الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
التعريف بالمؤلف:
فإن رسالة العبودية لشيخ الإسلام الإمام العلامة أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني، الإمام المجاهد الصابر العالم العامل– رحمة الله تعالى عليه –.
كانت ولادته– رحمه الله – سنة ستمائة وإحدى وستين هجرية.
وهو إمام مشهور معروف وشهرته تغني عن الكلام عنه، وهو إمام عظيم أظهر مذهب أهل السنة والجماعة ومعتقدهم في وقت كاد أن يندثر، واستفاد من عمله في حياته وبعد وفاته الجم الغفير من الناس، فكم من إنسان هداه الله على يديه في حياته وبعد وفاته، ولو لم يكن من ذلك إلا شهود العلامة ابن القيم– رحمة الله عليه– لكفى؛ فإن الله هداه على يديه، وكم من إنسان انحرف عن معتقد أهل السنة والجماعة فهداه الله على يديه في حياته وبعد مماته، وقد قرأ كثير من الناس كتاب هذا الإمام العلامة واستفادوا وأفادوا.
وهو إمام عظيم في أصول الدين، وفي الفقه، وفي الحديث وفي التفسير، وفي سائر أنواع العلوم. ولا يعرف لـه قول خطأ في أصول الدين - رحمة الله تعالى عليه -، وأقواله واختياراته في فروع الدين مسددة.
كانت وفاته سنة سبعمائة وثمان وعشرين–رحمة الله تعالى عليه– فعمره ثمانية وستون عاماً.
التعريف بالرسالة:
هذه الرسالة رسالة عظيمة،وهي رسالة العبودية على اسمها؛ تتعلق بعبودية الله ، وهي جواب لسؤال أُلقي على الإمام رحمه الله، سئل فيه عن العبادة ما هي؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدين داخل فيها؟ وهل هي أعلى مقامات الدين أم هناك شيء فوقها؟ فأجاب بهذه الرسالة.
وكثيرمن رسائله – رحمه الله –تكون جواباً لسؤال أُلقي عليه؛ كالعقيدة الواسطية- وهي من أحسن كتب شيخ الإسلام في المعتقد - جواب لسؤال من بلدة واسط فسميت الواسطية، والفتوى الحموية جواب لسؤال من بلدة حماة فسميت الحموية، والتدمرية جواب لسؤال من بلدة تدمر فسميت بالتدمرية، وهكذا هذه الرسالة.
طريقة الشرح:
وقد تم نتناول هذه الرسالة بالشرح والتقريب، شرحًا متوسطًا، بالتدليل والتعليل، وتوضيح المشكل، وذكر أمثلة للقواعد والبراهين، وإبراز المعنى، وتمييز الشاهد، وتفصيل القول فيما يحتاج إلى ذلك.
ونسأل الله تعالى أن ينفع بالرسالة وشرحها، ونسأله تعالى للجميع العلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي
المتن:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبنيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد سئل شيخ الإسلام وعلم الأعلام، ناصر السنة، وقامع البدعة: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله عن قوله : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، فما العبادة؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم لا؟ وما حقيقة العبودية؟ وهل هي أعلى المقامات في الدنيا والآخرة، أم فوقها شيء من المقامات؟ وليبسط لنا القول في ذلك.
الشرح:
هذا هو السؤال الذي وُجه للإمام العلامة رحمه الله، فقد سئل عن قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، وهذا الخطاب في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ . خطاب موجه إلى جميع الناس مؤمنهم وكافرهم، ذكرهم وأنثاهم، عربهم وعجمهم، أحرارهم وعبيدهم، كلهم موجه إليهم هذا الخطاب، وكلهم مطالب بالعبادة وهذا أول أمر في القرآن الكريم في سورة البقرة، أول أمر وجهه الله إلى الناس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21]، فسئل الإمام رحمه الله عن هذه الآية الكريمة.
يقول السائل: الله تعالى أمرنا بالعبادة، فما هي العبادة؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدين داخل في العبادة أم هناك شيء يخرج منها؟ وما حقيقة العبادة؟ وهل هي أعلى المقامات أم فوقها شيء من المقامات؟
بمعنى أنه سؤال له فروع، وسيأتي في الجواب إن شاء الله أن العبادة تشمل جميع الأوامر والنواهي، ومجموع الدين كله داخل فيها؛وحقيقة العبودية: أن تعبد الله مخلصاً لـه الدين، وهي أعلى المقامات حتى إن أفضل الناس وهم الأنبياء والرسل، أعلى مقاماتهم العبودية والرسالة، وكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام أدرك أعلى المقامات: العبودية والرسالة؛ كما قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا الإسراء: ١، وقال سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا النساء: ٨٠.
المتن:
الشرح:
قوله: (العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة): هذا هو تعريفها، والمراد أن العبادة: اسم يجمع كل ما يحبه الله ويرضاه سواء كان هذا قولاً أو عملاً، وسواء كان باطناً أو ظاهراً، وسواء كان من أعمال القلوب أو من أعمال الجوارح، أو من أقوال اللسان، فكان ذلك داخل في مسمى العبادة مادام يحبه الله ويرضاه، فكل شيء يحبه الله ويرضاه فهو عبادة، سواء كان قولاً أو عملاً وسواء كان باطناً أو ظاهراً، وسواء كان من أقوال اللسان أو من أقوال القلب، وسواء كان قول القلب أو قول اللسان أو عمل القلب أو عمل الجوارح، كله داخل في مسمى العبادة ما دام شيئاً يحبه الله ويرضاه.
بعبارة أخرى؛ العبادة هي: امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.فهي أداء الواجبات التي أوجبها الله قولاً أو فعلاً، باطناً أو ظاهراً، وترك المحرمات التي حرمها الله قولاً أو فعلاً، باطناً أو ظاهراً.
ثم مثَّل المؤلف - رحمه الله - فقال: فالصلاة والزكاة والصيام والحج كل هذه من أنواع العبادة.
فالصلاة فيها أعمال القلوب وأعمال الجوارح وأقوال اللسان؛فأعمال القلوب في إخلاص أدائها لله، وأعمال الجوارح في أدائها، وأقوال اللسان حيث أن فيها ذكر وقراءة وتسبيح وتهليل.
والزكاة كذلك: إعطاء وعقيدة، والصيام كذلك: إمساك بنية، والحج، ودعاء الله، والذكر، وقراءة القرآن، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار عبادة، وجهاد المنافقين عبادة، والإحسان إلى الجار عبادة، والإحسان إلى المسكين، والإحسان إلى المملوك من الآدميين. والإحسان إلى المملوك من البهائم، كل هذه عبادات.
وكذلك أيضاً مَثَّل لأعمال القلوب: فحبُّ الله ورسوله ﷺ هذا عمل قلبي، خشية الله عمل قلبي، الإنابة إلى الله عمل قلبي، إخلاص الدين عمل قلبي، والصبر لحكم الله عمل قلبي، والشكر لنعم الله عمل قلبي، والرضا بقضاء الله عمل قلبي، والتوكل على الله يجمع أمرين: يَجمعُ فعلَ الأسبابِ وتفويضَ الأمرِ إلى اللهِ، والرجاء لرحمة الله، والخوف من عذابه، كل ذلك من العبادة.
والخلاصة: أن العبادة تشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح، وأقوال القلب وأقوال اللسان.
أقوال اللسان: مثل الذكر، تلاوة القرآن، والتسبيح والتهليل، والتكبير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله.
أقوال القلب: إقراره وتصديقه؛ وعمل القلب مثل ما سبق: حب الله ورسوله ﷺ، خشية الله والإنابة إليه، إخلاص الدين، الصبر والشكر والرضا والرجاء والخوف، كل هذه من أعمال القلوب.
أعمال الجوارح: الصلاة والزكاة والصلاة والحج، صدق الحديث، أيضًا هذه من أقوال اللسان.
ويمكن القول بأن العبادة تشمل: كل شيء جاء به الشرع، سواء ما أمر به الشرع، أو ما نهى عنه، وسواء كان هذا الذي أمر به الشرع أو نهى عنه قولاً أو فعلاً، وسواء كان من أقوال اللسان أو من أقوال القلوب، وسواء كان من أعمال القلوب أو من أعمال الجوارح.
المتن:
الشرح:
هذه منزلة العبادة عند الله، فهي الغاية المحبوبة لله والمرضية لـه، وما دامت العبادة هي الغاية التي يحبها الله ويرضاها، فهي أعلى منزلة، فأعلى منزلة لك أيها الإنسان أيها المخلوق أن تكون عبدًا لله وأن تحقق العبودية لله، وإذا حققت العبودية لله صرت محبوبًا لله مرضيًا له.
وأكمل الرسل تحقيقاً للعبوديـة هم الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأكمل الرسل تحقيقًا للعبودية هم أولو العزم الخمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى وعيسى، ونبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وأكمل أولي العزم الخمسة تحقيقاً للعبادة هما الخليلان: إبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وأكمل الخليلين تحقيقًا للعبادة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
وبهذا يتبين أن أكمل الناس تحقيقا للعبودية: أكمل الخلق نبينا ﷺ، ثم يليه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، ثم يليه موسى عليه الصلاة والسلام، ثم بقية أولي العزم ، ثم بقية الرسل، ثم سائر الأنبياء ثم بعد ذلك الصالحون من عباد الله الصديقون، ثم بعد ذلك الشهداء، ثم الصالحون، هؤلاء هم أكمل الناس على التحقيق،فالمراتب أربع:
أ- الأنبياء. ب- الصديقون.
جـ- الشهداء. د-الصالحون.
وأكمل الصديقين: الصديق الأكبر أبو بكر الصديق ؛ ثم يليهم سائر المؤمنين، وفي مقدمتهم العلماء والأئمة والأخيار.
والعبادة هي التي خُلِق الخلق من أجلها، وهذا يدل على عِظم منزلة العبادة وأن كمال المخلوق أن يكون عبداً لله، ولذلك خُلق الخلق من أجلها، كما قال : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وأرسل بها الرسل، فكل الرسل أُرسلوا إلى قومهم يأمرونهم بعبادة الله، كما قال تعالى عن نوح أنه قال: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف :59]، وهود قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف :65]، وصالح قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف :73]، وشعيب قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف :85]، كل رسول بعثه الله يأمر قومه بعبادة الله، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ [النحل:36]، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]،وقال سبحانه: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [الأنبياء: 92].، وقال سبحانه مخاطباً الرسل: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51].
وبهذا يتبين أن أعلى مقام يكون للإنسان هو تحقيق العبودية لله، وأكمل الناس تحقيقاً لهذه العبادة هم الرسل عليهم الصلاة والسلام.
المتن:
وجعل ذلك لازمًا لرسوله إلى الموت كما قال: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
وبذلك وصف ملائكته وأنبيائه فقال تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:19- 20]. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف :206].
وذم المستكبرين عنها بقوله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60].
ونعت صفوة خلقه بالعبودية له، فقال تعالى: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [الإنسان:6].
وقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا... الآيات.
ولما قال الشيطان : قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:39-42].
الشرح:
هكذا تكون منزلة العبادة، فمنزلتها عظيمة بالنسبة للمخلوق، وإذا حقق العبادة فإن قربه من الله على قدر تحقيقه لهذه العبادة، ولا ينتصل أحد من المخلوقين ولا يخرج عن هذه العبادة أبدًا، وإذا ادَّعى رجل أن هناك أحداًيسقط عنه التكاليف ولا يكلف بالعبادة وعقله ثابت معه، وليس مخوَّفًا ولا مجنونًا - إلا الحائض والنفساء يسقط عنهم الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس- فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً؛ كما نص على ذلك الأئمة كشيخ الإسلام وغيره - نسأل الله السلامة والعافية -.
ولهذا جعل الله العبودية لازمة لرسوله حتى الموت، مع أنه ﷺ أكمل الناس ولكن الله جعل العبادة لازمة له، فقال: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]؛ واليقين هو الموت[1]، يعني: استمر على عبادة ربك والزمها حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك.
وكذلك الملائكة والأنبياء فهم أفضل خلق الله، وقد وصفهم الله تعالى بالعبادة، فقال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وهذا عام، يعني: ملك السماوات والأرض، ثم قال: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:19- 20]. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف :206].، هذا وهم الملائكة والأنبياء والرسل أفضل المخلوقات.
ثم أخبر أن من استكبر عن عبادة الله فإنه سيدخل جهنم صاغراً، قال سبحانه : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60].
ونعت صفوة خلقه بالعبودية، فقال عن الأبرار: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [الإنسان:6].. هذه الإضافة إضافة تشريف وتكريم.
وقال سبحانه: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:63-64]، فإضافتهم إليه سبحانه تشريفا وتكريمًا.
وأخبر الله تعالى عن إبليس أن الله تعالى لما أنظره أقسم أنه سيغوي الناس واستثنى عباد الله المخلصين، فإنه ليس له سلطان عليهم، قال الله تعالى عنه: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، وفي الآية الأخرى: إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر: 42]، فأضافهم الله إليه في قوله: إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، وهذه الإضافة إضافة تشريف.
المتن:
الشرح:
هذا في وصف الملائكة، فقد وصف الله تعالى الملائكة بالعبودية، وأنهم لا يخرجون عن العبودية، فقال سبحانه : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ[الأنبياء:26]، يعني الملائكة عباد مكرمون، لا يخرجون عن العبودية، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ وهم الملائكة لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف :206].
وفي قوله تعالى : وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا [مريم:88-90]: بيان تعظيم من نسب الولد لله، وأن هذا أمر عظيم، فمن نسب الولد لله وقال لله ولد فهو مشرك، وقد قال على الله قولاً عظيمًا، ولهذا قال الله تعالى : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إدًّا. يعني أمراً عظيمًا، : تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا . أي أن هذا أمر عظيم تكاد تنفطرله السموات وتنشق الأرض وتخر الجبال، حيث ادعوا للرحمن الولد وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:92]، ثم قال سبحانه : إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا، كل من في السموات والأرض يأتي يوم القيامة عبدًا لله معبد مربوط مقهور مذلل مصرف مدبر، ينفذ فيه قدرة الله ومشيئته، ليس له من نفسه وجود ولا عدم ولا خروج له عن قدرة الله ونفوذ مشيئته.
المتن:
الشرح:
المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام نبي الله، وهو من أولي العزم الخمسة، وهو عبد لله لا يخرج عن العبودية، وادَّعت فيه النصارى الآلهية والبنوة، فادَّعو أنه إله وأنه ابن الله، قال الله تعالى : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [المائدة:73]، ومع ذلك فالمسيح عليه الصلاة والسلام عبدٌ، لا يخرج عن العبودية، عبدٌ لله فكيف يدعى فيه النصارى أنه ابن الله أو أنه إله؟! تعالى الله عن ذلك، ولهذا قال الله تعالى عن المسيح: إنْ هُوَ إلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إسْرَائِيلَ.[الزخرف:59]، أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة، وجعله مثلاً لبني إسرائيل.
المتن:
الشرح:
ونبينـا محمـد ﷺ أفضل الخلـق، قـال في الحديث الصحيـح لا تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ وهـذا هـو مقامـه، وهذا مكانه، وهـذه منزلتـه عبـد الله ورسـولـه، لا تُطْرُونِي[3]: الإطراء هو مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه، والغلو، لا تطرونـي ولا تغلو فيّ فترفعوني من مقام العبودية والرسالة إلى مقام الألوهية، كما ادَّعت النصارى في عيسى.
هذه أعلى المقامات لنبينا ﷺ، ومع ذلك وصفه الله تعالى بالعبودية، وهي:
الحالة الأولى: حالة الإسراء، لما أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء، قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء:1]، إذاً رسول الله ﷺ عبدٌ وليس بملكٍ ولا إله، وليس ابنُ الله. كما تدَّعي النصارى في عيسى، بل هو عبد الله ورسوله.
الحالة الثانية: في مقام الإيحاء قال تعالى : فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:10]. فسماه عبده ووصفه بالعبودية.
الحالة الثالثة: في مقام الدعوة إلى الله قال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا [الجن:19].
الحالة الرابعة: في مقام إنزال الكتاب قال تعالى : وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ.[البقرة:23].
ولو كان هناك شيء أعلى من العبودية لوصف الله به نبيه ﷺ، فهذه أعلى المقامات وأشرف الأحوال وصف الله بها نبيه بالعبادة وهو أكمل الخلق، وأفضل الخلق، فدل على أنه ليس هناك أحد يخرج عن العبودية من المخلوقين أبدًا، ومن ادَّعى أنه يخرج عن عبودية الله وأنه يتجاوزها فإنه يكون كافرًا مرتدًا، ومن ادَّعى أنه يتجاوز العبودية وأنه لا يكون عبدًالله فهذا مستكبر عن عبادة الله، ومن استكبر عن عبادة الله فهو كافر، واستسلم لله ولغيره فهو مشرك، ومن عبد الله وغيره فهو مشرك، وكلا من المشرك والمستكبر كافر.
المتن:
الشرح:
قوله: (فالدين كله داخل في العبادة) وهذه جملة مهمة، وهذا جواب سؤال عن الأسئلة التي وجهت للمؤلف، نعم الدين كله داخل في العبادة، الصلاة داخلة في العبادة، والصوم داخل في العبادة، والحج داخل في العبادة، وبر الوالدين داخل في العبادة، وصلة الرحم داخل في العبادة، وحب الله ورسوله داخل في العبادة، وتلاوة القرآن داخل في العبادة، والتسبيح داخل في العبادة، والأمر بالمعروف داخل في العبادة، والنهي عن المنكر داخل في العبادة، والإحسان إلى الناس داخل في العبادة، وكف الأذى عن الناس داخل في العبادة، وهكذا جميع فروع الدين كلها داخلة في العبادة، ليس هناك شيء يخرج عن العبادة.
وهكذا..في هذا الحديث العظيم حديث جبريل الذي رواه عمر بن الخطاب حينما جاء جبريل وسأل النبي ﷺ، حتى يتعلم الناس ويستفيدوا، فسأل عن الإسلام ثم سأل عن الإيمان، ثم سأل عن الإحسان، فذكر له أن الإسلام مبني على خمسة أركان، وهي: الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، وتؤمن بالقدر خيره وشره، ثم سأله عن الإحسان: قال: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك . ثم سأله عن الساعة، ثم سأله عن أماراتها، ثم سأل النبي ﷺ الناس قال تَدرُونَ مَن هَذَا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ . يسمى هذا دين، الإسلام والإيمان والإحسان كله دين، ويكون الدين ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، ولهذا قال: أَتَاكُم يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ وفي لفظ أَمرَ دِينِكُمْ ([4])فجعل هذا كله من الدين.
المتن:
وَ " الدِّينُ " يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ. يُقَالُ: دِنْته فَدَانَ أَيْ: ذَلَّلْته فَذَلَّ وَيُقَالُ يَدِينُ اللَّهَ وَيَدِينُ لِلَّهِ أَيْ: يَعْبُدُ اللَّهَ وَيُطِيعُهُ وَيَخْضَعُ لَهُ فَدِينُ اللَّهِ عِبَادَتُهُ وَطَاعَتُهُ وَالْخُضُوعُ لَهُ.
وَ " الْعِبَادَةُ " أَصْلُ مَعْنَاهَا الذُّلُّ أَيْضًا يُقَالُ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ إذَا كَانَ مُذَلَّلًا قَدْ وَطِئَتْهُ الْأَقْدَامُ، لَكِنَّ الْعِبَادَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الذُّلِّ وَمَعْنَى الْحُبِّ فَهِيَ تَتَضَمَّنُ غَايَةَ الذُّلِّ لِلَّهِ بِغَايَةِ الْمَحَبَّةِ لَهُ
الشرح:
قوله: (الدين يتضمن معنى الخضوع والذل) فإن المتدين لله هو الخاضع لله الذليل له، وغير المستكبر، يقال: دنته فدان، أي: دنته فذل. فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له.
فالعبد معبَّد لله مذلَّل خاضع ليس مستكبراً، بل هو منقاد يؤدي فرائض الله وينتهي عن محارم الله، ويستقيم على دين الله، ويقف عند حدود الله، هكذا العبد.
وقوله:(والعبادة أصلٌ معناها الذل): ومن ذلكما يقال في اللغة: طريق معبد، إذا كان مذللاً وطئته الأقدام، ويقال: جمل ذلول أي: منقاد.
والعبادة المأمور بها تتضمن:غاية الذل لله وغاية المحبة لله ، يعني أن الإنسان يؤدي العبادة وهو خاضع لله محبًا له، وهكذا. فهو يعبد الله وهو منقاد له خاضع له محبًا لله ، خائفٌ راجٍ، هكذا تكون العبادة، يعبد الله بالحب وبالخوف وبالرجاء والذل، والحب كما سيذكر المؤلف مراتب متعددة.
المتن:
فَإِنَّ آخِرَ مَرَاتِبِ الْحُبِّ هُوَ التَّتْمِيمُ وَأَوَّلُهُ " الْعَلَاقَةُ " لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ ثُمَّ " الصَّبَابَةُ " لِانْصِبَابِ الْقَلْبِ إلَيْهِ ثُمَّ " الْغَرَامُ " وَهُوَ الْحُبُّ اللَّازِمُ لِلْقَلْبِ ثُمَّ " الْعِشْقُ " وَآخِرُهَا " التَّتْمِيمُ " يُقَالُ: تَيْمُ اللَّهِ أَيْ: عَبْدُ اللَّهِ فَالْمُتَيَّمُ الْمُعَبَّدُ لِمَحْبُوبِهِ.
وَمَنْ خَضَعَ لِإِنْسَانِ مَعَ بُغْضِهِ لَهُ لَا يَكُونُ عَابِدًا لَهُ وَلَوْ أَحَبَّ شَيْئًا وَلَمْ يَخْضَعْ لَهُ لَمْ يَكُنْ عَابِدًا لَهُ كَمَا قَدْ يُحِبُّ وَلَدَهُ وَصَدِيقَهُ وَلِهَذَا لَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَبَّ إلَى الْعَبْدِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مَنْ كُلِّ شَيْءٍ بَلْ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَحَبَّةَ وَالذُّلَّ التَّامَّ إلَّا اللَّهُ. وَكُلُّ مَا أُحِبَّ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَحَبَّتُهُ فَاسِدَةٌ وَمَا عُظِّمَ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ كَانَ تَعْظِيمُهُ بَاطِلًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ.
فَجِنْسُ الْمَحَبَّةِ تَكُونُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَالطَّاعَةِ؛ فَإِنَّ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْإِرْضَاءَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَالْإِيتَاءُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
الشرح:
فالمحبة مراتب متعددة:
وأول مراتب المحبة: العلاقة، وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب، يتعلق به ويميل إليه.
ثم يليها مرتبة الصبابة: وسميت صبابة لأن القلب ينصب إليه.
ثم الغرام من مراتب المحبة وهو الحب الملازم للإنسان، ومنه قوله تعالى في جهنم :ﭿ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭾ. يعني ملازمًا.
ثم العشق، وهو من مراتب المحبة، وهذا لا يوصف الله به.
وآخر مراتب المحبة: التتيم، ومنه قولهم: (تيم الله) أي: عبد الله، فالمتيم: المعبد لمحبوبه.
وبيَّن المؤلف رحمه الله أن العبادة لابد فيها من: الخضوع والذل والمحبة، فالإنسان في عبادته، يخضع لله مع حبه له وإذلاله وتعظيمه؛
فإن خضع لشخص من المخلوقين وأحبه: صارت هذه عبادة.
أما إذا خضع لإنسان ولم يحبه: فلا تكون عبادة؛ كما يخضع الإنسان لسلطان أو معتدٍ قاهر، فإنه يخضع له ولكن لا يحبه بل يبغضه فلا يكون عبادة.
أو أحب إنسان ولم يخضع لـه: فلا تكون عبادة، كما يحب الإنسان ولده وصديقه وزوجته لكن لا يخضع ولا يذل لهم.
فلا بد من اجتماع الأمرين خضوع مع محبة وإجلال، فذلك عبادة لا تكون إلا لله، أما إذا انفرد أحدهما فلا يكون عبادة[5].
وكل ما أُحب لغير الله تكون محبته فاسدة، وكل معظم بغير أمر الله فتعظيمه باطل، قال تعالى في سورة التوبة : قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. [التوبة:24]، هذا فيه الوعيد الشديد على من قدَّم شيئاً من هذه الأصناف الثمانية على محبة الله ورسوله، ولهذا قال: فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ..
فجنس المحبة تكون لله وللرسول، فالله تعالى والرسول يحبان، والطاعة كذلك تكون لله وللرسول، والإرضاء أيضا يكون لله وللرسول: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة:62]. والإيتاء يكون لله وللرسول: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ[التوبة:59].
أما العبادة والتوكل والخوف فهذا لا تكون إلا لله، فالعبادة خاصة لله فلا يعبد الرسول، والتوكل خاص بالله ، والحسب خاص بالله ، والدعاء خاص بالله، والنذر خاص بالله، والذبح، وهكذا، وسيأتي مزيد بسط لهذا قريبا.
الخلاصة:
العبادة بأنواعهاخاصة بالله، ولا يُعبد الرسول، لكن الطاعة تكون لله وللرسول، والمحبة تكون لله وللرسول، والإرضاء يكون لله وللرسول، وهكذا.
المتن:
وَأَمَّا " الْعِبَادَةُ " وَمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ التَّوَكُّلِ؛ وَالْخَوْفِ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا إلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ. فَالْإِيتَاءُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ كَقَوْلِهِ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. وَأَمَّا الحسب وَهُوَ الْكَافِي فَهُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ حَسْبُك وَحَسْبُ مَنْ اتَّبَعَك اللَّهُ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنَى حَسْبُك اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا كَمَا قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَالَ تَعَالَى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ
الشرح:
هذا فيه بيان الحقوق الخاصة بالله والحقوق المشتركة بين الله وبين الرسـول ﷺ:
فالحقوق الخاصة بالله هي: العبادة؛ فلا يشاركه فيها أحد بجميع أنواعهـا؛ من الذبـح، والنـذر، والصـلاة، والزكـاة، والصـوم، والحـج، فجميع أنواع العبادة كلها خاصة بالله، والحسب والكفاية تكون بالله، فلا تقول يكفينا الله ويكفينا الرسول، فالحسب وهو الكافي هو الله وحده أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، فلا تقول: حسبي اللهُ والرسولُ، لأن هذا حق خاص بالله.
إذن فالحسب والعبادة بجميع أنواعها والتوكل والخوف والرجاء كل هذا من حق الله، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64]، أي: حسبك الله وحسب من اتبعك الله، أما من ظن حسبك الله ومن المؤمنين فإن هذا خطأ فاحش، أي من ظن المعنى أن الله والمؤمنين يحسبونك يا رسول الله فقد أخطأ خطئًا فاحشًا، فالحسب خاصة بالله، حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني يكفيك الله ويكفي اتباعك من المؤمنين، ليس المعنى أن الله والمؤمنين يكفونك يا محمد كما ظنه بعضهم، وقـد نبـه على ذلك المؤلف رحمه الله. حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . يعني حسبك الله، والحسب: معناه الكفاية، حسبُك وحسبُ أتباعِك اللهُ.
وهناك حقوق مشتركة بين الله وبين الرسول، مثل: المحبة فهذه تكون لله وللرسول، والطاعة تكون لله وللرسول، والإرضاء يكون لله وللرسول، والإيتاء يكون لله وللرسول وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59]، فلا يخلط الإنسان بين حقوق الله الخاصة به وبين الحقوق المشتركة بين الله والرسول ﷺ.
وهناك حقوق خاصة بالرسول وهي: التوقير، والتعظيم، والإجلال والتعزير، كما قال الله تعالى في سورة الفتح لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا تعزروه وتوقروه هذا للرسول، والتعزير والتوقير أي: التقدير والإجلال، ثم قال: وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. هذا خاص بالله، فالتسبيح والتكبير والتهليل هذا حق الله لأنها عبادة، فلا تسبح الرسول ولا تهلل الرسول ولا تكبر الرسول.
المتن:
وَ " تَحْرِيرُ ذَلِكَ " أَنَّ الْعَبْدَ يُرَادُ بِهِ " الْمُعَبَّدُ " الَّذِي عَبَّدَهُ اللَّهُ فَذَلَّلَهُ وَدَبَّرَهُ وَصَرَّفَهُ.
وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْمَخْلُوقُونَ كُلُّهُمْ عِبَادُ اللَّهِ مِنْ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؛ إذْ هُوَ رَبُّهُمْ كُلُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ؛ فَمَا شَاءَ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَاءُوا. وَمَا شَاءُوا إنْ لَمْ يَشَأْهُ لَمْ يَكُنْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.
الشرح:
هذا فيه بيان أن العبد له معنيان: عبدٌ بمعنى المُعبَّد، وعبدٌ بمعنى العابد.
فالقسم الأول: أن العبد بمعنى المعبَّد أي: الذي عبَّده اللهُ فذَلَّلَه ودبَّره وصرَّفه، فتَنْفُذ فيه مشيئة الله وقدرته، وهذا يشمل جميع المخلوقين، فجميع المخلوقين كلهم عباد الله سواء كانوا أبرارًا أو فجارًا، وسواء كانوا مؤمنين أو كفارًا، وسواء عرفوا أو لم يعرفوا، وسواء اعترفوا أو جحدوا، كلهم عبيد، بمعنى أن الله دبَّرهم وصرَّفهم ونَفَذَت فيهم قدرته ومشيئته ما أحد يخرج عن قدرة الله، فمثلاً لا أحد يمتنع عن الموت، ولا أحد يمتنع عن المرض الذي يصيبه، فلا أحد يمنع ما أراده الله، ولا أحد يستطيع هذا.
إذن كل الناس عبيدٌ للهِ، وهذه هي العبودية العامة، وعابد هنا بمعنى المعبد، يعني مذلل مقهور تنفذ فيه قدرة الله ومشيئته رضي أو لم يرض، شاء أو لم يشأ، علم أو لم يعلم اعترف أو أنكر، كل عبد لله: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93].
القسم الثاني: أن العبد بمعنى العابد، الذي عبَد الله باختياره فأطاع أمره وأمر رسوله، فصلى، وصام، وزكى وأدَّى فرائضَ اللهِ، وأطاع أمر الله وأمر الرسول ﷺ ووالى أولياءه وعادى أعداءه باختياره، هذا عبد الله على الحقيقة، هذه هي العبودية الخاصة، التي من حققها أثابه الله.
أما العبودية العامة فهذه بدون اختيار الناس وبدون اختيار المخلوقين، فهم عبيد لله بدون اختيارهم ليس لهم خروج عن عبودية الله.
والعبودية التي يُمدح الإنسان ويُثنى عليه بها، هي العبودية الخاصة، التي تكون عن اختيار وعن طوع.
أما العبودية العامة فلا يذم فيها أحد ولا يمدح فيها أحد، لأن الناس كلهم مشتركون فيها مؤمنهم وكافرهم، فكل الناس عبيد لله بمعنى العبودية العامة.
أما العبودية الخاصة فتكون عن اختيار المخلوق ورغبته فيعبد الله باختياره.
المتن:
الشرح:
ذكرالمؤلف رحمه اللهأن الله سبحانه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم فلا أحد يخرج عن هذا، وأنه تعالى هو مقلب قلوب العباد ومصرف أمورهم، قال سبحانه: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83].
ولكن أهل الإيمان علموا بذلك واعترفوا به، أما الجاهل أو الجاحد المستكبر على ربه فهذا لا يقر ولا يخضع، لكن هو عبد سواء اعترف أو لم يعترف، وسواء علم أو لم يعلم، سواء اقر أو لم يقر، لكن إذا عرف واستكبر على عبادة الله تكون هذه المعرفة عذابًا عليه، كما قال الله تعالى عن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]، أي: جحدوا بالآيات التي جاءت إليهم، فنفوسهم مستيقنة ولكن جحدوا ظلما وعلوا، فانظر كيف كانت عاقبة المفسدين، وقال الله سبحانه عن اليهود: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ. يعني: الرسول عليه الصلاة والسلام، يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ. يعرفون أنه رسول الله لكن ما آمنوا، فهل تنفع هذه المعرفة؟
الجواب: لا تنفع، ولهذا قال : وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]. وقال عن كفار قريش: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33]. لا يكذبونك في الباطن لكن يجحدون في الظاهر.
المتن:
الشرح:
قوله: (فإذا عرف العبدُ أن الله ربه وخالقه، وأنه مفتقر إليه محتاج إليه، عرف العبودية المتعلقة بربوبية الله): إذن فالعبودية العامة هي المتعلقة بربوبية الله، وأن الله هو رب كل شيء وخالقه ومليكه ومدبره.
وأما العبودية الخاصة فمتعلقة بألوهية الله وبعبادة الله وتوحيده والإخلاص له عن طواعية واختيار ورغبة ورهبة.
وقوله:(وهذا العبد يسأل ربه، ويضرع إليه ويتوكل عليه) : والعبد هنا بمعنى: العابد الذي عبَد الله باختياره عبودية خاصة، وهو الذي يسأل ربه ويتضرع إليه.
وقوله: (لكن قد يطيع أمره وقد يعصيه...): وهذه العبودية العامة، فإذا عرف الإنسان أن الله ربه وخالقه ومفتقر إليه فقد اعترف بالربوبية العامة، لكن لا يكفي الوقوف عند الربوبية العامة.
لأن الناس الذين يعترفون بربوبية الله ينقسمون إلى قسمين:
منهم: من عبد الله عن إرادته واختياره.
ومنهم: من وقف عند الربوبية العامة ولم يعبد الله.
وقوله:(ومثل هذه العبودية لا تفرق بين أهل الجنة وأهل النار): فالعبودية العامة لا تفرق بين أهل الجنة وأهل النار، أهل الجنة وأهل النار كلهم عبيد لله بمعنى العبودية العامة.
وقوله:(ولا يصير بها الرجل مؤمنًا): هذا فيه بيان بأن المشركين أقروا بربوبية الله، لكن ما نفعهم هذا لأنهم ما عبدوا الله وما انقادوا لرسوله ولا اتبعوه، فلا ينفع الاعتراف بالربوبية العامة وحدها.
المتن:
وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْحَقِيقَةِ وَيَشْهَدُهَا يَشْهَدُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ وَهِيَ " الْحَقِيقَةُ الْكَوْنِيَّةُ " الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا وَفِي شُهُودِهَا وَمَعْرِفَتِهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَإِبْلِيسُ مُعْتَرِفٌ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ؛ وَأَهْلُ النَّارِ. قَالَ إبْلِيسُ: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَقَالَ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَالَ: أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ... وَأَمْثَالَ هَذَا مِنْ الْخِطَابِ الَّذِي يُقِرُّ فِيهِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَخَالِقُهُ وَخَالِقُ غَيْرِهِ.
الشرح:
وقوله: (وكثير ممن يتكلم في الحقيقة، فيشهدها، لا يشهد إلا هذه الحقيقة): المراد: الحقيقة الكونية،وهي الاعتراف بربوبية الله ونفوذ قدرته ومشيئته،وهذه يشترك فيها المؤمن والكافر، حتى إبليس مقرٌ بها، وفرعون أيضا مقرٌ بها.
والدليل على أن إبليس معترف بالربوبية، ما ذكره المؤلف من الآيات الثلاث، بل صرح في الآية الأولى: رَبِّ فَأَنْظِرْنِي، فهو معترف بربوبية الله، لكن ما نفعه؛ لأنه استكبر عن عبادة الله وامتثال أمره، وتخلفت العبودية الخاصة فما نفعه ذلك.
المتن:
وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ قَالُوا: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا.
فَمَنْ وَقَفَ عِنْدَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَعِنْدَ شُهُودِهَا وَلَمْ يَقُمْ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي هِيَ عِبَادَتُهُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِإِلَهِيَّتِهِ وَطَاعَةِ أَمْرِهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِ إبْلِيسَ وَأَهْلِ النَّارِ؛ وَإِنْ ظَنَّ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ الَّذِينَ يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الشَّرْعِيَّانِ كَانَ مِنْ أَشَرِّ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ.
الشرح:
فأهل النار أيضا قد اعترفوا بالربوبية العامة، رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ لكن ما نفعهم هذا؛ لأن العبودية الخاصة تخلفت.
وهكذا من وقف عند الحقيقة الكونية ولم يعبد الله لم ينفعه ذلك، فيكون من جنس إبليس، فإن كان يظن بعض أولئك أنه من الأولياء وأنه يسقط عنه الأمر والنهي؛ يظن أنه إذا استغرق في شهود الحقيقة الكونية سقط عنه الأمر والنهي -كما يقول بعض الصوفية - كان شرًا من أهل الكفر والإلحاد والعياذ بالله.
والصوفية كما سيفصل المؤلف - رحمه الله - يظن بعضهم أنه يكفي أن ينظر إلى ربوبية الله وعموم مشيئة ونفوذ قدرته ومشيئته،ولا يتمثل أوامر الله ولا يجتنب نواهيه، وأنه تسقط عنه التكاليف، وهؤلاء كما يقول المؤلف: شر أهل الكفر والإلحاد.
المتن:
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْخَضِرَ وَغَيْرَهُ سَقَطَ عَنْهُمْ الْأَمْرُ لِمُشَاهَدَةِ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ هَذَا مِنْ شَرِّ أَقْوَالِ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ. حَتَّى يَدْخُلَ فِي " النَّوْعِ الثَّانِي " مِنْ مَعْنَى الْعَبْدِ وَهُوَ الْعَبْدُ بِمَعْنَى الْعَابِدِ فَيَكُونُ عَابِدًا لِلَّهِ لَا يَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ؛ فَيُطِيعُ أَمْرَهُ وَأَمْرَ رُسُلِهِ وَيُوَالِي أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ؛ وَيُعَادِي أَعْدَاءَهُ.
وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِإِلَهِيَّتِهِ وَلِهَذَا كَانَ عُنْوَانُ التَّوْحِيدِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " بِخِلَافِ مَنْ يُقِرُّ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَلَا يَعْبُدُهُ: أَوْ يَعْبُدُ مَعَهُ إلَهًا آخَرَ فَالْإِلَهُ الَّذِي يألهه الْقَلْبُ بِكَمَالِ الْحُبِّ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْعِبَادَةُ هِيَ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَيَرْضَاهَا وَبِهَا وَصَفَ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَادِهِ وَبِهَا بَعَثَ رُسُلَهُ.
وَأَمَّا " الْعَبْدُ " بِمَعْنَى الْمُعَبَّدِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَهُ: فَتِلْكَ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ.
الشرح:
بعض الصوفية يظن أن الخضر لما قتل الغلام وخرق السفينة، أنه سقط عنه الأمر، وهذا كذب، والصواب أن الخضر نبي يوحى إليه، وفعله هذا بوحي، ولهذا قال الله تعالى على لسان الخضر: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي [الكهف:82].
وحتى على القول الثاني أنه عبدٌ لله، لا يسقط عنه الأمر.
وقوله: (حتى يدخل في النوع الثاني من معنى العبد): هذا النوع الثاني من العبودية: العبد بمعنى العابد، فالأول العبد بمعنى: المعبّد، وهي العبودية العامة، وهذا العبد بمعنى: العابد، وهي العبودية الخاصة، فيكون عابدا لله لا يعبد إلا إياه؛ فيطيع أمره وأمر رسوله، ويوالي أولياءه ويعادي أعداءه، وهذه هي العبودية الخاصة.
وقوله:(وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاه): هذه العبادة الخاصة متعلقة بإلهية الله، وقلنا أن العبودية العامة متعلقة بربوبية الله، والعبودية الخاصة متعلقة بإلهية الله وعبادته، والذي ينفع العبد هي العبودية الخاصة. أما العبودية العامة فهذه مشتركة بين المؤمن والكافر؛ فالعبادة الخاصة المتعلقة بإلهية الله هي التي يحبها الله ويرضاها.
وقوله: (وأما العبد: بمعنى المعبد) : فهذه العبودية العامة، العبد بمعنى المعبد.
المتن:
وَبِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ يُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ " الْحَقَائِقِ الدِّينِيَّةِ " الدَّاخِلَةِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَأَمْرِهِ الشَّرْعِيِّ الَّتِي يُحِبُّهَا وَيَرْضَاهَا وَيُوَالِي أَهْلَهَا وَيُكْرِمُهُمْ بِجَنَّتِهِ وَبَيْنَ " الْحَقَائِقِ الْكَوْنِيَّةِ " الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ الَّتِي مَنْ اكْتَفَى بِهَا وَلَمْ يَتَّبِعْ الْحَقَائِقَ الدِّينِيَّةَ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ إبْلِيسَ اللَّعِينِ وَالْكَافِرِينَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمَنْ اكْتَفَى بِهَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ فِي مَقَامٍ أَوْ حَالٍ نَقَصَ مِنْ إيمَانِهِ وَوِلَايَتِهِ لِلَّهِ بِحَسَبِ مَا نَقَصَ مِنْ الْحَقَائِقِ الدِّينِيَّةِ.
وَهَذَا مَقَامٌ عَظِيمٌ فِيهِ غَلِطَ الغالطون وَكَثُرَ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ عَلَى السَّالِكِينَ حَتَّى زَلَقَ فِيهِ مِنْ أَكَابِرِ الشُّيُوخِ الْمُدَّعِينَ التَّحْقِيقَ وَالتَّوْحِيدَ وَالْعِرْفَانَ مَا لَا يُحْصِيهِمْ إلَّا اللَّهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَالْإِعْلَانَ.
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ " عَبْدُ الْقَادِرِ " رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ فَبَيَّنَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الرِّجَالِ إذَا وَصَلُوا إلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ أَمْسَكُوا إلَّا أَنَا فَإِنِّي انْفَتَحَتْ لِي فِيهِ رَوْزَنَةٌ فَنَازَعْتُ أَقْدَارَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ لِلْحَقِّ؛ وَالرَّجُلُ مَنْ يَكُونُ مُنَازِعًا لِلْقَدَرِ لَا مَنْ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلْقَدَرِ.
الشرح:
لا بد من التفريق بين العبودية العامة والعبودية الخاصة، فمن وقف عند العبودية العامة كان من أتباع إبليس، ومن عبد الله العبودية الخاصة فهو من أتباع محمد ﷺ، وإذا حصل له نقص في العبادة حصل له من النقص في دينه وعبادته بحسب النقص الذي انتقصه.
وقوله:(وهذا مقام عظيم غلط فيه الغالطون) : إذ كثير من شيوخ الصوفية وقفوا عند الربوبية العامة؛ وظنوا أن هذا يكفي، واعتقدوا أنه يسقط عنهم الأمر والنهي فهلكوا مع الهالكين.
وقوله: (وإلى هذا أشار الشيخ عبد القادر): يريد المؤلف رحمه الله بيان أن الشيخ عبد القادر الجيلاني - وهو من علماء الحنابلة ورجل صالح له كتاب الغنية،لكن مع الأسف له قبر يعبد ويُطاف به.
يقول: إن الشيخ عبد القادر الجيلاني - رحمه الله - فيما ذكر: كثير من الرجال إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا، أي:يستسلمون إلى القضاء والقدر ولا يتحركون، ويقول أحدهم: قدّر الله عليّ المعصية، ولا يتوب، بل يستسلم للقضاء والقدر، فيقول: هذا غلط أما أنا فإنه انفتح لي روزنة - الروزنة: هي الكوة - فنازعت أقدار الحق بالحق للحق. يعني: أنا ما وقفت عند القدر، بل نازعت أقدار الحق - يعني: رؤيا الله– بالحق - يعني من أجل الحق- والمعنى: أنني ما أقف عند القدر، وأقول المعصية مقدرة، فإذا قدر الله عليَّ المعصية لا أسكت بل أتوب إلى الله وأدفع قدرا بقدر، فأدفع قدر المعصية بقدر الطاعة والتوبة، فأتوب إلى الله ولا أقف.
أما كثير من الشيوخ فيقولون: هذه معصية مقدرة عليّ، أو هذا الكفر مقدر نسأل الله العافية، فيقول الشيخ عبدالقادر: هذا غلط، ولم أقف عند هذا بل انفتحت لي روزنة، فنازعت قدرًا بقدر، فالمعصية مقدرة والتوبة مقدرة، فلا تسكت وتستسلم بل إذا وقعت في معصية فتب إلى الله، ولا تقل: المعصية مقدرة،بل قل: التوبة مقدرة، ونازع قدر بقدر، فإذا حصلت المعصية اتبعها بحسنة وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ([7]) فلا تقف ولا تقول أنظر إلى القدر فقط، بل أنت مأمور شرعا بأن تفعل الأوامر وتجتنب النواهي ولا تقف عند النظر إلى القدر.
المتن:
الشرح:
قوله:(والذي ذكره الشيخ رحمه الله هو الذي أمر الله به ورسوله) : يعني أن الإنسان لا يحتج بالقدر على المعصية بل يتوب إلى الله، فإذا استسلم لذلك صار موافق المشركين الذين يحتجون بالقدر، لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ. فاحتجوا بالمشيئة.
وقوله:(ولو هدوا لعلموا أن القدر أمرنا أن نرضى به....): هكذا يصبر الإنسان على المصائب ويرضى بما قضى الله وقدر، ويفعل الأسباب المشروعة، وعليهأن يصبر وألا يجزع، فإذا صبر كفر الله بالمصيبة خطاياه، والصبر معناه: حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عما يغضب الله.
أما الرضا بالمصيبة فهو مستحب، فيكون مع الصبر رضًا وطمأنينة.
والمسلم إذا لم يصبر على المصائب، فهذا يدل على ضعف إيمانه وقلة يقينه،قال الحسن البصري: "والله لنصبرن أو لنهلكن"([10])، فالمؤمن صابر على البلاء، شاكر عند النعمة، مستغفر عند الذنوب والمعاصي.
ولا شك أن البلاء والمصائب والدنيا كلها اختبار وامتحان، كما أن الفقر والشدة والمرض كلها ابتلاء وامتحان، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ.
المتن:
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: احْتَجَّ آدَمَ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ؛ فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَمَ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ فَهَلْ وَجَدْتَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى ([11]).
وَآدَمُ لَمْ يَحْتَجَّ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ ظَنًّا أَنَّ الْمُذْنِبَ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا عُذْرًا لَكَانَ عُذْرًا لإبليس وَقَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ هُودٍ وَكُلِّ كَافِرٍ وَلَا مُوسَى لَامَ آدَمَ أَيْضًا لِأَجْلِ الذَّنْبِ فَإِنَّ آدَمَ قَدْ تَابَ إلَى رَبِّهِ فَاجْتَبَاهُ وَهَدَى وَلَكِنْ لَامَهُ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُمْ بِالْخَطِيئَةِ وَلِهَذَا قَالَ: فَلِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَأَجَابَهُ آدَمَ أَنَّ هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَكَانَ الْعَمَلُ وَالْمُصِيبَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ مُقَدَّرًا وَمَا قُدِّرَ مِنْ الْمَصَائِبِ يَجِبُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا بِاَللَّهِ رَبًّا.
الشرح:
هذه القصة التي وقعت بين آدم وموسى عليهم الصلاة والسلام، هو أن موسى عليه الصلاة والسلام لام آدم قال: كيف أخرجتنا ونفسك من الجنة، فاحتج آدم بأن هذا مكتوب عليّ، قال الذي حاج آدم موسى وفي لفظًا كرر ثلاثا: قال فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى، فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى، والمعنى: غلبه وخصمه بالحجة، وذلك أن موسى لام آدم على المصيبة وهي الخروج من الجنة، فقال آدم: المصيبة مكتوبة علي فلذلك غلبه بالحجة، والإنسان لا يلام على الذنب بعد أن تاب منه.
ولا يزال أهل العلم يبينون معنى هذا الحديث، ويردون على من لم يفهم هذا الحديث من المعتزلة الذين يقولون بخلق أفعال العباد، ومن الجبرية الذين يقولون: إن العباد مجبورون على أفعالهم.
قال ابن القيم رحمه الله:[وقد رد هذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة كأبي علي الجبائي ومن وافقه على ذلك، ولو صح– أي: الاحتجاج بالقدر- لبطلت نبوات الأنبياء؛ فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الأمر والنهي فإن العاصي بترك الأمر أو فعل النهي إذا صحت له الحجة بالقدر السابق ارتفع اللوم عنه وهذا من ضلال فريق الاعتزال وجهلهم بالله ورسوله وسنته][13].
الخلاصة:
الذنب قبل التوبة منه ليس حجةً، ولو كان الذنب حجة لكان حجة لكل كافر، فالمقصود أن آدم غلب موسى بالحجة؛ لأنه احتج بالقدر على المصيبة أو على الذنب بعد التوبة.
المتن:
الشرح:
قوله:(وأما الذنوب، فليس للعبد أن يذنب): هكذا المسلم يجاهد نفسه دائما حتى لا يقع في الذنب فإذا وقع في الذنب جاهد نفسه بالتوبة،والمصيبة يصبر عليها، كما قال شيخ الإسلام هنا:"فيتوب من صنوف المعايب ويصبر على المصائب" وبنحوه ما قاله المؤلف في اقتضاء الصراط المستقيم: "العبد مأمور أن يرجع إلى القدر عند المصائب، ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب"([14]) ، وقال رحمه الله في مجموع الفتاوى: [والعبد مأمور عند المصائب أن يرجع للقدر فإن سعادة العبد أن يفعل المأمور ويترك المحظور ويسلم للمقدور]([15]).
فإذا تاب العبد توبة نصوحاً محا الله بها الذنب، وإذا أتبعه بالعمل الصالح بدل الله سيئاته حسنات فضلًا من الله وإحسانًا؛ كما قال تعالى في سورة الفرقان: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70].
المتن:
وجوب الأمر بالمعروف
وَكَذَلِكَ ذُنُوبُ الْعِبَادِ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ فِيهَا أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ - بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ - وَيُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَيُوَالِيَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيُعَادِيَ أَعْدَاءَ اللَّهِ وَيُحِبَّ فِي اللَّهِ وَيُبْغِضَ فِي اللَّهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ إلَى قَوْلِهِ: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ.
وَقَالَ تَعَالَى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إلَى قَوْلِهِ: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ
الشرح:
سبق بيان موقف العبد من ذنوبه، فالإنسان ليس له أن يذنب فإذا وقع في الذنب تاب منه، وصبر على المصائب، أما ذنوب غيره فموقفه: أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويجاهد في سبيل الله، فيجاهد الكفار بالسلاح والمال، ويجاهد المنافقين بالحجة والبيان، ويوالي أولياء الله ويعادي أعداء الله.
وهكذا بين المؤلف رحمه الله أن موقف المؤمنين الموالاة في الله والمعاداة في الله، إذ كل دين سوى دين الإسلام باطل، ولابد من أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وبطلان الأديان غير دين الله، وتتبرأ منها وتنكرها وتبغضها وتعاديها، فهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم ، قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ، فلابد من البراءة، ولابد من أن تكفر بما عليه اليهود والنصارى من الأديان، وتعاديهم: وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ.
وقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وهذا هو موقف الإنسان من ذنوب العباد؛ فالإنسان يجاهد، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجاهد في سبيل الله، يوالي في الله ويعادي في الله ويبغض في الله ويحب في الله.
المتن:
وَقَالَ تَعَالَى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ وَقَالَ: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ وَقَالَ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ وَقَالَ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا وَقَالَ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ إلَى قَوْلِهِ: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ إلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَالَ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ.
وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يُفَرِّقُ اللَّهُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ وَأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ وَأَهْلِ الْبِرِّ وَأَهْلِ الْفُجُورِ وَأَهْلِ الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَأَهْلِ الْغَيِّ وَالرَّشَادِ وَأَهْلِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ.
الشرح:
هذه الآيات فيها بيان الفرق بين المؤمنين والكفار، وبين الأبرار والفجار: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28] وفي هذه الآية مع قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]في الآيات إنكار من الله سبحانه على مَن جوَّز أن يسوي بين هذا وهذا ، وإنكار على من حسب أنه يفعل هذا، وإخبار أن هذا حكم سيئ قبيح، وهو ما ينزه الرب عنه.
وقد بيَّن الله سبحانه الفرق بين المشرك والكافر بضرب الأمثلة؛
فضرب الله مثلاً في بيان حسن التوحيد وقبح الشرك.
وضرب الله مثلاً في عبد مملوك لا يقدر على شيء.
وضرب الله مثلاً في رجلين أحدهما أبكم.
وكلهذا في بيان حسن التوحيد وقبح الشرك، قال تعالى: لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20]، فلا بد من التفريق فمن لم يفرق صار من أهل العبودية العامة، ومن فرق بينهم صار من أهل العبودية الخاصة.
المتن:
فَمَنْ شَهِدَ " الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ " دُونَ " الدِّينِيَّةِ " سَوَّى بَيْنَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهَا غَايَةَ التَّفْرِيقِ حَتَّى يَئُولَ بِهِ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يُسَوِّيَ اللَّهَ بِالْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: تَاللَّهِ إنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
بَلْ قَدْ آلَ الْأَمْرُ بِهَؤُلَاءِ إلَى أَنْ سَوَّوْا اللَّهَ بِكُلِّ مَوْجُودٍ وَجَعَلُوا مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ حَقًّا لِكُلِّ مَوْجُودٍ إذْ جَعَلُوهُ هُوَ وُجُودَ الْمَخْلُوقَاتِ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ بِرَبِّ الْعِبَادِ.
وَهَؤُلَاءِ يَصِلُ بِهِمْ الْكُفْرُ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ عِبَادٌ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُعَبَّدُونَ وَلَا بِمَعْنَى أَنَّهُمْ عَابِدُونَ
الشرح:
من شهد الحقيقة الكونية وهي: ربوبية الله العامة = سوى بين المؤمن والكافر، وبين البر والفاجر.
ومن شهد الحقيقة الدينية =فرق بينهم.
قوله: (حتى تؤول به هذه التسوية إلى أن يسوي بين الله وبين الأصناف قال تعالى عنهم: تَاللَّهِ إنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.[الشعراء:97-98].):كلامهم هذا في النار، وهم يندمون على أن سووا الأصنام برب العالمين، يقولونها للذين عبدوهم؛ لأن العابدين والمعبودين كلهم دخلوا النار، فلما كانوا في دركات النار صار بينهم محاورة، فاعترف الذين عبدوا الرؤساء والكبراء، فقالوا: لقد كنا في الدنيا في ضلال مبين، وأقسموا على ذلك فقالوا: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الشعراء:97] ووجه ضلالهم: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:98]، وما سووهم بأنهم يخلقون أو يرزقون أو يضرون أو ينفعون، وإنما سووهم بالمحبة والتعظيم والإجلال والدعاء والذبح والنذر، فلما سووهم بالمحبة والإجلال والتعظيم كانوا معهم في النار، وكونهم أشركوا بالله في توحيد العبادة نقض إقرارهم بتوحيد الربوبية، وصيرهم كمن سوى بين الأصنام وبين رب الأنام.
وقوله: (بل قد آل الأمر بهؤلاء إلى أن سووا الله بكل موجود):هؤلاء هم الاتحادية - والعياذ بالله -الذين يقولون اتحد الخالق والمخلوق، فالخالق والمخلوق شيء واحد، الرب هو العبد، والعبد هو الرب، والخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، هؤلاء تجاوزوا شهود الحقيقة الكونية بل إنهم قالوا إن الوجود واحد، وما فرقوا بين الخالق وبين المخلوق فهم أعظم الناس كفرًا، فأعظم الناس كفرا الاتحادية.
الحواشي:
[1]- جاء هذا التفسير عن ابن عباس، كما في "تفسير ابن الجوزي" 4/ 423، الفخر الرازي 19/ 216، "تنوير المقباس" ص 281. وجاء عن مجاهد "تفسير مجاهد" ص 419، وورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 47 وابن الجوزي 4/ 423 ، وورد في "تفسير مقاتل" 1/ 200 أ، وأخرجه عبد الرزاق 2/ 352 عن قتادة، وأورده البخاري في "الفتح" 8/ 383 معلقًا بصيغة الجزم عن سالم بن عبد الله، وهو تفسير الجميع كما عبر الواحدي في "التفسير البسيط" 12/ 675، وانظر: والطبري 14/ 74 و"تفسير السمرقندي" 2/ 226، والثعلبي 2/ 153 ، والماوردي 3/ 176 ، والطوسي 6/ 356 ، و"تفسير البغوي" 4/ 397، والزمخشري 2/ 320، وابن العربي 3/ 1139، وابن عطية 8/ 362، "تفسير القرطبي" 10/ 64، الخازن 3/ 105، وابن كثير 2/ 616 - 617، والسيوطي في "الدر المنثور" 4/ 203 .
[2]([3]) صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا (3445)؛ ولفظه: لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ.
([4]) سنن الترمذي، كتاب الإيمان ، باب باب ما جاء في وصف جبريل للنبي ﷺ الإيمان والإسلام (2610)، الشريعة للآجري (2/568) (205)، الإبانة الكبرى لابن بطة (2/640) (827)، شعب الإيمان للبيهقي (1/112) (19).
[5]قد بيّن المؤلف هذا المعنى في مواضع من كتبه؛ كما في مجموع الفتاوى له 13/202-203، والمصدر نفسه 8/378. والجواب الصحيح 6/31. وجامع الرسائل 2/196، 254-256. وأيضا تلميذه ابن القيم كما في: الفوائد (183)، طريق الهجرتين (511، 642)، مدارج السالكين (1/ 92،74)، (3/ 441).
([6]) هو عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جبلي دوست، أبو محمد الجيلي، وقيل: الجيلاني، وقيل: الكيلاني، شيخ الحنابلة في وقته، وله كرامات وأحوال معروفة مما جعل البعض يغلو فيه وفعلوا الطريقة القادرية الصوفية، وله كتاب: (الغنية) وهو مطبوع، توفي سنة (561)، انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (18/173)، تاريخ الإسلام (39/86)، سير أعلام النبلاء (20/439)، البداية والنهاية (16/419)، شذرات الذهب (6/330)، وغيرهم.
([7]) انظر: سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس (1987)، وقال: حسن صحيح.ا.هـ ومسند الإمام أحمد (21354)، والمستدرك للحاكم (178)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.ا.هـ ووافقه الذهبي.
([7])هو: علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعى، أبو شبل الكوفى، توفي بعد سنة (60)، وقيل بعد (70)، انظر: ترجمته في الطبقات الكبرى لابن سعد (6/86)، وتاريخ بغداد (14/240)، وتاريخ دمشق (41/154)، وسير أعلام النبلاء (4/53).
([9]) انظر: تفسير ابن جرير الطبري (23/12)، والسنن الكبرى للبيهقي (4/110)
([10]) انظر:
([11])صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب وفاة موسى وذكره بعد (3409)، صحيح مسلم، كتاب القدر (2652).
[12])) هذه الزيادة أخرجها أبو داود في السنن، كتاب السنة، باب في القدر (4702)، ولفظه فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟.
[13]- شفاء العليل: (ص13)
([14])اقتضاء الصراط المستقيم: (2/ 389).
([15])مجموع الفتاوى: (8/ 453).