شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب الاقتصاد في الإعتقاد للمقدسي_7 صفة الكلام والإيمان بالقدر خيره وشره

00:00

00:00

تحميل
77

بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبده و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

قال المؤلف رحمه الله :

(المتن)

وقال عبد الله بن مسعود : من كفر بحرف منه يعني القرآن فقد كفر به أجمع.

و قال أيضا: من حلف بسورة البقرة فعليه بكل حرف يمين.

(الشرح )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

 أما بعد:

لا يزال المؤلف -رحمه الله- يتكلم عن صفة الكلام لله ، و أن معتقد أهل السنة و الجماعة أن الله تعالى موصوف بالكلام و أن كلام الله لفظ و معنى اسم للفظ و المعنى، و أنه حروف و ألفاظ حروف و كلمات، ورد على أهل البدع من الأشاعرة و غيرهم الذين يقولون:  أن القرآن مخلوق لفظه و معناه ،كالمعتزلة أو يقولون إن القرآن ليس بحرف و لا صوت، و إنما هو معنى نفسي كالأشاعرة.

 فالمؤلف -رحمه الله- يبين أنه حروف و أنه لو أسقط حرفا من الفاتحة ما صحت صلاته و كذلك من كفر بحرف منه فإنه يكون كافرا بالقرآن، ولهذا  قال عبد الله بن مسعود : ( من كفر بحرف منه -يعني القرآن- فقد كفر به أجمع) ، وهذا رواه الطبري -رحمه الله- في مقدمة تفسيره و اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة الكلام.

و قال أيضا: من حلف بسورة من القرآن بسورة البقرة فعليه بكل حرف يمين، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، لأن كل حرف من حروف البقرة و غيرها من السور فهو من القرآن ، من حلف بحرف من القرآن من حلف بسورة البقرة، سورة البقرة يشمل ألفاظها و حروفها و معانيها، ولهذا قال عبد الله بن مسعود : من حلف بسورة البقرة فعليه بكل حرف يمين .

(المتن)

وقال طلحة بن مصرف: قرأ رجل على معاذ بن جبل فترك (واوا) فقال: لقد تركت حرفا أعظم من جبل أحد.

(الشرح)

هذا من سأل يقول: من سأل طلحة بن المصرف أنه قال: لقد تركت حرفا أعظم من جبل أحد ، نعم هذا معنى صحيح يعني ترك حرفا لا شك أنه أعظم من الجبل لأن كلام الله صفة من صفاته، و لا يجوز إسقاط شيئا منه و لا تركه حرف من حروفه و المعنى صحيح أعظم من الجبل، و إن كانت هذه المقالة لمصرف، ذكر المحقق أنه ما وجد لم يجد من ذكره ، لكن معناه صحيح .

(المتن)

وقال الحسن البصري في كلام له: قال الله : كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وما تدبر آياته إلا أتباعه، أما  و الله ما هو بحفظ حروفه و إضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أسقطت من حرفا و قد أسقطه و الله كله.

(الشرح)

و هذا رواه ابن كثير في التفسير عن زهر بن أبي حاتم الحسن البصري الإمام المعروف العالم التابعي الجليل قال الله : كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ  يقول -رحمه الله-: و ما تدبر آياته إلا أتباعه يعني: يتدبر الآيات و  يعمل بها لأن التدبر وسيلة إلى العمل و لهذا قال  كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ.

فالتدبر وسيلة إلى العمل طريق إلى العمل، فتدبر القرآن إلى تدبر الهدى و وسيلة إلى العلم، فتدبر القرآن هو تدبر للهدى فالعلم تحت تدبر القرآن، و لهذا قال -رحمه الله-: (و ما تدبر آياته إلا أتباعه أما و الله هو بحفظ حروفه و إضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله  فما أسقطت منه حرفا و قد أسقطه و الله كله) يعني: ما أسقط منه حرفا في القراءة و لكنه أسقطه كله حيث لم يعمل به و لم يتبعه، فإذا لم يعمل به و لم يتبعه فقد أسقطه كله و إن أقام حروفه، لأن التلاوة ولو كانت عبادة مستقلة إلا أنها وسيلة إلى العمل فإذا لم يعمل به لم تحصل الفائدة فقامت عليه الحجة، قامت عليه الحجة و صار عذابا عليه صار عذابا عليه و صار القرآن حجة عليه، فلا يكفي كون الإنسان يقرأ القرآن فقط و لا يعمل بالقرآن بل يقرأ القرآن و المسلم يقرأ و يعمل و يتبع .

(المتن)

و قال عبد الله بن المبارك: من كفر بحرف من القرآن فقد كفر بالقرآن ومن قال لا أؤمن بهذه اللام فقد كفر.

(الشرح)

(بهذا الكلام) لعله الأقرب أنه: (بهذا الكلام).

وهذا المقالة لعبد الله بن مبارك الإمام العالم الزاهد المشهور، قوله: من كفر بحرف من القرآن فقد كفر بالقرآن كله، نعم لأنه يجب الإيمان بالقرآن كله فمن آمن  ببعضه و كفر ببعضه فقد كفر بالجميع، وعبد الله بن المبارك قال: هذا الكلام أخذا من قول الله تعالى أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. ومن قال: لا أؤمن بهذا الكلام كلام الله فقد كفر .

(المتن)

وروى عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:  يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وأشار بيده إلى الشام عُرَاةً غُرْلًا بُهماً قال: قلت: ما بهما قال: لَيسَ مَعَهُم شَيءٌ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ أن يَدْخُلَ الجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَن يَدْخُلَ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ، حَتَّى أَقُصُّهُ مِنهُ  قالوا: و كيف و إنما نأتي الله عراة غرلا بهما، قال: بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ. رواه أحمد و جماعة من الأئمة.

(الشرح)

و هذا الحديث رواه الإمام أحمد كما قال: المؤلف -رحمه الله- في المسند و رواه البخاري -رحمه الله- في الأدب المفرد و المستدرك و الحاكم في المستدرك و الخطيب البغدادي و غيرهم و هو حديث مشهور و هو حديث يسمى حديث المظالم حديث المظالم، و البخاري -رحمه الله- أيضا  رواه معلقا في صحيحه قال رحل جابر بن عبد الله و كذا  في عبد الله بن أنيس في طلب الحديث الواحد، و هذا في الرحلة في طلب العلم، و لهذا رواه الدارمي في الرحلة  و أنه رحل في طلب هذا الحديث أن جابر رحل إلى عبد الله بن أنيس من المدينة إلى الشام بطلب هذا الحديث قال البخاري رحمه الله: رحل جابر بن عبد الله  إلى عبد الله بن أنيس في طلب حديث واحد، و رواه البخاري مرة بصيغة التمريض فهو يذكر عند عبد الله مرة بصيغة، ومرة بصيغة الجزم، قال ورحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس في طلب حديث واحد و اشترى لذلك بعيرا لهذه المهمة لطلب حديث واحد الرحلة في طلب العلم العلماء من الصحابة و من بعدهم كان لهم عناية في طلب الحديث و يتحملون المشاق رحل في طلب حديث واحد مسافة شهر، رحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله  أنيس شهرا في طلب حديث واحد ، شهر، و اشترى لهذه المهمة بعيرا، فلما وصل إليه وطرق عليه الباب وخرج من خرج قال: قل: جابر بن عبد الله بالباب، فلما خرج قال: حديث عن النبي ﷺ بلغني عن النبي ﷺ في المظالم فخشيت أن تموت أو أن أموت قبل أن أسمعه، فذكر الحديث.

والشاهد من الحديث قوله:  فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ و فيه إثبات الصوت و أن كلام الله بصوت يسمع.

و فيه الرد على الأشاعرة و الجهمية و الفلاسفة الذين يقولون: أن كلام الله معنى قائم بالنفس، الأشاعرة و الجهمية يقولون: كلام الله معنى قائم بالنفس، إلا أن الكلابية يقولون: الكلام أربع معاني في نفسه الكلابية يقولون: أربع معاني في نفسه هي الأمر و النهي و الخبر و الاستفهام، و الأشاعرة  يقولون: معنى واحد لا يتجزأ و لا يتعدد ولا يتكثر بل هو معنى واحد.

الفرق بين مذهب الأشاعرة و الكلابية كل منهما يقول الكلام معنى قائم بالنفس، إلا أن الكلابية يقولون: هو أربع معان في نفسه هي الأمر و النهي و الخبر و الاستفهام، و الأشاعرة يقولون: هو معنى واحد لا يتعدد و لا يتجزأ ولا يتكثر ولا يتنوع، بل هذا النوع له صفات إن قرأته بالعربية فهو القرآن، إن عبرت عنه بالعربية فهو القرآن، و إن عبرت عنه بالعبرانية فهو التوراة، و إن عبرت عنه بالسريانية فهو الإنجيل، و إن عبرت عنه بالداودية فهو الزبور، وهو شيء واحد هكذا يقول الأشاعرة، واحد لكن له صفات و يمثلون لذلك مثل الإنسان، الإنسان له صفات متعددة فأنت أب بالنسبة لأبنائك و ابن بالنسبة لآبائك و أجدادك، و أنت عم بالنسبة لأبناء أخيك، و أنت خال بالنسبة لأبناء أختك، و أنت واحد توصف بأنك أب و ابن و عم و خال، و كذلك القرآن معنى واحد يوصف بأنه توراة و أنه إنجيل و قرآن و توراة، و التنوع إنما هي في العبارات في الدلالات لا في المدلول.

و أما الكلابية فيقولون: أربع معاني في نفسه هي  الأمر و النهي و الخبر و الاستفهام، و كل  منهما  يقول: الحروف و الأصوات دليل على القرآن و ليست هي الكلام الله إلا أن الكلابية يسمونها: حكاية الحروف والأصوات والأشاعرة يسمونها عبارة.

و الفلاسفة يقولون: ليس الكلام بحرف و إنما هو معنى يفيض من العقل الفعال على النفس الشريفة فيحصل له تصورات و تصديقات، بحسب ما قال، هذا الحديث فيه رد على هذه الطوائف الثلاث: الكلابية والأشاعرة و الفلاسفة، الذين ينكرون أن يكون كلام الله بالصوت، و هذا الحديث صريح، قال: فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ .

و أصح منه ما ثبت في الصحيح أن الله تعالى يُنَادِي آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. هذا فيه إثبات الصوت.

حديث  يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ، و أشار بيده إلى الشام لأنه مكان المحشر عُرَاةًلا ثياب عليهم، غُرْلًاجمع: الأغرل و هو الأقلح و الغلفة القلحة يعني غير مختونين الغرل غير المختون الجلدة التي تقطع من الصبي وهو صغير من الذكر ترجع يوم القيامة، يكون غير مختون عُرَاةً لا ثياب عليهم حُفَاةٌ، كما جاء في اللفظ الآخر لا نعال عليهم غُرْلًا غير مختونين، بُهماً ليس معهم شيء، يكون الاقتصاص بالحسنات والسيئات فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ أن يَدْخُلَ الجَنَّةَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَن يَدْخُلَ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلِمَةٍ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنهُ ، حديث المظالم قالوا: و كيف يا رسول الله كيف يكون القصاص ليس عندنا شيء ما فيه دراهم و لا فضة و لا ذهب و لا أوراق نقدية ولا أمتعة انتهت؟ وإنما نأتي الله عراة غرلا بهما نحشر هكذا ما حتى الثياب ما فيه ثياب و لا نعال؟!! فقال بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ. الاقتصاص بالحسنات و السيئات .

(المتن)

وروى عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ قال: إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحيِ سَمِعَ صَوتُهُ أَهلُ السَّمَاءِ كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ؛ فَيَخِرُّونُ سُجَّدًا و ذكر الحديث .

و قول  القائل بأن الحرف و الصوت لا يكون...

(الشرح)

قبل حديث عبد الله بن مسعود هذا رواه البخاري تعليقا في كتاب التوحيد يقول عبد الله عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ  قال: إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحيِ سَمِعَ صَوتُهُ أَهلُ السَّمَاءِ كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ؛ فَيَخِرُّونُ سُجَّدًا وله شواهد أخرجه البخاري رواه البخاري تعليقا في كتاب التوحيد  و له شواهد، و أخرج نحوه في كتاب التفسير، في قول الله  إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ باب حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ.

و فيه إثبات وفيه الشاهد إثبات الصوت لكلام الله سمع صوته أهل السماء، و أن كلام الله بصوت يسمع فيه الرد على من أنكر الصوت من الكلابية و الأشاعرة و الفلاسفة كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ سلسلة الحديد على الصفا أو الصفوان الصفوان: الحجر الأملس.

و هذا من باب التقريب ليس تشبيه الله الصوت المسموع من كلام الله بالصوت المسموع من السلسة، كقوله ﷺ  في الحديث الآخر إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ، ليس هذا فيه تشبيه الله بالقمر و إنما تشبيه الرؤية بالرؤية و هنا تشبيه للصوت بالصوت يعني: أن هناك كما أن الصوت المسموع من  السلسة يكون قويا و كذلك الصوت المسموع من كلام الله يكون قويا، و إلا فصوت الله لا يشبه صوت المخلوقين .

( المتن)

وقول القائل: بأن الحرف و الصوت لا يكون إلا من مخارج باطل و محال قال الله  يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ و كذلك قال   إخبارا عن السماء و الأرض أنهما قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فحصل القول من غير مخارج و لا أدوات.

وروي عن النبي ﷺ أنه كلمه الذراع المسمومة و صح أنه سلم عليه الحجر و سلمت عليه الشجرة.

(الشرح)

 و هذا شبه المنكرين للحرف و الصوت لكلام الله بين المؤلف -رحمه الله- شبههم و رد عليها وقال:

قول قائل: المنكرين لأن يكون كلام الله بحرف و الصوت شبهتم يقولون: الحرف و الصوت لا يكون إلا من مخارج يعني: يقول: الحرف و الصوت لا يكون إلا من مخارج معروف أن الإنسان إذا تكلم مخارج الحروف معروفه تكون من أطراف من الأسنان من طرف من أطراف اللسان حروف من أطراف اللسان حروف من حافة اللسان حروف من بين الشفتين، وهذا يلزم منه أن يكون الرب له مخارج حروفه فيكون له  لسان و يكون له شفتين و يكون له أضراس و هذا محال، هذه شبهة من شبهة من ينكر أن يكون كلام الله بصوت و بحرف.

 يقول المؤلف -رحمه الله- هذا محال كلام باطل لا وجه له لأنه هذا فيه تشبيه الخالق بالمخلوق بالآدمي، و الله نفى عن نفسه مماثلة المخلوقات قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وقال سبحانه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وقال : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وقال سبحانه هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا.

فيرد عليهم أولا بأن التمثيل باطل، الله  ليس له مثيل هذا تمثيل و التمثيل باطل فلا يمكن أن يماثل الخالق المخلوق.

و ثانيا الجواب الثاني أنه يوجد بعض المخلوقات تتكلم من غير مخارج من غير أسنان من غير أضراس من غير شفتين من غير لسان، و إذا كانت المخلوقات يمكن أن تتكلم من دون مخارج حروف فإن ذلك في حق الرب أولى، نجد بعض المخلوقات تكلمت و ليس لها لسان لا لسان ولا أضراس و لا شفتين ولا أسنان، فقولكم أنه لابد أن يكون مخارج هذا باطل.

ذكر أدلة الدليل الأول جهنم النار تكلمت، قال الله : يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ وَتَقُولُ إذاً جهنم تكلمت جهنم هل لها لسان هل لها أضراس هل لها أسنان هل لها شفتين إذا أمكن أن تتكلم بعض المخلوقات من دون مخارج فإنكار ذلك في حق الرب يكون أولى.

الدليل الثاني: قول الله تعالى عن السماء و الأرض وكذلك قال إخبارا عن السماء و الأرض أنهما قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ قال الله تعالى للسماء و الأرض ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ السماء و الأرض هل السماء و الأرض لهما أضراس أو أسنان أو شفتين أو مخارج ولهذا قال المؤلف: فحصل القول من غير مخارج و لا أدوات حصل القول من السماء و الأرض و من جهنم من غير مخارج حروف و لا أدوات و لا أسنان و لا أضراس، و إذا أمكن هذا في المخلوق أمكن في الخالق من باب أولى.

كذلك الدليل الثالث: حديث روي عن النبي ﷺ أنه كلمه الذراع المسمومة، يشير المؤلف إلى  حديث أبي هريرة في قصة الشاة المسمومة التي أهداها اليهود للنبي ﷺ في خيبر أهدت يهودية للنبي ﷺ ذراع مشويا و كانت الذراع تعجبه فنهش منها نهشة ثم نطق الذراع و تكلم الذراع بأنه مسموم، و هذا رواه البخاري رحمه الله في كتاب الجزية، و رواه البيهقي في دلائل النبوة، فهذه الذراع الآن الذي  تكلم هل له أضراس أو أسنان هل له مخارج أو أدوات فإنكار ذلك إذا أمكن هذا في المخلوق أمكن ذلك في الخالق من باب أولى.

 الدليل الرابع: قال: و صح أنه سلم عليه الحجر كذلك حديث تسليم الحجر على رسول الله ﷺ، رواه مسلم في صحيحه و الترمذي في سننه قال عليه الصلاة والسلام : إِنِّي لَأَعلَمُ حَجَراً كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فِي مَكَّةَ فهل الحجر له أضراس أو أسنان أو مخارج أو أدوات؟

الدليل الخامس: قول و سلمت عليه الشجرة، و هذا ورد في حديث علي عند الحافظ في المستدرك، قال صحيح الإسناد، الشجرة سلمت على النبي ﷺ و سمع الكلام منها و ليس لها مخارج و لا أدوات ولا أضراس و لا أسنان، و إذا أمكن هذا في المخلوق أمكن ذلك في الخالق أولى.

و لهذا رد الإمام أحمد -رحمه الله- على أهل البدع، و قال: أما قولهم إن الكلام لا يخرج إلا من جوف و فم و شفتين و لسان أليس الله قال للسماوات و الأرض ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ استدل الإمام أحمد بالآية و قال وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ الجبال تسبح هل الجبال لها أضراس و أسنان؟! قال: أتراها سبحت بجوف وفم و لسان و شفتين و الجوارح؟! إذا شهدت على الكافر فقالوا: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ اليد و الرجل تشهد و ليس لها أضراس و لا أسنان أتراها أنها نطقت بجوف و فم و لسان؟! و لكن الله أنطقها كيف يشاء من غير أن يقول بجوف و لا فم و لا شفتين ولا لسان.

و بهذا تبطل شبهة هؤلاء المنكرين للحرف و الصوت من كلام الله .

( المتن)

و أجمع أئمة السلف من أهل الإسلام على الإيمان بالقدر خيره و شره حلوه و مره قليله و كثيره، بقضاء الله و قدره لا يكون شيء إلا بإرادته و لا يجري خير و شر إلا بمشيئته، خلق من شاء للسعادة و استعمله بها فضلا و خلق من أراد للشقاء و استعمله به عدلا فهو سر استأثر به و علم حجبه عن خلقه لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ قال الله : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وقال تعالى وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وقال : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ.

(الشرح)

انتقل المؤلف -رحمه الله- إلى مبحث القضاء و القدر فقال:

و أجمع أئمة السلف من أهل الإسلام على الإيمان بالقدر خيره و شره ، كما قال المؤلف -رحمه الله- أجمع أئمة السلف على الإيمان بالقضاء و القدر و ما أمر الله تعالى به في كتابه، أمر الله تعالى بالإيمان بالقرآن و الله تعالى أخبر بقضائه و قدره أنه قدر الأشياء، فالإيمان بالقدر واجب بالكتاب و السنة و الإجماع، قال الله تعالى في كتابه  إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وقال  وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.

و في السنة المطهرة في حديث جبرائيل المشهور لما سأل النبي ﷺ عن الإيمان فقال: الإِيمَانُ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

و الإجماع أجمع العلماء أئمة السلف من أهل الإسلام على الإيمان بالقدر، فلذا الإيمان بالقدر واجب بالكتاب و السنة و الإجماع.

و الإيمان بالقدر يشمل الإيمان بمراتبه الأربع، له أربع مراتب لابد من الأيمان بها من لم يؤمن بهذه المراتب لم يؤمن بالقدر.

 المرتبة الأولى: العلم الشامل بكل شيء الماضي و الحاضر و المستقبل و أيضا والمستحيل أيضا فالله تعالى يعلم ما كان في الماضي و يعلم ما يكون في المستقبل و الحاضر، و يعلم ما لم يكن  لو كان كيف يكون لا بد من الإيمان بهذا أن الله تعالى علم الأشياء قبل كونها، علم الأشياء في الماضي و يعلم الأشياء في المستقبل و الحاضر، و يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، حتى الذي لا يكون يعلمه، قال الله تعالى عن الكفار  وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ،  وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ما أسمعهم الآن لكن أخبر عن علم  وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ و قال سبحانه عن الكفار لما  طلبوا الإعادة إلى دار الدنيا وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، وَلَوْ رُدُّوا لكنهم لا يردون ما يمكن أن يردوا لو ردوا لعادوا لما كانوا عليه و قال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك  وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ يعني المنافقون وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ۝ لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا و خرجوا هم؟ ما خرجوا علم الله لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ هذه المرتبة الأولى العلم .

المرتبة الثانية: الكتابة، و هو الإيمان بأن الله كتب كل شي في اللوح المحفوظ كل ما يكون من الذوات و الصفات و الأقوال و الأفعال و الحركات و السكنات و الرطب و اليابس، قال الله تعالى وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ وقال سبحانه مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وقال سبحانه أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ وهو اللوح المحفوظ فيه إثبات العلم و إثبات الكتابة و قال سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ. وهو اللوح المحفوظ هو الإمام، و قال سبحانه يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.

و ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ خمسين ألف سنة، المقادير كتابة المقادير سابقة لخلق السماوات و الأرض بخمسين ألف سنة، و قال عليه الصلاة والسلام: أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وفي لفظ فَجَرَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ هاتان مرتبتان لابد من الأيمان بهما.

 المرتبة الثالثة: الإرادة و المشيئة، و هو أن كل شيء في هذا الوجود يقع في هذا الوجود لا بد أن تسبق وجوده مشيئة الله و إرادته، لا يمكن أن يقع في الكون إلا ما شاء الله إلا ما شاءه و أراده ، لا يقع في ملك الله إلا ما يريد هذه المرتبة الثالثة.

 المرتبة الرابعة: الخلق و الإيجاد الإيمان بأن الله خلقه و أوجد كل شيء في هذا الكون كل شيء في هذا الكون الله خلقه و أوجده إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. فهذه مراتب القدر الأربع من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر.

أهل السنة و الجماعة آمنوا بهذه المراتب و كلها اجتمعت الأدلة عليها من الكتاب العزيز.

و القدرية طائفتان:

الطائفة الأولى: القدرية الأولى: الذين أنكروا المرتبتين الأوليين العلم و الكتابة أنكروا هاتين المرتبتين، هؤلاء كفار  لأن من أنكر العلم نسب الله بالجهل و هذا كفر، فمن أنكر علم الله السابق و كتابته للمقادير فهو كافر، و هؤلاء وجدوا في أواخر عصر الصحابة خرجوا هؤلاء القدرية وهم الذين خرجوا في البصرة فجاء حميد الطويل و صاحبه أنكروا مقالتهم و قالوا: إن الأمر مستأنف و جديد لم يسبق فيه أمر الله، فأنكر عليهم التابعين من علماء البصرة و سألوا عبد الله بن عمر قال: حميد الطويل و صاحبه قالوا: لما أولوا ما حدث في القدر بالبصرة قالوا: لو وفق لنا بعض أصحاب النبي الله ﷺ لنسأله قالوا: فوفق لنا عبد الله بن عمر فسألناه قلنا أبا عبد الرحمن أنه ظهر قبلنا قوم يتقفرون العلم يعني يطلبونه و يزعمون أن الأمر أنف يعني مستأنف و جديد ما سبق به تقدير الله، فقال: أخبر هؤلاء أني منهم بريء و أنهم براء مني، و الله لو كان لأحد مثل أحد ذهبا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم روى عن أبيه عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ سأله جبرائيل عن الإيمان فقال: الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، هؤلاء القدرية الأولى الذين أنكروا العلم و الكتابة كفار لأنهم وصفوا الله بالجهل، و هم انقرضوا هؤلاء و هم الذين قال فيهم الشافعي -رحمه الله- الإمام الشافعي و غيره ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا و إن أنكروه كفروا.

الطائفة الثانية: عامة القدرية المتأخرون الذين أثبتوا العلم و الكتابة، و لكنهم أنكروا عموم المشيئة و عموم الخلق ما أنكروا المشيئة، المرتبة الثالثة و الرابعة أنكروا عموم المشيئة و عموم الخلق، فقالوا: إن الله علم الأشياء وكتبها و شاء كل شيء إلا أفعال العباد ما شاءه من خير أو شر من طاعة و معصية و خلق كل شيء إلا أفعال العباد ما خلقها خيرا أو شرا لشبهة حصلت لهم، و لهذا أدرئ عنهم التكفير،  ما كفرهم العلماء لأن الشبهة التي حصلت لهم قالوا: لو قلنا أن الله قدر المعاصي وعذب عليها خلقها و عذب عليها لكان ظالما، ففرارا من ذلك قالوا: إن العباد هم الذين خلقوا أفعالهم استقلالا من دون الله و هم الذين شاؤوا أفعالهم و هم الذين خلقوا الطاعات و المعاصي حتى يستحقوا الثواب على الطاعات و يستحقوا العقوبة على المعاصي، لكن يقال لهم: أنتم فررتم من شيء و وقعتم في شر مما فررتم منه أنتم فررتم من القول بأن الله خلق المعاصي و عذب عليها لكن وقعتم في شر مما فررتم منه على مذهبكم يكون يقع في ملك الله ما لا يريد تقع المعاصي بدون إرادة الله و تقع الطاعات بدون إرادة الله، و هذا أمر عظيم، و كذلك أيضا يلزم على مذهبكم أن مشيئة العاصي و الكافر تغلب مشيئة الله لأنه على مذهبكم الله شاء الطاعة من العبد و العبد شاء المعصية فوقعت مشيئة العبد و لم تقع مشيئة الله، و هذا مصيبة هذا أمر عظيم.

أما القول: بأن الله خلق المعصية و عذب عليها فليس فيه نسبة الظلم إلى الله، لأن الذي ينسب إلى الله الخلق و الإيجاد وضع لحكمة، و الذي ينسب إلى العبد المباشرة و التسبب و الفعل، و يعذب على فعله و أما كون الله خلقها، خلقها لحكمة لحكم و أسرار فالذي ينسب إلى الله الخلق و الإيجاد و الخلق مبني على الحكمة، ولهذا فإنها لا تكون شرا بالنسبة إلا إذا نسبتها إلى الله لا تكون شرا لأن الله خلقها لحكمة، و إذا نسبتها  إلى العبد فهي شر لأنه باشرها وكسبها  فساءته و ضرته و عذب عليها، و هذا هو معنى قول النبي ﷺ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ لأنه شر المحض الذي لا حكمة في إيجاده و تقديره هذا ما لا وجود له في الكون، ما فيه شر محض كل الشرور الموجودة شرور نسبية هي شر بالنسبة للعبد و خير بالنسبة إلى الله، خير بالنسبة إلى الله لأن الله خلقها لحكم و أسرار لحكمة ستكون خيرا بالنسبة إلى الله و شرا بالنسبة إلى العبد، لأنه باشرها و تسبب فيها و فعلها فلحقه الضرر.

و الواجب على المسلم و أهل السنة و الجماعة آمنوا بمراتب القدر كلها و قالوا: إن الله خلق كل شيء و شاء كل شيء وله الحكمة البالغة وهو يهدي من يشاء فضلا منه و إحسانا و يضل من يشاء عدلا منه و حكمة.

و المعتزلة قالوا: إن الله لا يهدي من يشاء و لا يضل من يشاء فالعبد هو الذي يهدي نفسه و يضل نفسه، و أما قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فتأولها  المعتزلة و القدرية قالوا: يهدي يعني يسميه مهتديا و يضل يسميه ضالا، و إلا فالعبد هو الذي يهدي نفسه و يضل نفسه و قالوا: إن الله ليس على كل شيء قدير، المعتزلة يقولون: ليس على كل شيء قدير بل يقولون: على ما يشاء قدير و لهذا تجد في بعض الكتب في آخرها يقول " و الله على ما يشاء قدير"  هذا يتمشى مع مذهب المعتزلة قصده من هذا إنكار دخول أفعال العباد في قدرة الله، فيقول: و الله على ما يشاء قدير، و هذا غلط و الواجب قول: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أما و الله على ما يشاء قدير، هذا يتمشى مع مذهب المعتزلة لأن الله قدير على ما يشاءه و ليس قدير على ما لا يشاؤه من أفعال العباد أفعال العباد لا يشاؤه و هو العزيز القدير  و هذا غلط، و أما قوله تعالى وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ هذا مقيد بالجمع إذاً وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ 

ولهذا المؤلف -رحمه الله- بين معتقد أهل السنة والجماعة فقال: و أجمع أئمة السلف من أهل الإسلام على الإيمان بالقدر خيره و شره حلوه و مره، يعني: أهل الإسلام أجمعوا على القدر سواء خيرا أو شرا، خيراً الذي يحصل للإنسان مما يعطيه الله من النعم و الفضل و النعمة والمال و الصحة و الولد، أو شرا كان أو مصيبه كمصائب قد تكون شرا  بالنسبة كالمصائب و المعاصي التي تقدر عليه حلوه ومره، سواء كان حلوا كالخير أو مرا كالمصائب التي تحصل للإنسان  قليله و كثيره ،كله بقضاء الله و قدره لا يكون شيء إلا بإرادته هذا معتقد أهل السنة والجماعة لكن المعتزلة يقولون: لا، تكون المعاصي بدون إرادته، و لا يجري خير و شر إلا بمشيئته لكن المعتزلة يقولون: لا، هم القدرية المعتزلة في الصفات القدرية في الأفعال يقولون: يجري الخير و الشر بدون مشيئته على العبد.

قال المؤلف: خلق من شاء للسعادة و استعمله بها فضلا يعني: الله تعالى تفضل عليه و خلق من أراد للشقاء و استعمله به عدلا له حكمة بالغة فلا يكون ظالما خلقه استعمله للشقاء ، لأن الهداية ملك لله و ليس ملكا للعبد فمن أعطاه الهداية فهذا فضله ومن منعه الهداية فهذا عدله و حكمته، فلا يكون ظالما ولهذا قال المؤلف: خلق من شاء للسعادة و استعمله بها فضلا و خلق من أراد للشقاء و استعمله به عدلا، فهو سر استأثر به و علم حجبه عن خلقه، القدر سر الله في خلقه، لهذا يقول الطحاوي -رحمه الله- والقدر سر الله في خلقه حجبه عن أنامه، ولهذا القدر سر الله في خلقه، رواه عن أنامه و حجبه عن مرامه فمن سأل بما فعل فقد رد حكم الكتاب، و من رد حكم الكتاب كان من الكافرين، ولهذا قال المؤلف -رحمه الله- هو سر استأثر به و علم حجبه عن خلقه لا أحد يعلم سر الله في خلقه، يعني: سر الله في خلقه أشقى هؤلاء و أسعد هؤلاء جعل هذا شقيا و جعل هذا سعيدا و جعل هذا عالما و جعل هذا جاهلا و جعل هذا عاقلا و جعل هذا مسلوب العقل و هذا طويل و هذا قصير و هذا فقير و هذا غني وهذا يعمر و هذا لا يعمر و هذا يموت طفلا و هذا يموت شيخا و هذا يموت كهلا وهذا يموت في  بطن أمه هذا سر الله، سر الله في خلقه له الحكمة البالغة سر استأثر به و علم حجبه عن خلقه لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لكمال حكمته لا لأنه خارج المشيئة، كما يقوله من أنكر حكم الله من المعتزلة و غيرهم لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لكمال حكمته وَهُمْ يُسْأَلُونَ، قال الله   وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ له الحكمة البالغة قال تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لو شاء لفعل ذلك لكن له الحكمة البالغة وقال  إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ كل شيء عموم صيغة للعموم كل شيء سواء كان خيرا أو شرا، خلافا للمعتزلة الذين يقولون: المعاصي والطاعات ليست بقدر .

(المتن)

وروى علي بن أبي طالب  قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله ﷺ فقعد وقعدنا حوله و معه مخصره فنكس و جعل ينكت بمخصرته ثم قال: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا فقال: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى... الآية .

(الشرح)

وهذا الحديث متفق عليه رواه الشيخان البخاري ومسلم -رحمهم الله- رواه البخاري في مواضع و مسلم أيضا في كتاب القدر و رواه أيضا أبو داود في سننه و الترمذي و ابن ماجه و أحمد في المسند، وهو حديث صحيح رواه علي بن أبي  طالب قال :كنا في جنازة في بقيع الغرقد، "الغرقد" نوع من شجر شجر العظام و شجر الشوك وهو من شجر اليهود، يكون في آخر الزمان، بين النبي ﷺ أن إذا نزل عيسى بن مريم يسلط المؤمنون على اليهود فيقتلونهم قتلا ذريعا حتى يختبئ اليهود وراء الشجر و الحجر فيتكلم الشجر و الحجر آية من آيات الله فيقول الشجر و الحجر يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا شجر الغرقد فلا يتكلم فإنه شجر اليهود، يكون معهم شجرهم يكون معهم إلا شجر الغرقد.

النبي ﷺ في هذه القصة يقول، خرجوا في جنازة فقعدوا قعد النبي ﷺ و قعدونا حوله و معه مخصره يعني: عصا فنكث فجعل ينكث مخصرته ثم قال: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ هذا الشاهد فيه إثبات الكتابة لله وأن المقادير كلها مكتوبة، فقالوا للرسول ﷺ أفلا نتكل على كتابنا، - وفي اللفظ الآخر- وَنَدَعُ العَمَلَ مادام كل أحد مكتوب، الآن شقي أو سعيد في الجنة أو في النار لماذا لا نكتفي بالكتابة و لا نعمل أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟! فقال النبي ﷺ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثم قرأ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ۝ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ۝ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى.

(المتن)

وروى عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: إِنَّ خَلقَ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ يَكتُبُ رِزْقَهُ، وَأَجَلّهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيًّا أَوْ سَعِيداً، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا.

 (الشرح)

وهذا الحديث حديث صحيح متفق عليه رواه البخاري -رحمه الله- في صحيحه في مواضع و رواه الإمام مسلم أيضا في كتاب القدر و رواه أبو داود وابن ماجه و غيرهم، هو من أحاديث الأربعين النووية، من أحاديث الأربعين النووية التي يحفظها صغار الطلبة، يقول عبد الله بن مسعود: حدثنا عن رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق وهو الصادق يعني: في قوله و في كلامه المصدوق من ربه الصادق المصدوق الصادق في كلامه المصدوق من قبل ربه إِنَّ خَلقَ أَحَدَكُمْ يَجتَمِعُ -و في اللفظ الآخر- يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ أربعين و أربعين و أربعين مئة وعشرين أربعة أشهر، إذا مضت الأربعة الأشهر يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ يَكتُبُ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ هذه أربع كلمات، الرزق -و اللفظ الآخر- أن الملك يقول: يَا رَبِّ مَا الرِّزْقُ مَا الْأَجَلُ مَا العَمَلُ مَا الشَّقَاوَةُ وَالسَّعَادَةُ فيكتب ما قيل له، جاء في بعض الأحاديث أن الملك يدخل على النطفة بعد مضي اثنين و ثمانين يوما.

هذا هو الشاهد، أن الشاهد إثبات القدر و أن الإنسان يقدر عليه و هو في بطن أمه يكتب ما يجد عليه من الرزق و الأجل و العمل و الشقاء و السعادة وهذا قدر وهذا القدر مأخوذ من القدر السابق، من اللوح المحفوظ يوافقه لا يخالفه مأخوذ منه يعني: هذا مكتوب في اللوح المحفوظ ثم هذه كتابة ثانية خاصة بابن آدم الجنين لا يخالف القدر السابق.

ثم بين من القدر بين النبي ﷺ قال: فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ أقسم لا إله غيره لا معبود غيره لا معبود بحق غيره إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الذي كتب عليه وهو في بطن أمه و ما كتب في اللوح المحفوظ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ؛ فَيَدْخُلُهَا لا بد أن يصير إلى ما كتب له إلى ما كتب عليه وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ الذي كتب عليه في بطن أمه في اللوح المحفوظ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَيَدْخُلُهَا. جاء في الحديث الآخر بيان هذا لما شق هذا على الصحابة، قال النبي ﷺ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ و كان -و الله أعلم- هذا يكون في أن بعض الناس يكون هكذا فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ و بعضهم لا يكون هكذا .

(المتن)

وفي حديث عمر بن الخطاب : الذي رواه مسلم في الصحيح و أبو داود في السنن وغيرهما من الأئمة أن جبريل قال للنبي ﷺ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: أَن تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: فِإِذَا فَعَلتُ ذَلِكَ فَقَد آمَنتُ؟ قَالَ: نَعَم.

 و فيه من الأدلة ما لو استقصيناه لأدى إلى الإملال  

(الشرح)

و هذا حديث عمر بن الخطاب المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه بطوله رواه أبو داود في السنن و غيره من الأئمة، و رواه أبو هريرة و أخرجه البخاري برواية أبو هريرة مختصرا، و فيه أن النبي ﷺ لما سأله جبريل عن الإيمان ذكر أركان الإيمان الستة و جعل الركن السادس الإيمان بالقدر، قال: أَن تُؤْمِنَ بِاللهِ هذا الركن الأول، وَمَلَائِكَتِهِ هذا الركن الثاني، وَكُتُبِهِ الثالث، وَرُسُلِهِ هذا  الرابع، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ هذا الخامس، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ هذا هو السادس، و هذا هو الشاهد أن النبي ﷺ جعل الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان، فمن لم يؤمن بالقدر فليس بمؤمن من أنكر القدر فليس بمؤمن لأنه أنكر أصلا من أصول الإيمان فيكون كافرا من جحد القدر و أنكره فهو كافر، لأن هذه الأصول الستة و هي: الإيمان بالله و الملائكة و الإيمان بالكتب و الإيمان بالرسل و الإيمان باليوم الآخر و الإيمان بالقدر خيره و شره هذه الأصول  الستة أثبتها القرآن العزيز ووضحها وبينها النبي ﷺ في سنته و أجمع المسلمون عليها، و لم يخالفوا في شيء منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام و صار من الكافرين -نسأل الله السلامة و العافية-.

وفي هذا قول القائل: قَالَ: فِإِذَا فَعَلتُ ذَلِكَ فَقَد آمَنتُ؟ قَالَ: نَعَم. يعني: سأل جبرائيل.

و هذا الحديث حديث عظيم فيه بيان مراتب الدين و أن الإيمان الدين له مراتب ثلاثة لأن النبي ﷺ قال: في آخر الحديث أَتَاكُمْ جِبْرِيلُ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ فجعل الدين ثلاث مراتب، قد سأل عن الإسلام و الإيمان و الإحسان، و جاء في بعض أن النبي ﷺ قال لهم في بعض الروايات: سَلُونِي سَلُونِي فهابوا أن يسألوه فأرسل الله جبرائيل في صورة رجل يسأل حتى يتعلم الناس و يستفيدوا.

المؤلف يقول: و فيه من الأدلة ما لو استقصيناه لأدى إلى الإملال يعني: في القدر في القدر إثبات القدر من الأدلة ما لو استقصيناه أدى إلى السأم الإملال يمل من كثرتها إن الأدلة كثيرة يعني: إن الأدلة كثيرة لا يمكن حصرها يؤدي إلى الملل  و السآم.

القدرية -كما سبق- ذكرنا طائفتان القدرية الأولى: الذين أنكروا العلم و الكتابة، و الطائفة الثانية: عامة القدرية الذين أنكروا عموم المشيئة و الإرادة، هؤلاء كلهم هؤلاء فيمن أنكر شيئا من القدر.

و يقابلهم طائفة أخرى تسمى الجبرية، تسمى الجبرية الذين يقولون: أن العبد مجبور على أفعاله مجبور على أفعاله أفعال ليس له اختيار العبد الإنسان كالريشة في الهواء لا يقدر على أن يفعل شيئا وهو مجبور على أفعاله و هؤلاء -و العياذ بالله- يعذرون الإنسان يعذرونه بشركه و معاصيه و يقولون: أنه مجبور على أفعاله ما دام أنه قدر كل شيء إذاً ليس له حرام ليس له اختيار و لا قدرة مجبور فهو المصلى و الصائم ، فالله تعالى هو المصلي و الصائم هكذا يقولون الله تعالى هو المصلي و الصائم و العبد و عاء للفعل فيقولون: إن العبد كالكوب الذي يصب فيه الماء و الله كصباب الماء فيه يصب فيه الماء صب، فأفعاله كلها اضطرارية مثل حركة المرتعش و النائم و حركة الأشجار، ما له خيار ويقولون: -و العياذ بالله- هؤلاء يعترضون على الله يقولون: كيف يعذب الله العبد على ما خلقه به كيف يقدر عليه ثم يعذبه و هو ليس له قدرة و لا اختيار و لا امتناع عن القدر، يقولون: فمثل الله كمثل من قيد شخصا و أو ثقه أوثق يديه و رجليه ثم ألقاه في الماء، و قال لا يصيبك البلل

أَلقاهُ في اليَمِّ مَكتوفاً وَقالَ لَهُ إِيّاكَ إِيّاكَ أَن تَبتَلَّ بِالماءِ

وهم يحتجون على شركهم و أفعالهم بالقدر و لهذا يسمون المشركية هؤلاء يسمون المشركية، كما قال الله تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ فهم يحتجون بالقدر و يرونه حجة و يقولون: الزاني معذور و السارق معذور و المشرك معذور -و العياذ بالله-. هؤلاء آمنوا بالقدر و أنكروا الأوامر الشرعية أنكروا الشرع ألغوا.

و هذا معنى هذا مذهب خبيث مذهب باطل، لأن معناه إنكار الشرائع إنكار الرسل، معناه الرسل عبث و الشرائع عبث لا قيمة لها لأنهم يعذرون أنفسهم و يحتجون بالقدر فهم آمنوا بالقدر و أنكروا الشرع الأوامر و النواهي.

و أما القدرية الأولى الذين يقولون: أن العبد يخلق فعل نفسه خيرا أو شره يسمونه القدرية المجوسية يسمون القدرية المجوسية نسبة إلى المجوس، لأن المجوس يقولون: بخالقين النور و الظلمة يقولون: العالم له خالقان النور خلق الخير و الظلمة خلقت الشر، فقالوا: بوجود خالقين و القدرية قالوا: إن العبد يخلق فعل نفسه فجعلوه خالقا مع الله فقالوا: بتعدد الخالق فسموا مجوسية لمشابهتم للمجوس في القول بتعدد الخالق، إلا أن المجوس أثبتوا خالقين اثنين، و القدرية أثبتوا خالقِينَ كل واحد يخلق فعل نفسه فهؤلاء يسمون المجوسية لأنهم كذبوا بالقدر و أمنوا  بالشرع بالأوامر و النواهي، و أولئك يسمون المشركية و يسمون جبرية هؤلاء يسمون القدرية النفاة، يسمون القدرية النفاة و هم القدرية المجوسية، و أولئك يسمون القدرية المثبتة و القدرية المجبرة وهم القدرية المشركية، فالقدرية المشركية آمنوا بالقدر و أنكروا الأمر و النهي الشرع، و القدرية المجوسية آمنوا بالشرع و هي الأوامر و النواهي، و أنكروا القدر فأيهما أشد فسادا و بعدا و ضلالا، لا شك أن القدرية المشركية أشد لماذا؟ لأن القدرية المجوسية أثبتوا الشرع  و الأوامر و النواهي، و يعظمون الشرائع و الأوامر و النواهي، أما القدرية المشركية أبطلوا الشرائع و الأوامر و النواهي، تكون الشرائع عبث -و العياذ بالله- و الأوامر و النواهي عبث، و الرسل عبث، -نسأل الله السلامة و العافية- يكون قوم نوح معذورون في شركهم على قولهم -نعوذ بالله- و كذلك قوم هود و قوم صالح -نسأل الله السلامة و العافية- فالقدرية المجوسية آمنوا أثبتوا الأمر و النهي و أنكروا القدر و القدرية المشركية أنكروا الأمر و النهي و أثبتوا القدر.

و هناك طائفة ثالثة: أيضا يسمون الأبليسية آمنوا بالقدر و الشرع آمنوا بالأمر و النهي، آمنوا و بالقدر و الشرع لكن جعلوا هذا تناقضا من الرب قالوا: الرب متناقض  -نعوذ بالله- كيف يقدر كيف يأمر و ينهى و يقدر خلاف ذلك، فتكون الطوائف ثلاث: (المشركية و المجوسية و الإبليسية) المشركية أثبتوا الأمر و النهي وأنكروا القدر، المجوسية بالعكس أثبتوا القدر و أنكروا الأمر و النهي، الإبليسية أثبتوا القدر و الأمر و النهي إلا أنهم جعلوا الرب متناقض، قالوا: هذا يبطل هذا الشرع يبطل القدر و القدر يبطل الشرع، قالوا إن الرب متناقض و هؤلاء سموا إبليسية لأنهم منسوبون إلى إبليس شيخهم  إبليس، شيخهم إبليس الذي اعترض على الله لما قال الله وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ إبليس امتنع قال: لا يمكن أسجد كيف أسجد و أنا خير منه عنصري أحسن من عنصره، عنصر آدم الطين و عنصر إبليس النار و النار أفضل من الطين، كيف و لا يخضع الفاضل للمفضول أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين، أول من قاس قياسا فاسدا هو إبليس القياس الفاسد، ما هو القياس مقابلة النص أمام إبليس اسجدوا لآدم هذا النص ثم رد النص بالقياس الفاسد و هناك -و العياذ بالله- من يعتذر عن إبليس هناك بعض الكفرة و القدرية يعتذرون عن إبليس يقولون: إبليس مسكين مظلوم إبليس مسكين مظلوم أراد أن ينزه جبهته عن السجود لغيره فطرد و لعن ما ذنبه، هذا الذي قال فيه شيخ الإسلام: تساقون طرا إلى النار معشر القدرية -نسأل الله العافية- و هذا كما قال بعضهم عن نفسه:

وَكُنْتُ امْرَأً مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ فَارْتَقَى بِيَ الدَّهْرُ حَتَّى صَارَ إِبْلِيسُ مِنْ جُنْدِي

أنه كان من جند إبليس فارتقى به الحال حتى صار إبليس من جنده هؤلاء يدافعون عن إبليس يقول: يدافعون و يتهمون الرب يقولون: الرب ظالم -نعوذ بالله- الرب ظالم -نعوذ بالله- و إبليس مظلوم لأنه أراد أن ينزه جبهته عن السجود لغيره فطرد و لعن ما ذنبه هؤلاء الكفرة -و العياذ بالله- لا يستغرب هذا إذا كان اليهود قالوا: إن الله فقير و نحن أغنياء، وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ فهؤلاء من جنس مقالتهم هؤلاء أتهموا الرب بالظلم و قالوا: إن الرب متناقض، و لهذا سموا الإبليسية شيخهم إبليس -نسأل الله السلامة و العافية-.

نعوذ بالله من زيغ القلوب و نسأل الله لنا و لكم الثبات على دينه و الاستقامة عليه حتى الممات .

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد