شعار الموقع

شرح كتاب مقدمة ابن الصلاح (6) من معرفة الأفراد إلى معرفة الموضوع

00:00
00:00
تحميل
97

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى

(المتن)

(النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ الْأَفْرَادِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمُهِمِّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ فِي الْأَنْوَاعِ الَّتِي تَلِيهِ قَبْلَهُ، لَكِنْ أَفْرَدْتُهُ بِتَرْجَمَةٍ كَمَا أَفْرَدَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَلِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَنَقُولُ: الْأَفْرَادُ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَا هُوَ فَرْدٌ مُطْلَقًا، وَإِلَى مَا هُوَ فَرْدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ وَاحِدٌ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَقَدْ سَبَقَتْ أَقْسَامُهُ وَأَحْكَامُهُ قَرِيبًا.

وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ مَا هُوَ فَرْدٌ بِالنِّسْبَةِ، فَمِثْلُ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ ثِقَةٌ عَنْ كُلِّ ثِقَةٍ، وَحُكْمُهُ قَرِيبٌ مِنْ حُكْمِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَمِثْلُ مَا يُقَالُ فِيهِ: " هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، أَوْ: تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الشَّامِ، أَوْ: أَهْلُ الْكُوفَةِ، أَوْ: أَهْلُ خُرَاسَانَ، عَنْ غَيْرِهِمْ، أَوْ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ فُلَانٍ غَيْرُ فُلَانٍ، وَإِنْ كَانَ مَرْوِيًّا مِنْ وُجُوهٍ عَنْ غَيْرِ فُلَانٍ، أَوْ: تَفَرَّدَ بِهِ الْبَصْرِيُّونَ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ، أَوْ: الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنِ الْمَكِّيِّينَ").

(الشرح)

(1:24)

تفرد أهل مكة، تفرد الخراسانيون، تفرد به هذا الشخص عن فلان من هذا الوجه، لكن روي من وجوه أخرى غير هذا الوجه، نعم، أما التفرد المطلق فهو التفرد من جميع الوجوه، نعم.

(المتن)

(وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَسْنَا نُطَوِّلُ بِأَمْثِلَةِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَفْهُومٌ دُونَهَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا مَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ، إِلَّا أَنْ يُطْلِقَ قَائِلٌ قَوْلَهُ: تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ، أَوْ تَفَرَّدَ بِهِ الْبَصْرِيُّونَ عَنِ الْمَدَنِيِّينَ"، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ وَنَحْوَهُ، وَيُضِيفُهُ إِلَيْهِمْ كَمَا يُضَافُ فِعْلُ الْوَاحِدِ مِنَ الْقَبِيلَةِ إِلَيْهَا مَجَازًا.

وَقَدْ فَعَلَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

يعني التفرد يعني قال هذا تفرد أهل المدينة، تفرد أهل الشام، تفرد الخراسانيون، ما يقتضي تضعيفًا ولا تصحيحًا، إلا إذا أريد التفرد أنه واحد تفرد، أنه ما رواه من أهل مكة إلا واحد، وقيل تفرد به أهل مكة من باب المجاز، والمقصود أنه ما رواه إلا واحد، فهذا حكمه حكم ما سبق، أنه إذا كان ثقة وتفرد، خالف الثقات فهذا شاذ، وإن كان ضعيفًا فهو منكر نعم.

(المتن)

النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ: مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ الْمُعَلَّلِ، وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ (الْمَعْلُولَ)، وَذَلِكَ مِنْهُمْ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْقِيَاسِ: "الْعِلَّةُ وَالْمَعْلُولُ" مَرْذُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ.

اعْلَمْ أَنَّ مَعْرِفَةَ عِلَلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَجَلِّ عُلُومِ الْحَدِيثِ وَأَدَقِّهَا وَأَشْرَفِهَا، وَإِنَّمَا يَضْطَلِعُ بِذَلِكَ أَهْلُ الْحِفْظِ وَالْخِبْرَةِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ غَامِضَةٍ قَادِحَةٍ فِيهِ.

فَالْحَدِيثُ الْمُعَلَّلُ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي اطُّلِعَ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ السَّلَامَةُ مِنْهَا، وَيَتَطَرَّقُ ذَلِكَ إِلَى الْإِسْنَادِ الَّذِي رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، الْجَامِعِ شُرُوطَ الصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَيُسْتَعَانُ عَلَى إِدْرَاكِهَا بِتَفَرُّدِ الرَّاوِي وَبِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، مَعَ قَرَائِنَ تَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ تُنَبِّهُ الْعَارِفَ بِهَذَا الشَّأْنِ عَلَى إِرْسَالٍ فِي الْمَوْصُولِ، أَوْ وَقْفٍ فِي الْمَرْفُوعِ، أَوْ دُخُولِ حَدِيثٍ فِي حَدِيثٍ).

(الشرح)

العلة القادحة، العلة هي أمر خفي يقدح في صحة الحديث، ولا يظهر من الحديث، ولا يعلم هذه العلة لا تعلم إلا بجمع الطرق والأسانيد، وجمع الألفاظ، ويطلع العلماء وأهل الخبرة لما يجمعوا الطرق يجدون هذه العلة، قد يكون الحديث رواته عدول وثقات، ومعاصرون، ما فيه إشكال، ثم بعد ذلك يطلع المحدث على علة، وهو أن بعض الرواة وإن كان معاصرًا لكنه لم يسمع هذا الحديث، تكون علة خفية، كذلك جمع ألفاظ المتون، جمعها وضم بعضها إلى بعض.

المقصود أن هذه العلة أمر قادح خفي لا يطلع عليه إلا أهل الاختصاص بالحديث حينما يجمعون الطرق ويميزون بينها وينقدونها تظهر لهم هذه العلة، نعم.

(المتن)

(وَيُسْتَعَانُ عَلَى إِدْرَاكِهَا بِتَفَرُّدِ الرَّاوِي وَبِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ، مَعَ قَرَائِنَ تَنْضَمُّ إِلَى ذَلِكَ تُنَبِّهُ الْعَارِفَ بِهَذَا الشَّأْنِ عَلَى إِرْسَالٍ فِي الْمَوْصُولِ، أَوْ وَقْفٍ فِي الْمَرْفُوعِ، أَوْ دُخُولِ حَدِيثٍ فِي حَدِيثٍ، أَوْ وَهْمِ وَاهِمٍ بِغَيْرِ ذَلِكَ، بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ، فَيَحْكُمُ بِهِ، أَوْ يَتَرَدَّدُ فَيَتَوَقَّفُ فِيهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَانِعٌ مِنَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ مَا وُجِدَ ذَلِكَ فِيهِ.

وَكَثِيرًا مَا يُعَلِّلُونَ الْمَوْصُولَ بِالْمُرْسَلِ مِثْلَ: أَنْ يَجِيءَ الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ، وَيَجِيءَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِ الْمَوْصُولِ، وَلِهَذَا اشْتَمَلَتْ كُتُبُ عِلَلِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمْعِ طُرُقِهِ.

قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ: "السَّبِيلُ إِلَى مَعْرِفَةِ عِلَّةِ الْحَدِيثِ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ طُرُقِهِ، وَيُنْظَرَ فِي اخْتِلَافِ رُوَاتِهِ، وَيُعْتَبَرَ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الْحِفْظِ وَمَنْزِلَتِهِمْ فِي الْإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ".

وَرَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ: "الْبَابُ إِذَا لَمْ تُجْمَعْ طُرُقُهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَطَؤُهُ".

ثُمَّ قَدْ تَقَعُ الْعِلَّةُ فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ تَقَعُ فِي مَتْنِهِ، ثُمَّ مَا يَقَعُ فِي الْإِسْنَادِ قَدْ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ جَمِيعًا، كَمَا فِي التَّعْلِيلِ بِالْإِرْسَالِ وَالْوَقْفِ، وَقَدْ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ قَدْحٍ فِي صِحَّةِ الْمَتْنِ.

فَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا وَقَعَتِ الْعِلَّةُ فِي إِسْنَادِهِ مِنْ غَيْرِ قَدَحٍ فِي الْمَتْنِ: مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ... الْحَدِيثَ، فَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ، وَهُوَ مُعَلَّلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْمَتْنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ صَحِيحٌ، وَالْعِلَّةُ فِي قَوْلِهِ: "عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ"، إِنَّمَا هُوَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، هَكَذَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنْهُ، فَوَهِمَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، وَعَدَلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ).

(الشرح)

نعم، المتن صحيح، ما يؤثر، سواء عبد الله أو عمرو، نعم، لكن هذا في السند، نعم.

(المتن)

(وَمِثَالُ الْعِلَّةِ فِي الْمَتْنِ: مَا انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنَ اللَّفْظِ الْمُصَرِّحِ بِنَفْيِ قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَعَلَّلَ قَوْمٌ رِوَايَةَ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لَمَّا رَأَوُا الْأَكْثَرِينَ إِنَّمَا قَالُوا فِيهِ: "فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ، وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى إِخْرَاجِهِ فِي الصَّحِيحِ، وَرَأَوْا أَنَّ مَنْ رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ لَهُم، فَفَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِالْحَمْدِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُبَسْمِلُونَ، فَرَوَاهُ عَلَى مَا فَهِمَ وَأَخْطَأَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ السُّورَةَ الَّتِي كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِهَا مِنَ السُّورِة هِيَ الْفَاتِحَةُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذِكْرِ التَّسْمِيَةِ.

وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أُمُورٌ، مِنْهَا: أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الِافْتِتَاحِ بِالتَّسْمِيَةِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَحْفَظُ فِيهِ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ اعْلَمْ: أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْعِلَّةِ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ بَاقِي الْأَسْبَابِ الْقَادِحَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُخْرِجَةِ لَهُ مِنْ حَالِ الصِّحَّةِ إِلَى حَالِ الضَّعْفِ، الْمَانِعَةِ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ فِي كُتُبِ عِلَلِ الْحَدِيثِ الْكَثِيرَة مِنَ الْجَرْحِ بِالْكَذِبِ، وَالْغَفْلَةِ، وَسُوءِ الْحِفْظِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَرْحِ، وَسَمَّى التِّرْمِذِيُّ النَّسْخَ عِلَّةً مِنْ عِلَلِ الْحَدِيثِ.

ثُمَّ إِنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَ اسْمَ الْعِلَّةِ عَلَى مَا لَيْسَ بِقَادِحٍ مِنْ وُجُوهِ الْخِلَافِ، نَحْوَ إِرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَسْنَدَهُ الثِّقَةُ الضَّابِطُ حَتَّى قَالَ: مِنْ أَقْسَامِ الصَّحِيحِ مَا هُوَ صَحِيحٌ مَعْلُولٌ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنَ الصَّحِيحِ مَا هُوَ صَحِيحٌ شَاذٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

نعم، هذا اصطلاح لهم، نعم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

(النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ مَعْرِفَةُ الْمُضْطَرِبِ مِنَ الْحَدِيثِ، الْمُضْطَرِبُ مِنَ الْحَدِيثِ: هُوَ الَّذِي تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ فَيَرْوِيهِ بَعْضُهُمْ عَلَى وَجْهٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ، وَإِنَّمَا نُسَمِّيهِ مُضْطَرِبًا إِذَا تَسَاوَتِ الرِّوَايَتَانِ، أَمَّا إِذَا تَرَجَّحَتْ إِحْدَاهُمَا بِحَيْثُ لَا تُقَاوِمُهَا الْأُخْرَى بِأَنْ يَكُونَ رَاوِيهَا أَحْفَظَ، أَوْ أَكْثَرَ صُحْبَةً لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ الْمُعْتَمَدَةِ، فَالْحُكْمُ لِلرَّاجِحَةِ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَصْفُ الْمُضْطَرِبِ وَلَا لَهُ حُكْمُهُ).

(الشرح)

أي نعم، إن المضطرب الذي يصح الاختلاف، اختلاف في الأسانيد، كذلك اختلاف الرواة، إذا لم يكن هناك ترجيح، أما إذا كان هناك ترجيح لكون أحد الروايات أرجح، لكونه أحفظ، أو لكونه أكثر صحبة لمن روى عنه، يقدم، فالعمدة عليه، وتُطَّرَح المخالفة، نعم، وقد يكون هذا الاضطراب في المتن أيضًا، هذا الاضطراب في السند، والاضطراب أيضًا في المتن كذلك، اختلاف في ألفاظ مختلفة، نعم.

(المتن)

(ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ يَقَعُ فِي الْإِسْنَادِ، وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ رَاوٍ وَاحِدٍ: وَقَدْ يَقَعُ بَيْنَ رُوَاةٍ لَهُ جَمَاعَةٍ.

وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ ضَعْفَ الْحَدِيثِ؛ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُضْبَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: مَا رَوَينَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْمُصَلِّي: إِذَا لَمْ يَجِدْ عَصًا يَنْصِبُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَخُطَّ خَطًّاً.

فَرَوَاهُ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ هَكَذَا، وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْهُ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حُرَيْثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَاهُ وُهَيْبٌ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ جَدِّهِ حُرَيْثٍ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ حُرَيْثِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِيهِ مِنَ الِاضْطِرَابِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

ولهذا اختلف العلماء في مشروعية خط الخط للمصلي إذا لم يجد شيئًا ينصبه، السنة أن يصلي المصلي إلى سترة، والسترة شيء قائم، عصا ينصبها، أو جدار يصلي إليه، أو سارية، أو صندوق، هذا السنة، فإذا لم يجد، وتعذر ماذا يعمل؟ هذا الحديث فيه أن يخط خطًّا هلاليًّا، هذا الحديث مضطرب، من العلماء من صحح الحديث، ومنهم من ضعفه لاضطرابه، ذهب الحنابلة إلى العمل به، فيما رووا أنه يخط خطًّا هلاليًّا إذا لم يجد شيئًا يصلي إليه، نعم.

(المتن)

(النَّوْعُ الْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُدْرَجِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَقْسَامٌ: مِنْهَا: مَا أُدْرِجَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ رُوَاتِهِ، بِأَنْ يَذْكُرَ الصَّحَابِيُّ أَوْ مَنْ بَعْدَهُ عَقِيبَ مَا يَرْوِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ كَلَامًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، فَيَرْوِيَهُ مَنْ بَعْدَهُ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ غَيْرَ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ قَائِلِهِ، فَيَلْتَبِسَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ الْحَالِ، وَيَتَوَهَّمَ أَنَّ الْجَمِيعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ).

(الشرح)

نعم، من حديث أبي هريرة: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ وَتَحجِيلَهُ فَلْيَفْعَلْ، هذا مثال للمدرج، نعم.

(المتن)

(وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الْمَشْهُورَةِ: مَا رَوَينَاهُ فِي التَّشَهُّدِ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: قُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ، وَفِي آخِرِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدَ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ، هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو خَيْثَمَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ، فَأَدْرَجَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: فَإِذَا قُلْتَ هَذَا إِلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ أَنَّ الثِّقَةَ الزَّاهِدَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ رَوَاهُ عَنْ رَاوِيه الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ كَذَلِكَ، وَاتَّفَقَ حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ وَابْنُ عَجْلَانَ وَغَيْرُهُمَا فِي رِوَايَتِهِمْ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ).

(الشرح)

وهو قوله (فإذا قضيت صلاتك) نعم، فدل على أنه مدرج من كلام ابن مسعود ، نعم.

(المتن)

(وَاتَّفَقَ حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ وَابْنُ عَجْلَانَ وَغَيْرُهُمَا فِي رِوَايَتِهِمْ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَلَى تَرْكِ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ، مَعَ اتِّفَاقِ كُلِّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَعَنْ غَيْرِهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَاهُ شَبَابَةُ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ فَفَصَلَهُ أَيْضًا.

وَمِنْ أَقْسَامِ الْمُدْرَجِ: أَنْ يَكُونَ مَتْنُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الرَّاوِي لَهُ بِإِسْنَادٍ إِلَّا طَرَفًا مِنْهُ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ بِإِسْنَادٍ ثَانٍ، فَيُدْرِجُهُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَيَحْذِفُ الْإِسْنَادَ الثَّانِيَ، وَيَرْوِي جَمِيعَهُ بِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ).

(الشرح)

نعم، يختصر بدل ما يقول إسنادين إسناد واحد، يأتي متنين بإسنادين، يحذف أحد الإسنادين، ويجعل المتنين بإسناد واحد، نعم.

(المتن)

(مِثَالُهُ: "حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَزَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَفِي آخِرِهِ: أَنَّهُ جَاءَ فِي الشِّتَاءِ، فَرَآهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ"، وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ صِفَةَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَفَصَلَ ذِكْرَ رَفْعِ الْأَيْدِي عَنْهُ، فَرَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ).

(الشرح)

يعني زاد فأخرج يديه من تحت، نعم.

(المتن)

(وَمِنْهَا: أَنْ يُدْرِجَ فِي مَتْنِ حَدِيثٍ بَعْضَ مَتْنِ حَدِيثٍ آخَرَ، مُخَالِفٍ لِلْأَوَّلِ فِي الْإِسْنَادِ، مِثَالُهُ: "رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بن مالك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَنَافَسُوا... ، الْحَدِيثَ، فَقَوْلُهُ: "لَا تَنَافَسُوا" أَدْرَجَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ مِنْ مَتْنِ حَدِيثٍ آخَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  فِيهِ: لَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا أَنْ يَرْوِيَ الرَّاوِي حَدِيثًا عَنْ جَمَاعَةٍ، بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ فِي إِسْنَادِهِ، فَلَا يَذْكُرُ الِاخْتِلَافَ، بَلْ يُدْرِجُ رِوَايَتَهُمْ عَلَى الِاتِّفَاقِ.

مِثَالُهُ: "رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ وَوَاصِلٍ الْأَحْدَبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْتُ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ..." الْحَدِيثَ، وَوَاصِلٌ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُ شَيْءٍ مِنَ الْإِدْرَاجِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا النَّوْعُ قَدْ صَنَّفَ فِيهِ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ كِتَابَهُ الْمَوْسُومَ "بِالْفَصْلِ لِلْوَصْلِ الْمُدْرَجِ فِي النَّقْلِ" فَشَفَى وَكَفَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

الخطيب البغدادي - رحمه الله - قل أن يوجد نوع من أنواع الحديث إلا وصنف فيه، رحمه الله، وصنف هذا، نعم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

(النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ الْمَوْضُوعِ، وَهُوَ الْمُخْتَلَقُ الْمَصْنُوعُ.

اعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْضُوعَ شَرُّ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ، وَلَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ لِأَحَدٍ عَلِمَ حَالَهُ فِي أَيِّ مَعْنًى كَانَ إِلَّا مَقْرُونًا بِبَيَانِ وَضْعِهِ).

(الشرح)

نعم، لا يجوز للإنسان أن يرويه، لأن هذا شر، شر الأحاديث الحديث الموضوع، لأن هذا مكذوب، الموضوع مكذوب على رسول الله ﷺ، وراويه يسمى وضاع، ويسمى دجال، ويسمى كذاب، ولا يحل لأحد أن يروي الحديث المكذوب إلا مع بيان حاله، أما أن يرويه ويسكت هذا حرام عليه، وإذا سكت يكون شارك هذا الدجال في الكذب، ولكن يرويه ويبين حاله أنه مكذوب على رسول الله ﷺ، نعم.

(المتن)

(بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي يُحْتَمَلُ صِدْقُهَا فِي الْبَاطِنِ، حَيْثُ جَازَ رِوَايَتُهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).

(الشرح)

نعم، أما الأحاديث الضعيفة فتروى بشروطها عند بعض أهل العلم، بشرط أن يكون له أصل، وأن يكون يعني مندرج تحت أصل، وألا يشتد الضعف، فيكون الضعف شديد، وفيه متهم بالكذب، وألا يعتقد ثبوته، وألا يكون فيه شيء من الأحكام، وإنما هو في الفضائل، هذه شروطه، شروط رواية الحديث عند من أجازه، يكون في فضائل الأعمال لا في الأحكام، ولا يشتد الضعف، فإن كان فيه متهم بالكذب فلا، فلا يروى، ويكون مندرجا تحت أصل، ولا يعتقد أيضًا صحته، نعم.

(22:35)

نعم، يبين حاله، إذا كان يعلم يبين حاله، نعم.

(المتن)

(وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا بِإِقْرَارِ وَاضِعِهِ، أَوْ مَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إِقْرَارِه).

(الشرح)

يعني كيف يعرف الحديث الموضوع؟ يعرف بأمور متعددة، منها كون الواضع يقر به، الذي وضعه يقر به، مثلما روي عن بعض الكذابين أنه روى حديث في فضائل السور، وضع أحاديث في كل سورة، من قرأ سورة البقرة فله كذا وكذا من الثواب والأجر، ومن قرأ سورة آل عمران فله كذا، ومن قرأ.. معروف بأنه شخص اسمه أبو مريم، أبو مريم، نعم، فلما قيل له في هذا: هذه الأحاديث ترويها؟ قال: هذه وضعناها لنرقق بها قلوب العامة، ومنها أنه قال: رأينا الناس انصرفوا إلى فقه أبي حنيفة ومغازي ابن إسحق، فأردنا أن أصرفهم إلى القرآن، الناس انصرفوا إلى السير، وإلى الفقه، فأردت أن أصرفهم إلى القرآن، هذا أقر بأنه وضع، نعم، كذاب، نسأل الله العافية، نعم.

قبل هذا: قد يعرف الوضع بإقرار الواضع أو؟

(المتن)

(وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا بِإِقْرَارِ وَاضِعِهِ، أَوْ مَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إِقْرَارِه).

(الشرح)

يعني قرينة الحال تتنزل منزلة الإقرار، نعم.

(المتن)

(وَقَدْ يَفْهَمُونَ الْوَضْعَ مِنْ قَرِينَةِ حَالِ الرَّاوِي أَوِ الْمَرْوِيِّ، فَقَدْ وُضِعَتْ أَحَادِيثُ طَوِيلَةٌ يَشْهَدُ بِوَضْعِهَا رَكَاكَةُ أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا).

(الشرح)

نعم، بعضهم وضع حديثًا طويل في العقل، وذكر أوصاف للعقل أنه كذا وكذا، يكون الحديث ثلاث صفحات أربع صفحات، هذا وفيه ألفاظ ركيكة، وأسلوبه ليس بواضح يدل على أنه ليس من كلام النبي ﷺ، يعرفه العلماء ويعلموا أنه ليس من كلام النبي ﷺ، أسلوبه لا يناسب، وطوله أيضًا، ومعناه، مخالفة معناه، وقد يعرف أيضًا الوضع بمخالفة معناه لأصول، مناقضته لأصول الشريعة وقواعدها، نعم.

(المتن)

(وَإِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُ الْحَدِيثِ مَوْضُوعًا بِإِقْرَارِ وَاضِعِهِ، أَوْ مَا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إِقْرَارِه، وَقَدْ يَفْهَمُونَ الْوَضْعَ مِنْ قَرِينَةِ حَالِ الرَّاوِي أَوِ الْمَرْوِيِّ، فَقَدْ وُضِعَتْ أَحَادِيثُ طَوِيلَةٌ يَشْهَدُ بِوَضْعِهَا رَكَاكَةُ أَلْفَاظِهَا وَمَعَانِيهَا.

وَلَقَدْ أَكْثَرَ الَّذِي جَمَعَ فِي هَذَا الْعَصْرِ (الْمَوْضُوعَاتِ) فِي نَحْوِ مُجَلَّدَيْنِ، فَأَوْدَعَ فِيهَا كَثِيرًا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَى وَضْعِهِ، إِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ فِي مُطْلَقِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ).

طالب: لكن هنا المحقق يقول المراد به ابن الجوزي رحمه الله.

الشيخ:

نعم، ابن الجوزي من زمانه نعم، ابن الجوزي - رحمه الله - يعني متساهل في هذا، وضع أحاديث موضوعة في حين لها أصل، أحاديث لها أصل، وضعيفة، وقد يكون بعضها حسنًا، جعلها من الموضوعات، نعم.

(المتن)

( وَالْوَاضِعُونَ لِلْحَدِيثِ أَصْنَافٌ، وَأَعْظَمُهُمْ ضَرَرًا قَوْمٌ مِنَ الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الزُّهْدِ، وَضَعُوا الْحَدِيثَ احْتِسَابًا فِيمَا زَعَمُوا، فَتَقَبَّلَ النَّاسُ مَوْضُوعَاتِهُمْ ثِقَةً مِنْهُمْ بِهِمْ وَرُكُونًا إِلَيْهِمْ).

(الشرح)

نعم، لأنه متعبد، يكون عابد، عابد جاهل وضع أحاديث، قصده بها يحتسب، الاحتساب يقول، حتى يصرف الناس إلى فعل الخير، وإلى قراءة القرآن، وما أشبه ذلك، ولم يعلم أن هذا من أكبر الذنوب وأكبر المعاصي، نسأل الله العافية، نعم.

(المتن)

(فَتَقَبَّلَ النَّاسُ مَوْضُوعَاتِهُمْ ثِقَةً مِنْهُمْ بِهِمْ وَرُكُونًا إِلَيْهِمْ.

ثُمَّ نَهَضَتْ جَهَابِذَةُ الْحَدِيثِ بِكَشْفِ عُوَارِهَا وَمَحْوِ عَارِهَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَفِيمَا رَوِّينَا عَنِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ السَّمْعَانِيِّ: أَنَّ بَعْضَ الْكَرَّامِيَّةِ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ وَضْعِ الْحَدِيثِ فِي بَابِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ).

(الشرح)

نسأل الله العافية، وهذا من جهلهم وضلالهم، هم الكرامية أتباع محمد بن كرام، والكرامية لهم مذهب فاسد في الإيمان من أفسد ما قيل في تعريف الإيمان قول الكرامية، يقول: الإيمان قول باللسان إذا نطق بالشهادتين فهو مؤمن، ولو كان مكذبًا في الباطن، فيكون إذا نطق بالشهادتين يسمونه مؤمنا كامل الإيمان، وإن كان منافقًا في الباطن فهو مخلد في النار، فيكون على قولهم مؤمن كامل الإيمان ومخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل في تعريف الإيمان، وأفسد منه أو مثله قول الجهمية أن الإيمان معرفة الرب بالقلب، نعم.

(المتن)

(ثُمَّ إِنَّ الْوَاضِعَ رُبَّمَا صَنَعَ كَلَامًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَرَوَاهُ، وَرُبَّمَا أَخَذَ كَلَامًا لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَوَضَعَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ).

(الشرح)

قال بعضهم (حب الوطن من الإيمان)، هذه حكمة، (المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء) هذه حكمة، يجعلها حديث، قال حديث، يركب لها سند ويجعلها حديثا، نعم.

(المتن)

(وَرُبَّمَا غَلِطَ غَالِطٌ، فَوَقَعَ فِي شُبَهِ الْوَضْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ، كَمَا وَقَعَ لِثَابِتِ بْنِ مُوسَى الزَّاهِدِ فِي حَدِيثِ: "مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ").

(الشرح)

يعني إذا كان يحدث المحدث، وقال في أثناء حديثه رأى بعض الحاضرين حسن الوجه فقال: (من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار)، فسمعها بعضهم، وظنها من الحديث، هذا جهل بالحديث، هو يريد ينبه على أن الذين يقومون الليل تحسن وجوههم بالنهار، فظن بعض السامعين أن هذا من الحديث، أنه من كلام الرسول ﷺ، فأدرجه، نعم.

طالب:

يقول هنا المحقق: (والغلط الذي وقع لثابت أنه دخل على شريك القاضي وهو يقول: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال رسول الله ﷺ، فدخل ثابت عليه، فلما نظر إلى ثابت ذكر هذا الكلام، يريد به ثابتًا لزهده وورعه).

الشيخ:

نعم، لما دخل ثابت وهو يحدث، شريك يحدث الناس، لما رآه ووجهه حسن قال: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، يعني يريد ثابت أن هذا حسن الوجه لأنه يصلي بالليل، فظن الحاضرون أن هذا من كلام الرسول ﷺ، وقالوا هذا حديث، أدرجوه، فقالوا: قال فلان حدثنا النسائي أن من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، وهذا غلط من شريك، يعني كونه يقطع الحديث، يدرج هذه الجملة، نعم.

طالب:

لكن يقول هنا يا شيخ: والمختار في هذا الحديث عند الحافظ ابن حجر أنه من المدرج، وهو أولى لأن معنى الإدراج فيه أظهر.

الشيخ:

نعم، أدرجه يعني، نعم.

(المتن)

(مِثَالٌ: "رَوَينَا عَنْ أَبِي عِصْمَةَ، وَهُوَ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ).

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد