المتن:
الشرح:
قوله : (والمستور من المسلمين من لم تظهر له ريبة) أي :المستور هو الذي يظهر منه الخير، والمحافظة على الواجبات وترك المحرمات وظاهره الخير ، ولا يظهر منه بدعة ولا فجور ولافسق ولا ريبة ولا يشك فيه ، فيقال له: مستور الحال.
ومن ذلك قول العلماء: الإمام مستور الحال يُصلى خلفه، والإمام المبتدع لا يصلى خلفه .
المتن:
الشرح:
وهذا ما تدعيه بعض الفرق كالباطنية، والذين يدعون أن للشريعة ظاهراً وباطناً، ويدعون أن عندهم علم الباطن، وأن الناس عندهم علم الظاهر، وهذا كفر وضلال، فالصلوات الخمس -مثلاً- لها ظاهر وباطن، فظاهرها الصلوات الخمس التي يصليها الناس، وباطنها تعداد أسماء خمسة من وعلي وفاطمة والحسن والحسين ومحسن، والصيام له ظاهر وباطن، فظاهره: الإمساك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والباطن: كتمان سر المشايخ ، والحج له ظاهر وباطن، فظاهره: الحج إلى بيت الله الحرام، والباطن: زيارة مشايخ الصوفية.. وما أشبه ذلك .
فادِّعاء أن هناك أحداًتسقط عنه التكاليف ولا يكلف بالعبادة وعقله ثابت معه، وليس مخوَّفًا ولا مجنونًا - إلا الحائض والنفساء يسقط عنهم الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس- باطل، وهم يستدلون بمثل قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر/٩٩]، وفَسَّرُوا اليقين بالعلم،أي: اعبد ربك حتى يأتيك العلم([1])،فإذا جاء العلم انتهت العبادة([2])، والذين يعتقدون هذا الاعتقاد لا شك في كفرهم؛ أجمع المسلمون على من أن اعتقد أن أحدًا يسقط عنه التكليف وعقله حاضر أنه كافر يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتِلَ كافرًا،ليس هناك أحد يسقط عنه التكليف إلا إذا فقد العقل, فإذا فقد العقل زال عنه التكليف، أما إذاكان العقل موجودًا فالتكليف موجود، فمن زعم أن أحدًا يسقط عنه التكليف وعقله معه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتِلَ كافرًا، كما قرر ذلك أهل العلم كشيخ الإسلام رحمه الله([3])وغيره.
ولهذا جعل الله العبودية لازمة لرسوله حتى الموت، مع أنه ﷺ أكمل الناس ولكن الله جعل العبادة لازمة له، فقال: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر/٩٩]؛ واليقين هو الموت[4]، يعني: استمر على عبادة ربك والزمها حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك.
المتن:
الشرح:
قوله: (وأيما امرأة وهبت نفسها لرجل فإنها لا تحل له)أي :إذا فعل بها تكون زانية؛ لأن هبة المرأة نفسها خاص بالنبي ﷺ، قال الله تعالى في كتابه المبين: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50] خالصة أي: خاصة ، والأصل أن الشريعة عامة إلا ما دل الدليل على التخصيص، فالرسول ﷺ له خصوصية أن تهب المرأة له نفسها، ويزوجه الله إياها، أما غيره فلا، فأيما امرأة وهبت نفسها لرجل فإنها تكون زانية والعياذ بالله.
وأراد المؤلف بذلك الرد على الشيعة والرافضة الذين يحلون نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة أن تهب المرأة نفسها له أياماً أو شهراً أو سنة بدون ولي وبدون شهود ، وكذلك الأحناف الذين يقولون: يصح النكاح بلا ولي، وهذا باطل، فقد جاء في الحديث: لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا. ([5]) ، ولا بد من رضا الزوجة حتى يكون زواجاً شرعياً ، وفي الحديث لَا يَحِلُّ نِكَاحٌ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ. ([6]) وفي الحديث الآخر أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ. ([7])
المتن:
الشرح:
قوله: (وإذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه صاحب قول سوء وهوى) أي :من يطعن على أصحاب الرسولﷺ، أو يسبهم، أو يكفرهم ويفسقهم، فاعلم أنه رافضي خبيث زنديق، مكذب لله ولرسوله ﷺ؛ لأن الله تعالى زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، وهو يكفرهم ويفسقهم، فيكون مكذباً لله، وتكذيب الله كفر وضلال.
قوله: (لقول رسول اللهﷺ: إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا. ([8])، قد علم النبي ﷺ ما يكون منهم من الزلل بعد موته، فلم يقل فيهم إلا خيراً) ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ. ([9])، وفي حديث آخر: اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ. ([10])- يعني: هدفاً للطعن والنيل منهم، والله تعالى يقول: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، وقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
قوله : (وقولهﷺ: ذَرُوا أَصحَابِي، لَا تَقُولُوا فِيهِم إِلَّا خَيراً)([11]) أي: اتركوا أصحابي، أخرجه الإمام أحمد والنسائي والبزار بإسناد حسن بلفظ: دَعُوا لِي أَصْحَابِي. ([12])، ولفظ: لَا تَقُولُوا فِيهِم إِلَّا خَيراً أخرجه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة، كما في جزء طرق حديث: لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي وإسناده ضعيف.
قوله:(ولا تحدث بشيء من زللهم ولا حربهم) أي: لا تحدث بشيء مما حصل من خلاف الصحابة وقتالهم وزللهم؛ فإنهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، وكذلك الحروب التي جرت بينهم، وكما قال بعض السلف: "تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ أَيْدِينَا مِنْهَا فَلَا نُلَوِّثُ أَلْسِنَتَنَا بِهَا"([13]).
قوله: (ولا ما غاب عنك علمه، ولا تسمعه من أحد يحدث به؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت) أي: الذي لا تعلمه لا تتكلم به، ولا تسمعه من أحد يحدث به، بل إذا سمعت أحداً يحدث به فأنكر عليه؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت الطعن في أصحاب النبي ﷺ فلا بد أن يقع في قلبك شيء، فإذا أردت أن يسلم لك قلبك فلا تسمع أحداً يطعن في أصحاب رسول الله ﷺ، وإذا سمعت أحداً يطعن فأنكر عليه .
المتن:
الشرح:
يبين المؤلف رحمه الله الحكم في يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار، فيعتمد على عقله ولا يريد الآثار، وذلك بأن تتهمه على الإسلام ففي إسلامه دَخن ، وأن لا تشك أنه مبتدع صاحب هوى، ولا تشك أنه صاحب هوى وصاحب بدعة، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:"إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من أصحاب رسول الله - ﷺ - بسوء فاتهمه على الإسلام"([14])، وقال أبوزرعة: "إذا رأيت الرجل يتنقص أحداً من أصحاب رسول الله - ﷺ - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - ﷺ - عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله - ﷺ - وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة"([15]).
المتن:
الشرح:
قوله: (واعلم أن جور السلطان لا ينقص فريضة من فرائض الله التي افترضها على لسان نبيه ﷺ ، جوره على نفسه، وتطوعك وبرك معه تام لك إن شاء الله، يعني: الجماعة والجمعة معهم، والجهاد معهم، وكل شيء من الطاعات فشارك فيه فلك نيتك) أي: أن جور السلطان لا يضر الرعية، ولا ينقص من أجورهم، فالفرائض التي افترضها الله والصلاة التي أمروا بها خلف أئمة الجور تامة والأجر تام، والسلطان جوره على نفسه، ولا يضرك جوره، لكن أجرك تام إذا صليت الجمعة أو العيدين أو جاهدت معهم أو غزوت معهم، وأما السلطان أو الإمام أو القائد إذا كان فاجراً ففجوره على نفسه ولا يضرك فجوره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والأئمة لا يقاتلون بمجرد الفسق وإن كان الواحد المقدور قد يقتل لبعض أنواع الفسق: كالزنا وغيره. فليس كل ما جاز فيه القتل جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهم إياه؛ إذ فساد القتال أعظم من فساد كبيرة يرتكبها ولي الأمر".([16])وإذا زنى أحد من الرعية فيرجم أو يجلد، وإذا سرق فتقطع يده، وإذا شرب الخمر فيجلد، لكن لو وقع فيه السلطان فشرب الخمر مثلاً فلا يوجد أحد يجلده، فما عليك إلا الصبر، فليس كل ما جاز على الرعية يجوز على السلطان، وعليك أن تجاهد معه ولو كان فاسقاً، وتحج معه، وتصلي خلفه الجمعة، ففسوقه على نفسه وفجوره على نفسه ما دام أنه مسلم، ولا تخرج عليه بمجرد المعصية، ولكن النصيحة مبذولة بقدر الاستطاعة، فإن استجاب فالحمد لله، وإلا فقد أديت ما عليك، ولا تخرج عليه؛ لأن خروجك فساد وشر؛ يسبب إراقة الدماء واختلال الأمن، وضياع الأمة، وما يسبب من تسلط وتدخل الأعداء.
المتن:
[127] وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.
لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان. أنا أحمد بن كامل قال: نا الحسين بن محمد الطبري ، نا مردويه الصائغ ، قال: سمعت فضيلاً يقول: لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان.قيل له: يا أبا علي ! فسر لنا هذا؟ قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح، فصلح بصلاحه العباد والبلاد.
فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ، ولم نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا ، وإن جاروا ؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين .
الشرح:
قوله :(وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله) أي: إذا رأيت شخصاً يدعو على السلطان أو على الإمام: اللهم سلط عليه، اللهم أهلكه ، فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيت رجلاً يدعو للسلطان بالصلاح والمعافاة فاعلم أنه صاحب سنة.
قوله: (لقول فضيل: لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان) ([17]) أي: لو كانت لي دعوة مستجابة سأجعلها للسلطان.
قوله: (قيل له: يا أبا علي ! فسر لنا هذا؟) وأبو علي كنية الفضيل بن عياض، الإمام الورع الزاهد ([18]) (قال: إذا جعلتها في نفسي لم تعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح ، فصلح بصلاحه العباد والبلاد) أي: لو دعوت بها لنفسي لم تتعدني وكان صلاحي مقصوراً على نفسي، لكن إذا دعوتها للسلطان عم الصلاح فصلح السلطان وصلح العباد والبلاد، فصار النفع متعدياً.
قوله: (فأمرنا أن ندعو لهم بالصلاح) كما قال الطحاوي رحمه الله: " وَلَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَة اللَّهِ فَرِيضَة، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَة، وَنَدْعُوا لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْمُعَافَاة" ([19]) أي: ولاة الأمور.
قوله: (ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وإن جاروا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين) إذاً: ندعو لهم بالصلاح ولو جاروا، لأنهم إذا ظلموا وجاروا فوزرهم لا يتعداهم ولا يمس الناس منه شيء، أما إذا صلحوا فإن الصلاح سيكون لهم وللمسلمين.
المتن:
الشرح:
قوله: (ولا تذكر أحداً من أمهات المؤمنين إلا بخير) لأنهن أمهات المؤمنين، وهن زوجات النبي ﷺ في الآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، فمن ذكر أمهات المؤمنين بشر فلا يكون هذا إلا لفسقه، ومن رمى عائشة بما برأها الله منه فقد كفر بالله العظيم.
المتن:
[129]وإذا رأيت الرجل يتعاهد الفرائض في جماعة مع السلطان وغيره ، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله، وإذا رأيت الرجل يتهاون بالفرائض في جماعة ، وإن كان مع السلطان فاعلم أنه صاحب هوى.
الشرح:
قوله : (وإذا رأيت الرجل يتعاهد الفرائض في جماعة مع السلطان وغيره ، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله ) أي: إذا رأيت رجلاً يتعاهد الفرائض ويصلي الصلوات الخمس في جماعة خلف الإمام سواء كان الإمام السلطان أو غيره فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.
قوله : (وإذا رأيت الرجل يتهاون بالفرائض في جماعة ، وإن كان مع السلطان فاعلم أنه صاحب هوى) أي :الذي يتهاون بالجماعة صاحب بدعة وهوى.
المتن:
الشرح:
قوله: (والحلال ما شهدت عليه وحلفت عليه أنه حلال) ومثال ذلك: ما يحصل لك من المكسب في الزارعة، فهذا تجزم بأنه حلال، بل تحلف أنه حلال، وكذا ما يحصل لك من البيع والشراء، وما يحصل لك من الإرث حلال، وما يحصل لك من كسب الإجارة وغيرها، فالحلال ما شهدت عليه وحلفت عليه أنه حلال.
قوله : (وكذلك الحرام) فالحرام هو الذي تجزم بأنه حرام ولا يكون عندك شبهة، مثل الكسب من الربا، والكسب عن طريق السرقة، أو عن طريق الغش، أو عن طريق القمار، فهذا تجزم بأنه حرام.
قوله :(وما حاك في صدرك فهو شبهة) فالشيء الذي لا تدري أهو حلال أم حرام؛ وعندك فيه إشكال، فاتركه فهذا شبهة، ومن فعل المشتبه أوصله إلى الحرام، ومن ترك المشتبه صار حاجزاً بينه وبين الحرام ، يقول النبي ﷺ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ. ([20])
المتن:
الشرح:
قوله: (والمستور من بان ستره) وهو الذي لم يظهر منه بدعة ولا فجور ولا فسق.
قوله:(والمهتوك من بان هتكه) وهذا من فضح نفسه، كأن يشرب الخمر في الشارع، أو يحلق لحيته أمام الناس، أويسبل ثيابه، أو يتعامل بالربا جهاراً نهاراً، فهذا مهتوك مفضوح فضح نفسه.
المتن:
[132]وإن سمعت الرجل يقول: فلان مشِّبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي.
وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي.
وإذا سمعت الرجل يقول: تكلم بالتوحيد، واشرح لي التوحيد، فاعلم أنه خارجي معتزلي.
أو يقول: فلان مجبر، أو يتكلم بالإجبار، أو يتكلم بالعدل فاعلم أنه قدري؛ لأن هذه الأسماء محدثة أحدثها أهل الأهواء.
قال عبد الله بن المبارك : لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً ولا عن أهل الشام في السيف شيئاً، ولا عن أهل البصرة في القدر شيئاً، ولا عن أهل خراسان في الإرجاء شيئاً، ولا عن أهل مكة في الصرف، ولا عن أهل المدينة في الغناء، لا تأخذوا عنهم في هذه الأشياء شيئاً.
الشرح:
قوله: (وإن سمعت الرجل يقول: فلان مشبه، وفلان يتكلم في التشبيه، فاتهمه واعلم أنه جهمي) لأن الجهمية ينكرون الأسماء والصفات، ويقولون: ليس لله علم ولا سمع ولا بصر، ويقولون: إن من أثبت العلم والسمع والبصر لله فهو مشبه، فإذا رأيت الرجل يقول لمن أثبت الصفات مشبه، فاعلم أنه جهمي أو معتزلي.
قوله: (وإذا سمعت الرجل يقول: فلان ناصبي فاعلم أنه رافضي) لأن النواصب ضد الروافض ، فالروافض هم الذين يحبون آل البيت ويغلون فيهم حتى يعبدونهم، والنواصبهم الذين ينصبون العداوة لأهل البيت ويسبونهم، فالروافض يقولون إن أهل السنة نواصب؛ لأنهم لا يحبون أهل البيت، ولأنهم نصبوا العداوة لأهل البيت، فإذا رأيت شخصاً يقول لك: أنت ناصبي فاعلم أنه رافضي؛ لأن الناصبي يقابل الرافضي.
قوله: (وإذا سمعت الرجل يقول: تكلم بالتوحيد، واشرح لي التوحيد، فاعلم أنه خارجي معتزلي) يقصد المصنف رحمه الله بالتوحيد توحيد المعتزلة؛ لأن المعتزلة عندهم أصول خمسة، وكل أصل ستروه تحت معنى باطل، وستروا تحت التوحيد: القول بنفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى في الآخرة.
وقصد المؤلف رحمه الله أهل البدع في زمانه، وقصد أيضا من ينكر ما وصف الله به نفسه؛ لأن المعتزلة يسمون التوحيد العدل ويدخلون تحته نفي الصفات، ونفي الرؤية، والقول بخلق القرآن، فإذا قال اشرح لي التوحيد فهو مبتدع يعني: أن تفصل التوحيد على ما يعتقده المعتزلة.
قوله:(أو يقول: فلان مجبر يتكلم بالإجبار أو يتكلم بالعدل فاعلم أنه قدري) والقدري هو الذي ينفي خلق الله لأفعال العباد حتى لا يعذبهم عليها، وهو الذي يتكلم بالعدل زوراً وبهتاناً.
قوله: (لأن هذه الأسماء أحدثها أهل الأهواء) يعني:لأن هذه الأصول محدثة أحدثها أهل البدع، فالرافضي يسمي من يوالي الصحابة ناصبياً، والمعتزلي والخارجي يتكلم بالتوحيد، ويزعم أن نفي الصفات هو التوحيد، وكذلك الذي يتكلم بالعدل فهذا قدري.
قوله:(قال عبد الله بن المبارك) وهو الإمام الورع الزاهد المشهور (لا تأخذوا عن أهل الكوفة في الرفض شيئاً) أي: فيما يتعلق برفض الصحابة؛ لأن مذهب الرافضة منتشر في الكوفة، ولكن خذوا عن غيرهم من أهل الحق مع الاستقامة.
قوله: (ولا عن أهل الشام في السيف شيئاً) أي:فيما يتعلق بالسيف والقصاص والقتل والقود لا تأخذوا عنهم؛ لأنهم أهل قتال، فلا تأخذوا عنهم فيما يتعلق بالسيف شيئاً؛ لأنهم يستعملون السيف، فهم متهمون فلا يؤخذ عنهم أحكام القتل والقتال.
قوله: (ولا عن أهل البصرة في القدر شيئاً) لأن الكلام في القدر اشتهر في البصرة، فلا يؤخذ عن أهل البصرة، وإنما يؤخذ عن غيرهم.
قوله: (ولا عن أهل خراسان في الإرجاء شيئاً) ظهر الإرجاء في خراسان قديما ([21])، والمشهور أن الكوفة هي أول ما ظهر فيها الإرجاء، وكان أول من قاله حماد بن أبي سليمان ([22]) .
قوله: (ولا عن أهل مكة في الصرف) أي: المصارفة وهي صرف النقود؛ لأنهم يبيحون شيئاً من المصارفة، فلا يؤخذ عنهم.
قوله:لا(ولا عن أهل المدينة في الغناء لا تأخذوا عنهم في هذه الأشياء شيئاً) لأن أهل المدينة كانوا يبيحون نوعاً من الغناء فلا يؤخذ عنهم.
وقال ابن القيم : "مَنْ تَتَبَّعَ مَا اخْتَلَفَ فِيْهِ العُلَمَاءُ وَأَخَذَ بِالرُّخَصِ مِنْ أَقَاوِيْلِهِم تَزَنْدَقَ"([23]) فالذي يتتبع الرخص ويأخذ من كل مذهب المسألة الشاذة ويجمعها ينسلخ من الدين، فتجد المتزندق هو الذي يتبع الأهواء، فيأخذ عن أهل الكوفة الرفض؛ لأنهم يبيحون القدح في الصحابة، ويأخذ عن أهل الشام أحكام القتال، وأنه يجوز قتل الإنسان ولو لم توجد الشروط الموجبة لذلك، ويأخذ من أهل البصرة مذهبهم في القدر، ويأخذ عن أهل خراسان مذهبهم في الإرجاء، ويأخذ عن أهل مكة طريقة تعاملهم في الصرف، ويأخذ عن أهل المدينة مذهبهم في الغناء، فهو بذلك ينسلخ من الدين. فيأتي ويقول: الغناء حلال؛ لأن أهل المدينة يبيحونه، والربا حلال؛ لأن أهل مكة يبيحون الصرف، والإرجاء كذلك جائز؛ لأن أهل خراسان يبيحون الإرجاء، والقدر ليس هناك شيء مقدر؛ لأن أهل البصرة ينفون القدر، وكذلك ما يتعلق بالسيف والقتال لا بأس به؛ لأن أهل الشام يبيحون هذا، فيصبح زنديقاً وينسلخ من الدين.
المتن:
[133]وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة، و أنس بن مالك، وأسيد بن حضير فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله.
وإذا رأيت الرجل يحب أيوب، وابن عون، ويونس بن عبيد، وعبد الله بن إدريس الأودي، والشعبي، ومالك بن مغول، ويزيد بن زريع، ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة ، فاعلم أنه صاحب سنة ، وإذا رأيت الرجل يحب الحجاج بن المنهال وأحمد بن حنبل، و أحمد بن نصر، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله إذا ذكرهم بخير، وقال بقولهم.
الشرح:
قوله : (وإذا رأيت الرجل يحب أبا هريرة، و أنس بن مالك، وأسيد بن حضير فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله) أي: إذا رأيت الرجل يحب الصحابة: كـأبي هريرة وأنس بن مالك وأسيد بن حضير فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت الرجل يسب الصحابة فاعلم أنه رافضي خبيث من أهل البدع.
قوله: (وإذا رأيته الرجل يحب أيوب) أي: أيوب السختياني، (وابن عون ) أي: عبد الله بن عون البصري ، (ويونس بن عبيد) البصري (وعبد الله بن إدريس الأودي والشعبي) أي: عامر الشعبي (ومالك بن مغول، ويزيد بن زريع، ومعاذ بن معاذ، ووهب بن جرير، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، والأوزاعي، وزائدة بن قدامة فاعلم أنه صاحب سنة) لأن هؤلاء أئمة وعلماء من أهل السنة، فإذا رأيت الرجل يحبهم فاعلم أنه صاحب سنة.
قوله: (وإذا رأيت الرجل يحب الحجاج بن المنهال وأحمد بن حنبل، و أحمد بن نصر، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله إذا ذكرهم بخير، وقال بقولهم) لأن هؤلاء أيضامن أئمة أهل السنة، فالواجب محبتهم وذكرهم بالخير والقول بقولهم .
المتن:
الشرح:
قوله: (إذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذِّره وعرَّفه) أي: إذا رأيت رجلاً يصاحب أهل البدع فانصحه وحذره، فإن استجاب فالحمد لله، وإن استمر في الجلوس معهم (بعد ما علم فاتقه فإنه صاحب هوى) فاحذره واعلم أنه صاحب هوى وصاحب بدعة، فينبغي للإنسان أن يبتعد عن أهل البدع، ويحذر مجالستهم .
المتن:
الشرح:
قوله: (وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده، ويريد القرآن، فلا شك أنه رجل قد احتوى على الزندقة فقم من عنده ودعه) لأنه أنكر السنة، ولا يريد السنة، مع أن السنة وحي ثانٍ لأنه مكذب لله، فقم من عنده ودعه.
المتن:
الشرح:
قوله: (واعلم أن الأهواء كلها ردية تدعو كلها إلى السيف ) أي: البدع توصل إلى القتال والحروب بين المسلمين.
قوله :( وأرداها وأكفرها : الروافض ، والمعتزلة ، والجهمية ، فإنهم يريدون الناس على التعطيل والزندقة) يعنى :أردى البدع وأكفرها بدعة الروافض ، لأن الروافض -كما سبق- يكفرون الصحابة ويفسقونهم، ويعبدون آل البيت، ويزعمون أن القرآن ما بقي منه إلا الثلث، والمعتزلة يثبتون الأسماء وينكرون الصفات، وهذا كفر وضلال، والجهمية ينكرون الأسماء والصفات فهم عطلوا الله وجعلوه معدوماً.
المتن:
الشرح:
قوله : (واعلم أنه من تناول أحداً من أصحاب محمد ﷺ ، فاعلم أنه إنما أراد محمداً ﷺ ، وقد آذاه في قبره) أي: من تناولهم بالعيب والثلب والسب والشتم، فاعلم أنه يريد سب الرسول ﷺ، فهو أراد سب الرسول ﷺ لكنه لم يستطع لنفاقه؛ ولأنه لو سب الرسول ﷺ كفر في الحال ولكفّره الناس، فلما لم يستطع أن يسب الرسول ﷺ سب الصحابة وسب الصاحب سب لصاحبه، فهل يصلح أن تمدح شخصاً وتسب أصحابه؟! فالإنسان على دين صاحبه ، ولذلك يقول القحطاني في نونيته:
إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ مَنْ وطِئَ الْحَصَى | مِن كُلِّ إنسٍ نَاطِقٍ أَو جَانِ |
مَدَحُوا النَّبِيَّ وَخَوَّنُوا أَصحَابَهُ | وَرَمَوهُمُ بِالظُّلمِ وَالعُدوَانِ ([24]) |
قوله :( وقد آذاه في قبره) لايلزم من الأذى الضرر؛ كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا [الأحزاب: ٥٧]، وكما في الصحيحين عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله ﷺ قال الله : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ([25])، فلا يضر اللهَ أحدٌ من خلقه، وفي الحديث القدسي الذي خرجه مسلم في صحيحه من حديث عن أبي ذر، عن النبي ﷺ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي ([26]).
المتن:
الشرح:
قوله : (وإذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع ، فاحذره ؛ فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهر) كما قال المصنف رحمه الله في موضع آخر : "مثل أصحاب البدع مثل العقارب، يدفنون رءوسهم وأبدانهم في التراب، ويخرجون أذنابهم، فإذا تمكنوا لدغوا، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس، فإذا تمكنوا بلغوا ما يريدون" ([27]).
المتن:
[139]وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب، فاسقاً فاجراً، صاحب معاصٍ ضالاً وهو على السنة فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس تضرك معصيته. وإذا رأيت الرجل مجتهداً – وإن بدا متقشفاً محترقاً بالعبادة - صاحب هوى، فلا تجالسه ولا تقعد معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق؛ فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه.
ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من عند فلان. قال: يا بني لأن أراك تخرج من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان ، ولأن تلقى الله يا بني زانياً سارقاً فاسقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان.
ألا ترى أن يونس بن عبيد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره.
الشرح:
قوله : (وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب، فاسقاً فاجراً، صاحب معاصٍ ضالاً وهو على السنة فاصحبه، واجلس معه، فإنه ليس تضرك معصيته) أي: إذا رأيت الرجل من أهل السنة ملتزماً بالسنة لكنه يفعل المعاصي فاصحبه واجلس معه؛ فإنه ليس يضرك معصيته ، وليس معنى ذلك التهوين من خطر المعاصي، بل المؤلف يريد أن يبين أن البدعة أشد من المعصية، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة فهو خير من أهل البدعة ولو فعل المعاصي، فإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب فاسقاً فاجراً فاصحبه؛ لأنه صاحب سنة، فالفسق يمكن معالجته، لكن المصيبة في صاحب البدعة الذي يظن أنه على الحق فلا يفكر في التوبة.
قوله : (وإذا رأيت الرجل مجتهداً – وإن بدا متقشفاً محترقاً بالعبادة - صاحب هوى، فلا تجالسه ولا تقعد معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريق؛ فإني لا آمن أن تستحلي طريقته فتهلك معه) أي : إذا رأيت الرجل زاهداً متعبداً متقشفاً ولكنه صاحب بدعة فلا تجالسه، فعبادته لا تنفعه، وليس القصد من هذا التهوين من شأن المعاصي، بل يريد أن يقارن بين السني العاصي وبين المبتدع، فيقول: إن السني العاصي خير من المبتدع؛ لأن المعصية أقل من البدعة.
قوله : (ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى) أي: صاحب بدعة (فقال: يا بني! من أين جئت؟ قال: من عند فلان) يعني: المبتدع (قال: يا بني لأن أراك خرجت من بيت خنثى) وذلك أن خروجه من هذا البيت معصية، وخروجه من بيت صاحب البدعة قد يوصله إلى البدعة .
قوله : (أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان، ولأن تلقى الله يا بني! زانياً سارقاً فاسقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان) أي: بقول واعتقاد أصحاب الأهواء ، وليس مقصود يونس بن عبيد التهوين من شأن المعاصي، فالمعاصي والكبائر شأنها عظيم، لكن قصده أن يبين أن البدعة أشد من المعصية.
قوله: (ألا ترى أن يونس بن عبيد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره) فدل على أن البدعة أشد من المعصية، وخروجه من بيت العاصي أهون من خروجه من بيت المبتدع.
المتن:
الشرح
قوله: (واحذر) هذا تحذير من المؤلف ودليل على نصحه(ثم احذر) تكرار للأهمية (أهل زمانك خاصة) وهذا قد قاله في القرن الرابع الهجري، فكيف لو رأى القرن الخامس عشر؟!
قوله: (وانظر من تجالس، وممن تسمع، ومن تصحب) فعليك مجالسة الأخيار والصالحين والعلماء والاستفادة منهم، وقد أمر الله نبيه بمجالسة الأخيار والصالحين الذاكرين الله، فقال سبحانه: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا.
قوله :(فإن الخلق كأنهم في ردة إلا من عصمه الله منهم) لكثرة الجرائم والمعاصي.
المتن:
الشرح:
قوله : (وانظر إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دؤاد، وبشراً المريسي، وثمامة، أو أبا الهذيل، أو هشاماً الفوطي ) ابن أبي دؤاد :هو رئيس المعتزلة، وكان قاضياً في زمن المأمون ، واسمه أحمد بن أبي دؤاد وهو معتزلي؛ وذلك لأن المعتزلة أثّروا على المأمون حتى اعتنق مذهب الاعتزال ، ومعنى كلامه: أنك إذا سمعت الرجل يذكر ابن أبي دؤاد بخير فإنه صاحب بدعة، فلو كان صاحب سنة ما ذكر ابن أبي دؤاد المعتزلي بخير.
وكذلك بشر المريسي، وهو جهمي تنسب إليه المريسية، فإذا رأيت الرجل يذكره بخير فاتهمه.
وثمامة اسمه: ثمامة بن أشرس البصري وهو من رءوس المعتزلة القائلين بخلق القرآن.
وأبو هذيل هو محمد بن الهذيل العلاف البصري من رؤوس المبتدعة، وهشام الفوطي وهو من أصحاب أبي الهذيل العلاف، وقد تقدم ذكر المؤلف له وبيان بطلان قوله .
قوله: (أو أحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره، فإنه صاحب بدعة فإن هؤلاء كانوا على الردة) أي:الذي يثني على واحداً من أتباعهم وأشياعهم فاحذره فإنه صاحب بدعة.
قوله :(واترك هذا الرجل الذي ذكرهم بخير ومن ذكر منهم بمنزلتهم) فإذا رأيته يذكر هؤلاء المبتدعة بخير فاعلم أنه صاحب بدعة، وإذا رأيته يذكر الأخيار بخير فاعلم أنه صاحب سنة.
وخلاصة القول: أنك إذا سمعت الرجل يثني على ابن أبي دؤاد أو على المبتدعة وأهل البدع فهو صاحب بدعة؛ لأنهم كانوا على الردة، وأما الذي يذكرهم بخير فاترك هذا الرجل ولا تتكلم معه.
المتن:
الشرح:
قوله :(والمحنة في الإسلام بدعة) مثل المأمون عندما امتحن الناس وقال لهم: قولوا بخلق القرآن ومن لم يقل بخلق القرآن سجنه أو قتله، فهذه محنة، وهذه بدعة.
قوله :(وأما اليوم فيمتحن بالسنة) وتنظر فإذا كان هذا الرجل سنياً تأخذ العلم عنه وتستفيد منه، وإذا كان بدعياً فلا تأخذ عنه شيئاً.
قوله : (لقوله: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"). وهذا أخرجه ابن عدي في الكامل وعنه السهمي في تاريخ جرجان([28]).
قوله:(ولا تقبلوا الحديث إلا ممن تقبلون شهادته) فلا يقبل الحديث إلا ممن تقبل شهادته وهو أن يكون عدلاً ضابطاً.
قوله: (فتنظر فإن كان صاحب سنة له معرفة، صدوق، كتبت عنه وإلا تركته) وهكذا ينبغي ألا يقبل الحديث إلا ممن تقبل شهادته، فينظر إن كان صاحب سنة وله معرفة بالحديث وهو صدوق فيكتب عنه وإلا ترك.
المتن:
الشرح:
قوله: (وإذا أردت الاستقامة على الحق وطريق أهل السنة قبلك فاحذر الكلام، وأصحاب الكلام، والجدال والمراء، والقياس ، والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في القلب) أي: في الأسماء والصفات والقدر وغيره ، وهذا فيه تحذير من البدع وأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والجهمية، وأصحاب الكلام والجدال والمراء والقياس والمناظرة في الدين، فإن استماعك منهم وإن لم تقبل منهم يقدح الشك في قلبك، وهذا أقل الأحوال.
قوله: (وكفى به قبولاً فتهلك وما كانت زندقة قط ولا بدعة ولا هوى ولا ضلالة إلا من الكلام والجدال، والمراء والقياس، وهي أبواب البدعة ، والشكوك والزندقة) فبهذا الكلام والجدال والمراء والقياس وغيره يفتح باب الزندقة والنفاق والبدعة والهوى والضلالة، وهذه أبواب البدع والشكوك والزندقة، فأول من قاس قياساً فاسداً إبليس، فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف: 12] والقياس الفاسد هو: القياس الذي يصادم النص، وهو فاسد الاعتبار.
المتن:
[144]فالله الله في نفسك ، وعليك بالأثر ، وأصحاب الأثر ، والتقليد؛ فإن الدين إنما هو بالتقليد يعني: للنبي ﷺ وأصحابه رضوان الله عليهم ، ومن قبلنا لم يدعونا في لبس ، فقلدهم واسترح، ولا تجاوز الأثر ، وأهل الأثر، وقف عند المتشابه ، ولا تقس شيئاً، ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع، فإنك أمرت بالسكوت عنهم، ولا تمكنهم من نفسك.
أما علمت أن محمد بن سيرين في فضله لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة، ولا سمع منه آية من كتاب الله ، فقيل له، فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء.
الشرح:
قوله: (فالله الله في نفسك)، أي: اعتن بنفسك (وعليك بالأثر وأصحاب الأثر) أي: أصحاب الحديث.
قوله:(والتقليد فإن الدين إنما هو بالتقليد) أي: وعليك بالتقليد للنبي ﷺ فإن الدين إنما هو بذلك، والمراد: الاتباع .
والتقليد مذموم لكن المؤلف رحمه الله عبر بالتقليد، ولو قال: بالاتباع لكان أحسن.
قوله: (ومن قبلنا لم يدعونا في لبس) أي: العلماء الذي سبقونا ما جعلونا في حيرة فقد أوضحوا لنا الأمر.
قوله: (فقلدهم واسترح ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر) أي: اتبعهم ولا تتجاوز النصوص من الكتاب أو من السنة، فإذا فعلت شيئاً يجب أن تستدل بالنص، وسؤال أهل العلم.
قوله:(وقف عند المتشابه) أي: تأمل وانظر فلعله يتضح لك، (ولا تقس شيئاً)، برأيك وفهمك وعقلك، والمعنى: أنه يجب على الإنسان أن يقف عند المتشابه من القرآن والسنة، ولا يتكلم في المتشابه حتى يسأل أهل العلم؛ لأن المتشابه الإضافي يمكن أن يكون متشابهاً عند كل أحد، فالمتشابه يرد إلى المحكم، ويفسر ويضم إليه حتى يتضح المعنى، كما قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7]. أما المتشابه على كل أحد ككيفية الصفات وحقائق الآخرة، فهذا يوكل أمره إلى الله ، ولا يفسر، وإنما يفوض أمره إلى الله ، ولهذا قال المؤلف رحمه الله:
(وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً)
الحواشي:
([1]) انظر : مجموع الفتاوى (2/95).
([2]) انظر : مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (ص 289)، والفصل في الملل والأهواء والنحللابن حزم (4/170).
([3]) انظر : مجموع الفتاوى (11/539).
[4]- جاء هذا التفسير عن ابن عباس، كما في "تفسير ابن الجوزي" 4/ 423، الفخر الرازي 19/ 216، "تنوير المقباس" ص 281. وجاء عن مجاهد "تفسير مجاهد" ص 419، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 47 وابن الجوزي 4/ 423 ، وورد في "تفسير مقاتل" 1/ 200 أ، وأخرجه عبد الرزاق 2/ 352 عن قتادة، وأورده البخاري في "الفتح" 8/ 383 معلقًا بصيغة الجزم عن سالم بن عبد الله، وهو تفسير الجميع كما عبر الواحدي في "التفسير البسيط" 12/ 675، وانظر: والطبري 14/ 74 و"تفسير السمرقندي" 2/ 226، والثعلبي 2/ 153 ، والماوردي 3/ 176 ، والطوسي 6/ 356 ، و"تفسير البغوي" 4/ 397، والزمخشري 2/ 320، وابن العربي 3/ 1139، وابن عطية 8/ 362، "تفسير القرطبي" 10/ 64، الخازن 3/ 105، وابن كثير 2/ 616 - 617، والسيوطي في "الدر المنثور" 4/ 203 .
[5]- سبق تخريجه.
[6]- سبق تخريجه .
[7]- سبق تخريجه .
[8]-سبق تخريجه .
[9] -سبق تخريجه.
[10]- سبق تخريجه .
[11]- لفظ ذَرُوا أَصحَابِي أخرجه ابن عساكر في تاريخه (16/234): بلفظ : " ذروا لي أصحابي " عن محمد بن عمر الواقدي ثني عبد الله بن يزيد عن إياس بن سلمة عن أبيه عن النبي ﷺ به، والواقدي: متروك. وذكره الواقدي مرة دون تسمية عبد الله بن يزيد، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (1/370).
[12]- أخرجه أحمد في مسنده، رقم (13812)، والنسائي في الكبرى (9/405)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (2046)والبزار في مسنده (16/16)، والآجري في الشريعة (5/2466)، وقال الهيثمي في المجمع (10/15): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
[13]- أخرجه البغوي في شرح السنة (14/137/3934) .
[14]- شرح أصول اعتقاد أهل السنة، للالكائي (7/ 1326)،وانظر: الصارم المسلول (ص568).
[15]- رواه الخطيب في الكفاية (ص49).
[16]- مجموع الفتاوى (22/61).
[17]-أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/193)، وأبو نعيم في الحلية (8/91)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/641).
[18]- هو أبو علي الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي، الإمام القدوة الثبت، سكن مكة وتوفي بها، مات سنة 187، انظر طبقات الصوفية (1/22) ، وتهذيب الكمال (23/281)، وسير أعلام النبلاء (8/421)، والوافي بالوفيات (24/59)، وتهذيب التهذيب (8/294).
[19] - شرح العقيدة الطحاوية (1/371) .
[20] - أخرجه البخاري، كتاب الْأَيْمَانِ ، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (52)، ومُسْلِم ، كتاب المساقاة ، رقم (1599).
[21] -السنة للخلال (4/ 54)، والفصل في الملل والنحل (4/ 204 - 205) .
[22] -مجموع الفتاوى (7/297)، (7/311) .
[23] - إغاثة اللهفان (1/228) .
[24]- انظر نونية القحطاني (1/26) .
[25]- أخرجه البخاري - كتاب تفسير القرآن، باب وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ، رقم (4826)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، رقم (2246) .
[26]- أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، رقم (2577) .
[27]- طبقات الحنابلة (2/44).
[28]-أخرجه ابن عدي في الكامل (1/252)، وتاريخ جرجان (1/473) مرفوعا ، ولم يثبت ، وهو مشهور عن محمد بن سيرين – رحمه الله – من قوله، كما رواه مُسْلِم في المقدمة (1/13) .