المتن:
[100]واعلم أن العتيق ما كان من وفاة رسول الله ﷺإلى قتل عثمان بن عفان، وكان قتله أول الفُرقة ، وأول الاختلاف، فتحاربت الأمة وتفرقت واتبعت الطمع والأهواءوالميل إلى الدنيا، فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه مما لم يكن عليه أصحابُ محمد رسول اللهﷺ، أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله أو من قبل رجل من أهل البدع ، فهو كمن أحدثه، فمن زعم ذلك أو قال به ، فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة، وأباح البدع، وهو أضر على هذه الأمة من إبليس.
ومن عرف ما ترك أصحاب البدع من السنة ، وما فارقوا فيه فتمسك به فهو صاحب سنة وصاحب جماعة، وحقيق أن يُتبع وأن يعان وأن يحفظ، وهو ممن أوصى به رسول الله ﷺ.
الشرح:
قوله: (واعلم أن العتيق)، يعني: الثابت، وأصل معنى العتيق: القديم، الذي لم يحصل فيه بدع ولا اختلاف (ما كان من وفاة رسول اللهﷺ إلى قتل عثمان بن عفان ، وكان قتله أول الفُرقة وأول الاختلاف) لأن الصحابة اجتمعوا على هذا الدين ولم تدخل الفتن والاختلافات، ولم يتمكن أهل البدع من التسلل إليهم وإحداث الفرقة بينهم منذ وفاة النبي ﷺ إلى قتل عثمان، ثم لما قُتل عثمان فُتح باب الفتن، إذ إن الثوار أحاطوا ببيت أمير المؤمنين عثمان وقتلوه، بعد أن أشاع عبد الله بن سبأ أن أهل البيت مظلومين، وبعد أن أشاعوا عيوباً لـعثمان ، فتجمع عدد من السفهاء في الشام وفي مصر وفي الكوفة، ثم جاءوا وأحاطوا ببيت أمير المؤمنين وقتلوه ، فحصلت الفتن، وخرجت الخوارج، ووُجدت الشيعة، فكان قتله أول الفرقة وأول الاختلاف، فتحاربت الأمة، وبعد ذلك بايع أكثر أهل الحل والعقد أمير المؤمنين علياً ، وامتنع أهل الشام مع معاوية عن البيعة وحصل الخلاف والفرقة، ثم ظهرت الخوارج.
قوله:(وتحاربت الأمة وتفرقت، واتبعت الطمع والأهواء، والميل إلى الدنيا) والمراد غير الصحابة، فقد اتبع الناس الطمع والأهواء والميل إلى الدنيا ممن دخلوا في الإسلام حديثاً، ومن الشباب الذين نشئوا، أما الصحابة فلهم فضلهم ولهم سابقتهم وجهادهم واجتهادهم وأرضاهم.
قوله :(فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه مما لم يكن عليه أصحاب محمد رسول اللهﷺ)لا يرخص للإنسان في البدع التي أحدثوها في شيء لم يكن عليه أصحاب رسول الله ﷺ .
قوله :(أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله أو من قبل رجل من أهل البدع فهو كمن أحدثه) كذلك أن يدعو الإنسان إلى بدعة أحدثها سابق له ، لأن الراضي كالفاعل، ولأن الداعي إلى الشيء راضٍ به، فمن أحدث بدعة فهو مبتدع، ومن دعا إلى بدعة سابقة فهو كمن أحدثها.
قوله :(فمن زعم ذلك أو قال به فقد رد السنة وخالف الحق والجماعةوأباح البدع) يعني: من دعا إلى البدع التي أحدثها غيره فقد رد السنةوالجماعة وهي ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه ، حيث إنه دعا إليها أو أحدثها.
قوله :(وهو أضر على هذه الأمة من إبليس) وهذا الكلام فيه نظر، فكون الذي يدعو إلى البدعة أخطر على الأمة من إبليس فيه نظر؛ لأن البدعة لا تكفر صاحبها فلا يكون أضر من إبليس؛ لأن إبليس يدعو إلى الكفر، فكل كفر وكل زندقة وكل إلحاد وكل شر وفساد يدعو إليه إبليس، فلا يقال: إن من دعا إلى البدعة أضر على هذه الأمة من إبليس، لأن إبليس يدعو كل أحد، ولأنه يدعو إلى الكفر وإلى الإلحاد، وهو فوق البدعة.
قوله:(ومن عرف ما ترك أصحاب البدع من السنة وما فارقوا فيه فتمسك به فهو صاحب سنة وصاحب جماعة ) أي: أن من عرف السنة التي تركها أصحاب البدع، وفارقوا فيها الجماعة، فتمسك بها، فهو صاحب سنة وصاحب جماعة.
قوله :(وحقيق أن يتبع وأن يحفظ وأن يعانوهو ممن أوصى به رسول الله ﷺ) أي: جدير وينبغي أن يتبع، وأن يعان ويحفظ؛ لكونه لزم السنة ؛ فقد أوصى رسول الله ﷺ بلزوم الجماعة، وأوصى باتباع الحق، وأوصى بقبول الحق ممن جاء به
المتن:
الشرح:
لم يذكر المؤلف رحمه الله الأربعة أبواب ، وهذه الأربعة هي: القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج، وقد قال يوسف بن أسباط رحمه الله: «أُصُولُ الْبِدَعِ أَرْبَعَةٌ: الرَّوَافِضُ، وَالْخَوَارِجُ، وَالْقَدَرِيَّةُ، وَالْمُرْجِئَةُ، ثُمَّ تَتَشَعَّبُ كُلُّ فِرْقَةٍ ثَمَانِيَ عَشْرَة طَائِفَةً، فَذَلِكَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً، وَالثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ الْجَمَاعَةُ، الَّتِي قَالَ رَسُولُ الله ﷺ هِيَ النَّاجِيَةُ»، ([1])، وجاء نحوه عن ابن المبارك– كما سيذكره المؤلف لاحقا - ([2])، قال شيخ الإسلام: "وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط ثم عبد الله بن المبارك وهما - إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين"([3])،وهذه هي أصول البدع، فالقدرية هم الذين أنكروا القدر ونفوا قدر الله، والمرجئة هم الذين نفوا أن الأعمال مطلوبة ، وذكر غيره أن أصول البدعة خمسة وزاد الجهمية، ثم تتشعب بقية الفرق، وتكون ثلاثة وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة.
قوله: (انشعب من هذه الأربعة اثنان وسبعون هوى)، أي: تفرع من الفرق الأربع اثنان وسبعون فرقة، وهي التي قال فيها النبي ﷺ : وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ، إِلَّا وَاحِدَةً، قِيلَ: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي. ([4]).
قوله:( ثم يصير كل واحد من البدع يتشعب، حتى تصير كلها إلى ألفين وثمانمائة مقالة) وهذا التحديد فيه نظر، فالمقالات ليس لها حد، والأقوال لا تنحصر، ومعنى الكلام: أن الفرقة تتشعب إلى أقوال متعددة، فقد تكون فرقة واحدة لها عدة أقوال، وكلها ضلالة وكلها في النار إلا واحدة، وهي التي قال فيها النبيﷺ: مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي، فلا يصح تحديد الأقوال، أما الفِرق فالرسول ﷺ حددها وأنها ثلاث وسبعون فرقة.
قوله:(وكلها ضلالة، وكلها في النار إلا واحدة)والضمير يعود إلى الواحدة التي سلمت من النار.
وقوله: (وهو من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة في قلبه ولا شكوك، فهو صاحب سنة، وهو الناجي إن شاء الله) أي: كتاب المؤلف،وكان أولى بالمؤلف أن يقول: وهو من آمن بالكتاب والسنة، وعمل بالكتاب والسنة، واستقام على الدين ؛ لأن هذا الكتاب من وضعه، ووضع البشر معرض للخطأ، وفيه أقوال ضعيفة كما سمعتم، وأقوال مرجوحة ، ولكنه استثنى، وكان الأولى بالمؤلف أن يقول: إن شاء الله أن من آمن بما في هذا الكتاب واعتقده من غير ريبة ولا شكوك فهو صاحب سنة، وهو الناجي إن شاء الله، ليجعل بذلك الخيار لله .
المتن:
الشرح:
في هذا بيان من المؤلف رحمه الله لسبب البدع هو أن أهل البدع ولدوا وشققوا الكلام، وتكلموا في شيء ليس فيه أثر عن رسول الله ولا عن أصحابه، وقد جاء أن تشقيق الكلام من الشيطان ([5]).
قوله:(لو أن الناس وقفوا عند محدثات الأمور ولم يتجاوزوها) أي: وقفوا عند السنة، وهي سنة النبي ﷺ، وعند النصوص، ولم يتجاوزوها إلى محدثات الأمور لم تحصل البدع، لكن مقصود المؤلف رحمه الله أنهم وقفوا عند محدثات الأمور، أي: قبل أن تحدث البدع، ولم يتجاوزوا النصوص من الكتاب والسنة إلى محدثات الأمور.
قوله: (ولم يولدوا كلام مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله ﷺ ولا عن أصحابه لم تكن بدعة) فهذه هي أسباب البدعة.
المتن:
الشرح:
قوله : (واعلم رحمك الله أنه ليس بين العبد وبين أن يكون مؤمناً حتى يصير كافراً ) أي: ليس بين العبد وبين الكفر إلا إذا فعل هذه الأمور، وأن المؤمن يحكم عليه بالإيمان إلا أن يفعل ناقضاً من نواقض الإسلام، أو أن يفعل كفراً أو ردة. ومثل للأشياء التي يرتد بها الإنسان.
قوله :(إلا أن يجحد شيئاً مما أنزله الله تعالى، أو يزيد في كلام الله، أو ينقص، أو ينكر شيئاً مما قال الله ، أو شيئاً مما تكلم به رسول الله ﷺ) أي: يجحد آية من آيات الله، كأن يجحد آية الاستواء، أو يجحد فرضاً من فرائض الإسلام، أو يجحد خبراً أخبر الله به، أو يجحد الجنة أو النار وينكر وجودها، أو يزيد في كلام الله متعمداً، فمن زاد في كلام الله حرفاً ونسبه إلى كلام الله كفر، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة:79] أو ينقص شيئاً من كلام الله فيحذف شيئاً من كلام الله متعمداً، أو ينكر شيئاً مما قال الله ، أو ينكر شيئاً من كلام الرسول ﷺ بعد ثبوته، فيكون كافراً؛ لأن الأصل أن المؤمن يبقى على إيمانه، إلا إذا فعل ناقضاً من نواقض الإسلام أو مكفراً من المكفرات السابقة.
قوله: (فاتق الله رحمك الله) أي: اجعل بينك وبين غضب الله وسخطه وناره وقاية تقيك، وهذا لا يكون إلا بتوحيد الله وإخلاص العبادة له والعمل بالسنة وترك البدعة، وطريق التقوى أن تعبد الله مخلصاً له الدين، وأن تعمل بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وحينئذ تكون قد اتقيت الله.
قوله: (وانظر لنفسك) أي: انظر في الشيء الذي يخلصك من عذاب الله وسخطه، وهو لزوم الكتاب والسنة، والبعد عن البدع.
قوله:(وإياك والغلو في الدينفإنه ليس من طريق الحق في شيء)أي : لا تغل بأن تتجاوز الحد في الأقوال والأفعال، قال الله: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ [النساء: 171] ، فالغلو ليس من طريق الحق.
المتن:
[104]وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب، فهو عن الله، وعن رسول الله ﷺ، وعن أصحابه وعن التابعين، وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع، فاتق الله يا عبد الله، وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضا بما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة، فعسى يردّ الله به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته؛ فينجو به.
فاتق الله، وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب، فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به ودعا إليه ، واحتج به، فإنه دين الله ودين رسول الله ﷺ، فإنه من انتحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب؛ فإنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر، كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها، إلا بصدق النية وخالص اليقين، كذلك لا يقبل الله شيئاً من السنة في ترك بعض، ومن ترك من السنة شيئاً فقد ترك السنة كلها.
فعليك بالقبول، ودع عنك المحك واللجاجة؛ فإنه ليس من دين الله في شيء، وزمانك خاصة زمان سوء، فاتق الله.
الشرح:
قوله:(وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله، وعن رسول اللهﷺ ، وعن أصحابه، وعن التابعين، والقرن الثالث، وإلى القرن الرابع) وهذا الكلام فيه مبالغة من المؤلف رحمه الله؛ لأن هناك بعض المسائل ضعيفة كما مر معنا، وليس لها دليل في الكتاب، أو ليس لها دليل في السنة، فالمراد أغلب ما وصفت لك، لأن أغلب ما في هذا الكتاب له دليل من الكتاب، أو من السنة، أو من الصحابة، أو من التابعين.
قوله:(فاتق الله يا عبد الله!) فكرر الأمر بالتقوى لأهميتها، والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، قال الله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وكلامه عام، فكل مؤمن هو عبد الله.
قوله:(وعليك بالتصديق والتسليم) أي: التصديق لكلام الله وكلام رسوله، والتسليم لأمر الله وأمر رسوله ﷺ وعدم الاعتراض.
قوله:(والتفويض)أن يفوض الإنسان علم ما لا يعلم إلى الله، كتفويض كيفية الصفات وكيفية أمور الآخرة إلى الله.
قوله:(والرضا بما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة فعسى يرد الله به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته فينجو به)، المؤلف يأمر ببث هذا الكتاب.
قوله:(فاتق الله وعليك بالأمر الأول العتيق) وهو ما كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه، وقد جاء ابن مسعود: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ سَتُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مُحْدَثة فَعَلَيْكُمْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ"([6]) ، وعن معاذ بن جبل : "إِيَّاكَ وَالْبِدَعَ وَالتَبَدُّعَ وَالتَّنَطُّعَ وَعَلَيْكَ بِالْأَمْرِ الْعَتِيقِ"([7])، وعن أبي العالية: "إِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الْأَهْوَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ فَإِنَّهَا تُورِثُ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَعَلَيْكُمْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ"([8])،
(وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب) وهذا أيضاً مبالغة من المؤلف رحمه الله؛ لأن هذا الكتاب فيه بعض الأمور التي ليس لها دليل، والمراد أغلب ما في هذا الكتاب.
قوله: (فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب، وبثه وعمل به ودعا إليه واحتج به فإنه دين الله ودين رسوله ﷺ) أي: نشره ، وهذا غلط من المؤلف رحمه الله، فهذا الكتاب ليس دين الله ودين رسوله ﷺ، فدين الله ورسوله ﷺ ما جاء في القرآن العزيز، وسنة رسوله ﷺ ، أما هذا فكلام المؤلف رحمه الله، وفهمه من نصوص الكتاب والسنة، وهو من وضع البشر، والبشر يخطئون ويصيبون.
قوله: (فإنه من انتحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين لله بدين) وهذا فيه مبالغة من المؤلف، فقد مرت معنا أشياء ضعيفة تخالف الصواب، وليس معنى ذلك أن الإنسان لو خالف في مسألة أو مسألتين أو بعض المسائل أنه يخرج من الدين، ولا يدين لله بدين، فلا يكون ذلك إلا إذا أشرك وفعل ناقضاً من نواقض الإسلام ، ومن الخطأ أن يجزم المؤلف بذلك ، فقد ذكر في الكتاب مثلاً مسألة تحريم زواج امرأة بغير ولي، والحنفية يرون جواز ذلك، فلا يعني هذا كفرهم.
قوله :(وقد رده كله) فمن استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب ألزمه المؤلف بأنه ليس يدين لله بدين، وقد رده كله، وهذا ليس بصحيح، بل قد يخالف الإنسان شيئاً من هذا الكتاب مما ليس عليه دليل، أو مستنداً إلى حديث ضعيف، فيخالفه، ولا يلزمه أنه رده كله، فإذا رد الأشياء الضعيفة لا يلزم من هذا أنه رده كله.
ثم شبه ذلك فقال: (كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى، إلا أنه شك في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر) وهذا صحيح، فمن آمن بجميع ما قال الله ثم شك في حرف متعمداً وليس له شبهة، أو شك في حرف من كلام الله فقد رد القرآن كاملاً.
قوله:(كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها إلا بالنية، وخالص اليقين)، لا بد أن يقولها الإنسان عن صدق وإخلاص، كما جاء في الحديث: مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ. ([9])، وفي لفظ: مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ. ([10])، وفي لفظ: غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. ([11]).
قوله:(كذلك لا يقبل الله شيئاً من السنة في ترك بعض ومن ترك شيئاً من السنة فقد ترك السنة كلها) هذا ليس بصحيح، بل إذا ترك بعض المسائل الفرعية فلا يلزم من ذلك أن يكون قد ترك الدين، فلا يلزم أنه إذا حلق اللحية أن يكون ترك الدين كله، وترك السنة كلها، بل إنه عاصٍ.إلا إذا لم يقبله ويؤمن به، كما قال الإمام أحمد في أصول السنة:"ومن السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقبلها ويؤمن بها لم يكن من أهلها"([12])، وبنحوه عن علي بن المديني([13])، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا تجد أحدا ترك بعض السنة التي يجب التصديق بها والعمل إلا وقع في بدعة ولا تجد صاحب بدعة إلا ترك شيئا من السنة كما جاء في الحديث: مَا ابتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلَّا تَرَكُوا مِنَ السُّنَّةِ مِثْلَهَا رواه الإمام أحمد([14]). وقد قال تعالى: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ ([15])، وقد قال سفيان بن عيينة: " السُّنَّةُ عَشَرَةٌ ، فَمَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ السُّنَّةَ ، وَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ: إِثْبَاتُ الْقَدَرِ ، وَتَقْدِيمُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَالْحَوْضُ ، وَالشَّفَاعَةُ ، وَالْمِيزَانُ ، وَالصِّرَاطُ ، وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ ، وَعَذَابُ الْقَبْرِ ، وَالْبَعْثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا تَقْطَعُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى مُسْلِمٍ "([16]).
قوله :(فعليك بالقبول، ودع عنك المحك واللجاجة فإنه ليس من دين الله في شيء) أي: اترك اللجاجة والخصومة والجدال فإنه ليس من الدين .
قوله:(وزمانك خاصة زمان سوء) وهذا في زمان المؤلف، في القرن الرابع الهجري، فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟!
قوله:(فاتق الله)، أي: بالاستقامة على دين الله، وإخلاص العبادة لله، حتى تسلم من غضب الله.
المتن:
الشرح:
قوله: (إذا وقعت الفتنة فالزم جوف بيتك، وفر من جوار الفتنة) أي: كالقتال بين المسلمين، فالزم بيتك ولا تخرج مع الفتنة، وهذا مأخوذ من حديث: إِيَّاكُمْ وَالْفِتَنَ. ([17])، وجاء في الحديث الحسن: كَسِّرُوا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ يَعْنِي فِي الْفِتْنَةِ، وَالْزَمُوا أَجْوَافَ الْبُيُوتِ، وَكُونُوا فِيهَا كَالْخَيِّرِ مِنْ ابَنِي آدَمَ. ([18])، وفي الحديث الآخر: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ. ([19])، وفي الحديث الآخر: فَإِنْ أَدْرَكَكَ ذَاكَ، فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ. ([20])، ولا تكن مع الناس في القتال ؛فلا تشترك معهم في الفتنة؛ كما جاء في الحديث: إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ العَوَامَّ. ([21]).
قوله :(وفر من جوار الفتنة)، فلا تكن بجوارها، سواء كانت هذه الفتنة: فتنة الحروب، أو فتنة الشبهات، أو فتنة الشهوات.
قوله:(وإياك والعصبية) أي: لا تتعصب لقبيلتك، ولا لأقاربك.
قوله:(وكل ما كان من قتال بين المسلمين على الدنيا فهو فتنة) ولو كان قتال العصبية فهذا من الفتن، وهو من الأعمال الكفرية، قال عليه الصلاة والسلام: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. ([22])، والمراد: أنالقتال بين المسلمين على الدنيا من الكفر الأصغر.
قوله:(فاتق الله وحده لا شريك له، ولا تخرج فيها)، أي: في الفتنة (ولا تقاتل فيها).
قوله:(ولا تهو) بأن تحب القتال (ولا تشايع ولا تمايل، ولا تحب شيئاً من أمورهم، فإنه يقال: من أحب فعال قوم - خيراً كان أو شراً - كان كمن عمله) من شايع أهل الفتن وافقهم، ولا تحب شيئاً من أمورهم، ولا من أمور أهل العصبية وأهل الجاهلية وأهل البدع ،فإنه يقال: من أحب فعال قوم -خيراً كان أو شراً- كان كمن عمله.
قوله:(وفقنا الله وإياك لمرضاته) وهو ما يرضي الله وهو التوحيد، وإخلاص الدين له، ولزوم السنة وترك البدعة والمنكرات (وجنبنا وإياكم معصيته) .
المتن:
الشرح:
قوله: (أقل النظر في النجوم إلا ما تستعين به على مواقيت الصلاة) أي: لا تنظر في النجوم.
والنظر في النجوم له أحوال ثلاثة:
الحالة الأولى: النظر في النجوم معتقداً أنها مؤثرة في الحوادث الأرضية، من الحروب، والأمراض، والأمطار، وغلاء الأسعار، وقيام الدول وزوالها، وهذا شرك أكبر في الربوبية، وهو شرك قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذين بعث فيهم وهم الصابئة، فقد كان يعتقد الواحد منهم أن النجوم هي المؤثرة في الحوادث الأرضية.
الحالة الثانية: أن ينظر في النجوم ويدعي بها علم الغيب، ولا يعتقد أنها مؤثرة، بل يعتقد أن المؤثر هو الله، لكن يستدل بها على دعوى الغيب، فإذا اجتمعت النجوم أو افترقت، أو غابت أو طلعت، استدل بذلك على علم الغيب، وقال: إذا طلع النجم الثاني نزل المطر، أو غاب النجم الثاني ارتفعت الأسعار، أو إذا طلع النجم الثاني ولد عظيم أو مات عظيم، وهذه أيضاً دعوى بعلم الغيب، وهي كفر.
الحالة الثالثة: علم التسيير، بأن ينظر في النجوم ليستدل به على معرفة القبلة، فينظر في النجوم لمعرفة فصول السنة، ومعرفة أوقات البذر للفلاحين والمزارعين، ومعرفة أوقات الصلوات، أو ينظر في النجوم ليعرف الطرق يهتدى بها في البر أو في البحر، كما قال الله تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الأنعام: ٩٧، قال الله تعالى وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ النحل: ١٦.
قال قتادة رحمه الله : "خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ"([23])، فهذا لا بأس به في أصح أقوال العلماء، ومع ذلك فإن بعض العلماء منع ذلك؛ سداً للذريعة، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:"وَكَرِهَ قَتَادَةُ تَعَلُّمَ مَنَازِلِ القَمَرِ، وَلَمْ يُرَخِّصِ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِيْهِ. ذَكَرَهُ حَرْبٌ عَنْهُمَا. وَرَخَّصَ فِي تَعَلُّمِ المَنَازِلِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ "([24]).
والصحيح أن هذا النوع لا بأس به ، أما النوع الأول والثاني فيقال له: علم التأثير، وهذا هو مقصود المؤلف رحمه الله .
قوله:(واله عما سوى ذلك فإنه يدعو إلى الزندقة)، أي: تشاغل واترك ما سوى ذلك؛ فإنه يدعو إلى الزندقة والنفاق.
المتن:
الشرح:
قوله:(وإياك والنظر في الكلام) أي: الخوض في الكلام مثل ما خاض الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فقد تكلموا في الصفات وفي الأسماء.
قوله:(والجلوس إلى أصحاب الكلام) فلا تجلس معهم؛ لئلا يضروك ويُعدوك.
قوله:(وعليك بالآثار وأهل الآثار) أي: النصوص والأحاديث.
قوله:(وإياهم فاسأل) أي: اسأل أهل الحديث، فإذا أشكل عليك شيء فاسأل أهل الحديث؛ لأن كل مسألة تحتاج إلى دليل من الحديث.
قوله:(ومعهم فاجلس، ومنهم فاقتبس) وكما قال الإمام الشافعي: «لَئِنْ يُبْتَلَى الْمَرْءُ بِكُلِّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مَا عَدَا الشِّرْكِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْكَلَامِ»([25]) ، وقال: "مَا ارتدى أحد بالْكلَام فأفلح"([26])، وقال الإمام أحمد رحمه الله: «لَا يُفْلِحُ صَاحِبُ كَلَامٍ أَبَدًا» ([27]) ، وقال أيضاً: "لَا تُجَالِسْ صَاحِبَ كَلَامٍ ، وَإِنْ ذَبَّ عَنِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَؤولُ أَمْرُهُ إِلَى خَيْرٍ"([28])، وقال: "كُلُّ مَنْ كَانَ صَاحِبَ كَلَامٍ، فَلَيْسَ يَنْزِعُ إِلَى خَيْرٍ»"([29])، وكل هذه النصوص فيها تحذير من أهل الكلام.
المتن:
الشرح:
قوله : (واعلم أنه ما عُبِدَ الله بمثل الخوف من الله) فالإنسان يعبد الله بالخوف ويعبده أيضاً بالرجاء والحب، وهذه أركان العبادة ؛ فالإنسان يخاف من ذنوبه ومعاصيه، إلا أن هذا الخوف يرافقه الرجاء؛ حتى لا يكون سوء ظن بالله؛ لأنه لو لم يكن معه رجاء لصار الخوف يؤدي به إلى القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، وسوء الظن بالله، لكن الرجاء يمنعه. وكذلك على الإنسان أن يرجو الله، إلا أن هذا الرجاء يرافقه خوف؛ ولو لم يكن كذلك لاستخف الإنسان إتيان المعاصي.
ولهذا يقول العلماء: إنه لا بد من هذه الأركان الثلاثة: حب، وخوف، ورجاء، ومن عبد الله بواحد منها فإنه لم يعبد الله، فمن عبد الله بالحب وحده كان زنديقاً، فهذه طريقة الزنادقة الصوفية، كما يذكر في كتب الوعظ عن رابعة العدوية أنها قالت: "ما عبدته خوفاً من ناره ولا حباً لجنته فأكون كالأجير السوء بل عبدته حباً له وشوقاً إليه"([30])، وهذا غلط، فالله تعالى قال: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا[الأنبياء:90]، وقال عن المتقين: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16]، وقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57] فلا بد من الرجاء والخوف.
قوله:(وطريق الخوف والحزن والشفقات والحياء من الله تبارك وتعالى) كما سبق أنه لا بد أن يكون مع الخوف رجاء وحب؛ لأن الخوف وحده يوصل إلى التشاؤم، وسوء الظن بالله والقنوط، ولا بد أن يكون مع الرجاء خوف حتى لا يسترسل الإنسان في المعاصي.
المتن:
الشرح:
قوله: (احذر أن تجلس مع من يدعو إلى الشوق والمحبة) وهم الصوفية، فهم يدعون إلى المحبة فقط، بدون خوف وبدون رجاء، كما تقدم عن رابعة العدوية أنها قالت: "ما عبدته خوفاً من ناره ولا حباً لجنته فأكون كالأجير السوء بل عبدته حباً له وشوقاً إليه"([31])، وبعضهم يذكر العشق والعياذ بالله، ولم يأت في وصف المحبة العشق، إنما جاءت المحبة والود والخلة، فالصوفية يزعمون أن عندهم الشوق إلى الله وعشق الله، قبحهم الله.
فالمؤلف يقول: احذر أن تجلس مع من يدعو إلى هذا؛ لأنهم على الباطل.
قوله : (ومن يخلو مع النساء) لأنها وسيلة للفاحشة، قال عليه الصلاة والسلام: لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ. ([32]).
قوله: (وطريق المذهب ، فإن هؤلاء كلهم على الضلالة) لعله يقصد مذهب الصوفية، فمن يدعو إلى الشوق وحده، ومن يخلو بالنساء فهو على ضلالة.
المتن:
الشرح:
قوله:(واعلم) أي: تيقن، وهو حفظ الذهن الجازم.
قوله:(رحمك الله) دعاء بالرحمة، أي: أسأل الله أن يرحمك.
قوله:(أن الله تبارك وتعالى دعا الخلق كلهم إلى عبادته)وهذا لا شك فيه، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1] . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33]، فالله تعالى دعا الخلق كلهم إلى عبادته، فكلهم مأمورون بتقوى الله وعبادته.
قوله :( ومنَّ بعد ذلك على من شاء بالإسلام تفضلاً منه) فمنهم من أسلم ، ومنهم من كفر.
المتن:
الشرح:
قوله: (والكف عن حرب علي ومعاوية) إذاً يجب عليك أن تكف عن الكلام في الحروب التي حصلت بين علي ومعاوية، ولا تتكلم فيهم؛ فإن هذا وقع عن اجتهاد، والمجتهد إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
قوله : (وعائشة وطلحة والزبير، ومن كان معهم) وكذلك ما حصل بين عائشة وطلحة والزبير لما جاءوا إلى المطالبة بدم عثمان، ثم وقعت واقعة الجمل، وكذلك من كان معهم، فلا يجوز للإنسان أن يتكلم فيهم.
والصحابة ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر الاجتهاد وفاته أجر الصواب، ولهم من الحسنات والسبق إلى الإسلام، وصحبة رسول الله ﷺ ، والجهاد في سبيله، ونشر دين الإسلام، ما يغطي ما صدر منهم من الهفوات.
وهذه الأخبار التي تذكر في كتب التاريخ عن الصحابة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: (هذه الآثار المروية في مساويهم؛ منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه. والصحيح منه هم فيه معذورون؛ إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون)([33]).
فهذه أقسام الأخبار التي تروى عن الصحابة:
1- قسم كذب لا أساس له من الصحة.
2- قسم له أصل، لكن زيد فيه ونقص، وغير عن وجهه.
3- قسم صحيح، وهذا الصحيح هم فيه ما بين:مجتهد مصيب له أجران . مجتهد مخطئ له أجر واحد.
قوله : (ولا تخاصم، وكِل أمرهم إلى الله تبارك وتعالى) أي: فوض أمرهم إلى الله، فإن رسول الله ﷺ.
قوله: (فإن رسول الله ﷺ قال: إِيَّاكُم وَذِكرَ أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي وَأَخْتَانِي)([34])، هذا الحديث لا يصح.
قوله: أَصْحَابِي جمع صاحب، والصحابي أصح ما وقفت عليه من ذلك : أن الصحابي من لقي النبي ﷺمؤمنًا به، ومات على الإسلام([35])،من لقي النبي ﷺ مؤمناً ولو لحظة ومات على الإسلام.
قوله : وَأَصْهَارِي يعني: أنسابه من أقارب زوجاته، أو أزواج بناته وأقاربه، سواء كانوا من أقارب زوجاته، أو أقارب أزواج بناته.
قوله : وَأَخْتَانِي. وهم أقارب الزوجة.
وقد وردت أحاديث أخرى في فضل الصحابة، منها ما في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ. ([36])، وجاء في سنن الترمذي: اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ. ([37]).
قوله: (وقوله: إِِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَظَرَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.) هذا ثابت في الصحيحين([38]) ، والعلماء يقولون: الخلفاء الراشدون أفضل الصحابة، ثم بقية العشرة، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم أهل بدر.
ومعنى قول الله تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. ليس إذناً بالمعاصي، بل إن المعنى: أن أهل بدر مسددون، وأن الواحد منهم إذا وقعت منه زلة لا بد أن يتوب، أو يطهر بأن يقام عليه الحد، أو يغفر الله له، وإلا فإن الواحد منهم ليس بمعصوماً، ولهذا لما كتب حاطب بن أبي بلتعة للمشركين بخبر النبي ﷺ متأولاً، وجاء إلى النبي ﷺ وسأله، قال: يا رسول الله! لا تعجل علي، فإني ما فعلت ذلك كفراً وارتداداً عن دين الله، ولا رضاً بالكفر، ولكن أردت أن أتخذ يداً عندهم فيحمون بها عشيرتي وأهلي، فقال عمر : يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق فإنه قد خان الله ورسوله، فقال النبي ﷺ هذا الحديث: وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. وفي رواية: أن النبيﷺ قال: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ. ([39])، وقبل النبيﷺ عذره، ومنع قتله، فلم يقتله وقد تجسس على المسلمين، ومن تجسس على المسلمين يُقتل، وحاطب تجسس على المسلمين، ولم يقتله النبي ﷺ لأمرين:
الأمر الأول: أنه صادق متأول.
الأمر الثاني: لأنه شهد بدراً.
لكن لو تجسس رجل على المسلمين وأخبر الكفار بأخبار المسلمين، وقال: إنه متأول مثل حاطب ، فلا يكون مثل حاطب، لأن هذا خاص بـحاطب ، فيقتل من تجسس على المسلمين.
المتن:
الشرح:
قوله: (واعلم) أي: تيقن، (رحمك الله): دعاء بالرحمة.
قوله: (أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه) وهذا اللفظ جاء في حديث يقول فيه النبي ﷺ: لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. ([40])، والله تعالى يقول: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]. وقال سبحانه: يَاأَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، فـ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِةٍ مِن نَفْسِهِ.
قوله: (وإن كان مع رجل مال حرام فقد ضمنه، لا يحل لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا بإذنه؛ فإنه عسى أن يتوب هذا فيريد أن يرده على أربابه فأخذت حراماً) أي: إذا كان رجل معه مال حرام فهو ضامن ، ولا يحل لأحد أن يأكل منه شيئاً إلا بإذنه ، ويكون قد ضمنه، كأن يسرق مالاً من شخص، أو يجحد ديناً، فيكون ضامناً، فلا بد أن يؤديه إلى صاحبه، فإذا جئت إلى شخص ووجدت معه مالاً حراماً، فلا يجوز لك أن تأخذ المال، وإذا قال رجل: أريد أن آخذه، فلا يجوز؛ فإنه عسى أن يتوب هذا الرجل أي: الذي أخذ المال الحرام، فيريد أن يرد المال على أربابه أي: أصحابه، فتكون أخذت حراماً لا يحل لك؛ لأمرين:
الأمر الأول: أن هذا الشخص الذي أخذ المال الحرام ضامن له.
الأمر الثاني: أنه عسى أن يتوب فيرده إلى أصحابه.
المتن:
الشرح:
قوله:(المكاسب مطلقة ما بان لك صحته فهو مطلق، إلا ما ظهر فساده) أي: أصلها على الحل، فلك أن تأخذه، فالأصل في البيع الحل، إلا ما دل الدليل على تحريمه كالربا والرشوة والغش والخداع ، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29] فالمكاسب مطلقة.
قوله:(وإن كان فاسداً يأخذ من الفساد مسيكة نفسه) أي: إذا لم يجد مالاً حلالاً يأخذ من الحرام، وهو المال الفاسد الضروري، وهو المال الذي يمسك به نفسه ويقيم به أولاده، ولا يأخذ زيادة على ذلك ، فلو فرضنا أنه عم الحرام الأرض ولا يوجد مال حلال، فعليه أن يكسب ولكن بقدر ما يأكل ولا يكسب تجارة من المال الفاسد، يعني: يأخذ من المال الفاسد الضروري ليمسك به نفسه.
قوله: (لا تقول: أترك المكاسب وآخذ ما أعطوني) لا تقول: إذا عم الأرض الكسب الخبيث، فلا أكسب ولكن أتكفف الناس فإذا أعطوني أخذت، فهذا لا يجوز، فكونك تكسب مالاً ولو كان رديئاً بقدر ما تقيم به نفسك، خير لك من أن تسأل الناس.
قوله: (لم يفعل هذا الصحابة، ولا العلماء إلى زماننا هذا)، أي: يتركون الكسب الرديء ويسألون الناس.
قوله:(وقال عمر : كسب فيه بعض الدنية خير من الحاجة إلى الناس) هذا الأثر أخرجه ابن أبي الدنيا([41])، ومعناه: دنيء في طبعه مثل كسب الحجام وغيره، فكونه يكتسب من الحجامة أحسن من كونه يسأل الناس، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: لَئنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ. ([42]).
المتن:
الشرح:
قوله: (والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت خلفه)، أي: خلف البر والفاجر، إلا أن يكون مبتدعاً بدعته مكفرة.
والصلاة خلف الفاسق والمبتدع فيها تفصيل عند أهل العلم، فقد اختلف العلماء في الصلاة خلف الفاسق والمبتدع الذي لا يصل فسقه ولا بدعته إلى الكفر، قال العلماء: إن كان إمام المسلمين فيصلى خلفه والصلاة صحيحة، أو كان لا يوجد في البلد إلا مسجد واحد وإمامه فاسق أو مبتدع فتصلي خلفه، ومن لم يصل خلفه فهو مبتدع، يعني: إما أن تصلي خلفه، وإما أن تصلي في البيت، وإن صليت في البيت فأنت مبتدع ، أما إذا وجد مسجدا آخر إمامه عدل، ومسجدا آخر فيه إمامه مبتدع أو فاسق، فإن كان يحصل بترك فتنة أو مفسدة، فصل خلف المبتدع درءاً للمفسدة، وإن كانت لا تحصل فتنة أو مفسدة، فصل خلف السني.
أما الصلاة خلف الفاسق – غير السلطان، ومن لم تكن ثَم فتنة بترك الصلاة خلفه- فالأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلفه ([43]) ، واختلفوا في صحتها على قولين:
القول الأول: أنها لا تصح، وهو المذهب ومذهب والمالكية([44]) .
القول الثاني: تصح الصلاة خلف الفاسق ،وهم الجمهور([45]) .
والصواب أنها تصح؛ لقول النبي ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري : يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ. ([46]) يعني: أئمة المسلمين، وقد صلى الصحابة خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكان فاسقاً ظالماً يقتل الكثير ؛ فقد قتل الألوف، وصلوا خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر حين كان أمير الكوفة.
أما إذا كانت البدعة والفسق تؤدي بصاحبها إلى الكفر، فلا تصح الصلاة، فالقاعدة تقول: الصلاة خلف الكافر لا تصح بالإجماع، وإذا صليت وجب أن تعيد الصلاة، مثل وثني يدعو غير الله، وهذا يوجد بكثرة في بعض البلدان، كقبوري يدعو غير الله، أو يذبح للأولياء، أو ينذر لغير الله، أو يطوف بغير بيت الله، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، وإذا صليت وأنت لا تدري ثم علمت تعيد الصلاة.
قوله: (إلا أن يكون جهمياً؛ فإنه معطل)لأن الجهمي كافر ، وهو من يقول: إن الله في كل مكان، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، أو قدري يقول: إن الله لا يعلم الأشياء قبل كونها، أو رافضي، لا تصح الصلاة خلفهم فهم كفرة، فإذا صليت خلف رافضي أو قدري أو جهمي أو قبوري وثني، فلا تصح صلاتك.
قوله: (وإن صليت خلفه فأعد صلاتك، وإن كان إمامك يوم الجمعة جهمياً، وهو سلطان فصل خلفه وأعد صلاتك) والفائدة من الصلاة خلفه مع أنك ستعيد الصلاة هي أن تأمن شره، لأنك لو لم تصل خلفه فيعاقبك، أو تحصل فتنة بذلك، فصل خلفه ثم أعدها في البيت، أما إذا لم تحصل فتنة بذلك فصل في البيت ولا تصل خلفه.
قوله: (وإن كان إمامك من السلطان وغيره صاحب سنة فصل خلفه ولا تعد الصلاة) وذلك بالاتفاق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (يجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين) ([47]).
المتن:
الشرح:
قوله : (والإيمان بأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في حجرة عائشة مع رسول الله ﷺ ، قد دفنا هناك معه) وهذا ثابت أن حجرة عائشة دفن فيها الرسول ﷺ ، ثم دفن فيها أبو بكر، ثم دفن عمر، وكأن هناك بعض الناس ينكر ذلك.
قوله:(فإذا أتيت القبر فالتسليم عليهما واجب بعد رسول الله ﷺ) والصواب أنه ليس بواجب بل سنة، فزيارة قبر النبيﷺ وزيارة قبري أبي بكر وعمر والسلام عليهما سنة، ومن فعلها أثابه الله، ومن ترك فلا حرج، وهذا إذا كان في البلد ، أما أن يسافر من بلد إلى بلد لزيارة القبر فهذه بدعة؛ لقول النبيﷺ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى. ([48])، فإذا جئت وزرت المسجد وصليت في المسجد النبوي ركعتين، فإنك تزور قبر النبيﷺ، وقبر صاحبيه، وتسلم عليهما، وتقول: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله أفضل ما يجزي نبياً عن أمته ، وتصلي على النبي ﷺ ، ثم تسلم على أبي بكر قائلاً: السلام عليك يا خليفة رسول الله، رحمك الله ورضي عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً، ثم السلام على عمر ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قدم من سفر يأتي ويقول: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَتَاهُ»([49])، ثم ينصرف ولا يزيد، فالسلام سنة وليس بواجب .
المتن:
الشرح:
قوله:(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب) فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فتغير المنكر باليد إذا استطعت، فإن عجزت فباللسان، فإن عجزت فبالقلب مع البعد عن المعصية؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ، أن النبيﷺ قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. ([50]).
قوله: (إلا من خفت سيفه أو عصاه) أي: من إذا غيرت منكراً بيدك ضربك بسيفه أو عصاه، فإذا أنكرت عليه باللسان وخفت سيفه أو عصاه فأنكر بالقلب، وابتعد عن المكان.
المتن:
الشرح:
قوله: (والتسليم على عباد الله أجمعين) أي: تسلم على كل من لقيت، فبعض الناس لا يسلم إلا على من يعرف، وهذا خطأ، فالسلام من أسباب المحبة، ومن أسباب دخول الجنة، قال ﷺ: لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ. ([51])رواه مسلم.
وسلم على كل مسلم إلا إذا عرفت أنه ليس بمسلم فلا تبدأه بالسلام؛ لقوله ﷺ: لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ. ([52]) فإذا سلم عليك فتقول: وعليك، ولا تكمل، لقوله ﷺ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ. ([53]).
المتن:
الشرح:
قوله: (ومن ترك صلاة الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع) لأن صلاة الجماعة واجبة، قال: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] والنبي ﷺ لم يرخص لابن أم مكتوم وهو أعمى وكان رجلاً ضعيفاً شاسع الدار، وذلك لما قال له النبيﷺ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ. ([54])، وأمر الله بصلاة الجماعة، فمن ترك الجمعة والجماعة في المسجد من غير عذر فهو مبتدع .
قوله: (والعذر كمرض لا طاقة له بالخروج إلى المسجد أو خوف من سلطان ظالم) يعني: خاف أن يقتله هذا السلطان ، وأهل السنة لا يردهم جور السلطان عن إقامة الجمعة معه والجماعة، ولا يحملهم ذلك على ترك السنة.
قوله :(وما سوى ذلك فلا عذر له) والصواب أن هناك أعذاراً أخرى غير هذه منها: المطر الذي يبل الثياب، وخوف الإنسان على ماله، وأن يدافعه الأخبثان، ومن أكل كراثاً أو ثوماً أو بصلاً ؛ فقد قال النبي ﷺ : مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ يَعْنِي الثُّومَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا. ([55]) ، ولا يحل له أن يأكله ليكون له عذر في ترك صلاة الجماعة.
المتن:
الشرح:
قوله :(ومن صلى خلف إمام فلم يقتد به فلا صلاة له)، يجب على المصلي أن ينوي الاقتداء بالإمام، ولا تصح الصلاة ممن لم يفعل ذلك .
المتن:
الشرح:
قوله:(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان والقلب) كما سبق في حديث أبي سعيد أن النبي ﷺ قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ. ([56]) وهو درجات، فتنكر باليد ثم باللسان ثم بالقلب.
والبدع كلها رديئة، فعلى المسلم أن يحذر منها ويتمسك بالقرآن والسنة على ما كان عليه سلف الأمة.
قوله : (بلا سيف) هذا منهج أهل السنة والجماعة، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بلا سيف ولا خروج على الإمام، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "التَّغْيِيرُ بِالْيَدِ لَيْسَ بِالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ" ([57]) وقال ابن شبرمة:
الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا بِالسَّيْفِ يُشْهِرُهُ | عَلَى الْخَلِيفَةِ إِنَّ الْقَتْلَ إِضْرَارُ ([58]) |
فإن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات وترك واجب أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب، ولتضمنه وخلع اليد من طاعتهم، ومفارقة جماعة المسلمين.([59])،لا يجوز الخروج على الولاة بالسيف بل يجب السمع والطاعة لهم في طاعة الله وفي الأمور المباحة .
وإنما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف هو مذهب المعتزلة والخوارج ([60]).
الحواشي:
([1]) أخرجه الآجُرِّيّ في الشريعة (1/303/20)، وابن بطة في الإبانة (1/376/276)، وابن أبي عاصم في السنة (2/463/953).
([2]) أخرجه ابن بطة في الإبانة (1/376/257)، وانظر: المسألة [148] من هذا الكتاب .
[3]- مجموع الفتاوى (3/350) .
[4]- سبق تخريجه .
[5]- أخرجه الإمام أحمد (5687)،والبخاري في "الأدب المفرد" (875) ، وابن حبان(5718)، وعبدالرزاق (4481)، والهروي ذم الكلام وأهله (3/201)، وقد بوب عليه ابن حبان رحمه الله فقال: "ذكر الزجر عن تشقيق الكلام في الألفاظ إذا قصد به غير الدين " . وأخرج البخاري في "الأدب المفرد" (876) عن عمر أنه قال: إِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ فِي الْخُطَبِ مِنْ شَقَاشِقِ الشَّيْطَانِ، وروي مرفوعا عند ابن أبي شيبة في المصنف (26820)، وموقوفا على ابن عمر رضي الله عنهما، في الأدب لابن أبي شيبة (71) ، وروي لعن من يشقق الكلام، كما عند أحمد (16900)، وكيع في "الزهد" (169) و (298)، والطبراني في "الكبير(848) .
[6]- أخرجه الهروي ذم الكلام وأهله (3/201) .
[7]- أخرجه المصنف لابن أبي شيبة (36024)، والدارمي (174)، والإبانة الكبرى لابن بطة (1/330/182)، وذم الكلام وأهله (3/202)، والباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة (ص15)، وانظر: إتحاف المهرة (10/287) .
[8]- أخرجه أبو نعيم، الحلية (2/218)، والهروي، ذم الكلام وأهله (5/1) .
[9] - أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث ، رقم (99).
[10]-أخرجه أحمد في المسند ، رقم (22060)، وابن حبان في صحيحه ، رقم (200)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/247)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ، رقم (2045) .
[11]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (27).
[12]- أصول السنة (ص17) .
[13]- شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 185/ 318).
[14]- أخرجه أحمد (16970) من حديث غضيف بن الحارث الثمالي قال: بَعَثَ إِلَيَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، فَقَالَ: يَا أَبَا أَسْمَاءَ، إِنَّا قَدْ جَمَعْنَا النَّاسَ عَلَى أَمْرَيْنِ، قَالَ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: رَفْعُ الْأَيْدِي عَلَى الْمَنَابِرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْقَصَصُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمَا أَمْثَلُ بِدْعَتِكُمْ عِنْدِي، وَلَسْتُ مُجِيبَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَا أَحْدَثَ قَوْمٌ بِدْعَةً إِلَّا رُفِعَ مِثْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ. فَتَمَسُّكٌ بِسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ إِحْدَاثِ بِدْعَةٍ، وقد أخرجه المروزي في "السنة" (ص27)، والبزار (131) والطبراني في "الكبير" (18/ 178).
[15]- مجموع الفتاوى (7/173) .
[16]- شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/175/316) .
[17]-أخرجه ابنُ ماجَهْ، كتاب الفتن ، رقم (3968)، ونعيم بن حماد في الفتن ، رقم (351) .
[18]- أخرجه أبو داود، كتاب الفتن والملاحم، باب في النهي عن السعي في الفتن ، رقم (4259)، والترمذي : أَبْوَابُ الْفِتَنِ، باب مَا جَاءَ فِي اتِّخَاذِ سَيْفٍ مِنْ خَشَبٍ فِي الفِتْنَةِ ، رقم (2204) ، وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ،وابنُ ماجَهْ، كتاب الفتن، باب التثبت في الفتن ، رقم (3961).
[19] - أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ، رقم (3601)، ومُسْلِم، كتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، رقم (2886).
[20]- أخرجه أحمد في المسند ، رقم (21064)، والطبراني في المعجم الكبير (2/177) ،وابن أبي شيبة في مصنفه (7/485/37430)، وأبو يعلى في مسنده (7215).
[21]-أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي ، رقم (4341)، والترمذي، كتاب تَفْسِيرِ القُرْآنِ ، باب ومن سورة المائدة ، رقم (3058)، وابنُ ماجَهْ، كتاب الفتن، باب قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة: 105] ، رقم (4014)، وقال الحاكم(7912): هذا حديث صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي.
[22] - أخرجه البخاري، كتاب العلم ، رقم (121)، ومُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (65).
[23] - أَخرَجَهُ البخَارِي معلقاً، كتاب بَدْءِ الخَلْقِ ، بَابٌ فِي النُّجُومِ (4/107).
[24] - كتاب التوحيد (1/84)، وانظر : بيان فضل علم السلف على علم الخلف لابن رجب (1/2) .
[25] - أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/939/1789) .
[26] - تحريم النظر في كتب الكلام، لابن قدامة (ص41) .
[27] - أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (2/941/1796)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/539/675) ، (5/355/164)، (6/128/403)، وبنحوه عن أبي حاتم وأبي زرعة، شرح أصول اعتقاد أهل السنة(1/201/322)، وعن معاوية بن قرة، الإبانة الكبرى (2/539/677) .
[28] - أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/420/679) .
[29] - أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (5/338/143) .
[30] - أورده الغزالي في الإحياء (4/310) .
[31] - تقدم .
[32]-أخرجه الترمذي: أَبْوَابُ الْفِتَنِ ، باب مَا جَاءَ فِي لُزُومِ الجَمَاعَةِ ، رقم (2165) وقال: حسن صحيح غريب ، وابن ماجة :كتاب الأحكام ، باب كَرَاهِيَةِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَشْهِدْ ، رقم (2363) ، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
[33]- العقيدة الواسطية، (ص120) .
[34]- وقفت على رواية للطبراني في معجمه الكبير (6/104)، بلفظ: أَيُّهَا النَّاسُ، احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي وَأَصْهَارِي وَأَخْتَانِي، لَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ بِمَظْلِمَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/1317)؛ وقال الهيثمي في المجمع (9/157): "فيه جماعة لم أعرفهم" .
([35]) انظر : نزهة النظر لابن حجر (ص140)، والإصابة في تمييز الصحابة(1/6).
[36] - أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ ، باب قول النبي ﷺ : لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا، رقم (3673)، ومُسْلِم ، كتاب فضائل الصحابة ، رقم (2540).
[37]- أخرجه الترمذي : أبواب المناقب ، رقم (3862)، وقال : هذا حديث غريب، وصححه ابن حبان (7256).
[38] - أخرجه البخاري، كتاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، باب الجاسوس ، رقم (3007)، ومُسْلِم، كتاب فضائل الصحابة ، رقم (2494).
[39] - أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الفتح ، رقم (4274).
[40]-أخرجه أحمد في مسنده ، رقم (20695)، والدارقطني في سننه ، رقم (2885)، والبيهقي في الكبرى (6/166)، وأبو يعلى في مسنده (3/140) ؛ قال الهيثمي في المجمع (4/172): رواه أبو يعلى، وأبو حرة ووثقه أبو داود، وضعفه ابن معين.
[41]- أخرجه ابن أبي الدنيا إصلاح المال ،رقم (323)، وذكر البغوي في شرح السنة (6/ 118) .
[42] - أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز ، رقم (1471)
[43] - انظر: شرح الزرقاني (2/16)، والإنصاف (4/355) .
[44] - انظر: مجموع الفتاوى (23/358) .
[45] - انظر: بدائع الصنائع (1/156) ، والمجموع (4/253) ، والكافي (1/294) ، وكشاف القناع (1/475) .
[46] - أخرجه البخاري، كتاب الآذان، باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه ، رقم (694).
[47]- مجموع الفتاوى (13/98) .
[48] - أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، رقم (1189)، ومُسْلِم ، كتاب الحَجِّ ، رقم (1397).
[49]- أخرجهالبيهقي في الكبرى (5/402) ، وعبد الرزاق في مصنفه (3/576)، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/28).
[50]-أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (49).
[51]-أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (54).
[52]-أخرجه مُسْلِم ، كتاب السلام ، رقم (2167).
[53]-أخرجه مُسْلِم ، كتاب السلام ، رقم (2163).
[54]-أخرجه مُسْلِم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، رقم (653).
[55] - أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث (853)، ومُسْلِم ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، رقم (561).
[56]-سبق تخريجه .
[57]-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلال (1/23) .
[58]-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن أبي الدنيا (1/130/106)، وأخبار القضاة لوكيع (3/92)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلال (1/21) .
[59]- انظر: مجموع الفتاوى (14/472)، والآداب الشرعية (1/162)، وطريق الهجرتين (1/385) .
[60]- انظر: مجموع الفتاوى (13/98)، (13/387)، ومنهاج أهل السنة (4/536)، وإغاثة اللهفان (2/81).