فبين المؤلف – رحمه الله- أن فناء الملاحدة والزنادقة هو الفناء في الوجود، وهو تحقيق آل فرعون وتوحيدهم من القرامطة وأمثالهم.
المتن:
وَأما النَّوْع الَّذِي عَلَيْهِ أَتبَاع الْأَنْبِيَاء فَهُوَ الفناء الْمَحْمُود الَّذِي يكون صَاحبه بِهِ مِمَّن أثنى الله عَلَيْهِم من أوليائه الْمُتَّقِينَ وَحزبه المفلحين وجنده الغالبين.
وَلَيْسَ مُرَاد الْمَشَايِخ وَالصَّالِحِينَ بِهَذَا القَوْل أَن الَّذِي أرَاهُ بعيني من الْمَخْلُوقَات هُوَ رب الأَرْض وَالسَّمَاوَات فَإِن هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا من هُوَ فِي غَايَة الضلال وَالْفساد إِمَّا فَسَاد الْعقل وَإِمَّا فَسَاد الِاعْتِقَاد فَهُوَ مُتَرَدّد بَين الْجُنُون والإلحاد.
الشرح:
قوله: (وأما النوع الذي عليه أتباع الأنبياء فهو الفناء المحمود): هذا تسميته فناء من باب المقابلة مع الأنواع الأخرى، وإلا فمعناه: أن يلغي الإنسان مراده لمراد الله، بمعنى أن تقدم مراد ربك وتلغي مراد نفسك، فإذا كانت نفسك وهواك تهوى شيئاً والله تعالى أمر بشيء أو أمرك رسوله بشيء فإنك تلغي مرادك وهواك لمراد الله، فتقدم مراد الله على مرادك، فمثلاً الله تعالى أمرك أن تؤدي الصلاة في وقتها، فإذا كان مرادك أن تنام، وعندك الرغبة في النوم في وقت الصلاة؛ فإنك تلغي هذا المراد وتبطله لمراد الله، وهكذا.
فتوافق الله في محابه ومراده، فهذا سمي فناء؛ لأن الإنسان يفني ويلغي مراده لمراد الله، وهذا من الفناء المحبوب.
قوله:(وليس مراد المشايخ والصالحين بهذا القول، أن الذي أراه بعيني من المخلوقات..): هذا بيان لقوله فيما سبق إن بعض المشايخ يقول: ما أرى غير الله، يقول ليس مراده أنه ينكر المخلوقات، بل مراده ما أرى غير الله ربا أو خالقاً أو مدبراً.
المتن:
الشرح:
الله منفصل عن المخلوقات، فهو سبحانه فوق السماوات مستو على العرش بعد أن تنتهي المخلوقات التي سقفها عرش الرحمن، فهو سبحانه والله تعالى متميز لم يختط بالمخلوقات كما يقول هؤلاء، فالمخلوقات تحت والله تعالى فوق، والله سبحانه منفصل عن المخلوقات لم يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، والمخلوقات سقفها عرش الرحمن هذا نهايتها تنتهي وإذا انتهت المخلوقات فالله تعالى فوقها مستو على العرش بائن من خلقه، وهو سبحانه الحامل لحملة العرش بقوته وقدرته لا يحتاج إلى شيء .
وقوله : (يجب إفراد القديم عن الحادث): القديم هو: الله؛ يعني: الأول؛ (عن الحادث): الذي هو: المخلوق، يتمييز الخالق عن المخلوق، فالجهمية الذين قالوا: إن الله حالَّه في المخلوقات ما أفردوا القديم عن الحادث ولا ميزّوا الخالق عن المخلوق بل جعلوا الخالق مختلطاً بمخلوقاته، وهذا كفر وضلال، نسأل الله العافية.
المتن:
وهم قد تكلمُوا على مَا يعرض للقلوب من الْأَمْرَاض والشبهات فَإِن بعض النَّاس قد يشْهد وجود الْمَخْلُوقَات فيظنه خَالق الأَرْض وَالسَّمَاوَات لعدم التَّمْيِيز وَالْفرْقَان فِي قلبه بِمَنْزِلَة من رأى شُعَاع الشَّمْس فَظن أَن ذَلِك هُوَ الشَّمْس الَّتِي فِي السَّمَاء.
وهم قد يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفرق وَالْجمع وَيدخل فِي ذَلِك من الْعبارَات الْمُخْتَلفَة نَظِير مَا دخل فِي الفناء.
فَإِن العَبْد إِذا شهد التَّفْرِقَة وَالْكَثْرَة فِي الْمَخْلُوقَات يبْقى قلبه مُتَعَلقا بهَا مشتتا نَاظرا إِلَيْهَا وتعلقه بهَا إِمَّا محبَّة وَإِمَّا خوفًا وَإِمَّا رَجَاء فَإِذا انْتقل إِلَى الْجمع اجْتمع قلبه على تَوْحِيد الله وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ.
الشرح:
قوله: (فإن العبد إذا شهد التفرقة والكثرة في المخلوقات يبقى قلبه متعلقاً بها مشتتاً ناظراً إليها): هكذا يزعم بعض الصوفية فيقولون: أن الواحد إذا شهد التفرقة والكثرة في المخلوقات من أرضين وسماوات وبحار وأنهار وأشجار صار ذهنه مشتــتًا، فإذا تناساها ولم يشهدها صار قلبه موحَّدًا على الله- هكذا يزعمون - ثم يتوصل بهم الشيطان ويتدرج إلى أن ينكروا المخلوقات ويقولوا بوحدة الوجود– نسأل الله العافية - .
المتن:
فَالْتَفت قلبه إِلَى الله بعد التفاته إِلَى المخلوقين فَصَارَت محبته إِلَى ربه وخوفه من ربه ورجاؤه لرَبه واستعانته بربه وَهُوَ فِي هَذَا الْحَال قد لَا يسع قلبه النّظر إِلَى الْمَخْلُوق ليفرق بَين الْخَالِق والمخلوق فقد يكون مجتمعا على الْحق معرضًا عَن الْخلق نظرا وقصدا وَهُوَ نَظِير النَّوْع الثَّانِي من الفناء.
وَلَكِن بعد ذَلِك الْفرق الثَّانِي وَهُوَ أَن يشْهد أَن الْمَخْلُوقَات قَائِمَة بِاللَّه مدبره بأَمْره وَيشْهد كثرتها مَعْدُومَة بوحدانية الله ى وَأَنه سُبْحَانَهُ رب المصنوعات وإلهها وخالقها ومالكها فَيكون - مَعَ اجْتِمَاع قلبه على الله إخلاصا ومحبة وخوفا ورجاء واستعانة وتوكلا على الله وموالاة فِيهِ ومعاداة فِيهِ وأمثال ذَلِك - نَاظرا إِلَى الْفرق بَين الْخَالِق والمخلوق مُمَيّزا بَين هَذَا وَهَذَا يشْهد تفرق الْمَخْلُوقَات وَكَثْرَتهَا مَعَ شَهَادَته أَن الله رب كل شَيْء ومليكه وخالقه وَأَنه هُوَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ.
وَهَذَا هُوَ الشُّهُود الصَّحِيح الْمُسْتَقيم وَذَلِكَ وَاجِب فِي علم الْقلب وشهادته وَذكره ومعرفته وَفِي حَال الْقلب وعبادته وقصده وإرادته ومحبته وموالاته وطاعته.
وَذَلِكَ تَحْقِيق شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهَا تَنْفِي عَن قلبه ألوهية مَا سوى الْحق وَتثبت فِي قلبه ألوهية الْحق.
الشرح:
وقوله: (وهو في هذه الحال قد لا يسع قلبه النظر إلى المخلوق، ليفرق بين الخالق والمخلوق فقد يكون مجتمعاً على الحق، معرضا عن الخلق، نظراً وقصداً، وهو نظير النوع الثاني من الفناء): والنوع الثاني من الفناء هو: الفناء عن شهود السوى، بمعنى: أنه يشهد الخالق ويتناسى المخلوقات،فلا ينكرها لكن يتناسها حتى لا تشوش عليه- هكذا يزعمون -
قوله: (وَلَكِن بعد ذَلِك الْفرق الثَّانِي) العبارة كأن فيها سقط أو تحريف، ولعل الصواب: [ولكن أكمل من ذلك].
قوله: (وهذا هو الشهود الصحيح المستقيم): هذا هو الكمال، وهو أكمل من شهود أهل الفناء الثاني، فيشهد الله على أنه الرب الخالق المدبر المعبود المالك، ويشهد المخلوقات على أنها كانت معدومة، ولكن الله أوجدها وأنه سبحانه ربها وإلهها وخالقها ومالكها.
وقوله: (وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها تنفي عن قلبه ألوهية ما سوى الحق، وتثبت في قلبه ألوهية الحق) تنفي عن قلبه إلوهية ما سوى الحق: في قول (لا إله). وتثبت في قلبه ألوهية الحق: في قول (إلا الله).
فصدرها: ينفي إلهية ما سوى الله،وعجزها: يثبت إلهيةالحق، فقول: (لا إله إلا الله) نفي وإثبات.
المتن:
فَيكون نافيا لألوهية كل شَيْء من الْمَخْلُوقَات مثبتا لألوهية رب الْعَالمين وَرب الأَرْض وَالسَّمَاوَات وَذَلِكَ يتَضَمَّن اجْتِمَاع الْقلب على الله وعَلى مُفَارقَة مَا سواهُ فَيكون مفرقا فِي علمه وقصده فِي شَهَادَته وإرادته فِي مَعْرفَته ومحبته بَين الْخَالِق والمخلوق بِحَيْثُ يكون عَالما بِاللَّه تَعَالَى ذَاكِرًا لَهُ عَارِفًا بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك عَالم بمباينته لخلقه وانفراده عَنْهُم وتوحده دونهم وَيكون محبا لله مُعظما لَهُ عابدا لَهُ راجيا لَهُ خَائفًا مِنْهُ محبا فِيهِ مواليا فِيهِ معاديا فِيهِ مستعينا بِهِ متوكلا عَلَيْهِ مُمْتَنعا عَن عبَادَة غَيره والتوكل عَلَيْهِ والاستعانة بِهِ وَالْخَوْف مِنْهُ والرجاء لَهُ والموالاة فِيهِ والمعاداة فِيهِ وَالطَّاعَة لأَمره وأمثال ذَلِك مِمَّا هُوَ من خَصَائِص إلهية الله .
وَإِقْرَاره بإلوهية الله تَعَالَى دون مَا سواهُ يتَضَمَّن إِقْرَاره بربوبيته وَهُوَ أَنه رب كل شَيْء ومليكه وخالقه ومدبره فَحِينَئِذٍ يكون موحدا لله.
الشرح:
قوله: (فحينئذ يكون موحداً لله): هذا هو التوحيد السليم الصحيح، وهذا هو الشهود الصحيح المستقيم. وهو التفرقة بين الخالق والمخلوق، فالله تعالى له قدره وعظمته، والمخلوق له مكانته، فالمخلوق مدبر مصرَّف مقهور- وهو من أدلة قدرة الله ووحدانيته- والله تعالى هو الخالق المستحق للعبادة، وهو المتفرد بالتصرف والتدبير.
المتن:
وَيبين ذَلِك أَن أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيرهمَا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ([1]).
وَفِي " الْمُوَطَّأ " وَغَيره عَن طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. ([2])
الشرح:
يبين المؤلف رحمه الله: أن الصوفية لما قسَّموا الناس إلى ثلاثة أقسام: العامة والخاصة، وخاصة الخاصة، جعلوا لكل طائفة ذكرًا، فقالوا إن ذكر العامة: لا إله إلا الله وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، هذا هو ذكر العامة عندهم، العامة عندهم جميع الأنبياء والمرسلين. لأنهم محجوبون عن الوصول إلى ما وصلت إليه الخاصة، أما الخاصة فإنهم خرقوا الحجاب ووصلوا إلى المعرفة التامة وألغوا صفاتهم وأفعالهم وجعلوها صفة الله، فصاروا خاصة، ارتقوا عن درجة العامة إلى درجة الخاصة، فصار ذكرهم قصيرا ولا يحتاجون إلى الذكر الطويل: لا إله إلا الله، بل يأخذون لفظ الجلالة فقط، فذكر الخاصة: الله الله الله الله. هكذا، وهذا موجود الآن في هذا العصر في كثير من البلاد الإسلامية غير بلدنا، موجود في إفريقيا وفي باكستان وفي غيرها، يقول بعض الإخوان إنه مر على جماعة في المسجد من بعد العصر إلى المغرب وهم يذكرون بلفظ الجلالة: (الله الله الله الله) هكذا، حتى يغمى على الإنسان فيسقط، وهذا ذكر الخاصة.
أما خاصة الخاصة - والعياذ بالله - فهم الذين يصلون إلى القول بوحدة الوجود، فالذكر عندهم أقصر من ذكر الخاصة فهم يأخذون حرف الهاء فقط من لفظ الجلالة يقول أحدهم: هو هو هو هو، أو: يا هو يا هو، يجلسون يوهوهون كالكلاب،-نسأل الله العافية - هذا ذكرهم، حتى إن ابن عربي رئيس وحدة الوجود صنف كتابًا سماه كتاب (الهو) كما ذكر المؤلف - رحمه الله - .
ومن العجيب أن هؤلاء يستدلون على باطلهم من القرآن وهم لا يؤمنون بالله ولا بالقرآن فيستدلون على ذكر الخاصة (الله) بقول الله تعالى : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:91].قُلِ اللَّهُ: هذا الدليل على ذكر الخاصة مع أن هذه الآية جاءت في جواب سؤال: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ [الأنعام:91]. فالمعنى: قل الله أنزله، فقالوا: قُلِ اللَّهُ يعني هذا ذكر الخاصة.
كما أن خاصة الخاصة استدلوا على باطلهم وبأن ذكر خاصة الخاصة (هو) يقول الله تعالى : وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّه أي: وما يعلمه إلا الله، قال شيخ الإسلام رحمه الله فقلت لهم لو كان الأمر كما تقولون لكتب الآية : وما يعلم تأويل هو يفصل هو عن الفعل، لكن الهاء في الآية لم تفصل عن الفعل وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّه .
مع أن هؤلاء - والعياذ بالله - لا يعترفون بالقرآن ولا بالسنة حتى قيل، لبعض هؤلاء الملاحدة الزنادقة: إن القرآن يخالف ما تقولون، فقال: (إن القرآن من أوله إلى آخره شرك والحق ما نقوله) هكذا يقول هؤلاء الملاحدة، فعندهم أن من يقول بوجودين خالق ومخلوق فهو مشرك عندهم، والقرآن فرق بين الخالق والمخلوق فيكون شركاً عندهم، فماذا يكون الحكم على هؤلاء الملاحدة الزنادقة؟ نسأل الله السلامة والعافية.
والشيخ - رحمه الله - قد أفاض في هذا وبيَّن أن الكلمة الواحدة (الله) أو الضمير (هو) لا يفيد القلب إيماناً ولا معرفة ولا توحيداً، إذا ليس بجملة تامة تفيد معني، إذ الفائدة في الجملة التامة (لا إله إلا الله) فهي نفي وإثبات، (سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) هذه كلها جمل مفيدة. والإنسان حينما يقول بسم الله، فهي متعلقة في فعل مقدار بحسب المقام فإذا كان يأكل يقدر بسم الله آكل. إذا كان يقرأ فقدر بسم الله أقرأ، فهي جملة مفيدة، وقد ظهر المقدر في قوله تعالى وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود:41]. وفي قوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]. سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1]. فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74].، وليس المراد الذكر بالاسم المفرد، ولم يأت نص واحد بالأمر فالذكر بالاسم المفرد أو المضمر لأنه لا يفيد القلب توحيداً ولا إيماناً ولا معرفةً وليس فيه فائدة، إذ الفائدة إنما تكون في الجملة التامة.
وجماع الدين أصلان ألا يعبد إلا الله وهذا هو تحقيق شهادة (إلا إله إلا الله)، وألا يعبد إلا بما شرع، وهذا تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله.
قوله: ﷺ أنه قال : أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ هذا صريح في أفضل الذكر؛ فأفضل ما تكلم به الناس كلمة التوحيد: لا إله إلا الله؛لأن معناها لا معبود حقٌ إلا الله.
وأفضل الكلام على الإطلاق هو: كلام الله .
المتن:
الشرح:
هؤلاء هم الصوفية يزعمون أن ذكر العامة: (لا إله إلا الله)، وأن ذكر الخاصة: الاسم المفرد (الله)، وأن ذكر خاصة الخاصة: الاسم المضمر وهو (الهاء) - من لفظ الجلالة (هو)- فهم ضالون غالطون، ولا شك في أن هذا ضلالة فإن خاصة الخاصة على الحقيقة هم: الأنبياء والمرسلون، وأفضلهم: أولو العزم، وذكرهم: (لا إله إلا الله) فإنهم أمروا قومهم بأن يقولوا: لا إله إلا الله، وهم خاصة الخاصة، ولما سأل موسى ربه ذكراً يذكره به، قال الله له يَا مُوسَى: قُل لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قال: يا رب كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُونَ هَذَا، يعني يريد شيئاً يختص به، فقال الرب : يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ فِي كِفَّةٍ، مَالَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. ([3])
قوله: (فالاسم الله مبتدأ، خبره قد دل على الاستفهام) والآية خبرها: قل الله أنزله، وهم يحتجون بهذه الآية لإثبات باطلهم مع أنهم لا يعترفون بالقرآن، لأنهم تجاوزوا القرآن ولو كانوا يؤمنون بالقرآن لميقسِّموا الناس هذه الأقسام، ولا زعموا أن الخاصة فوق الأنبياء والمرسلين، وأن المرسلين من العامة.
المتن:
وَأما الِاسْم الْمُفْرد مظْهرا أَو مضمرا فَلَيْسَ بِكَلَام تَامّ وَلَا جملَة مفيدة.
وَلَا يتَعَلَّق بِهِ إِيمَان وَلَا كفر وَلَا أَمر وَلَا نهي.
وَلم يذكر ذَلِك أحد من سلف الْأمة وَلَا شرع ذَلِك رَسُول الله ﷺ وَلَا يُعْطي القلبَ بِنَفسِهِ معرفَة مفيدة وَلَا حَالا نَافِعًا وَإِنَّمَا يُعْطِيهِ تصورا مُطلقًا وَلَا يُحكم عَلَيْهِ بِنَفْي وَلَا إِثْبَات
الشرح:
قوله (وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً، فليس بكلام تام، ولا جملة مفيدة): أي: أن الاسم المفرد (الله) أو (هو) ما يتعلق به إيمان أي توحيد، إذ التوحيد في الجملة التامة (لا إله إلا الله)، أما قول: (الله الله) أو (هو.هو) فليس فيها توحيد ولا إيمان ولا كفر ولا حق ولا باطل ولا يزيد القلب إيماناً ولا معرفة وليس فيه فائدة إنما ضياع أوقات، بل إنها - كما سيبين المؤلف رحمه الله- سبب في تصورات باطلة وسبب للوقوع في أنواع وفنون من الإلحاد والاتحاد.
المتن:
فَإِن لم يقْتَرن بِهِ من معرفَة الْقلب وحاله مَا يُفِيد بِنَفسِهِ وَإِلَّا لم يكن فِيهِ فَائِدَة والشريعة إِنَّمَا تشرع من الْأَذْكَار مَا يُفِيد بِنَفسِهِ لَا مَا تكون الْفَائِدَة حَاصِلَة بِغَيْرِهِ.
وَقد وَقع بعض من واظب على هَذَا الذّكر فِي فنون من الْإِلْحَاد وأنواع من الِاتِّحَاد كَمَا قد بسط فِي غير هَذَا الْمَوْضُوع.
وَمَا يذكر عَن بعض الشُّيُوخ من أَنه قَالَ: أَخَاف أَن أَمُوت بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، حَال لَا يقْتَدى فِيهَا بصاحبها فَإِن فِي ذَلِك من الْغَلَط مَا لَا خَفَاء بِهِ إِذْ لَو مَاتَ العَبْد فِي هَذِه الْحَال لم يمت إِلَّا على مَا قَصده ونواه إِذْ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ
الشرح:
وقوله: (وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنون من الإلحاد): أي: أن الصوفية يواظبون على هذا الذكر، مستمرون عليه، لكنهم بسبب مواظبتهم على هذا الذكر وقعوا في فنون من الإلحاد وأنواع من الاتحاد –نعوذ بالله من ذلك- والاتحاد هو–كما سبق-: القول باتحاد الخالق مع المخلوق.
وكما سبق فبعضهم يواظب على هذا الذكر من بعد العصر إلى المغرب يردد لفظ الجلالة (الله. الله. الله. الله) أو الهاء: (هو هوهو) فإذا استمرعلى ذلك ساعتين أو ثلاث أو أربع ساعات فماذا يكون حاله؟
الجواب: أنه في الغالب يغمى عليه.
وقوله:(وما يذكر عن بعض الشيوخ من أنه قال: أخاف أن أموت بين النفي والإثبات): فبعض شيوخ الصوفية لما قيل له: لماذا لا تقول: (لا إله إلا الله)، قال: أخاف إذا قلت لا إله أموت وأنا لم أصل الله، فأخاف أن أموت بين النفي والإثبات فأكون مشركاً، فأنا أكتفى بواحدة وهي: الله الله الله؟
وقد رد عليهم المؤلف رحمه الله - ما ملخصه -:أنه لو فرض أنه مات، فالعبرة بنيته، فإذا كان موحدًا فلا يضره، لأنه مات بدون اختياره وهو موحد، وإنما الأعمال بالنيات، فهذا كله تعليل باطل.
المتن:
وَقد ثَبت أَن النَّبِي ﷺ أَمر يتلقين الْمَيِّت: " لَا إِلَه إِلَّا الله "([4]). وَقَالَ: مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ([5]) وَلَو كَانَ مَا ذكره محذورا لم يلقن الْمَيِّت كلمة يخَاف أَن يَمُوت فِي أَثْنَائِهَا موتا غير مَحْمُود بل كَانَ يلقن مَا اخْتَارَهُ من ذكر الِاسْم الْمُفْرد.
وَالذكر بِالِاسْمِ الْمُضمر الْمُفْرد أبعد عَن السّنة وَأدْخل فِي الْبِدْعَة وَأقرب إِلَى ضلال الشَّيْطَان فَإِن من قَالَ: يَا هُوَ يَا هُوَ أَو هُوَ هُوَ وَنَحْو ذَلِك لم يكن الضَّمِير عَائِدًا إِلَّا إِلَى مَا يصوره قلبه وَالْقلب قد يَهْتَدِي وَقد يضل.
وَقد صنف صَاحب " الفصوص " كتابا سَمَّاهُ كتاب " الهو " وَزعم بَعضهم أَن قَوْله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ [آل عمران:7].مَعْنَاهُ: وَمَا يعلم تَأْوِيل هَذَا الِاسْم الَّذِي هُوَ الهو.
وَإِن كَانَ هَذَا مِمَّا اتّفق الْمُسلمُونَ بل الْعُقَلَاء على انه من أبين الْبَاطِل فقد يظنّ ذَلِك من يَظُنّهُ من هَؤُلَاءِ، حَتَّى قلت مرّة لبَعض من قَالَ شَيْئا من ذَلِك: لَو كَانَ هَذَا مَا قلتَه لكُتبت الْآيَة: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ (هُوَ) مُنْفَصِلَة.
ثمَّ كثيرا مَا يذكر بعض الشُّيُوخ أَنه يحْتَج على قَول الْقَائِل: (الله) بقوله معناه، وما يعلم تأويله هذا الاسم الذي هو الهو، وإن كان هذا مما اتفق المسلمون بل العقلاء على أنه من أبين الباطل، فقد يظن ذلك من يظنه من هؤلاء، حتى قلت مرة لبعض من قال شيئاً من ذلك: لو كان هذا ما قلته لكتبت الآية (هو) منفصلة . ثم كثيراً ما يذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل: (الله) بقوله ﭿ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭾ[الأنعام:91]، ويظن أَن الله أَمر نبيه بِأَن يَقُول الِاسْم الْمُفْرد
الشرح:
وقوله:(ولو كان ما ذكره محذوراً، لم يلقن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمود): أي لو كان في هذا الذِّكر محذور لم يأمر النبي ﷺ أن يلقن الميت لا إله إلا الله؛ لأنه أيضاً يخشى أن يموت الميت في أثنائها، فلو كان في هذا محذور ما أمر به النبي ﷺ، فلما أمر به دلَّ على أنه ليس فيه محذور.
قوله: (وَالذكر بِالِاسْمِ الْمُضمر الْمُفْرد) الصواب: [والذكر بالاسم المفرد أو المضمر] يعني: هذا وهذا، فالمفرد: (الله)، والمضمر: (هو) فكل منهما باطل .
قوله: (وَأقرب إِلَى ضلال الشيطان) لعل الصواب: [وَأقرب إِلَى إضلال الشيطان] كما في النسخة الثانية.
وقوله: (فإن من قال: ياهو ياهو، أو: هو هو، ونحو ذلك، لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوره قلبه، والقلب قد يهتدي وقد يضل) الضمير في قوله (هو) يعود إلى ما يصوره قلبه وينحته فكره من معبوده الذي يعبده.
وقوله:(وقد صنف صاحب الفصوص): صاحب كتاب فصوص الحكم، هو محمد ابن عربي، صنف كتابًا سماه: (الهو).
الضمير في قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ فسروه ب:وما يعلم تأويل هذا الاسم وهو (الهو) إلا الله، ولا ينظرون إلى ما قبل الآية وإلى ما بعدها وإلى سياقها، وهذا من جهلهم وضلالهم.
قوله: (حتى قلت مرة لبعض من قال شيئاً من ذلك: لو كان هذا كما قلته) الصواب: [لو كان هذا كما قلته] .
المتن:
وَهَذَا غلط بِاتِّفَاق أهل الْعلم فَإِن قَوْله: قُلِ اللَّهُ. مَعْنَاهُ: الله الَّذِي أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى وَهُوَ جَوَاب لقَوْله: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ [الأنعام:90]. أَي: الله الَّذِي أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى، رد بذلك قَول من قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى. ثمَّ قَالَ: قُلِ اللَّهُ. أنزلهُ ثمَّ ذَر هَؤُلَاءِ المكذبين فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ.
وَمِمَّا يبين مَا تقدم مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من أَئِمَّة النَّحْو: أَن الْعَرَب يحكون بالْقَوْل مَا كَانَ كلَاما لَا يحكون بِهِ مَا كَانَ قولا. فَالْقَوْل لَا يحْكى بِهِ إِلَّا كَلَام تَامّ أَو جملَة اسمية أَو جملَة فعلية وَلِهَذَا يكسرون (إِن) إِذا جَاءَت بعد القَوْل، فَالْقَوْل لَا يحْكى بِهِ اسْم.
الشرح:
يبيّن المؤلف رحمه الله بحثًا لغويًا، وأن سيبويه - إمام النحاة- وكذلك غيره من أئمة النحو يقررون أن العرب يحكون بالقول ما كان كلاماً، لا يحكون به جملة أو كلمة واحدة، وكلمةقُلِ اللَّهُ. هذه قول يُحكى به كلام، فدل على أن قوله هذا قُلِ اللَّهُ. أنزله: جملة وليس كلمة واحدة.
قُلِ اللَّهُ.. يأتي بعدها جملة مفيدة لا تأتي بعدها كلمة واحدة: قل الله أنزله.
قوله: (ولهذا يكسرون (إن) إذا جاءت بعد القول) فتقول: قال محمد إنه صائم، ولا يقال: أنه، فتكون (إن) بعد القول مكسورة.
المتن:
وَالله تَعَالَى لَا يَأْمر أحدا بِذكر اسْم مُفْرد وَلَا شرع للْمُسلمين.
وَالِاسْم الْمُجَرّد لَا يُفِيد شَيْئا من الْإِيمَان بِاتِّفَاق أهل الْإِسْلَام وَلَا يُؤمر بِهِ فِي شَيْء من الْعِبَادَات وَلَا فِي شَيْء من المخاطبات.
وَنَظِير من اقْتصر على الِاسْم الْمُفْرد مَا يذكر: أَن بعض الْأَعْرَاب مر بمؤذن يَقُول: (أشهد أَن مُحَمَّدًا رسولَ الله) بِالنّصب فَقَالَ: مَاذَا يَقُول هَذَا؟ هَذَا الِاسْم، فَأَيْنَ الْخَبَر عَنهُ الَّذِي يتم بِهِ الْكَلَام؟
وَمَا فِي الْقُرْآن من قَوْله وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل:8] سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1]
الشرح:
قوله: (وَلَا شرع للْمُسلمين) في النسخة سقط، والجملة هكذا: [ولا شرع للمسلمين اسمًا مفردًا مجردًا].
وقوله: (والاسم المجرد لا يفيد شيئاً من الإيمان): يقصد المؤلف أن الاسم المفرد الكلمة الواحدة لا تفيد، حتى تضيف إليها كلمة أخرى أو كلمتان، فكلمة (الله) أو كلمة (محمد) وحدها، لا بد أن تضيف لها كلمة أخرى حتى تكون جملة مفيدة مثل: (الله أكبر)، و(سبحان الله)، وهكذا فهي لا تفيد شيئًا، ولا يؤمر بها،ولا يستفاد منها في المخاطبات حتى تضم إليها كلمة أخرى أو كلمتان فتكون جملة مفيدة.
وقوله: (ونظير من اقتصر على الاسم المفرد: ما يذكر أن بعض الأعراب....): أشهد أن محمداً رسول الله: (أن) حرف توكيد ونصب، (محمداً) اسمها منصوب، (رسولُ) خبر، فأنت تشهد أن محمداً رسولُ الله.
فإذا فتحت رسول وقلت: (أشهد أن محمد رسولَ الله) لم يأت الخبر، فأين هو؟
يحتمل أنه يأتي بعد فتقول: (أشهد أن محمدا رسولَ الله صادقٌ) فيكون (صادقًا) هو الخبر.
فإذا نصبت رسولَ الله فما جاء الخبر، وإذا رفعتها صار هو الخبر، على أن هناك لها توجيه، يعني لو وجدنا مؤذنا يلحن ويقول: (أشهد أن محمداً رسولَ الله) فلها توجيه، فهناك من يرى فتح الجزئين ويرى أن الخبر قد يفتح - يعني على قول وإن كان غير مشهور -.
المتن:
وقوله : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].وقوله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]. وَنَحْو ذَلِك لَا يقتضى ذكره مُفردا.
بل فِي " السّنَن "([6]) أَنه لما نزل قَوْله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]. قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلما نزل قَوْله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى:1]. قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ.
فشرع لَهُم أَن يَقُولُوا فِي الرُّكُوع: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَفِي السُّجُود سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى.
وَفِي " الصَّحِيح "([7]) أَنه كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَفِي سُجُوده سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَهَذَا هُوَ معنى قَوْله: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وسُجُودِكُمْ بِاتِّفَاق الْمُسلمين.
فتسبيح اسْم ربه الْأَعْلَى وَذكر اسْم ربه وَنَحْو ذَلِك هُوَ بالْكلَام التَّام الْمُفِيد كَمَا فِي " الصَّحِيح " ([8]) عَنهُ ﷺ: أَنه قَالَ: أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ - وَهُنَّ مِنْ الْقُرْآنِ - سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.
الشرح:
وقوله :وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى : يعنى هذه الآيات ليس المراد بها اذكر ربك: (الله الله) فقط، فليس المراد كلمة واحدة، بل المراد يقول اذكر ربك وهكذا: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، المراد الجملة التامة المفيدة ؛ قل سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ، أو قل سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ، كما جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ واجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ. لا بكلمة واحدة، وإنما هي جملة.
المتن:
وَفِي " الصَّحِيح "([9]) عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ: كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ "([10]) عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ: مَنْ قَالَ فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ. وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا رَجُلٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ([11]).
وَفِي " الْمُوَطَّأ " وَغَيره عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ: أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ([12]).
وَفِي " سنَن ابْن مَاجَه " وَغَيره عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ([13])..
وَمثل هَذِه الْأَحَادِيث كَثِيرَة فِي أَنْوَاع مَا يُقَال من الذّكر وَالدُّعَاء.
الشرح:
كل ما مضى من الآيات والأحاديث جمل مفيدة، أي: أسبح الله، أحمد الله،وقصْد المؤلف في هذا: الرد على الصوفية الذين يزعمون أن ذكر الخاصة كلمة واحدة، وهي (الله) وذكر خاصة الخاصة حرف، وهو : (هو) كل هذه النصوص ردت عليهم.
وقوله: كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ يعني: أن كل كلمة جملة مفيدة، والكلمة تطلق على الكلام المفيد، ولهذا يقال فلان ألقى كلمة، وهي خطبة.
وقوله:(وفي الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: مَنْ قَالَ فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ...)هذا الحديث في الصحيحين كما ذكر المؤلف، لكن جاء في تتمة الحديث أن النبي ﷺ قال: مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وفي الحديث الآخر: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ. ([14]).
المتن:
وَكَذَلِكَ مَا فِي الْقُرْآن من قَوْله تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121] وَقَوله فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ [المائدة:4]. إِنَّمَا هُوَ قَول: بِسم الله، وَهَذِه جملَة تَامَّة، إِمَّا اسمية على أظهر قولي النُّحَاة، أَو فعلية وَالتَّقْدِير: ذبحي بِسم الله أَو أذبح بِسم الله
. وَكَذَلِكَ قَول الْقَارئ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، فتقديره قراءتي بِسم الله أَو اقْرَأ باسم الله. وَمن النَّاس من يضمر فِي مثل هَذَا: ابتدائي بِسم الله أَو ابتدأت بِسم الله، وَالْأول أحسن؛ لِأَن الْفِعْل كُله مفعول باسم الله لَيْسَ مُجَرّد ابْتِدَائه، كَمَا أظهر الْمُضمر فِي قَوْلهاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1] . وَفِي قَوْله: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41].
وَفِي قَول النَّبِي ﷺ: مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ ([15]). وَمن هَذَا الْبَاب قَول النَّبِي ﷺ فِي الحَدِيث الصَّحِيح لربيبه عمر بن أَبى سَلمَة: يَا غُلَام، سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ؛ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ([16]) فَالْمُرَاد أَن يَقُول: باسم الله، لَيْسَ المُرَاد أَن يذكر الِاسْم مُجَردا وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح لعدي بن حَاتِم: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ ([17]) وَكَذَلِكَ قَوْله ﷺ: إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ مَنْزِلَهُ فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِهِ؛ وَعِنْدَ خُرُوجِهِ. وَعِنْدَ طَعَامِهِ. قَالَ الشَّيْطَانُ لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ ([18]) وأمثال ذَلِك كثير.
الشرح:
يعني: إذا قدرت ذبح باسم الله صارت جملة اسمية، وإذا قدرت أذبح باسم الله صارت جملة فعلية،فالمقصود أنه حين يقول الإنسان: (بسم الله) أنها جملة مفيدة لأنها متعلقة بالمحذوف، لأن المقدر إذا كنت تذبح تقول: ذبحي بسم الله، أو أذبح بسم الله، إذا كنت تأكل تقول: أكلي بسم الله، أو آكل بسم الله، وإذا كنت تقرأ تقول: قراءتي بسم الله أو أقرأ بسم الله، وهكذاتُقدَّر المحذوف من جنس الفعل الذى تريده.
-المتعلِّق باسم الله هو: المقدَّر، فهنا أظهر: : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ فدل على أنه إذا جاءت باسم الله فهي متعلقة بمقدَّر،ومثل: بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا
قوله: وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ الشاهد: فَلْيَذْبَحْ بِسْمِ اللَّهِ فيقول: باسم الله ذبحي، فتكون جملة مفيدة.
قوله: (ومن هذا الباب قول النبي ﷺ في الحديث الصحيح لربيبه عمر بن أبي سلمة) ربيبُه أي: ابن زوجته، فأم سلمة لها ابنٌ اسمه: عمر، فيكون ربيبا للنبي ﷺ، كما أن البنت تكون ربيبة لزوج أمها، كزينب بنت أم سلمة.
وهنا لما كان عمر بن أبي سلمة - ربيب النبي ﷺ- تطيش يده في الصحفة يعني: في الأكل.
المتن:
وَكَذَلِكَ مَا شرع للْمُسلمين فِي صلَاتهم وأذانهم وحجهم وأعيادهم من ذكر الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالْجُمْلَةِ التَّامَّة كَقَوْل الْمُؤَذّن: (الله أكبر الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) وَقَول الْمُصَلِّي: (الله أكبر سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد التَّحِيَّات لله) وَقَول الملبي: (لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك) وأمثال ذَلِك.
فَجَمِيع مَا شَرعه الله من الذّكر إِنَّمَا هُوَ كَلَام تَامّ لَا اسْم مُفْرد وَلَا مظهر وَلَا مُضْمر.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسمى فِي اللُّغَة (كلمة) كَقَوْلِه: كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ([19]) وَقَوله: أَفْضَلُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ ([20]).
الشرح:
قوله: (فجميع ما شرعه الله من الذكر، إنما هو كلام تام، لا اسم مفرد، لا مظهر ولا مضمر) فالذكر جمل مفيدة لا كما يقول الصوفية، فليس باسم مفرد مظهر (الله)، ولا باسم مفرد مضمر (هو).
قوله: (وهذا هو الذي يسمى في اللغة : كلمة) فالذي يسمى في اللغة كلمة هو: الجملة التامة، لا الكلمة المفردة، فيسمى في اللغة كلمة كقولنا: فلان ألقى كلمة، وهو قد تكلم بجمل مفيدة، والمراد: أن الكلمة قد تكون جملة واحدة أو عدة جمل.
قوله عليه الصلاة والسلام: كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ فسماهما كلمتان مع أنهما جملتان.
وقوله : أَفْضَلُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ فسماها كلمة وهي: شطر بيت.
ويروى أنه لما قال: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، قيل: صدقت.
ولمّا قال: وكل نعيم لا محالة زائل، قيل: كذبت؛ فنعيم الجنة لا يزول.
المتن:
وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [الكهف:5] .الآية. وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115].
وأمثال ذَلِك مِمَّا اسْتعْمل فِيهِ لفظ (الْكَلِمَة) من الْكتاب وَالسّنة بل وَسَائِر كَلَام الْعَرَب فَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ الْجُمْلَة التَّامَّة كَمَا كَانُوا يستعملون الْحَرْف فِي الِاسْم فَيَقُولُونَ: هَذَا حرف غَرِيب أَي لفظ الِاسْم غَرِيب.
وَقسم سِيبَوَيْهٍ الْكَلَام إِلَى اسْم وَفعل وحرف جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل، وكل من هَذِه الْأَقْسَام يُسمى حرفا لَكِن خَاصَّة الثَّالِث أَنه حرف جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل.
وسمى حُرُوف الهجاء باسم الْحَرْف وَهِي أَسمَاء.
وَلَفظ الْحَرْف يتَنَاوَل هَذِه الْأَسْمَاء وَغَيرهَا كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ: أَمَا أَنِّي لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ([21]).
وَقد سَأَلَ الْخَلِيل بن أَحْمد أَصْحَابه عَن النُّطْق بِحرف الزَّاي من زيد؟ فَقَالُوا: (زَاي) فَقَالَ: جئْتُمْ بِالِاسْمِ وَإِنَّمَا الْحَرْف (زَ) .
ثمَّ إِن النُّحَاة اصْطَلحُوا على أَن هَذَا الْمُسَمّى فِي اللُّغَة بالحرف يُسمى كلمة وَأَن لفظ الْحَرْف يخص لما جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل كحروف الْجَرّ وَنَحْوهَا.
وَأما أَلْفَاظ حُرُوف الهجاء فيعبر تَارَة بالحرف عَن نفس الْحَرْف من اللَّفْظ وَتارَة باسم ذَلِك الْحَرْف وَلما غلب هَذَا الِاصْطِلَاح صَار يتَوَهَّم من اعتاده أَنه هَكَذَا فِي لُغَة الْعَرَب ومنم من يَجْعَل لفظ الْكَلِمَة فِي اللُّغَة لفظا مُشْتَركا بَين الِاسْم مثلا وَبَين الْجُمْلَة وَلَا يعرف فِي صَرِيح اللُّغَة من لفظ (الْكَلِمَة) إِلَّا الْجُمْلَة التَّامَّة.
الشرح:
قوله تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْهذه الكلمة التي قالوا، هي قولهم: إن الله له ولد، وهي جملة مفيدة؛ لذا سماها الله كلمة.
قوله: (وسمى حروف الهجاء باسم الحرف، وهي أسماء) تسمى حروف الهجاء باسم الحرف وهي أسماء، فمثلا: (الزاي) اسم ل: (ز) وهكذا: (الباء) اسم ل: (ب).
يعبر بالحرف فيقال: (ز) ويعبر بالاسم، فيثال: (زاي).
فيعبر تارة بالحرف عن نفس الحرف من اللفظ، وتارة باسم ذلك الحرف) فتارة يقال: (ج) وتارة يقال: (جيم) فإذا أريد الحرف قيل: (ج) وإذا أريد الاسم قيل: (جيم)، وهكذا: حرف الميم، فإذا أريد الحرف قيل: (م) وإذا أريد الاسم قيل: (ميم)، وهكذا..
المتن:
وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الْمَشْرُوع فِي ذكر الله سُبْحَانَهُ هُوَ ذكره بجملة تَامَّة وَهُوَ الْمُسَمّى بالْكلَام وَالْوَاحد مِنْهُ بِالْكَلِمَةِ وَهُوَ الَّذِي ينفع الْقُلُوب وَيحصل بِهِ الثَّوَاب وَالْأَجْر ويجذب الْقُلُوب إِلَى الله ومعرفته ومحبته وخشيته وَغير ذَلِك من المطالب الْعَالِيَة والمقاصد السامية.
وَأما الِاقْتِصَار على الِاسْم الْمُفْرد مظْهرا أَو مضمرا فَلَا أصل لَهُ فضلا عَن أَن يكون من ذكر الْخَاصَّة والعارفين.
بل هُوَ وَسِيلَة إِلَى أَنْوَاع من الْبدع والضلالات وذريعة إِلَى تصورات وأحوال فَاسِدَة من أَحْوَال أهل الْإِلْحَاد وَأهل الِاتِّحَاد.
كَمَا قد بسط الْكَلَام عَلَيْهِ فِي غير هَذَا الْموضع.
الشرح:
مقصود المؤلف رحمه الله من هذا الكمّ الهائل من النصوص الرد على الصوفية الذين يقولون: ذكر الخاصة (الله) وذكر خاصة الخاصة (هو)، فهذه كلمة مفردة لا تفيد معنى ولا يثاب عليها حتى يُضم إليها كلمة أو كلمات، فتكون جملة مفيدة.
وهؤلاء الذين يسمون أنفسهم خاصة الخاصة، هم: أهل وحدة الوجود، أهل الإلحاد والاتحاد، الذين يعتقدون أن الوجود واحد، وأن الخالق عين المخلوق، والرب عين العبد.
قوله: (وأما الاقتصار على الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً، فلا أصل له) الاقتصار على لا أصل له في الشريعة، فالصوفية خرجوا عن الشريعة، فالصوفية لا يعملون بالشريعة، لتقسيمهم الناس ثلاثة مراتب، وجعلوا المرتبة الثانية والثالثة تجاوزت الشريعة لذا كان لهم ذكر خاص.
قوله: (فضلاً عن أن يكون من ذكر الخاصة والعارفين) هذا الذكر فضلا عن أنه لا أصل له في الشريعة ولا يعطي القلب إيمان ولا معرفة إلى توحيد، فهو وسيلة شر، فهو وسيلة إلى كثير من أنواع من البدع والضلالات، ووسيلة إلى تصورات فاسدة، ووسيلة إلى الوقوع في الإلحاد والانحراف، ووسيلة إلى الوقوع في القول بوحدة الوجود؛ وأن المخلوق هو الخالق.
فالواجب الحذر والتحذير من هذه الأذكار الباطلة، والالتزام بما شرع الله في كتابه وعلى لسان رسوله من الأذكار الصحيحة والجمل المفيدة.
المتن:
وجماع الدَّين أصلان: أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نعبده إِلَّا بِمَا شرع لَا نعبده بالبدع.، كَمَا قَالَ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].
وَذَلِكَ تَحْقِيق الشَّهَادَتَيْنِ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَشَهَادَة أَن مُحَمَّد رَسُول الله.
فَفِي الأولى: أَلا نعْبد إِلَّا إِيَّاه.
وَفِي الثَّانِيَة: أَن مُحَمَّدًا هُوَ رَسُوله الْمبلغ عَنهُ فعلينا أَن نصدق خَبره ونطيع أمره.
وَقد بَين لنا مَا نعْبد الله بِهِ ونهانا عَن محدثات الْأُمُور وَأخْبر أَنَّهَا ضَلَالَة قَالَ تَعَالَى بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:112].
الشرح:
قد بين الله هذين الأصلين في كتابه:
قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ؛ فالعمل الصالح هو: ما كان صوابا موافقا للشريعة.
والعمل الذي ليس فيه شرك هو: الخالص لله.
وقال تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ؛ وإسلام الوجه هو: بالإخلاص لله.
والإحسان هو: بالموافقة.
وقال تعالى: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
وثبت في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنهما أنه ﷺ قال: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى ([22])؛ فالأعمال بالنيات، فمن أخلص لله عمله لله فله ما نوى.
وهذا الأصل –وهو: الإخلاص لله- هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا تخلف هذا الأصل حل محله الشرك.
ودل على الأصل الثاني من السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنه ﷺ قال: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ. وفي رواية: مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ. ([23]).
وهذا الأصل –وهو المتابعة للنبي ﷺ والموافقة لأمر الله- هو تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، وإذا تخلف هذا الأصل حل محله البدعة.
وبتحقيق هذين الأصلين يحقق المسلم الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا رسول الله، وهذا الأصلان هما أصل الدين وأساس الملة، وبهما يدخل الإنسان في الإسلام، وبهما يخرج من الدنيا، و مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ ([24]).
قوله: (فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره) لأن هذا من تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، فنصدقه في أخباره الماضية والمستقبلة، ونطيع أوامره، ونجتنب نواهيه، ونتعبد لله بما شرعه.
المتن:
وكما أننا مأمورون أَلا نَخَاف إِلَّا الله وَلَا نتوكل إِلَّا على الله وَلَا نرغب إِلَّا إِلَى الله وَلَا نستعين إِلَّا بِاللَّه وَألا تكون عبادتنا إِلَّا لله فَكَذَلِك نَحن مأمورون أَن نتبع الرَّسُول ونطيعه ونتأسى بِهِ فالحلال مَا حلله وَالْحرَام مَا حرمه. وَالدّين مَا شَرعه قَالَ الله تَعَالَى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59]. فَجعل الإيتاء لله وَلِلرَّسُولِ كَمَا قَالَ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
وَجعل التَّوَكُّل على الله وَحده بقوله: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ. وَلم يقل: وَرَسُوله - كَمَا قَالَ فِي وصف الصَّحَابَة فِي الْآيَة الْأُخْرَى الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [ آل عمران:173].
وَمثله قَوْله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64]. أَي حَسبك وَحسب الْمُؤمنِينَ كَمَا قَالَ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر:36]. ثمَّ قَالَ: سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ [التوبة:59]، فَجعل الإيتاء لله وَلِلرَّسُولِ وَقدم ذكر الْفضل لله لِأَن الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمُ وَله الْفضل على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ وَقَالَ: إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [التوبة:59]. فَجعل الرَّغْبَة إِلَى الله وَحده كَمَا فِي قَوْله فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8]، وَقَالَ النَّبِي ﷺ لِابْنِ عَبَّاس: إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ ([25])
الشرح:
قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ يعني: أن هذه الآية اشتملت على ما هو لله، وعلى ما هو مشترك، فمن المشترك:
فالإيتاء، فالله هو الذي يقدر من الأسباب ما يأتيك من هذا المال، والرسول ﷺ يعطي.
أما الحسب فهو خاص بالله، ولاتقل: حسبي الله والرسول؛ فالكفاية خاصة بالله.
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الله كافيك وكاف المؤمنين، وهذا هو المعنى، لا كما توهم بعضهم من أن المعنى: الله يكفيك والمؤمنون، إنما المعنى: الله يكفيك ويكفي أتباعك من المؤمنين.
قوله تعالى: وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ فهذه الرغبة خاصة بالله، فلم يقل: إن إلى الله ورسوله راغبون.
قوله: إذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وذلك فيما هو من خصائص الله، فقد يستعان بالمخلوق الحي فيما يقدر عليه، فتقول للحي القادر الحاضر ساعدني على إصلاح مزرعتي أو أقرضني، أما الميت والغائب فلايُسأل، وكذلك الحي غير القادر.
المتن:
وَالْقُرْآن يدل على مثل هَذَا فِي غير مَوضِع.
فَجعل الْعِبَادَة والخشية وَالتَّقوى لله وَجعل الطَّاعَة والمحبة لله وَرَسُوله كَمَا فِي قَول نوح أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح:3].
وَقَوله وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور:52]. وأمثال ذَلِك.
الشرح:
قوله: (فجعل العبادة والخشية والتقوى لله، وجعل الطاعة والمحبة لله ورسوله) فالعبادة والخشية والتقوى خاصة بالله لا تكون لغير الله، فلا يعبد إلا الله ولا يخشى إلا الله، والتقوى لا تكون إلا لله.
قوله: (وجعل الطاعة والمحبة لله ورسوله) فالطاعة والمحبة مشتركة؛ فتطيع الله وتطيع الرسول، وتحب الله وتحب الرسول، وإن كانت طاعة الرسول ومحبته من طاعة الله ومحبته.
قوله تعالى: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ فجعل العبادة والتقوى لله، وجعل الطاعة لنوح .
قوله تعالى:وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ فجعل الطاعة والخشية والتقوى لله وحده.
المتن:
فالرسل أمروا بِعِبَادَتِهِ وَحده وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ والتوكل عَلَيْهِ وطاعته وَالطَّاعَة لَهُم فأضل الشَّيْطَان النَّصَارَى وأشباههم فأشركوا بِاللَّه وعصوا الرَّسُول فـ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَجعلُوا يرغبون إِلَيْهِم ويتوكلون عَلَيْهِم يَسْأَلُونَهُمْ مَعَ معصيتهم لأمرهم ومخالفتهم لسنتهم.
وَهدى الله الْمُؤمنِينَ المخلصين لله أهل الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الَّذين عرفُوا الْحق واتبعوه فَلم يَكُونُوا من المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين فأخلصوا دينهم لله وَأَسْلمُوا وُجُوههم لله وأنابوا إِلَى رَبهم وأحبوه ورجوه وخافوه وسألوه وَرَغبُوا إِلَيْهِ وفوضوا أُمُورهم إِلَيْهِ وتوكلوا عَلَيْهِ وأطاعوا رسله وعزروهم ووقروهم وأحبوهم ووالوهم واتبعوهم واقتفوا آثَارهم واهتدوا بمنارهم. وَذَلِكَ هُوَ دين الْإِسْلَام الَّذِي بعث الله بِهِ الْأَوَّلين والآخرين من الرُّسُل وَهُوَ الدَّين الَّذِي لَا يقبل الله من أحد دينا إِلَّا إِيَّاه وَهُوَ حَقِيقَة الْعِبَادَة لرب الْعَالمين.
فنسأل الله الْعَظِيم أَن يثبتنا عَلَيْهِ ويكمله لنا ويميتنا عَلَيْهِ وَسَائِر إِخْوَاننَا الْمُسلمين.
وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم.
الشرح:
قوله: (فالرسل أمروا بعبادته وحده، والرغبة إليه، والتوكل عليه وطاعته) هكذا الرسل أمروا بعبادة الله والرهبة والتوكل لأنها من خصائص الله، والطاعة تكون لله وتكون للرسول، مع أن هذه من خصائص الله، فصرفوا لأحبارهم ورهبانهم حقَّ الله.
قوله: (فأخلصوا دينهم لله وأسلموا وجوههم لله وأنابوا إلى ربهم...) هذه طريقة المنعم عليهم الموفقين يخصون الله بالعبادة والتوحيد والرجاء والرهبة وتفويض الأمور والتوكل، ورسل الله لهم الطاعة التعزير والتأدب معهم والنصرة والتوقير والاتباع.
خاتمة:
بيَّن المؤلف -رحمه الله- في خاتمة هذه الرسالة المباركة القيّمة أن جماع الدين أصلان:
الأصل الأول: تحقيق الله بالعبادة.
الأصل الثاني: ألا يعبد الله إلا بما شرع لا بالبدعة.
وبين أنه هذين الأصلين في تحقيق شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وفي الشهادة الأولى: إخلاص الدين لله، فلا نعبد إلا إياه.
وفي الشهادة الثانية: أن محمدًا ﷺ هو المبلغ عنه، فوجب علينا تصديق خبره وطاعة أمره.
وهذا الدين هو الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل والذي لا يقبل دين سواه.
وطاعة الله وطاعة رسوله فيما جاء به من الشريعة، هذا دين الإسلام بمعناه العام: الذي عليه الرسل من أولهم: آدم، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، ومن بعده حتى ختم الله أنبياء بني إسرائيل بعيسى، فلما بعث نبينا محمد ﷺ كان الإسلام بمعناه الخاص:
توحيد الله .
اتباع محمد ﷺ .
العمل بشريعة القرآن.
وليس على هذا الإسلام –بمعناه الخاص- إلا محمد ﷺ وأمته.
وأما الإسلام بمعناه العام فهو دين الأنبياء جميعا، وهو دين الله في الأرض وفي السماء، ولا يقبل الله من أحد دينًا سواه إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: ١٩] وقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: ٨٥].
فنسأل الله أن يحيينا على الإسلام، وأن يثبتنا عليه، وأن يكمِّله لنا، ويتوفانا عليه غير مغيرين ولا مبدلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
الحواشي:
([1]) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة (3383)، سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الحامدين (3800)، وعمل اليوم والليلة للنسائي (829)، المستدرك للحاكم (1834)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.ا.هـ وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.ا.هـ
([2]) انظر: موطأ الإمام مالك، كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء (1/214)، وعنه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (4/378)، والبيهقي في السنن الكبرى(4/470) و (5/190)، وقال : هذا مرسل.ا.هـ وقال أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد (6/39): لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما رأيت ولا أحفظه بهذا الإسناد مسندا من وجه يحتج بمثله.ا.هـ وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات (3585)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به، قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه.ا.هـ
[3]))صحيح ابن حبان (6218)، السنن الكبرى للنسائي (9/307)، المستدرك للحاكم (1936)، مسند أبي يعلى (1393)،حلية الأولياء لأبي نعيم (8/327)، المعجم الكبير للطبراني (13/7)، الأسماء والصفات للبيهقي (185)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.ا.هـ وصحح ابن حجر إسناد النسائي، فتح الباري: (11/208).
([4]) صحيح مسلم، كتاب الجنائز (916-917).
([5]) سنن أبي داود، كتاب الجنائز، باب في التلقين (3116)،مسند الإمام أحمد (22034)، المستدرك للحاكم (1299)، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.ا.هـ
([6]) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يقال الرجل في ركوعه وسجوده (869)، سنن ابن ماجه، كتاب الصلاة والسنة فيها، باب التسبيح في الركوع والسجود (887)، صحيح ابن خزيمة (600)، صحيح ابن حبان (1898)، سنن الدارمي (1344)، المستدرك للحاكم (3783)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.ا.هـ ووافقه الذهبي.
([7]) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (772).
([8]) كما في صحيح مسلم (2137)، بلفظ: أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وعلقه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان، باب إذا قال: والله لا أتكلم اليوم، فصلى، أو قرأ، أو سبح، أو كبر، أو حمد، أو هلل، فهو على نيته.
([9]) صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح (6406)، صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2694).
([10]) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (3293)، صحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2691).
([11]) صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح (6405)، صحيح مسلم ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار(2691).
([12]) سبق تخريجه.
([13]) سبق تخريجه.
([14]) انظر: صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التهليل (6404)، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار(2693).
([15]) صحيحالبخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب قول النبي ﷺ: فَليَذبَح عَلَى اسمِ اللَّهِ (5500)، صحيح مسلم، كتاب الأضاحي (1960).
([16]) صحيح البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376)، صحيح مسلم، كتاب الأشربة (2022).
([17]) صحيح البخاري، كتاب الوضوء، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان (175)، صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1929).
([18]) صحيح مسلم، كتاب الأشربة (2018).
[19])) سبق تخريجه.
([20]) صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية(3841)، صحيح مسلم، كتاب الشعر (2256).
([21])سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ماله من الأجر (2910)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.ا.هـ
([22])أخرجه البخاريّ، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي على رسول الله - ﷺ (1)، وفي الإيمان باب ما جاء أن الأعمال بالنية (54) وفي العتق، باب الخطأ والنِّسيان في العتاقة والطلاق (2529)، وفي فضائل الصّحابة، باب هجرة النّبيّ - ﷺ - وأصحابه إلى المدينة (3898) وفي النِّكاح، باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة (5070).وأخرجه مسلم في كتاب الإمارة، (1907).
([23])أخرجه البخاريّ، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2697)، ومسلم في كتاب الأقضية، (1718).
([24])أخرجه أبو داود، في كتاب الجنائز: باب في التلقين،(3116) والإمام أحمد(22034) وابن حبان في صحيحه (3004) والحاكم في المستدرك (1299) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.ا هـ، وأخرجه بنحوه ابن ماجه (3796)، والنسائي في "الكبرى" (10909 - 10911)
([25]) سبق تخريجه.