(المتن)
(الشرح)
يعني إذا لم يكن مدلس، محمول على السماع العنعنة، إذا قال عن فلان أو قال فلان، محمولة على السماع إلا إذا كان مدلسا، فلا بد أن يصرح بالسماع، نعم.
(المتن)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(المتن)
(الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْأَخْذِ، وَالتَّحَمُّلِ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ.
وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يُسَمُّونَهَا عَرْضًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَارِئَ يَعْرِضُ عَلَى الشَّيْخِ مَا يَقْرَؤُهُ كَمَا يُعْرَضُ الْقُرْآنُ عَلَى الْمُقْرِئِ، وَسَوَاءٌ كُنْتَ أَنْتَ الْقَارِئَ، أَوْ قَرَأَ غَيْرُكَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، أَوْ قَرَأْتَ مِنْ كِتَابٍ، أَوْ مِنْ حِفْظِكَ، أَوْ كَانَ الشَّيْخُ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يَحْفَظُهُ).
(الشرح)
كله يسمى قراءة، إذا قرأ واحد والباقي يستمعون، كلهم يقرؤون، لهذا بعض الإخوان يحرص على القراءة، نقول له: الجميع له قراءة، إذا قرأ واحد، والباقي يستمعون له ويتابعونه كلهم قراء، كلهم يصدق عليهم القراءة، ولهذا يقول المحدث القارئ فيما يقرأ على الشيخ (وقرأت)، وأحيانًا يقول: (قرأنا) سواء هو الذي كان يقرأ أو يقرأ غيره، وهو يستمع، فلا ينبغي للإخوان أن يحرصوا حرصًا شديدًا على القراءة، بحسب التيسير، لأن القراءة للجميع، إذا قرأ واحد والباقي يستمعون، فالجميع كلهم يقرؤون، نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، يعني كل هذا يسمى قراءة، سواء قرأت أنت أو قرأ غيرك وأنت تسمع، وسواء قرأت من حفظك أو غيرك يحفظ، أو قرأت من كتاب، أو قرأت والشيخ يحفظ، أو الشيخ لا يحفظ، لكن هناك من يمسك الأصل، كله يسمى عرضا، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا لما كان المحدثون يقرؤون الأسانيد، الآن الأسانيد دونت والحمد لله، وليس هناك شيء جديد، الأحاديث كلها دونت، الأمهات، أمهات الحديث الكتب الستة، والسنن والمسانيد والأجزاء والمعاجم، نعم.
(المتن)
(وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهَا مِثْلُ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ فِي الْمَرْتَبَةِ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ فَوْقَهُ؟ فَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَغَيْرِهِمَا تَرْجِيحُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا مَذْهَبُ مُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ، وَالْكُوفَةِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَشْيَاخِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ، وَمَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَالصَّحِيحُ: تَرْجِيحُ السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ، وَالْحُكْمُ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ مَرْتَبَةٌ ثَانِيَةٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
(الشرح)
يعني اختلف أيهما أرقى، قراءة الشيخ وأن الشيخ يقرأ والتلاميذ يستمعون، أو التلميذ يقرأ والشيخ يستمع، المشهور أن قراءة الشيخ هذه المرتبة الأولى، ثم يليه قراءة التلميذ، وقيل بالعكس، وقيل هما على حد سواء، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا في الصيغة، يعني ما هي الصيغة، هذا يقول: قرأت عليه، أو قرئ عليه وأنا أسمع، أو يقول: حدثني قراءة، نعم.
(المتن)
(وَكَذَلِكَ (أَنْشَدَنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ) فِي الشِّعْرِ.
وَأَمَّا إِطْلَاقُ (حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا) فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ: فَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ مَنَعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَقِيَلَ: إِنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالنَّسَائِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَالسَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ فِي جَوَازِ إِطْلَاقِ (حَدَّثَنَا، وَأَخْبَرَنَا، وَأَنْبَأَنَا)، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مَذْهَبُ مُعْظَمِ الْحِجَازِيِّينَ، وَالْكُوفِيِّينَ، وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، فِي آخَرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ أَجَازَ فِيهَا أَيْضًا أَنْ يَقُولَ (سَمِعْتُ فُلَانًا).
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَالْمَنْعُ مِنْ إِطْلَاقِ (حَدَّثَنَا)، وَتَجْوِيزُ إِطْلَاقِ (أَخْبَرَنَا)، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُسْلِمٍ صَاحِبِ الصَّحِيحِ، وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ.
وَذَكَرَ صَاحِبُ (كِتَابِ الْإِنْصَافِ) مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ الْجَوْهَرِيُّ الْمِصْرِيُّ: أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ لَا يُحْصِيهِمْ أَحَدٌ، وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا (أَخْبَرَنَا) عَلَمًا يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ قَائِلِهِ: "أَنَا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، لَا أَنَّهُ لَفَظَ بِهِ لِي"، قَالَ: "وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ، فِي جَمَاعَةٍ مِثْلِهِ مِنْ مُحَدِّثِينَا"، قُلْتُ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ ابْنُ وَهْبٍ بِمِصْرَ.
وَهَذَا يَدْفَعُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، والْأَوْزَاعِيِّ، حَكَاهُ عَنْهُمَا الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ، إِلَّا أَنْ يَعْنِيَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِمِصْرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا صَارَ هُوَ الشَّائِعَ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالِاحْتِجَاجُ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ عَنَاءٌ وَتَكَلُّفٌ، وَخَيْرُ مَا يُقَالُ فِيهِ: إِنَّهُ اصْطِلَاحٌ مِنْهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، ثُمَّ خُصِّصَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ "حَدَّثَنَا" لِقُوَّةِ إِشْعَارِهِ بِالنُّطْقِ، وَالْمُشَافَهَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
(الشرح)
من ذلك الإمام مسلم - رحمه الله - كان يعتمد الفرق بين الصيغة، يقول حدثنا فلان وفلان، قال الأول: قال فلان حدثنا، وقال الآخر أخبرنا، يقول حدثنا هذه لما حدث به الشيخ من لفظه، وأخبرنا لما قرأه التلميذ على الشيخ، الإمام مسلم - رحمه الله - عنده عناية عظيمة بالتفريق بين الصيغ بخلاف الإمام البخاري، لو قال حدثنا فلان وفلان، قال فلان حدثنا، وقال الآخر أخبرنا، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا تشديد في الفرق بين الصيغتين، يعني حدث هذه لما حدث به الشيخ، وأخبر لما حدث به التلميذ، أعاد التحديث من جديد من أجل الصيغة، نعم.
(المتن)
(تَفْرِيعَاتٌ:
الْأَوَّلُ: إِذَا كَانَ أَصْلُ الشَّيْخِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَوْثُوقٌ بِهِ مُرَاعٍ لِمَا يُقْرَأُ، أَهْلٌ لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، بَلْ أَوْلَى لِتَعَاضُدِ ذِهْنَيْ شَخْصَيْنِ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ لَا يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ، فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَرَأَى بَعْضُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ أَنَّ هَذَا سَمَاعٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَبِهِ عَمِلَ مُعْظَمُ الشُّيُوخِ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ).
(الشرح)
يعني إذا كان التلميذ يقرأ على الشيخ الأسانيد والأحاديث، والشيخ إما أن يكون حافظ أو غير حافظ، فإن كان حافظ، وأصله يعني كتابه مع من بجواره وهو حافظ، هذا نور على نور، اجتمع الأمران، حفظ الشيخ والكتاب، أما إذا لم يكن غير حافظ، والأصل مع غيره فهذا فيه تفصيل، إن كان ثقة فلا بأس، وإن لم يكن ثقة فلا، قد يكون هذا يغير، من معه الأصل أو يهمل، نعم.
(المتن)
(وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ بِيَدِ الْقَارِئِ، وَهُوَ مَوْثُوقٌ بِهِ دِينًا وَمَعْرِفَةً، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِ، وَأَوْلَى بِالتَّصْحِيحِ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ أَصْلُهُ بِيَدِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِإِمْسَاكِهِ لَهُ، وَلَا يُؤْمَنُ إِهْمَالُهُ لِمَا يُقْرَأُ، فَسَوَاءٌ كَانَ بِيَدِ الْقَارِئِ أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ، فِي أَنَّهُ سَمَاعٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، إِذَا كَانَ الشَّيْخُ غَيْرَ حَافِظٍ لِلْمَقْرُوءِ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
(الشرح)
نعم، والمهم الثقة، إذا كان من بيده الأصل ثقة فلا بأس، أما إذا كان غير موثوق به فالسماع غير صحيح، إلا إذا كان الشيخ حافظ، بحيث أنه إذا أخطأ صحح الخطأ، نعم.
(المتن)
(الشرح)
إذا قال أخبرك فلان وسكت، معناها إقرار له، نعم.
(المتن)
(وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ إِقْرَارَ الشَّيْخِ نُطْقًا به، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ، وَأَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيِّينَ، قَالَ أَبُو نَصْرٍ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ (حَدَّثَنِي)، أَوْ (أَخْبَرَنِي)، وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ رِوَايَتَهُ عَنْهُ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَيْهِ، أَوْ: قُرِئَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ.
وَفِي حِكَايَةِ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الظَّاهِرِيَّةِ شَرَطَ إِقْرَارَ الشَّيْخِ عِنْدَ تَمَامِ السَّمَاعِ: بِأَنْ يَقُولَ الْقَارِئُ لِلشَّيْخِ "هُوَ كَمَا قَرَأْتُهُ عَلَيْكَ؟" فَيَقُولُ: نَعَمْ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَأَنَّ سُكُوتَ الشَّيْخِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِ بِتَصْدِيقِ الْقَارِئِ، اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَالْفُقَهَاءِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
(الشرح)
نعم، وهذا هو الصواب، أنه أن السكوت إقرار، لا يشترط أن يقول: نعم، أو يتلفظ، نعم.
(المتن)
(الثَّالِثُ: فِيمَا نَرْوِيهِ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظ ِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَعَهِدْتُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مَشَايِخِي، وَأَئِمَّةَ عَصْرِي: أَنْ يَقُولَ فِي الَّذِي يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا، وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ: "حَدَّثَنِي فُلَانٌ"، وَمَا يَأْخُذُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا، وَمَعَهُ غَيْرُهُ: "حَدَّثَنَا فُلَانٌ"، وَمَا قَرَأَ عَلَى الْمُحَدِّثِ بِنَفْسِهِ: "أَخْبَرَنِي فُلَانٌ"، وَمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ، وَهُوَ حَاضِرٌ: "أَخْبَرَنَا فُلَانٌ".
وَقَدْ رَوِّينَا نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ صَاحِبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ حَسَنٌ رَائِقٌ.
فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ "حَدَّثَنَا، أَوْ أَخْبَرَنَا"، أَوْ مِنْ قَبِيلِ "حَدَّثَنِي، أَوْ أَخْبَرَنِي" لِتَرَدُّدِهِ فِي أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ التَّحَمُّلِ، وَالسَّمَاعِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ نَقُولَ: لِيَقُلْ "حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي"، لِأَنَّ عَدَمَ غَيْرِهِ هُوَ الْأَصْلُ.
وَلَكِنْ ذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدِينِيُّ الْإِمَامُ، عَنْ شَيْخِهِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ الْإِمَامِ، فِيمَا إِذَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ: "حَدَّثَنِي فُلَانٌ"، أَوْ قَالَ "حَدَّثَنَا فُلَانٌ"، أَنَّهُ يَقُولُ "حَدَّثَنَا".
وَهَذَا يَقْتَضِي فِيمَا إِذَا شَكَّ فِي سَمَاعِ نَفْسِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: "حَدَّثَنَا"، وَهُوَ عِنْدِي يَتَوَجَّهُ بِأَنَّ (حَدَّثَنِي) أَكْمَلُ مَرْتَبَةً، وَ (حَدَّثَنَا) أَنْقَصُ مَرْتَبَةً، فَلْيَقْتَصِرْ إِذَا شَكَّ عَلَى النَّاقِصِ، لِأَنَّ عَدَمَ الزَّائِدِ هُوَ الْأَصْلُ، وَهَذَا لَطِيفٌ، ثُمَّ وَجَدْتُ الْحَافِظَ أَحْمَدَ الْبَيْهَقِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدِ اخْتَارَ بَعْدَ حِكَايَتِهِ قَوْلَ الْقَطَّانِ مَا قَدَّمْتُهُ.
ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مِنْ أَصْلِهِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، حَكَاهُ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً، فَجَائِزٌ إِذَا سَمِعَ وَحْدَهُ أَنْ يَقُولَ: "حَدَّثَنَا"، أَوْ نَحْوَهُ، لِجَوَازِ ذَلِكَ لِلْوَاحِدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَجَائِزٌ إِذَا سَمِعَ فِي جَمَاعَةٍ أَنْ يَقُولَ: "حَدَّثَنِي"؛ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ حَدَّثَهُ، وَحَدَّثَ غَيْرَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
(الشرح)
يعني يقول حدثني أو يقول حدثنا، الأمر سواء، نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(المتن)
(الرَّابِعُ: رَوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: اتَّبِعْ لَفْظَ الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ: "حَدَّثَنَا، وَحَدَّثَنِي، وَسَمِعْتُ، وَأَخْبَرَنَا"، وَلَا تَعْدُوهُ، قُلْتُ: لَيْسَ لَكَ فِيمَا تَجِدُهُ فِي الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ رِوَايَاتِ مَنْ تَقَدَّمَكَ أَنْ تُبَدِّلَ فِي نَفْسِ الْكِتَابِ مَا قِيلَ فِيهِ (أَخْبَرَنَا) بِـ (حَدَّثَنَا)، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي إِقَامَةِ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا يَرَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ وَجَدْتَ مِنْ ذَلِكَ إِسْنَادًا عَرَفْتَ مِنْ مَذْهَبِ رِجَالِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فَإِقَامَتُكَ أَحَدَهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ مِنْ بَابِ تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فَالَّذِي نَرَاهُ الِامْتِنَاعَ مِنْ إِجْرَاءِ مِثْلِهِ فِي إِبْدَالِ مَا وُضِعَ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ، وَالْمَجَامِعِ الْمَجْمُوعَةِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى).
(الشرح)
نعم، يعني ليس للإنسان أن يغير ما وجد في الكتب، حدثنا يغيرها أخبرنا أو أنبأنا، لأن هذه أمانة، ولأن المؤلف قد لا يرى أن أخبرنا تقوم مقام أنبأنا، حتى ولو عرفت أن مذهبه يرى أنه يجوز إبدال أحدهما بالآخر، ينبغي للإنسان أن يتأدب مع كتب أهل العلم، ولا يغير ولا يبدل، إذا كان له شيخ تعليق حاشية أو كذا، أما أن يغير فلا، ليس له أن يغير، نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، هذا من باب الرواية بالمعنى، والرواية بالمعنى فيها خلاف بين أهل العلم، والذين أجازوها اشترطوا لها شروط، منها أن يكون عنده معرفة باللغة، وبما يغير المعنى، نعم، وبعض الشروط الأخرى، نعم.
(المتن)
(الْخَامِسُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ مَنْ يَنْسَخُ وَقْتَ الْقِرَاءَةِ، فَوَرَدَ عَنِ الْإِمَامِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ بْنِ عَدِيٍّ الْحَافِظِ، وَالْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيِّ الْفَقِيهِ الْأُصُولِيِّ، وَغَيْرِهِمْ نَفْيُ ذَلِكَ.
وَرَوَينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الصِّبْغِيِّ، أَحَدِ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيِّينَ بِخُرَاسَانَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَكْتُبُ فِي السَّمَاعِ؟ فَقَالَ: يَقُولُ: "حَضَرْتُ"، وَلَا يَقُلْ: "حَدَّثَنَا، وَلَا أَخْبَرَنَا".
وَوَرَدَ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّال ِ تَجْوِيزُ ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: "كَتَبْتُ عِنْدَ عَارِمٍ وَهُوَ يَقْرَأُ، وَكَتَبْتُ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ، وَهُوَ يَقْرَأُ"، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: أَنَّهُ قُرِئَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَنْسَخُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ مَا يُقْرَأُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسْخِ مِنَ السَّامِعِ، وَالنَّسْخِ مِنَ الْمُسْمِعِ.
قُلْتُ: وَخَيْرٌ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ التَّفْصِيلُ، فَنَقُولُ: لَا يَصِحُّ السَّمَاعُ إِذَا كَانَ النَّسْخُ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ مَعَهُ فَهْمُ النَّاسِخِ لِمَا يُقْرَأُ، حَتَّى يَكُونَ الْوَاصِلُ إِلَى سَمْعِهِ كَأَنَّهُ صَوْتٌ غُفْلٌ، وَيَصِحُّ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْفَهْمُ.
(الشرح)
إذا كان الشيخ ينسخ وهو يقرأ عليه، هل يقال: أن يقول حدثني؟ منهم من قال لا يقول، لأنه مشغول بالنسخ، ومنهم من قال: له أن يقول ذلك، والمؤلف فصل، قال: إن كان النسخ لا يؤثر عليه ويفهم فلا بأس، وإن كان النسخ يؤثر عليه بحيث إنه ما يسمع من القارئ إلا الصوت فقط، فإنه لا يقول حدثني، نعم.
(المتن)
(الشرح)
فهمي، فهمي الإملاء، يقول: أنا أفهم، أنا أفهم وأنا أنسخ، ينسخ ويفهم، يعني النسخ هو زيادة، بعض الناس إذا اشتغل بشيء ما يفهم شيء، فيكتب ما يفهم شيء، فلا يسمع، بعض الناس يستطيع، يكتب، ويسمع كلام المتكلم، كمثل ما رويناه عن؟
(المتن)
(الشرح)
الدارقطني معروف إمام أوتي ذكاء، وهو أوتي ذكاء فهو ذكي، ولهذا هو من النقاد نعم.
(المتن)
(الشرح)
فهم، وهو يكتب، ضبط الأحاديث وهو ينسخ، وهذا الذي هو متفرغ ما ينسخ ما عرف كم روى الشيخ من أحاديث، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا ذكاء، هذا من النوادر، يعني ينسخ ومع ذلك ضبط الأحاديث، ضبطها وحفظها، فهذا الناس يختلفون في هذا، نعم.
(المتن)
(الشرح)
يعني كأنه قراءته فيها ضعف، هذا مثل ما نقول ينمنم، يعنى قراءة ما هي بواضحة، باللهجة العامية نسميها ينمنم.
(المتن)
(أَوْ كَانَ يُهَيْنِمُ بِحَيْثُ يُخْفِي بَعْضَ الْكَلِمِ، أَوْ كَانَ السَّامِعُ بَعِيدًا عَنِ الْقَارِئِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْفَى فِي كُلِّ ذَلِكَ عَنِ الْقَدْرِ الْيَسِيرِ نَحْوِ الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ.
وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيزَ لِجَمِيعِ السَّامِعِينَ رِوَايَةَ جَمِيعِ الْجُزْءِ، أَوِ الْكِتَابِ الَّذِي سَمِعُوهُ، وَإِنْ جَرَى عَلَى كُلِّهِ اسْمُ السَّمَاعِ.
وَإِذَا بَذَلَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ خَطَّهُ بِذَلِكَ كَتَبَ لَهُ: سَمِعَ مِنِّي هَذَا الْكِتَابَ، وَأَجَزْتُ لَهُ رِوَايَتَهُ عَنِّي، أَوْ نَحْوَ هَذَا، كَمَا كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَفْعَلُ.
وَفِيمَا نَرْوِيهِ عَنِ الْفَقِيهِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ الْفَقِيهِ الْأَنْدَلُسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا غِنَى فِي السَّمَاعِ عَنِ الْإِجَازَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلَطُ الْقَارِئُ، وَيَغْفَلُ الشَّيْخُ، أَوْ يَغْلَطُ الشَّيْخُ إِنْ كَانَ الْقَارِئَ، وَيَغْفُلُ السَّامِعُ، فَيَنْجَبِرُ لَهُ مَا فَاتَهُ بِالْإِجَازَةِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ تَحْقِيقٌ حَسَنٌ.
وَقَدْ رَوَينَا عَنْ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: الشَّيْخُ يُدْغِمُ الْحَرْفَ يُعْرَفُ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا، وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ، تَرَى أَنْ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْهُ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَضِيقَ هَذَا.
وَبَلَغَنَا عَنْ خَلَفِ بْنِ سَالِمٍ الْمُخَرَّمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: "حدثنا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ" يُرِيدُ " حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ"، لَكِنِ اقْتَصَرَ مِنْ "حَدَّثَنَا" عَلَى "النُّونِ وَالْأَلِفِ" فَإِذَا قِيلَ لَهُ قُلْ: "حَدَّثَنَا عَمْرٌو"، قَالَ: لَا أَقُولُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ: "حَدَّثَنَا" ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ، وَهِيَ "حَدَّثَ" لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، قُلْتُ: قَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ الْمُحَدِّثِينَ يَعْظُمُ الْجَمْعُ فِي مَجَالِسِهِمْ جِدًّا، حَتَّى رُبَّمَا بَلَغَ أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً، وَيُبَلِّغُهُمْ عَنْهُمُ الْمُسْتَمْلُونَ، فَيَكْتُبُونَ عَنْهُمْ بِوَاسِطَةِ تَبْلِيغِ الْمُسْتَمْلِينَ، فَأَجَازَ غَيْرُ وَاحِدٍ لَهُمْ رِوَايَةَ ذَلِكَ عَنِ الْمُمْلِي).
(الشرح)
نعم، لأن بعض المحدثين يكون عندهم ألوف، يحضر خمسة آلاف ستة آلاف، ولا عندهم مكبرات صوت مثلما عندنا، ويكون هناك مستملون، مستملون يعني مبلغون، إذا قال الشيخ حدثنا، قال المستملي الأول: حدثنا، ثم يقول الثاني: حدثنا، ثم الثالث: حدثنا، ثم الرابع: حدثنا، وهكذا، قد يكون خمسة، كل واحد يبلغ بعد الثاني، المسافة بعيدة، ولا فيه هناك مكبرات صوت، يسمون المستملين، يبلغون عن الشيخ، يقول: حدثنا محمد، يقول المستملي الأول: حدثنا محمد، ثم يقول المستملي الثاني: حدثنا محمد، ثم الثالث: حدثنا محمد، ثم الرابع ثم الخامس، وهكذا، فيقول المتأخرون الذين سمعوا من المستملي الخامس يقولون: حدثنا الشيخ، لا بأس، لأنهم بلغهم المستملي، نعم، الحمد لله الآن دونت الأسانيد، الآن، الكتب الستة، والمسانيد، نعم.
(المتن)
(رَوِّينَا عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَتَتَّسِعُ الْحَلْقَةُ، فَرُبَّمَا يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ فَلَا يَسْمَعُهُ مَنْ تَنَحَّى عَنْهُ، فَيَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَمَّا قَالَ، ثُمَّ يَرْوُونَهُ، وَمَا سَمِعُوهُ مِنْهُ، وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ، كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ: اسْتَفْهِمْ مَنْ يَلِيكَ، وَعَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلِيَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ لَا يَسْمَعُونَ، قَالَ أَتَسْمَعُ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَسْمِعْهُمْ، وَأَبَى آخَرُونَ ذَلِكَ.
رَوَينَا عَنْ خَلَفِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلَافٍ، أَوْ نَحْوَهَا، فَكُنْتُ أَسْتَفْهِمُ جَلِيسِي، فَقُلْتُ لِزَائِدَةَ؟ فَقَالَ لِي: لَا تُحَدِّثْ مِنْهَا إِلَّا بِمَا تَحْفَظُ بِقَلْبِكَ، وَسَمِعَ أُذُنُكَ، قَالَ: فَأَلْقَيْتُهَا.
وَعَنْ أَبِي نُعَيْمٍ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِيمَا سَقَطَ عَنْهُ مِنَ الْحَرْفِ الْوَاحِدِ، وَالِاسْمِ مِمَّا سَمِعَهُ مِنْ سُفْيَانَ وَالْأَعْمَشِ، وَاسْتَفْهَمَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ، لَا يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ وَاسِعًا لَهُ.
قُلْتُ: الْأَوَّلُ تَسَاهُلٌ بَعِيدٌ، وَقَدْ رَوَينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ الْحَافِظِ الْأَصْبَهَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِوَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا فُلَانُ، يَكْفِيكَ مِنَ السَّمَاعِ شَمُّهُ، وَهَذَا إِمَّا مُتَأَوَّلٌ، أَوْ مَتْرُوكٌ عَلَى قَائِلِهِ).
الشيخ:
متروك أو مردود؟
طالب:
متروك.
الشيخ:
طيب، هي بمعنى مردود، نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، يعني إذا سمع أو حضر وأسمعه من بجواره يكفيه هذا، نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما بعد، قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(المتن)
(الشرح)
نعم، يصح السماع من وراء حجاب، إذا كان بينه وبين الشيخ جدار أو يسمع صوته، له أن يحدث عنه، أو أخبره ثقه بأن هذا صوته، مثل الآن المسجل، إذا كان يعرف الصوت، وقال: هذا صوت فلان، له أن ينقل الفتوى والخبر بعد التأكد، هذا من الصوت، بعد معرفة الصوت، هذا من الأشياء الجديدة التي ما كانت معروفة، ولهذا إذا سمع الصوت قال هذا العالم الفلاني، ثم سمع شيئًا من الفتوى ينقلها إذا عرف الصوت وتأكد، كان الصحابة يأتون إلى عائشة - رضي الله عنها - ويستفتونها، ويسمعون كلامها من وراء حجاب، هي في بيتها، وهو في المسجد، ولما سمعت أبا هريرة يحدث عائشة - رضي الله عنها - أنكرت عليه من وراء حجاب، عبد الله بن عمر، لما قال "النبي ﷺ اعتمر اربع عمر او خمس عمر احداهن في رجب" أنكرت عليه، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر رسول الله إلا وهو معه، ما اعتمر في رجب قط، أو سمعنا ضرب السواك هذه يتسوك، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا في الاعتماد على الصوت، صح، بلال قد يكون الإنسان بعيد، يسمعه الناس وهم في البيوت، والناس يعرفون صوته، يعرفون أذان بلال، ويعرفون أذان ابن أم مكتوم، فيعتمدون على الصوت، فدل على أنه إذا عرف الصوت يعتمد عليه، كذلك المستمع حينما يستمع إلى المحدث، ويعرف صوته يعتمد عليه، ولو بينه وبينه حجاب، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا إذا كان فيه لبس، فيه إشكال، يمكن تتوقف، والأصل لا، الأصل عدم، وإلا فالشيطان قد يتلبس، قد يتصور في صورة إنسان، ويتكلم، نعم.
(المتن)
(الثَّامِنُ: مَنْ سَمِعَ مِنْ شَيْخٍ حَدِيثًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَا تَرْوِهِ عَنِّي، أَوْ: لَا آذَنُ لَكَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِّي، أَوْ قَالَ: لَسْتُ أُخْبِرُكَ بِهِ، أَوْ: رَجَعْتُ عَنْ إِخْبَارِي إِيَّاكَ بِهِ، فَلَا تَرْوِهِ عَنِّي، غَيْرَ مُسْنِدٍ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ، أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، بَلْ مَنَعَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ مَعَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ حَدِيثُهُ وَرِوَايَتُهُ، فَذَلِكَ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِسَمَاعِهِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْهُ.
وَسَأَلَ الْحَافِظُ أَبُو سَعدِ بْنُ عَلِيَّكْ النَّيْسَابُورِيُّ الْأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، عَنْ مُحَدِّثٍ خَصَّ بِالسَّمَاعِ قَوْمًا، فَجَاءَ غَيْرُهُمْ، وَسَمِعَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُحَدِّثِ بِهِ، هَلْ تَجُوزُ لَهُ رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْهُ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ تَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ الْمُحَدِّثُ: إِنِّي أُخْبِرُكُمْ، وَلَا أُخْبِرُ فُلَانًا، لَمْ يَضُرُّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
(الشرح)
نعم، والنسائي حصل بينه وبين أحد شيوخه وحشة، وكان النسائي يختفي ويسمع من شيخه، ثم يقول: حدثني قراءة عليه وأنا أسمع، فلا بأس، وشيخه ظاهره ما عين له، بينه وبينه واحد، ومع ذلك يسمع، ومختفي ويحدث، ولو إنسان خص جماعة، يعني درس خاص مثلًا لطلبة علم، قال: هذا خاص لطلبة العلم الكبار، ثم جاء إنسان ما هو منهم، مستواهم مثلًا، طلبة في الدراسات العليا خصهم بدرس، ثم جاء إنسان أقل، وسمع وروى واستفاد لا بأس، ولو ما خصه به، ما دام فهم، نعم.
(38:29)
هذا فيه خلاف، خلاف بين ترتيب السنن بعد الصحيحين، الذي يأتي بعدها، المشهور أنه أبو داود، ثم الترمذي ثم النسائي، بعضهم قدم النسائي، قال النسائي مقدم، فيه اختلاف بين العلماء في هذا، فيه كلام للشراح، نعم.
(المتن)
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ طُرُقِ نَقْلِ الْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ: الْإِجَازَةُ.
وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ أَنْوَاعًا، أَوَّلُهَا: أَنْ يُجِيزَ لِمُعَيَّنٍ فِي مُعَيَّنٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: "أَجَزْتُ لَكَ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ، أَوْ: مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَهْرَسَتِي هَذِهِ"، فَهَذَا عَلَى أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْمُنَاوَلَةِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا، وَلَا خَالَفَ فِيهَا أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَإِنَّمَا خِلَافُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا النَّوْعِ، وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ فَأَطْلَقَ نَفْيَ الْخِلَافِ، وَقَالَ: "لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَازَةِ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا"، وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَحَكَى الْخِلَافَ فِي الْعَمَلِ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: هَذَا بَاطِلٌ، فَقَدْ خَالَفَ فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَازَةِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْفُقَهَاءِ، وَالْأُصُولِيِّينَ، وَذَلِكَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ . رُوِيَ عَنْ صَاحِبِهِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: "كَانَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرَى الْإِجَازَةَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الرَّبِيعُ: أَنَا أُخَالِفُ الشَّافِعِيَّ فِي هَذَا.
وَقَدْ قَالَ بِإِبْطَالِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيِّينَ، مِنْهُمُ الْقَاضِيَانِ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَرُّوذِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ (الْحَاوِي)، وَعَزَاهُ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَا جَمِيعًا: "لَوْ جَازَتِ الْإِجَازَةُ لَبَطَلَتِ الرِّحْلَةُ"، وَرُوِيَ أَيْضًا هَذَا الْكَلَامُ عَنْ شُعْبَةَ، وَغَيْرِهِ.
وَمِمَّنْ أَبْطَلَهَا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْإِمَامُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَرْبِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ الْمُلَقَّبُ بِأَبِي الشَّيْخِ، وَالْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الْوَايِلِيُّ السِّجْزِيُّ، وَحَكَى أَبُو نَصْرٍ فَسَادَهَا عَنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيَه، قَالَ أَبُو نَصْرٍ: وَسَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: قَوْلُ الْمُحَدِّثِ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي تَقْدِيرُهُ: أَجَزْتُ لَكَ مَا لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يُبِيحُ رِوَايَةَ مَا لَمْ يُسْمَعْ.
قُلْتُ: وَيُشْبِهُ هَذَا مَا حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْخُجَنْدِيُّ أَحَدُ مَنْ أَبْطَلَ الْإِجَازَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ أَحَدِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: "أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ"، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: "أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ".
ثُمَّ إِنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَقَالَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَغَيْرِهِمُ: الْقَوْلُ بِتَجْوِيزِ الْإِجَازَةِ، وَإِبَاحَةِ الرِّوَايَةِ بِهَا.
وَفِي الِاحْتِجَاجِ لِذَلِكَ غُمُوضٌ، وَيَتَّجِهُ أَنْ يَقُولَ: إِذَا أَجَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَرْوِيَّاتِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ بِهَا جُمْلَةً، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ تَفْصِيلًا، وَإِخْبَارُهُ بِهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّصْرِيحِ نُطْقًا كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ حُصُولُ الْإِفْهَامِ، وَالْفَهْمِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْإِجَازَةِ الْمُفْهِمَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إِنَّهُ كَمَا تَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِالْإِجَازَةِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمَرْوِيِّ بِهَا، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ: إِنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْمُرْسَلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْإِجَازَةِ مَا يَقْدَحُ فِي اتِّصَالِ الْمَنْقُولِ بِهَا، وَفِي الثِّقَةِ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ: أَنْ يُجِيزَ لِمُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: "أَجَزْتُ لَكَ، أَوْ لَكُمْ جَمِيعَ مَسْمُوعَاتِي، أَوْ جَمِيعَ مَرْوِيَّاتِي" وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(الشرح)
المعين (43:13)، لكن أجاز له شيئًا غير معين، كمسموعاتي كلها، أما القسم الأول أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري فقط مثلًا، أما هذا قول: جميع مروياتي، عام، الشخص معين، والمروي غير معين، نعم.
(المتن)
(فَالْخِلَافُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَقْوَى وَأَكْثَرُ، وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَغَيْرِهِمْ عَلَى تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِهَا أَيْضًا، وَعَلَى إِيجَابِ الْعَمَلِ بِمَا رُوِيَ بِهَا بِشَرْطِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ: أَنْ يُجِيزَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِوَصْفِ الْعُمُومِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: " أَجَزْتُ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَجَزْتُ لِكُلِّ أَحَدٍ، أَوْ أَجَزْتُ لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانِي"، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذَا نَوْعٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِمَّنْ جَوَّزَ أَصْلَ الْإِجَازَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِوَصْفٍ حَاصِرٍ أَوْ نَحْوِهِ، فَهُوَ إِلَى الْجَوَازِ أَقْرَبُ، وَمِمَّنْ جَوَّزَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ.
وَرَوَينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ الْحَافِظِ أَنَّهُ قَالَ: "أَجَزْتُ لِمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، وَجَوَّزَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الْمُحَقِّقِينَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْخَطِيبُ الْإِجَازَةَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَأَجَازَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ سَعِيدٍ أَحَدُ الْجِلَّةِ مِنْ شُيُوخِ الْأَنْدَلُسِ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ قُرْطُبَةَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَوَافَقَهُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ . وَأَنْبَأَنِي مَنْ سَأَلَ الْحَازِمِيَّ أَبَا بَكْرٍ، عَنِ الْإِجَازَةِ الْعَامَّةِ هَذِهِ، فَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ: أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ - نَحْوَ أَبِي الْعَلَاءِ الْحَافِظِ وَغَيْرِهِ - كَانُوا يَمِيلُونَ إِلَى الْجَوَازِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَلَمْ نَرَ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الْإِجَازَةَ فَرَوَى بِهَا، وَلَا عَنِ الشِّرْذِمَةِ الْمُسْتَأْخِرَةِ الَّذِينَ سَوَّغُوهَا، وَالْإِجَازَةُ فِي أَصْلِهَا ضَعْفٌ، وَتَزْدَادُ بِهَذَا التَّوَسُّعِ، وَالِاسْتِرْسَالِ ضَعْفًا كَثِيرًا لَا يَنْبَغِي احْتِمَالُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ).
(الشرح)
يعني الاقرب المنع، يقول أجزت لعموم المسلمين، لكل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، هذا عام، أو أجزت لكل من دخل مدينة الرياض أن يروي عني من المسلمين، فيها ضعف، فيها ضعف، نعم.