قوله: (وبالعبودية نعت كل من اصطفى من خلقه): كل من اصطفاه الله من الأنبياء والرسل نعته الله بالعبودية، فلا يخرج عن العبودية، كما نعت إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وداود، وسليمان، وأيوب، ونوح، ونبينا محمد ﷺ؛ كلهم نعتهم الله في المقامات العظيمة بالعبودية، فلا أحد يخرج عنها.
وكل ما ذكره المصنف من الآيات هنا فيها وصف الله تعالى لأنبيائه بالعبودية له، وهكذا وصف نبينا محمد ﷺ بالعبودية في مقام الإسراء وهو مقام عظيم، وفي مقام التحدي، ووصفه الله بالعبودية في مقام الدعوة وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا فأشرف مقامات النبي ﷺ العبودية خاصة والرسالة، فكيف بغيره؟!
ووصفه اللهُ أيضا بالعبودية في وقت الإنزال والإيحاء، فقال سبحانه: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:10].
وكذلك وصف الله الأبرار بالعبودية.
خلاصة الباب السابق:
تفاوت الناس تفاوتًا عظيمًا في باب العبودية لله ، وهو تفاوتهم في حقيقة الإيمان. ولذلك كانت ربوبية الله تعالى لعباده فيها عموم وخصوص. ولهذا كان الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على صخرة سوادء في ظلمة الليل.([1])
والعبودية هي عبودية القلب؛ فمتى استعبد القلبُ لشيء كان عبدًا له، فإذا كان القلب متعبداً لله فهو عبد لله، وإذا كان متعبدًا لغيره فهو عبد لغيره. فإن العبودية عبودية القلب، ولو كان الجسد مأسورًا أو مسجونًا والقلب مرتاح فإنه لا يضره هذا السجن، وإذا كان القلب معبدًا لغير الله ولو كان حراً طليقًا فإنه عبد، فالعبودية عبودية القلب كما أن الغنى غنى النفس.
-عبودية العبد لربه تستلزم موافقته لله في محبوباته ومسخوطاته، فولي الله: عبد الله على الحقيقة، وهو الذي يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله ويبغض ما يبغضه الله ويوالي من والى الله، ويعادي من يعادي الله، ويحب من أحبه الله، وببغض من أبغضه الله، ويعطي لله، ويمنع لله، فيكون دينه كله لله.
ومحبته لمحبوب الله ، فمحبة محبوب المحبوب من محبة المحبوب، ولهذا ثبت عن النبي ﷺ في الحديث الصحيح: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَن يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ([2]).
أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ :هذا من تمام محبة الله .
والعبد فقير بالذات إلى الله من جهتين:
من جهة العبادة، وهي العلة الغائية.
من جهة الاستعانة والتوكل، وهي العلة الفاعلية.
ودين الإسلام مبني على الاستسلام لله وحده؛ فمن لم يستسلم لله ولم ينقد له فليس بمسلم، ومن استسلم لله ولغير الله فهو مشرك، ومن لم يستسلـم لله فهــو مستكبر، والمشرك والمستكبر كل منهم كافر.
فعلى ذلك يكون الناس أربعة أقسام:
قسم استسلم لله فقط مع إخلاص الدين له والإيمان به وبرسوله، فهذا هو المؤمن حقًا.
قسم استسلم لله في الظاهر لكنه ليس بمؤمن في الباطن وهؤلاء المنافقين.
قسم استسلم لله ولغير الله فهو مشرك.
قسم استكبر على الله ولم يستسلم لله فهو مستكبر، مثل فرعون وإبليس ومن على شاكلتهم فهم مستكبرون عن عبادة الله لم يستسلموا، والمنافقين مستسلمون لله في الظاهر لكنهم غير مؤمنين في الباطن فيكونون كفرة.
والمستسلمون لله والمستسلمون لغير الله مشركون، والمؤمن مستسلم لله وحده فقط ولا يستسلم لغيره، وهو مؤمن في الباطن والظاهر.
المتن:
فصل [فِي التَّفَاضُل بِالْإِيمَان]
إِذا تبين ذَلِك فمعلوم أَن النَّاس يتفاضلون فِي هَذَا الْبَاب تفاضلا عَظِيما وَهُوَ تفاضلهم فِي حَقِيقَة الْإِيمَان وهم ينقسمون فِيهِ إِلَى عَام وخاص وَلِهَذَا كَانَت إلهية الرب لَهُم فِيهَا عُمُوم وخصوص.
وَلِهَذَا كَانَ الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ. ([3]).
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ. ([4]).
فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ ﷺ عَبْدَ الدِّرْهَمِ وَعَبْدَ الدِّينَارِ وَعَبْدَ الْقَطِيفَةِ وَعَبْدَ الْخَمِيصَةِ. وَذِكْرُ مَا فِيهِ دُعَاءٌ وَخَبَرٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ وَالنَّقْشُ إخْرَاجُ الشَّوْكَةِ مِنْ الرِّجْلِ وَالْمِنْقَاشُ مَا يُخْرَجُ بِهِ الشَّوْكَةُ.
وَهَذِهِ حَالُ مَنْ إذَا أَصَابَهُ شَرٌّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ وَلَمْ يُفْلِحْ لِكَوْنِهِ تَعِسَ وَانْتَكَسَ فَلَا نَالَ الْمَطْلُوبَ وَلَا خَلَصَ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَهَذِهِ حَالُ مَنْ عَبَدَ الْمَالَ وَقَدْ وُصِفَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إذَا أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِذَا مُنِعَ سَخِطَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا هُمْ يَسْخَطُونَ. فَرِضَاهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ وَسَخَطُهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ.
الشرح:
قوله (فمعلوم أن الناس يتفاضلون في هذا الباب تفاضلاً عظيمًا): أي أنهم في باب العبودية لله يتفاضلون تفاضلاً عظيمًا، وهذا يعني أنهم يتفاضلون في الإيمان بالله ورسوله، وهذا هو تفاضلهم في عبودية الله.
وقوله: (وهم ينقسمون فيه إلى عام وخاص): لكون قلبه متعبد لهذه الأشياء، لكونه يسخط من أجل الدرهم ويرضى من أجل الدرهم.
قوله في الحديث: تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ القطيفة هي: نوع من الفرش التي لها خمل، والخميصة هي: كساء له أعلام، والمعنى: أنه متعبد لهذه الأشياء؛ يتعسف جمعها حتى يقصر في الواجبات أو يفعل المحرمات، فصار قلبه متعبد للدنيا؛ لكونه يرضى لها ويغضب لها ويسخط من أجلها، ولهذا قال: إذَا أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِذَا مُنِعَ سَخِطَ فهذا واقع في نوع من العبادة، وقد دعا عليهم النبي ﷺ بالتعاسة والانتكاس تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ وهو دعاء عليه بأن يعسر الله أموره.
قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا هُمْ يَسْخَطُونَ. هذا في المنافقين، أي: أن عبد الدينار وعبد الدرهم قد شابه المنافقين في كونه يغضب من أجل الدنيا، ويرضى من أجل الدنيا.
المتن:
وَهَكَذَا حَالُ مَنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِرِئَاسَةِ أَوْ بِصُورَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَهْوَاءِ نَفْسِهِ إنْ حَصَلَ لَهُ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ سَخِطَ فَهَذَا عَبْدُ مَا يَهْوَاهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ رَقِيقٌ لَهُ إذْ الرِّقُّ وَالْعُبُودِيَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ رِقُّ الْقَلْبِ وَعُبُودِيَّتُهُ فَمَا اسْتَرَقَّ الْقَلْبَ وَاسْتَعْبَدَهُ فَهُوَ عَبْدُهُ.
وَلِهَذَا يُقَالُ:
الْعَبْدُ حُرٌّ مَا قَنِعَ | وَالْحُرُّ عَبْدٌ مَا طَمِعَ |
وَقَالَ الشَّاعِر:
أَطَعْتُ مَطَامِعِي فَاسْتَعْبَدَتْنِي | وَلَوْ أَنِّي قَنَعْتُ لَكُنْت حُرًّا |
الشرح:
قوله: (وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو بصورة، ونحو ذلك): لأن العبودية عبوديـة القلب، فالعبد المملوك لسيده حر ما دام قانعًا، وهذا يشمل المملوك وغير المملـوك فمــا دام قنوعًا راضيًا بما قسمـه اللهله فإنه حر حتى ولو كان مسترقًا. والحر لو كان حرًا طليقًا يتصرف فهو عبدٌ ما طمع، فإذا طمع فهو عبد، فما دام المرء في قلبه الطمع فهو عبد ولو كان حرًا طليقًا، والعبد حر ولو كان مقيدا، لأن العبودية عبودية القلب، والحرية هي حرية القلب في الحقيقة، وهذا الشيء يجده الإنسان واقعًا مشاهدًا، فتجد بعض الناس الآن عنده أموال كثيرة لكن قلبه غير مستريح، تجده مشغولاً في ليله ونهاره وفي يقظته وفي منامه مشغول بجمع المال، يجمعه من حلال وحرام ولا يبالي، وتجده لا يستريح بين أولاده ولا في أكله ولا في شربه لأن قلبه مسترق للمال، وبعض الناس جعل الله غناه في قلبه وأعطاه القناعة، فتجده مستريحًا ولو كان ماله قليلاً.
المتن:
وَيُقَالُ: الطَّمَعُ غُلٌّ فِي الْعُنُقِ قَيْدٌ فِي الرِّجْلِ فَإِذَا زَالَ الْغُلُّ مِنْ الْعُنُقِ زَالَ الْقَيْدُ مِنْ الرِّجْلِ.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: الطَّمَعُ فَقْرٌ وَالْيَأْسُ غِنًى وَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ اسْتَغْنَى عَنْهُ. ([5]).
وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يَيْأَسُ مِنْهُ لَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَطْمَعُ بِهِ وَلَا يُبْقِ قَلْبَهُ فَقِيرًا إلَيْهِ وَلَا إلَى مَنْ يَفْعَلُهُ وَأَمَّا إذَا طَمِعَ فِي أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ وَرَجَاهُ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ فَصَارَ فَقِيرًا إلَى حُصُولِهِ؛ وَإِلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ سَبَبٌ فِي حُصُولِهِ وَهَذَا فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالصُّوَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
الشرح:
هكذا "غُل" بضم الغين، وهو: ما يكون في العنق، أما "الغِل" بكسر الغين فهو: الحسد والحقد الذي يكون في الصدر، قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، فهذا يختلف منه المعنى بالضم والكسر، إذا كسرت الغين صار المراد به الغِل الذي في الصدر، وإذا ضممت الغين (غُل) صار القيد الذي يكون في الرقبة، قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ [يس:8]. فالأغلال هنا جمع غُل، وفي قوله تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا [الإنسان:4].والأغلال هي: القيود التي يجرون بها في أعناقهم، يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون.
المقصود أن الغُل بضم الغين هو الغل الحسي وهو الوثاق الذي يكون في الرقبة، من حبل وغيره، أما الغِل بكسر الغين فهو الحقد الذي يكون في الصدر وفي القلب.
المتن:
قَالَ الْخَلِيلُ ﷺ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
فَالْعَبْدُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ رِزْقٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ فَإِذَا طَلَبَ رِزْقَهُ مِنْ اللَّهِ صَارَ عَبْدًا لِلَّهِ فَقِيرًا إلَيْهِ وَإِنْ طَلَبَهُ مِنْ مَخْلُوقٍ صَارَ عَبْدًا لِذَلِكَ الْمَخْلُوقِ فَقِيرًا إلَيْهِ.
وَلِهَذَا كَانَتْ " مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقِ " مُحَرَّمَةً فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ.
الشرح:
قوله:(ولهذا كانت مسألة المخلوق محرمة في الأصل، وإنما أبيحت للضرورة): وما ذاك إلا لأن مسألة المخلوق فيها ميل الإنسان بقلبه إلى المخلوق ويحتاج إليه فيكون قلبه متعبد لذلك المخلوق، فصارت مسألة المخلوق لا تجوز إلا للضرورة، ولهذا جاء في الحديث المنع من سؤال الناس المال، وأن من سأل الناس تكثرًا فإنما يسأل جمرًا([6])، وفي حديث قبيصة الذي قال إن النبي ﷺ قال: لا تَحِلُّ المَسأَلَةُ إلَّا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمالَةً فيسأل حتَّى يُصِيبَها، ثُمَّ يُمْسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْهُ جائِحَةٌ اجْتاحَتْ مالَهُ فيسأل حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ، أوْ سِدادًا مِن عَيْشٍ ثم يمسك، ورَجُلٌ أصابَتْهُ فاقَةٌ يعني فقرًا شديدًا حتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجا مِن قَوْمِهِ يعني من قومه من ذوي العقول لقَدْ أصابَتْ فُلانًا فاقَةٌ فيسأل حتَّى يُصِيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ، أوْ سِدادًا مِن عَيْشٍ، ثم قال: فَما سِوى ذلك فَهُوَ سُحتٌ يَأْكُلُها صاحِبُها سُحْتًا ([7]).
وكذلك سؤال الناس غير المال، الأولى ألا تسأل -كما سيبين المؤلف رحمه الله- والنبي ﷺ بايع بعض الصحابة على ألا يسألوا الناس شيئًا–مطلقًا-؛ فكان الواحد منهم إذا سقط سوطه وهو على دابته ينزل ويأخذ السوط ولا يقول يا فلان ناولني إياه حتى كي لا يحتاج إلى أحد([8]).
ولكن تجد بعض الناس إذا كان كبير السن يتعب من بجواره يقول ائت لي بكذا، اعطني كذا، ما ينبغي أن يكثر الإنسان من الأسئلة، كل ما أمكن الإنسان الاستغناء عن الناس فهو أولى.
المتن:
وَفِي النَّهْيِ عَنْهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ كَقَوْلِهِ ﷺ لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مِزْعَةُ لَحْمٍ. ([9])
وَقَالَ: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا أَوْ خُمُوشًا أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ. ([10]).
وَقَوْلِهِ: لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمْعٍ مُوجِعٍ أَوْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ ([11]) وَهَذَا الْمَعْنى فِي الصَّحِيح.
وَفِيهِ أَيْضًا لَئنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَذْهَبَ فَيَحْتَطِبَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ. ([12]).
وَقَالَ: مَا أَتَاكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ سَائِلٍ وَلَا مُشْرِفٍ فَخُذْهُ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ. ([13]) فَكَرِهَ أَخْذَهُ مِنْ سُؤَالِ اللِّسَانِ وَاسْتِشْرَافِ الْقَلْبِ.
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: مَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ؛ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ؛ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ؛ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ. ([14]).
وَأَوْصَى خَوَاصَّ أَصْحَابِهِ أَنْ لَا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا، وَفِي الْمُسْنَدِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَسْقُطُ السَّوْطُ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَقُولُ لِأَحَدِ نَاوِلْنِي إيَّاهُ؛ وَيَقُولُ: إنَّ خَلِيلِي أَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا ([15]).
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَايَعَهُ فِي طَائِفَةٍ وَأَسَرَّ إلَيْهِمْ كَلِمَةً خَفِيَّةً: أَنْ لَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا فَكَانَ بَعْضُ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ السَّوْطُ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمْ؛ وَلَا يَقُولُ لِأَحَدِ نَاوِلْنِي إيَّاهُ. ([16])
الشرح:
كقوله ﷺ : لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مِزْعَةُ لَحْمٍ. وهذا الحديث فيه التحذير من السؤال بغير حق وأن صاحبه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه –نعوذ بالله-.
قولهﷺ: لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ إلَّا لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ...: أي الذي يحل له السؤال، إما في غرم؛ يعني: يتحمل حمالة في ذمته يصلح بين قبيلتين أو بين قريتين أو بين شخصين أو بين زوجين، فيتحمل في ذمته أموالاً يعطي هؤلاء عشرة آلاف وهؤلاء عشرة آلاف وهؤلاء ألفاً، مثلاً: فهذا يسأل حتى يُحَصِّل هذا الشيء الذي تحمّله، حتى ولو كان غنيًا إذا تحمل في ذمته ديونًا من أجل الإصلاح بين الناس يُعطى حتى من الزكاة لأنه من الغارمين تقديرًا له على هذا العمل النبيل إذا أصلح بين شخصين أو بين قبلتين أو بين زوجين وتحمل في ذمته ديونًا فيعطى من الزكاة ما يسدد هذه الديون تشجيعًا له على هذا العمل النبيل، وهذا يسمى ذو غرم - أي غرامة - أو دم موجع أي أصاب دمًا مثلاً بسبب قتل -ومن المعلوم أن القتل الخطأ الدية فيه تكون على العاقلة، لكن نقدر أن لا يكون له عاقلة أو يكون القتل مثلاً عمدًا أو شبه عمد مثلاً وعفى عنه فالمقصود أنه إذا كان صاحب دم فإنه يسأل حتى يسدد هذا الدين الذي عليه، والثالث، الفقر المدقع أي الشديد، فيسأل بمقدار حاجته فإذا وجد ما يسدد حاجته وحاجة أولاده يمسك.
وقوله ﷺ: لَئنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَذْهَبَ فَيَحْتَطِبَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ. فيكف باحتطابه وحرفته وصنعته نفسَه عن سؤال الناس، وقد كان الأنبياء والعلماء والأخيار يعملون، ففي صحيح البخاري قال ﷺ: مَا مِن نَبِيٍّ إِلَّا رَعَى الغَنَمَ قالوا: وأنت يا رسول الله؟ فقال: وأنا، لقد كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ ([17]) .
والمقصود أن على الإنسان أن يعمل ويشتغل ولا يمتهن السؤال.
وقوله ﷺ: مَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ؛ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ أي: من يستعفف يجازى بالمثل، فيعفه الله ويرزقه الله العفة والقناعة في قلبه، ومن يستغن، فإن الله يغنيه بما يجعل في قلبه من القناعة والرضا والطمأنينة.
المتن:
وَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى الْأَمْرِ بِمَسْأَلَةِ الْخَالِقِ وَالنَّهْيِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمَخْلُوقِ؛ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ.
وَقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ؛ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ ([18]).
وَمِنْهُ قَوْلُ الْخَلِيلِ: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَلَمْ يَقُلْ فَابْتَغُوا الرِّزْقَ عِنْدَ اللَّهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الظَّرْفِ يُشْعِرُ بِالِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَبْتَغُوا الرِّزْقَ إلَّا عِنْدَ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَالْإِنْسَانُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُصُولِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الرِّزْقِ وَنَحْوِهِ؛ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ؛ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ شُرِعَ لَهُ أَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ لِلَّهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ وَإِلَيْهِ يَشْتَكِي؛ كَمَا قَالَ يَعْقُوبُ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ.
الشرح:
قوله تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ الشاهد منه: وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ، يعني: أرغب إلى الله في السؤال، وتقديم الجار بالمجرور يفيد الحصر، يعني: ارغب إلى الله ولا ترغب إلى غيره، واسأل الله ولا تسأل غيره، أي: ارغب إلى الله في المسألة.
وقوله: (وقول النبي ﷺ لابن عباس: إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ)المعنى: لا تسأل المخلوق.
قوله: "كأنه قال: لا تبتغوا الرزق إلا عند الله" فإن الرزق من الصور التي يقع فيها نوع من الإلهية،كأن يدعى أحد من دون الله،ويطلب منه الرزق، فمن اعتقد في شخص أنه هو الذي يرزق كأن يقول: كل رزق لا يرزقنيه شيخ الطريقة فلان فلا أريده فهذا يكون كافرا، وهذا من الغلو، فيكون مشركا، إذ قداعتقد أن فلانا يرزق، وهذا نوع من الإلهية، وهو شرك؛ فيستتاب من ذلك، فإن تاب وإلا قتل.
المتن:
وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ " الْهَجْرَ الْجَمِيلَ ([19])، والصفح الْجَمِيل([20]) وَالصَّبْر الْجَمِيل([21]).
وَقد قيل: إِن الهجر الْجَمِيل هُوَ هجر بِلَا أَذَى.
والصفح الْجَمِيل صفح بِلَا معاتبة.
وَالصَّبْر الْجَمِيل صَبر بِغَيْر شكوى إِلَى الْمَخْلُوق.
وَلِهَذَا قرئَ على أَحْمد بن حَنْبَل فِي مَرضه: إِن طاوسا كَانَ يكره أَنِين الْمَرِيض وَيَقُول: إِنَّه شكوى فَمَا أنّ أَحْمد حَتَّى مَاتَ([22]).
الشرح:
قوله: "والله تعالى ذكر في القرآن الهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل" فالهجر الجميل ورد في المزمل: وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا [المزمل: ١٠] والصفح الجميل ورد في سورة الحجر في قوله تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر: ٨٥]والصبر الجميل ورد الأمر به في سورة المعارج في قوله سبحانه: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج: ٥].
قوله: "والصبر الجميل : صبر بغير شكوى إلى المخلوق"وذكر خبر الإمام أحمد وهذا يدل على ورع السلف الصالح -رحمهم الله- فالإمام أحمد لما مرض -رحمه الله- كان يئن من شدة المرض -والأنين معروف- فقرئ عليه أن طاووس بن كيسان اليماني -من التابعين- كان يكره أنين المريض ويقول: (إنه يكتب على الإنسان؛ لأنه شكوى من الخالق إلى المخلوق) فتصبَّر - رحمه الله - وسكت عن الأنين، حتى مات.
المتن:
وَأَمَّا الشَّكْوَى إلَى الْخَالِقِ فَلَا تُنَافِي الصَّبْرَ الْجَمِيلَ؛ فَإِنَّ يَعْقُوبَ قَالَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَقَالَ: إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ
وَكَانَ عمر بن الْخطاب يقْرَأ فِي الْفجْر بِسُورَة يُونُس ويوسف والنحل ([23])، فَمر بِهَذِهِ الْآيَة فِي قِرَاءَته فَبكى حَتَّى سمع نَشِيجه من آخر الصُّفُوف ([24]).
الشرح:
وقوله:(وأما الشكوى إلى الخالق فلا تنافي الصبر الجميل): فالشكوى إلى الخالق والمشتكى إلى الله، فالله منه المشتكي وإليه المشتكى، فالشكوى إلى الخالق لا تنافي، ولكن الممنوع الشكوى إلى المخلوق إلا إذا كان هناك حاجة لأن تبين،كأن تُسأل فتخبر أن حالته كذا وكذا، وذلك من باب الإضمار أو عند الطبيب إذا أراد أن يتعالج الإنسان يقول أحسُّ بكذا وكذا أو من باب الأخبار لأهله وأولاده حينما يسألون لا من باب الشكوى، أما الشكوى فلا تجوز، والشكوى إلى الخالق فهذه لا تسمى شكوى جزع ولهذا قال الله عن يعقوب: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف:83]، ثم قال: قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف:86]، فدل على أن شكواه إلى الله لا تنافي الصبر الجميل.
وكان عمر يقرأ بالسور الطوال كلها كسورة يونس وسورة يوسف وسورة النحل، ولما طعن كان يقرأ بأحد هذه السور الطوال حتى يجتمع الناس، ويقرأ بها خصوصًا في الركعة الأولى؛ لأن صلاة الفجر مشروع فيها تطويل القراءة، ولأن الناس بعد اليقظة من النوم بحاجة إلى سماع كلام الله وتدبره فكان يقرأ بسورةيوسف فإذامر بهذه الآية :قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [يوسف:86].بكي حتى يُسمع نشيجه من آخر الصفوف؛فمن كان بالله أعرف كان منه أخوف.([25])
المتن:
وَمن دُعَاء مُوسَى([26]): اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِكَ الْمُسْتَغَاثُ، وَعَلَيْكَ التكلان، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِكَ.
وَفِي الدُّعَاءِ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا فَعَلَ بِهِ أَهْلُ الطَّائِفِ مَا فَعَلُوا: اللَّهُمَّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي؛ وَقِلَّةَ حِيلَتِي؛ وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ؛ أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي. اللَّهُمَّ إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؛ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي؛ غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي؛ أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ الظُّلُمَاتُ؛ وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ؛ أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ؛ لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى؛ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّه ([27]).
وَفِي بعض الرِّوَايَات: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِكَ ([28]).
وَكلما قوي طمع العَبْد فِي فضل الله وَرَحمته ورجائه لقَضَاء حَاجته وَدفع ضَرُورَته قويت عبوديته لَهُ وحريته مِمَّا سواهُ فَكَمَا أَن طمعه فِي الْمَخْلُوق يُوجب عبوديته لَهُ فيأسه مِنْهُ يُوجب غنى قلبه نَظِيره، وَأفضل على من شِئْت تكن أميره، وَاحْتج إِلَى من شِئْت تكن أسيره.
الشرح:
وقوله: (ومن دعاء موسى...): الشاهد منه:"وإليك المشتكى"، فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر.
وقوله:(وفي الدعاء الذي دعا به النبي ﷺ...): الشاهد أن النبي ﷺ اشتكى إلى الله، اللَّهُمَّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر.
وقوله: (كما قيل: استغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.) المعنى: أنك إذا استغنيت عن شخص صرت نظيرًا له وندًا؛ فتكون أنت وإياه سواء، فلا يحتاج إليك ولا تحتاج إليه؛ لأنك مستغن عنه وهو مستغن عنك، فاستغن عمن شئت تكن نظيره ومثيلاً له، وأفضل على من شئت تكن أميره، فإذا أعطيت أحدًا شيئًا فأنت أمير عليه وهو عبد لك؛ لأنك أنت الذي تفضلت وأنت الذي أعطيته، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، إذا احتجت إلى شخص فأنت أسير وعبد له لأنك محتاج إليه فتعلق قلبك به.
فالشخص الذي تستغن عنه نظير لك ومثيل لك، والشخص الذي يحتاج إليك أنت أمير عليه، والشخص الذي تحتاج إليه أنت أسير له.
المتن:
فَكَذَلِك طمع العَبْد فِي ربه ورجاؤه لَهُ يُوجب عبوديته لَهُ.
وإعراض قلبه عَن الطّلب من الله والرجاء لَهُ يُوجب انصراف قلبه عَن الْعُبُودِيَّة لله لَا سِيمَا من كَانَ يَرْجُو الْمَخْلُوق ولايرجو الْخَالِق بِحَيْثُ يكون قلبه مُعْتَمدًا إِمَّا على رئاسته وَجُنُوده وَأَتْبَاعه ومماليكه وَإِمَّا على أَهله وأصدقائه وَإِمَّا على أَمْوَاله وذخائره وَإِمَّا على ساداته وكبارئه كمالكه وَملكه وَشَيْخه ومخدومه وَغَيرهم مِمَّن هُوَ قد مَاتَ أَو يَمُوت قَالَ تَعَالَى وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58]
وكل من علق قلبه بالمخلوقين أَن ينصروه أَو يرزقوه أَو أَن يهدوه خضع قلبه لَهُم وَصَارَ فِيهِ من الْعُبُودِيَّة لَهُم بِقدر ذَلِك وَإِن كَانَ فِي الظَّاهِر أَمِيرا لَهُم مُدبرا لأمورهم متصرفا بهم فالعاقل ينظر إِلَى الْحَقَائِق لَا إِلَى الظَّوَاهِر.
فالرجل إِذا تعلق قلبه بِامْرَأَة وَلَو كَانَت مُبَاحَة لَهُ يبْقى قلبه أَسِيرًا لَهَا تحكم فِيهِ وتتصرف بِمَا تُرِيدُ وَهُوَ فِي الظَّاهِر سَيِّدهَا لِأَنَّهُ زَوجهَا أَو مَالِكهَا وَلكنه فِي الْحَقِيقَة هُوَ أَسِيرهَا ومملوكها وَلَا سِيمَا إِذا علمت بفقرة إِلَيْهَا وعشقه لَهَا وَأَنه لَا يعتاض عَنْهَا بغَيْرهَا فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تتحكم فِيهِ تحكم السَّيِّد القاهر الظَّالِم فِي عَبده المقهور الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْخَلَاص مِنْهُ بل أعظم
الشرح:
قوله: (فكذلك طمع العبد في ربه ورجاؤه له يوجب عبوديته له) : وذلك لأن العبرة بالحاجة فإذا احتاج إلى أحد تعلق قلبه به وإذا استغنى عنه لم يتعلق قلبه به، فإذا علَّق الإنسان قلبَه بالله وأنزل حوائجه بالله صار قلبه عبدًا لله وإذا أنزل حوائجه بالمخلوقين صار عبدًا لهم.
وقوله (فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة- ولو كانت مباحة له - يبقى قلبه أسيرًا لها): وهذا واقع؛ فإذا تعلق رجل بامرأة ولو كانت زوجته –مثلاً - تجده هو الزوج والولي في الظاهر وهو صاحب البيت وصاحب النفقة، لكن هي التي تدبره في كل شيء، ولا يقدر أن يتخلى؛ لأن قلبه متعبد لها من شدة المحبة والتعلق.
المتن:
فَإِن أسر الْقلب أعظم من أسر الْبدن واستعباد الْقلب أعظم من استعباد الْبدن.
فَإِن من استبعد بدنه واسترق وَأسر لَا يُبَالِي إِذا كَانَ قلبه مستريحًا من ذَلِك مطمئنًا، بل يُمكنهُ الاحتيال فِي الْخَلَاص.
وَأما إِذا كَانَ الْقلب الَّذِي هُوَ ملك الْجِسْم رَقِيقا مستعبدا متيما لغير الله فَهَذَا هُوَ الذل والأسر الْمَحْض والعبودية الذليلة لما استعبد الْقلب.
وعبودية الْقلب وأسره هِيَ الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَإِن الْمُسلم لَو أسره كَافِر أَو استرقه فَاجر بِغَيْر حق لم يضرّهُ ذَلِك إِذا كَانَ قَائِما بِمَا يقدر عَلَيْهِ من الْوَاجِبَات
الشرح:
قوله: (فإن من استبعد بدنه واسترق وأسر لا يبالي ما دام قلبه مستريحًا من ذلك مطمئنًا، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص): لأن المحبوس من حُبس قلبه عن الله، فما دام قلب المرء حرًا مرتاحًا فلا يضره ما يصيب جسده؛ لأن العبرة بالحرية والعبودية والراحة بالقلب.
وقوله: (وعبودية القلب وأسره هي التي يترتب عليها الثواب والعقاب): يعني: أن العبرة بعبودية القلب، فإذا كان الإنسان مأسوراً في بلاد الكفار وقلبه مستريح فلا يضره ذلك فهو يعبد الله ويؤدي الواجبات التي يقدر عليها ولا يضره ذلك، حتى ولو أكره على التكلم بالكفر وتكلم وقلبه مطمئن بالإيمان فإنه لا يضره ذلك، لكن المصيبة هي عبودية القلب، فإذا تعبد لغير الله فهذا الذي يضره ولو كان جسمه حرًا طليقًا.
المتن:
وَمن استعبد بِحَق إِذا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلهُ أَجْرَانِ ([29]) وَلَو أكره على التَّكَلُّم بالْكفْر فَتكلم بِهِ وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان لم يضرّهُ ذَلِك وَأما من استُعبد قلبه فَصَارَ عبدا لغير الله فَهَذَا يضرّهُ ذَلِك وَلَو كَانَ فِي الظَّاهِر ملك النَّاس.
فالحرية حريَّة الْقلب والعبودية عبودية الْقلب كَمَا أَن الْغنى غنى النَّفس قَالَ النَّبِي ﷺ: لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ([30]).
الشرح:
وقوله: لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ: والعرَض هو: الأثاث والأموال والمتعة.
ومعنى الحديث: أنه ليس الغنى في كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس، فبعض الناس عنده أموال طائلة وأثاث وأمتعة وشركات ومؤسسات لكن قلبه فقير لا يشبع، تجد قلبه دائمًا متعلق بالدنيا، دائمًا قلبه لا يستريح ولا يطمئن، لا في نومه ولا في أكله ولا شربه ولا في جلوسه مع أهله، لأن قلبه فقير وإن كان عنده أموال كثيرة، وبعض الناس ماله قليل قدر ما يكفيه فحاله كفاف، إلا أن قلبه مستريح مطمئن، لما جعل الله في قلبه من القناعة والراحة والطمأنينة، فتجده مرتاحًا في بيته ومع أهله ومع أولاده ومع أقاربه ومع والديه وأرحامه الذي يصلهم فهو مستريح البال.
المتن:
وَهَذَا لعَمْرو الله إِذا كَانَ قد استبعد قلبه صُورَة مُبَاحَة.
فَأَما من استعبد قلبه صُورَة مُحرمَة امْرَأَة أَو صبي فَهَذَا هُوَ الْعَذَاب الَّذِي لَا يدانيه عَذَاب.
وَهَؤُلَاء عشاق الصُّور، من أعظم النَّاس عذَابا وَأَقلهمْ ثَوابًا، فَإِن العاشق لصورة إِذا بَقِي قلبه مُتَعَلقا بهَا مستعبدا لَهَا اجْتمع لَهُ من أَنْوَاع الشَّرّ وَالْفساد مَا لَا يُحْصِيه إِلَّا رب الْعباد.
وَلَو سلم من فعل الْفَاحِشَة الْكُبْرَى فداوم تعلق الْقلب بهَا بِلَا فعل الْفَاحِشَة أَشد ضَرَرا عَلَيْهِ مِمَّن يفعل ذَنبا ثمَّ يَتُوب مِنْهُ وَيَزُول أَثَره من قلبه وَهَؤُلَاء يشبّهون بالسكارى والمجانين كَمَا قيل:
سُكرَانِ: سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ | وَمَتَى إفَاقَةُ مَنْ بِهِ سُكرَانِ |
الشرح:
قوله: (وهذا لعمرو الله إذا كان قد استعبد قلبه صورة مباحة) ليس المراد: القَسَم،وإنما المراد: تأكيد الكلام، وجاء مثل هذا في كلام شيخ الإسلام، وكلام ابن القيم، بل جاء في كلام عائشة رضي الله عنها كما ثبت في صحيح البخاري في تفسير سورة يوسف أن عائشة قالت: لعمري([31])، بل جاء في حديث مرفوع في سنن أبي داود([32]) فالمراد بهذا: تأكيد الكلام، وأما قوله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72]فهذا قَسَم من الله بحياة النبي ﷺ، والله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته.
وقوله:
سُكرَانِ: سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ | وَمَتَى إفَاقَةُ مَنْ بِهِ سُكرَانِ |
يعني: أن السكر نوعان:
السكر الأول: سكر الهوى والميل إلى غير الله كالذي يميل إلى عشق امرأة أو غيرها.
والسكر الثاني: الدوام والمدامة وتعلق القلب المستمر بها الذي لا ينقطع.
ومتى إفاقة من به سكران؟!
شارب الخمر يسكر سكرًا واحدًا ويفيق إذا ذهبت شربة الخمر، لكن من به سكران متى يفيق؟!هذا لا يفيق أبدًا.
المتن:
وَقيل:
قَالُوا: جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لَهُمْ | الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ |
الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ | وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ |
وَمن أعظم أَسبَاب هَذَا الْبلَاء إِعْرَاض الْقلب عَن الله فَإِن الْقلب إِذا ذاق طعم عبَادَة الله وَالْإِخْلَاص لَهُ لم يكن عِنْده شَيْء قطّ أحلى من ذَلِك وَلَا ألذ وَلَا أمتع وَلَا أطيب وَالْإِنْسَان لَا يتْرك محبوبا إِلَّا بمحبوب آخر يكون أحب إِلَيْهِ مِنْهُ أَو خوفًا من مَكْرُوه فالحب الْفَاسِد إِنَّمَا ينْصَرف الْقلب عَنهُ بالحب الصَّالح أَو بالخوف من الضَّرَر، قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يُوسُفَ. كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.
فَاَللَّهُ يَصْرِفُ عَنْ عَبْدِهِ مَا يَسُوءُهُ مِنْ الْمَيْلِ إلَى الصُّوَرِ وَالتَّعَلُّقِ بِهَا وَيَصْرِفُ عَنْهُ الْفَحْشَاءَ بِإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ.
االشرح
قوله:
قَالُوا: جُنِنْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لَهُمْ | الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ |
يريد هذا القائل بيان أن العشق أشد من الجنون؛ لأن العاشق لا يفيق الدهر كله، بل قلبه متعلق بمعشوقه. أما المجنون فإن كان يصرع بعض الأحيان فهو يفيق بعض الأحيان. ولكن العاشق لا يستفيق أبدا، سكره مستمر، نسأل الله العافية، ولهذا قال:
الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ | وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ |
وقوله: (فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر) : يبين المؤلف رحمه الله أن الحب الفاسد يخرج عن القلب وينصرف بالحب الصالح أو الخوف من الضرر، كذلك اليقين الفاسد الذي في القلـب، إنما يخـرج باليقـين الصالـح، فإذا كان عنده يقين منحرف بأن اعتقد اعتقادًا غير صحيح أي: غير موافق لشرع الله فهذا يزول بالاعتقاد الصحيح، فيخرج هذا اليقين الفاسد إذا خلفه يقين صالح، يقين موافق لشرع الله، وذلك أن يكون متيقنا بأنه ملاق ربه، فهو متيقن بيوم القيامة، ومتيقن بالآخرة، عنده يقين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، هذا اليقين الصادق الصحيح هو الذي يُخرج اليقين الفاسد.
بعض الناس عنده يقين فاسد، فقد يعتقد أن الطواف بالقبور والذبح للأولياء والصالحين ودعاءهم من دون الله ليس بشرك، وبعضهم يطوف حول القبور، ويقول: هذا ليس عبادة إنما هو محبة للصالحين وأن هذا توسل، وإنما يَخرج هذا اليقين الفاسد وينقلب عن القلب إذا تيقن يقينًا صحيحًا صادقًا؛فعرف الشرك من التوحيد، واعتقد الاعتقـاد الصحيـح الموافق لما فيـه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ولما يعتقده السلف الصالح من أن الدعاء لغير الله شرك، والذبح لغير الله شرك، والطواف حول القبور للتقرب إلى أهلها شرك،حينئذ يخرج اليقين الفاسد.
المتن:
وَلِهَذَا يكون قبل أَن يَذُوق حلاوة الْعُبُودِيَّة لله وَالْإِخْلَاص لَهُ بِحَيْثُ تغلبة نَفسه على اتِّبَاع هَواهَا فَإِذا ذاق طعم الْإِخْلَاص وَقَوي فِي قلبه انقهر لَهُ هَوَاهُ بِلَا علاج، قَالَ تَعَالَى إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]. فَإِن الصَّلَاة فِيهَا دفع مَكْرُوه وَهُوَ الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وفيهَا تَحْصِيل مَحْبُوب وَهُوَ ذكر الله.
وَحُصُول هَذَا المحبوب أكبر من دفع ذَلِك الْمَكْرُوه فَإِن ذكر الله عبَادَة لله وَعبادَة الْقلب لله مَقْصُودَة لذاتها وَأما اندفاع الشَّرّ عَنهُ فَهُوَ مَقْصُود لغيره على سَبِيل التبع.
الشرح:
قوله تعالى: إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ : الصلاة فيها ذكر الله ، والحكمة في تشريعها هي: ذكر الله وعبودية القلب لله، وهو شيء محبوب، وأما الفحشاء والمنكر فهذا شيء تنهى عنه الصلاة؛ لأنه شيء دخيل ومكروه، فإنه يزال حتى يخلص الشيء المقصود وهو: ذكر الله وعبادته بالقلب واللسان والجوارح.
المتن:
وَالْقلب خلق يحب الْحق ويريده ويطلبه فَلَمَّا عرضت لَهُ إِرَادَة الشَّرّ طلب دفع ذَلِك فَإِنَّهَا تفْسد الْقلب كَمَا يفْسد الزَّرْع بِمَا ينْبت فِيهِ من الدغل.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا وَقَالَ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى وَقَالَ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا فَجعل سُبْحَانَهُ غض الْبَصَر وَحفظ الْفرج هُوَ أقوى تَزْكِيَة للنَّفس وَبَين أَن ترك الْفَوَاحِش من زَكَاة النُّفُوس وَزَكَاة النُّفُوس تَتَضَمَّن زَوَال جَمِيع الشرور من الْفَوَاحِش وَالظُّلم والشرك وَالْكذب وَغير ذَلِك.
وَكَذَلِكَ طَالب الرِّئَاسَة والعلو فِي الأَرْض قلبه رَقِيق لمن يُعينهُ عَلَيْهَا وَلَو كَانَ فِي الظَّاهِر مقدمهم والمطاع فيهم فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة يرجوهم ويخافهم فيبذل لَهُم الْأَمْوَال والولايات ويعفوا عَمَّا يجترحونه ليطيعوه ويعينوه فَهُوَ فِي الظَّاهِر رَئِيس مُطَاع وَفِي الْحَقِيقَة عبد مُطِيع لَهُم.
الشرح:
زكاة النفس مطلوبة، وقد حث الله على تزكية النفس، وصلاح القلب، ومن أعظم أسباب صلاح القلب: تدبر القرآن والخشوع في الصلاة، ومن ذلك- ما ذكر المؤلف-: من غض البصر ، ومن ذلك: أداء الزكاة؛ كما قال الله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]وقوله: تُطَهِّرُهُمْ يعني: تزكي نفوسهم، فالزكاة تطهر نفس المزكي من أدران الشح والبخل واللؤم، وتطهر المال وتحفظه.
المتن:
وَالتَّحْقِيق أَن كِلَاهُمَا فِيهِ عبودية للْآخر وَكِلَاهُمَا تَارِك لحقيقة عبَادَة الله وَإِذا كَانَ تعاونهما على الْعُلُوّ فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق كَانَا بِمَنْزِلَة المتعاونين على الْفَاحِشَة أَو قطع الطَّرِيق فَكل وَاحِد من الشخصين لهواه الَّذِي استعبده واسترقه مستعبد للْآخر.
وَهَكَذَا أَيْضا طَالب المَال فَإِن ذَلِك يستعبده ويسترقه.
وَهَذِه الْأُمُور نَوْعَانِ:
مِنْهَا مَا يحْتَاج العَبْد إِلَيْهِ كَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من طَعَامه وَشَرَابه ومسكنه ومنكحه وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا يَطْلُبهُ من الله ويرغب إِلَيْهِ فِيهِ فَيكون المَال عِنْده يَسْتَعْمِلهُ فِي حَاجته بِمَنْزِلَة حِمَاره الَّذِي يركبه وبساطه الَّذِي يجلس عَلَيْهِ بل بِمَنْزِلَة الكنيف الَّذِي يقْضى فِيهِ حَاجته من غير أَن يستعبده فَيكون هلوعًا إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:20-21].
وَمِنْهَا مَا لَا يحْتَاج العَبْد إِلَيْهِ فَهَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يعلق قلبه بِهِ فَإِذا علق قلبه بِهِ صَار مستعبَدا لَهُ وَرُبمَا صَار مُعْتَمدًا على غير الله فَلَا يبْقى مَعَه حَقِيقَة الْعِبَادَة لله وَلَا حَقِيقَة التَّوَكُّل عَلَيْهِ بل فِيهِ شُعْبَة من الْعِبَادَة لغير الله وَشعْبَة من التَّوَكُّل على غير الله وَهَذَا من أَحَق النَّاس بقوله ﷺ: تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ؛ تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ؛ تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ ([33]) وَهَذَا هُوَ عبد هَذِه الْأُمُور فَإِنَّهُ لَو طلبَهَا من الله فَإِن الله إِذا أعطَاهُ إِيَّاه رَضِي وَإِن مَنعه إِيَّاه سخط
الشرح:
قوله:(منها ما يحتاج العبد إليه، من طعامه وشرابه ومسكنه ومنكحه، ونحو ذلك) المعنى: أن الإنسان في أمور دنياه لا بد له من شيء يقوم بحاجته من طعام وشراب ومسكن وملبس ومنكح، وهذا الشيء الضروري الذي لا بد منه، وهناك شيء زائد عن حاجته.
فأمور الدنيا تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول : يحتاجه الإنسان ولا بد له منه، فمثلاً: لا بد له من أكل وشرب ومسكن، ولا بد له من مركب، وزوجة، فهذه أمور ضرورية.
فيريد المؤلف -رحمه الله- بيان: أن هذه الأمور الضرورية يطلبها من الله، ثم إذا حصلت عنده تكون وسيلة وليست غاية؛ بمنزلة الحمار الذي يركبه، يعني: بمنزلة السيارة التي يركبها، وبمنزلة البساط الذي يجلس عليه، بل بمنزلة الكنيف والحمام الذي يقضي فيه حاجته وينصرف عنه، وكذلك الآن السيارة فهي وسيلة وليست بغاية، فبعض الناس تجد عنده عناية شديدة بالمركب تغسيل ليلاً ونهارًا وصباحًا ومساءً، وهذا معناه: جعل الوسيلة غاية، فصارت هي همه، مع أنها وسيلة تنقلك إلى ما تريد فقط، أما أن تجعلها هي الغاية وهي شغلك الشاغل، فمعناه أنها أصبحت غاية وليست وسيلة.
والقسم الثانى: ما زاد عن حاجة الإنسان فهذا لا ينبغي للإنسان أن يعلق قلبه به، فإذا علق قلبه صار عبدًا له.
المتن:
وَإِنَّمَا عبد الله من يرضيه مَا يُرْضِي الله ويسخطه مَا يسْخط الله وَيُحب مَا أحبه الله وَرَسُوله وَيبغض مَا أبغضه الله وَرَسُوله ويوالي أَوْلِيَاء الله ويعادي أَعدَاء الله تَعَالَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتكْمل الْإِيمَان كَمَا فِي الحَدِيث: مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ ([34]). وَقَالَ: أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ؛ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ ([35]). وَفِي " الصَّحِيح " عَنهُ ﷺ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ ([36]).
فَهَذَا وَافق ربه فِيمَا يُحِبهُ وَمَا يكرههُ فَكَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَأحب الْمَخْلُوق لله لَا لغَرَض آخر فَكَانَ هَذَا من تَمام حبه لله فَإِن محبَّة مَحْبُوب المحبوب من تَمام محبَّة المحبوب فَإِذا أحب أَنْبيَاء الله وأولياء الله لأجل قيامهم بمحبوبات الْحق لَا لشَيْء آخر فقد أحبهم لله لَا لغيره وَقد قَالَ تَعَالَى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54].
الشرح:
قوله:(وإنما عبد الله من يرضيه ما يرضي الله، ويسخطه ما يسخط الله...): عبدُ الله على الحقيقةهو: الذي يُرضيه ما يُرضي الله، ويسخطه ما يُسخط الله، ويحب ما يحبه الله، ويبغض ما يبغضه الله، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله، هذا هو الذي استكمل الإيمان، والمعنى: أنه وافق الله في محبوباته ومكروهاته.
وحلاوة الإيمان تعني: لذته، ويجدها الإنسان في ثلاثة أشياء: إذا كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وإذا كان يحب الإنسان يحبه لله، وإذا كان يكره الرجوع في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.
المتن:
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. فَإِن الرَّسُول لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا يحب الله وَلَا ينْهَى إِلَّا عَمَّا يبغضه الله وَلَا يفعل إِلَّا مَا يُحِبهُ الله وَلَا يخبر إِلَّا بِمَا يحب الله التَّصْدِيق بِهِ.
فَمن كَانَ محبا لله لزم أَن يتبع الرَّسُول ﷺ فيصدقه فِيمَا أخبر ويطيعه فِيمَا أَمر ويتأسى بِهِ فِيمَا فعل وَمن فعل هَذَا فقد فعل مَا يُحِبهُ الله فَيُحِبهُ الله.
وَقد جعل الله لأهل محبته علامتين: اتِّبَاع الرَّسُول وَالْجهَاد فِي سَبيله.
الشرح:
قوله: (فإن محبة محبوب المحبوب) هي من تمام محبة المحبوب، فالله تعالى يحب الأنبياء والملائكة والصالحين فإذا أحببتَهم فهذا من تمام محبة الله، ومن تمام موافقة الله، والله تعالى يبغض الكفار ويبغض الفاسقين، فأنت إذا أبغضتهم فقد وافقت ربك فيما يغضب.
وقوله : قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ : وهذه الآية تسمى: آية المحنة، وهي قوله تعالى: قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ، فقد ادَّعى قوم محبة الله فامتحنهم الله بهذه الآية، والمعنى: إن كنتم صادقين في محبة الله فاتبعوا الرسول، فمن كان يتبع الرسول ﷺ فهو صادق في محبته لله، ومن كان لا يتبع الرسول ﷺ فهو كاذب في محبته له، ولا تُقبل دعواه، وهذا دليل وبرهان على محبة الله، فدليل محبة الله: اتَّباع الرسل، فإذا رأينا الرجل يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام عرفنا أن محبته صادقة، وإذا رأيناه يخالف الرسول ﷺ عرفنا أن محبته كاذبة.
وهناك علامة أخرى وهي: الجهاد في سبيل الله -كما سيأتي- .
فهذان علامتان لمحبة الله:
العلامة الأولى: اتباع الرسول ﷺ.
العلامة الثانية: الجهاد في سبيل الله.
المتن:
وَذَلِكَ لِأَن الْجِهَاد حَقِيقَة الِاجْتِهَاد فِي حُصُول مَا يُحِبهُ الله من الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح وَمن دفع مَا يبغضه الله من الْكفْر والفسوق والعصيان وَقد قَالَ تَعَالَى قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة: 24]. فتوعد من كَانَ أَهله وَمَاله أحب إِلَيْهِ من الله وَرَسُوله وَالْجهَاد فِي سَبيله بِهَذَا الْوَعيد.
بل قد ثَبت عَنهُ ﷺ فِي الصَّحِيح أَنه قَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ([37]).
وَفِي الصَّحِيح أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: يَا رَسُول الله لأَنْت أحب إِلَيّ من كل شَيْء إِلَّا من نفسى فَقَالَ: لَا يَا عُمَرُ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ: فوَاللَّه لأَنْت أحب إِلَيّ من نَفسِي فَقَالَ: الْآنَ يَا عُمَرُ ([38]).
الشرح:
قوله تعالى: فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ : أي: انتظروا ماذا يحلّ بكم من عقوبة، فتوعّد الله سبحانه مَن قدَّم واحدًا من هذه الأمور الثمانية: الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والأموال والتجارة والمساكن، ثمانية أشياء من قدم واحدة منها على محبة الله ورسوله فعليه الوعيد الشديد،ومرتكب لكبيرة؛ فقد حكم الله عليهم بالفسق.
وقول النبي ﷺ: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يؤمن يعني لا يؤمن الإيمان الكامل، وإلا لو أحب يعني قدم محبتهم على محبة الرسول فهو ضعيف الإيمان
وقوله ﷺ: الْآنَ يَا عُمَرُ أي: الآن بلغت المحبة الواجبة والمطلوبة.
المتن:
فحقيقة الْمحبَّة لَا تتمّ إِلَّا بموالاة المحبوب وَهُوَ مُوَافَقَته فِي حب مَا يحب وبغض مَا يبغض.
وَالله يحب الْإِيمَان وَالتَّقوى وَيبغض الْكفْر والفسوق والعصيان.
وَمَعْلُوم أَن الْحبّ يُحَرك إِرَادَة الْقلب فَكلما قويت الْمحبَّة فِي الْقلب طلب الْقلب فعل المحبوبات فَإِذا كَانَت الْمحبَّة تَامَّة استلزمت إِرَادَة جازمة فِي حُصُول المحبوبات فَإِذا كَانَ العَبْد قَادر عَلَيْهَا حصلها وَإِن كَانَ عَاجِزا عَنْهَا فَفعل مَا يقدر عَلَيْهِ من ذَلِك كَانَ لَهُ أجر كَأَجر الْفَاعِل كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ: مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا؛ وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا ([39])".
الشرح:
وقوله: (فحقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب): لا تتم إلا بموالاة المحبوب، فمن ادَّعى أنه يجب الله فلا بد أن يوالي الله، وموالاة المحبوب معناها: موافقة الله في حب ما يحب وبغض ما يبغض، فانظر إلى الشيء الذي يحبه الله - من شخص أو فعل أو حكم- فأحبَّه، وانظر إلى ما يبغضه الله - من شخص أو فعل أو حكم- فأبْغضه؛ فالله تعالى يحب الصلاة والزكاة والصوم -من الأحكام- ويحب المؤمنين والأنبياء والصالحين فتحبهم، والله تعالى ينهى عن الفحشاء والمنكر والزنا والسرقة، ويبغض الكافرين والفاسقين فتبغضهم وهكذا، هذا حال الصادق في محبته.
المتن:
الشرح:
وقوله: إنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ: وهذا في غزوة تبوك، ذلك لما كان بالمدينة رجالاً تخلفوا للعجز وعدم الاستطاعة فكتب الله لهم أجر المجاهدين، وهم في المدينة، والمعنى: أن المحبة إذا كانت تامة تستلزم الإرادة القوية، فتدفعك إلى العمل إن كنت قادرًا، وإن كنت عاجزًا ولا تستطيع فإن الله يكتب لك أجر العامل، مثل: المجاهدين الذين تخلفوا عن المجاهدة لعدم الاستطاعة - إما مريضًا أو أعمى أو أعرجَ أو ليس عنده مال- ولهذا أخبر الله تعالى أن أناس جاءوا للنبي ﷺ يطلبون أن يعطيهم شيئًا من الإبل حتى يركبوا عليها للجهاد، والرسول ﷺ ليس عنده شيء، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع - من البكاء - يريدون أن يشاركوا المجاهدين لكن لا يستطيعون؛ فليس عندهم شيء، والرسول ﷺ أيضا ليس عنده شيء فيعطيهم، ولهذا قال تعالى: وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ [التوبة:92]، أي: ليس عليهم جناح، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [التوبة:93]
المتن:
وَالْجهَاد: هُوَ بذل الوسع - وَهُوَ كل مَا يُمْلَكُ من الْقُدْرَة - فِي حُصُول مَحْبُوب الْحق، وَدفع مَا يكرههُ الْحق. فَإِذا ترك العَبْد مَا يقدر عَلَيْهِ من الْجِهَاد كَانَ دَلِيلا على ضعف محبَّة الله وَرَسُوله فِي قلبه.
وَمَعْلُوم أَن المحبوبات لَا تنَال غَالِبا إِلَّا بِاحْتِمَال المكروهات سَوَاء كَانَت محبَّة صَالِحَة أَو فَاسِدَة.
فالمحبون لِلْمَالِ والرئاسة والصور لَا ينالون مطالبهم إِلَّا بِضَرَر يلحقهم فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يصيبهم من الضَّرَر فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
فالمحب لله وَرَسُوله إِذا لم يحْتَمل مَا يرى ذُو الرَّأْي من المحبين لغير الله مِمَّا يحْتَملُونَ فِي سَبِيل حُصُول محبوبهم دلّ ذَلِك على ضعف محبتهم لله إِذا كَانَ مَا يسلكه أُولَئِكَ فِي نظرهم هُوَ الطَّرِيق الَّذِي يُشِير بِهِ الْعقل.
وَمن الْمَعْلُوم أَن الْمُؤمن أَشد حبا لله قَالَ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165].
نعم قد يسْلك الْمُحب لضعف عقله وَفَسَاد تصَوره طَرِيقا لَا يحصل بهَا الْمَطْلُوب فَمثل هَذِه الطَّرِيق لَا تحمد إِذا كَانَت الْمحبَّة صَالِحَة محمودة فَكيف إِذا كَانَت الْمحبَّة فَاسِدَة وَالطَّرِيق غير موصل؟! كَمَا يَفْعَله المتهورون فِي طلب المَال الرِّئَاسَة والصور من حب أُمُور توجب لَهُم ضَرَرا وَلَا تحصل لَهُم مَطْلُوبا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود الطّرق الَّتِي يسلكها الْعقل السَّلِيم لحُصُول مَطْلُوبه.
إِذا تبين هَذَا فَكلما ازْدَادَ الْقلب حبا لله ازْدَادَ لَهُ عبودية ازْدَادَ لَهُ عبودية، وَكلما ازْدَادَ لَهُ عبودية ازْدَادَ لَهُ حبا وفضله عَمَّا سواهُ. وَالْقلب فَقير بِالذَّاتِ إِلَى الله من وَجْهَيْن: من جِهَة الْعِبَادَة وَهِي الْعلَّة الغائية وَمن جِهَة الِاسْتِعَانَة والتوكل وَهِي الْعلَّة الفاعلة فالقلب لَا يصلح وَلَا يفلح وَلَا ينعم وَلَا يسر وَلَا يلتذ وَلَا يطيب وَلَا يسكن وَلَا يطمئن إِلَّا بِعبَادة ربه وحبه والإنابة إِلَيْهِ وَلَو حصل لَهُ كل مَا يلتذ بِهِ من الْمَخْلُوقَات لم يطمئن وَلم يسكن إِذْ فِيهِ فقر ذاتي إِلَى ربه من حَيْثُ هُوَ معبوده ومحبوبه ومطلوبه وَبِذَلِك يحصل لَهُ الْفَرح وَالسُّرُور واللذة وَالنعْمَة والسكون والطمأنينة.
وَهَذَا لَا يحصل لَهُ إِلَّا باعانة الله لَهُ فَإِنَّهُ لَا يقدر على تَحْصِيل ذَلِك لَهُ إِلَّا الله فَهُوَ دَائِما مفتقر إِلَى حَقِيقَة إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فَإِنَّهُ لَو أعين على حُصُوله كل مَا يُحِبهُ ويطلبه ويشتهيه ويريده وَلم يحصل لَهُ عبَادَة لله فَلَنْ يحصل إِلَّا على الْأَلَم وَالْحَسْرَة وَالْعَذَاب
الشرح:
قوله: (والقلب فقير بالذات إلى الله من جهتين): هكذا قلب كل إنسان فقير بالذات إلى الله، وكلمة "فقير بالذات"معناها: أنه للا يفتقر إلى غيره، فهو فقير إلى الله بالذات من جهتين؛ من جهة العبادة، ومن جهة الاستعانة والتوكل عليه.
الجهة الأولى: التي من جهة العبادة هي: العلة الغائية، فأنت أيها الإنسان، أيها العبد فقير بالذات إلى الله، ليس لك انفكاك عن العبادة، بل إنك إذ لم تعبد الله هلكت.
الجهة الثانية: التي من جهة التوكل على الله والاستعانة به، فأنت فقير إلى الله بالاستعانة والتوكل، فلا تستطيع أن تعبد الله ولا أن تؤدي ما أوجب الله عليك ولا تنتهي عما حرم الله عليك إلا بتوكلك على الله وإعانتهلك، فإذا أعانك الله فإنك تؤدي العبادة التي هي الغاية.
فالإنسان فقير بالذات إلى الله من جهتين، وهذا هو معنى قوله تعالى: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، إيَّاكَ نَعْبُدُ، هذه العلة الغائية، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ هذه العلة الفاعلية، وعليهما مدار العبادة كلها، فمدار الشرائع كلها على: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، ولهذا فإن سورة الفاتحة جمعت ما في القرآن كلِّه، إذ القرآن قد جمع الله فيه ما في الكتب السابقة من المعاني والعلوم، وجمع الله ما في القرآن في الفاتحة، وما في الفاتحة كله مجموع في قوله: إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
وقوله: (ومن جهة الاستعانة والتوكل، وهي العلة الفاعلة). أي: أنه مهما أعطى في الدنيا من أنواع ما يفرح القلب، وأنواع الملذات، فالقلب فقير ليس له راحة ولا طمأنينة إلا بعبادة الله، فإذا لم يعبد الله فاتته اللذة، فلو أُوتي جميع أنواع الملذات فإنها لا تفيده شيئًا، فهو فقير بالذات إلى عبادة الله، فلا تسكن نفسه ولا تطمئن إلا بعبادة الله، ثم أيضاً عبادة الله لا تحصل للإنسان إلا بإعانة الله وتوفيقه، فلا بد من الاستعانة بالله والتوكل عليهإيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .
المتن:
وَلنْ يخلص من آلام الدُّنْيَا ونكد عيشها إِلَّا بإخلاص الْحبّ لله بِحَيْثُ يكون الله هُوَ غَايَة مُرَاده وَنِهَايَة مَقْصُوده وَهُوَ المحبوب لَهُ بِالْقَصْدِ الأول وكل مَا سواهُ إِنَّمَا يُحِبهُ لأَجله لَا يحب شَيْئا لذاته إِلَّا الله وَمَتى لم يحصل لَهُ هَذَا لم يكن قد حقق حَقِيقَة (لَا إِلَه إِلَّا الله) وَلَا حقق التَّوْحِيد والعبودية والمحبة لله وَكَانَ فِيهِ من نقص التَّوْحِيد وَالْإِيمَان بل من الْأَلَم وَالْحَسْرَة وَالْعَذَاب بِحَسب ذَلِك.
وَلَو سعى فِي هَذَا الْمَطْلُوب وَلم يكن مستعينا بِاللَّه متوكلا عَلَيْهِ مفتقرا إِلَيْهِ فِي حُصُوله لم يحصل لَهُ فَإِنَّهُ مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن فَهُوَ مفتقر إِلَى الله من حَيْثُ هُوَ الْمَطْلُوب المحبوب المُرَاد المعبود وَمن حَيْثُ هُوَ الْمَسْئُول الْمُسْتَعَان بِهِ المتَوَكل عَلَيْهِ فَهُوَ إلهه الَّذِي لَا إِلَه لَهُ غَيره وَهُوَ ربه الَّذِي لَا رب لَهُ سواهُ.
وَلَا تتمّ عبوديته لله إِلَّا بِهَذَيْنِ.
الشرح:
قول: "وكل ما سواه إنما يحبه لأجله " أي: كل شيء محبوب سوى الله فإنما يُحب لأجل الله، مثل: محبة النبي ﷺ فإنها تابعة لمحبة الله، وكذلك محبة الأنبياء، ومحبة الصالحين، هذه كلها تابعة لمحبة الله.
قوله: "وَمَتى لم يحصل لَهُ هَذَا لم يكن قد حقق حَقِيقَة (لَا إِلَه إِلَّا الله)"كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله) معناها: لا معبود بحق إلا الله، فالعبادة حق الله لا يشاركه فيها أحد لا نبي ولا ملك ولا غيره، حتى الرسول ﷺ فهو له المحبة والطاعة والاتباع والتصديق والتعظيم والتوقير، وهذه من حقوق الرسول، أما العبادة فهي حق الله.
"فهو مفتقر إلى الله من حيث هو المطلوب المحبوب المراد المعبود، ومن حيث هو المسؤول المستعان به، المتوكل عليه" الله سبحانه هو الغني عن كل مخلوق، وكل شيء مفتقر إليه، والعبد مفتقر إلى الله من حيث أن الله هو مطلوبه فيعبده سبحانه، ومن حيث هو المستعان به على تحقيق المطلوب وهو العبادة.
فالإنسان محتاج إلى الله في جميع أحواله، حتى الأنبياء- عليهم السلام- .
المتن:
فَمَتَى كَانَ يحب غير الله لذاته أَو يلْتَفت إِلَى غير الله أَنه يُعينهُ كَانَ عبدا لما أحبه وعبدا لما رجاه بِحَسب حبه لَهُ ورجائه إِيَّاه وَإِذا لم يحب أحدا لذاته إِلَّا الله وَأي شَيْء أحبه سواهُ فَإِنَّمَا أحبه لَهُ وَلم يرج قطّ شَيْئا إِلَّا الله وَإِذا فعل مَا فعل من الْأَسْبَاب أَو حصل مَا حصل مِنْهَا كَانَ مشاهدا أَن الله هُوَ الذى خلقهَا وقدرها وسخرها لَهُ وَأَن كل مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَالله ربه ومليكه وخالقه ومسخره وَهُوَ مفتقر إِلَيْهِ كَانَ قد حصل لَهُ من تَمام عبوديته لله بِحَسب مَا قسم لَهُ من ذَلِك.
وَالنَّاس فِي هَذَا على دَرَجَات مُتَفَاوِتَة لَا يحصي طرقها إِلَّا الله.
فأكمل الْخلق وأفضلهم وَأَعْلَاهُمْ وأقربهم إِلَى الله وَأَقْوَاهُمْ وأهداهم أتمهم عبودية لله من هَذَا الْوَجْه.
وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة دين الْإِسْلَام الَّذِي أرسل الله بِهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه وَهُوَ أَن يستسلم العَبْد لله لَا لغيره فالمستسلم لَهُ وَلغيره مُشْرك والممتنع عَن الاستسلام لَهُ مستكبر.
الشرح:
قوله: (فمتى كان يحب غير الله لذاته، أو يلتفت إلى غير الله أن يعينه، كان عبدًا لما أحبه، وعبدًا لما رجاه، بحسب حبه له ورجائه إياه) المعنى: أن الإنسان لا يحب إلا الله ولا يرجو إلا الله، وإذا حصل له شيء من الأسباب الدنيوية فلا بد أن يشاهد أن الله هو الذي خلقه،فكل سبب في الدنيا قد خلقه الله، فهو الذي هيأ وقدر الأسباب.
إذن فالأمر كله يرجع إلى الله ، فلولا الله سبحانه لما هيأ لنا السبب، ولولاه لما حرك قلب الشخص حتى يعطي ما يعطي، فالله تعالى هو الذي خلق الأسباب والمسببات، وهو الذي يحرك قلب هذا العبد حتى يعينك ويساعدك وهكذا، فالأمر كله لله، فعليك أنتعلِّق قلبك بالله.
وقوله:(وهذا هو حقيقة دين الإسلام الذي أرسل الله به رسله): هذه حقيقة الإسلام الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به الكتب؛ أن يستسلم العبد لله، مع الإيمان به في الباطن دون كل ما سواه.
والناس في هذا طبقات ثلاث :
الطبقة الأولى: الذي استسلم لله فقط ولم يستسلم لغيره، وهو في الباطن مؤمن بالله ورسوله عن صدق وإخلاص، وهؤلاء هم:المؤمنون.
الطبقة الثاني: الذي استسلم لله في الظاهر لكنه غير مؤمن بالباطن، وهؤلاء هم: المنافقون في الدرك الأسفل من النار، يصلون ويصومون ويجاهدون مع النبي ﷺ، لكنهم غير مؤمنين بالله ورسوله.
الطبقة الثالث: مستكبر عن الله، لا يستسلم لله فهذا كافر مستكبر عن الله، مثل: فرعون وإبليس، فهذا معترف في الباطن، لكن غير منقاد وغير مستسلم لله.
ولهذا اعترض إبليس على الله لما أمره بالسجود لآدم ، قال إبليس: أنا لا أسجد لآدم؛ فأنا خير منه، أنا عنصري أحسن من عنصر آدم، فعنصر آدم الطين وأنا عنصري النار، والنار أحسن من الطين ولا يمكن أن يخضع الفاضل للمفضول، عارض أمر الله، فهو عنده نص من الله اسْجُدُوا لِآدَمَ الأعراف: ١١،لكنه قال: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف: ١٢، فعارض النص بالقياس الفاسد، فكان أول من قاس قياسًا فاسدًا إبليس، فطرده الله وصار شيطانًا رجيمًا، وكذلك فرعون جاءه النص من الله تعالى فعارضه، فصار مستكبرًا.
الخلاصة:
أن الناس طبقات ثلاث: مستسلم لله مؤمن في الباطن، وهؤلاء هم: المؤمنون.
ومستسلم في الظاهر غير مؤمن في الباطن، وهؤلاء هم: المنافقون.
وغير مستسلم في الظاهر وإن كان مصدقًا في الباطن، وهذا كافر، مثل: فرعون وإبليس.
المتن:
وَقد ثَبت فِي " الصَّحِيح " عَن النَّبِي ﷺ: إنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر ([41]). كَمَا أَن النَّار لَا يخلد فِيهَا من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان"([42])، فَجعل الْكبر مُقَابلا للْإيمَان؛ فَإِن الْكبر يُنَافِي حَقِيقَة الْعُبُودِيَّة كَمَا ثَبت فِي " الصَّحِيح " عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ ([43]) فالعظمة والكبرياء من خَصَائِص الربوبية والكبرياء أَعلَى من العظمة وَلِهَذَا جعلهَا بِمَنْزِلَة الرِّدَاء كَمَا جعل العظمة بِمَنْزِلَة الْإِزَار.
وَلِهَذَا كَانَ شعار الصَّلَاة وَالْأَذَان والأعياد هُوَ التَّكْبِير وَكَانَ مُسْتَحبا فِي الْأَمْكِنَة الْعَالِيَة كالصفا والمروة([44]) وَإِذا علا الْإِنْسَان شرفا ([45]) أَو ركب دَابَّة ([46]) وَنَحْو ذَلِك وَبِه يطفأ الْحَرِيق وَإِن عظم وَعند الْأَذَان يهرب الشَّيْطَان قَالَ تَعَالَى وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]. وكل من استكبر عَن عبَادَة الله لَا بُد أَن يعبد غَيره فَإِن الْإِنْسَان حساس يَتَحَرَّك بالإرادة وَقد ثَبت فِي " الصَّحِيح " عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ([47]).
فالحارث الكاسب الْفَاعِل والهمام فعال من الْهم والهم أول الْإِرَادَة.
الشرح:
وقوله:(فجعل الكبر مقابلاً للإيمان، فإن الكبر ينافي حقيقة العبودية): والمعنى: أن الكبر ضد الإيمان، فلا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر؛ فمن استكبر عن عبادة الله بحيث يمنعه هذا الكبر عن توحيد الله وإخلاص الدين له؛ فهذا من أهل النار.
أما إذا كان كبرًا فيما دون ذلك مما يتعلق بالمعاصي؛ فهذا يكون معصية، كما أن النار لا يخلد فيها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ولو دخل النار، فإذا كان موحدًا مؤمنًا وله معاصفيعذب في النار على قدرمعاصيه ثم يُخرج منها.
قوله: "فالعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية، والكبرياء أعلى من العظمة، ولهذا جعلها بمنزلة الرداء كما جعل العظمة بمنزلة الإزار" فالعظمة والكبرياء هذه صفتان من صفات الله الذاتية الملازمة له التي لاتنفك عنه سبحانه، وهما من خصائص الربوبية، والكبرياء أعلى.
قوله: (وبه يطفأ الحريق وَإِن عظم): وهذا مجرب، فإذا رأيت حريقًا تقول: الله أكبر الله أكبر، وتكثر من التكبير؛ لأن هذا الحريق وهذه النار علت وارتفعت والله أعظم منها وأعلى، فالتكبير يطفئها([48]).
وكذلك عند سماع الأذان فعند الآذان كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى [49]
الحواشي:
([1]) الحديث: لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ. أخرجه البخاري في الأدب المفرد (716)، وغيره.
[2])) صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان (16)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان (43)، من حديث أنس بن مالك .
([3]) سبق تخريج الحديث الوارد في هذا المعنى قريبا.
([4]) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في سبيل الله (2887) من حديث أبي هريرة .
([5]) انظر: تفسير سفيان الثوري صـ 18، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/88)، وانظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (1/50)، والتمهيد لابن عبد البر (17/442)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (44/357).
[6])) لحديث: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ. رواه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة (1041).
([7]) صحيح مسلم، كتاب الزكاة (1044)، من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ رَجُلٍ، تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا.
([8]) لحديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطِيعُوا وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ. رواه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة (1043).
([9]) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب من الناس تكثرا (1474)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة (1040).
([10]) أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يعطي من الصدقة وحد الغنى (1626)، والترمذي في سننه، كتاب الزكاة، باب من تحل له الزكاة (650)، والنسائي في سننه (5/97) (2592)، وأحمد في المسند (4207)، من حديث عبد الله بن مسعود ، وسنده معلول بحكيم بن جبير، فقد ضعفوه. والله أعلم
([11]) سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة (1641)، سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب بيع المزايدة (2198)، مسند الإمام أحمد (12278).
([12]) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة (1471)، ولفظه: لَئنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ، من حديث الزبير بن العوام .
([13]) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس (1473)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة (1045)، بلفظ: إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ، من حديث عمر بن الخطاب .
([14]) صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة (1469)، وصحيح مسلم، كتاب الزكاة (1053)، من حديث أبي سعيد الخدري .
([15]) مسند الإمام أحمد رقم (65).
([16]) صحيح مسلم، كتاب الزكاة (1043).
([17]) صحيح البخاري، كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط (2262) من حديث أبي هريرة .
([18]) سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (2516)، مسند الإمام أحمد (2669)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.ا.هـ
([19]) انظر: سورة المزمل، آية (10).
([20]) انظر: سورة الحجر، آية (85).
([21]) انظر: سورة المعارج، آية (5).
([22]) انظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (9/183)، ومن طريقه ابن الجوزي في (مناقب الإمام أحمد) صــــــ546، وانظر: سير أعلام النبلاء (11/215).
[23])) لحديث عمرو بن ميمون الذي قال فيه: وَكَانَ – أي: عمر بن الخطاب – إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلًا تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ، أَوِ النَّحْلَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ، فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أصحاب النبي ﷺ، باب قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان وفيه مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (3700).
([24]) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/114)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/312)، والبيهقي في شعب الإيمان (3/414)، والبخاري في صحيحه – معلقا – ، كتاب الآذان، باب إذا بكى الإمام في الصلاة.
([25]) هذا من كلام أبي عبد الله أحمد بن عاصم الأنطاكي، انظر: تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/728)، وتاريخ دمشق (71/224).
([26]) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (3/356)، والصغير (1/211)، وقال الهيثمي في المجمع (10/183): فيه من لم أعرفهم.ا.هـ
([27]) رواه الطبراني في المعجم الكبير (13/73)، وابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (7/269)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (49/152)، والمقدسي في الأحاديث المختارة (9/181)، قال الهيثمي في المجمع (6/35): وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات. ا.هـ وقد عنعن محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة.
[28])) انظر: تاريخ دمشق (49/152)، والأحاديث المختارة (9/181).
([29]) لحديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله ﷺ: ثَلاَثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَالعَبْدُ المَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله (97)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان(154).
([30]) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس (6446)، صحيح مسلم، كتاب الزكاة (1051).
[31])) أخرجه أبو داود، كتاب الطب، باب كيف الرقى، (3896) و (3901)، وفيالمسند (21836) من حديث خارجة بن الصلت عن عمه، أنه رقى معتوها بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، فكأنما نشط من عقال قال: فأعطوني جعلا، فقلت: لا حتى أسأل النبي ﷺ، فسألته فقال: كُلْ لَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ لَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ قال الحاكم: " صحيح الإسناد، وفي المسند أيضا (14864) في قصة جابر مع جمله وشراء النبي ﷺ لجمله ثم رده عليه ثم ثال: لَعَمْرِي مَا نَفَعْنَاكَ لِنُنْزِلَكَ عَنْهُ، وجاء أيضا في الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2846) وفيه أن رجلا قال: لا أجلس يوما ولا أتكلم ولا آوي إلى الظل فحدث النبي ﷺ فأقسم عليه فجلس في الظل ثم أقسم عليه فكلم ثم قال: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ أَرَادَ يَخْتِمُ عَلَى فِيكَ ، لَعَمْرِي لَقَدْ أَسْرَعْتُمُ التَّبَدُّعَ وَأَنَا فِيكُمْ.
[32])) صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ (4695). وعنها رضي الله عنها أيضا في صحيح مسلم، كتاب الحج، (1255) وفيه أنها قالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لعمري، ما اعتمر في رجب". وجاء في مسلم أيضا عن جابر بن عبدالله ، كتاب صلاة العيدين، (885) وفيه أنه لما قيل له: أحقا على الإمام الآن أن يأتي النساء حين يفرغ فيذكرهن؟ قال: "إي، لعمري إن ذلك لحق عليهم، وما لهم لا يفعلون ذلك؟" وهو مروي عن الفاروق عمر بن الخطاب كما في مسند الإمام أحمد، (26759) أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب بذي الحليفة، فقال: ممن هذه الريح؟ فقال معاوية: مني يا أمير المؤمنين، فقال: منك لعمري.." الحديث، وروي عنه أيضا في تاريخ المدينة لابن شبة (3/ 823) أنه لما لقي أبا عبيدة ابن الجراح قال: "أخي، لعمري لم تغيرك الدنيا بعدي".
([33]) سبق تخريجه.
[34])) سنن أبي داود، كتاب السنة (4681)، المعجم الكبير للطبراني (8/134)، الاعتقاد للبيهقي صـ178، شرح السنة للبغوي(13/54)؛ وهو عند الترمذي (2521)، وأحمد (15617)، بلفظ: مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَنْكَحَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ.
([35]) رواه بلفظه ابن أبي شيبة في المصنف (6/172)، من رواية عبد الله بن مسعود ، وزاد الطبراني في المعجم الكبير (10/171): "الولاية في الله"، وأخرج الإمام أحمد في المسند (18524)، من رواية البراء بن عازب بلفظ: إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ.
([36]) سبق تخريجه.
([37]) صحيح البخاري، كتاب الإيمان (15)، صحيح مسلم، كتاب الإيمان (44) من حديث أنس بن مالك .
([38]) صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور (6632)، من حديث عبد الله بن هشام .
[39])) صحيح مسلم، كتاب العلم (2674).
([40]) صحيح البخاري، كتاب المغازي (4423)، من حديث أنس بن مالك ، وهو في صحيح مسلم، كتاب الإمارة (1911) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، بلفظ: "حبسهم المرض".
([41]) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (91)، من حديث عبد الله بن مسعود ، بلفظ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ".
([42]) كما في حديث أبي سعيد الخدري ، وفيه: وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا، فِي إِخْوَانِهِمْ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا، كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِي النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ، وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ، فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (7439)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان (183).
([43]) جاء بنحوه في صحيح مسلم (2620): الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ، وبلفظه هو في: سنن أبي داود، كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر (4090)، سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب البراءة من الكبر والتواضع (4174)، مسند الإمام أحمد (9359).
([44]) كما في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وفيه: " فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ"، رواه مسلم في صحيحه، كتاب الحج (1218).
([45]) كما في حديث جابر قال: (كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا)، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب التسبيح إذا هبط واديا ( 2993)، وحديث أبي موسى الأشعري ، قال: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا)، أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة (6384).
([46]) كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا. رواه مسلم، كتاب الحج (1342).
([47]) رواية الصحيح هي: إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. [صحيح مسلم:2132]، من رواية عبد الله بن عمر ، وليس فيها ما ذكره المصنف، إنما هذه الزيادة في سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء (4950)، المسند للإمام أحمد (19032)، والأدب المفرد للبخاري (814)، والمعجم الكبير للطبراني (22/380)، والسنن الكبرى للبيهقي (9/514)، من رواية أبي وهب الجشمي .
([48]) أخرج الطبراني في (الدعاء) (1002)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (294)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/295): إِذَا رَأَيْتُمُ الْحَرِيقَ فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفِئُهُ، وقد ضعفه الحافظ ابن رجب الحنبلي في فتح الباري (5/217).
[49]أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل التأذين (608) ومسلم، كتاب الصلاة ( 389)