ.. ففيه إثبات العلو.
والحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، كما ذكر المؤلف -رحمه الله-.
والحديث سنده ضعيف (فيه ضعف)؛ في سنده سماك، عن عبد الله بن عميرة، وفيه ضعف، ولكن الحديث له شواهد؛ ولهذا حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وابن القيم، وذكره الإمام المصلح المجدد: الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، في آخر باب من كتاب التوحيد، حديث العباس بن عبد المطلب، وهم يرون أن الحديث حسن بشواهده، الحديث وإن كان سنده ضعيفا، لكن له شواهد يتقوى بها؛ فلهذا احتج به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، والشيخ الإمام المصلح وغيرهم، والمؤلف هنا، وكذلك في كتب السنة، كلٌ استدل به، استدل به أبو داود وابن ماجه، وابن خزيمة في كتاب التوحيد، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، والإمام أحمد في المسند، والذهبي في العلو، وذلك لأن الحديث وإن كان سنده ضعيفا، إلا أن له شواهد يتقوى بها؛ فلهذا احتج به العلماء والأئمة. نعم.
(المتن)
قال -رحمه الله-:
وقالت أمُّ سلمة زوجُ النبي ﷺ ومالكُ بنُ أنس في قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر.
وروى أبو هريرة .
(الشرح)
هذا الأثر عن أمِّ سلمة -رضي الله عنها-، قالت أمُّ سلمة زوجُ النبي ﷺ ومالكُ بنُ أنس، في قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر ، الاستواء غير مجهول، يعني غير مجهول معناه في اللغة العربية. والكيف غير معقول، يعني: كيفية استواء الرب لا يعقل ولا يعرف. والإقرار به إيمان، يعني: يجب على الإنسان أن يقر بأن الله استوى على العرش. والجحود به كفر؛ لأنه إنكار لكلام الله
وهذا الأثر مأثور عن أم سلمة -رضي الله عنها-، وأثر عن الإمام مالك بن أنس، وأثر عن ربيعة شيخ الإمام مالك، وله ألفاظ، ومشهور عن الإمام مالك بلفظ: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". ثبت عن الإمام مالك -رحمه الله- كان يحدث في مجلس الحديث، فجاءه رجل وهو يحدث، وقال: يا مالك، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟ فوقف الإمام مالك -رحمه الله- مليا، سكت وأطرق رأسه حتى علت الرحضاء -يعني: تصبب عرقا من شدة هذا السؤال عليه-، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء. فأمر به أن يخرج من مجلسه (من مجلس الحديث) ويبعد ، فقال: الاستواء معلوم. يعني: معلوم معناه في اللغة العربية. الاستواء معلوم؛ لأن الله -تعالى- أمر بتدبر القرآن والتفكر فيه وتدبر معانيه، ولم يستثن شيئا ما قال آية الاستواء هذه لا تفهمونها، فإنكم لا تفهمونها، قال -سبحانه-: أَفَلَا يَتَدَبرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا، أَفَلَا يَتَدَبرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًاۚ، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ، فَهَلْ مِن مدكِرٍ.
فالاستواء معلوم معناه في اللغة العربية، معنى استوى: استقر وعلا وارتفع وصعد واستقر، العلماء لهم أربعة معاني في الاستواء: استقر وعلا وصعد وارتفع. وهذه المعاني الأربع تدور عليها تفاسير السلف في لفظ الاستواء.
فالله -تعالى- مستوٍ على عرشه حقيقة في هذه المعاني الأربعة، على وجه يليق بجلاله وعظمته، الكيفية غير معلومة، ما نعلم كيف استوى، لكن نعلم المعنى، معنى استوى: استقر علا وصعد وارتفع. والكيف مجهول، والإيمان به واجب؛ لأنه كلام الله، والسؤال عنه بدعة، ما يسأل عن الكيفية.
فهذه المقالة رويت عن أم سلمة -رضي الله عنها-، ولكن في سنده ضعف، وروي عن الشيخ الإمام ربيعة أيضا أنه قاله، وروي عن الإمام مالك -رحمه الله-، أما ما روي عن الإمام مالك فهو صحيح، والأمة تلقته بالقبول عن الإمام مالك.
وهذا يقال في جميع الصفات، ليس خاصا بالاستواء، فإذا قال قائل: ما معنى النزول؟ أو كيف النزول؟ نقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. إذا قال قائل: الله -تعالى- يتصف بالعلم، كيف العلم؟ نقول: العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، جميع الصفات: الرحمة، الله -تعالى- من صفته الرحمة، فكيف الرحمة. نقول: الرحمة المعنى معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. هذا عام في جميع الصفات، وتلقت العلماء هذه المقالة عن الإمام مالك بالقبول، ورواية أم سلمة -رضي الله عنها- روتها كتب السنة والعقائد، فرواها اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، كذلك استدل بها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى وفي غيرها، وقال: إن هذا الجواب روي عن أم سلمة موقوفا ومرفوعا، ولكن إسناده مما لا يعتمد عليه، وكذلك الصابوني في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" رواه، وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" وغيره، لكن سنده ضعيف في الرواية عن أم سلمة، وكذلك أيضا في رواية ربيعة شيخ الإمام مالك، أما الإمام مالك فهذا ثابت عنه ، وقصد المؤلف -رحمه الله- من هنالك أن يستدل بقول الإمام مالك وأم سلمة، وأن الأمة تلقتها بالقبول، وأن الصحابة فهموا من النصوص الاستواء علو الله على خلقه، وأن هذا معلوم عند الصحابة، وفهموا النصوص بهذا؛ ولهذا فسر الإمام مالك وأم سلمة وربيعة، كلهم فسروا هذه الآية بأي شيء؟ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فسروها بالعلو، قال: الاستواء غير مجهول، أو الاستواء معلوم. يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، وهو الصعود والعلو والارتفاع والاستقرار، فدل على علو الله على خلقه، وأما الكيفية فهي مجهولة، وأما الإيمان به فهو واجب، يجب الإيمان بالاستواء؛ لأن الله أخبر عن نفسه، وأما السؤال عن الكيفية فهو من البدع. نعم.
(المتن)
قال -رحمه الله-:
(الشرح)
نعم، وهذا أيضا دليل من السنة على إثبات العلو، المؤلف -رحمه الله- بدأ بصفة الاستواء، ثم ثنى بصفة بالعلو، وسيذكر بعدها صفة العلو مستقلة، ولها أدلة خاصة؛ لأن الاستواء علو خاص، فلهذا ذكر سبعة أدلة من القرآن تثبت الاستواء، ثم بعد ذلك ذكر الأدلة التي تثبت العلو.
فهذا الدليل هو حديث أبي هريرة دليل على ثبوت صفة العلو لله والحديث صحيح رواه الشيخان (البخاري ومسلم) وغيرهما، يقول النبي ﷺ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ هذا قسم، والنبي ﷺ هو الصادق وإن لم يقسم، لكن للتأكيد (تأكيد المقام)، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، نفوس العباد كلها بيد الله، وفيه إثبات اليد لله مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى. والذي في السماء الملائكة، والله -تعالى- فوق ذلك, الله -تعالى- فوق العرش، والسماء إذا أطلقت المراد بها العلو (جهة العلو)، والله -تعالى- له أعلى العلو، وهو فوق العرش الذي في السماء، يعني: في العلو. ليس المراد في السماء يعني الطباق المبنية، إذا أطلقت السماء فالمراد به العلو، وكل ما علا فوق رأسك فهو علو، والله -تعالى- له أعلى العلو، وهو فوق العرش ، وإذا أريد بالسماء: الطباق المبنية، فتكون "في" بمعنى "على"، قوله -تعالى-: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ يعني: من في العلو. وإذا أريد بالسماء الطباق المبنية، تكون "في" بمعنى "على"، والمعنى: أأمنتم من على في السماء. كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى. وهم الملائكة والرب فوق ذلك.
وهذا يدل على أن امتناع المرأة من فراش زوجها بغير سبب من كبائر الذنوب؛ لأنه أثبت أن الله يسخط عليها. وفيه إثبات السخط لله، وهو من الصفات الفعلية، فيه إثبات السخط لله (صفة السخط)، وصفة العلو وصفة السخط لله وهذا فيه تحذير من امتناع المرأة من فراش زوجها بدون سبب، وأنها إذا فعلت ذلك فقد ارتكبت كبيرة، وفي الحديث الآخر: إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَم تَأتِهِ لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ نعم.
(المتن)
قال -رحمه الله تعالى-:
(الشرح)
نعم، وهذا أيضا الدليل السادس استدل به المؤلف على صفة العلو، وأن الله في العلو فوق المخلوقات، يقول النبي ﷺ أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً. ووجه الدلالة قوله: مَنْ فِي السَّمَاءِ في موضعين: الموضع الأول قوله: وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ والثاني يقول: يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ والمراد بالسماء: العلو (السماء: العلو). والله -تعالى- له أعلى العلو، وهو فوق العرش، فهذا دليل على صفة العلو، والحديث صحيح متفق على صحته الشيخان (البخاري ومسلم) وغيرهما: أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً. فيه إثبات صفة العلو، وأن الله -تعالى- فوق مخلوقاته. نعم.
(المتن)قال -رحمه الله-:
وروى معاوية بن الحكم السلمي أن النبي ﷺ قال لجاريته: أَينَ اللَّهُ؟ قالت: في السماء. قال: مَن أَنَا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ رواه مسلم بن الحجاج وأبو داود وأبو عبد الرحمن النسائي.
ومن أجهل جهلا وأسخف عقلا، وأضل سبيلا ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: أَينَ اللَّهُ؟
(الشرح)
نعم هذا الدليل السابع، حديث معاوية بن الحكم السلمي، والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه: أن النبي ﷺ قال للجارية: أَينَ اللَّهُ؟ قالت: في السماء. قال مَن أَنَا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ وفي ذلك أن معاوية بن الحكم السلمي له جارية -يعني: أمة اشتراها- ترعى الغنم له عند جبل أحد، فأبصرها من بعيد وجاء الذئب وأخذ شاة، فغضب معاوية كيف تترك الجارية ما تطرد الذئب أكل الشاة؟ فجاء فصكها، ثم ندم وخاف، وجاء إلى النبي ﷺ وأخبره بـأنه صكها، فالنبي ﷺ شدد عليه فقال: يا رسول الله، إني أعتقها. قال: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أعتقها من أجل أنه صكها وضربها مسكينة، أكلها الذئب بدون اختيار، حاولت دفعه ما استطاعت، صكها معاوية، قال: يا رسول الله، أنا آسف كما يأسف بنو آدم، صككتها. قال: هات الجارية اختبرها هل هي مؤمنة ولا غير مؤمنة؟ قال أَينَ اللَّهُ؟ قالت: في السماء. قال مَن أَنَا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ استدل بذلك على إيمانها؛ لأنها أثبتت أنا الله في العلو.
وأهل البدع يؤولون هذا للحديث مثل: الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، هذا الحديث غصة في حلوقهم؛ لأن كلمة "أين" إنما يسأل بها عن المكان، أين الله؟ أين مكانه؟ في السماء. فقالوا: ما يمكن يسأل عن الله بـ"أين". حتى خطؤوا النبي ﷺ وخطؤوا الجارية، قالوا: الجارية أعجمية ما تفهم، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- سألها أَينَ اللَّهُ؟ سؤال فاسد هذا، ما يسأل عن الله بـ"أين"؛ لأنه لو سئلت عنه بـ"أين"، لكان فيه تحديد المكان والمكان، وإذا كان الله في جهة العلو، صار محدودا ومتحيزا وجسما، وهذا كفر عندهم.
هم أهل البدع يقولون: من قال: الله في السماء كفر. لماذا؟ يقولون: تنقص الله، جعل الله محدودا ومتحيزا في مكان، ولا يكون شيء على شيء إلا المحدود والمتحيز، ولا يكون إلا جسما، والأجسام متماثلة، وهذا يجعل لله شبيها ومثيلا، وهذا كفر وردة. إذن تأولوها، كيف تأولوها؟ أهل البدع يقولون: إن ظاهر النصوص كفر، ظاهر القرآن والسنة كفر -والعياذ بالله-، لا بد أن تؤول، لو أثبتنا العلو والمعية، و العلم والقدرة لله، هذه أنواع مشابهة للمخلوقات، تشبيه الله بخلقه وهذا كفر، لا بد أن تتأولها، تأولوها، أشكل عليهم أَينَ اللَّهُ؟ الرسول ﷺ سأل أَينَ اللَّهُ؟ أين يسأل بها عن المكان، قالت: في السماء. مكانه في السماء، صدقها وأثبت لها الإيمان، وهذا عارضه أهل البدع، قالوا: لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- سأل سؤالا فاسدا، ما قصده يقول: أَينَ اللَّهُ؟ قصده يقول: من الله؟ لكن أين الله؟ قالوا: أين الله؟ لأن هذه جارية أعجمية ما تفهم، خاطبها على قدر عقلها وفهمها، طيب والجواب لما أجاب قال: فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ. قالوا: نعم أقرها على جوابها الفاسد، الجواب فاسد، السؤال فاسد والجواب فاسد. هكذا اتهموا الرسول ﷺ، والعياذ بالله.
أهل البدع وصفوا الرسول ﷺ بأنه سأل سؤالا فاسدا ملبسا، إذن صار لبسا على الأمة، كيف يسأل سؤالا فاسدا؟ لماذا يقول؟ لأنها جارية أعجمية ما تفهم، فأراد أن يسأل سؤالا يناسب عقلها ولو كان فاسدا. طيب والجواب، قال: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ قالوا: والجواب جواب فاسد، أقرها على الجواب الفاسد؛ لأن هذا الذي تفهم أقرها على مقدار ما تفهم، وقالوا: إن الرسول قصده أن يقول: من الله؟ لا قصده أن يقول: أَينَ اللَّهُ؟ من الله؟ طيب الرسول ﷺ عاجز عن أن يقول: من الله؟ الرسول ﷺ أفصح الناس، "من" حرفين، و"أين" ثلاثة حروف أسهل، من الله؟ قالوا: لا، قصد الرسول ﷺ أن يسأل: من الله؟ لكن لما صارت الجارية أعجمية، قال: أَينَ اللَّهُ؟ "أين" يسأل بها عن المكان، والله ليس له مكان؛ لأنه لو كان له مكان، لصار محدودا ومتحيزا، فأين يكون؟ قالوا: ذاهب في جميع الجهات، قالوا: ما له مكان، في كل مكان، نعوذ بالله.
ولهذا المؤلف رد عليهم قال: "ومن أجهل جهلا وأسخف عقلا وأضل سبيلا، ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أَينَ اللَّهُ؟ بعد تصريح صاحب الشريعة". من هو صاحب الشريعة؟ الرسول ﷺ في قوله: أَينَ اللَّهُ؟ المؤلف قصد يرد على من؟ على أهل البدع، يقول: هم يقولون: لا يجوز أن يقال: أين الله؟ لماذا؟ مثلما سبق، يقولون: لأنها تدل على أنه له مكان، وأنه محدود، وأنه متحيز، وأنه جسم، شيء على شيء، المؤلف يقول: ومن أجهل جهلا -جعلهم جهالا-، وأسخف عقلا، وأضل سبيلا، ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله أَينَ اللَّهُ؟ كيف تتهم الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ أين الإيمان؟ تتهم الرسول ﷺ بأنه ملبس، تتهم الرسول ﷺ بأنه يسأل سؤالا فاسدا، ويقر على جواب فاسد؟! أين الإيمان؟! أرأيتم كيف وصل اتباع الهوى -والعياذ بالله- وتحريف النصوص إلى هذا الحد؟! نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من زيغ القلوب. نعم.
(المتن)
قال -رحمه الله-:
(الشرح)
نعم، وهذا الحديث رواه البخاري -رحمه الله- في صحيحه، ورواه غيره كما ذكر المؤلف، وهو الدليل الذي استدل به المؤلف على أن الله في العلو، وأنه فوق المخلوقات، وفوق السماوات السبع كانت زينب بنت جحش تفخر على أزواج النبي ﷺ وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات. هذا الشاهد: "من فوق سبع سماوات"، فيه إثبات أن الله فوق سبع سماوات.
وذلك أن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- تزوجت أولا زيد بن حارثة، ثم طلقها زيد ثم بعد ذلك خطبها النبي ﷺ أو أرسل من يخطبها، فزوجها الله من فوق سبع سماوات، فدخل عليها بدون ولي وبدون مهر؛ لأن الله أنزل: فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ منْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا هذا التزويج من فوق سبع سماوات وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ منْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ وذلك أن عندهم كان في الجاهلية وفي أول الإسلام، أنه يجوز التبني، ما معنى التبني؟ أن الإنسان الذي ما عنده ولد يتبنى ولدا، يأتي بولد وينسبه إلى نفسه، ويكون ابنا له، ولو لم يكن من أبنائه، تبناه، اسمه ابنه بالتبني (ولد بالتبني)، فنهى الله عن ذلك وقال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ومن المعلوم أن الإنسان لا يتزوج زوجة ابنه، وزيد بن حارثة تبناه النبي ﷺ في أول الإسلام، حتى كان يدعى زيد بن محمد، فالله -تعالى- هدم التبني وأبطله بالقول والفعل، بالقول قال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وبالفعل: لما طلق زيد زينب وخرجت من العدة، أمره الله النبي ﷺ أن يتزوجها هدما للتبني، حتى يبطل التبني لأنه ابنه، لكنه ابن دعي ليس ابنا من صلبه، ابن دعي دعاه، والله -تعالى- هدم التبني وأبطله قولا وفعلا ، قولا قال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ وفعلا: أمر الله نبيه أن يتزوج زوجة ابنه الدعي؛ حتى يهدم التبني، ويعلم بطلان التبني، وأن الابن الدعي ليس له حكم ابن الصلب، ابن الصلب لا تتزوج زوجته، لكن الابن الدعي هذا ليس ابنا صحيحا، ليس ابنا لك، وليس ابنا من صلبك، فيجوز لك أن تتزوج زوجته، ولهذا أمر الله نبيه أن يتزوج زوجته بعد طلاقها؛ هدما للتبني، وأنزل: فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ منْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا فدخل عليها النبي ﷺ بدون مهر وبدون ولي، زوجه الله من فوق سبع سماوات، فكانت زينب تفخر على أزواج النبي ﷺ، تفخر على عائشة وحفصة، تقول: أنت زوجك أبوك، وأنت زوجك أبوك، وأنا زوجني الله من فوق سبع سماوات. فخر هذا وأي فخر؟! نعم.
والشاهد قوله: "من فوق سبع سماوات". إثبات العلو لله، وأن الله فوق سبع سماوات. نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، هذا الحديث رواه الإمام أحمد والدارقطني، وسنده لا بأس به، وفيه إثبات العلو، هذا الدليل التاسع استدل به المؤلف -رحمه الله-، وفيه إثبات العلو بقوله: حَتَّى تَنتَهِى إِلَى السَّمَاءِ التَّي فِيهَا اللَّهُ. ذكر أن المؤمن عند موته يعرج بروحه، حتى ينتهى إلى السماء التي فيها الله، وهي السماء السابعة فوق، التي فيها الله، يعني فوقها.
المراد أن الله في العلو، في السماء، في العلو التي فيها الله، ففيه إثبات أن الله في السماء، يعني: في العلو، وأنه فوق السماوات السبع، وفيه: أن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء، وتفتح لها أبواب السماء، كما في الحديث، وأما روح الفاجر والكافر، فإنها تغلق أبواب السماء دونها، إذا صعد أغلقت أبواب السماء، ثم تطرح طرحا، نسأل الله السلامة والعافية، والشاهد قوله: حَتَّى تَنتَهِى إِلَى السَّمَاءِ التَّي فِيهَا اللَّهُ. ففيه إثبات أن الله في العلو. نعم.
(المتن)
وروى أبو الدرداء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: مَنْ اشْتَكَى مِنْكُمْ شَيْئًا، أَوْ اشْتَكَاهُ أَخٌ لَهُ فَلْيَقُلْ رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ، فَيَبْرَأَ رواه أبو القاسم الطبري في سننه.
وفي هذه المسألة
(الشرح)
نعم، وهذا أيضا كذلك هذا الحديث كما ذكر المؤلف -رحمه الله- رواه أبو القاسم الطبراني، ورواه أبو داود ورواه أبو القاسم الطبري في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"، ورواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه غيره، ورواه الدارمي في "الرد على الجهمية"، والبيهقي، والذهبي في "العلو".
والحديث ضعيف, الحديث فيه ضعف، ولكن المؤلف أورده لأن له شواهد، له شواهده، وكذلك أورده غيره من أهل العلم في إثبات العلو، أورده هؤلاء الأئمة، كلهم أوردوه، الذهبي في كتاب العلو، واحتج به شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم من أهل العلم.
وهذا الحديث مشهور في رقية المريض، الرقية للمريض يقال هكذا: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ فَاجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حُوبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الْوَجَعِ، فَيَبْرَأَ بِإِذنِ اللَّهِ والشاهد قوله: رَبَّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ أي: في العلو، فأثبت أن الله في السماء، والحديث وإن كان ضعيفا، إلا أنه له شواهد؛ ولهذا احتج به هؤلاء الأئمة من أجل شواهده، نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله- في هذه المسألة -وهى مسألة العلو-: أدلة من الكتاب والسنة يطول ذكرها، يطول بذكرها الكتاب، وكما سبق وقلت لك: إن أفراد الأدلة تزيد على ثلاثة آلاف دليل، لا يمكن حصرها، كلها تدل على أن الله فوق المخلوقات وفوق العرش، كل نص فيه أن الله استوى على العرش هذا دليل على العلو، كل نص فيه أن الله في السماء دليل على العلو، كل نص فيه الفوقية دليل على أن الله في العلو، كل نص فيه العلو: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ كل نص فيه الصعود: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الصعود يكون من أسفل إلى أعلى، يدل على إثبات العلو، كل نص فيه الرفع بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ يدل على العلو، كل نص فيه النزول: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ يدل على العلو، كل نص فيه السؤال عن الله بـ"أين" يدل على العلو، وهكذا، كل نص فيه رفع الإصبع إلى السماء يدل على العلو.
فهذه أنواع من الأدلة الكثيرة لا حصر لها؛ ولذلك قال المؤلف: "يطول بذكرها الكتاب". كثيرة لكن قد تحصر الأنواع (أنواع الأدلة)، مثلما ذكرت لكم: نصوص الاستواء، نصوص العلو، نصوص الفوقية، نصوص النزول، نصوص الرفع، نصوص الصعود، وهكذا، كل نوع تحته أفراد كثيرة، مثلا نصوص الاستواء تحتها سبعة أفراد من الأدلة، وهذه الأفراد كما ذكر العلماء أنها تزيد على ثلاثة آلاف دليل؛ ولهذا قال المؤلف: "يطول بذكرها الكتاب". يعني: يصعب حصرها. لكن ذكر أمثلة منها.
قال المؤلف: "ومنكر أن يكون الله في جهة العلو بعد هذه الآيات والأحاديث مخالف لكتاب الله، منكر لسنة رسول الله ﷺ". يعني: الذي ينكر أن الله في العلو، يكون مخالفا لكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وإذا كان جاحدا لهذه النصوص، فهذا يكفر يكون مرتدا -والعياذ بالله-، أما إذا كان متأولا، فهذا قد لا يحكم عليه بالكفر؛ لأن هناك فرقا بين الجاحد وبين المتأول: فالجاحد الذي أنكر كلام الله، جحد كلام الله وكلام الرسول ﷺ، يكفر هذا، من يجحد قول: الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ينكرها، هذا كذَّب الله، ومن كذَّب الله كفر، أما الذي يتأول يكون لا يجحد، يقول: أنا أؤمن بأن الله... أؤمن بالآية: الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ لكن أتأولها، أقول معنى استوى: استولى. فرق بين الجاحد وبين المتأول؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "ومنكر أن يكون الله في جهة العلو بعد هذه الآيات والأحاديث مخالف لكتاب الله، منكر لسنة رسول الله ﷺ". نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، المؤلف -رحمه الله- استدل أيضا بالآثار عن السلف على ثبوت العلو، مستدلا بقول الإمام مالك: "الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو عن علمه مكان". الأثر رواه الآجري في كتاب "الشريعة"، وعبد الله بن أحمد في كتاب "السنة"، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة "، وابن قدامة في "إثبات صفة العلو"، قال: الله في السماء. يعني: في العلو. وعلمه في كل مكان، علمه لا يخلو عن علمه مكان، وأما هو -سبحانه- فهو فوق العرش. نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، وهذا استدل عليه المؤلف بقول الشافعي -رحمه الله-، وهذا أيضا رواه ابن قدامة في صفة العلو، والشاهد قوله: "خلافة أبي بكر قضاها الله في سمائه". قوله: قضاها الله في سمائه. يعني: في علوه. فأثبت أن الله في السماء، وجمع عليها قلوب أصحاب نبيه ﷺ . نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، هذا عبد الله بن المبارك، معروف بالإمام الورع الزاهد المشهور، وهذه المقالة التي قالها عبد الله ابن المبارك أوردها عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة"، والبخاري في "خلق أفعال العباد"، والدارمي في "الرد على الجهمية" والرد على "بشر المريسي"، والبيهقي في "الأسماء والصفات"، وابن قدامة في "إثبات صفة العلو"، وابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية"، وغيرهم.
يقول عبد الله بن المبارك: "نعرف ربنا فوق سبع سماوات". هذا الشاهد، قوله: "فوق سبع سماوات". أثبت أن الله فوق سبع سماوات، "بائنا من خلقه". يعني: ليس مختلطا بالمخلوقات، بائنا: منفصلا عن المخلوقات، المخلوقات نهايتها من جهة العلو العرش، انتهت المخلوقات، والله فوق العرش، وهو ليس مختلطا بالمخلوقات يقول عبد الله ابن المبارك: "ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه ها هنا". وأشار إلى الأرض، الجهمية يقولون: إن الله في كل مكان، في الأرض وفي السماء وفي كل مكان، نعوذ بالله. نعم.
ونقف على هذا، وبهذا نكون انتهينا من كلام المؤلف على صفتين: صفة الاستواء، وصفة العلو. نقف على الكلام على صفة الوجه. نعم....