المتن:
الشرح:
قوله: (وَاعْلَم رَحِمَكَ اللهُ)، هذه عادة المؤلف رحمه الله، يقول في أول كل فقرة جديدة (اعْلَم) يعني: تيقن تيقناً جازماً، وهو يدعو ويسأل من الله الرحمة لطالب العلم.
قوله : (أنَّ الكلامَ في الربِّ تعالى محدثٌ)أي :ما يتكلم به أهل الكلام في الخوض في الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله بغير علم، فمنهم من تكلم في الرب فقال: إنه ليس فوق العرش والعياذ بالله، ومنهم من قال: إنه في كل مكان، فهذا كله محدث، وهو كفر وردة والعياذ بالله، فالجهمية الذين يقولون: إن الرب ليس فوق العرش وإنما هو في كل مكان، وكذلك من ينفي النقيضين عن الله، يقول: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به ولا منفصل عنه، هذا الكلام في الرب كفرٌ وضلال، بل الرب فوق العرش، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، فكلام الجهمية في هذه المسألة محدث، وكذلك كلام المعتزلة في نفي الأسماء والصفات، وكذلك كلام الأشاعرة في نفي الصفات ما عدا الصفات السبع، وكذلك نفيهم للإرادة الدينية، ونفي المعتزلة للإرادة الكونية، كل هذا محدث، وهذا المحدث منه ما هو كفر ومنه ما هو دون الكفر، فلم يكن السلف من الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم يتكلمون في الرب بما تكلم به هؤلاء، فالرب أثبت لنفسه الأسماء والصفات، وأثبت أنه فوق العرش، فالواجب إثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، فهؤلاء المبتدعة تجاوزوا ما وصف به الرب نفسه، ووصفه به رسولهﷺ، فكان كلامهم محدثاً، فهو بدعة، وهذه البدعة إما أن تكون مكفرة، كبدعة الجهمية الذين يقولون: إنه ليس فوق العرش، وإنما هو في كل مكان، وإما أن تكون بدعة غير مكفرة كبدعة الأشاعرة الذين يتأولون بقية الصفات ما عدا الصفات السبع.
قوله: (وهو بدعة وضلالة، ولا يتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه في القرآن، وما بينرسول اللهﷺ لأصحابه)، وهذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها إثبات ما وصف به نفسه من الصفات ونفي مماثلته بشيء من المخلوقات "([1])، فلا يتجاوز القرآن والحديث.
قوله: (وهوجلَّ ثَنَاؤهُ واحدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] ) فهو واحدٌ في ذاته، كما قال الله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:1-2]، واحدٌ في أسمائه وصفاته أي: ليس له مثيل، ولا يشبه أحداً من خلقه في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو واحدٌ في ألوهيته، فلا يستحق العبادة أحد غيره. فهو سبحانه واحد، وهو الأحد، وهو الصمد الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، فهو صمد في نفسه، ولا نظير ولا مثيل ولا سمي ولا نِدَّ له، كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11]، وقال سبحانه: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، وقال سبحانه: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
قوله: (رَبُّنَا أولٌ بِلاَ متى)، يعني: لا يوجه إليه هذا السؤال، فلا يقال: متى كان؟ فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وهو الآخر الذي ليس بعده شيء، فهو واجب الوجود بذاته، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، وهو الباطن الذي ليس دونه شيء، كما قال الله في كتابه المبين: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]. فهذان اسمان متقابلان لأوليته وأبديّتِه: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وهذان اسمان متقابلان لفوقيته وعلوه: وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وهو سبحانه لا يشبهه شيء من خلقه. وقد فسر النبي ﷺ هذه الأسماء الأربعة ، حيث قال ﷺ: اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ ([2]).
قوله :( وآخرٌ بِلاَ منتهى)كما ورد في الحديث الذي قدمناه آنفاً.
قوله :(يعلم السِّرَ وأخفى) فصفة العلم من صفاته ، والذي أخفى من السر هو حديث النفس، فهو سبحانه يعلم الكلام الذي تتكلم به سراً، ويعلم ما هو أخفى من ذلك، وهو ما تحدث به نفسك، كما قال : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]. وكما أخبر الله في خطابه لموسى عليه الصلاة والسلام: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه:15].
قوله: ( وعلى عرشهِ استوى) أي: أن الله سبحانه استوى على العرش، والاستواء ذُكر في سبعة مواضع من كتاب الله ، وكلها جاءت بلفظ الاستواء، وتعدت بعلى التي تفيد العلو والارتفاع، وهذه المواضع جاء ذكرها في سورة الأعراف([3]) وفي سورة يونس([4])وفي سورة الرعد([5])وفي سورة طه([6]) وفي سورة الفرقان([7]) وفي سورة السجدة([8])، وفي سورة الحديد([9])، وكلها فيها التصريح بأنه سبحانه استوى على العرش.
ومع ذلك أنكر الاستواء أهل البدع من الجهمية والأشاعرة والمعتزلة، وقالوا معنى استوى: استولى، وهذا لا شك أنه تحريف لمعنى استوى، فإن الله تعالى لو أراد بمعنى استوى: استولى فليس عاجزاً أن يقول: الرحمن على العرش استولى، فلو أراد هذا المعنى لبين ذلك، فاستوى يختلف معناها عن استولى، فمعنى استوى: استقر وارتفع وصعد، واستولى تتضمن نقصاً في حق الرب، وذلك أنه لا يقال للشيء استولى إلا بعد أن كان عاجزاً ثم غلب غيره واستولى عليه .
وأما استدلالهم بقول الشاعر:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ | مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ |
فالجواب: أنه لم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا: إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله ﷺ لاحتاج إلى صحته فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة، وإنما قيل هذا البيت إن صح في بشر بن مروان لما دخل العراق واستوى على كرسي ملكها. فقيل هذا كما يقال: جلس على سرير الملك .
ولم يرد بذلك مجرد الاستيلاء؛ بل استواء منه عليها؛ إذ لو كان كذلك لكان عبد الملك الذي هو الخليفة قد استوى أيضا على العراق وعلى سائر مملكة الإسلام ولكان عمر بن الخطاب قد استوى على العراق وخراسان والشام ومصر وسائر ما فتحه ولكان رسول الله ﷺ قد استوى على اليمن وغيرها مما فتحه. ومعلوم أنه لم يوجد في كلامهم استعمال الاستواء في شيء من هذا .
وأيضا فإنما تحرف عن هذا عند أهل البدع، وقد جاء عن أهل اللغة أن الاستيلاء لا يوصف به إلا من قدر على الشيء بعد العجز عنه، والله تعالى لم يزل قادرا على الأشياء ومستوليا عليها، فامتنع أن يكون بمعنى استولى([10]).
وأيضا فتحريفهم هذا يعتبر زيادة في كلام الله، ولهذا قال العلماء: إن لام الجهمية كنون اليهود، حين قال الله لهم: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:58]، أي: قولوا: حط عنا يا الله ذنوبنا واغفرها لنا، فزادوا في كلام الله واستهزؤوا، فقالوا: حنطة، فزادوا نوناً،وكذلك أخبر الله عن نفسه أنه استوى على العرش، فزادوا لاماً وقالوا: استوى بمعنى استولى - نسأل الله السلامة والعافية - .
وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله تعالى استوى فوق العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، فهو فوق العرش ، فله علو القدر وعلو القهر وعلو الذات
قوله: (وَعِلمُهُ بكلِّ مكانٍ، لا يخلو من عِلمهِ مكانٌ) المعنى: أن علمه كل مكان، يعلم ما في لجة البحار، وما في ظلمات البر والبحر، ويعلم السر، ويعلم دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فهو سبحانه فوق العرش وعلمه في كل مكان.
المتن:
الشرح:
أي: لا يقال في صفات الرب كيف، كأن يقول: كيف استوى؟ أو كيف ينزل؟ أو كيف يعلم؟ أو كيف يسمع؟ أو كيف يبصر؟ فهذا السؤال اعتراض، فلا يوجهه إلى الرب إلا شاكٌ في الله، أما المؤمن المتيقن فلا يوجه هذا السؤال في صفات الله، بل يقول: آمنت بالله وبما جاء عن الله على لسان رسول الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله ، وكذلك لا يوجه لأفعال الله هذا السؤال: لم فعل كذا؟ لم قال كذا؟ لم شرع كذا؟ لم أغنى هذا، ولم أفقر هذا؟ فهذا السؤال باطل، فالسؤال بـلِمَ لا يُوجه إلى أفعال الله، والسؤال بكيف لا يوجه إلى صفات الله، فالذي يوجه هذا السؤال: كيف ولم، يقول عنه المؤلف إنه شاكٌ في الله تبارك وتعالى، أما المتيقن والمسلم فإنَّه إذا بلغه النص في صفات الله يقول: آمنت بالله ورسوله، وسلّمت، ولا يقول كيف؟ وكذلك إذا بلغه شيء من أفعال الله فلا يقول: لمَ؟ بل يُسلِّم ويمتثل الأوامر ويجتنب النواهي.
المتن:
الشرح:
قوله: (القرآن كلام الله وتنزيله ونوره ، ليس بمخلوق)، وهو صفة من صفاته جل وعلا، وهذا هو الصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود. فالقرآن كلامه وتنزيله، أنزله على نبيهﷺ وحياً بواسطة جبرائيل، كما قال : نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].فالقرآن كلام الله وتنزيله قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]، وقال: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:102]، وقال: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48]، وقال: حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الأحقاف:1-2]، وقال: حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [فصلت:1-2]، وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر:1]، وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ [الدخان:3]. إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي فيها بيان أن القرآن كلام الله وتنزيله، نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام على قلب محمدﷺ، قال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195]، فمن قال: إنه مخلوق فقد كفر، وهذا هو قول الأئمة كلهم؛ لأن القرآن الكريم صفة من صفات الله تعالى، فمن قال: إنه مخلوق فقد كفر؛ لأنه جعل صفات الله من جنس المخلوقات، وهذا كفر والعياذ بالله، كما قال الإمام الشافعي:«الْقُرْآنُ كَلَامُ الله غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ»([11])، وهذا على وجه العموم، أما الشخص بعينه فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة.
إذاً القرآن من الله وما كان من الله فليس بمخلوق.
قوله :(وَهَكَذَا قال مالكُ بنُ أنسٍ و أحمدُ بن حنبلٍ والفُقهاءُ قبلهُما وبعدهُما)يعني كلهم قالوا: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وكلهم قالوا: من قال: القرآن مخلوق فقد كفر.
قوله:( والمراءُ فيهِ كُفرٌ)، يعني: الجدال في القرآن كفر؛ لأنه يوقع في الضلال وفي البدعة.
وهذا قد جاء في حديث مرفوع من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ ([12])، وقد قال تعالى: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر: ٣٥]
والجدال والمراء في القرآن قد يكون كفرًا أكبر، وقد يكون كفرًا أصغر:
فإن جادل في آيات الله على وجه التعنت والعناد والإنكار لما دلت عليه،وكان يؤدي إلى إنكار آيات الله وجحدها وعدم الإيمان بها،فيكون كفرًا أكبر.
وإن كان جداله مع الإيمان لكن دون ذلك، فيكون كفرًا أصغر.
المتن:
الشرح
يعني: يجب على المسلم أن يؤمن برؤية الله تعالى يوم القيامة، وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصار رؤوسهم، والنصوص في إثبات الرؤية كثيرة من القرآن العزيز ومن السنة المطهرة:
قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]، فالأولى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ[القيامة:22]، من النضارة والبهاء والحسن، بالضاد أخت الصاد، والثانية: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:23]، بالظاء يعني: تنظر إلى ربها ، قال العلماء: إن هذه الآية صريحة في أن الرؤية تكون بالعين التي في الوجه؛ لأن الله تعالى أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محله، أي: أضاف النظر إلى الوجوه التي هي محل العين، وتعديته بأداةﱡﭐ ﱍ ﱠالصريحة في نظر العين وإخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بـﱡﭐ ﱍ ﱠخلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله أراد بذلك نظر العينالتي في الوجه إلى نفس الرَّبِّ ، ولم يرد الانتظار؛ من أجل ذكر الوجه، ولأنه أدخل فيه إلى وإذا دخلت إلى فسد الانتظار، ثم إن اطراد النصوص بالنظر إلى الله إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ولم يجىء في موضع واحد ترون ثواب ربكم، فتأويله بذلك عين المحال والباطل([13]) .
وأهل البدع يؤولون قوله تعالى: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ بتأويلات باطلة، فبعضهم يقول: ناظرة إلى ثواب ربها، وبعضهم فسرها بالنضرة والنعيم، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ يَعْنِي «حُسْنَهَا» إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ قَالَ: «نَظَرَتْ إِلَى الْخَالِقِ »([14])، فكمل ظواهرهم بالنضرة وبواطنهم بالنظر إليه([15]).
قوله سبحانه: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15]، فدل على أن المؤمنين ليسوا بمحجوبين، قال الإمام أحمد رحمه الله: "فَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ يُرَى"([16])، وأراد رحمه الله أن كون الكفار يُحجبُون دليل على أن المؤمنين لا يُحجبُون.
قوله سبحانه: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، جاء في تفسير مَزِيدٌ أي : النظر إلى وجه الله الكريم([17]) .
قوله سبحانه: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، جاء تفسير هذه الآية بهذا في صحيح مسلم، من حديث صهيب ([18]).
والسنة جاءت بإثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، والنصوص في هذا متواترة في الصحاح والسنن والمسانيد، كما قال العلامة ابن القيم-رحمه الله- "وأما الأحاديث عن النبي ﷺ وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة،وتتبعها ابن القيم في حادي الأرواح فبلغت الثلاثين"([19])،وقال: "إن أهل السنة والجماعة يتلون هذه النصوص ولا شيء أقر لأعينهم من ذلك" ([20]) فهم يتلونها ويستدلون بها، ويُورِّثها السابق للاحق، ويرويها المتأخر عن المتقدم.
قوله: (وهو يحاسبهم بلا حجاب ولا ترجمان) يعني: أن الله تعالى يحاسب خلقه بلا حجاب، لا يحجبه أحد من خلقه، "ولا ترجمان" يعني: ولا واسطة، والتُرجمان ـ بالضم والفتح ـ هو الذي يُترجِم الكلام، أي : ينقله من لغة إلى لغة أخرى([21])، والمعنى : أن الإنسان سيكلمه رَبُّهُولا يحتاج إلى واسطة.
فالله تعالى يحاسب الخلائق يوم القيامة ليس بينه وبين خلقه أحد، لا ترجمان ولا حجاب؛ كما في حديث عدي بن حاتم أن النبي ﷺ قال: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَا وَسَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ وَلَا حَاجِبٌ يَحْجُبُهُ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَا شَيْئًا قَدَّمَهُ, ثُمَّ يَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَا شَيْئًا قَدَّمَهُ, ثُمَّ يَنْظُرُ أَمَامَهُ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ, اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ رواه الشيخان([22]).
المتن:
الشرح:
هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، فهم يؤمنون بالميزان يوم القيامة، أي أن هناك ميزاناً توزن فيه أعمال العباد وأقوالهم ، والله تعالى قادر على أن يزنها، فهي توزن ولو كانت أعراضاً، فإن الله تعالى يجعلها أجساماً، وتكون الخفة والثقل على حسب صلاح العمل، فالذي أعماله صالحة فإنها تثقل في الميزان، والذي أعماله غير صالحة فإنها تخف في الميزان.
ومن معتقد أهل السنة والجماعة أن الميزان له لسان وله كفتان، كما جاء في حديث ابن عباس : " الْمِيزَانُ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ يُوزَنُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَالسَّيِّئَاتُ، فَيُؤْتَى بِالْحَسَنَاتِ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ فَتَثْقُلُ عَلَى السَّيِّئَاتِ "([23])، وجاء في بعض الأحاديث أن كفتي الميزان كأطباق السماوات والأرض ، كما جاء عن سلمان عن النبيﷺ ، قال: يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَوْ وُزِنَ فِيهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ لَوَسِعَتْ ([24])، فهو ميزان حسي، له كفتان ولسان، توزن فيه الأعمال([25])، ويوزن فيه الأشخاص من الجن والإنس على حسب العمل كما جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ - أنه قال : "إِنَّ مِيزَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُنْصَبُ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ، يُسْتَقْبَلُ بِهِ الْعَرْشُ، إِحْدَى كِفَّتَيْهِ عَلَى الْجَنَّةِ، وَالْأُخْرَى عَلَى جَهَنَّمَ، لَوْ وُضِعَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي إِحْدَاهُمَا لَوَ سِعَتْهُنَّ، وَجِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَمُودِهِ يَنْظُرُ إِلَى لِسَانِهِ"([26])، كما قال الله تعالى عن الكفرة: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]، وفي الحديث: إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا، فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105]"([27]).
وثبت في الحديث الصحيح أن عبد الله بن مسعود tكشفت الريح عن ساقيه، وكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ ([28]).
مسألة : اختلف العلماء هل هو ميزان واحد، أو أن هناك موازين متعددة؟
الجواب : من العلماء من قال: إنه ميزان واحد، ومنهم من قال: هي موازين متعددة، لكل شخص ميزان، ولكل أمة ميزان، واستدلوا بقوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء:47]، ومن قال إنه ميزان واحد أجاب عن ذلك بأنها جُمعت باعتبار الموزون، وإلا فهو ميزان واحد.
وتوزن صحائف الأعمال أيضا؛ كما في حديث عبدِ الله بن عمرو بن العاصرَ ضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ : «أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟، أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟»، فَيَقُولُ : «لَا يَا رَبِّ»، فَيَقُولُ : «أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟»، فَيَقُولُ : «لَا يَا رَبِّ»، فَيَقُولُ : «بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً؛ فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ»، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، فَيَقُولُ : «احْضُرْ وَزْنَكَ»، فَيَقُولُ : «يَا رَبِّ، مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ ؟!»، فَقَالَ : «إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ»، قَالَ : فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ؛ فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ ([29]).فالمقصود أنه ميزان حسي، وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة.
وخالف في ذلك أهل البدع كالمعتزلة،فقالوا: ليس هناك ميزان حسي وإنما هو ميزان معنوي، وحجتهم في ذلك قالوا: الرب لا يحتاج إلى الميزان؛ لأنه ليس عاجزاً، والميزان لا يحتاج إليه إلا البقال والفوال، أما الرب فلا يحتاج إلى الميزان، فأنكروا الميزان، وهذا من جهلهم وضلالهم؛ لأنهم يُعملون عقولهم في النصوص، فهذا من أبطل الباطل، فهناك ميزاناً حسياً توزن فيه الأعمال والأشخاص، فمن ثقلت موازينه فهو من السعداء، ومن خفت موازينه فهو من الأشقياء، كما قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:6-11]، ويوزن فيه الخير والشر، هذا هو الصواب.
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي رحمه الله : «فلا يُلْتَفَتُ إلى ملحد معاند يقول : «الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام»؛ فإن الله يقلب الأعراض أجسامًا ....
ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله «لا يحتاج إلى الميزان إلَّا البقَّال والفوَّال»، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزنًا، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلَّا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرُّسُل مبشرين ومنذرين، فكيف ووراء ذلك من الحِكَمِ ما لا اطلاع لنا عليه ؟!»([30]).
المتن:
الشرح:
قوله : (والإيمانُ بعذابِ القبرِ) من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بعذاب القبر، وكان ينبغي للمؤلف أن يقول الإيمان بعذاب القبر ونعيمه، ولكنه لم ينص على النعيم رغم أنه يقابل العذاب، وإذا ثبت العذاب ثبت النعيم، قال الله تعالى في شأن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، ثم قال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فقول الله : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، دل على أن العرض الأول في القبر، وهو قوله: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، أي: قبل يوم القيامة؛ لأنه قال بعد ذلك: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
وقال سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93]، فهذا عذاب القبر.
وقوله سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال:50]، فيضربون وجوههم وأدبارهم أي: عند التوفي، فهذا من عذاب القبر ونعيمه.
ومن السنة نصوص كثيرة، بل إنها قد تبلغ حد التواتر، من ذلك أن النبيﷺ -كما ثبت في الصحيحين وغيرهما- قال: إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ([31]).
وقال النبيﷺ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ([32]).
وثبت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ مَرَّ بقبرين فقال: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ([33]).
وكذلك أيضاً ما جاء في حديث البراء وغيره وفيه: فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ»، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ : «أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ»، فَيَقُولُ لَهُ : «مَنْ أَنْتَ، فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ؟»، فَيَقُولُ : «أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ»، فَيَقُولُ : «رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي»، وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ .... فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ : «أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ»، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ : «أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ»، فَيَقُولُ: «مَنْ أَنْتَ؛ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ؟»، فَيَقُولُ : «أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ»، فَيَقُولُ : «رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَةَ ([34])، كل هذا يدل على إثبات عذاب القبر ونعيمه، فهو حق.
مسألة : هل هناك فرق بين عذاب القبر وفتنة القبر؟
الجواب: نعم، فالعذاب أن يُعذب الإنسان ويُضرب، ويُفتح له باب من النار، والفتنة هي الاختبار والامتحان، فيأتي منكر ونكير يبتليانه ويختبرانه بالسؤال: من ربك؟ ما دينك؟ ومن نبيك؟ ثم تأتي العقوبة بعد ذلك، فيفتن بالسؤال ثم يعذب، فالعذاب شيء والفتنة شيء.
والعذاب نتيجة الفتنة فبعد أن يفتتن يعذب، والفتنة هي الاختبار، فقد يكون مؤمناً وقد يكون كافراً، فالمؤمن يفتن فينجو ويسلمه الله ويجيب، والكافر يفتتن فيهلك، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت.
مسألة: هل هذه الفتنة خاصة بأمة محمدﷺ؟
الجواب: لا، بل هي عامة في كل أحد، قال تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6]، وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65].
قوله: (ومنكر ونكير)، يعني: يجب الإيمان بمنكر ونكير، وهما ملكان يسألان الإنسان في القبر، كما جاء في بعض الأحاديث: إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ - أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ - أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ ([35])، وجاء في حديث أنس : ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ ([36])، فلا بد من الإيمان بمنكر ونكير ، وأنهما فتانا القبر كما جاء هذا اللفظ في حديث عطاء بن يسار وفيه فَإِذَا انْصَرَفُوا عَنْكَ أَتَاكَ فَتَّانَا الْقَبْرِ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ ([37]).
المتن:
الشرح:
قوله : (والإيمان بحوض رسول الله ﷺ )من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بحوض النبي ﷺ، فقد جاء في كثير من الأحاديث إثبات حوض النبي ﷺ، وأنه حوض عظيم، يصب فيه ميزابان من نهر الكوثر من الجنة، وورد أن طوله مسافة شهر، وعرضه مسافة شهر، والآنية التي يشرب فيها عدد نجوم السماء، وهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة ، كما قال النبي ﷺ حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا ([38])- نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الواردين على حوض نبينا ﷺ -.
والأحاديث التي جاءت في إثبات الحوض كثيرة تبلغ حد التواتر، وأنكرها أهل البدع من المعتزلة وأشباههم، وهذا من جهلهم وضلالهم.
ونحن نعلم أن الأحاديث المتواترة قليلة–التواتر اللفظي- تقارب أربعة عشر حديثاً([39])، أما أكثر السُّنة فقد ثبتت بخبر الآحاد؛ لأن خبر الواحد إذا صح سنده واتصل وعدل رواته وجب العمل به في العقائد والأحكام جميعاً، وأكثر ما في الصحيحين -صحيح البخاري وصحيح مسلم - أخبار آحاد ، فالمتواتر هو الذي يرويه جماعة كثيرون يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، عن جماعة آخرين، من أول السند إلى منتهاه ويسندونه إلى محسوس، وما كان دون ذلك فهو خبر الواحد، حيث رواه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو ما دون التواتر.
ومن الأحاديث المتواترة حديث الحوض، وحديث الشفاعة، ومنها حديث: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ ([40])، ومنها حديث: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ([41])، ومنها حديث «نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»([42]). فالأحاديث في إثبات الحوض متواترة، ومع ذلك أنكرها المعتزلة وأهل البدع، وهذا من جهلهم ومن ضلالهم، فيجب الإيمان بحوض نبينا ﷺ .
قوله: (ولكل نبي حوض) في حديث سمرة أن النبي ﷺ قال: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَإِنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً ([43]).
قوله: (إلا صالح النبي ؛ فإن حوضه ضرع ناقته) يعني: أن نبي الله صالحاً ليس له حوض، اكتفاء بالناقة التي أعطيها في الدنيا، فقد كانت تشرب المياه يوماً وتعطيهم من اللبن بقدر ما شربت، وفي اليوم التالي تترك الماء لهم، قال تعالى: قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء:155] ، وجاء في الحديث وَيَبْعَثُ اللَّهُ نَاقَةَ ثَمُودَ لِصَالِحٍ فَيَحْلُبُهَا فَيَشْرَبُهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ حَتَّى تُوَافِيَ بِهَا الْمَوْقِفَ مَعَهُ وَلَهَا رُغَاءٌ ([44]) ، وهذا الحديث لم يصح عن النبي ﷺ ، وعلى هذا فيكون نبي الله صالح له حوض كغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكأن المؤلف رحمه الله لم يعتن بالبحث عن سند هذا الحديث، إما لأنه لم يتيسر له مراجعة الحديث، أو لغير ذلك من الأسباب.
المتن:
الشرح:
قوله : (والإيمانُ بشفاعةِ رسولِ اللهِﷺ للمذنبينَ الخاطئينَ ؛ في القيامةِ ، وعلى الصراط ويخرجهم من جوف جهنم) يجب على المسلم أن يؤمن بشفاعة نبيناﷺ للمذنبين الخاطئين، والخاطئون بمعنى المذنبين، لكن الخاطئ غير المخطئ؛ لأن المخطئ هو الذي فعل الشيء من غير تعمد، وهو مغفور له، بخلاف الخاطئ، فإن المراد به المذنب العاصي المتعمد، فهو أشد إثماً من المخطئ، ففرق بين الخاطئ والمخطئ، ولهذا قال الله تعالى في سورة الحاقة: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [الحاقة:35-37] أي: المذنبون، وإذا ضرب الصراط على جهنم حلت الشفاعة، ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ : اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ([45])، وكذا تحل الشفاعة على أناس دخلوا النار وهم في جوفها ؛ كما في الصحيحين: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا ([46]).
وقد جاء في إثبات الشفاعة أحاديث كثيرة عن النبيﷺ بلغت حد التواتر، وصرحت هذه الأحاديث بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر–أي:من أهل التوحيد - مؤمنون موحدون مصلون، لكن دخلوا النار بذنوب ومعاصٍ ارتكبوها ولم يتوبوا منها، فهذا دخل النار لأنه مات على الزنا من غير توبة، وهذا مات على الربا من غير توبة، وهذا مات على عقوق الوالدين من غير توبة، وهذا مات على قطيعة الرحم من غير توبة، وهؤلاء العصاة الموحدون:
منهم من يعفو الله عنه من أول وهلة، كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
ومنهم من يُعذب في قبره وتسقط عنه عقوبة جهنم بعذاب القبر، كما في حديث ابن عباس أن النبي ﷺمر بقبرين فقال: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ([47]).
ومنهم من تصيبه الأهوال والشدائد في يوم القيامة، ويكون ذلك تكفيراً لذنوبه .
ومنهم من يستحق دخول النار ثم يشفع فيه قبل أن يدخلها .
ومنهم من يدخل النار، ولا بد أن يدخل النار جملة من أهل الكبائر، فقد تواترت الأخبار بهذا.
ونبيناﷺ يشفع أربع شفاعات، في كل مرة يحد الله له حداً ، كما في الحديث فَيَأْتُونِي فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، فَإِذَا أَنَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، قُلْ تُسْمَعْ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ رَبِّي، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَقَعُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَدَعَنِي، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ يَا مُحَمَّدُ، قُلْ تُسْمَعْ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُخْرِجَهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ قَالَ: فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ - قَالَ: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا بَقِيَ فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً ([48])، فهذه أربع شفاعات للنبيﷺ للمذنبين الذين استحقوا دخول النار .
وجاء في بعضها أن في المرة الأولى يقال له: أَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ - أَوْ خَرْدَلَةٍ - مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجْهُ، وفي المرة الثانية: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ([49])، فهذه المرة الثانية في أناس دخلوا النار .
ويشفع كذلك بقية الأنبياء، والملائكة والشهداء والصالحون والأفراط، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، فيخرج قوماً من النار لم يعملوا إحساناً قط، يعني: لم يعملوا شيئا يُذكر زيادة عن التوحيد والإيمان.
ومع كون الأحاديث متواترة في هذا فقد أنكرها الجهمية والمعتزلة والخوارج، وقالوا: إن العاصي مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لا يخرج منها أبد الآباد، فالخوارج قالوا: من زنى كفر ويخلد في النار، من سرق كفر ويخلد في النار، من أكل مال اليتيم كفر، من عق والديه كفر، وهكذا، فحكموا على العصاة بالكفر والخلود في النار، والمعتزلة حكموا عليهم بأنهم خرجوا من الإيمان ولكنه لم يدخل في الكفر، فهو في منزلة بين المنزلتين، ليس بالمؤمن ولا بالكافر، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فقالوا: إنه يخلد في النار ؛ فأنكر عليهم أهل السنة، وبَدَّعُوهُم وضَلَّلُوهم .
تنبيه: قد يوجد بعض الناس -خاصة من الشباب- ممن يتأثر بمذهب الخوارج، فتجدهم يكفرون بعض الناس بالمعاصي، فكل من حكم بغير ما أنزل الله كفَّرُوه، وكل من فعل معصية كفروه، فنقول لهم:العاصي لا يكفر، بل هو ضعيف الإيمان، أو ناقص الإيمان، ففي الصحيحين أن النبيﷺقال: لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ([50])، يعني وهو مؤمن كامل الإيمان، فنفى عنه كمال الإيمان ولم ينف عنه الإيمان، بدليل أن الله أثبت الأخوة بين القاتل والمقتول، مع أن القاتل مرتكب لكبيرة من الكبائر، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:178].
فالإيمان بشفاعة الرسول ﷺ للمذنبين الخاطئين في يوم القيامة حق، وكذلك شفاعة غيره، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، قال عليه الصلاة والسلام: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ([51])، أما الكافر الذي مات على الكفر، فلا حيلة فيه ولا شفاعة له، قال الله تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]، فهذا في أهل الكفر، والخوارج والمعتزلة أخذوا النصوص التي في الكفرة وجعلوها في العصاة الموحدين.
قوله : (وما من نبي إلا له شفاعةوكذلك الصديقون) يشفع الأنبياء، ويشفع الشُّهداء، ويشفع الصديقون، ويشفع أهل القرآن، وتشفع الملائكة، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة،فَيَقُولُ اللَّهُ : «شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَمًا فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ «نَهَرُ الْحَيَاةِ» فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ([52]).
والصديق: على وزن فِعِّيل، وهو من قوي تصديقه وإيمانه بالله، فأحرق بقوة تصديقه الشبهات والشهوات، ومقدمهم فينا الصديق الأكبر أبو بكر، ودرجتهم أعلى من الشهداء، ولما اهتز أُحدٌ وعليه النبي ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان ، قال النبيﷺ: اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ ([53])، فدرجة الصديقين فوق درجة الشهداء، ثم بعدها درجة الشهداء، والشهيد هو الذي بذل نفسه رخيصة في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، فإنه بذل أغلى ما يملك وهي نفسه التي بين جنبيه، فقاتل أعداء الله، لإعلاء كلمة الله ، ثم بعد ذلك درجة الصالحين من المؤمنين على تفاوتهم فيما بينهم، فمنهم السابقون، ومنهم المقتصدون، ومنهم الظالمون لأنفسهم ؛ فالسابقون في أعلى الدرجات، وهم الذين داوموا على الفرائض والنوافل، وتركوا المحرمات والمكروهات، والمقتصدون هم الذين اقتصروا على أداء الفرائض وترك المحرمات، ولم يفعلوا النوافل وقد يفعلون بعض المكروهات، والظالمون لأنفسهم موحدون مؤمنون، لكنهم قصروا في بعض الواجبات، أو فعلوا بعض المحرمات، فهؤلاء عندهم أصل الصلاح وأصل التقوى، فينفعهم هذا الصلاح والتقوى في عدم الخلود في النار، ولكنهم قد يدخلون النار ويعذبون، لكن في النهاية مآلهم إلى الجنة والسلامة.
قوله: (ولله بعد ذلك تفضل كثير فيمن يشاء، والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحماً) ، فالله تعالى يتفضل بعد ذلك على من يشاءمن عباده ، فيخرج برحمته بقية أهل التوحيد الذين لم يشفع فيهم، وقد جاءت الأحاديث التي أثبتت أن المؤمنين العصاة الذين دخلوا النار يحترقون فيها ويصيرون فحماً، وأنهم يخرجون من النار ضبائر ضبائر -أي: جماعات جماعات- بعدما صاروا فحماً، وأنهم يموتون فيها إماتة كما ثبت في صحيح مسلم وغيره ، عن أبي سعيد الخدري قال رسول اللهﷺ : أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ، فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ([54])يعني: البذرة، ثم بعد ذلك يدخلون الجنة.
المتن:
الشرح:
قوله : (والإيمان بالصراط على جهنم، يأخذ الصراط من شاء الله، ويجوز من شاء الله ، ويسقط في جهنم من شاء الله،) يجب على المؤمن أن يؤمن بالصراط، وهو جسر منصوب على متن جهنم، وهذا الجسر حسي لا معنوي، وجاء وصفه في حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين: مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ ([55])،قَالَ أَبُو سَعِيدٍ : "بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرَةِ ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ"([56])، وَعَلَى الصِّرَاطِ خَطَاطِيفُ وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ تخطف من أمرت بخطفه، يمر عليه الناس على قدر أعمالهم، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا ([57])، ونبينا ﷺ قائم على الصراط يقول: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. ([58]) فمن تجاوز الصراط وصل إلى الجنة، ومن سقط سقط في النار -والعياذ بالله - .
فيجب الإيمان بالصراط، وأنه صراط حسي حقيقي، ومن استقام على الصراط المستقيم في هذه الدنيا -وهو توحيد الله، وإخلاص الدين لله، وأداء الواجبات وترك المحرمات- مرَّ على الصراط الحسي كالبرق، ومن تنكب الصراط وانحرف عنه في الدنيا لم يستطع المرور على الصراط الحسي في الآخرة، بل يسقط في جهنم.
فالصراط صراطان:
صراط في الدنيا: وهو دين الإسلام.
صراط في الآخرة: وهو الذي جاء وصفه في الأحاديث أنه على متن جهنم وأنه أدق من الشعرة، وأحد من السيف ، كما جاء في الحديث أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ ([59]).
قوله : (ولهم أنوار على قدر إيمانهم) كما جاء في الحديث أنهم يُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ ذَلِكَ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفِئُ مَرَّةً ، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَهُ ، وَإِذَا طُفِئَ قَامَ ([60]) .
المتن:
الشرح:
قوله:(والإيمانُ بالأنبياءِ والملائكةِ) أي: يجب الإيمان بالأنبياء والملائكة، فالإيمان بالأنبياء والملائكة أصل من أصول الدين والإيمان، فلا يصح الإيمان إلا به، فمن أنكر الملائكة أو أنكر واحداً منهم كفر، ومن أنكر الأنبياء أو أنكر واحداً منهم كفر.
قال الله تعالى في آية البر: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]، هذه خمسة أصول، والأصل السادس جاء في قوله الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49]، وفي حديث جبرائيل المشهور حينما كان يسأل النبيﷺ عن الإيمان فقال: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ([61]).
المتن:
الشرح
قوله : (والإيمان بأن الجنةَ حقٌ والنارَ حق) يجب على المسلم الإيمان بالجنة والنار، فهما يدخلان ضمن الإيمان باليوم الآخر الذي هو أصل من أصول الإيمان وأركانه، وما يكون فيه من البعث، وأن الله يبعث الأجساد ويحاسب الخلائق، وكذلك الإيمان بالميزان والصراط والجنة والنار، فمن أنكر وجود الجنة أو أنكر النار كفر؛ لأنه مكذب لله، قال تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]، وقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، فمن أنكر الجنة أو النار فقد كذّب الله، ومن كذب الله كفر.
قوله: (والجنةُ والنارُ مخلوقتانِ)، أي: مخلوقتان الآن، هذا هو قول أهل السنة والجماعة، أن الجنة والنار الآن مخلوقتان دائمتان لا تفنيان، وأنكر المعتزلة خلقهما الآن، فقالواالجنة والنار لم تخلقا بعد، ولكن سوف يخلقهما الله تعالى يوم القيامة، أما الآن فلا توجد جنة ولا نار، وسبب هذا القول أن المعتزلة يُعملون عقولهم في مقابلة النصوص، فيُعارضون النصوص بعقولهم، وهذا من جهلهم وضلالهم.
شبهة والرد عليها:
المعتزلة يقولون لو قلنا إن الجنة والنار مخلوقتان الآن لصار خلقهما عبثاً؛ لأنهما مخلوقتان وليس فيهما أحد، والعبث محال على الله، فتنزيهاً لله نقول: لا توجد جنة ولا نار الآن؛ لكن يخلقهما الله يوم القيامة حين ينتفع المؤمنون بالجنة ويكون الكفرة في النار.
الجواب:
أولاً: قولكم هذا من أبطل الباطل؛ لأن الله تعالى أثبتهما، ونحن نصدق الله ونؤمن بالله، فقد أخبر تعالى أنهما موجودتان، قال عن الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وقال عن النار: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، فهي مرصدة معدة ومهيأة.
ثانياً: أن خلق الجنة وخلق النار الآن وإعدادهما أبلغ في الزجر وأبلغ في التشديد، فإذا علم العاصي أن النار معدة الآن صار أبلغ في الزجر، وإذا علم المطيع أن الجنة معدة صار أبلغ في الشوق.
ثالثاً: من قال إن خلقهما الآن عبث؟ فالجنة فيها الوِلدان، وفيها الحور، وأرواح المؤمنين تتنعم في الجنة، وأرواح الشهداء تُنعم فيها، كما جاء في الحديث: أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا ([62])، والمؤمن إذا مات نُقلت روحه إلى الجنة على هيئة نسمة طائر يعلق في الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثون ، كما في الحديث إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يُبْعَثُ ([63])، ونعلم أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من نعيمها، والكافر يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها،كما جاء في الحديث فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ»، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وأما الْكَافِرَ... فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ : «أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ»، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا. ([64])
إذاً هناك حكمة وفائدة من خلقهما الآن، فهذا من جهل المعتزلة وضلالهم، حيث إنهم عارضوا النصوص بأفهامهم وآرائهم الفاسدة.
هنا مسألة : ما القول الصحيح الذي ينسب لـشيخ الإسلام في مسألة الجنة والنار؟
الجواب: القول الصحيح أن شيخ الإسلام يقول: إن الجنة والنار مخلوقتان دائمتان لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، وهو ثابت وواضح ، كما قال– رحمه الله تعالى– : "وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك. ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم وهذا قول باطل يخالف كِتَابُ الله وسنة رسوله ﷺ وإجماع سلف الأمة وأئمتها".([65])
قوله: (الجنة في السماء السابعة، وسقفُها العرشُ) هذا جاء في الحديث، قال النبيﷺ: فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ أُرَاهُ: فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ([66])،
قوله :(والنارُ تحتَ الأرضِ السابعةِ السفلىوهما مخلوقتان) أي : أن النار تحت الأرض السابعة السفلى، ويوم القيامة تبرز وتظهر، قال تعالى: وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى [النازعات:36]، ، وفي الحديث: يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ([67])، وتسجر البحار وتكون جزءاً من جهنم–نسأل الله السلامة والعافية ، فالجنة في السماء السابعة التي تظهر للناس ، وسقفها العرش، والنار تحت الأرض السابعة السفلى. وهما مخلوقتان دائمتان لا تفنيان ولا تبيدان.
مسألة : ما هو الدليل على أن مكان الجنة والنار ما ذكر المؤلف؟
الجواب: الدليل حديث: فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ أُرَاهُ: فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وأما النار فهي في أسفل سافلين: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين:7]، أي: أسفل سافلين.
قوله :(قد علم الله عدد أهل الجنة ومن يدخلها، وعدد أهل النار ومن يدخلها) فالله تعالى قدر المقادير، وخلق للجنة أهلاً ؛ وبعمل أهل الجنة يعملون، وللنار أهلاً ؛ وبعمل أهل النار يعملون، فقد كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ كل ما يكون في هذا الكون من أرزاق العباد وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم، والإنسان إذا خلقه الله ومضى عليه أربعة أشهر يأتي إليه الملك بأمر الله، فينفخ فيه الروح، ويقول: يا رب! ما الرزق؟ ما الأجل؟ ما العمل؟ ما الشقاوة؟ ما السعادة؟ ويكتب وهو في بطن أمه شقي أو سعيد، ويكتب رزقه وأجله،كما في حديث عبد الله بن مسعود قال : حدثنا رسول اللهﷺ وهو الصادق المصدوق : إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ([68])، وبماذا يموت ومتى يموت، هل يموت طفلاً أو شاباً أو شيخاً أو كهلاً، صغيراً أو كبيراً، وهل يرزقه الله من الحلال أم من الحرام، فالله تعالى يرزق الحلال والحرام، فيقدر لهذا أن يكون رزقه من الحرام، بأن يأكل من الربا، أو من السرقة، أو من الغصب والنهب، ومنهم من يكون رزقه حلالاً فالرزق والأجل والعمل كل هذا مكتوب .
قوله :(لا تفنيان أبداً، هما مع بقاء الله تبارك وتعالى أبد الآبدين، في دهر الداهرين) الجنة والنار لا تفنيان أبداً،خلافاً للجهمية حيث يقولون إن الجنة والنار تفنيان يوم القيامة، وهذا من جهلهم وضلالهم، وهو من أبطل الباطل.
وقد قال"أبو الهذيل العلاف"([69]) شيخ المعتزلة في القرن الثالث الهجري يقول: يأتي على الجنة والنار وقت تفنى فيه حركات أهلها ويصبحون مثل الحجارة ،ورد عليه ابن القيم رحمه الله فقال" إذا كانت حركات أهل النار ستفنى فما حال من رفع اللقمة إلى فيه ثم انتهت حركته، هل يبقى على هذه الصورة وقد رفع اللقمة إلى فيه؟ وما حال من يجامع الحور؟ وما حال كذا، يبين بشاعة هذا المذهب"([70])، قال ابن القيم في الكافية الشافية([71]):
وَأَبُو الهُذَيلِ يَقُولُ يَفنَى كُلَّمَا | فِيهَا مِنَ الحَرَكَاتِ للسُّكَّانِ |
وَتَصِيرُ دَارُ الخلدِ مَع سُكَّانِها | وَثِمَارِها كَحِجَارَةِ البُنيَانِ |
قَالُوا: وَلُولَا ذَاكَ لَم يَثبُتْ لَنَا | رَبٌّ لِأَجلِ تَسَلسُلِ الأعيانِ |
فَالقَومُ إمَّا جَاحِدُونَ لَرَبِّهِم | أَو مُنكِرُونَ حَقائقَ الإِيمَانِ |
فالمقصود أن قول هؤلاء الجهمية من أبطل الباطل، وهم كفار.
والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق: أن الجنة والنار دائمتان أبداً، لا تفنيان ولا تبيدان، وهما باقيتان مع بقاء الله تبارك وتعالى أبد الآبدين ودهر الداهرين، يعني: إلى ما لا نهاية.
قوله: (وآدم كان في الجنة الباقية المخلوق ، فأخرج منها بعدما عصى الله ). هذا الذي ذهب إليه المؤلف ، بأن آدم كان في الجنة الباقية المخلوقةالتي أعدت للمتقين والمؤمنين يوم القيامة،فأخرج منها، وهو قول بعض أهل العلم .
القول الثاني: أن المراد جنة غيرها جعلها الله له وأسكنه إياها ليست جنة الخلد .
والله تعالى أخبر أنه أُدخل الجنة، وأنه أهبط منها، حتى قال بعضهم: إن الجنة التي أُخرج منها هي بستان من البساتين، لكن ظاهر الأدلة أنها جنة في السماء، لكن هل هي الجنة الباقية أو غيرها؟ فالله أعلم.([72])
المتن:
الشرح:
قوله : (والإيِمانُ بالمسيحِ الدَّجَّالِ)أي: يجب الإيمان بـالمسيح الدجال، وهو رجل من بني آدم، وجاء في حديث الجساسة، وهو حديث تميم الداري الذي رواه مسلم : أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَلَعِبَ بِهِمِ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ، مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا، حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ.....فجعل يسألهم عن أشياء، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ، هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ... ([73]) .
والمسيح يخرج في آخر الزمان، وهو أعور عينه اليمنى، كما في الحديث أَلاَ إِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ([74])، وسمي المسيح؛ لأن عينه ممسوحة.
والمسيح لقب للدجال ولقب لـعيسى بن مريم ، لكن عيسى مسيح الهدى، والدجال مسيح الضلال، ومسيح الهدى يقتل مسيح الضلال في آخر الزمان.
ومما جاء في صفته أنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤها كل مؤمن، كما في الحديث الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ([75])
وسيخرج في آخر الزمان، وإذا خرج فإنه يدعي الصلاح أولاً ، ثم ينتقل فيدعي النبوة، ثم ينتقل فيدعي الربوبية، ويقول للناس: أنا ربكم.
وجاء في "صحيح مسلم"([76])أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا : يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ يعني يمكث في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول طوله سنة، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد قدر ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً، ثم اليوم الثاني طوله شهر، تطلع الشمس ولا تغرب إلا بعد قدر ثلاثين يوماً، ثم اليوم الثالث طوله أسبوع، تطلع الشمس ولا تغرب إلا قدر بعد سبعة أيام، ثم بقية الأيام السبعة والثلاثين طولها كسائر الأيام، أي: مثل أيامنا هذه ، ولا يترك بلداً إلا دخلها إلا مكة والمدينة، فإن عليهما الملائكة تحرسهما، كما في حديث الجساسة السابق وفيه فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا ([77])، لكنه يأتي إلى السبخة التي قرب المدينة وينعق فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر وكافرة، وكل منافق ومنافقة، وكل خبيث وخبيثة، ولا يبقى في المدينة إلا الصالحون، وحينئذ تنفي المدينة خبثها، كما في الحديث فَيَنْزِلُ بِالسِّبْخَةِ، فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ([78])
والمسيح الدجال فتنته فتنة كبيرة، فإن معه صورة الجنة ومعه صورة النار، ابتلاء وامتحاناً، ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، ويقطع رجلاً بالسيف ويمشي بين قطعتيه، ثم يقول له قم، فيستوي قائماً.
وخروج المسيح الدجال هو العلامة الثانية من علامات الساعة الكبرى، والعلامة الأولى هي خروج المهدي، وهو رجل باسم النبيﷺ، وكنيته ككنيته، محمد بن عبد الله المهدي، يُبايع له بين الركن والمقام في وقت ليس للناس فيه إمام، والفتنة تحصر الناس إلى جهة الشام، وفي زمانه يخرج الدجال، ثم ينزل عيسى بن مريم بعد ذلك فيقتل المسيح الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج فهذه العلامات متوالية ، ولا بد من الإيمان بـظهور المسيح الدجال وفتنته العظيمة، حتى قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم : مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ ([79])، ولهذا أمرنا في كل صلاة أن نستعيذ بالله من أربع كما في الحديث إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ([80])، والأحاديث ثابتة في هذا، فلا بد من الإيمان بالمسيح الدجال.
المتن:
الشرح:
قوله : (وبنزولِ عيسى بن مريم ، ينزلُ فيقتلُ الدجالَ) من معتقدات أهل السنة والجماعة الإيمان بنزول عيسى بن مريم، وهو العلامة الثالثة من علامات الساعة الكبرى، فالأولى خروج الإمام المهدي، ثم خروج الدجال، ثم عيسى بن مريم ،فينزل عيسى بن مريم من السماء فيقتل الدجال، ويتزوج وهو حي وموجود الآن .
مسألة: ذكر المصنف رحمه الله أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام قوله : (يتزوج)، فما مستنده في ذلك؟
الجواب: عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في آخر الزمان ويحكم بشريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أما قوله (يتزوج) فقد جاء في بعض الأحاديث أنه يتزوج ويولد له.([81])ومن هنا قاله المؤلف، وجاء في بعضها أنه يمكث سبع سنين ثم يتوفاه الله ويموت الموتة التي كتبها الله عليه، كما في الحديث فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ([82]) أخذاً ببعض الأحاديث.
قوله: (خلف القائم من آل محمدٍ ﷺ ) يعني : خلف المهدي الذي هو إمام المسلمين، وجاء في الحديث: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ([83])، فلا بد من الإيمان بنزول عيسى بن مريم ، قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا [النساء:159]، وفي الحديث يقول النبي ﷺ كما جاء في الصحيحين : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ حَكَمًا مُقْسِطًا وفي رواية : حَكَمًا عَادِلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ([84])، فإذا نزل عيسى فإنه يقوم بكسر الصليب الذي يعبده النصارى؛ ليبين لهم بطلان ما هم عليه من الدين المحرف الباطل .
والنصارى لماذا يعبدون الصليب؟ يقولون: إن عيسى قٌتل وصُلب، فاتخذوا الصليب شعاراً لهم وعبدوه ، وهذا من جهلهم وضلالهم؛ لأنه إذا كان نبيهم قتل وصلب، فكيف يعبدون الصليب، ولماذا يعبدونه؟ فإن فعلهم هذا يوحي بأنهم فرحوا بقتله وصلبه، فإنهم إذا كانوا صادقين في محبة نبيهم وتعظيمه وجب عليهم أن يكرهوا الصليب ويبغضوه ويكسروه، فكيف يعبدون الصليب إذا كانوا صادقين.
وعيسى لم يُقتل ولم يُصلب في الحقيقة، ولكن الله رفعه إليه، قال الله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158]، فإذا نزل كسر الصليب، لبيان بطلان ما عليه النصارى من الدين المحرف، وقتل الخنزير أيضاً، ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف، بمعنى أن النصارى واليهود الآن يخيرون بين الإسلام أو السيف أو الجزية، فهذه الأحكام الثلاثة مستمرة حتى ينزل عيسى، فإذا نزل انتهت الجزية، ولا يبقى إلا الإسلام أو السيف، فقد أخبر النبيﷺ أنه إذا نزل عيسى انتهى هذا الحكم، وهو قبول الجزية، فالجزية مقبولة من اليهود والنصارى إلى نزول عيسى، فإذا نزل انتهى قبول الجزية، ويبقى حكمان: الإسلام أو السيف. ففي الصحيحين أنه ﷺ قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ ﷺ حَكَمًا مُقْسِطًا وفي رواية : حَكَمًا عَادِلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ([85])، يعني: أن الناس يزهدون في الدنيا لقرب الساعة، وظهور علاماتها الكبرى.
قوله : (ويموتُ، ويدفنُهُ المسلمونَ) ؛ كما في المسند وسنن أبي داود من حديث أمر سلمة رضي الله عنها أنه ﷺ قال: ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ([86]) .
المتن:
الشرح:
قوله : (والإيمان بأن الإيمان قول وعمل، وعمل وقول، ونية وإصابة)هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة في الإيمان، فهم يقولون: الإيمان قول وعمل.
والقول المراد به: قول القلب وهو التصديق والإقرار، وقول اللسان وهو النطق.
والعمل المراد به: عمل القلب وهو النية والإخلاص والصدق و المحبة والخشية..، وعمل الجوارح، فيكون الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول باللسان وقول بالقلب، وعمل بالقلب وعمل بالجوارح. والسلف لهم عبارات في تعريف الإيمان، منها أنهم يقولون: "الإيمان قول وعمل– قول القلب وقول اللسان، وعمل القلب وعمل الجوارح- يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان"،وأن: "الإيمان قول وعمل ونية"وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان([87]).
قوله: (يزيد ما شاء الله ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء)فمذهب أهل السنة والجماعةأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية([88])، والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
قول الله تعالى : فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة/١٢٤]» وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الإيمان يزيد وينقص([89]). وقول الله : لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح/٤] . وقوله : وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر/٣١]فالإيمان يزيد وينقص.
وقول المؤلف: (لا يبقى منه شيء)الصواب أنه لا بد أن يبقى منه شيء؛ لأنه إذا لم يبق منه شيء فقد وصل إلى الكفر، فهذه العبارة ليست سليمة، إلا إذا أراد ذلك بالنسبة للكافر فإن ذلك صحيح، فإنه ينتهي حتى لا يبقى منه شيء ، أما المؤمن فلا بد أن يبقى منه شيء، فإذا كثرت المعاصي والجرائم ضعف الإيمان، حتى لا يبقى منه إلا مثقال ذرة، أو أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، لكن صاحبه لا يخلد في النار، ولا ينتهي الإيمان إلا إذا وصل إلى الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر، أما المعاصي - ولو عظمت - فإنها لا تقضي على الإيمان، وهذه البقية من الإيمان هي السبب في خروج العصاة من النار، كما في حديث الشفاعةالمتقدم : أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ ([90]).
مسألة: ما حكم من قال إن الإيمان هو التصديق، وعلى ماذا يحمل قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن الإيمان هوالتصديق، كما في الدرر السنية؟
الجواب: الإيمان تصديق وعمل فلا بد من هذين الأمرين؛ لأن أصل التصديق في القلب ؛ فترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديقوالعلم قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية([91])، والشيخ لم يقل: إن الإيمان هو التصديق وإن العمل خارج من التصديق، فهذا قول المرجئة الذين يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب، والعمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان، والقرآن والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق([92]).
فعليك أن تضم كلام الشيخ بعضه من بعض حتى يتبين لك الحق، لا تكن مثل من يقرأ: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ [الماعون:4] فيسكت ولا يقرأ: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:5]. اقرأ كلام الشيخ من أوله إلى آخره واجمع بين كلامه تجد الحق، وكلام العلماء يُضم بعضه إلى بعض، وكلام الله يُضم بعضه إلى بعض، وكلام الرسولﷺ يُضم بعضه إلى بعض، فلا يأخذ الإنسان ببعض النصوص ويترك البعض الآخر.
مسألة : ما المقصود في قول النبي ﷺ : وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ([93])، في حديث من لم ينكر المنكر بقلبه؟
الجواب: ليس المراد أنه يكون كافراً؛ لأن من لم ينكر المنكر بقلبه يكون عاصياً ، فإذا جلس الإنسان مع قوم يشربون الخمر يجب عليه أن ينكر باللسان إن عجز عن الإنكار باليد، فإن عجز فإنه ينكر بالقلب، والإنكار بالقلب معناه أن يقوم ويتركهم، فإن جلس معهم فليس عنده من الإيمان حبة خردل يتعلق بإنكار المنكر، ويكون حكمه نفس حكم من شرب الخمر في الإثم، ومن جلس مع قوم يكفرون بالله واستطاع أن ينكر ولم ينكر وجلس وسكت، فحكمه في الإثم يكون نفس حكمهم؛ لأنه رضي بالكفر وأقر به، ومن جلس مع قوم يتعاملون بالربا ولم ينكر عليهم فيكون حكمه حكم المرابي، قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140].
المتن:
[25]وخيرُ هذه الأمةِ بعدَ وفاةِ نَبيِّها:أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ، هكذا رُوي لنا عن ابنِ عُمرَ؛ قال: كنَّا نقولُ ورسولُ اللهِﷺبين أظهُرِنا: إنَّ خيرَ الناسِ بعدَ رسولِ اللهِ ﷺ أبو بكرٍ و عمرُ وعثمانُ، ويسمعُ النبي ُﷺ بذلكَ فلا يُنكِرُهُ.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء : عليٌ، وطلحةُ ، والزبيرُ، وسعدٌ ، وسعيدٌ، وعبد الرحمنِ بن عوفٍ، وأبو عبيدةَ بن الجراح، وكلهم يصلح للخلافة.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء : أصحابُ رسولِ الله ﷺ، القرن الأول الذي بُعث فيهم: المهاجرون الأولون والأنصار، وهم من صلى القبلتين.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء : من صحبَ رسولَ اللهِﷺ يوماً أو شهراَ أو سنة أو أقل من ذلك أوأكثر، ترحَّمُ عليهِ وتذكرُ فضلهُ وتكُفُّ عن زَلَّتهِ ، ولا تذكرُ أحداً منهم إلا بخير، لقول رسول الله ﷺ: إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا.
وقال ابن عيينة : "من نطق في أصحابِ رسولِ اللهِﷺ بكلمة فهو صاحب هوى".
وقال النبيﷺ : أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ.
الشرح:
قوله : (وخيرُ هذه الأمةِ بعدَ وفاةِ نَبيِّها:أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ) فأهل السنة والجماعة يعتقدون أن خير هذه الأمة بعد نبيها ﷺ هو أبو بكر .
وهنا مسألة: فيقال إن خير هذه الأمة بعد نبيها عيسى ؛ لأنه إذا نزل يكون فرداً من أفراد هذه الأمة المحمدية؛ لأن كل نبي بعثه الله أخذ عليه الميثاق: لئن بُعث محمد ﷺ وأنت حي لتتبعنه،كما جاء في الأثر قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ، لئن بَعَث محمدًا وَهُوَ حَيّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وأمَرَه أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ: لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَهُمْ أَحْيَاءٌ ليؤمِنُنَّ به ولينصرُنَّه"([94]) ، وقد بُعث النبي ﷺ وعيسى حي، لذلك فإنه ينزل في آخر الزمان فيكون فرداً من أفراد هذه الأمة المحمدية، فهو خير هذه الأمة بعد نبيها؛ لأنه نبي وصحابي أيضاً؛ فقد رأى النبي ﷺ ليلة المعراج حياً ([95])، وبقية الأنبياء رأوه وقد ماتوا بأرواحهم، أما عيسى فرفع بجسده وروحه؛ لأن الصحابي هو من لقي النبي ﷺ مؤمناً به ومات على الإسلام ، فيصدق القول: بأن عيسى خير هذه الأمة، ثم بعد عيسى أبو بكر الصديق ،وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة: أن خير هذه الأمة أبو بكر بعد الأنبياء، ثم يليه عمر بن الخطاب، ثم يليه عثمان، ثم يليه علي .
قوله : (هكذا رُوي لنا عن ابنِ عُمرَ؛ قال: كنَّا نقولُ ورسولُ اللهِﷺ بين أظهُرِنا: إنَّ خيرَ الناسِ بعدَ رسولِ اللهِ ﷺ أبو بكرٍ و عمرُ وعثمانُ، ويسمعُ النبي ُ ﷺ بذلكَ فلا يُنكِرُهُ)
وفي حديث ابن عمررضي الله عنهما وهذا لفظه : "كُنَّا نَتَحَدَّثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، فَيَبْلُغُ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَلَا يُنْكِرُهُ".([96])
قوله: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي) والصواب أن علياً مع الخلفاء الثلاثة، فهم الخلفاء الراشدون، وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، أما ترتيبهم في الخلافة فهذا بالإجماع، وأما ترتيبهم في الفضيلة فاختلف فيه، لأن هناك رواية عن أبي حنيفة أن علياً أفضل من عثمان([97])، ولكن روي عنه أنه رجع وذهب إلى أن عثمان هو الأفضل، فوافق الجماعة ، فيكون إجماعاً للأمة ، قال رحمه الله : « وَأفضل النَّاس بعد النَّبِيين عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر بن الْخطاب الْفَارُوق ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان ذُو النورين ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب المرتضى رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ »([98]).
وأما الخلافة فالخلافة لـعثمان ثم علي ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: (مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ)([99])، و كما جاء عن سفيان الثوري: (من قَدَّمَ علياً على أبي بكر وعمر، فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وأخشى أن لا ينفعه مع ذلك عمل).([100])
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله–:"وكما أجمعت الصحابة على تقديم عثمان في البيعة، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر؛ أيهما أفضل؟
فقدم قوم عثمان، وسكتوا، أو ربعوا بعلي، وقدم قوم علياً ،وقوم توقفوا ، لكن استقر أمر أهل السنة على: تقديم عثمان، ثم علي ، وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة ،لكن المسألة التي يضلل المخالف فيها: مسألة الخلافة ،وذلك بأنهم يؤمنون: بأن الخليفة بعد رسول الله ﷺ: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة؛ فهو أضل من حمار أهله"([101])، لأنه تنقص المهاجرين والأنصار؛ لأنهم أجمعوا على تقديم عثمان ومبايعته بالخلافة.
قوله :(وطلحةُ ، والزبيرُ، وسعدٌ ، وسعيدٌ، وعبد الرحمنِ بن عوفٍ، وأبو عبيدةَ بن الجراح، وكلهم يصلح للخلافة) وهؤلاء بقية العشرة المبشرين بالجنة: طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد بن عمر بن نفيل ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح وهو أمين هذه الأمة([102])، هؤلاء الستة بقية العشرة المبشرين بالجنة، فكل واحد من العشرة يصلح أن يكون خليفة.
قوله: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب القرن الأول الذين بعث فيهم: المهاجرون الأولون والأنصار)، والصواب أن في هذا ترتيباً وأن أفضلهم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، ثم المهاجرون، ثم الأنصار؟
فالترتيب يكون كالتالي :
أولاً: الخلفاء الراشدون الأربعة.
ثانياً : بقية العشرة المبشرون بالجنة.
ثالثاً: أهل بدر.
رابعاً: أهل بيعة الرضوان.
خامساً : المهاجرون.
سادساً : الأنصار، والسابقون الأولون أفضل من غيرهم.
قوله : (وهم من صلى القبلتين)يعني من أدرك الصلاة إلى بيت المقدس والكعبة.
واختلف العلماء في المقصود بالسابقين الأولين على قولين: ([103])
القول الأول : أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين ، لأن النبي ﷺ لما هاجر إلى المدينة توجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، ثم توجه إلى الكعبة.
وهذا القول ضعيف لأمرين:
الأمر الأول: أنه لم يأت دليل يدل على أن السابقين الأولين هم الذين صلوا إلى القبليتين.
الأمر الثاني: أنه ليس هناك فضل خاص لمن صلى إلى القبلة المنسوخة .
القول الثاني: أن السابقين الأولين هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والمراد بالفتح صلح الحديبية لقوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، وقد سئل رسول الله ﷺ عن صلح الحديبية ،"أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ ([104])، فمن أسلم قبل صلح الحديبية وهاجر وأنفق فهو من السابقين الأولين، ومن أسلم بعد صلح الحديبية فليس من السابقين الأولين، فقد فضل الله من أنفق من قبل الفتح وقاتل فقال سبحانه في سورة الحديد: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا[الحديد:10]، ثم قال: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10]، أي: الجنة، فكلهم موعودون بالجنة وإن كانوا متفاوتين، وهذا هو الصواب.
ثم بعد ذلك تأتي المرتبة الثانية:وهم الصحابة الذين أسلموا بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة.
ثم تأتي المرتبة الثالثة: وهم الصحابة الذين أسلموا بعد فتح مكة، ويسمون الطلقاء ، وممن أسلم بعد صلح الحديبية خالد بن الوليد فهو من المرتبة الثانية، وممن أسلم بعد فتح مكة معاوية بن أبي سفيان وأخوه يزيد وأبوه أبو سفيان ويقال لهم الطلقاء؛ لقول النبيﷺ اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ .([105])
وهناك فرق عظيم ومزية بين السابقين الأولين الذين أسلموا قبل صلح الحديبية والذين أسلموا بعدها، حتى إنه لما حصل خلاف بين عبد الرحمن بن عوف وهو من السابقين الأولين و خالد بن الوليد وقد أسلم بعد صلح الحديبية، فقال ﷺ يخاطب خالد بن الوليد : لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، كلهم صحابة لكن المراد الذين لهم الصحبة الأولى، والذين تقدموا في الصحبة، ولهذا قال: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ ([106])، أي: فلو أنفق عبد الرحمن مداً، ملء الكف أو نصف مد، وأنفق خالد مثل أحدٍ ذهباً لسبقه عبد الرحمن فهذا تفاوت عظيم بين الصحابة، فإذا كان هذا التفاوت بين الصحابة، فكيف التفاوت بين الصحابة ومن بعدهم؟!!
فالصحابة هم خير الناس بعد الأنبياء، وهم قوم اختارهم الله لصحبة نبيه والجهاد معه، ونقل الشريعة وحملها وتبليغها للناس، فمن سبهم أو كفَّرهم فلا يكون مؤمناً بل هو منافق زنديق نسأل الله السلامة والعافية.
قوله:(ثم أفضل الناس بعد هؤلاء : من صحبَ رسولَاللهِ ﷺ يوماً أو شهراَ أو سنة، أقل أو كثُر) يعني: الصحابي أفضل ممن جاء بعده، ولا يمكن لأحدٍ أن يلحق الصحابة إلى يوم القيامة.
قوله: (ترحَّمُ عليهِ، وتذكرُ فضلهُ ، وتكُفُّ عن زَلَّتهِ) يعني: عليك أن تترحم على الصحابة فتقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم، وتذكر فضلهم، وتكف عن زلتهم، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ [الحشر:10]، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة: الكف عما شجر بين الصحابة والخلاف الذي وقع بين الصحابة، ونعتقد أنهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، وأن لهم من الفضائل والحسنات والسبق إلى الإسلام والجهاد مع النبي ﷺ ما يغطي ما صدر منهم من الهفوات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الواسطية": ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب؛ فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد ﷺ الذين هم أحق الناس بشفاعته. أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه.
فإذا كان هذا في الذنوب المحققة؛ فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا؛ فلهم أجران، وإن أخطأوا؛ فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور ، ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، من: الإيمان بالله ورسوله، والجهادفي سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح ، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما من الله به عليهم من الفضائل؛ علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء ، لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم هم صفوة الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله"([107])، ولهذا فيجب الكف عن زلاتهم، والذي ينشر معايب الصحابة فهو مريض القلب.
قوله : (ولا تذكرُ أحداً منهم إلا بخير ؛ لقول رسول الله ﷺ: إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا ([108])وقال ابن عيينة ([109]): من نطق في أصحاب رسول اللهﷺ بكلمة فهو صاحب هوى([110])) أي : الذي يتكلم في الصحابة رضوان الله عليهم فهو مبتدع .
قوله : (وقال النبيﷺ: أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ)([111])، هذا الحديث ضعيف باطل سنداً ومتناً([112])، وبعضهم يقول: إنه موضوع، ويستدل به أهل أصول الفقه، وهو باطل سنداً ومتناً، أما سنداً فإنه لا يوجد في أي من دواوين السنة الصحيحة، وأما معنى كونه باطلا من ناحية المتن، فإن قوله: أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ. فإذا اختلف الصحابة، وقال أحدهما: هذا يجوز، وقال الثاني: لا يجوز، فمن يكون المهتدي؟ مثل نكاح المتعة يروى ابن عباس مثلاً: حلال، وقال ابن عمر: حرام، فيقع الإنسان في حيرة بأي نجم يهتدي.
الحواشي:
[1]- مجموع الفتاوى (3/74) ، والصفدية (1/103) ، والتدمرية (1/124) .
[2] - أخرجه مُسْلِم ، كتاب الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، رقم (2713).
[3]- آية رقم 54.
[4]- آية رقم 3.
[5] - آية رقم 2.
[6] - آية رقم 5.
[7] - آية رقم 59.
[8] - آية رقم 4.
[9] - آية رقم 4.
[10] - انظر:الفصل في الملل والنحل (2/97)، وبيان تلبيس الجهمية (4/289)، (8/299)، ومجموع الفتاوى (5/146)، (16/397)، (17/375)، واجتماع الجيوش الإسلامية (2/181)، (2/300) .
[11]- أخرجه الآجري في الشريعة (1/508/176) ، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (2/278/419) .
[12]- أخرجه أبو داود كتاب السنة ، باب النهي عن الجدال في القرآن، رقم: (4603)،والنسائي في الكبرى،رقم: (8039)،وأحمد (7624)، وصححه ابن حبان (74)، والحاكم (2900) .وله شواهد من حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة– أحمد (17814)-، وحديث عمرو بن العاص-أحمد (18098)-، وحديث عبد الله بن عمرو-ابن أبي شيبة (30792)-، وحديث سعد مولى عمرو بن العاص-ابن أبي شيبة (30791)-، وحديث زيد بن ثابت الأنصاري-الطبراني في الكبير (4916)- .
([13]) انظر: اعتقاد الإمام أحمد برواية الخلال (ص111)، والإبانة عن أصول الديانة (ص37)،وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 512/795)،ومجموع الفتاوى (6/489)،وحادي الأرواح (ص 204)، والصواعق المرسلة (1/386) .
[14]- أخرجه الآجري في الشريعة 2/990/584)، والبيهقي في الاعتقاد (ص126)، ونحوه عن مجاهد، كما أرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/ 515/802).
[15]- الصواعق المرسلةفي الرد على الجهمية والمعطلة (1/386)، ومدارج السالكين (3/281) .
[16] -الشريعة للآجري (2/986/578) .
[17] -انظر: تفسير الطبري (22/367) ، وتفسير ابن أبي حاتم (10/3310/18643) ، وتفسير البغوي (7/363) .
[18] -أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (181).
[19] - انظر: حادي الأرواح لابن القيم (ص296).
[20] - انظر حادي الأرواح لابن القيم (ص304).
([21]) «النهاية في غريب الحديث والأثر»(1/186).
([22]) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب من نُوقِش الحساب عُذِّبَ، رقم (6539)، ومسلم، كتاب الزكاة، رقم (1016) من طريق الأعمش به.
[23] - أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1/447)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (6/1245/2210) .
[24]- أخرجه الحاكم في المستدرك (4/629)، وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِم وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» ، ووافقه الذهبي ، و ابن المبارك في الزهد صـ478، والآجري في الشريعة (3/1329/895) موقوفا على سلمان .
[25]- قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/538): قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالْأَعْمَالِ.
[26]- لوامع الأنوار البهية (2/184) .
[27]- أخرجهالبخاري، كتاب تَفْسِيرِ القُرْآنِ ، باب أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ... الْآيَةَ، رقم (4729)، ومُسْلِم، كتاب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، رقم (2785).
[28] -أخرجه أحمد في مسنده : رقم (3991)، وابن حبان : (7069)، والحاكم في المستدرك (3/358/5385) وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، ووافقه الذهبي.
([29]) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب «ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله»، رقم (2639)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب «ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة»، رقم (4300)، وأحمد (2/213).
قال الترمذي : «هذا حديث حسن غريب».
وقال الحاكم : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». «المستدرك» (1/710)
([30])شرح «العقيدة الطحاوية»(ص 474، 475).
[31]- أخرجه البخاري، كتاب الجَنَائِزِ ، باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، رقم (1377)، ومُسْلِم ، كتاب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ ، رقم (588) واللفظ له .
[32]- أخرجه أبو داود، كتاب السُّنَّةِ ، باب فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ ، رقم (4753)، و الترمذي، كتاب الدَّعَوَاتِ، باب مَا جَاءَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ ، رقم (3604)، وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ» .
[33] -أخرجه البخاري، كتاب الوُضُوءِ ، باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ ، رقم (218)، ومُسْلِم ، كتاب الطَّهَارَةِ، رقم (292).
[34] -أخرجه أبو داود ، كتاب السنة، باب فِي الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، رقم (4753)، وأحمد في «المسند» : رقم (18557) – واللفظ له - ، قال البيهقي في شعب الإيمان (1/357): «هذا حديث صحيح الإسناد» ، وقال الهيثمي في المجمع (3/50): « رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ».
[35]- أخرجه الترمذي: أَبْوَابُ الْجَنَائِزِ ، باب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ ، رقم (1071)،وابن حبان : رقم (3117)، والبزار (15/142)، وقال الترمذي: « حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» .
[36] - أخرجه البخاري، كتاب الجَنَائِزِ ، باب: المَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ ، رقم (1338) .
[37] - أخرجه البيهقي في الاعتقاد : بَابُ الإيمان بعذاب القبر نعوذ بالله من عذاب القبر ومن عذاب النار (1/222) ، وقال ورويناه من وجه صحيح عن عطاء بن يسار مرسلاً ، وقال الحافظ في المطالب العالية "رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ إِرْسَالِهِ." (18/471/4531) .
[38] - أخرجهمسلم، كتاب الْفَضَائِلِ، رقم(2292) .
[39] - انظر: التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث، للنووي (ص85)، والمنهل الروي، للكناني (ص31).
[40]- أخرجه البخاري، كتاب الصَّلاَةِ ، باب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا، رقم (450)، ومُسْلِم ، كتاب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةَ ، رقم (533).
[41] -أخرجه البخاري، كتاب العِلْمِ ، باب إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، رقم (110) ، و مُسْلِم : المقدمة ، رقم (3).
[42] -أخرجه مُسْلِم ، كتاب صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ وَقَصْرِهَا ، رقم (825).
[43] -أخرجه الترمذي: أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ ، باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الحَوْضِ ، رقم (2443)، وقال : «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ» .
[44]-انظر: الضعفاء للعقيلي (3/64) ، والموضوعات لابن الجوزي (3/244)، وضعفه – أيضا – ابن حجر في لسان الميزان (5/243).
[45]- أخرجه البخاري، كتاب الإيمان ، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال،رقم (22) ، ومسلم، كتاب الإيمان،رقم (183) .
[46] -أخرجه البخاري، كتاب التَّوْحِيدِ ، باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، رقم(7439) ، ومسلم ، كتاب الْإِيمَانَ ، رقم (183) .
[47]- سبق تخريجه .
[48] -أخرجه البخاري ، كتاب التَّوْحِيدِ ، باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، رقم(7410 ) ، ومسلم، كتاب الْإِيمَانَ ، رقم (193).
[49]- أخرجه البخاري، كتاب التَّوْحِيدِ ، باب كَلاَمِ الرَّبِّ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ الأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ ، رقم (7510)، ومُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (193).
[50]- أخرجه البخاري، كتاب المَظَالِمِ وَالغَصْبِ ، باب النُّهْبَى بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ ، رقم (2475)، ومُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (57).
[51]- أخرجه البخاري، كتاب الدَّعَوَاتِ، باب: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، رقم (6305)، ومُسْلِم واللفظ له ، كتاب الْإِيمَانَ ، رقم (199).
([52]) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب «قول الله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، رقم (7439)، ومسلم، كتاب الإيمان، رقم (183) ـ واللفظ له ـ من حديث أبي سعيد الخدري .
[53]- أخرجهالبخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا، رقم (3675).
[54] - أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (185) .
([55]) أخرجه البخاري،كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، رقم (7439) .
([56]) أخرجه صحيح مسلم - كتاب الإيمان، رقم (183) وهو في المسند (25377) مرفوعا من حديث عائشة رضي الله عنها .
([57]) أخرجه البخاري،كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، رقم (7439) .
[58]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (195) .
[59]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (183).
[60]- أخرجه الحاكم، رقم: (3444) ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وأخرجه الطبراني في "الكبير" (9 / 203) برقم: (8992).
[61]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (8).
[62]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْإِمَارَةِ ، رقم (1887).
[63]- أخرجه الترمذي : أَبْوَابُ فَضَائِلِ الْجِهَادِ، باب مَا جَاءَ فِي ثَوَابِ الشُّهَدَاءِ، رقم (1641)، وابنُ ماجَهْ ، كتاب الزُّهْدِ ، باب ذِكْرِ الْقَبْرِ وَالْبِلَى، رقم (4271) ، والنسائي، كتاب الْجَنَائِزِ، باب أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ ، رقم (2073)، وقال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
[64]- سبق تخريجه .
[65]- مجموع الفتاوى (18/307).
[66]- أخرجه البخاري، كتاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ ، باب دَرَجَاتِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يُقَالُ: هَذِهِ سَبِيلِي وَهَذَا سَبِيلِي ، رقم (2790).
[67]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِيمِهَا وَأَهْلِهَا ، رقم (2842).
[68] - أخرجه البخاري، كتاب بَدْءِ الخَلْقِ ، باب ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ ، رقم (3208) ، ومُسْلِم ، كتاب الْقَدَرِ ، رقم (2643).
[69]- هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول، العبدي البصري، مولى عبد القيس، أبو الهذيل العلاف، شيخ المعتزلة، ورأس البدعة، انظر: تاريخ بغداد (4/136)، والمنتظم (11/234)، ووفيات الأعيان (4/265)، وتاريخ الإسلام (16/473) .
[70]- انظر: الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (3/1192).
[71]- الكافية الشافية (ص350) .
[72]- انظر: حادي الأرواح (1/22-50)، ومفتاح دار السعادة (1/11-32) .
[73]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم(2942).
[74] - أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قَوْلِ اللَّهِ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا [مريم: 16] ، رقم (3439)، و مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (171).
[75] - أخرجه البخاري، كتاب الفِتَنِ ، باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ ، رقم (7131 )، ومُسْلِم واللفظ له ، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم (2933)
[76]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم (2937).
[77]- سبق تخريجه .
[78]- أخرجهالبخاري، كتاب فَضَائِلِ المَدِينَةِ ، باب: لاَ يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَةَ ، رقم (1881)، ومُسْلِم ، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم (2943).
[79]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم (2946).
[80] - سبق تخريجه .
[81]- أخرجه نعيم بن حماد في الفتن (2/ 578) وذكره بدون سند:الديلمي في الفردوس (4/365) وابن الجوزي بسنده في المنتظم من أخبار الملوك والأمم (2/39)، وفي العلل المتناهية (2/433/1529)، وقال: هذا حديث لا يصح . وانظر: تهذيب الاسماء واللغات (2/47)، التذكرة للقرطبي ( 1/755 )، والبداية والنهاية (2/314)، والفتح (6/493 ) ، والاصابة (4/766).
[82]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم (2940)؛ وفي رواية أخرى: أن عيسى سيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى فيصلي عليه المُسْلِمون. أخرجه أبو داود ، رقم (4324)، والحاكم في المستدرك ، رقم (4163)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.
[83]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (156).
[84]- أخرجه البخاري، كتاب البُيُوعِ ، باب قَتْلِ الخِنْزِيرِ ، رقم (2222)، ومُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (155).
[85] -أخرجه البخاري، كتاب المظالم ، باب كسر الصليب وقتل الخنزير، رقم: (3448) .
[86] - أخرجه أبو داود ، كتاب المهدي، باب، رقم: (4286) ، وأحمد (27331)، قال القرطبي في المفهم (7/251): صحيح مشهور .
[87] - انظر: أصول السنة للحميدي (ص37)، والإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص 9)، والسنة للخلال (3/579 /1002)،(4/680 /1011)،صريح السنة لابن جرير الطبري (ص 25)، وحلية الأولياء(9/115)، ومقدمة ابن أبي زيد القيرواني (ص60)، والإيمان لابن منده (2/341)، وأصول السنةلابن أبي زمين (ص207-209)،وعقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني(ص 264)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي(4/932 /1590)،(5/955 - 956 /1591)،(5/956 /1593)،(5/959 /1597)، (5/1023 /1728)،(5/1028 /1735)،،(5/1030 /1742)، (5/1030 /1749)،(5/1035 /1753)، (5/1056 /1789)، والإبانة الكبرى (2/656/843)، والشريعة للآجري (2/607 /224)، وسير أعلام النبلاء (9/179)، (8/468)، وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب(1/130)، (1/203)، (1/286)وجامع العلوم والحكم (1/104).
([88])وعليه اتفاق السلف، انظر: قواعد العقائد (ص260)،ورسالة إلى أهل الثغر (ص 272)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/176)، وشرح النووي على مسلم (1/146)، والتمهيد لابن عبد البر (9/238)، الفتاوى (7/330) (7/ 672)، واجتماع الجيوش الإسلامية (ص 150-152) .
([89])تفسير ابن كثير (2/403).
[90]- سبق تخريجه .
[91]- شرح العقيدة الأصفهانية (ص195) .
[92]- مجموع الفتاوى (7/128) .
[93] -أخرجه مُسْلِم، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (50).
[94] -أخرجه ابن كثير في تفسيره (2/67) .
[95] -أخرجه البخاري، كتاب الصَّلاَةِ، باب : كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ فِي الإِسْرَاءِ؟، رقم (349)، ومُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (162).
[96] -أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (1/520/857) ، والطبراني في الكبير (12/285/13132) ، والخلال في السنة (2/398/577) ، وأصله في البخاري دون لفظ " فَيَبْلُغُ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَلَا يُنْكِرُهُ" .
[97] -انظر : شرح العقيدة الطحاوية (1/ 548).
[98] - الفقه الأكبر (1/41) .
[99] - انظر: منهاج السنة (1/ 369) .
[100] - أخرجه أبونعيم في الحلية (9574)، والخلال في السنة (515)، وابن الأعرابي في المعجم (1702) .
[101]- العقيدة الواسطية (1/171-172) .
[102]- أخرجه البخاري ،كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح ، رقم: (3745) ، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة،رقم: (2420) .
[103] - انظر :تفسير الطبري (14/435-437) ، وتفسير البغوي (4/87) ، وابن كثير (4/203) .
[104]- أخرجه البخاري، كتاب الجِزْيَةِ، رقم (3182)، ومُسْلِم ، كتاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، رقم (1785).
[105] - أخرجه البيهقي في الكبرى (9/199/18275)، وابن هشام في السيرة (2/ 412)، والطبري في تاريخ (3/60) .
[106] -أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ ، باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ :لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا، رقم (3673) ، ومُسْلِم ، كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ ، رقم (2541).
[107]- انظر : العقيدة الواسطية (1/121-122) .
[108]- أخرجه الطبراني في الكبير (10/198/10448) ، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/142/210)، وحسن إسناده الحافظ في الفتح (11/477) .
[109]- هو سفيان بن عيينة ، ابن أبي عمران ، الإِمَامُ الكَبِيْرُ، حَافِظُ العَصْرِ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أبو محمد الهلالي، الكوفي، ثم المكي ، مَوْلِدُهُ: بِالكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَةٍ ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ وَهُوَ حَدَثٌ، بَلْ غُلاَمٌ، وَلَقِيَ الكِبَارَ، وَحَمَلَ عَنْهُم عِلْماً جَمّاً، وَأَتقَنَ، وَجَوَّدَ، وَجَمَعَ، وَصَنَّفَ، وَعُمِّرَ دَهْراً، وَازدَحَمَ الخَلْقُ عَلَيْهِ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ، وَرُحِلَ إِلَيْهِ مِنَ البِلاَدِ، وَأَلْحَقَ الأَحْفَادَ بِالأَجدَادِ ، توفي 193 من الهجرة. انظر : سير أعلام النبلاء (7/414) ،والمنتظم (10/66) ، والأنساب (5/657) .
[110]- ذكره عبد القادر الجيلاني في الغنية لطالبي طريق الحق (1/ 164).
[111] - أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/564/702)، والأجري في الشريعة (4/1690/1166) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/923/1757) .
[112]- قال ابن حزم في الإحكام (5/64): باطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية ، وقال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/923): لا يصح عن النبي ﷺ .ا.هـ