شعار الموقع

شرح كتاب مقدمة ابن الصلاح (7) من معرفة الموضوع إلى مَعْرِفَةُ صِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ رِوَايَتُهُ

00:00
00:00
تحميل
108

(المتن)

(وَهُوَ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: "مِنْ أَيْنَ لَكَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً؟"، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ أَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ، وَاشْتَغَلُوا بِفِقْهِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَغَازِي مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَوَضَعْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ حِسْبَةً...").

(الشرح)

هذا نوح ابن أبي مريم يروي عن ابن عباس، ركب سند عن عكرمة عن ابن عباس، ووضع حديث في فضل سورة البقرة، من قرأ سورة البقرة فله كذا وكذا من الله، بنى الله له مثلًا قصر في الجنة طوله كذا وعرضه كذا، ثم وضع في آل عمران، من قرأ سورة آل عمران حصل كذا وكذا، حتى أنهى انتهاء من آخر سورة، كل سورة وضع لها، فسئل: كيف، من أين لك هذا الحديث؟ قال: وضعته احتساب لوجه الله، رأيت الناس انصرفوا إلى فقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق، فأردت أن أصرفهم إلى القرآن، وهذا من جهله وضلاله، وهذا مصيبة، الناس يغترون بالأشياء هذه، لأنه زاهد وعابد فيثقون به، نعم.

(المتن)

(وَهَكَذَا حَالُ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺَ فِي فَضْلِ الْقُرْآنِ سُورَةً سُورَةً، بَحَثَ بَاحِثٌ عَنْ مُخْرَجِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ وَجَمَاعَةً وَضَعُوهُ، وَإِنَّ أَثَرَ الْوَضْعِ لَبَيِّنٌ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ أَخْطَأَ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ، وَمَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي إِيدَاعِهِ تَفَاسِيرَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

نعم، الواحدي، بعض المفسرين عندهم جهل بالأحاديث، ليس عندهم دراية مثل الواحدي يذكر هذا الحديث، يروي عن أبي في فضائل السور، إذا أراد أن يفسر سورة البقرة ذكر الحديث الموضوع، ثم يفسرها، ثم إذا أراد أن يذكر سورة آل عمران ذكر الحديث، نعم.

(المتن)

(النَّوْعُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ الْمَقْلُوبِ:

هُوَ نَحْوُ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ عَنْ سَالِمٍ جُعِلَ عَنْ نَافِعٍ لِيَصِيرَ بِذَلِكَ غَرِيبًا مَرْغُوبًا فِيهِ.

وَكَذَلِكَ مَا رَوَينَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فَاجْتَمَعَ قَبْلَ مَجْلِسِهِ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَعَمَدُوا إِلَى مِائَةِ حَدِيثٍ فَقَلَبُوا مُتُونَهَا وَأَسَانِيدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الْإِسْنَادِ لِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَإِسْنَادَ هَذَا الْمَتْنِ لِمَتْنٍ آخَرَ، ثُمَّ حَضَرُوا مَجْلِسَهُ وَأَلْقَوْهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ إِلْقَاءِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْمَقْلُوبَةِ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَرَدَّ كُلَّ مَتْنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ، وَكُلَّ إِسْنَادٍ إِلَى مَتْنِهِ، فَأَذْعَنُوا لَهُ بِالْفَضْلِ).

(الشرح)

نعم، وهذه القصة فيها أن الإمام البخاري - رحمه الله - لما قدم على بغداد، وكان قد وعدهم قبل ذلك أن يأتيهم، العلماء اجتمعوا وتهيأوا لمقابلته وفرحوا بذلك فرحًا شديدًا، وأرادوا أن يختبروه ويمتحنوه، فتهيأوا واستعدوا وجاءوا عشرة بمائة حديث، عشرة أشخاص كل شخص أحضر عشرة أحاديث، وقلبوا أسانيدها ومتونها، كل واحد مثلًا هذا عنده عشرة أحاديث، وهذا عنده عشرة أحاديث، أسانيد هذه العشرة لهذه العشرة الذي مع فلان، ومتون هذه لهذه، فلما جلس جاء الأول، وتقدم إلى البخاري - رحمه الله - وسأله، ساق الأحاديث العشرة، مقلوبة الأسانيد، كلما ساق حديث قال ما أعرفه، والحديث الثاني، لا أعرفه، لا أعرفه حتى انتهى، ثم جاء الثاني مثله قال: لا أعرف لا أعرف، والذي لا يعرفه يقول البخاري هذا ما يعرف شيء، كل شيء ما يعرف، لا أعرف، لا أعرف، فلما انتهى العشرة، المائة حديث، نادى الأول، وقال: تعال، أنت الأحاديث العشرة التي سقتها أسانيدها كذا، ومتونها كذا، فرد الأسانيد إلى متونها، وقال للثاني: تعال، ورد الأحاديث إلى أصولها والأسانيد حتى انتهى من المائة، فأذعنوا له واعترفوا بفضله وإمامته، قيل والعجب من البخاري كيف حفظ الخطـأ، حفظ الخطأ ثم صوبه، لكن هذه القصة فيها كلام، المعروف أنها لا تثبت، في ثبوتها نظر، نعم، في ثبوتها نظر، يرى المحققون أنها لا تثبت، نعم.

(المتن)

(وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ، وَيَصْلُحُ مِثَالًا لِلْمُعَلَّلِ: مَا رَوِّينَاهُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى الطَّبَّاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى فَأَتَيْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: وَهِمَ أَبُو النَّضْرِ إِنَّمَا كُنَّا جَمِيعًا فِي مَجْلِسِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ مَعَنَا، فَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، فَظَنَّ أَبُو النَّضْرِ أَنَّهُ فِيمَا حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، أَبُو النَّضْرِ هُوَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

أنه عرف بهذا أنه الصحيح المعلل، أنه علة، نعم.

(المتن)

(فَصْلٌ: قَدْ وَفَيْنَا بِمَا سَبَقَ الْوَعْدُ بِشَرْحِهِ مِنَ الْأَنْوَاعِ الضَّعِيفَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، فَلْنُنَبِّهِ الْآنَ عَلَى أُمُورٍ مُهِمَّةٍ:

أَحَدُهَا: إِذَا رَأَيْتَ حَدِيثًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ: هَذَا ضَعِيفٌ، وَتَعْنِيَ أَنَّهُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا ضَعِيفٌ وَتَعْنِي بِهِ ضَعْفَ مَتْنِ الْحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى مُجَرَّدِ ضَعْفِ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ، فَقَدْ يَكُونُ مَرْوِيًّا بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْحَدِيثُ).

(الشرح)

الأحسن أن يقول سند هذا الحديث ضعيف، لأنه قد يكون المتن له طريق آخر يصح به، وقد يكون له شواهد، ومتابعات يصح بها هذا الحديث، لكن تقول: سند هذا الحديث ضعيف، هذا أحسن، سند هذا الحديث ضعيف، أما متن الحديث ما تجزم بأنه ضعيف، قد يكون له شواهد، قد يكون له متابعات، قد يكون له طريق أخرى يصح بها هذا المتن، التنبيه الأول إيش؟

(المتن)

(أَحَدُهَا: إِذَا رَأَيْتَ حَدِيثًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ: هَذَا ضَعِيفٌ، وَتَعْنِيَ أَنَّهُ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ ضَعِيفٌ).

(الشرح)

ولو قال سند هذا الحديث ضعيف ما يحتمل، ما يحتمل التأويل، صرح بالسند.

(المتن)

(وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا ضَعِيفٌ وَتَعْنِي بِهِ ضَعْفَ مَتْنِ الْحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى مُجَرَّدِ ضَعْفِ ذَلِكَ الْإِسْنَادِ، فَقَدْ يَكُونُ مَرْوِيًّا بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْحَدِيثُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ جَوَازُ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ بِإِسْنَادٍ يَثْبُتُ بِهِ، أَوْ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، أَوْ نَحْوُ هَذَا مُفَسِّرًا وَجْهَ الْقَدْحِ فِيهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَسِّرْ، فَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْلَطُ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِي: يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمُ التَّسَاهُلُ فِي الْأَسَانِيدِ وَرِوَايَةِ مَا سِوَى الْمَوْضُوعِ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ مِنْ غَيْرِ اهْتِمَامٍ بِبَيَانِ ضَعْفِهَا فِيمَا سِوَى صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَغَيْرِهِما، وَذَلِكَ كَالْمَوَاعِظِ، وَالْقِصَصِ، وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَسَائِرِ فُنُونِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَسَائِرِ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَحْكَامِ وَالْعَقَائِدِ، وَمِمَّنْ رَوَينَا عَنْهُ التَّنْصِيصَ عَلَى التَّسَاهُلِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا).

(الشرح)

نعم، ولهذا وجد في مسند الإمام أحمد أحاديث ضعيفة، في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، لأنهم ذكروا الأسانيد، ومن ذكر الإسناد خلاص، من ذكر لك الإسناد، من أسند برئ من العهدة، لأنهم يكتبون لأهل الاختصاص، أما العامة الذين ليس لهم بصيرة ينبغي أن يبين لهم، يروي حديث عند العامة يقول: هذا حديث ضعيف، حتى لا يعتمدوه، لكن أهل الاختصاص إذا روى السند يكفي، يروي السند، وأنت انظر في السند، ولهذا العلماء يذكرون هذا، يذكرون الأحاديث الضعيفة في مصنفاتهم بأسانيدها، ولا يبينون، وذلك لاحتمال ليعلم ما ورد في الباب، ولاحتمال أن يكون له متن يشهد له، أو متابع، المقصود أنه إذا رواه بالأسانيد فلا بأس.

(المتن)

(الثَّالِثُ: إِذَا أَرَدْتَ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ فَلَا تَقُلْ فِيهِ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَذَا وَكَذَا" وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْجَازِمَةِ بِأَنَّهُ ﷺ قَالَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا تَقُولُ فِيهِ: "رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَذَا وَكَذَا، أَوْ بَلَغَنَا عَنْهُ كَذَا وَكَذَا، أَوْ وَرَدَ عَنْهُ، أَوْ جَاءَ عَنْهُ، أَوْ رَوَى بَعْضُهُمْ" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ).

(الشرح)

أو يقول يذكر أو ذكر عن النبي يقول: يذكر عن النبي، أو يروى، يذكر أو يروى أو بلغنا، يأتي بصيغة التمريض، ما يأتي بجزم، ما يقول: قال رسو الله كذا، ما يجزم، وإنما يقول يروى، يروى عن النبي أنه قال كذا، نعم، يذكر عنه، نعم.

(المتن)

(وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا تَشُكُّ فِي صِحَّتِهِ وَضَعْفِهِ، وَإِنَّمَا تَقُولُ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ" فِيمَا ظَهَرَ لَكَ صِحَّتُهُ بِطَرِيقِهِ الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ أَوَّلًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

(النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ، مَعْرِفَةُ صِفَةِ مَنْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ رِوَايَتُهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ قَدْحٍ وَجَرْحٍ وَتَوْثِيقٍ وَتَعْدِيلٍ.

أَجْمَعَ جَمَاهِيرُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ عَلَى: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، ضَابِطًا لِمَا يَرْوِيهِ، وَتَفْصِيلُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، بَالِغًا، عَاقِلًا، سَالِمًا مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ، مُتَيَقِّظًا غَيْرَ مُغَفَّلٍ، حَافِظًا إِنْ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ، ضَابِطًا لِكِتَابِهِ إِنْ حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ، وَإِنْ كَانَ يُحَدِّثُ بِالْمَعْنَى اشْتُرِطَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا يُحِيلُ الْمَعَانِيَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

نعم، هذا لا شك متفق عليه بين أهل الحديث وأهل الفقه أنه لا بد أن يكون عدلا وضابطا، الشرطان لا بد منهما، أن يكون عدلا وأن يكون ضابطا، والعدل هو المسلم البالغ العاقل الذي سلم من الفسق وخوارم المروءة، هذا يقال له عدل، عدل يعني مسلم بالغ عاقل لم يظهر عليه شيء من علامات الفسق ولا من خوارم المروءة التي تخل بكرامته، والضابط هو أن لا يكون مغفل، ولا يكون ضعيف الحفظ فلا يكون سيء الحفظ، ليضبط إن حدث من صدره يكون ضابط، وإن حدث من كتابه كذلك، نعم.

(المتن)

(وَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ بِمَسَائِلَ: إِحْدَاهَا: عَدَالَةُ الرَّاوِي، تَارَةً تَثْبُتُ بِتَنْصِيصِ مُعَدِّلَيْنِ عَلَى عَدَالَتِهِ، وَتَارَةً تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، فَمَنِ اشْتَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ أَوْ نَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، اسْتُغْنِيَ فِيهِ بِذَلِكَ عَنْ بَيِّنَةٍ شَاهِدَةٍ بِعَدَالَتِهِ تَنْصِيصً).

(الشرح)

نعم، مثل الأئمة الذين اشتهرت عدالتهم كالإمام مالك وأبو حنيفة وأحمد والبخاري ومسلم، وغيرهم من أهل العلم الذين اشتهر واستفاضت عدالتهم بين الأمة، معروفين لدى الأمة، ما يحتاج إلى ذلك الإمام أحمد أو البخاري، قال: انظر هل نص أحد على أنه عدل، هذا مشهور، اشتهر واستفاض للأمة عدالتهم، نعم، عدالتهم وإمامتهم، وورعهم وزهدهم، نعم.

(المتن)

(وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فِي فَنِّ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِمَالِكٍ، وَشُعْبَةَ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَمْرِ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالِهِمْ).

(الشرح)

نعم لشهرة عدالتهم واستفاضتها بين الأمة، نعم.

(المتن)

(وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ مَنْ خَفِيَ أَمْرُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ، وَتَوَسَّعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَافِظُ فِي هَذَا فَقَالَ: " كُلُّ حَامِلِ عِلْمٍ مَعْرُوفُ الْعِنَايَةِ بِهِ فَهُوَ عَدْلٌ، مَحْمُولٌ فِي أَمْرِهِ أَبَدًا عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ جَرْحُهُ).

(الشرح)

يعني ابن عبد البر زاد، قال: أنه يضاف إلى هؤلاء كل عالم، كل إنسان طالب علم معروف بالعلم والحديث والفقه يحمل على العدالة حتى يتبين ضد ذلك، ولكن المعتمد هو الأول، وزاد ابن عبد البر، نعم.

(المتن)

(وَتَوَسَّعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَافِظُ فِي هَذَا فَقَالَ: " كُلُّ حَامِلِ عِلْمٍ مَعْرُوفُ الْعِنَايَةِ بِهِ فَهُوَ عَدْلٌ، مَحْمُولٌ فِي أَمْرِهِ أَبَدًا عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ جَرْحُهُ، لِقَوْلِهِ ﷺ: يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، الحديث، وَفِيمَا قَالَهُ اتِّسَاعٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

توسع هذا، ما هو كل طالب علم وكل محدث وكل فقيه يكون عدل، نعم.

(المتن)

(الثَّانِيَةُ: يُعْرَفُ كَوْنُ الرَّاوِي ضَابِطًا بِأَنْ نَعْتَبِرَ رِوَايَاتِهِ بِرِوَايَاتِ الثِّقَة الْمَعْرُوفِينَ بِالضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ، فَإِنْ وَجَدْنَا رِوَايَاتِهِ مُوَافِقَةً - وَلَوْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى - لِرِوَايَاتِهِمْ، أَوْ مُوَافِقَةً لَهَا فِي الْأَغْلَبِ وَالْمُخَالَفَةُ نَادِرَةُ، عَرَفْنَا حِينَئِذٍ كَوْنَهُ ضَابِطًا ثَبْتًا، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ كَثِيرَ الْمُخَالَفَةِ لَهُمْ، عَرَفْنَا اخْتِلَالَ ضَبْطِهِ، وَلَمْ نَحْتَجَّ بِحَدِيثِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

نعم، هذا معرفة ضبط الراوي، أنه تقابل روايته برواية الثقات الضابطون فإن كان يوافقهم فيها، ولو تكون المخالفة قليلة، ولو في المعنى، عرفنا أنه ضابط، وإن كان يخالفهم كثيرًا عرفنا أنه غير ضابط، إن يخالف الثقات روايته مخالفة للثقات كثيرا عرفنا أنه غير ضابط، وإن كان يوافقهم ولا يخالفهم إلا في النادر عرفنا أنه ضابط، كذلك الذي يروي بالمعنى لا بد أن يكون عارف بما يحيل المعنى ويغير المعنى، نعم.

(المتن)

(الثَّالِثَةُ: التَّعْدِيلُ مَقْبُولٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ يَصْعُبُ ذِكْرُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْوِجُ الْمُعَدِّلَ إِلَى أَنْ يَقُولَ: "لَمْ يَفْعَلْ كَذَا، لَمْ يَرْتَكِبْ كَذَا، فَعَلَ كَذَا وَكَذَا" فَيُعَدِّدُ جَمِيعَ مَا يُفَسَّقُ بِفِعْلِهِ أَوْ بِتَرْكِهِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ جِدًّا.

وَأَمَّا الْجَرْحُ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مُفَسَّرًا مُبَيَّنَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَجْرَحُ وَمَا لَا يَجْرَحُ، فَيُطْلِقُ أَحَدُهُمُ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ اعْتَقَدَهُ جَرْحًا وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ، لِيُنْظَرَ فِيهِ أَهُوَ جَرْحٌ أَمْ لَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ.

وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَنُقَّادِهِ مِثْلِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِمَا.

وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الْجَرْحُ لَهُمْ، كَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَجَمَاعَةٍ اشْتَهَرَ الطَّعْنُ فِيهِمْ، وَهَكَذَا فَعَلَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا إِذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ، وَمَذَاهِبُ النُّقَّادِ لِلرِّجَالِ غَامِضَةٌ مُخْتَلِفَةٌ).

(الشرح)

نعم هذا خاص بالفرق بين الجرح والتعديل، الجرح لا بد أن يبين السبب، فإذا قال المحدث أن هذا الراوي غير عدل مجروح، ما يقبل حتى يبين، مجروح لأنه مثلًا يفعل كذا من الفسق، يفعل كذا، يشرب الخمر، يذكر السبب حتى ينظر، لأن بعضهم قد يعده جرح وهو ليس بجرح، قد يقول مجروح، فإذا قيل له لماذا؟ قال رأيته يأكل في الشارع مثلًا، هذا قد يكون مخارم المروءة، وقد يكون في بعض الأحيان أنه لا بأس بالأكل في بعض الأزمنة، يأكل في مطعم مثلًا، فلا بأس في هذا، فقد يجرح بعض عموم الناس فيقول رأيته يأكل في مطعم فهذا يعتبر جرح، نقول هذا ما هو ليس بجرح، لا بد يبين، الجرح لا بد أن يبين، أما العدالة ما يطلب منه أن يذكر أسبابها، يقول: كان كذا، كان يحافظ على الصلاة، وكان يحافظ على كذا، وكان يفعل كذا، يؤدي أركان الإسلام، يصعب تعداد أسبابها، كان لا يفعل كذا، وكان يجتنب الكبائر، أما الجرح لا بد أن يبين لأنه قد يعتبره جرح وليس بجرح، قد يكون عنده جرح وليس بجرح عند غيره، لا بد يبين يقول ما هو الجرح، نعم.

(20:53)

هذا مجهول، هذا يبقى مجهولا، بعضهم يتساهل، ويحسن لهذا مثل الترمذي والشيخ أحمد شاكر وغيره وابن حبان، يقول هذا، الأصل في المسلمين الستر والسلامة، يبقى مجهول، لا بد أن تعرف حاله، نعم.

(21:21)

لا، لا بد، ولهذا قال الحافظ في النخبة والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبينًا من عارف بأسبابه، لا بد يبين وتذكر أسبابه، نعم.

(21:45)

نعم المصطلحات معروفة، نعم، أبواب معروفة مصطلحاته مصطلحات العلماء يعني معروفة ويعمل بها، نعم.

طالب:

ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة، لذلك يقول المحقق هنا: أوضح ذلك الذهبي، فقسم الرجال ثلاثة أقسام:

القسم الأول متعنت في الجرح، متشدد في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، فهذا إذا وثق شخصًا فعض على قوله بنواجذك، وإذا ضعف رجلًا فإن لم يوثق ذلك الرجل أحد من الحذاق، فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا لا يقبل فيه الجرح إلا مفسرًا.

 القسم الثاني:

الشيح:

مثل ما ذكر يحيى بن سعيد القطان مثل النسائي من المتشددين، وفيه متوسطين مثل البخاري والإمام أحمد متوسطين في التعديل، نعم.

(22:50)

ابن أبي حاتم فيه الظاهر من المتشددين، نعم، قد يكون ثقة عند غيره، يحيى بن سعيد القطان والنسائي من المتشددين، وفيه متساهلين، رواة متساهلين، مثل ابن حبان متساهل، وفيه متوسطين، مثل الإمام أحمد والبخاري متوسطين، نعم.

(المتن)

(وَعَقَدَ الْخَطِيبُ بَابًا فِي بَعْضِ أَخْبَارِ مَنِ اسْتُفْسِرَ فِي جَرْحِهِ، فَذَكَرَ مَا لَا يَصْلُحُ جَارِحًا).

طالب:

عندنا بدون لا، فذكر ما يصلح جارحًا.

الشيخ:

لا، فذكر ما لا يصلح، نعم.

(المتن)

(فَذَكَرَ مَا لَا يَصْلُحُ جَارِحًا، مِنْهَا عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: "لِمَ تَرَكْتَ حَدِيثَ فُلَانٍ؟" فَقَالَ: "رَأَيْتُهُ يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ، فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ").

(الشرح)

نعم، هذا هو سبب الجرح، يركض على برذون هو سبب الجرح، يعني متشدد - رحمه الله - شعبة من المتشددين، إذا رآه يسرع المسير ويركض في الشارع لسبب من الأسباب، جرحه، وقال هذا: يدل على سقوط عدالته، نعم، يركض على برذون يعني لأسباب عجلته وركبه، مستعجل لأمر حصل له، نعم.

طالب:

ما البرذون؟

الشيخ:

حمار أو.. البغل هذا متولد من الحمار ومن الفرس، إذا نزا الحمار على أنثى الخيل جاء البغل، والبرذون متولد من هذا فيراجع القاموس في هذا، عندك؟

(24:55)

البرذون إيش؟ الوعر من الخيل غير العربية، البرذون، الجافي الخلقة، الوعر من الخيل غير العربية، لأن الخيل فيها أصيل وغير أصيل، العربي أصيل، وهذا غير عربي، البرذون، نعم.

(المتن)

(وَمِنْهَا: عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ لِصَالِحٍ الْمُرِّيِّ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ بِصَالِحٍ؟ ذَكَرُوهُ يَوْمًا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَامْتَخَطَ حَمَّادٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

يعني لما امتخط حماد بن سلمة هذا دل على ضعفه، أي نعم، هذا يدل على أن الجارح لا بد أن يبين الجرح، لأنه قد يعتبره جرحًا، وليس بجرح، نعم.

(المتن)

(قُلْتُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا يَعْتَمِدُ النَّاسُ فِي جَرْحِ الرُّوَاةِ وَرَدِّ حَدِيثِهِمْ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي الْجَرْحِ أَوْ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَقَلَّ مَا يَتَعَرَّضُونَ فِيهَا لِبَيَانِ السَّبَبِ، بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ: "فُلَانٌ ضَعِيفٌ، وَفُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ" وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ" هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ" وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَاشْتِرَاطُ بَيَانِ السَّبَبِ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ ذَلِكَ وَسَدِّ بَابِ الْجَرْحِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ.

وَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ نَعْتَمِدْهُ فِي إِثْبَاتِ الْجَرْحِ وَالْحُكْمِ بِهِ، فَقَدِ اعْتَمَدْنَاهُ فِي أَنْ تَوَقَّفْنَا عَنْ قَبُولِ حَدِيثِ مَنْ قَالُوا فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْقَعُ عِنْدَنَا فِيهِمْ رِيبَةً قَوِيَّةً يُوجِبُ مِثْلُهَا التَّوَقُّفَ.

ثُمَّ مَنِ انْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ مِنْهُمْ بِبَحْثٍ عَنْ حَالِهِ أَوْجَبَ الثِّقَةَ بِعَدَالَتِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ وَلَمْ يٌتَوَقَّفْ، كَالَّذِينَ احْتَجَّ بِهِمْ صَاحِبَا الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ مَسَّهُمْ مِثْلُ هَذَا الْجَرْحِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَافْهَمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَخْلَصٌ حَسَنٌ).

(الشرح)

ثم أيضًا هذا الأئمة ثقات إذا ضعفوا الأئمة المعروفين يكفي أن نأخذ بقولهم، ثم إيش؟

(المتن)

(ثُمَّ مَنِ انْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ مِنْهُمْ بِبَحْثٍ عَنْ حَالِهِ أَوْجَبَ الثِّقَةَ بِعَدَالَتِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ وَلَمْ يٌتَوَقَّفْ، كَالَّذِينَ احْتَجَّ بِهِمْ صَاحِبَا الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ مَسَّهُمْ مِثْلُ هَذَا الْجَرْحِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَافْهَمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَخْلَصٌ حَسَنٌ).

(الشرح)

يعني إذا وثقهم صاحبا الصحيحين وإن جرحهم غيرهم، مقدمة على غيرهم، فيقدم قول صاحبا الصحيحين، إذا عدله صاحبا الصحيحين وروى عنه، وجرحه غيرهما يقدم قول صاحبا الصحيحين، نعم، وإيش بعده؟

طالب:

الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

(الرَّابِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إِلَّا بِاثْنَيْنِ، كَمَا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي الشَّهَادَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ - وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ - أَنَّهُ يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ، لِأَنَّ الْعَدَدَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي جَرْحِ رَاوِيهِ وَتَعْدِيلِهِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْخَامِسَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي شَخْصٍ جَرْحٌ وَتَعْدِيلٌ، فَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ يُخْبِرُ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ، وَالْجَارِحَ يُخْبِرُ عَنْ بَاطِنٍ خَفِيَ عَلَى الْمُعَدِّلِ، فَإِنْ كَانَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِينَ أَكْثَرَ فَقَدْ قِيلَ التَّعْدِيلُ أَوْلَى، وَالصَّحِيحُ - وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ - أَنَّ الْجَرْحَ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

خلاف اللفظ لا بد من تقييد أن يكون الجارح عادل، عدل، ويكون يبين سبب الجرح، كما قال الحافظ في النخبة: والجرح مقدم على التعديل إن صدر من عدل مبينًا أسبابه، الجرح مقدم على التعديل إن صدر من عارف مبينًا لأسبابه، يكون عادل عارف بأسباب الجرح والتعديل، ويبين السبب، يقول: كان كذا، كان سيء الحفظ، كان كذا، يبين، أما يجرح ويسكت، قد يكون سبب عنده جارح، وليس بجارح عند غيره، يبين ما هو الجرح، ويكون عارف بأسبابه، نعم.

(المتن)

(السَّادِسَةُ: لَا يُجْزِئُ التَّعْدِيلُ عَلَى الْإِبْهَامِ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمُعَدَّلِ، فَإِذَا قَالَ: "حَدَّثَنِي الثِّقَةُ" أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ لَمْ يُكْتَفَ بِهِ، فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ وَالصَّيْرَفِيُّ الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُمَا، خِلَافًا لِمَنِ اكْتَفَى بِذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثِقَةً عِنْدَهِ، وَغَيْرُهُ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى جَرْحِهِ بِمَا هُوَ جَارِحٌ عِنْدَهُ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ، فَيُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُسَمِّيَهُ حَتَّى يُعْرَفَ، بَلْ إِضْرَابُهُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ مُرِيبٌ يُوقِعُ فِي الْقُلُوبِ فِيهِ تَرَدُّدًا، فَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ عَالِمًا أَجْزَأَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي مَذْهَبِهِ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ.

وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا قَالَ: "كُلُّ مَنْ رَوَيْتُ عَنْهُ فَهُوَ ثِقَةٌ وَإِنْ لَمْ أُسَمِّهِ، ثُمَّ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُزَكِّيًا لَهُ، غَيْرَ أَنَّا لَا نَعْمَلُ بِتَزْكِيَتِهِ هَذِهِ" وَهَذَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

نعم، كذلك لا بد أن يبين، يقول: ثقة فقط ما يكفي، لا بد يسميه، نعم.

(المتن)

(السَّابِعَةُ: إِذَا رَوَى الْعَدْلُ عَنْ رَجُلٍ وَسَمَّاهُ لَمْ تُجْعَلْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ تَعْدِيلًا مِنْهُ لَهُ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: "يُجْعَلُ ذَلِكَ تَعْدِيلًا مِنْهُ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ التَّعْدِيلَ"، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ فَلَمْ تَتَضَمَّنْ رِوَايَتُهُ عَنْهُ تَعْدِيلَهُ).

(الشرح)

نعم، كونه يروي عنه قد يروي عن ضعيف، (32:44) أن يذكر ما ورد في الباب، ما يلزم من روايته له تعديله له، نعم، كما هو واقع عند كثير من العلماء يروون عن الضعفاء، نعم.

(32:56)

نعم، مثل شعبة، شعبة وأشباهه في الغالب إنه ما يروي إلا عن ثقة، إذا كان عارف بهذا، نعم، الظاهر إنه قد يخالف هذا، لكن شعبة وجد له أنه ما روى عن ضعفاء وإن كان نازلا، نعم.

(المتن)

(وَهَكَذَا نَقُولُ: إِنَّ عَمَلَ الْعَالِمِ أَوْ فُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ مُخَالَفَتُهُ لِلْحَدِيثِ لَيْسَتْ قَدْحًا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ وَلَا فِي رَاوِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّامِنَةُ: فِي رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ فِي غَرَضِنَا هَاهُنَا أَقْسَامٌ:

أَحَدُهَا: الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ عَلَى مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ أَوَّلًا.

الثَّانِي: الْمَجْهُولُ الَّذِي جُهِلَتْ عَدَالَتُهُ الْبَاطِنَةُ، وَهُوَ عَدْلٌ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْمَسْتُورُ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا: "الْمَسْتُورُ مَنْ يَكُونُ عَدْلًا فِي الظَّاهِرِ، وَلَا تُعْرَفَ عَدَالَةُ بَاطِنِهِ"، فَهَذَا الْمَجْهُولُ يَحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ بَعْضُ مَنْ رَدَّ رِوَايَةَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيِّينَ وَبِهِ قَطَعَ مِنْهُمُ الْإِمَامُ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيُّ، قَالَ: "لِأَنَّ أَمْرَ الْأَخْبَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِالرَّاوِي؛ وَلِأَنَّ رِوَايَةَ الْأَخْبَارِ تَكُونُ عِنْدَ مَنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْعَدَالَةِ فِي الْبَاطِنِ، فَاقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ، وَتُفَارِقُ الشَّهَادَةَ فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْعَدَالَةُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ".

قُلْتُ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الرُّوَاةِ الَّذِينَ تَقَادَمَ الْعَهْدُ بِهِمْ، وَتَعَذَّرَتِ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ بِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

الشيخ:

فيه تعليق عليه هذا؟ الأخير إيش الحال؟ علق عليه؟

(35:31)

صاحب التهذيب، العدالة الظاهرة، ثبوت العدالة الظاهرة، نعم، الباطنة...

مكتوب عندك؟

(36:51)

العدالة الباطنة هل يستطيع الإنسان يعلم ما في الباطن، هذه لا يعلمها إلا الله، العدالة الظاهرة، الأصل إذا قيل العدل المراد العدالة الكاملة الظاهرة والباطنة، هذا هو الأصل، نعم.

(المتن)

(الثَّالِثُ: الْمَجْهُولُ الْعَيْنِ، وَقَدْ يَقْبَلُ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ الْعَدَالَةِ مَنْ لَا يَقْبَلُ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ عَدْلَانِ وَعَيَّنَاهُ فَقَدِ ارْتَفَعَتْ عَنْهُ هَذِهِ الْجَهَالَةُ.

ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي أَجْوِبَةِ مَسَائِلَ سُئِلَ عَنْهَا أَنَّ الْمَجْهُولَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ هُوَ كُلُّ مَنْ لَمْ تَعْرِفْهُ الْعُلَمَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُعْرَفُ حَدِيثُهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ رَاوٍ وَاحِدٍ مِثْلَ عَمْرٍو ذِي مُرٍّ، وَجَبَّارٍ الطَّائِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ ذِي حُدَّانَ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُمْ غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، وَمِثْلَ الْهَزْهَازِ بْنِ مَيْزَنٍ، لَا رَاوِيَ عَنْهُ غَيْرُ الشَّعْبِيِّ، وَمِثْلَ جُرَيِّ بْنِ كُلَيْبٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا قَتَادَةُ.

قُلْتُ: قَدْ رَوَى عَنِ الْهَزْهَازِ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا.

قَالَ الْخَطِيبُ: "وَأَقَلُّ مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْجَهَالَةُ أَنْ يَرْوِيَ عَنِ الرَّجُلِ اثْنَانِ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالْعِلْمِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْعَدَالَةِ بِرِوَايَتِهِمَا عَنْهُ"، وَهَذَا مِمَّا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

إذًا ترتفع جهالة الحال باثنين، لكن لا تثبت العدالة إلا بالتعديل، نعم.

(المتن)

(قُلْتُ: قَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ جَمَاعَةٍ لَيْسَ لَهُمْ غَيْرُ رَاوٍ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ مِرْدَاسٌ الْأَسْلَمِيُّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ قَوْمٍ لَا رَاوِيَ لَهُمْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَلِكَ مِنْهُمَا مُصَيِّرٌ إِلَى أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَجْهُولًا مَرْدُودًا بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ عَنْهُ، وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مُتَّجِهٌ نَحْوَ اتِّجَاهِ الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ فِي التَّعْدِيلِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

التَّاسِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يُكَفَّرُ فِي بِدْعَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، وَكَمَا اسْتَوَى فِي الْكُفْرِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ يَسْتَوِي فِي الْفِسْقِ الْمُتَأَوِّلُ وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّلِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَ رِوَايَةَ الْمُبْتَدِعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَوْ لِأَهْلِ مَذْهَبِهِ، سَوَاءٌ كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعَزَا بَعْضُهُمْ هَذَا إِلَى الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ: "أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ).

(الشرح)

يعني أهل البدع، أهل الأهواء هم أهل البدع، نعم.

(المتن)

(إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافَقِيهِمْ").

(الشرح)

أكذب الطوائف هم الرافضة، كما نقل الشيخ، أكذب طوائف أهل البدع هم الرافضة، يستحلون الكذب، قال الشعبي: (لو أردت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهبًا على أن أكذب لهم لملأوه لي ذهبًا)، أكذب الطوائف هم الرافضة، وأصدق الطوائف الخوارج، أصدقهم لهجة، ولهذا روى البخاري عن عمران بن الحصان الخارجي لأنه صادق، من الخوارج، والصواب أن المبتدع في هذا أنه تقبل روايته بشروط، بشرط أن لا يكون داعيًا إلى بدعته، وبشرط أن لا يروي ما يقوي بدعته، يكون هذه الرواية مما تقوي بدعته، ولا يكون داعيًا إلى البدعة، ولهذا روى الشيخان وغيرهم عن بعض أهل البدع، ممن نسب إلى الخوارج والمعتزلة وغيرهم ممن هو مستور الحال، لأنه لم يكن داعيًا إلى بدعته، ولم يرو ما يقوي بدعته، لأنه لو رد حديث هؤلاء لضاع كثير من السنة، نعم.

(المتن)

(وَقَالَ قَوْمٌ: "تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلى بدعته، وَلَا تُقْبَلُ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً"، وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الْأَكْثَرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي قَبُولِ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ إِذَا لَمْ يَدْعُ إِلَى بِدْعَتِهِ، وَقَالَ: أَمَّا إِذَا كَانَ دَاعِيَةً فَلَا خِلَافَ بَيْنَهِمْ فِي عَدَمِ قَبُولِ رِوَايَتِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ أَحَدُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: "الدَّاعِيَةُ إِلَى الْبِدَعِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً، لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا".

وَهَذَا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَعْدَلُهَا وَأَوْلَاهَا، وَالْأَوَّلُ بَعِيدٌ مُبَاعِدٌ لِلشَّائِعِ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ كُتُبَهُمْ طَافِحَةٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْمُبْتَدِعَةِ غَيْرِ الدُّعَاةِ).

الشيخ:

الأول ما هو؟ المنع مطلقًا؟

طالب:

أي نعم.

الشيخ:

والثاني؟

طالب:

تقبل رواية المبتدع إذا لم يكن داعية إلى بدعته.

الشيخ:

أي نعم، والثالث: أن لا يكون داعية إلى بدعته، ويضاف إلى ذلك ولم يرو ما يقوي بدعته، حتى ولو لم يكن داعية، إذا كان الحديث الذي يرويه يقوي بدعته لا يقبل، ولو لم يكن داعية، نعم.

(المتن)

(وَهَذَا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَعْدَلُهَا وَأَوْلَاهَا، وَالْأَوَّلُ بَعِيدٌ مُبَاعِدٌ لِلشَّائِعِ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ كُتُبَهُمْ طَافِحَةٌ بِالرِّوَايَةِ عَنِ الْمُبْتَدِعَةِ غَيْرِ الدُّعَاةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فِي الشَّوَاهِدِ وَالْأُصُولِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(المتن)

(الْعَاشِرَةُ: التَّائِبُ مِنَ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ النَّاسِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْفِسْقِ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، إِلَّا التَّائِبَ مِنَ الْكَذِبِ مُتَعَمِّدًا فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا، وَإِنْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ، عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ.

وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ الشَّافِعِيُّ فِيمَا وَجَدْتُ لَهُ فِي شَرْحِهِ لِرِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: "كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خَبَرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ بِكَذِبٍ وَجَدْنَاهُ عَلَيْهِ لَمْ نَعُدْ لِقَبُولِهِ بِتَوْبَةٍ تَظْهَرُ، وَمَنْ ضَعَّفْنَا نَقْلَهُ لَمْ نَجْعَلْهُ قَوِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ".

وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا افْتَرَقَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ وَالشَّهَادَةُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّ مَنْ كَذَبَ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ وَجَبَ إِسْقَاطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَهَذَا يُضَاهِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).

(الشرح)

والأقرب أن الذي ترد روايته هو الذي كذب على النبي ﷺ، ولو تاب، ولو تاب بعد ذلك فلا يقبل حديثه، أما إذا تاب من الكذب على الناس وحسنت توبته، فلا بأس، نعم، هناك تعليق؟

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد