شعار الموقع

شرح كتاب مقدمة ابن الصلاح (5) من مَعْرِفَةُ الْمُعْضَلِ إلى معرفة الشاذ

00:00
00:00
تحميل
96

(المتن)

(فَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ فِيمَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَهِشَامٍ، وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَعَازِفِ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مَعْرُوفُ الِاتِّصَالِ بِشَرْطِ الصَّحِيحِ، وَالْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، لِكَوْنِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ مَعْرُوفًا مِنْ جِهَةِ الثِّقَاتِ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي عَلَّقَهُ عَنْهُ، وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا يَصْحَبُهَا خَلَلُ الِانْقِطَاعِ).

(الشرح)

قد يكون ذلك لأنه سمعه في المذاكرة، وما سمعه في التحديث، نعم.

(المتن)

(وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْحُكْمِ فِي التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ فَذَلِكَ فِيمَا أَوْرَدَهُ مِنْهُ أَصْلًا وَمَقْصُودًا لَا فِيمَا أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِشْهَادِ، فَإِنَّ الشَّوَاهِدَ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ، مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مَوْصُولًا).

(الشرح)

نعم، وهذا أكثره في موضع الاستشهاد، نعم.

(المتن)

(ثُمَّ إِنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ وَجَدْتُهُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا حُذِفَ مِنْ مُبْتَدَأٍ إِسْنَادُهُ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَعْمَلَهُ فِي حَذْفِ كُلِّ الْإِسْنَادِ، مِثَالُ ذَلِكَ: قَوْلُهُ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا وَكَذَا، رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ كَذَا وَكَذَا).

(الشرح)

هذا معلق، إذا حذف شيخه معلق، إذا حذف شيخه وشيخ شيخه معلق، إذا حذف ثلاثة معلق، إذا حذف السند كله فقال رسول الله معلق، نعم.

(المتن)

(قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَذَا وَكَذَا ". وَهَكَذَا إِلَى شُيُوخِ شُيُوخِهِ، وَأَمَّا مَا أَوْرَدَهُ كَذَلِكَ عَنْ شُيُوخِهِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا فِي الثَّالِثِ مِنْ هَذِهِ التَّفْرِيعَاتِ.

وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ أَنَّهُ جَعَلَهُ قِسْمًا مِنَ التَّعْلِيقِ ثَانِيًا، وَأَضَافَ إِلَيْهِ قَوْلَ الْبُخَارِيِّ - فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ -: "وَقَالَ لِي فُلَانٌ، وَزَادَنَا فُلَانٌ" فَوَسَمَ كُلَّ ذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ الْمُتَّصِلِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، الْمُنْفَصِلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَقَالَ: مَتَى رَأَيْتَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: "وَقَالَ لِي، وَقَالَ لَنَا" فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِسْنَادٌ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُهُ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ، وَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُ الْمُحَدِّثُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ فِي الْمُذَاكَرَاتِ وَالْمُنَاظَرَاتِ، وَأَحَادِيثُ الْمُذَاكَرَةِ قَلَّمَا يَحْتَجُّونَ بِهَا.

قُلْتُ: وَمَا ادَّعَاهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ مِنْهُ وَأَعْرَفُ بِالْبُخَارِيِّ، وَهُوَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، فَقَدْ رَوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: "قَالَ لِي فُلَانٌ" فَهُوَ عَرْضٌ وَمُنَاوَلَةٌ.

قُلْتُ: وَلَمْ أَجِدْ لَفْظَ التَّعْلِيقِ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا سَقَطَ فِيهِ بَعْضُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ، وَلَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: "يُرْوَى عَنْ فُلَانٍ، وَيُذْكَرُ عَنْ فُلَانٍ" وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ جَزْمٌ عَلَى مَا ذَكَرَ ذَلِكَ عنه بِأَنَّهُ قَالَهُ وَذَكَرَهُ.

وَكَأَنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْجِدَارِ، وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ، لِمَا يَشْتَرِكُ الْجَمِيعُ فِيهِ مِنْ قَطْعِ الِاتِّصَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

(الْخَامِسُ: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ مُرْسَلًا وَبَعْضُهُمْ مُتَّصِلًا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِقَبِيلِ الْمَوْصُولِ أَوْ بِقَبِيلِ الْمُرْسَلِ، مِثَالُهُ: حَدِيثُ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ، رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ فِي آخَرِينَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُسْنَدًا هَكَذَا مُتَّصِلًا، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مُرْسَلًا هَكَذَا، فَحَكَى الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ الْحُكْمَ فِي هَذَا وَأَشْبَاهِهِ لِلْمُرْسَلِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَكْثَرِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَحْفَظِ، فَإِذَا كَانَ مَنْ أَرْسَلَهُ أَحْفَظَ مِمَّنْ وَصَلَهُ فَالْحُكْمُ لِمَنْ أَرْسَلَهُ، ثُمَّ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَةِ مَنْ وَصَلَهُ وَأَهْلِيَّتِهِ).

(الشرح)

يعني هذه المرتبة إذا جاء الحديث روي مرسلًا وروي موصولًا، يعني منقطع، هل يحكم على الحديث بأنه موصول، أو بأنه منقطع، اختلف العلماء في هذا، فبعضهم قال: يحكم للأكثر، إن كان الأكثر وصلوه فهو موصول، وإن كان الأكثر أرسلوه فهو مرسل ومنقطع، وذهب بعض المحدثين إلى أن الحكم للأحفظ، إذا كان الأحفظ، إذا كان الأئمة وصلوه فهو موصول، وإذا كانوا أرسلوه فهو مرسل، وقال آخرون: الحكم للوصل، يحكم بأنه موصول إذا كان الذي وصله ثقة، لأنه معه زيادة علم خفيت على غيره، فمن وصل أو من رفع مقدم على من قطع أو وقف، إذا جاء الحديث مرسلًا وموصولًا، والذي وصله ثقة يؤخذ بقول الثقة، يؤخذ بقول الواصل، وكذلك إذا جاء الحديث موقوف على الصحابي أو مرفوع إلى النبي ﷺ والذي رفعه ثقة، يؤخذ بقول من رفعه، ولهذا ذهب كثير من المتأخرين، ولهذا يقول العراقي في ألفيته: (واحكم لوقف ثقة في الأظهر) عند المتأخرين يأخذون بقول الثقة، إذا وصله وهو ثقة يؤخذ به، ولو كان الذي قطعه أو مثلًا أرسله إمام، لكن قد يخفى عليه، فيكون هذا الذي وصله معه زيادة في العلم خفيت على غيره فيقبل، إذا كان ثقة، وهذا كلام المتأخرين، ومنهم من حكم بقول الأكثر، إذا كان الأكثر أرسله فهو مرسل، ومنهم من حكم بقول الأحفظ، نعم.

طالب: (7:13)

الشيخ:

نعم، إسناده له طريقان، طريق منقطع، وطريق غير منقطع فأيهما يقبل؟ فيها خلاف، نعم، المتأخرون اعتمدوا هذا، قاله ابن حزم وغيره أنه يحكم بقول الثقة، والنسائي وجماعة يحكم بقول الأكثر، فالمتقدمون منهم من يعمل بقول الأكثر، ومنهم من يعمل بقول الأحفظ، والمتأخرون يعملون بقول الثقة يقولون له زيادة علم خفيت على غيره، هذا هو الذي يعتمده ابن حزم حتى والمتأخرون العراقي وجماعة، ولو، ما دام ثقة، لأنه قد يخفى عليه، فهذه زيادة علم خفيت عليه، قد يكون عند الثقة ما لا يكون عند الأوثق، فاطلع على هذه الطريقة التي فيها الوصل، نعم.

(المتن)

(فَحَكَى الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَرَوْنَ الْحُكْمَ فِي هَذَا وَأَشْبَاهِهِ لِلْمُرْسَلِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَكْثَرِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَحْفَظِ، فَإِذَا كَانَ مَنْ أَرْسَلَهُ أَحْفَظَ مِمَّنْ وَصَلَهُ فَالْحُكْمُ لِمَنْ أَرْسَلَهُ، ثُمَّ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عَدَالَةِ مَنْ وَصَلَهُ وَأَهْلِيَّتِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: "مَنْ أَسْنَدَ حَدِيثًا قَدْ أَرْسَلَهُ الْحُفَّاظُ فَإِرْسَالُهُمْ لَهُ يَقْدَحُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي عَدَالَتِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ".

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: "الْحُكْمُ لِمَنْ أَسْنَدَهُ إِذَا كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا، فَيُقْبَلُ خَبَرُهُ وَإِنْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ لَهُ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً"، قَالَ الْخَطِيبُ: "هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ".

قُلْتُ: وَمَا صَحَّحَهُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ).

(الشرح)

يعني هذا نص على هذا الخطيب وكذلك المؤلف - رحمه الله - على تابع المتأخرين، على أن الواصل إذا كان ثقة عدلًا فإنه يقبل قوله، نعم.

(المتن)

(قُلْتُ: وَمَا صَحَّحَهُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَسُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ الْمَذْكُورِ، فَحَكَمَ لِمَنْ وَصَلَهُ، وَقَالَ: "الزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ"، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا، مَعَ أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ، وَهُمَا جَبَلَانِ لَهُمَا مِنَ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ الدَّرَجَةُ الْعَالِيَةُ.

وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا إِذَا كَانَ الَّذِي وَصَلَهُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَهُ، وَصَلَهُ فِي وَقْتٍ وَأَرْسَلَهُ فِي وَقْتٍ، وَهَكَذَا إِذَا رَفَعَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الصَّحَابِيِّ).

(الشرح)

نعم، لأنه قد ينشط الراوي أحيانًا ويصل الحديث، وأحيانًا لا ينشط، فيروي الحديث مرسلًا، نعم.

(المتن)

(وَهَكَذَا إِذَا رَفَعَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الصَّحَابِيِّ، أَوْ رَفَعَهُ وَاحِدٌ فِي وَقْتٍ، وَوَقَفَهُ هُوَ أَيْضًا فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَالْحُكْمُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِمَا زَادَهُ الثِّقَةُ مِنَ الْوَصْلِ وَالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ وَغَيْرُهُ سَاكِتٌ، وَلَوْ كَانَ نَافِيًا فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا الْفَصْلِ تَعَلُقٌ بِفَصْلِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، والله أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الثَّانِيَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ التَّدْلِيسِ وَحُكْمُ الْمُدَلِّسِ.

التَّدْلِيسُ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا تَدْلِيسُ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أَنَّهُ قَدْ لَقِيَهُ وَسَمِعَهُ مِنْهُ).

(الشرح)

نعم، هذا من أشد أنواع الالتباس، نعم، تدليس الإسناد وهو؟

(المتن)

(وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ عَمَّنْ لَقِيَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، مُوهِمًا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ، أَوْ عَمَّنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يَلْقَهُ مُوهِمًا أَنَّهُ قَدْ لَقِيَهُ وَسَمِعَهُ مِنْهُ).

(الشرح)

أن هذا ملتبس جدًّا، لأنه يكون لقيه وسمع منه، إلا أن هذا الحديث الذي رواه ما سمعه منه، فيرويه، قال فلان كذا، ما يأتي بصيغة التحديث، ما يقول: سمعت، ولا يقول: أخبرني، ولكن يقول الحديث يقول: قال فلان كذا، أو إن فلانًا قال، فيوهم أنه سمعه منه ولم يسمعه، ومن شدة التلبيس أن هذا الراوي يروي عنه، يروي عنه أحاديث، إلا هذا الحديث ما رواه عنه، ما سمعه منه، فاشتد الأمر، وكذلك أيضًا من عاصره، سمعا في عصر واحد على رواية الأكثرين، وعلى ما ذهب إليه الإمام مسلم أن رواية من عاصره إذا كان ثقة، فهي مقبولة محمولة على السمع، لكن إذا روى عنه موهمًا أنه سمعه وهو لم يسمعه، فرأى هذا من التدليس، نعم.

(المتن)

(ثُمَّ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَاحِدٌ وَقَدْ يَكُونُ أَكْثَرُ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يَقُولَ فِي ذَلِكَ: (أَخْبَرَنَا فُلَانٌ) وَلَا (حَدَّثَنَا) وَمَا أَشْبَهَهُمَا، وَإِنَّمَا يَقُولُ: (قَالَ فُلَانٌ أَوْ عَنْ فُلَانٍ) وَنَحْوَ ذَلِكَ).

(الشرح)

أي نعم، أو إن فلانًا قال، ما يقول، أما إذا قال: سمعت وحدثني، هذا ما يمكن يقول هذا، لأنه لو قال هذا صار كذابًا، يقول: سمعت وهو لم يسمع، وحدثني وهو لم يحدثه، هذا كذاب، ولا يقول هذا أحد، لكن ليستر يقول: قال فلان كذا، أو إن فلانًا قال كذا، نعم.

(المتن)

(مِثَالُ ذَلِكَ: "مَا رَوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: "الزُّهْرِيُّ"، فَقِيلَ لَهُ: "حَدَّثَكُمُ الزُّهْرِيُّ؟" فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: "الزُّهْرِيُّ"، فَقِيلَ لَهُ: "سَمِعْتَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟").

(الشرح)

يسأله هل سمعته من الزهري، فابن عيينة - رحمه الله - عنده نوع من التدليس، نعم.

(المتن)

(فَقِيلَ لَهُ: "سَمِعْتَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ؟"، فَقَالَ: "لَا، لَمْ أَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ".

الْقِسْمُ الثَّانِي: تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ، وَهُوَ: أَنْ يَرْوِيَ عَنْ شَيْخٍ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْهُ، فَيُسَمِّيَهُ أَوْ يُكَنِّيَه، أَوْ يَنْسُبَهُ، أَوْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ بِهِ، كَيْ لَا يُعْرَفَ).

(الشرح)

تدليس الشيوخ يروي عن شيخ لكن يسميه باسم غير مشهور وغير معروف، إما لأنه ضعيف حتى يخفى ضعفه، أو لأنه صغير السن، ولا يحب أنه يروي عمن كان أصغر منه، له أسباب، يسميه باسم غير مشهور، غير معروف، التدليس حتى يقبل، لأنه لو سمي باسم معروف ما يكون عليه غضاضة لأنه أصغر منه سنًّا، أو قد يكون فيه ضعف فلا يقبل حديثه، فيأتي باسم بعيد غير مشهور به، ويسمي شيخه الذي يروي عنه، نعم، تدليس الشيوخ؟

(المتن)

الْقِسْمُ الثَّانِي: تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ، وَهُوَ: أَنْ يَرْوِيَ عَنْ شَيْخٍ حَدِيثًا سَمِعَهُ مِنْهُ، فَيُسَمِّيَهُ أَوْ يُكَنِّيَه، أَوْ يَنْسُبَهُ، أَوْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ بِهِ، كَيْ لَا يُعْرَفَ، مِثَالُهُ: مَا رُوِيَ لَنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ الْإِمَامِ الْمُقْرِئِ: أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ الْمُقْرِئِ).

(الشرح)

قال: عبد الله بن أبي عبد الله، سكت ولم يسمِّه، هو صحيح هو عبد الله وأبو عبد الله، لكن ما ذكر اسمه الذي يعرف به، أو اللقب الذي يعرف به، أو الاسم الذي يعرف له، نعم.

(المتن)

(وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّقَّاشِ الْمُفَسِّرِ الْمُقْرِئِ، فَقَالَ: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَنَدٍ"، نَسَبَهُ إِلَى جَدٍّ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

نعم، ولم ينسبه إلى أبيه، ما قال محمد بن حسن، وإنما قال: محمد بن سند، صحيح أنه جده، والنسبة إلى الجد نسبة، كما قال النبي أَنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ، لكن كونه الآن ينسبه إلى جده هذا تدليس، نعم.

(17:03)

نعم، هذا سكن شر أنواع التدليس، تدليس التسمية يصدق ضعيفًا، فيستوي بين السند حتى يكونوا في الثقات، فإذا كان شيخه ثقة، لكن شيخ شيخه ضعيف، وشيخ شيخ شيخه ثقة وهكذا، فيأتي يسقط الضعيف، حتى يسوي بين السند فيصبحوا كلهم ثقات، ويروي عن الأول بالعنعنة ولا يقول بسند فلان، فإذا قال روى النسائي الإسناد قلت كلهم ثقات لأنه أسقط الضعيف، حتى يقبل يعني هذا الحديث، لأنه لو بقي الضعيف قد يرد الحديث ولا يقبل، فهو أسقط الضعيف الذي هو شيخ شيخه، أو ما فوقه حتى يسوي بين الإسناد، فتقول كلهم ثقات، نعم.

طالب:

قد يكون المحشي ذكر نوعًا آخر، وهو تدليس العطف، يقول: وهو أن يصرح بالتحديث عن شيخ له، سمع منه ويعطف عليه شيخًا آخر لم يسمع منه ذلك المروي، فيقول: حدثنا فلان وفلان، والحال أنه لم يسمع من فلان الآخر هذا، لكن أضمر في الكلام محذوفًا تقديره وفلان غير مسموع لي.

الشيخ:

من يعلم بعد ما في نفسه، الحاشية لمن هذه؟

طالب:

نور الدين عيسوي.

(19:24)

الشيخ:

هو المرسل الخفي، عن معاصر لم يلقه، بعضهم ألحقه بالتدليس، وهذا الذي ذكره الحافظ في النخبة قال: وهو المرسل الخفي، وهو أن يروي عمن عاصره، لأنه معاصر له، لكن روى عنه وهو لم يسمع منه، فهذا المرسل الخفي، وهو نوع من التدليس، نعم.

(المتن)

(أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَمَكْرُوهٌ جِدًّا، ذَمَّهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ).

(الشرح)

تدليس الإسناد، نعم.

(المتن)

(فَمَكْرُوهٌ جِدًّا، ذَمَّهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ شُعْبَةُ مِنْ أَشَدِّهِمْ ذَمًّا لَهُ. فَرَوِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ: "التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ"، فَرَوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "لَأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ "، وَهَذَا مِنْ شُعْبَةَ إِفْرَاطٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَالتَّنْفِيرِ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ عُرِفَ بِهَذَا التَّدْلِيسِ، فَجَعَلَهُ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ مَجْرُوحًا بِذَلِكَ، وَقَالُوا: لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بِحَالٍ بَيَّنَ السَّمَاعَ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ.

وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالِاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ، وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلِاتِّصَالِ نَحْوَ (سَمِعْتُ، وَحَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا) وَأَشْبَاهِهَما فَهُوَ مَقْبُولٌ مُحْتَجٌّ بِهِ).

(الشرح)

هذا إذا كان ثقة، المهم أن المدلس ثقة، فإذا قال: سمعت وحدثنا، هذا مقبول، وإذا قال: عن أو كذا فلا يقبل، في المنقطع، حتى يأتي له طريق أخرى أو يصرح من طريق أخرى بالسماع، هذا إذا كان ثقة، يعني المفروض أن المدلس يكون ثقة، فإذا كان ثقة وصرح بالسماع وهو معروف عنه التدليس إذا كان صرح بالسماع قبل، وإن لم يصرح، فهو منقطع، نعم.

(المتن)

(وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرٌ جَدًا: كَقَتَادَةَ، وَالْأَعْمَشِ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَهِشَامِ بْنِ بَشِيرٍ، وَغَيْرِهِمْ).

(الشرح)

سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، لكن صاحبا الصحيحين اعتنيا برواية المدلسين، فلم يرويا إلا عمن ثبت سماعهم، أو يأتي له بطريقة أخرى صرح فيها بالسماع، لهذا تجد البخاري أحيانًا يأتي بطريق أخرى عن قتادة يصرح فيها بالسماع، إذا كان الطريق الأول فيه عنعنة، يأتي بطريق أخرى بعدها فيها تصريح.

المقصود أن صاحبا الصحيحين اعتنيا برواية المدلسين، فهي محمولة على السماع، ما جاء في الصحيحين محمولة على السماع بخلاف غيرهم، وهناك منه قليل مثل قتادة والأعمش، الأصل فيها السماع، يعني العلماء يتسامحون فيها، لأن التدليس قليل، فالأصل السلامة إلا إذا خالف، نعم.

(المتن)

(وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرٌ جَدًا: كَقَتَادَةَ، وَالْأَعْمَشِ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَهِشَامِ بْنِ بَشِيرٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّدْلِيسَ لَيْسَ كَذِبًا، وَإِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِيهَامِ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنَ الْمُدَلِّسِ حَتَّى يُبَيِّنَ قَدْ أَجْرَاهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ عَرَفْنَاهُ دَلَّسَ مَرَّةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَأَمْرُهُ أَخَفُّ، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، وَتَوْعِيرٌ لِطَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَنْ يَطْلُبُ الْوُقُوفَ عَلَى حَالِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ).

(الشرح)

تدليس الشيوخ يعني، نعم، وأما الثاني؟

المتن:

(وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَأَمْرُهُ أَخَفُّ، وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، وَتَوْعِيرٌ لِطَرِيقِ مَعْرِفَتِهِ عَلَى مَنْ يَطْلُبُ الْوُقُوفَ عَلَى حَالِهِ وَأَهْلِيَّتِهِ).

(الشرح)

يعني يتعب غيره، يسميه باسم غير معروف، أو كنية غير معروفة، وعر الطريف على من يريد أن يعرف حاله، نعم.

(المتن)

(وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْغَرَضِ الْحَامِلِ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ شَيْخِهِ الَّذِي غَيَّرَ سَمْتَهُ غَيْرَ ثِقَةٍ، أَوْ كَوْنُهُ مُتَأَخِّرَ الْوَفَاةِ قَدْ شَارَكَهُ فِي السَّمَاعِ مِنْهُ جَمَاعَةٌ دُونَهُ، أَوْ كَوْنُهُ أَصْغَرَ سِنًّا مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ، أَوْ كَوْنُهُ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فَلَا يُحِبُّ الْإِكْثَارَ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَسَمَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ الْمُصَنِّفِينَ، مِنْهُمُ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَدْ كَانَ لَهِجًا بِهِ فِي تَصَانِيفِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

(النَّوْعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ الشَّاذِّ، رَوَينَا عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: قَالَ لي الشَّافِعِيُّ : "لَيْسَ الشَّاذُّ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ مَا لَا يَرْوِي غَيْرُهُ، إِنَّمَا الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا رَوَى النَّاسُ).

(الشرح)

نعم، إذا روى الثقة شيئًا ما رواه غيره هذا إذا كان ثقة مقبول، حديث مستقل، لكن الشاذ أن يخالف وإن كان ثقة من هو أوثق منه، إذا خالف من هو أوثق منه صار شاذًّا، نعم.

(المتن)

(وَحَكَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلِيُّ الْقَزْوِينِيُّ نَحْوَ هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ).

(الشرح)

نعم، بعضهم أيضًا قال إن التفرد كونه تفرد برواية ولم يروها غيره بعضهم سماها شاذًّا، بعض المتقدمين يشدد في التفرد، وإذا تفرد ولو كان ما خالف غيره، وكونه يتفرد بهذه الرواية أو هذا الحديث ولا يرويه غيره هذا نوع من الشذوذ، نعم.

(المتن)

(ثُمَّ قَالَ: "الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاذَّ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ، يَشِذُّ بِذَلِكَ شَيْخٌ ثِقَةً كَانَ أَوْ غَيْرَ ثِقَةٍ، فَمَا كَانَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَمَتْرُوكٌ لَا يُقْبَلُ، وَمَا كَانَ عَنْ ثِقَةٍ يُتَوَقَّفُ فِيهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ).

(الشرح)

ثم قال الضمير يعود على إيش؟ ثم قال إيش؟

طالب: أبو يعلى الخليلي القزويني.

(المتن)

(ثُمَّ قَالَ: "الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّاذَّ مَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ، يَشِذُّ بِذَلِكَ شَيْخٌ ثِقَةً كَانَ أَوْ غَيْرَ ثِقَةٍ، فَمَا كَانَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَمَتْرُوكٌ لَا يُقْبَلُ، وَمَا كَانَ عَنْ ثِقَةٍ يُتَوَقَّفُ فِيهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ).

(الشرح)

هذا اصطلاح، وأن يتفرد يروي حديثًا لا يرويه إلا هو، لكن إن كان ضعيف فهو متروك، وإن كان ثقة يكون شاذًّا، نعم.

(المتن)

(وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَنَّ الشَّاذَّ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَتَفَرَّدُ بِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ بِمُتَابِعٍ لِذَلِكَ الثِّقَةِ، وَذَكَرُ أَنَّهُ يُغَايِرُ الْمُعَلَّلَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُعَلَّلَ وُقِفَ عَلَى عِلَّتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى جِهَةِ الْوَهْمِ فِيهِ، وَالشَّاذَّ لَمْ يُوقَفْ فِيهِ عَلَى عِلَّتِهِ كَذَلِكَ).

(الشرح)

على هذا يصير الشاذ ما تفرد به، لكن إذا وقف على العلة سمي معللا، وإذا لم يوقف على العلة سمي شاذا، نعم.

(المتن)

(قُلْتُ: أَمَّا مَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ بِالشُّذُوذِ فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّهُ شَاذٌّ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمَّا مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ غَيْرِهِ فَيُشْكِلُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْعَدْلُ الْحَافِظُ الضَّابِطُ، كَحَدِيثِ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ فَرْدٌ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عُمَرَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، ثُمَّ عَنْ عَلْقَمَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ).

(الشرح)

يقولون إن التفرد هذا في أول الإسناد، وفرق بين التفرد في الأوائل، يعني في رجال الإسناد الأول، لا، لا يضر، بخلاف التفرد في آخر الإسناد، في المتأخرين، نعم.

(المتن)

(وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ"، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَحَدِيثُ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ"، تَفَرَّدَ بِهِ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

فَكُلُّ هَذِهِ مُخَرَّجَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا إِسْنَادٌ وَاحِدٌ تَفَرَّدَ بِهِ ثِقَةٌ، وَفِي غَرَائِبِ الصَّحِيحِ أَشْبَاهٌ لِذَلِكَ غَيْرُ قَلِيلَةٍ، وَقَدْ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: "لِلزُّهْرِيِّ نَحْوَ تِسْعِينَ حَرْفًا يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ، بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

يعني يقول مسلم أن الزهري له من الأحاديث تسعين حديث يقول الإمام مسلم أن الزهري له تسعين حديث انفرد بها، لكن أسانيدها جياد، نعم.

(المتن)

(فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرُهُ مِنْ مَذَاهِبِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي أَتَى بِهِ الْخَلِيلِيُّ وَالْحَاكِمُ، بَلِ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ نُبَيِّنُهُ فَنَقُولُ: إِذَا انْفَرَدَ الرَّاوِي بِشَيْءٍ نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ لِذَلِكَ، وَأَضْبَطُ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا رَوَاهُ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ رَوَاهُ هُوَ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، فَيُنْظَرُ فِي هَذَا الرَّاوِي الْمُنْفَرِدِ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا حَافِظًا مَوْثُوقًا بِإِتْقَانِهِ وَضَبْطِهِ قُبِلَ مَا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَمْ يَقْدَحِ الِانْفِرَادُ فِيهِ، كَمَا فِيمَا سَبَقَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ لِذَلِكَ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ كَانَ انْفِرَادُهُ بِهِ خَارِمًا لَهُ، مُزَحْزِحًا لَهُ عَنْ حَيِّزِ الصَّحِيحِ، ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ دَائِرٌ بَيْنَ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةٍ بِحَسَبِ الْحَالِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِهِ غَيْرَ بَعِيدٍ...).

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد