شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب الرد على الجهمية والزنادقة_3 وأما قوله: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... إلى أما قوله: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ

00:00
00:00
تحميل
128

قول الامام رحمة الله إن أهل البدع مختلفون في الكتاب مخالفون في مجمعون على مفارقة الكتاب ما مدى إختلافهم في الكتاب ؟ نعم ... نعم مختلفون في تنزيله و مختلفون في تأويله ، اختلافهم في التنزيل ؟ نعم

... هل القرآن وصف قام به الله أم لم يقم به بعضهم يقول إن القرآن وصف قام به الله إلا أنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته كما يقول الكلابيه والاشاعر والسالمية هذه الطوائف يقولون إنه صف قام به الله لكنه  لا يتعلق بقدرته ومشيئته  وكذلك الفلاسفة أيضا ، فسالمية يقولون حروف وأصفات قائم في الله إلا أنه لا يتعلق بقدرته ومشيئته ولهذا يقولون إن الله لن يزل يتكلم في الأزل وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ قلنا لو قالنا لا نتعلق في القدرة والمشيئة للزم حدوث الحوادث في ذات الله وهذا من ابطل الباطل.

و الكلابيه والاشاعر يقولون لا يتعلق بقدرته ومشيئته  وعلى هذا فهو معنى قائم على النفس ليس بحرف ولا صوت والحروف والأصوات مخلوقة لو قلنا أنه حرف وصوت للزم حدوث الحوادث في ذات الله فقالوا أن القرآن معنى قائم على النفس كيف معنى قائم بالنفس  قالوا الله تعالى يضطر جبريل حتى يفهم المعنى القائم بالنفس ثم يعبر عنه بالوحي هكذا يقول الأشاعره يقولون الله تعالى يضطر جبريل حتى يفهم المعنى القائم بالنفسه فعبر عن القرآن فهو عبارة  عن تعبير جبريل فالحروف والأصوات من جبريل والمعنى من الله القائم بالنفس فهمه جبريل.

ومنهم من قال أن التعبير من محمد ومنهم من قال أن جبريل أخذ من اللوح المحفوظ كل هذه الأقوال للأشاعره هذا باطل هذا اختلاف في التنزيل ومنهم من قال أن القرآن يتعلق بقدرة ومشيئته إلا أنه مخلوق هذه الحروف والأصوات خلقها خارجة عن ذاته فصارت بها متكلم وهذا قول المعتزله والأشاعرة.

  هذا إختلاف في التنزيل وكذلك إختلاف في القرآن هل يأول القرآن او يفوض ومعنى استوى استولا اختلاف في تأويله .

طيب مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب كيف مخالفتهم في الكتاب ؟ نعم ... نعم أحسنت مخالفون للكتاب يعني فهم يستدلون بأقوال باطله وكلاً يدعي أن القرآن يدل على ما يدل عليه.

مجمعون على مفارقة أهل الكتاب ؟ نعم ... أجمعوا على مفارقة أهل الكتاب أجمعوا على ان الكتاب والسنه أنها نصوص لفظية لا تفيد اليقين ولا تدل على اليقين بل دلالتها ظنية ، ظن لا تفيد اليقين والتي تفيد اليقين ما هو ؟ الأدلة العقلية سموها قواطع عقلية وبراهين يقينية فعتمدوا على مقدمة أهل المنطق ومناهج الفلاسفة وتركوا كتاب الله وراء ظهره وتركو سنة رسول الله ﷺ قالوا هذه أدلة نطقية وقوليه لا تفيد اليقين الفظ لا يفيد القين ، دلالتها ظنية حتى ولو كان قران وكذلك ولو السنة المتواترة فيهي قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة.

اما السنة الاحاد فهي لا تحتج بها لا من جهة السند ولا من جهة المتن فهي ظنية الدلالة وظنية الثبوت فسدوا على القلوب معرفت الله بأسمائه وصفاته  عن طريق الكتاب والسنة وفتحوا على الناس باب الشرط وهو الإعتماد على مقدمة أهل المنطق ومناهج أهل الفلسفة فأجمعوا على مفارقة أهل الكتاب .

طيب . يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ، القول على الله بلا علم يشمل إيش ؟ نعم ... نعم أحسنت يشمل القول على الله القول في اسمائه وصفاته مثلاً القول بان الأسماء مخلوقة هذا قول على الله بغير علم ، القول بان الله ليس متصف بصفات أو أنه لا يوصف أو أنه لا يوصف الله إلا بصفات دون بعض قول على الله بلا علم ، كذلك القول في شرعة ودينه أن يقول هذا حلال وهذا حرام يقول مثلا بعض معاملة الربوية هذه حلال أو يقول الدخان حلال بغير علم أو ما أشبه هذا ، هذا قول على الله بغير علم والقول على الله بغير علم فوق الشرك وثبت أنه فوق مرتبة الشرك وجعل الله فوق مرتبة الشرك قال سبحانه قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ فجعل المرتبة الخامسة لانه يشمل الشرك وغيرة فالشرك قول من أفراد القول على الله بغير علم نسأل الله السلامه.

فلهذا كل مشرك قد قال على الله بغير علم هذا القول على الله ، القول في كتاب الله بغير علم ؟ نعم ... يستدلون به على الباطل وينسبونه إليه أحسنت يقولون على الله وفي الله القول في الله بغير علم في أسمائه وصفاته فمنهم من قال أن الله ليس فوق العرس فقد قال في الله بغير علم ، من قال أنه غير متصف بالعلو ولا باستواء فقد قال على الله بغير  علم من قال ان اسمائه مخلوقة فقد قال بالله بغير علم

طيب نحن بدأنا في الأمثلة التي ساقها المؤلف الأمام أحمد رحمة لله في ما شكت في الزنادقة ومتشابه القرآن وتأوله على غير تأويله .

المثال الأول الذي شكت فيه الزنادقة قول الله تعالى كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ما هي شبه الزنادقه في هذا الأية ؟ نعم ... قالوا ان الأية تدل على أن الله تعالى يعذب جلود لم تذنب وتأتي بجلود أخرى غير عاصية فيعذبها فيكون ظالماً الزنادقة هنا الجهمية.

الجهمية زنادقة ملاحده فهذا معناه نسبة الظلم إلى الله والله تعالى قد نفى عن نفسه الظلم قال لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ وحرم الظلم على نفسه وإن كان قادرا عليه تنزه عنه قال سبحانه في الحديث القدسي يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا فالظلم مقدور لله إلا أن الله نزه نفسه عنه.

خلافا للأشاعره الجبرية يقول ان الظلم غير مقدور لله الظلم هو المستحيل الذي كل الجمع بين الضدين وعلى هذا فكل شيء داخل تحت القدرة فلا يكون ظلماً هذا قول من ؟ قول الجبرية ، الجبرية هم الجهمية والأشاعرة كلهم جبرية يقولون ان الظلم مستحيل غير واقع ولا وجود له أبداً يقولون الله تعالى يجوز عليه ان يعذب الأنبياء والمرسلين والمؤمنين ويحملهم أوزار الفجار والمنافقين ولا يكون ظالما لانه داخل تحت القدرة يتصرف في ملكه وقاله انه يجوز لله ان يقلب التشريعات والجزاءات فيجعل العفة حرام والزنا واجبه وأن يبطل حسنات الأبرار والمتقين ويحملهم اوزار الجار ولا يكون ظالما ليش لماذا ؟ قالوا لان هذا داخل تحت القدرة  وكل شيء داخل تحت القدرة لا يكون ظلماً.

واستدلوا بمثل قوله عليه افضل الصلاة والسلام حديث لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وهذا من ابطل الباطل وقوله   لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ.

وهذا من ابطل الباطل قول الجبرية لان الله نفى عن نفسه الظلم لو كان الظلم مستحيل كيف ينفي الشيء المستحيل وأمن عباده لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ لو كان الظلم غير مقدور لله وغير داخل في القدرة ما يخاف منها الإنسان الشيء المستحيل هل يخاف الانسان من المستحيل ما يخاف الأنسان منه كيف يأمن الله عباده منه ثم هذا لا يليق بحكمة الله.

ثم أن الجبرية لا يقولون بالحكمة ما يثبتون الحكم بالله ولا الغرائز ولا الظغاء ولا الأسباب يقولون يفعل بقدرة بالمشيئة  ، المشيئة الإلهية يقولون  تخبط  خبط عشوئ تجمع بين المتفرقات وتفرق بين المتماثلات هكذا والعياذ بالله أنكروا الحكم والأسرار هذا من ابطل الباطل.

قابلهم القدرية والمعتزلة قالوا كل ما كان من العبد ظلما وقبيحاً فهو من الله ظلما قبيح ولو فعله كل ما يكون من العبيد ظلما يكون من الله شبهوا لله بخلقة عكس الجبرية ، الجبرية يقولون لا يوجد ظلم ولا يوجد ظلم أبدا مستحيل وقوع الظلم لانه هو الممتنع الذي لا يدخل تحت قدرة الله والقدرية قالوا  كل ما كان من العباد ظلما فهو من الله ظلم لو فعله.

وأهل السنه توسطوا لم يقولوا بقول الجبرية ولم يقولوا بقول القدرية قالوا الظلم وضع الشيء في غير موضعه كان يحمل أحدا من أوزار غيره أو يمنعه من ثوابه مثل حقه هذا هو الذي نفاه الله عن نفسه وهذا الذي حرما الله على نفسه وهذا هو الموافق للغة العربية الظلم وضع الشيء في غير موضعه هذا هو الظلم كان يحمل أحدا جرم لغيرة  وان وأثام غيرة أو يمنعه من ثواباً حقه وان كان الله تعالى أوجبه على نفسه أكراما وتفضلا.

فإذاً هؤلاء الجهمية حينما قالوا أنه يعذب جلودا غير الجلود التي لم تذنب يقولون هذا ما يسمونه ظلم لانهم جبرية  زنادقة جبرية يقولون لله أن يفعل ما يشاء وكل شيء يفعله داخل تحت قدرته فلا يسمى ظلماً بماذا أجاب الإمام ؟ أجاب الامام رحمة الله عن هذه الشبه بماذا أجاب ؟ نعم ... تبديل تجديد لا تبديل جلود أخرى هي نفس الجلود تجدد حتى يذوق العذاب نسأل الله السلامة و العافية.

ونظير هذا تبديل الأرض وتبديل صفات الانسان حين البعث فالأرض في قوله سبحانه يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ تبديل صفات هي هي يمد كما يمد الحديد ويزال ما عليها من الجبال وأودية وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا وتبديل صفاتها كما ان الأنسان حين يبعث يبعثه الله يعيد الذارات التي استحالت ويعاد من إيش ؟ من ويخلق من عجب الذنب والعصصف الذي يركب منه بنو ادم ويخلق بني ادم من مركب وتعاد الذرات التي استحالت ويبدل الله الصفات فقط ، يرسل الله مطراً غليظا فينبت الناس تنبت أجساد الناس فإذا تكامل خلق الناس أذن الله لإسرافيل فنفخ في الصور فعاده الأرواح إلى أجسادها فتكون الصفات نشأت ، ينشأ الناس تنشأة قوية غير هذه النشأة وأبدانهم هي هي ، وذواتهم هي هي ، لكن الصفات هي التي تغيرت.

والجهم قال لا إن الذي يبعث شيء  أخر فهؤلاء الناس يفنون  تستحيل ذراتهم تذهب ذراتهم تعدم ويبعث الله أناس اخرين وعلى هذا مذهب الجهم يكون الله يعذب أناس في النار أناس أخرين غير العصاه لما رأى ابن سينا هذا القول لجهم جرة هذا إلى إنكار بعث الله لأجسام وقال أنه لا بعث لأجساد وان الذي تبعث الأرواح الجهم قال تبعث اجساد اخرى ولما راى هذا القول وان الأجساد لا تبعث جر ابن سينا فقال ليس هناك بعث لأجسام البعث لأرواح فالروح هي التي تنعم والتي تعذب وأما الجسد وهذا كفر بإجماع المسلمين زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.

طيب المثال الثاني : قوله هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ۝ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وقوله ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ هذا فيما شكت فيه الزنادقة ما هي الشبه ؟ شبهتهم في هذا ؟ نعم .... يعني في أية تنفي الكلام وأية تثبت الكلام والجواب ؟ نعم ... ثم يقول الله تعالى لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ بعد ذلك ويكون مع هذا العذاب كائن طيب نقرأ سم .

(المتن)

بسم الله الرحمن الرحيم  قَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

وأما قوله: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا وقال في آية أخرى: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا. ثم يقول في موضع آخر: أنه ينادي بعضهم بعضًا فشكوا في القرآن من أجل ذلك.

(الشيخ)

هذه الشبهة الآن،إذا الشبهة قالوا: إن القرآن متناقض، في آية أخبر الله أنهم لا يتكلمون ويحشرون على وجوههم عميا وبكما وصما وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا وفي آية أخبر أنهم يتكلمون قال: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ فكيف يكون في آية يحشرون بكما، وفي آية يحشرون يتكلمون هذه هي الشبهة.(واضح تفصيل الشبهة؟)  

(المتن)

أما تفسير: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ، وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ. فإنهم أول ما يدخلون النار يكلم بعضهم بعضًا، وينادون: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ. ويقول: رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [إبراهيم: 44] و رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا فهم يتكلمون حتى قال لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ. فصاروا عميًا وبكمًا وصمًّا، وينقطع الكلام ويبقى الزفير والشهيق. فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة من قول الله .

 (الشيخ)

فقط إلى هنا إلى هنا انتهى الجواب.

إذاً الجواب أنه ليس في كلام الله تناقض، بل كلام الله يصدق بعضه بعضًا، وإنما الآيات كل آية محمولة على حال، ففي الحال الأولى في الوقت الأول حين دخولهم النار يتكلمون، وينادي بعضهم بعضًا، وينادون مالك خازن النار، ويقولون: يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ وينادي أصحاب النار أصحاب الجنة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا. وينادون فيقولون: رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ويقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا يتكلمون في أول الأمر، ثم بعد ذلك يقول الله لهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ فعند ذلك يصيرون عميًا وبكمًا وصمًا، وينقطع الكلام، ولا يبقى إلا الزفير والشهيق، نسأل الله السلامة والعافية. 

(المتن)

وأما قوله تعالى: فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ وقال في آية أخرى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. فقالوا: كيف يكون هذا من المحكم؟ فشكوا في القرآن من أجل ذلك.

(الشيخ)

هذه هي الشبهة، إذا الشبهة قالوا: إن الآيتين متنافيتان، آية تنفي التساؤل، وآية تثبت التساؤل، فالآية الأولى: فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ والآية الثانية: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ فكيف ذلك. أجاب الإمام -رحمه الله-.

(المتن)

فأما قوله : فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ. فهذا عند النفخة الثانية، إذا قاموا من القبور لا يتساءلون، ولا ينطقون في ذلك الموطن، فإذا حوسبوا ودخلوا الجنة والنار: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.

(الشيخ)

 فقط.

فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة.إذا الجواب: أجاب الإمام -رحمه الله- بأن مواقف القيامة متعددة، مشاهد القيامة متعددة، ففي أول الأمر في المشهد الأول عند النفخة الثانية، وهي نفخة البعث، إذا قاموا من القبور لا يتساءلون، ولا ينطقون في ذلك الموطن، ما فيه كلام ولا نطق، حتى يأتي الحساب، فإذا حوسبوا، ودخلوا الجنة، أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، مثل ما سبق أن أهل النار حينما يدخلون النار يتساءلون، وينطقون، ويتكلمون.

فإذا عند النفخ في الصور وعند القيام من القبور في أول الأمر في أول مشهد من مشاهد القيامة بعد النفخة الثانية، وعند القيام من القبور ما فيه تساؤل، لا يتساءلون، ولا يتكلمون، فإذا حوسبوا تكلموا، وتساءلوا، فهذا محمول على حالة، وهذا محمول على حالة، فلا تناقض في كلام الله .

 (المتن)
( الشيخ.. هذا المثال الخامس )

وأما قوله: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وقال في آية أخرى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ فقالوا: إن الله قد ذم قومًا كانوا يصلون قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ وقد قال في قوم: إنهم إنما دخلوا النار؛ لأنهم لم يكونوا يصلون، فشكوا في القرآن من أجل ذلك، وزعموا أنه متناقض.

(الشيخ)

إذا الشبهة أنهم يقولون: عندنا آيتان متنافيتان، آية فيها أنهم دخلوا النار؛ لأنهم لم يكونوا مصلين، فدخلوا النار من أجل تركهم للصلاة، وفي آية تتوعد المصلين: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ فكيف ذلك؟.

آية فيها أن أهل النار دخلوا النار بسبب تركهم للصلاة، إذا تركهم للصلاة من أسباب دخولهم النار، والآية الأخرى تتوعد المصلين فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ والويل شدة العذاب والهلاك، وقيل: وادي في جهنم لكن الأقرب أنه شدة العذاب والهلاك، فأخبر أن المصلين هالكين، وغير المصلين هالكين، فكيف هذا؟ لأن مفهوم قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ  أن المصلي ناجي، فهم هلكوا، ما سبب هلاكهم؟ وعذابهم في سقر؟ كونهم لم يصلوا، إذا الذي يصلي ناجي، لكن جاءت آية أخرى تتوعد المصلي بالويل فكيف ذلك؟

آية فيها أن الذي ترك الصلاة دخل النار، ومفهومه أن الذي يصلي لا يدخل النار، ولا يعذب، لكن جاءت أخرى تتوعد المصلي فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ والجواب.

(المتن)

قال: وأما قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ عن بها المنافقين الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، حتى يذهب الوقت، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ يقول إذا رأوهم صلوا، وإذا لم يروهم لم يصلوا. وأما قوله: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني من الموحدين المؤمنين فهذا ما شكت فيه الزنادقة.

(الشيخ)

فقط إلى هنا؟

إذن الجواب: أجاب الإمام -رحمه الله- بأن كل آية محمولة على حالة، فالآية التي فيها فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ قال: المراد بهم المنافقون، المنافقون بدليل قوله: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ فهم يصلون نفاقًا لا عن إيمان بالله ورسوله، بل عن رياء ومراءاة: الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ يقول: إذا رأوهم صلوا، وإذا لم يروهم لم يصلوا.

ويدل على هذا ما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال: إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا يعني من الأجر لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا.

لأن المنافقين لا يصلون عن إيمان بالله وبرسوله، فكانوا يصلون الظهر والعصر والمغرب أمام الناس يراؤونهم؛ لأن الظهر والعصر والمغرب في وقت النهار، كلٌّ يراهم، فهم يصلون رياء، لكن في وقت العشاء وفي وقت الفجر ظلام، ما عندهم أنوار، ولا عندهم كهرباء مثلنا الآن، لا في الشوارع، ولا في المساجد، فيكون المسجد مظلم، والشوارع مظلمة ففي وقت العشاء، ووقت الفجر يتخلفون؛ لأنهم يظنون أنهم يخفون على الناس، فلا يرونهم، فيتخلفون، فلذلك كانت هاتان الصلاتان ثقيلة عليهم.

ولذلك قال: إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ فلا يليق بالمسلم الذي مَنَّ الله عليه بالإيمان أن يتشبه بالمنافقين وأن يتخلف عن صلاة الصبح وصلاة العشاء.

فصلاة العشاء تقع في وقت الراحة والانشغال، وصلاة الفجر تقع في وقت النوم والراحة.

 فالواجب على المسلم أن يكبح كباح نفسه، وأن يجاهد نفسه، وأن يفعل الأسباب التي توقظه، أو ينام مبكرًا لا يسهر، ولا سيما إذا كان السهر على القيل والقال والغيبة والنميمة، أو مشاهدة الأفلام الخليعة، أو سماع الأصوات السيئة.

ولا سيما الجلوس عند هذا الجهاز الخبيث جهاز الدش الذي ينشر عقائد النصارى والخلاعة والمجون والتفسخ والعري، وَيُزَهِّدُ في الأخلاق الإسلامية، ويشكك ويدعو إلى التشكيك في دين الله كيف يليق بالمسلم أن يفعل هذا؟ يسهر على هذا الجهاز الخبيث، ثم يتخلف عن صلاة الصبح، ولا يصلي إلا بعد الفجر، بعض الناس ديدنهم ذلك وعادتهم.

هذا من المصائب حتى قال جمع من أهل العلم: إن الشخص الذي لا يصلي الفجر بعد الشمس باستمرار أنه مرتد كافر، ولا تفيده الصلاة، ولو صلاها ألف مرة ما تفيده؛ لأن الله حدد الصلاة بأوقات: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا. وأفتى بهذا سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بأن الذي لا يستيقظ إلا بعد الشمس باستمرار أنه مرتد، ويكون كافرا، ولا تصح صلاته؛ لأنه متعمد بخلاف الإنسان الذي فعل أسبابا  توقظه، وفاتته فوات الحرص هذا معذور، النائم حتى يستيقظ، الإنسان الذي فعل أسبابا توقظه، وعنده إحساس وشعور، لكن فاتته بغير اختياره هذا معذور، لكن الذي يركب الساعة على العمل، لا يستيقظ إلا مرة واحدة لصلاته وعمله، هذا معناه متعمد ترك الصلاة.

فالواجب على المسلم أن تشتدَّ عنايته بالصلوات الخمس عمومًا، وبهاتين الصلاتين خصوصًا حتى لا يتشبه بالمنافقين قال العلماء: لو أن الإنسان جلس يقرأ القرآن، أو يصلي الليل، وهو يعلم أن صلاته في الليل وقراءة القرآن تكون سببًا في نومه عن الصلاة، وتأخيره عن الصلاة، صار حراما عليه قراءة القرآن وصلاة الليل لماذا؟ لأن قراءة القرآن وصلاة الليل مستحبة سنة، وصلاة الفجر فرض، فكيف يشتغل بالسنة عن الفرض.

فإذا كان الذي يقرأ القرآن، ويصلي في الليل، إذا كان يتسبب في ترك صلاة الفجر حرام عليه، فكيف بالذي يسهر على مشاهدة الأفلام الخليعة على هذا الجهاز الخبيث، أو القيل والقال، ولهذا كان النبي ﷺ يكره النوم قبلها والحديث بعد صلاة العشاء، مكروه الجلوس بعد صلاة العشاء إلا لما لا بد منه السمر في طلب العلم، أو السمر مع الضيف، أو السمر مع الأهل، أو الشيء العارض.

فإذا الإمام -رحمه الله- يقول: إن فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ هذه محمولة على المنافقين فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ساهون يعني يسهون عن الصلاة، فيتركونها بالكلية، هذا سهو، أو يسهون عن الصلاة فيؤخرونها عن وقتها. أو يسهون عن الصلاة فيؤخرونها عن وقتها الأول، أو يسهون عن أركانها وواجباتها، أو يسهون عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، كل هذا داخل في السهو، وكل لهو نصيب من هذا السهو، ومن جمع هذه الأنواع، فقد تمت له الخسارة، نسأل الله العافية.

فهي تشمل المنافقين النفاق العملي والنفاق الاعتقادي: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ۝ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ حتى يتركونها بالكلية، أو حتى يؤخرونها عن الوقت بالكلية، أو حتى يؤخرونها عن الوقت الأول، لا يصلونها إلا في آخر الوقت باستمرار، أو يسهون عن أداء واجباتها وشروطها، أو يسهون عن خشوعها وتدبر معانيها.

ويدل على هذا الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا.

إذا وَصَفَ المنافق بأنه يؤخر الصلاة يرقب الشمس حتى إذا كانت تغرب، يؤخرها عن وقتها، ووصفه بأنه ينقر الصلاة كنقر الغراب، ووصفه بأنه لا يذكر الله فيها إلا قليلا.

هذه ثلاثة أوصاف للمنافقين يؤخر الصلاة عن وقتها، وينقرها نقر الغراب، يعني: لا يطمئن في ركوعها وسجودها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلا.

فإذا هذه الآية: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ محمولة على مَن يصلي، لكن إما يصلي رياء ونفاقًا، أو يصلي ويؤخر الصلاة عن وقتها بالكلية، أو عن وقتها الأول المختار، أو عن أداء شروطها وواجباتها، أو عن خشوعها وتدبر معانيها.

أما الآية الثانية: وهي آية المدثر: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يقول هذه الآية في الموحدين ،كيف تكون آية الموحدين؟؟

كيف تكون هذه الآية في الموحدين المؤمنين مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ يعني: تاركين للصلاة، كانوا مؤمنين موحدين، فلما تركوا الصلاة ارتد يعني: هي ليست في المنافقين تلك أَوُلَه في المنافقين وهذه في المؤمنين قبل أن يتركوا الصلاة، فقبل أن يتركوا الصلاة كانوا مؤمنين، فلما تركوها دخلوا النار، فسألهم: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ  يعني: تركنا الصلاة، هذا هو الظاهر كما ذكره الإمام رحمه الله.

وهذه الآية قوله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ۝ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ  من الأدلة التي تدل على أن ترك الصلاة كُفْرٌ. استدل بها العلماء على أن ترك الصلاة كفر، وإن كان لهم خصال أخرى، لكن ذكر أول خصالهم أنهم تركوا الصلاة.

وقوله: وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ هذا أيضًا كفر آخر ونوع آخر من الكفر. نعم ..إذا ترك الصلاة يكون مرتدًا، إذا تركها حتى خرج وقتها من غير عذر يكون مرتدًا. وقبل ذلك كانوا موحدين، ثم تركوها فارتدوا، هذا هو الظاهر. هذا معنى قول الإمام، يعني من الموحدين المؤمنين يعني: قبل ذلك قبل ترك الصلاة. فعلى هذا يكون ترك الصلاة كفر.

وأدلة أن ترك الصلاة كفر كثيرة: منها قول النبي ﷺ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله والبينية تفصل، حد فاصل بين الشيء وبين الشيء، فجعل بين الإسلام وبين الكفر ترك الصلاة، فالبينية تفصل.

ومنه حديث بريدة بن القصيب عند أحمد وأصحاب السنن: الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمِ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ.

ومن أقوى الأدلة أيضًا على أن ترك الصلاة كفر، ولو لم يجحد وجوبها، إذا جحد وجوبها هذا بالإجماع ما فيه إشكال. إذا جحد وجوب الصلاة كافر بإجماع المسلمين حتى إذا جحد وجوب الزكاة، أو وجوب الصوم، أو وجوب الحج، إذا أنكر أمرا معلوما من الدين، معلوما بالضرورة هذا كافر بالإجماع، لكن إذا تركها ولو لم يجحد وجوبها، ومما يدل على ذلك أن النبي ﷺ نهى عن الخروج على ولاة الأمور والأمراء ما داموا يقيمون الصلاة.

فقال في حديث عوف بن مالك الأشجعي عند الإمام مسلم -رحمه الله-: خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ يعني: ولاة الأمور ،الأئمة الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ يعني تدعون لهم ويدعون لكم- وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ يعني: ما داموا شرار ويتلاعنوا أفلا ننابذهم بالسيف؟ فَقَالَ: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ.

إذا هذا الحديث أصل في عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي؛ خلافًا للمعتزلة والخوارج والرافضة فالخوارج والمعتزلة يخرجون على ولاة الأمور.

الخوارج عندهم أن ولي الأمر إذا فعل معصية كفر يجب خلعه وقتله والخروج عليه، والمعتزلة كذلك المعتزلة يرون عندهم أصل من أصولهم الخمسة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

النهي عن المنكر ستروا تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، سموه النهي عن المنكر، والرافضة كذلك ليس عندهم الإمام إلا الإمام المعصوم، وهم الأئمة الاثنا عشر الذي نص عليهم النبي عليه الصلاة والسلام.

وعلى هذا جميع ولاة الأمور من خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس إلى من بعدهم كلهم ولاة جور وظلم يجب قتلهم والخروج عليهم، ولا إمامة إلا للإمام المعصوم، وأهل السنة والجماعة خرجوا عن هذه المعتقدات الفاسدة.

أهل السنة والجماعة لا يوافقون الخوارج ولا المعتزلة ولا الرافضة بل يرون السمع والطاعة لولاة الأمور فيما هو من طاعة الله، وأما المعاصي فلا يطاع فيها أحد، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

إذا أمر ولي الأمر أو الأمير بالمعصية ما يطاع، وإذا أمر الأب ابنه بالمعصية لا يطيعه، وإذا أمر الزوج زوجته بالمعصية لا تطيعه، ولكن لا يخرج عليه ليس معنى كونه لا يطيعه في المعصية أنه يخرج عليه ويؤلب عليه وينابذه. لا، المعنى أنه لا يطيعه في المعصية، لكن لا يخرج عليه، فإذا فعل ولي الأمر معصية ما يجوز الخروج عليه، ولو فعل معصية، ولو ظلم بعض الناس، أو قتل بعض الناس، أو سجن بعض الناس، أو شرب الخمر، أو فعل معصية ما يجوز الخروج عليه. لماذا؟

لأن الخروج على ولاة الأمور يترتب عليه مفسدة أعظم يترتب عليه مفسدة الافتراق والانشقاق، وإراقة الدماء، وتربص الأعداء بهم الدوائر، وتناحر المسلمين وتطاحنهم فيما بينهم وتفرقهم وذهاب ريح الدولة، واختلال أحوال المسلمين المعيشية، والاقتصادية والتعليمية والسياسية والاجتماعية.

يترتب عليه فساد عظيم. هذه مفسدة، وهناك قواعد شرعية معروفة مأخوذة من النصوص، وهي أنه إذا وجد مفسدتان لا بد من ارتكاب أحدهما، تُرْتَكَبُ أدنى المفسدتين؛ لزوال أعلاهما، فعندنا مفسدتان الآن: مفسدة معصية ولاة الأمر، عصى، فسق، فعل، المعاصي هذه مفسدة.

والثانية: مفسدة الخروج عليه، يترتب عليها إراقة الدماء وانشقاق المسلمين وتربص الأعداء بهم والدوائر، واختلال الأمن ، واختلال المعيشة، واختلال التعليم، واختلال الاقتصاد، واختلال السياسة، واختلال الزراعة والصناعة.

ويترتب عليها أمور عظيمة لا تُحْمَد عقباها، أيهما أعظم المفسدتين؟ الخروج أعظم مفسدة، فترتكب المفسدة الدنيا، وهي أن نصبر على معصية ولي الأمر، وندعو له، ونناصحه بما نستطيع، النصيحة مبذولة من العلماء ومن غيرهم بما يستطيعون، ولو قُدِّرَ أن الإنسان ما استطاع أو ما حصل شيء نصبر، ثم أيضًا صبرك فيه تكفير للسيئات، ورفع للدرجات.

وعلينا أن نتوب إلى الله، وأن نرجع إلى أنفسنا، وأن نصلح من أحوالنا فإن الله -تعالى- ما سلط علينا ولاة الأمور إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فجور الولاة من كسب الرعية، فإذا أراد الرعية أن يصلح الله ولاة الأمور فليصلحوا أنفسهم، هكذا قرر أهل العلم، وهكذا قرر أهل السنة والجماعة واضح هذا

وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة أنه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي خلافًا لأهل البدع فمن شعار أهل البدع الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي كالرافضة والخوارج والمعتزلة وأما معتقد السنة والجماعة وهو من أصول أهل السنة والجماعة واعتقادهم الذي انفصلوا فيه عن أهل البدع عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والسمع لهم في طاعة الله، وفي الأمور المباحة، وأما المعاصي فلا يطاع فيها أحد.

متى يجوز الخروج على ولاة الأمور؟ إذا حصل كفر بواح. كفر صريح بواح كما في الحديث الآخر: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ كفر موصوف بهذه الأوصاف بواح، يعني: بَيِّن ظاهر صريح، لا لبس فيه: عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ .

فإذا وجد الكفر الصريح جاز الخروج مع القدرة أيضًا بشرطين:

الشرط الأول: القدرة على ذلك.

والشرط الثاني: أن يُزَال هذا الكافر، أو الحكومة الكافرة ويُؤْتَى بدلها بحكومة مسلمة. لا بد من هذا. أما يزال كافر، ويأتي بكافر بداله ما حصل المقصود. لا بد أن يغلب على الظن أنه يزال هذا الكافر ويؤتى بدله بمسلم، ويكون هذا مع القدرة، أما إذا كان ما عندك قدرة  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. إذا وجدت القدرة ووجد البديل وهو إمام مسلم يقيم حكم الله، ويحكم بشرع الله في أرض الله، فلا بأس، أما أن يزال كافر، ويؤتى بكافر فلا.(واضح هذا؟).

فإذا ضممت هذا الحديث: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ وحديث: لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة، فهم كفار، يجوز الخروج عليهم، إذا ضممت هذا الحديث إلى هذا الحديث دل على أن ترك الصلاة كفر بواح.

وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر بواح،(واضح هذا؟) بالجمع بين الحديثين:

الحديث الأول: حديث عوف بن مالك لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ يعني: لا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا فيكم الصلاة، مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار، يجوز الخروج عليهم.

والحديث الثاني: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ فلما أجاز النبي ﷺ الخروج على ولاة الأمور إذا لم يقيموا الصلاة، ولم يُجِزْهُ في الحديث الآخر إلا إذا وجد الكفر البواح، دل على أن ترك الصلاة كفر بواح، وهذا من أقوى الأدلة على أن ترك الصلاة كفر.

 (المتن)

وأما قوله : خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ. ثم قال: مِنْ طِينٍ لازِبٍ. ثم قال: مِنْ سُلالَةٍ. ثم قال: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ثم قال: مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ .فشكوا في القرآن، وقالوا: هذا ملابسة ينقض بعضه بعضًا.

(الشيخ)
بس هنا هذا ملابسة أو تلبيس نسخة تلبيس ينقض بعضه بعضا هذه الشبهة، الشبهة يقول: أن خلق آدم جاء في آيات متعددة، بعضها: في أية أن آدم خلق من تراب، وفي آية أنه خلق من طين لازب، وفي آية أنه خلق من سلالة، وفي آية أنه خلق من حمإ مسنون، وفي آية أخرى أنه خلق من صلصال كالفخار، كيف ذلك؟

يعني: (أربعة) أشياء في آية أنه مخلوق من تراب، وفي آية أنه مخلوق من طين، وفي آية أنه مخلوق من سلالة، وفي آية من حمإ، وفي آية من صلصال، خمسة أشياء.

هكذا قال الزنادقة قالوا: إن هذا تناقض، الإمام -رحمه الله- بيَّن أن هذه الأشياء كلها ترجع إلى شيء واحد، ما في تناقض، كلام الله يصدق بعضه بعضًا.

(المتن)

فهذا بدء خلق آدم خلقه الله أول بدء من تراب، ثم من طينة حمراء، وسوداء وبيضاء، من طينة طيبة وسبخة، فكذلك ذريته طيب وخبيث، أسود وأحمر، وأبيض، ثم بُلَّ ذلك فصار طينًا، فذلك قوله: مِنْ طِينٍ  فلما لصق الطين بعضه ببعض، فصار طينًا لازبًا يعني طينًا لاصقًا، ثم قال: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ يقول: مثل الطين إذا عصر انسل من بين الأصابع، ثم نتن فصار حمأ مسنونًا فخلق من الحمأ، فلما جف صار صلصالا كالفخار، يقول: صار له صلصلة كصلصلة الفخار له دوي كدوي الفخار. فهذا بيان خلق آدم

وأما قوله: مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ فهذا بدء خلق ذريته من سلالة يعني النطفة إذا انسلت من الرجل فذلك قوله: مِنْ مَاءٍ يعني: النطفة. "مهين" يعني ضعيف، فهذا ما شكت فيه الزنادقة.

(الشيخ)
إذا الإمام -رحمه الله- بيَّن أن آيات القرآن يصدق بعضها بعضًا، يقول خلقه الله من تراب، هذا بدء خلقه، أول بدء خلق آدم من تراب، خلقه الله من تراب، ثم بَلَّ ذلك التراب فصار طين، نفس التراب الله أخذ التراب، ثم بله فصار طينًا، وهذه الطينة حمراء وسوداء وبيضاء فجاءت الذرية هكذا: طيب وخبيث، وأسود وأحمر، وأبيض.

ثم بعد ذلك لما بل ذلك الطين لصق بعضه ببعض، فصار طينًا لازبًا يعني: لاصقًا، ثم صار سُلالة، مثل الطين إذا عصر انسلَّ من بين الأصابع، ثم نتن يعني صار له رائحة كريهة، فصار حمأ مسنونًا، فخلق من الحمأ، فلما جفَّ هذا الطين صار صلصاً  كالفخار له صلصلة كصلصة الفخار دوي كدوي الفخار.

هذا خلق آدم وأما الذرية فهم مخلوقون من سلالة من ماء مهين. الذرية مخلوقون من الماء، كل واحد من بني آدم مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة، كما قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ.

الماء يكون نطفة في بطن أمه أربعين يومًا، ماء الرجل، وماء المرأة يكون نطفة في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يتحول أربعين يومًا علقة: قطعة دم، ثم مضغة تتحول بعد أربعين يومًا ، والمضغة قطعة لحم، سُمِّيَ مضغة بقدر ما يمضغ في الفم، ثم بعد ذلك خلق من المضغة عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا.

ثم أرسل الله -سبحانه- الملك بعد مضي أربعة أشهر في بعض الأحاديث، وبعضها قبل ذلك فنفخ فيه الروح، وكتب الله رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.

فإذا آدم مخلوق من تراب ثم بلَّ الله ذلك التراب فصار طينًا، ثم بعد ذلك صار لازبًا لاصقًا، ثم نتن، ثم يبس فصار له صلصلة، هذا خلق آدم أما الذرية فهم مخلوقون من الماء، من النطفة ماء الرجل، وماء المرأة، قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ صلب الرجل، وترائب المرأة.

كل بني آدم هذا إلا حواء فإنها مخلوقة من آدم من ضلع آدم وإلا عيسى فإنه مخلوق من أم بلا أب، ليس له أب، خلقه الله. أرسل الله جبريل فنفخ في جيب درع مريم فحملت بإذن الله. قال الله له: كن فكان: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

فتكون القسمة الرباعية قسمة آدم وبنيه. آدم خلقه الله من تراب، من غير ذكر ولا أنثى، وحواء خلقت من ذكر بلا أنثى؛ لأنها خلقت من ضلع، وعيسى خلق من أنثى بلا ذكر، وسائر الناس من ذكر وأنثى، فتمت القسمة رباعية،(واضح هذا؟) ولله الحكمة البالغة.

والخلاصة يكون آدم مخلوق من تراب، والذرية مخلوقون من ماء، وعلى هذا تكون الآيات -آيات القرآن- متفقة ومؤتلفة، وليست متناقضة كما يشكك بذلك الزنادقة . نعم

 (المتن)

وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ، رَبُّ الْمَشَارِقِ وَربُ الْمَغَارِبِ فشكوا في القرآن وقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم؟.

(الشيخ)
هذه الشبهة. الشبهة جاؤوا بثلاث آيات، قالوا: في آية أفرد المشرق والمغرب، قال: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وفي آية ثنى المشرق فقال: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ثنى المشرق والمغرب، وفي آية جمع فقال: رَبُّ الْمَشَارِقِ وَربُ الْمَغَارِبِ فكيف يكون هذا؟

آية فيها مشرق ومغرب واحد، وآية مشرقين ومغربين، وآية مشارق ومغارب، آية فيها جمع المشارق والمغارب، وآية فيها تثنية المشرقين والمغربين، وآية فيها توحيد المشرق والمغرب، كيف يكون هذا، هذا وجه شبهتهم وتشكيكهم.

(المتن)

أما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فهذا اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار، أقسم الله بمشرقه ومغربه.

وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فهذا أطول يوم في السنة، وأقصر يوم في السنة، أقسم الله بمشرقهما ومغربهما.

وأما قوله: رَبُّ الْمَشَارِقِ وَربُ الْمَغَارِبِ فهو مشارق السنة ومغاربها، فهذا تفسير ما شك فيه الزنادقة.

(الشيخ)
إذا هذا جواب الإمام -رحمه الله- قال: أما إفراد المشرق والمغرب وهو رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ  فهذا اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار. والليل والنهار لهما استواءان، الاستواء الأول في واحد فصل الربيع، وفي واحد فصل الخريف، يستوي الليل والنهار في فصل الربيع وفصل الخريف ، في أول يوم في فصل الربيع ، وفي أول يوم في فصل الخريف يستوي الليل والنهار، يكون الليل اثنتا عشر ساعة والنهار اثنتا عشر ساعة.هذا اليوم الذي يستوي فيه الليل والنهار أقسم الله بمشرقه ومغربه فقال: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ 

وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فهذا أطول يوم في السنة وأقصر يوم في السنة ، أطول يوم في السنة حينما يطول النهار، وأقصر يوم في السنة حينما يقصر النهار في الشتاء، أقسم الله بمشرقهما ومغربهما.

وأما قوله: رَبُّ الْمَشَارِقِ وَربُ الْمَغَارِبِ فهذه مشارق السنة ومغاربها، هذا هو جواب الإمام عن هذه الشبهة.

وهناك جواب آخر أجاب به العلماء، وذكره المفسرون فقالوا: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ التثنية المراد بهما مشرقي الشتاء ومشرقي الصيف. رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ مشرق الشتاء، ومشرق الصيف وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ مغرب الشتاء، ومغرب الصيف، فالتثنية بالنسبة للشتاء والصيف رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ الشتاء والصيف، وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ الشتاء والصيف.

وأما قوله: رَبُّ الْمَشَارِقِ وَربُ الْمَغَارِبِ المراد مشرق كل يوم ومغرب كل يوم. مشرق كل يوم تطلع فيه الشمس وتبرز إلى الدنيا، وكذلك المغرب، فجمع المشارق والمغارب بالنسبة لمشرق كل يوم ومغربه، كما قال الإمام: مشارق السنة ومغاربها.

وأما قوله: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فالمراد الجنس. جنس المشرق وجنس المغرب. الجنس عام يشمل المشارق والمغارب كلها فيقول: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مثل: رَبُّ الْمَشَارِقِ وَربُ الْمَغَارِبِ  المراد الجنس، جنس المشرق والمغرب، والمعنى متقارب.

والمقصود أن الآيات، كل من الآيات الثلاث لها معنى، وليس في كتاب الله تناقض بحمد لله، كما يتوهمه هؤلاء الزنادقة

 (المتن)

أما قوله: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وقال في آية أخرى: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وقال في آية أخرى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۝ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً فقالوا: كيف يكون هذا من الكلام المحكم، وهو ينقض بعضه بعضًا؟.

(الشيخ)
هذه الشبهة. إذا الشبهة أنهم قالوا: إن الآيات متناقضة، هذه الآيات متناقضة ينقض بعضها بعضًا في آية يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ هذا في آية السجدة.

وفي آية المعارج قال فيها: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۝ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً قالوا: كيف يكون هذا محكم ينقض بعضه بعضًا؟ في آية أن تدبير الأمر من السماء إلى الأرض أن اليوم مقداره ألف سنة، والثانية أن اليوم مقداره خمسين ألف سنة(واضح هذا؟)، فكيف يجمع بين ألف سنة في يوم واحد، يقال: أَلْفَ سَنَةٍ ويقال: خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قالت الزنادقة هذا تناقض، لنأتي لجواب الإمام رحمه الله.
(المتن)

قال أما قوله: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فهذا من الأيام التي خلق الله فيه السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، وأما قوله: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وذلك أن جبرائيل كان ينـزل على النبي ﷺ ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوط خمسمائة عام، وصعود خمسمائة عام، فذلك ألف سنة.

وأما قوله: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يقول: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قوله: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ يعني: سرعة الحساب.

(الشيخ)

إلى هنا انتهى الجواب هذا هو جواب الإمام -رحمه الله- وجاب آية ثالثة، وهي آية الحج، وهي قوله: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فتكون الآيات ثلاث وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ والآية الأخرى يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ والآية الثالثة: : تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.

الإمام أحمد -رحمه الله- جمع بين هذه الآيات قال: إن آية الحج: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ هذا من الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض، كل يوم كألف سنة، يعني: الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ كل يوم مقداره ألف سنة.

هذا أحد الأقوال، الذي اختاره الإمام -رحمه الله- أحد الأقوال وهناك قول آخر أن المراد مقداره كأيامنا هذه؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، فالأصل هو أنها مثل الأيام المعروفة الآن، مقدارها مقدار هذه الأيام المعروفة؛ لأن الله خاطبنا بما نعرف، لكن الإمام اختار هذا.

وأما آية السجدة وهي(إيش) قوله تعالى: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قال: يعني هذا في الدنيا، ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة، كما في الحديث الآخر، جاء في الحديث: إِنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ. كما في حديث العباس بن عبد المطلب وغيره: إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَينَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ، وغلظ كل سماء مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ، ثُمَّ فَوْقَ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ بَعدَ ذَلِكِ العَرْشُ.

وعلى هذا فيكون قوله يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ جبريل ينـزل على النبي ﷺ ويصعد، فنـزوله مقداره خمسمائة، وصعوده مقداره خمسمائة، هذه ألف سنة.

ينـزل الأمر من السماء إلى الأرض مقدار خمسمائة، ثم يعرج إليه مقدار خمسمائة، فيكون الجميع ألف. فنـزول الأمر من السماء، وعروجه إلى الله، الجميع ألف سنة، هذا معنى قوله: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.

يقول الإمام -رحمه الله-: وذلك أن جبرائيل -عليه الصلاة والسلام- كان ينـزل على النبي ﷺ ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة، وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام، فهبوطٌ خمسمائة، وصعودٌ خمسمائة عام فذلك (أَلْفَ سَنَةٍ ).(واضح هذا؟).

وأما آية المعارج فقال: وأما قوله تعالى: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قال: لو ولي حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ويفرغ الله منه مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، إذا أخذ في حساب الخلائق، فذلك قول الله وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ.

إذا الإمام -رحمه الله- فسَّر الآية(بإيش): فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يقول: لو ولى حساب الخلائق غير الله ما فرغ منه في يوم مقداره خمسون ألف سنة، لكن الله يفرغ منه بقدر نصف يوم، إذا أخذ في الحساب ولهذا قال سبحانه: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ وقال: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ. (واضح هذا؟)

هذا الجمع بينها أحد الأقوال. هذا أحد الأقوال التي جمع بها الإمام.

و ابن القيم -رحمه الله- ذكر -في القصيدة النونية في الكافية الشافية-  ذكر الجمع بين هذه الآيات. بين آية السجدة يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وآية المعارج وهي قوله تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.

قال فيها قولان مشهوران للعلماء:

القول الأول: أنَّ آية التنـزيل، آية السجدة في الدنيا، اليوم هذا في الدنيا، ينـزل جبريل بالوحي من الله، ويصعد إليه نـزول خمسمائة وصعود خمسمائة، كما قال الإمام، وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة، يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة، وأما آية السجدة فهي في الدنيا: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ينـزل الأمر من الله ويصعد إليه بمقدار ألف سنة، هبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة.

وأما آية المعارج فهي في يوم القيامة. وقال: اختار جماعة من أهل العلم هذا القول. وقال: أيدوا هذا بأمرين هذا القول، وأن آية المعارج في يوم القيامة:

الأمر الأول: أن سياق الآية يدل على أنها في يوم القيامة. إذا قرأت الآية: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ۝ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ۝ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ۝ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ۝ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ۝ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ۝ وَنَرَاهُ قَرِيبًا يوم القيامة، قال: سياق الآية يدل على أنه في يوم القيامة. (واضح هذا؟).

هذا دليل.

والأمر الثاني مما يؤيد أنه في يوم القيامة حديث: تعذيب مانع الزكاة يقول في الحديث الصحيح: مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ، وَلَا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ​​​​​​.

قال: هذا الحديث فيه أن يوم القيامة مقداره خمسين ألف سنة، فهذا يؤيد أنهما يومان، وأن اليوم الأول الذي فيه تنـزيل -السجدة- في الدنيا، واليوم الذي في سورة المعارج يوم القيامة في الآخرة.(واضح هذا؟)

القول الثاني: أنهما جميعًا في الدنيا. قال ابن القيم:اليوم الثاني أنهما في الدنيا ، وقال: إن آية التنـزيل - تنـزيل السجدة- فيها أن الأمر ينـزل من الله ثم يصعد إليه، وأن مقدار ذلك ألف سنة؛ لأن الهبوط خمسمائة، والصعود خمسمائة.

وآية المعارج أيضًا في الدنيا أيضا ليس في يوم القيامة؛ وذلك أن المسافة مقدار خمسين ألف سنة قال هذه المسافة من العرش إلى الأرض السابعة السفلى. مقدار خمسين ألف سنة، المسافة بين العرش إلى المركز الذي في القرار، الذي في قرار الأرض السابعة السفلى؛ لأن هناك مركز، فالمركز هو محط الأثقال؛ لأن السماوات والأراضين كلها مستديرة الشكل ليس لها جهات إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل، فالأرض مثلا السماوات  والأراضين والأفلاك كلها ليس لها إلا جهتان: جهة العلو وجهة السفل. (واضح هذا؟).

والأرض مستديرة الشكل كروية، وكذلك السماوات بل جميع الأفلاك، قال تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ التكوير التدوير، فقوله: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ هذا دليل على أن السماوات مستديرة والأرض مستديرة الشكل.(واضح هذا؟).

والأفلاك المستديرة الثابتة ليس لها جهتان إلا جهة العلو والسفل. ما في جهة أمام وخلف، ويمين وشمال، أمام وخلف، ويمين وشمال، وتحت وفوق، هذا للحيوانات المتحركة، للإنسان المتحرك، الآن أنا لي ستة جهات: أمام وخلف، ويمين وشمال، وفوق وتحت، هذه الجهات الست، لكن ليست ثابتة.

أمامي الآن هنا أمام، لكن لو تحركت استدرت صار الخلف هو الأمام، والأمام هو الخلف، واليمين هو الشمال، والشمال هو اليمين. هذه غير ثابتة، لكن الأفلاك الثابتة السماوات والأرض، ليس لها إلا جهتان. جهة العلو وجهة السفل، فمثلا الأرض مثل الكرة الآن، ليست مستديرة، لكنها تشبه البيضة، وليس لها إلا جهتان: جهة العلو، وجهة السفل.

وجهة العلو كل ما كان عليها يسمى علو، هنا علو، هنا علو، هنا علو من جميع الجهات، لكن من سعى في الأرض، فيه ناس هنا تحت، وناس فوق، هذا الذي هنا من الجهة هذه يتصور أن الذي هنا تحته، والذي هنا يتصور أن الذي فوق تحته، والواقع أن كلا منهما على علو الأرض ، (واضح هذا ؟).

لكن ما هو السفل؟. السفل محط الأثقال في الوسط بحيث أنك لو خرقت في الأرض خرق من هنا، وخرقت من هنا من أسفل لالتقيا في المركز. لو نـزل شخص من هنا، ونـزل شخص من هنا التقت رجلاهما في المركز .(واضح هذا ؟ ) هذا مركز الأرض هذا المركز، هو محط الأثقال.

والآن يعني كل من كان على ظهر الآن يسمى على جهتها، نحن الآن على ظهر الأرض. في ناس الآن يتصورون أنهم تحتنا الآن، وهم على ظهر الأرض ولانه من سعة الأرض.(واضح هذا؟) لكن نحن فوق الأرض، وهم فوق الأرض ولو خرقنا خرق وخرقوا هم خرق لالتقيا في المركز الذي هو محط الأثقال.(واضح هذا؟)

كونك الآن تتصور أن الأرض تحتك وهو يتصور هذا لا، لا غرابة فيه، كما أن النملة الآن حينما تمشي على السطح الآن ، الآن السطح فوقها، وهي تتصوره تحتها، تمشي عليه على رجليها وتحتها، وهو فوقها، فمحط الأثقال القرار في الأرض السابعة السفلى هذا هو المحط.

يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن المسافة من العرش إلى القرار الذي هو محط الأثقال مسافة خمسين ألف سنة، وعلى هذا فتكون آية السجدة، وآية المعارج، كلها في يوم واحد، واختار ابن القيم هذا اليوم الثاني، قال: هذا هو القول الذي أختاره، وإن كان الأول اختاره فطاحل من العلماء، لكن أنا اختار هذا القول، ثم قال ذلك في آخر القصيدة قال: " إلا أن هذا القول الآن يعني لم ينضج عندي، وعندي فيه شك، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم".

هذا قاله في آخر القصيدة. في الأول قال: عندي أنهما يومان، ثم بعد ذلك من شدة ورعه -رحمه الله ورضي عنه- قال: "إن هذا القول الثاني:  يعني عندي فيه شك لم ينضج بعد، وأعوذ بالله من القول على الله بغير علم" والله أعلم بمراده.

فعلى هذا يكون هما قولان: قول أنهما اليوم الأول في الدنيا والثاني في الآخرة. والقول الثاني: أن اليومين كلاهما في الدنيا. هذا بالنسبة من السماء إلى الأرض صعود وهبوط، وآية المعارج مسافة من العرش إلى قرار الأرض السابعة.

وهناك قول ثالث أيضًا: ذكره الحافظ بن كثير وهو أن المراد عُمُرُ الدنيا كله. عمر الدنيا كلها خمسين ألف سنة.

وهناك قول رابع: وهو أن المراد بالخمسين ألف سنة اليوم الفاصل بين الدنيا وبين الآخرة.

فذكر الحافظ ابن كثير في الجمع بين الآيتين بأربعة أقوال:

القول الأول: أن اليوم الأول في الدنيا، والثاني في الآخرة.

والقول الثاني أنهما  في الدنيا، والأول المسافة من السماء إلى الأرض، والثاني المسافة من العرش إلى القرار.

الثالث: أنها عمر الدنيا مقداره خمسين ألف سنة.

والرابع أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والآخرة، لكن هذان القولان الأخيران فيهما ضعف.

والراجح القولان الأولان، وأرجح القولين الذي اختاره المحققون وهو الذي تبين أن اليوم الأول الذي في سورة التنـزيل، هذا في الدنيا، واليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، هذا في الآخرة.

هذا هو الراجح، وهذا هو الصواب أصوب الأقوال الأربعة هو هذا. وكأن الإمام أحمد -رحمه الله- أشار إلى هذا قال: "لو ولي حساب الخلائق غير الله لكان مقداره خمسين ألف سنة"

فهذا هو الصواب الذي تدل عليه النصوص، والذي هو ظاهر الأدلة أن اليوم الأول ، وهو في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة أن اليوم الذي في سورة تنـزيل السجدة: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ هذا في الدنيا هبوط وصعود، هبوط خمسمائة، وصعود خمسمائة، وأما اليوم الذي في سورة المعارج: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ فالمراد به يوم القيامة بدليل سياق الآيات: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ۝ وَنَرَاهُ قَرِيبًا.

وبدليل تعذيب مانع الزكاة، وأنه يعذب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.

لعلنا نقف هنا وفق الله الجميع لطاعته ونجعل بقية الوقت للأسئلة إن كان هناك أسئلة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد