المتن:
وقف عند المتشابه ، ولا تقس شيئاً، ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع، فإنك أمرت بالسكوت عنهم، ولا تمكنهم من نفسك.
أما علمت أن محمد بن سيرين في فضله لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة، ولا سمع منه آية من كتاب الله ، فقيل له، فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء.
الشرح:
(وقف عند المتشابه ولا تقس شيئاً) أي: لا تقس شيئاً من أمور وحقائق الآخرة على أمور الدنيا، فالله تعالى أخبر أن لنا في الآخرة خمراً ولبناً وعسلاً وفاكهة، فهذه التي أخبرنا الله عنها في الآخرة ليست مثل ما عندنا في الدنيا، وإن كان بينهما نوع تشابه يكون في الأسماء ولكنها تختلف، ولهذا قال ابن عباس : "ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء"([1])
قوله: (ولا تطلب من عندك حيلة ترد بها على أهل البدع؛ فإنك أمرت بالسكوت عنهم) أي: لا ترد على أهل البدع إذا كان الرد لا يفيد معهم، بأن كانوا أهل عناد ولا يقبلون الحق، أما إذا كان يرجى أن ينتفعوا به، فإنه يرد عليهم ويبين لهم الحق لعل الله أن يهديهم، ويناظرون إذا غلب على الظن أن المناظرة تفيد، لكن هذا الكلام محمول على أهل البدع الذين لا تفيد المناظرة معهم، ولا يفيد الكلام معهم.
قوله: (ولا تمكنهم من نفسك) لأنك إذا مكنتهم من نفسك طمعوا فيك وقد يؤثرون عليك.
قوله: (أما علمت أن محمد بن سيرين في فضله لم يُجب رجلاً من أهل البدع في مسألة واحدة، ولا سمع منه آية من كتاب الله، فقيل له، فقال: أخاف أن يحرفها فيقع في قلبي شيء) وهذا الأثر أخرجه الدارمي وغيره([2])، فلما كان يسأله رجل من أهل البدع لم يكن يجبه محمد بن سيرين رحمه الله ولا يسمع منه آية، فلما سئل، قال: أخاف أن يحرفها فيقع هذا التحريف في قلبي، فإذا كان هذا التابعي الجليل يخاف أن يقع في قلبه شيء من التحريف، فكيف بغيره؟!
المتن:
الشرح:
قوله: (وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظم الله، إذا سمع آثار رسول الله ﷺ ، فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله ﷺ ويدفع بهذه الكلمة آثار رسول الله ﷺ ، وهو يزعم أنه يعظم الله وينزهه إذا سمع حديث الرؤية ، وحديث النزول وغيره، أفليس يرد أثر رسول الله ﷺ) هناك اصطلاح عند الجهمية، فإذا سمع الجهمي أو صاحب البدعة حديثاً، كحديث النزول أو حديث الرؤية، قال: إنا نعظم الله، وقصده بذلك: لا نقبل إلا ما في القرآن، وقصده كذلك رد السنة، ورد الأحاديث التي ذكرتها ، وإذا قرأت عليه الأحاديث التي فيها إثبات السمع والبصر، قال: إنا نعظم الله، فإذا سمعت هذه الكلمة فاعلم أنه جهمي؛ لأنه يريد أن يرد الأثر والحديث، فكأنه يقول: لا أقبل الحديث وإنما أكتفي بالقرآن، فإذا سمعت الرجل يقول: إنا نعظم الله إذا تلوت عليه الحديث وسمع منك حديث الرؤية وحديث النزول وغيره فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد النصوص بهذه الكلمة، وفي الظاهر يزعم أنه يعظم الله وينزهه، ويوهم بذلك.
قوله: (وإذا قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع) من قال هذا فقد أراد أن يرد حديث النزول، فإذا تلوت أحاديث النزول قال: إنا نعظم الله أن يزول من موضع إلى موضع، وقصده بذلك إنكار حديث النزول.
قوله: (فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره) وإنما أنبياء الله ورسله عليهم الصَّلاة والسَّلام؛ هم أعلم به ، وهم أخشى الناس وأتقاهم له ، فقد اصطفاهم الله تعالى واجتباهم على غيرهم برسالته .
قوله: (فاحذر هؤلاء، فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذا الحال، وحذر الناس منهم) فاحذر هؤلاء؛ لأن كثيراً من الناس ينطلي عليهم هذا التمويه، وحذر الناس منهم.
المتن:
الشرح:
قوله: (وإذا سألك أحد عن مسألة في هذا الكتاب) فانظر هل (هو مسترشد) فكلمه وبين له (أو مجادل) فلا تجبه واحذره (وإذا جاءك يناظرك، فاحذره).
والمقصود: أن الذي يسألك عن مسألة في هذا الكتاب فهو بين أمرين :
أحدهما: إما أنه مسترشد يريد الفائدة ،فإن كان مسترشداً فأرشده ووضح له،لأنه يريد الحق.
ثانيهما: إما أنه مجادل ؛ فإن كان مجادلاً مناظراً فلا تجبه واحذره.
قوله: ( فإن في المناظرة: المراء ، والجدال ، والمغالبة ، والخصومة ، والغضب) أي: أن الجدال يبعد الإنسان عن طريق الحق، وهذا محمول على ما إذا كان الجدال لا يفيد، أما إذا غلب على الظن أنه يفيد فإنه يناظر ويبين له الحق لعل الله أن يهديه. أما إذا وجد علامات تدل على أن هذا الشخص لا يريد الحق وأنه معاند فهذا لا يناظر بل يترك، وقد جادل عثمان بن سعيد الدارمي بشر المريسي، وهناك مناظرات حدثت بين العلماء.
قوله: (وقد نُهِيْتَ عن هذا جداً، يخرجان جميعاً من طريق الحق، ولم يبلغنا عن أحد من فقهائنا ، وعلمائنا أنه ناظر أو جادل أو خاصم) وقد قال الله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، وقال: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46]، فلا بأس بالجدال إذا تعين طريقاً لقبول الحق.
المتن:
[147]قال الحسن: الحكيم لا يماري ولا يداري، حكمته ينشرها، إن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله.
وجاء رجل إلى الحسن فقال له: أنا أناظرك في الدين؟ فقال الحسن : أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه.
وسمع رسول الله ﷺ قوماً على باب حجرته ، يقول أحدهم: ألم يقل الله كذا؟ وقال الآخر: ألم يقل الله كذا؟ فخرج مغضباً ، فقال: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا بُعِثتُ إِلَيْكُمْ؟؛ أَن تَضرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعضَهُ بِبَعضٍ؟! فنهى عن الجدال.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكره المناظرة، ومالك بن أنس ، ومن فوقه ، ومن دونه ، إلى يومنا هذا. وقول الله أكبر من قول الخلق، قال الله تبارك وتعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر:4].
وسأل رجل عمر فقال: ما وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا؟ فقال: لو كنت محلوقاً لضربت عنقك.
وقال النبي ﷺ: المُؤمِنُ لَا يُمَارِي، ولَا أَشْفَعُ لِلمُمَارِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فدعوا الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ.
الشرح:
قوله: (قال الحسن: الحكيم لا يماري ولا يداري، حكمته ينشرها، إن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله([3])) أي: يترك المراء والجدال، ،وهذا محمول على ما إذا كان الجدال لا يفيد.
قوله: (وجاء رجل إلى الحسن فقال له: أنا أناظرك في الدين؟ فقال الحسن : أنا عرفت ديني، فإن ضل دينك فاذهب فاطلبه([4])) وهو صحيح ، والمعنى: أني لا حاجة لي في مناظرتك، فإن كان دينك قد ضاع منك فاذهب فاطلبه وابحث عنه، أما أنا فإني لا إشكال عندي، وليس عندي شك في ديني.
قوله:(وسمع رسول اللهﷺ قوماً على باب حجرته يقول أحدهم: ألم يقل الله كذا؟ وقال الآخر: ألم يقل الله كذا؟ فخرج مغضباً فقال: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا بُعِثتُ إِلَيْكُمْ؟؛ أَن تَضرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعضَهُ بِبَعضٍ؟! فنهى عن الجدال) جاء في الحديث: عن أبي سعيد قال كنا جلوسا على باب رسول الله ﷺ نتذاكر ينزع هذا بآية وهذا بآية قال: فقال: مَا هَؤُلَاءِ؟! أَبِهَذَا بُعِثتُ؟ أَم بِهَذَا أُمرِتُم؟ ([5])، وجاء في بعضها: أنه في القدر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي القَدَرِ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ، فَقَالَ: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ؟ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الأَمْرِ، عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَتَنَازَعُوا فِيهِ. ([6]) ، وفي رواية: فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا، وَمَا جَهِلْتُمْ، فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ. ([7]) فيه النهي عن الجدال.
قوله:(وكان ابن عمر يكره المناظرة و مالك بن أنس ومن فوقه ومن دونه إلى يومنا هذا) أي: إذا كانت المناظرة تؤدي إلى النزاع والشقاق والبغضاء، أما إذا كانت المناظرة تؤدي إلى قبول الحق ومعرفة الحق فإنها مطلوبة، كما قال الله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
قوله : (وقول الله أكبر من قول الخلق، قال الله تبارك وتعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر:4].)أي: أن قول الله أبلغ من الآثار، وأقوى دليلاً، وفي الآية بيان أن الكفار هم الذين يجادلون في آيات الله.
قوله :(وسأل رجل عمر ) عن هذه الآية: وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا[النازعات:2]؟ قال له:(ما وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا؟ فقال: لو كنت محلوقاً لضربت عنقك)([8]) أي: محلوق الرأس؛ لأن الخوارج يحلقون رءوسهم ويتدينون بحلق الرأس ويشددون، فقال عمر له: لو كنت محلوقاً، أي: لو كنت محلوق الرأس لعرفت أنك من الخوارج الذين يجادلون بالباطل، وحينئذ ضربت عنقك ، وفي الحديث يقول النبي ﷺ عنهم: سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ. ([9]) أي: علامة الخوارج حلق الرأس، والخوارج يتشددون في حلق الرأس ، وقصة الرجل الذي سأل عمر صحيحة مشهورة([10]).
قوله:(وقال النبيﷺ: المُؤمِنُ لَا يُمَارِي، ولَا أَشْفَعُ لِلمُمَارِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فدعوا الْمِرَاءَ لِقِلَّةِ خَيْرِهِ.([11]))أي: لا يجادل،والجدال فيه تفصيل: فإذا كان بالباطل فقد نهي عن ذلك، وإذا كان يفيد فلا بأس بالجدال لإيضاح الحق.
المتن:
[ 148]ولا يحل لرجل مسلم أن يقول: فلان صاحب سنة، حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له: صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها.
وقال عبد الله بن المبارك: أصل اثنين وسبعين هوى أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة أهواء انشعبت هذه الاثنان وسبعون هوى: القدرية ، والمرجئة ، والشيعة ، والخوارج([12]).
فمن قدم أبا بكر و عمر و عثمان و علياً على جميع أصحاب رسول الله ﷺ ولم يتكلم في الباقين إلا بخير ودعا لهم فقد خرج من التشيع أوله وآخره.
ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره.
ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره.
ومن قال: المقادير كلها من الله خيرها وشرها، يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنة .
الشرح:
قوله : (ولا يحل لرجل مسلم أن يقول: فلان صاحب سنة، حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له: صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها) أي :أنه لا يطلق وصف: صاحب سنة، إلا على من سلم من البدع، أما إذا كان متلبساً ببعض البدع فلا يقال له: صاحب سنة، حتى تجتمع فيه السنة كلها، وحتى يسلم من الجدال، أما من كان عنده بعض البدع ويعمل بالسنة فلا يقال له: صاحب سنة بإطلاق، قل: إنه صاحب سنة فيما وافق فيه السنة، وصاحب بدعة فيما وافق فيه البدع ، وهذا يفسر الحديث الذي يقول فيه النبي ﷺ : افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ، إِلَّا وَاحِدَةً، قِيلَ: مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي. ([13]) .
قوله : (وقال عبد الله بن المبارك: أصل اثنين وسبعين هوى أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة أهواء انشعبت هذه الاثنان وسبعون هوى: القدرية ، والمرجئة ، والشيعة ، والخوارج ) والمعنى: إن أصل اثنين وسبعين هوى -أي: بدعة وفرقة ضالة- أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة الأهواء انشعبت هذه الاثنان وسبعون هوى، وفيه التحذير من القدرية والمرجئة والشيعة والخوارج؛ لأنهم أصل البدع.
قوله: (فمن قدم أبا بكر و عمر و عثمان و علياً على جميع أصحاب رسول الله ﷺ ) أي : قدمهم في الفضيلة والخلافة، فهذا من أهل السنة وخرج من التشيع؛ لأن الشيعة والرافضة يرون أن أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة، وأن الخليفة الأول هو علي، وأن النبي ﷺ نص على اثني عشر إماماً أولهم علي وآخرهم محمد بن الحسن الذي دخل في سرداب سامراء في العراق سنة مائتين وستين هجرية، وأن الصحابة كفروا وارتدوا بعد وفاة النبي ﷺ، وأخفوا النصوص التي فيها النص على الأئمة، وولوا أبا بكر زوراً وظلماً وعدواناً، ثم ولوا عمر زوراً وظلماً وبهتاناً، ثم ولوا عثمان زوراً وبهتاناً، ثم وصلت إلى الخليفة الأول وهو علي .
قوله :(ولم يتكلم في الباقين) من الصحابة (إلا بخير، ودعا لهم، فقد خرج من التشيع أوله وآخره) أي: من تكلم في الصحابة وسب الصحابة أو سب أبا بكر وعمر وعثمان فهو رافضي ، وهذه علامة السني الذي يخرج من التشيع، وهي أن يقدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على جميع أصحاب النبي ﷺ، ولا يتكلم في الباقين من الصحابة إلا بخير، ويدعو لهم، فهذا يخرج من التشيع أوله وآخره.
قوله : (ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره) أي :من قال: الإيمان قول القلب وهو التصديق والإقرار، وقول اللسان وهو النطق، وعمل القلب وهو النية والإخلاص والصدق والمحبة، وعمل الجوارح، ومن قال: إن الإيمان يزيد وينقص، فقد خرج من الإرجاء كله أوله وآخره ، وقد جاء نحو هذا عن الإمام أحمد رحمه الله فقد سئل عمَّن قال: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: "هذا بريء من الإرجاء"([14]).
والمرجئة أربع طوائف:
الطائفة الأولى: مذهب الجهم وهو أفسدها: أن الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب؛ هذا أفسد المذاهب، ويلزم على هذا المذهب أن يكون إبليس مؤمنا وفرعون مؤمنا واليهود مؤمنين وأبو طالب مؤمنا.
الطائفة الثانية : مذهب الكرامية يليه في الفساد:أن الإيمان النطق باللسان فقط، وإذا كان مكذبا في القلب خلد في النار، فإذا نطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان وهو مخلد في النار إذا كان مكذبا، قال شيخ الإسلام: "والكرامية يقولون: المنافق مؤمن وهو مخلد في النار لأنه آمن ظاهرا لا باطنا وإنما يدخل الجنة من آمن ظاهرا وباطنا"([15]).
الطائفة الثالثة: مذهب الماترودية والأشاعرة، أن الإيمان: تصديق بالقلب فقط، وهو مروي عن الإمام أبي حنيفة.
الطائفة الرابعة: مذهب مرجئة الفقهاء، أن الإيمان شيئان: تصديق بالقلب وإقرار باللسان ،فمن قال: إن تصديق القلب، والأعمال ليست من الإيمان، فهو من المرجئة.
قوله: (ومن قال: الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره )لأن الخوارج لا يرون الصلاة خلف أئمة الجور، بل يرون أن الإمام إذا فعل كبيرة كفر وحل دمه وماله ووجب قتله. ولا يصلون خلف الإمام الفاجر الفاسق ولا يجاهدون معه، ويخرجون عليه بالسيف ولا يدعون له.
قوله: (ومن قال: المقادير كلها من الله خيرها وشرها؛ يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره وهو صاحب سنة) لأن القدرية يقولون: الخير من الله والشر من العبد، بل يقولون: إن أفعال العباد مخلوقة من العبد غير مخلوقة من الله، فالعبد هو الذي يخلق فعل نفسه، خيرها وشرها، طاعة أو معصية، كفراً أو إيماناً ، ولهذا يقولون: يجب على الله أن يثيب المطيع وهو يستحق الأجر من الله، كما يستحق الأجير أجرته؛ لأنه هو الذي خلقه فعلاً، وأن الله يجب عليه أن يعذب العاصي؛ لأن الله توعده والله لا يخلف الميعاد.
المتن:
[149]وبدعة ظهرت هي كفر بالله العظيم، ومن قال بها فهو كافر ، لا شك فيه: من يؤمن بالرجعة ، ويقول: علي بن أبي طالب حي، وسيرجع قبل يوم القيامة، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وتكلموا في الإمامة، وأنهم يعلمون الغيب، فاحذرهم ؛ فإنهم كفار بالله العظيم ، ومن قال بهذا القول.
قال طعمة بن عمرو وسفيان بن عيينة: من وقف عند عثمان وعلي فهو شيعي لا يعدل ، ولا يكلم ، ولا يجالس.
ومن قدم علياً على عثمان فهو رافضي، قد رفض أمر أصحاب رسول الله ﷺ.
ومن قدم الأربعة على جماعتهم ، وترحم على الباقين وكف عن زللهم فهو على طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب.
الشرح:
قوله : (وبدعة ظهرت هي كفر بالله العظيم، ومن قال بها فهو كافر ، لا شك فيه: من يؤمن بالرجعة، ويقول: علي بن أبي طالب حي ، وسيرجع قبل يوم القيامة) المراد بالرجعة: هو القول بأن علياً لم يمت، وأنه في السحاب، وسيرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة.
قوله:(ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وتكلموا في الإمامة) يقول الرافضة: قد نصَّ الرسول ﷺعلى الأئمة بعده، وأنهم الأئمة الاثني عشر المعصومون، أولهم علي بن أبي طالب، ثم الثاني الحسن بن علي الإمام، ثم الثالث الحسين بن علي، ثم بقية التسعة كلهم من نسل الحسين، الرابع علي بن حسين زين العابدين، ثم الخامس جعفر بن محمد الصادق، ثم السادس موسى بن جعفر الكاظم، ثم السابع علي بن موسى الرضا، ثم الثامن محمد بن علي الجواد، ثم التاسع علي بن محمد الهادي، ثم الحادي عشر الحسن بن علي العسكري، ثم الثاني عشر محمد بن الحسن الخلف الحجة المهدي المنتظر الذي دخل سرداب سامراء في العراق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «فإنهم يدَّعون أنه الغائب المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامراء سنة ستين ومائتين أو نحوها ولم يميز بعد، بل كان عمره إما سنتين أو ثلاثًا أو خمسًا أو نحو ذلك، وله الآن على قولهم أكثر من أربعمائة وخمسين سنة ولم يُرَ له عين ولا أثر ولا سُمِعَ له حسٌّ ولا خبر !!»([16]).
فالرافضة يقولون: إن هؤلاء الأئمة معصومون، وإن النبي ﷺ نص عليهم وإنهم الخلفاء من بعده، إلا أن الصحابة ارتدوا وكفروا بعد وفاة النبي ﷺ، وحرفوا النصوص وولوا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ؛ لأنهم كفار، نسأل الله السلامة ، إذا كان الصحابة كفاراً، وهم الذين حملوا السيف؛ فكيف يوثق بدين حمله الكفار؟! هذا يدل على كفر الرافضة وضلالهم.
قوله:(وأنهم يعلمون الغيب، فاحذرهم ؛ فإنهم كفار بالله العظيم ، ومن قال بهذا القول) يعني: يزعمون أن أئمتهم يعلمون الغيب، وهذا كفر وضلال، فمن زعم أن أحداً يعلم الغيب فهو كافر، قال الله تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] .
قوله:(قال طعمة بن عمرو وسفيان بن عيينة: من وقف عند عثمان وعلي فهو شيعي لا يعدل ، ولا يكلم ، ولا يجالس.
ومن قدم علياً على عثمان فهو رافضي، قد رفض أمر أصحاب رسول الله ﷺ )
هذه المسألة فيها تفصيل، وهي تقديم علي على عثمان فإن قدم علياً على عثمان في الخلافة، فهذا رافضي ، وكما قال الإمام أحمد رحمه الله: "مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيٍّ فِي الْخِلَافَةِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ"([17])، وقال شيخ الإسلام بن تيمية "وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلَافَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ"([18])؛ لأن الصحابة أجمعوا على مبايعة عثمان، أما من قدم علياً على عثمان في الفضيلة فهذا لا يكون رافضياً؛ لأنها مسألة سهلة.
وروي عن الإمام أبي حنيفة تفضيل علي على عثمان في الفضيلة دون التفضيل بالخلافة([19]) ، وروي أنه رجع ووافق الجمهور([20]).
أما من قدم علياً في الخلافة على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، كما جاء عن الإمام أحمد([21])؛ لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على تقديم عثمان على علي. إذاً: تقديم علي على عثمان في الخلافة ضلال، وتقديم علي على عثمان في الفضيلة ليس بضلال وهي ليست من المسائل التي يضلل فيها الإنسان أو يبدع ، واستقر الإجماع على تقديم عثمان على علي، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية: "وإن كانت هذه المسألة – مسألة عثمان وعلي – ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضلل المخالف فيها هي مسألة الخلافة"([22])، والمؤلف رحمه الله شدد في هذا ولم يفصل.
قوله: (ومن قدم الأربعة على جماعتهم ، وترحم على الباقين وكف عن زللهم فهو على طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب) أي: من قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلي على جميع الصحابة، وترحم على بقية الصحابة، وكف عن زللهم وخطئهم فهو على طريق الاستقامة والهدى في هذا الباب، يعني: في باب الصحابة.
المتن:
الشرح:
قوله: (والسنة أن تشهد أن العشرة الذين شهد لهم رسول الله ﷺ بالجنة أنهم في الجنة لا شك فيه) أي: أن على المؤمن أن يشهد بالجنة لمن شهد له النبي ﷺ بذلك، ومنهم العشرة المبشرون بالجنة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ، كما في الحديث أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ. ([23]).
وكذلك غيرهم ممن شهد لهم النبيﷺ مثل الحسن والحسين فإن النبيﷺ قال: الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ. ([24]).
وممن شهد لهم النبي ﷺ بالجنة ثابت بن قيس بن شماس ، فقد قال عنه النبي ﷺ : هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، قال أنس بن مالك – راوي الحديث – : "فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"([25]).
وعكاشة بن محصن ، كما جاء عن النبي ﷺ أنه قال سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ... فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتَ مِنْهُمْ. ([26]).
وابن عمر رضي الله عنهما كما جاء عنه ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ، وَلَيْسَ مَكَانٌ أُرِيدُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ إِلَيْهِ، قَالَ فَقَصَصْتُهُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهُ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ : أَرَى عَبْدَ اللهِ رَجُلًا صَالِحًا. ([27]).
وعبد الله بن سلام ، لحديث سعد بن أبي وقاص قال: "مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ" قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف: 10] الآيَةَ.([28]) وجماعة.
المتن:
الشرح:
قوله: (ولا تفرد بالصلاة على أحد إلا لرسول الله ﷺ وعلى آله فقط) أي: لا تخص بالصلاة إلا رسول الله ﷺ ، وآله فقط، وآل النبي ﷺ هم أقاربه من أهل بيته وزوجاته مثل علي وفاطمة والحسن والحسين، وقيل: كل من تبع دينه، تقول: اللهم صل على محمد ؛ اللهم صل على علي ؛ اللهم صل على الحسن ؛ اللهم صل على الحسين.
وهذا ليس بصواب، والسنة أن يفرد النبي ﷺ وحده بالصلاة، ولا يفرد آله، والشيعة هم الذين إذا مر ذكر علي يقولون: ، وفاطمة عليها السلام، والحسن والحسين .
والذي عليه علماء السنة: أن الأنبياء يصلى عليهم، والصحابة يترضى عنهم، ومن بعدهم يترحم عليهم، فإذا مر ذكر نبي من الأنبياء تقول:ﷺ، وإذا مر ذكر الصحابي تقول: ، وإذا مر ذكر من بعده تقول: رحمه الله ، لكن لو صليت على غير الأنبياء في بعض الأحيان ولم يكن هذا باستمرار فلا بأس لما جاء أن عبد الله بن أبي أوفى لما جاء بصدقة إلى النبيﷺ قال: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى. ([29])، فإذا صليت في بعض الأحيان فلا بأس، لكن كونك تجعله ديدنك وشعارك كلما جاء ذكر الصحابي تصلي عليه فهذه كطريقة الروافض في تخصيصهم الآل بالصلاة.
فلا يفرد بالصلاة إلا على النبي ﷺ، أما آل النبي ﷺ فكغيره، وآله يشمل المستقيمين على دينه، وأهل بيته وزوجاته.
المتن:
الشرح:
قوله: (وتعلم أن عثمان بن عفان قتل مظلوماً، ومن قتله كان ظالماً) هذا حق، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة، أن عثمان قتل مظلوماً ومن قتله كان ظالماً، وذلك باتفاق المسلمين ([30]).
المتن:
الشرح:
قوله : (فمن أقر بما في هذا الكتاب ، وآمن به، واتخذه إماماً، ولم يشك في حرف منه، ولم يجحد حرفاً واحداً، فهو صاحب سنة وجماعة ، كامل ، قد كملت فيه السنة) يقصد المؤلف كتابه هذا الذي نشرحه، يعني:من آمن به وأقر بما فيه فقد اكتملت فيه السنة.
قوله: (ومن جحد حرفاً مما في هذا الكتاب، أو شك في حرف منه أو شك فيه أو وقف ، فهو صاحب هوى ) وهذا ليس بصحيح، فإن هذه الأوصاف التي ذكرها عن كتابه لا تكون إلا في كتاب الله الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، أما ما كتبه البشر فهم يخطئون فيه ويصيبون، والبربهاري رحمه الله غلط في أشياء وأخطأ، وأتى بأحاديث ضعيفة، وأشياء قد وهم فيها، ففي كتاب المصنف بعض الحروف والجمل والكلمات التي ذكرها خلاف الصواب، ولا ينبغي أن يلزم الناس إلا بالكتاب والسنة، ويجب على المسلم أن يستدل بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، أما أن يلزم الناس بغيرهما فهذا ليس بسديد.
قوله : (ومن جحد أو شك في حرف من القرآن، أو في شيء جاء عن رسول الله ﷺ لقي الله تعالى مكذباً) أي : من جحد حرفاً من القرآن أو شك فيه فهذا كافر،وكذلك إذا جحد شيئاً مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من غير تأويل ، وهناك فرق بين المتأول وبين الجاحد، فلو جحد أحدهم قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فهذا كافر. ولو قال متأول: أنا أومن بها وأنها آية، لكن معنى استوى: استولى، لأنه لا يليق بالله، والذي يستوي هو الشيء المحسوس والجسم المحدث، والله ليس بجسم ولا بمتحيز، فلا يمكن أن يستوي، فهذا له شبهة، فلا يكفر.
قوله: (فاتق الله واحذر وتعاهد إيمانك) أي: احذر من الجحود والشك والتأويل وتعاهد إيمانك، واحذر مما ينقصه أو يزيله كالجحود والتكذيب والرد في كلام الله وكلام رسوله ﷺ.
المتن:
الشرح:
قوله: (من السنةأن لا تعين أحداً على معصية الله ولا أولي الخير ولا الخلق أجمعين ، لا طاعة لبشر في معصية الله) المراد السنة الواجبة لا المستحبة ،فليس للإنسان أن يعين أحداً على المعصية، وليس لأحد أن يطيع أحداً في المعصية ولا أولي الخير،في بعض النسخ: (ولا الوالدين) ولعله أصوب ، فإذا أمراك بمعصية فلا تطعهما، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، وقال في حق الوالدين الكافرين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا[لقمان:15] ثم قال سبحانه: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان:15] ، فلا يطاع أحد في المعصية، ولا يعان أحد على المعصية لا الوالد ولا غيره، فالوالد إذا أمرك بمعصية فلا تطعه، والزوجة إذا أمرها زوجها بمعصية فلا تطعه، والعبد إذا أمره سيده بالمعصية فلا يطعه؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قوله: (ولا تحب عليه أحداً) أي: لا يحب على المعصية أحداً.
قوله: (واكره ذلك كله لله تبارك وتعالى) أي: اكره الإعانة على المعصية واكره طاعة البشر امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى.
المتن:
الشرح:
قوله :(والإيمان بأن التوبة فريضة على العباد أن يتوبوا إلى الله من كبير المعاصي وصغيرها) أي: أن التوبة واجبة على العباد في كل وقت من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] وهذا أمر والأمر للوجوب، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8].
المتن:
[156]ومن لم يشهد لمن شهد له رسول الله ﷺ بالجنة ، فهو صاحب بدعة وضلالة، شاك فيما قال رسول الله ﷺ .
وقال مالك بن أنس : من لزم السنة ، وسلم منه أصحاب رسول الله ﷺ ثم مات، كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وإن كان له تقصير في العمل.
وقال بشر بن الحارث : الإسلام هو السنة ، والسنة هي الإسلام.
وقال فضيل بن عياض : إذا رأيت رجلاً من أهل السنة ، فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول اللهﷺ ، وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع ، فكأنما أرى رجلاً من المنافقين.
وقال يونس بن عبيد : العجب ممن يدعو اليوم إلى السنة، وأعجب منه من يجيب إلى السنة فيقبل.
وكان ابن عون يقول عند الموت: السنة السنة، وإياكم والبدع. حتى مات .
وقال أحمد بن حنبل: ومات رجل من أصحابي فرئي في المنام ، فقال: قولوا لأبي عبد الله: عليك بالسنة ؛ فإن أول ما سألني الله سألني عن السنة.
وقال أبو العالية: من مات على السنة مستوراً ، فهو صديق.
ويقال: الاعتصام بالسنة نجاة ([31]).
وقال سفيان الثوري: من أصغى بإذنه إلى صاحب بدعة ، خرج من عصمة الله ، ووكل إليها- يعني إلى البدع-.
وقال داود بن أبي هند : أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع ، فإن جالستهم ، فحاك في صدرك شيء مما يقولون ، أكببتك في نار جهنم .
وقال الفضيل بن عياض: من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة .
وقال الفضيل بن عياض : لا تجلس مع صاحب بدعة ، فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة.
وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة ، أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه.
وقال الفضيل بن عياض: من جلس مع صاحب بدعة ، ورثه العمى.
وقال الفضيل بن عياض : إذا رأيت صاحب بدعة في طريق فجز في طريق غيره.
وقال الفضيل بن عياض: من عظم صاحب بدعة، فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله على محمد ﷺ ، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط من الله حتى يرجع.
وقال الفضيل بن عياض: آكل مع يهودي ونصراني، ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد.
وقال الفضيل بن عياض:إذا علم الله من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر له، وإن قل عمله. ولا يكن صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا نفاقا. ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيمانا، ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة.
فلا تكن تحب صاحب بدعة في الله أبدا.
الشرح:
قوله : (ومن لم يشهد لمن شهد له رسول الله ﷺ بالجنة ، فهو صاحب بدعة وضلالة، شاك فيما قال رسول الله ﷺ ) يعني: الواجب على المسلم أن يشهد بالجنة لمن شهد له النبي ﷺ كالعشرة المبشرين بالجنة والحسن والحسين، فمن لم يشهد فهو صاحب بدعة وضلالة، شاك فيما قال رسول الله ﷺ ، إلا إذا لم يبلغه ذلك فهو معذور، فإذا بلغه النص فيجب عليه أن يشهد بالجنة لمن شهدت له النصوص بذلك.
قوله: (وقال مالك بن أنس : من لزم السنة ، وسلم منه أصحاب رسول الله ﷺ ثم مات، كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وإن كان له تقصير في العمل) أي: أن من لزم السنة وعمل بالكتاب، وسلم منه أصحاب رسول الله ﷺ واستقر على الدين فهو مع النبيين والصديقين، وإن كان عمله لا يلحق بهم لكن تجبره المحبة، فمحبته لهم تلحقه بهم، ولهذا لما جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! المرء يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال النبي ﷺ : المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ. ([32])، فإذا اجتهد الإنسان في العمل الصالح، وكان موحداً، واستقام على الدين مع بذل الجهد فإن محبته لهم تجبر هذا النقص ويكون معهم.
قوله :( وقال بشر بن الحارث : الإسلام هو السنة ، والسنة هي الإسلام) يعني: أن الإسلام هو أن تعمل بالسنة، والسنة فيها أوامر ونواه، فإذا عملت بها فهذا هو الإسلام، والسنة هي الإسلام، فمن عمل بالسنة فهو على الإسلام.
قوله : (وقال فضيل بن عياض : إذا رأيت رجلاً من أهل السنة ، فكأنما أرى رجلاً من أصحاب رسول الله ﷺ ) يعني لأنه تابع لآثارهم، ومتخلق بأخلاقهم، فكأنه منهم.
قوله :(وإذا رأيت رجلاً من أهل البدع ، فكأنما أرى رجلاً من المنافقين) لأن النفاق يكثر في أهل البدع.
قوله : (وقال يونس بن عبيد : العجب ممن يدعو اليوم إلى السنة) يعني: لقلتهم بسبب كثرة البدع، وكيف أن الله تعالى سلمهم من الفتن والبدع.
قوله: (وأعجب منه من يجيب إلى السنة فيقبل)([33]) يعني :أعجب ممن يهتدي؛ لأن الله تعالى وفقه مع كثرة البدع وكثرة الداعين إلى البدع، وهذا معناه يشبه معنى الأثر: "لَا تَعْجَبْ مِمَّنْ هَلَكَ كَيْفَ هَلَكَ، وَلَكِنِ اعْجَبْ مِمَّنْ نَجَا كَيْفَ نَجَا"([34]).
قوله : (وكان ابن عون يقول عند الموت: السنة السنة، وإياكم والبدع؛ حتى مات) وهذا من نصحه رحمه الله، فعندما حضره الموت كان يقول: السُّنَّة.. السُّنَّة! يعني: الزموا سنة النبيﷺ، وإياكم والبدع حتى مات، جعل يكرر هذه الكلمة ويوصي الناس بلزوم السنة والحذر من البدع ، والأنبياء أنصح الناس إلى الناس، والعلماء ورثة الأنبياء ينصحون الناس ويبينون لهم الحق، ويحذرونهم من البدع، ويأمرونهم بلزوم السنة، ويدلونهم إلى طريق السعادة، ومنهم ابن عون ، كان يقول عند الموت من شدة نصحه: السُّنَّة.. السُّنَّة، أي: الزموا السنة، وإياكم والبدع، ويكرر ذلك حتى مات وأرضاه.
قوله: (وقال أحمد بن حنبل: ومات رجل من أصحابي فرئي في المنام ، فقال: قولوا لأبي عبد الله: عليك بالسنة ؛ فإن أول ما سألني الله سألني عن السنة) هذه الرؤيا من باب البشارة، فهذا لما مات رئي في المنام يوصي الإمام أحمد بلزوم السنة .
قوله : (وقال أبو العالية: من مات على السنة مستوراً فهو صديق) أي: من مات على الكتاب والسنة، ومات على التوحيد، وحذر البدع والمعاصي فهو صِدّيق، فبقوة تصديقه يحذر من الشبهات والشهوات.
قوله : (ويقال:الاعتصام بالسنة نجاة)، وهذا الأثر عن الزهري رحمه الله ([35])أي: نجاة من الهلاك ونجاة من النار، فمن اعتصم بالسنة نجا وسلم من البدع.
قوله : (وقال سفيان الثوري: من أصغى بإذنه إلى صاحب بدعة خرج من عصمة الله ووكل إليها، يعني: إلى البدع)([36]) وهذه من العقوبة العاجلة، فإذا أصغى إلى صاحب بدعة فإنه يعاقب بأن يخرج من العصمة ويوكل إليها إذا كان ذلك عن عمد، ولكن من بادر بالتوبة وجاهد واستغفر الله وتاب فإن الله يتوب عليه.
قوله: (وقال داود بن أبي هند : أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى بن عمران: لا تجالس أهل البدع؛ فإن جالستهم فحاك في صدرك شيء مما يقولون أكببتك في نار جهنم) هذا من آثار بني إسرائيل وأخبارهم لا يعول عليه؛ فإن داود بن أبي هند القشيري بينه وبين موسى دهور وأزمنة طويلة تنقطع دونها أعناق المطي، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن المعصوم ﷺ، وهل بني إسرائيل عندهم بدع؟ أم عندهم كفر أو معاص؟
على كل حال أخبار بني إسرائيل لا حاجة إليها، والمؤلف رحمه الله نقله من باب الاستئناس، وإلا فإن الآثار التي ذكرها كافية.
قوله: (وقال الفضيل بن عياض: من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة)([37]) يعني: إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه. والمراد بالحكمة: العلم.
وهذه الآثار كلها إلى آخر الرسالة عن الفضيل بن عياض العابد الورع الزاهد الإمام المعروف، كان في أول حياته من قطاع الطريق، ثم هداه الله وصار إماماً واعظاً مشهوراً وعالماً ورعاً زاهداً،([38]) وهو الذي فسر قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا. قَالَ: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ خَالِصًا ولَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا وَالْخَالِصُ إِذَا كَانَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ([39]).
قوله: (وقال الفضيل بن عياض : لا تجلس مع صاحب بدعة؛ فإني أخاف أن تنزل عليك اللعنة ) ([40]) لأن أهل الكبائر والبدع ملعونين، فقد لعن الله السارق يسرق البيضة([41])، وشارب الخمر([42])، وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه([43])؛ فإذا كان العصاة ملعونين، وهم قد فعلوا الكبائر التي ليست بدعًا؛ فصاحب البدعة من باب أولى أنه ملعون؛ لأن ذنبه أعظم من ذنب صاحب الكبيرة.
قوله: (وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج نور الإسلام من قلبه) هذا الأثر أخرجه اللالكائي وابن بطة وأبو نعيم([44]) وإسناده صحيح، والحكم بحبوط العمل وخروج نور الإسلام من قلبه إذا كانت البدعة مكفرة، أما إذا كانت البدعة غير مكفرة فإيمانه يكون ضعيفاً، ويخرج كمال النور ويبقى أصله، وهذا فيه التحذير من البدع.
قوله: ( وقال الفضيل بن عياض: من جلس مع صاحب بدعة ، ورثه العمى)([45]) أي: أورثه الله العمى في بصيرته، لأن المعاصي والبدع نوع من العمى، والعمى الكامل هو الكفر -والعياذ بالله- .
قوله: (وقال الفضيل بن عياض : إذا رأيت صاحب بدعة في طريق، فجز في طريق غيره) هذا الأثر أخرجه أبو نعيم وابن بطة وابن الجوزي([46])، ومعناه: إذا رأيت صاحب بدعة جالساً في طريق فاذهب من طريق آخر لئلا يؤثر عليك، وهذا فيه التحذير من أهل البدع، إلا إذا أردت نصيحته وتحذيره، وغلب على ظنك أنه يستفيد فهذا مطلوب.
قوله: (وقال الفضيل بن عياض: من عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام) وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية وأورده ابن الجوزي([47]) ، وإسناده صحيح ،وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «هذا الكلام معروف عن الفضيل بن عياض»([48])، فالبدع تهدم شيئاً من الإسلام؛ فالكفر يهدم الإسلام، والبدع تضعف الإسلام ، ومن عظم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ، لأنه أعانه على الباطل.
قوله : (ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله على محمد ﷺ) وذلك أنه ينبغي للإنسان أن يعبس في وجه المبتدع ولا يتبسم في وجهه، يكون كما قال ابن عبد القوي في منظومته:
وَهُجْرَانُ مَنْ أبْدَى الْمَعَاصِيَ سُنَّةً | وَقِيلَ إِذَا يَرْدَعْهُ أوْجِبْ وَأَكِّدِ |
وَقِيلَ عَلَى الإِطْلاَقِ مَا دَامَ مُعْلِناً | وَلاَقِهْ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ مُرَبَّدِ ([49]) |
يعني: أهل البدع لا تلقهم بوجه منبسط ولا تتبسم في وجوههم بل تعبس في وجوههم، وتظهر لهم الكراهة وتهجرهم حتى يتوبوا من بدعتهم.
قوله : (ومن زوج كريمته بمبتدع فقد قطع رحمها)أي :من زوج ابنته أو أخته من مبتدع فهذا فيه قطع للرحم؛ لأن الرحم هم الأقارب من جهة الأب أو الأم، وأول الأرحام أبوك ثم أمك، ثم بناتك وأبناؤك من الرحم، وأولادك وإخوتك وأخواتك وأعمامك وعماتك وأخوالك وخالاتك، فمن زوج بنته أو أخته من مبتدع فقد قطع رحمها، إن كانت أخته قد قطع الرحم بينه وبين أخته، وإن كانت بنته فكذلك.
والسلف يمنعون من تزويج المبتدعة، كما قال الإمام مالك في القدرية: ولا أرى أن يناكحوا([50]).
قوله: (ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط من الله حتى يرجع)([51])؛ لأن في هذا نشر لبدعته، ولهذا نهى العلماء عن اتباع جنازة المبتدع وعن زيارة المريض المبتدع، وكان سفيان بن عيينة إذا رأى من يتبع جنازة مبتدع أو يزور المبتدع هجره([52]).
قوله: (وقال الفضيل بن عياض : آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد ) أخرجه اللالكائي وأبو نعيم وأخرج ابن بطة الشطر الثاني منه([53])، ووجهه -والله أعلم-: أن اليهودي والنصراني معروف كفره وضلاله، وهو من أهل الكتاب؛ ولهذا قال الله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]، فقد تأكل مع اليهودي أو النصراني أكلاً حلالاً تألفا لقلبه، أما صاحب البدعة فلا تجالسه فضلا أن تأكل معه، لأنه يبث سمومه وشبهاته، فإن لم تستجب له فقد يقع كلامه في قلبك فيُحدث لك زيغ أو انحراف في معتقدك أو شك أو غير ذلك؛ فعليك أن لا تعطي فرصة لصاحب هوى وبدعة أن يبث سمومه لك، أو يلقي عليك شبهاته فيزيغ قلبك فتهلك، كما سمعنا قول ابن سيرين : «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْرَآ عَلَيَّ آيَةً فَيُحَرِّفَانِهَا، فَيَقِرُّ ذَلِكَ فِي قَلْبِي»([54])يعني: يحرفها المبتدع ، ولهذا قال الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]، فنهانا الله أن نجالس من يخوض في آيات الله من أهل الكفر ومن أهل البدع والزيغ والأهواء .
وقد أحب الفضيل أن يكون بينه وبين صاحب البدعة حصن من حديد؛ وذلك حتى لا يتسلل، ويلقي شبهاته؛ وهذا يدل على خطره على المسلمين.
قوله :(وقال الفضيل بن عياض:إذا علم الله من الرجل أنه مبغض لصاحب بدعة غفر له، وإن قل عمله، ولا يكن صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا نفاقا) هذا الأثر رواه ابن بطة ثم عقب عليه فقال: صَدَقَ الْفُضَيْلُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّا نَرَى ذَلِكَ عِيَانًا ([55]) .
قوله : (ومن أعرض بوجهه عن صاحب بدعة ملأ الله قلبه إيمانا، ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة) هذا روي مرفوعا ولا يصح([56]) ، ومعناه صحيح .
قوله : (فلا تكن تحب صاحب بدعة في الله أبداً)، بل النصوص وأقوال السلف آمرة ببغضهم في الله – كما تقدم - .
***
أسأل الله أن يوفقنا للاعتصام بسنته، والاهتداء بهديه، والسير على طريقته، وأن يثبتنا على دينه، وأن يعافينا من البدع والزيغ، وأن يتوفانا على التوحيد غير مبدلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحواشي:
[1]-أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (1/392).
[2]- أخرجه الدارمي (1/389) ، وابن وضاح في البدع (1/106)، والآجري في الشريعة (1/440) ،واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (242) ، وابن بطة في الإبانة الكبرى (485).
[3]- أخرجه ابن بطة في الإبانة (611)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/283) ، إسناده ضعيف، فيه راوٍ مبهم
[4]- أخرجه الآجري في الشريعة (1/438) ، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (215) ، وابن بطة في الإبانة الكبرى (586).
[5]- أخرجه البزار في مسنده (18/76)، والطبراني في الأوسط (2/79)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/486).
[6]- أخرجه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر ، رقم (2133)، وابنُ ماجَهْ، المقدمة ، (85)،وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/14): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
[7]- أخرجه أحمد في مسنده ، رقم (6741)، والبخاري في خلق أفعال العباد (1/63)، والآجري في الشريعة (1/467)، المعجم الأوسط للطبراني (3/227)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (794)، شعب الإيمان (3/527)، والبغوي في شرح السنة (1/260).
[8]- أخرجه الآجري في الشريعة (5/2556)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (329).
[9] - أخرجه البخاري، كتاب التَّوْحِيدِ ، باب قراءة الفاجر والمنافق، وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم ، رقم (7562).
[10]-أخرجه الدارمي ، رقم (150)، وابن وضاح في البدع (1/111) ، والبزار في مسنده ، رقم (299)، والرجل اسمه: صبيغ بن عـسلٍ الشامي ، وقيل: العراقي.
[11] - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/152) ، والآجري في الشريعة (1/431) ، وابن بطة في الإبانة الكبرى (532) ، والهروي في ذم الكلام (53) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(1/156): فيه كثير بن مروان وهو ضعيف جداً، وقال: وفيه كثير بن مروان كذبه يحيى .
([12]) أخرجه ابن بطة في الإبانة (1/376/257)، وانظر: المسألة [148] من هذا الكتاب .
[13]- سبق تخريجه .
[14]- السنة، للخلال (3/582/1009) .
[15]- مجموع الفتاوى (7/140) .
([16])«منهاج السنة النبوية»(1/113، 114).
[17] -انظر: منهاج السنة (1/ 537) ، والمسائل والأجوبة (1/84) .
[18] -انظر: العقيدة الواسطية (1/118) .
[19] -انظر : «شرح العقيدة الطحاوية» (1/496).
[20] -قال رحمه الله : « وَأفضل النَّاس بعد النَّبِيين عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر بن الْخطاب الْفَارُوق ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان ذُو النورين ثمَّ عَليّ بن أبي طَالب المرتضى رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ ». «الفقه الأكبر» (1/ 41).
[21] -كما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله: "من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار" السنة، للخلال (558).
[22]- انظر: العقيدة الواسطية (1/118) .
[23] - أخرجه الترمذي: أبواب المناقب، باب مَنَاقِبِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ ، رقم (3747) .
[24]- أخرجه الترمذي: المناقب، باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، رقم (3768)، وابنُ ماجَهْ: المقدمة ، رقم (118)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ، وقال الحاكم: هذا الحديث صح من أوجه كثيرة.
[25]- أخرجه مُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (119).
[26]- أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب من لم يرق ، رقم (5752)، ومُسْلِم ، كتاب الْأَيْمَانِ ، رقم (220).
[27]-أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب فضل من تعار من الليل فصلى ، رقم (1156)، ومُسْلِم ، كتاب فضائل الصحابة ، رقم (2478).
[28]- أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام (3812)، ومُسْلِم، كتاب فضائل الصحابة (2483) .
[29] - أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة ، رقم (1497)، ومُسْلِم ، كتاب الزكاة ، رقم (1078).
[30] - مجموع الفتاوى (35/72) .
[31] - إلى هنا انتهى الموضع انتهى الأصل المخطوط، وما بعده فهو مما نقله ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/42-43) .
[32] - أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب علامة حب الله ، رقم (6168)، ومُسْلِم ، كتاب البر والصلة والآداب ، رقم (2640).
[33]- أخرجه أبو نعيم في الحلية(3/21)،وابن بطة في الإبانة(20)، واللالكائي في السنة (1/64).
[34]- أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/71).
([35])أخرجه الدارمي في «السنن» (96)، واللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (15، 136، 137)، وأبو نعيم في «الحلية» (3/369)، وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (166)، والبيهقي في «المدخل» (860)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (55/359) عن الزهري، به.
[36]- أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (3/21)،وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (444) .
([37])أخرجه البيهقي في «الشعب» (9482)، واللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (1149)، وأبو نعيم في «الحلية» (8/103)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (48/398) عن الفضيل، به. وانظر: «السير» (8/435)، و«التذكرة» (1/246).
[38]- تقدم ترجمته .
[39]- أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/95).
([40]) أخرجه البيهقي في «الشعب» (9472)، واللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (262)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (48/398) عن الفضيل بن عياض.
([41]) أخرجه البخاري في الحدود، باب لعن السارق إذا لم يسم، رقم (6783)، ومسلم في الحدود، باب حد السرقة ونصابها، رقم (1687) من حديث أبي هريرة .
([42]) أخرجه الترمذي في البيوع، باب النهي أن يتخذ الخمر خلا، رقم (1295)، وابن ماجه في الأشربة، باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، رقم (3381) عن أنس بن مالك قال: لعن رسول الله ﷺ في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له.قال الترمذي: «هذا حديث غريب من حديث أنس».
([43]) أخرجه مسلم في الطلاق، باب لعن آكل الربا ومؤكله، رقم (1597) عن عبدالله بن مسعود و(1598) من حديث جابر . وأخرج البخاري (5962) بعضه من حديث أبي جحيفة .
[44]- أخرجه أبو نعيم في الحلية(8/103)،وابن بطة في الإبانة(440)، واللالكائي في السنة (1/155).
([45])أخرجه اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (264)، وأبو نعيم في «الحلية» (8/113) عن الفضيل، به.
[46]- أخرجه أبو نعيم في الحلية(8/103)،وابن بطة في الإبانة(493)، وتلبيس إبليس (1/15).
[47]- أخرجه أبو نعيم في الحلية(8/103)، وتلبيس إبليس (1/15).
([48])«مجموع الفتاوى» (18/346)، وأخرجه اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (273) من قول إبراهيم بن ميسرة.
[49]-انظر : منظومة الآداب لابن عبد القوي (1/2) .
([50])أخرجه ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1847)، وأورده القاضي عياض في «ترتيب المدارك» (1/91).
([51]) ذكره ابن مفلح في «المقصد الأرشد» (ص330) عن الفضيل بن عياض. وأخرجه الهروي في «ذم الكلام» (953) من قول ابن عيينة.
([52]) أخرجه اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» ، رقم (2816) عن سفيان بن عيينة.
[53]- أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/706) ، وأبو نعيم في الحلية (8/103)، وابن بطة في الإبانة الكبرى(470).
[54]- أخرجه الدارمي في سننه (1/389/411) ، وابن بطه في الإبانة (2/445/398) ، واللالكائي في السنة (1/150/242) .
[55]- الإبانة (2/ 3/456/ 429)، وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/ 156/266).
[56]- أخرجه أبو نعيم في الحلية(8/ 200)، والهروي في ذم الكلام (5/140)،والخطيب في تاريخ بغداد(10/ 264)، وقال: تفرد بروايةِ هذا الحديث الحسينُ بن خالد، وهو أبو الجنيد، وغيرُه أوثق منه.