شعار الموقع

شرح كتاب مقدمة ابن الصلاح (14) تابع صِفَةِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ، وَشَرْطِ أَدَائِهِ ومعرفة آداب المحدث

00:00
00:00
تحميل
66

(تابع المتن)

مِنْهُمْ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، فَالْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي كُلِّ حَدِيثٍ، وَهُوَ بِمَثَابَةِ تَقْطِيعِ الْمَتْنِ الْوَاحِدِ فِي أَبْوَابٍ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

وهذا يفعله مسلم، هذا ما حدثنا به همام، ثم يقول: قال كذا، حديث، ومنها، وفيها، وكذا وكذا، نعم.

(المتن)

وَمِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ أَبَى إِفْرَادَ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْمُدْرَجَةِ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَرَآهُ تَدْلِيسًا، وَسَأَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْأُسْتَاذَ أَبَا إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِينِيَّ الْفَقِيهَ الْأُصُولِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَا يَجُوزُ"، وَعَلَى هَذَا مَنْ كَانَ سَمَاعُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُبَيِّنَ، وَيَحْكِيَ ذَلِكَ كَمَا جَرَى، كَمَا فَعَلَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي صَحِيفَةِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، نَحْوَ قَوْلِهِ: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حدثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخبرنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ، مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: تَمَنَّ... الْحَدِيثَ"، وَهَكَذَا فَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُؤَلِّفِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْخَامِسَ عَشَرَ: إِذَا قَدَّمَ ذِكْرَ الْمَتْنِ عَلَى الْإِسْنَادِ، أَوْ ذِكْرَ الْمَتْنِ، وَبَعْضَ الْإِسْنَادِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْإِسْنَادَ عَقِيبَهُ عَلَى الِاتِّصَالِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَذَا وَكَذَا)، أَوْ يَقُولَ: (رَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَذَا وَكَذَا)، ثُمَّ يَقُولُ: (أَخْبَرَنَا بِهِ فُلَانٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ) وَيَسُوقُ الْإِسْنَادَ حَتَّى يَتَّصِلَ بِمَا قَدَّمَهُ، فَهَذَا يَلْتَحِقُ بِمَا إِذَا قَدَّمَ الْإِسْنَادَ فِي كَوْنِهِ يَصِيرُ بِهِ مُسْنِدًا لِلْحَدِيثِ لَا مُرْسِلًا لَهُ.

فَلَوْ أَرَادَ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ هَكَذَا أَنْ يُقَدِّمَ الْإِسْنَادَ وَيُؤَخِّرَ الْمَتْنَ، وَيُلَفِّقَهُ كَذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ جَوَّزَ ذَلِكَ.

قُلْتُ: ويَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ نَحْوُ الْخِلَافِ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ مَتْنِ الْحَدِيثِ عَلَى بَعْض، وَقَدْ حَكَى الْخَطِيبُ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَلَى الْمَعْنَى لَا تَجُوزُ، وَالْجَوَازَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَلَى الْمَعْنَى تَجُوزُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ إِعَادَةِ ذِكْرِ الْإِسْنَادِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ، أَوِ الْجُزْءِ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَوَّلًا، فَهَذَا لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي إِفْرَادِ كُلِّ حَدِيثٍ بِذَلِكَ الْإِسْنَادِ عِنْدَ رِوَايَتِهَا، لِكَوْنِهِ لَا يَقَعُ مُتَّصِلًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ يُفِيدُ تَأْكِيدًا، وَاحْتِيَاطًا، وَيَتَضَمَّنُ إِجَازَةً بَالِغَةً مِنْ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْإِجَازَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

السَّادِسَ عَشَرَ: إِذَا رَوَى الْمُحَدِّثُ الْحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَقَالَ عِنْدَ انْتِهَائِهِ "مِثْلَهُ" فَأَرَادَ الرَّاوِي عَنْهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِسْنَادِ الثَّانِي، وَيَسُوقَ لَفْظَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَقِيبَ الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، فَالْأَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ.

وَرَوَينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ الْحَافِظِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: "كَانَ شُعْبَةُ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ".

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: يَجُوزُ ذَلِكَ، إِذَا عُرِفَ أَنَّ الْمُحَدِّثَ ضَابِطٌ مُتَحَفِّظٌ يَذْهَبُ إِلَى تَمْيِيزِ الْأَلْفَاظِ وَعَدِّ الْحُرُوفِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا رَوَى مِثْلَ هَذَا يُورِدُ الْإِسْنَادَ، وَيَقُولُ: (مِثْلَ حَدِيثٍ قَبْلَهُ مَتْنُهُ كَذَا وَكَذَا)، ثُمَّ يَسُوقُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُحَدِّثُ قَدْ قَالَ: (نَحْوَهُ)، قَالَ: (وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ).

أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ عَلِيِّ بْنِ أبي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ شَيْخُ الشُّيُوخِ بِهَا، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِهَا، أَخبرنَا وَ الِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ، أَخبرنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّرِيفِينِيُّ، أَخبرنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حُبَابَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، قَالَ: حدثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ، قَالَ: حدثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ شُعْبَةُ: "فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ مِثْلَهُ ولَا يُجْزِئُ"، قَالَ وَكِيعٌ: وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ:  يُجْزِئُ".

وَأَمَّا إِذَا قَالَ: (نَحْوَهُ)، فَهُوَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا إِذَا قَالَ: (مِثْلَهُ).

نُبِّئْنَا بِإِسْنَادٍ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: إِذَا قَالَ "نَحْوَهُ"، فَهُوَ حَدِيثٌ، وَقَالَ شُعْبَةُ (نَحْوَهُ) شَكٌّ.

وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ أَجَازَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي قَوْلِهِ "مِثْلَهُ" وَلَمْ يُجِزْهُ فِي قَوْلِهِ: "نَحْوَهُ".

قَالَ الْخَطِيبُ: وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَمْ يُجِزِ الرِّوَايَةَ عَلَى الْمَعْنَى، فَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَجَازَهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ "مِثْلَهُ"، وَ "نَحْوَهُ"، والله أعلم.

قُلْتُ: هَذَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا رَوِّينَاهُ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ عَلِيٍّ السِّجْزِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَاكِمَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظَ يَقُولُ: "إِنَّ مِمَّا يَلْزَمُ الْحَدِيثِيَّ مِنَ الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: "مِثْلَهُ"، أَوْ يَقُولَ: "نَحْوَهُ"، فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَقُولَ: "مِثْلَهُ" إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمَا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَيَحِلُّ له أَنْ يَقُولَ: "نَحْوَهُ" إِذَا كَانَ عَلَى مِثْلِ مَعَانِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين، قال:

التفريع السابع عشر من التفريعات المندرجة تحت النوع السادس والعشرين في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك، قال:

(المتن)

إِذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ إِسْنَادَ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ مَتْنِهِ إِلَّا طَرَفًا، ثُمَّ قَالَ: (وَذَكَرَ الْحَدِيثَ)، أَوْ قَالَ: (وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ) فَأَرَادَ الرَّاوِي عَنْهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثَ بِكَمَالِهِ وَبِطُولِهِ، فَهَذَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ (مِثْلَهُ)، أَوْ (نَحْوَهُ). فَطَرِيقُهُ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ، بِأَنْ يَقْتَصَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَلَى وَجْهِهِ فَيَقُولَ: (قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ)، ثُمَّ يَقُولَ: (وَالْحَدِيثُ بِطُولِهِ هُوَ كَذَا وَكَذَا)، وَيَسُوقَهُ إِلَى آخِرِهِ.

وَسَأَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيَّ الْمُقَدَّمَ فِي الْفِقْهِ، وَالْأُصُولِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: "لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ أَنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ عَلَى التَّفْصِيلِ".

وَسَأَلَ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبَا بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيَّ الْحَافِظَ الْفَقِيهَ، عَمَّنْ قَرَأَ إِسْنَادَ حَدِيثٍ عَلَى شَّيْخِ، ثُمَّ قَالَ: "وَذَكَرَ الْحَدِيثَ" هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ بِجَمِيعِ الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: إِذَا عَرَفَ الْمُحَدِّثُ، وَالْقَارِئُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ، فَأَرْجُو أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ، وَالْبَيَانُ أَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا كَانَ.

قُلْتُ: إِذَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ فَالتَّحْقِيقُ فِيهِ أَنَّهُ بِطَرِيقِ الْإِجَازَةِ فِيمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ، لَكِنَّهَا إِجَازَةٌ أَكِيدَةٌ قَوِيَّةٌ مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ، فَجَازَ لِهَذَا مَعَ كَوْنِ أَوَّلِهِ سَمَاعًا إِدْرَاجُ الْبَاقِي عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إخراج لَهُ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّامِنَ عَشَرَ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ (عَنِ النَّبِيِّ) إِلَى (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ)، وَكَذَا بِالْعَكْسِ، وَإِنْ جَازَتِ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى، فَإِنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى فِي هَذَا مُخْتَلِفٌ.

وَثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ رَأَى أَبَاهُ إِذَا كَانَ فِي الْكِتَابِ (النَّبِيُّ)، فَقَالَ الْمُحَدِّثُ: "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ" ضَرَبَ وَكَتَبَ "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ".

وَقَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ: "هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ اتِّبَاعَ الْمُحَدِّثِ فِي لَفْظِهِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُ التَّرْخِيصُ فِي ذَلِكَ".

(الشرح)

الظاهر من هذا انه الجواز،(.....) وإن كان النبي والرسول مختلف المعنى، لكن متلازم، النبي رسول والرسول نبي، نعم.

(المتن)

ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَكُونُ فِي الْحَدِيثِ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ"، فَيَجْعَلُ الْإِنْسَانُ "قَالَ النَّبِيُّ ﷺ"، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.

وَذَكَرَ الْخَطِيبُ بِسَنَدِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَفَّانُ، وَبَهْزٌ، فَجَعَلَا يُغَيِّرَانِ "النَّبِيَّ ﷺ" مِنْ "رَسُولِ اللَّهِ ﷺ"، فَقَالَ لَهُمَا حَمَّادٌ: أَمَّا أَنْتُمَا فَلَا تَفْقَهَانِ أَبَدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

التَّاسِعَ عَشَرَ: إِذَا كَانَ سَمَاعُهُ عَلَى صِفَةٍ فِيهَا بَعْضُ الْوَهْنِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهَا فِي حَالَةِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ فِي إِغْفَالِهَا نَوْعًا مِنَ التَّدْلِيسِ، وَفِيمَا مَضَى لَنَا أَمْثِلَةٌ لِذَلِكَ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا إِذَا حَدَّثَهُ الْمُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فِي حَالَ الْمُذَاكَرَةِ، فَلْيَقُلْ: (حَدَّثَنَا فُلَانٌ مُذَاكَرَةً)، أَوْ (حَدَّثَنَاهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ)، فَقَدْ كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ حُفَّاظِهِمْ يَمْنَعُونَ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ فِي الْمُذَاكَرَةِ شَيْءٌ، مِنْهُمْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَروِّينَاهُ عَنِ ابنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِمَا قَدْ يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْمُسَاهَلَةِ، مَعَ أَنَّ الْحِفْظَ خَوَّانٌ، وَلِذَلِكَ امْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْحُفَّاظِ مِنْ رِوَايَةِ مَا يَحْفَظُونَهُ إِلَّا مِنْ كُتُبِهِمْ، مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ،  أَجْمَعِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

يعني يبين يقول سمعته مذاكرة، يعني في أثناء المذاكرة، غير مجلس التحديث غير، مجلس التحديث يحدث ضبط، أما المذاكرة قد يتساهل، قد يروي بالمعنى، نعم.

(المتن)

الْعِشْرُونَ: إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ رَجُلَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَجْرُوحٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَأَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَلَا يُسْتَحْسَنُ إِسْقَاطُ الْمَجْرُوحِ مِنَ الْإِسْنَادِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الثِّقَةِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَنِ الْمَجْرُوحِ شَيْءٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الثِّقَةُ، قَالَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثُمَّ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ.

قَالَ الْخَطِيبُ: "وَكَانَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي مِثْلِ هَذَا رُبَّمَا أَسْقَطَ الْمَجْرُوحَ مِنَ الْإِسْنَادِ، وَيَذْكُرُ الثِّقَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: "وَآخَرُ" كِنَايَةً عَنِ الْمَجْرُوحِ، قَالَ: "وَهَذَا الْقَوْلُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ".

قُلْتُ: وَهَكَذَا يَنْبَغِي إِذَا كَانَ الْحَدِيثُ عَنْ رَجُلَيْنِ ثِقَتَيْنِ أَنْ لَا يُسْقِطَ أَحَدَهُمَا مِنْهُ، لِتَطَرُّقِ مِثْلِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَحْذُورُ الْإِسْقَاطِ فِيهِ أَقَلَّ، ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ امْتِنَاعَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اتِّفَاقُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاحْتِمَالِ نَادِرٌ بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ مِنَ الْإِدْرَاجِ الَّذِي لَا يَجُوزُ تَعَمُّدُهُ كَمَا سَبَقَ فِي النَوْعِ الْمُدْرَجِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين:

النوع الحادي والعشرين من الأنواع المندرجة تحت النوع السادس والعشرين في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك، قال:

(المتن)

إِذَا سَمِعَ بَعْضَ حَدِيثٍ مِنْ شَيْخٍ، وَبَعْضَهُ مِنْ شَيْخٍ آخَرَ، فَخَلَطَهُ، وَلَمْ يُمَيِّزْهُ، وَعَزَا الْحَدِيثَ جُمْلَةً إِلَيْهِمَا، مُبَيِّنًا أَنَّ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْضَهُ، وَعَنِ الْآخَرِ بَعْضَهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا فَعَلَ الزُّهْرِيُّ.

(الشرح)

يعني فعل الزهري هذا في حديث عائشة، في حديث الإفك وفي غيرها قصة الإفك، نعم، يقول دخل أحاديث بعضهما في بعض، في حديث غزوة تبوك أيضًا، نعم.

(المتن)

فَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا فَعَلَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، حَيْثُ رَوَاهُ، عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَقَالَ: "وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، قَالُوا: قَالَتْ:.... الْحَدِيثَ".

ثُمَّ إِنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ إِلَّا وَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْإِبْهَامِ، حَتَّى إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْرُوحًا لَمْ يَجُزْ الِاحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ بَعْدَ اخْتِلَاطِ ذَلِكَ أَنْ يُسْقِطَ ذِكْرَ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ، وَيَرْوِيَ الْحَدِيثَ عَنِ الْآخَرِ وَحْدَهُ، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُهُمَا جَمِيعًا مَقْرُونًا بِالْإِفْصَاحِ بِأَنَّ بَعْضَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَبَعْضَهُ عَنِ الْآخَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ مَعْرِفَةُ آدَابِ الْمُحَدِّثِ

وَقَدْ مَضَى طَرَفٌ مِنْهَا اقْتَضَتْهُ الْأَنْوَاعُ الَّتِي قَبْلَهُ.

عِلْمُ الْحَدِيثِ عِلْمٌ شَرِيفٌ، يُنَاسِبُ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنَ الشِّيَمِ، وَيُنَافِرُ مَسَاوِئ الْأَخْلَاقِ، وَمَشَايِنَ الشِّيَمِ، وَهُوَ مِنْ عُلُومِ الْآخِرَةِ لَا مِنْ عُلُومِ الدُّنْيَا، فَمَنْ أَرَادَ التَّصَدِّيَ لِإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ، أَوْ لِإِفَادَةِ شَيْءٍ مِنْ عُلُومِهِ، فَلْيُقَدِّمْ تَصْحِيحَ النِّيَّةِ وَإِخْلَاصَهَا، وَلْيُطَهِّرْ قَلْبَهُ مِنَ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَأَدْنَاسِهَا، وَلْيَحْذَرْ بَلِيَّةَ حُبِّ الرِّئَاسَةِ، وَرُعُونَتِهَا.

(الشرح)

بلية باللام، نعم، يعني ما يبتلى به العلماء الناس، نعم.

(المتن)

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي السِّنِّ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدِّي لِإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ، وَالِانْتِصَابُ لِرِوَايَتِهِ، وَالَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّهُ مَتَى احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْدَهُ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدِّي لِرِوَايَتِهِ، وَنَشْرِهِ، فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ، وَرَوِّينَا عَنِ الْقَاضِي الْفَاضِلِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى أَنَّهُ قَالَ: "الَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ، فِي الْحَدِّ الَّذِي بَلَغَهُ النَّاقِلُ حَسُنَ بِهِ أَنْ يُحَدِّثَ هو: أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهَا انْتِهَاءُ الْكُهُولَةِ وَفِيهَا مُجْتَمَعُ الْأَشُدِّ، قَالَ سُحَيْمُ بْنُ وَثِيلٍ:

أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي وَنجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّئُونِ

قَالَ: "وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ أَنْ يُحَدِّثَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهَا حَدُّ الِاسْتِوَاءِ وَمُنْتَهَى الْكَمَالِ، نُبِّئَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ تَتَنَاهَى عَزِيمَةُ الْإِنْسَانِ وَقُوَّتُهُ، وَيَتَوَفَّرُ عَقْلُهُ، وَيَجُودُ رَأْيُهُ".

وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ خَلَّادٍ، وَقَالَ: كَمْ مِنَ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ لَمْ يَنْتَهِ إِلَى هَذَا السَّنِّ، وَمَاتَ قَبْلَهُ، وَقَدْ نَشَرَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَالْعِلْمِ مَا لَا يُحْصَى هَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تُوُفِّيَ وَلَمْ يُكْمِلِ الْأَرْبَعِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَمْ يَبْلُغِ الْخَمْسِينَ، وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَهَذَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ جَلَسَ لِلنَّاسِ ابْنَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: ابْنَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ، وَشُيُوخُهُ أَحْيَاءٌ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ أُخِذَ عَنْهُ الْعِلْمُ فِي سِنِّ الْحَدَاثَةِ، وَانْتَصَبَ لِذَلِكَ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

المهم القدرة، التأهل، إذا تأهل لإسماع الحديث، وعنده أهلية، كذلك شيخ الإسلام ابن تيمية أفتى وهو ابن إحدى وعشرين، نعم.

(المتن)

قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ خَلَّادٍ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ: فِيمَنْ يَتَصَدَّى لِلتَّحْدِيثِ ابْتِدَاءً مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ بَرَاعَةٍ فِي الْعِلْمِ تَعَجَّلَتْ لَهُ قَبْلَ السِّنِّ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَهَذَا إِنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ السِّنِّ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الِاحْتِيَاجِ إِلَى مَا عِنْدَهُ، وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ عِيَاضٌ مِمَّنْ حَدَّثَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لِبَرَاعَةٍ مِنْهُمْ فِي الْعِلْمِ تَقَدَّمَتْ، ظَهَرَ لَهُمْ مَعَهَا الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِمْ، فَحَدَّثُوا قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ لِأَنَّهُمْ سُئِلُوا ذَلِكَ إِمَّا بِتصَرِيحِ السُّؤَالِ، وَإِمَّا بِقَرِينَةِ الْحَالِ.

وَأَمَّا السِّنُّ الَّذِي إِذَا بَلَغَهُ الْمُحَدِّثُ انْبَغَى لَهُ الْإِمْسَاكُ عَنِ التَّحْدِيثِ فَهُوَ السِّنُّ الَّذِي يُخْشَى عَلَيْهِ فِيهِ مِنَ الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يَخْلِطَ، وَيَرْوِيَ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، وَالنَّاسُ فِي بُلُوغِ هَذِهِ السِّنِّ يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ، وَهَكَذَا إِذَا عَمِيَ، وَخَافَ أَنْ يُدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ، فَلْيُمْسِكْ عَنِ الرِّوَايَةِ.

وَقَالَ ابْنُ خَلَّادٍ: أَعْجَبُ إِلَيَّ أَنْ يُمْسِكَ فِي الثَمَانِينَ، لِأَنَّهُ حَدُّ الْهَرَمِ، فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ ثَابِتًا، وَرَأْيُهُ مُجْتَمِعًا، يَعْرِفُ حَدِيثَهُ، وَيَقُومُ بِهِ، وَتَحَرَّى أَنْ يُحَدِّثَ احْتِسَابًا رَجَوْتُ لَهُ خَيْرًا.

وَوَجْهُ مَا قَالَهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ الثَمَانِينَ ضَعُفَ حَالُهُ فِي الْغَالِبِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ الِاخْتِلَالُ، وَالْإِخْلَالُ، أَوْ أَنْ لَا يُفْطَنَ لَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُخَلِّطَ، كَمَا اتَّفَقَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ.

(الشرح)

نعم، حصل لهم التخليط غالبا في هذا السن، نعم.

(المتن)

مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَقَدْ حَدَّثَ خَلْقٌ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ هَذَا السِّنِّ، فَسَاعَدَهُمُ التَّوْفِيقُ، وَصَحِبَتْهُمُ السَّلَامَةُ.

(الشرح)

نعم، يختلف الناس، بعضهم إذا بلغ الثمانين حصل عندهم تخريف، وبعضهم يكون لا يزال، مجتمع القوى وأحاسيسه قوية حتى بلغ المائة، مثل الطبراني عاش إلى المائة، وابن عمر، وابن عبد البر كذلك، وغيرهم، وهم معهم شعورهم وقواهم، نعم.

(المتن)

مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، فِي عَدَدٍ جَمٍّ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَفِيهِمْ غَيْرُ وَاحِدٍ حَدَّثُوا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ، مِنْهُمُ: الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْهُجَيْمِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ أَجْمَعِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ، وَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إِبْرَاهِيمُ بِشَيْءٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكِرَهَ الرِّوَايَةَ بِبَلَدٍ فِيهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، لِسِنِّهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين، في معرفة آداب المحدث:

(المتن)

ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يُحَدِّثَ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ، وَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إِبْرَاهِيمُ بِشَيْءٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكِرَهَ الرِّوَايَةَ بِبَلَدٍ فِيهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، لِسِنِّهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ.

رَوَينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ: "إِذَا حَدَّثْتُ فِي بَلَدٍ فِيهِ مِثْلُ أَبِي مُسْهِرٍ فَيَجِبُ لِلِحْيَتِي أَنْ تُحْلَقَ".

(الشرح)

هذا غلو منه، حلق اللحية حرام، يعني قد يقص منها (.....) بنفسه، لكن هذا ليس بطيب هذا الكلام.

وَعَنْهُ أَيْضًا: "إِنَّ الَّذِي يُحَدِّثُ بِالْبَلْدَةِ - وَفِيهَا مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْدِيثِ مِنْهُ - فَهُوَ أَحْمَقُ".

وَيَنْبَغِي لِلْمُحَدِّثِ - إِذَا الْتُمِسَ مِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ، فِي بَلَدِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، بِإِسْنَادٍ أَعْلَى مِنْ إِسْنَادِهِ، أَوْ أَرْجَحَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ - أَنْ يُعْلِمَ الطَّالِبَ بِهِ، وَيُرْشِدَهُ إِلَيْهِ.

(الشرح)

هذا كان قبل أن تدون الأحاديث، الآن دونت الأحاديث الآن، الأمهات الست، والمسانيد، والأجزاء، دونت والحمد لله، الآن انتهت مسألة التحديث، ومن يطلب الحديث ويكتب الأحاديث، الآن انتهى، (.....) دونت الأحاديث، فليس هناك أحد الآن إلا يرجع إلى ما دون، نعم.

(المتن)

فَإِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ تَحْدِيثِ أَحَدٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ صَحِيحِ النِّيَّةِ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُرْجَى لَهُ حُصُولُ النِّيَّةِ مِنْ بَعْدُ.

(الشرح)

يعني إذا كان غير صحيح النية، قد يكون هذا في أول الأمر، ثم بعد ذلك إذا ذاق حلاوة الإيمان والتحديث صلحت نيته، لكن هذا من يعلم أنه غير صحيح النية، هذا لو أخبر، أما النية فلا يعلم بها إلا الله، نعم.

(المتن)

رَوَينَا عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَطْلُبُ الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِ الْعِلْمُ حَتَّى يَكُونَ لِلَّهِ ".

(الشرح)

مثلما قال بعض السلف: طلبنا العلم لغير الله، فأبى إلا أن يكون لله، نعم.

(المتن)

وَلْيَكُنْ حَرِيصًا عَلَى نَشْرِهِ مُبْتَغِيًا جَزِيلَ أَجْرِهِ، وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَتَأَلَّفُ النَّاسُ عَلَى حَدِيثِهِ، مِنْهُمْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَلْيَقْتَدِ بِمَالِكٍ فِيمَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْفُرَاوِيُّ قَالَ: أَخبرنا أَبُو الْمَعَالِي الْفَارِسِيُّ، قال: أَخبرنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنَبأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: "كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ تَوَضَّأَ، وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِ فِرَاشِهِ، وَسَرَّحَ لِحْيَتَهُ، وَتَمَكَّنَ فِي جُلُوسِهِ بِوَقَارٍ وَهَيْبَةٍ، وَحَدَّثَ"، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: "أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَا أُحَدِّثُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا"، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ هُوَ قَائِمٌ، أَوْ يَسْتَعْجِلُ.

(الشرح)

نعم، وهذا من باب الاستحباب، الوضوء والطهارة كله مستحب، وكان لا يحدث وهو في الطريق.

يعني هذا خشية أن يغلط، لكن إذا أمن من ذلك لا بأس من حديث الطريق، والنبي ﷺ حدث وهو قائم، في حديث الوداع وقف للناس، جعلوا يسألونه، قال: لم أشعر حتى نحرت قبل أن أرمي قال ارمِ وَلَا حَرَجَ قال حلقت قبل ان انحر قال انحَر وَلَا حَرَجَ فلا بأس بالحديث وهو قائم، وهو يمشي، إذا أمن الغلط، إلا إذا كان مشغول القلب، غير مشوش، هذا ينبغي أن يؤجل، كأن يكون مشغول لكونه شدة الجوع، أو شدة العطش، أو شدة الحر، أو شدة البرد، أو شدة الغلط، نعم، ولا إيش؟

(المتن)

وَقَالَ: "أُحِبُّ أَنْ أَتَفَهَّمَ مَا أُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ".

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ لِذَلِكَ، وَيَتَبَخَّرُ وَيَتَطَيَّبُ، فَإِنْ رَفَعَ أَحَدٌ صَوْتَهُ فِي مَجْلِسِهِ زَبَرَهُ وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات:2].

(الشرح)

يعني وبخه وزجره، نعم.

(المتن)

فَمَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ عِنْدَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَكَأَنَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

وَرَوِّينَا - أَوْ بَلَغَنَا - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهِ أَنَّهُ قَالَ: " الْقَارِئُ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَامَ أَحَدٌ فَإِنَّهُ تكْتَبُ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مَعَ أَهْلِ مَجْلِسِهِ مَا وَرَدَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْقَوْمَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَا يَسْرُدُ الْحَدِيثَ سَرْدًا يَمْنَعُ السَّامِعَ مِنْ إِدْرَاكِ بَعْضِهِ.


(الشرح)

يعني لا بد يكون فصيح تفهم منه الكلمات مايسرع بالكلام.

(المتن)

وَلْيَفْتَتِحْ مَجْلِسَهُ، وَلْيَخْتَتِمْهُ بِذِكْرٍ، وَدُعَاءٍ يَلِيقُ بِالْحَالِ، وَمِنْ أَبْلَغِ مَا يَفْتَتِحُهُ بِهِ أَنْ يَقُولَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَكْمَلَ الْحَمْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ، عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، كُلَّمَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَسَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَآلِ كُلٍّ، وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ، نِهَايَةَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ السَّائِلُونَ".

وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُحَدِّثِ الْعَارِفِ عَقْدُ مَجْلِسه لِإِمْلَاءِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَى مَرَاتِبِ الرَّاوِينَ، وَالسَّمَاعُ فِيهِ مِنْ أَحْسَنِ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ، وَأَقْوَاهَا.

(الشرح)

إملاء الحديث، يعني يملي الأحاديث هذا قبل أن تدون، الآن دونت ولا فيه إملاء الان، والأحاديث موجودة، ومدونة، والحمد لله، نعم.

(المتن)

وَلْيَتَّخِذْ مُسْتَمْلِيًا يُبَلِّغُ عَنْهُ إِذَا كَثُرَ الْجَمْعُ.

(الشرح)

نعم، المستملي المبلغ، كان المحدثين يحدث وليس عندهم مكبرات صوت، فكان لهم مبلغون يسمون المستملين، فكان يحضر مجالس المحدثين الواحد يحضر مجلسه ألوف، ولا يستطيع أن يبلغهم صوته، (.....) فيكون هناك مستملين، فيقول مثلًا إذا قال الشيخ: حدثنا، قال المستملي حدثنا، ثم قال المستملي الثاني حدثنا، ثم قال الثالث حدثنا، المبلغون حتى يصل إلى آخر الحلقة، الحلقة طويلة، يقول الشيخ: حدثنا، ثم يقول المبلغ حدثنا، ثم يقول الثاني حدثنا، ثم المبلغ الثالث حدثنا والرابع حدثنا، يكتب الحدثان، ثم يأتي الحديث محمد بن بشار، ثم المبلغ محمد بن بشار، ثم المبلغ الثاني محمد بن بشار، وهكذا قبل أن تدون، الآن الحمد لله مدونة الآن الأحاديث مدونة، نعم.

(المتن)

فَذَلِكَ دَأْبُ أَكَابِرِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَصَدِّينَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ: مَالِكٌ، وَشُعْبَةُ، وَوَكِيعٌ، وَأَبُو عَاصِمٍ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْلَامِ السَّالِفِينَ.

وَلْيَكُنْ مُسْتَمْلِيهِ مُحَصِّلًا مُتَيَقِّظًا، كَيْ لَا يَقَعَ..

(الشرح)

المستملي يعني المبلغ يكون يقظ حذر، ما يغلط، يفهم خطأ ثم يملي خطأ، إيش؟ نعم.

(المتن)

وَلْيَكُنْ مُسْتَمْلِيهِ مُحَصِّلًا مُتَيَقِّظًا، كَيْ لَا يَقَعَ، فِي مِثْلِ مَا رَوَينَا أَنَّ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ، فَقَالَ: "حَدَّثَنَا بِهِ عِدَّةٌ"، فَصَاحَ بِهِ مُسْتَمْلِيهِ: "يَا أَبَا خَالِدٍ، عِدَّةُ ابْنُ مَنْ؟"، فَقَالَ لَهُ: "عِدَّةُ ابْنُ فَقَدْتُكَ".

(الشرح)

يعني حدثنا به عدة، يعني عدد، هو ظن أن عدة اسم شخص، قال: عدة ابن من؟ قال عدة: إيش؟

(المتن)

فَقَالَ لَهُ: "عِدَّةُ ابْنُ فَقَدْتُكَ".

وَلْيَسْتَمْلِ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ كُرْسِيٍّ، أَوْ نَحْوِه.

(الشرح)

نعم، المستملي يكون على مكان مرتفع، لأن الجمع كثير، ولا فيه مكبرات صوت، حتى يرونه، يكون عنده كرسي المستملي عشان يبلغ، يقول: حدثنا، ثم المستملي الثاني يكون على كرسي، ويبلغ، ثم المستملي الثالث، وهكذا، يجدون مشقة ورحمهم الله، في الأول، ما عندهم مكبرات صوت، ولا عندهم أيضًا أوراق ولا مطابع ولا شيء، يكتبون بأيديهم، والأوراق أيضًا قليلة، والحبر يصنعونه بأيديهم، نعم، لكن مع ذلك صبروا صبر عظيم، وأفلحوا ونشروا، نعم، نشروا الحديث والسنة، نعم.

(المتن)

فَإِنْ لَمْ يَجِدِ اسْتَمْلَى قَائِمًا.

(الشرح)

إن لم يجد كرسي يقف حتي يبلغ، ما يبلغ وهو جالس، ما يسمع، الجمع كثير، إذا كان عنده كرسي، وإن لم يكن عنده كرسي وقف حتى يبلغ، نعم.

(المتن)

وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ لَفْظَ الْمُحَدِّثِ، فَيُؤَدِّيَهُ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.

(الشرح)

نعم، لا يزيد ولا ينقص، يتبع لفظ المحدث، قال حدثنا يقول حدثنا، نعم.

(المتن)

وَالْفَائِدَةُ فِي اسْتِمْلَاءِ الْمُسْتَمْلِي تَوَصُّلُ مَنْ يَسْمَعُ لَفْظَ الْمُمْلِي عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ إِلَى تَفَهُّمِهِ، وَتَحَقُّقِهِ بِإِبْلَاغِ الْمُسْتَمْلِي.

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ إِلَّا لَفْظَ الْمُسْتَمْلِي، فَلَيْسَ يَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ جَوَازَ رِوَايَتِهِ لِذَلِكَ عَنِ الْمُمْلِي مُطْلَقًا، مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ للْحَالِ فِيهِ، وَفِي هَذَا كَلَامٌ قَدْ تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ.

وَيُسْتَحَبُّ افْتِتَاحُ الْمَجْلِسِ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ لِشَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَإِذَا فَرَغَ اسْتَنْصَتَ الْمُسْتَمْلِي أَهْلَ الْمَجْلِسِ إِنْ كَانَ فِيهِ لَغَطٌ، ثُمَّ يُبَسْمِلُ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيُصَلِّي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيَتَحَرَّى الْأَبْلَغَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى الْمُحَدِّثِ، وَيَقُولُ: مَنْ ذَكَرْتَ أَوْ مَا ذَكَرْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ، أَوْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.

وَكُلَّمَا انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ النَّبِيِّ ﷺ ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ قَالَ: .

وَيَحْسُنُ بِالْمُحَدِّثِ الثَّنَاءُ عَلَى شَيْخِهِ فِي حَالَةِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ، فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَالْعُلَمَاءِ.

(الشرح)

فهذه من آداب المحدث، نعم.

(المتن)

كَمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "حَدَّثَنِي الْبَحْرُ"، وَعَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ قَالَ: "حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ".

وَأَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ الدُّعَاءُ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ، فَلَا يَغْفُلَنَّ عَنْهُ، وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْ لَقَبٍ، كَغُنْدَرٍ لَقَبِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ صَاحِبِ شُعْبَةَ، وَلُوَيْنٍ لَقَبِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمِصِّيصِيِّ، أَوْ نِسْبَةٍ إِلَى أُمٍّ عُرِفَ بِهَا، كَيَعْلَى ابْنِ مُنْيَةَ.

(الشرح)

مُنْيَة، يعلى بن منية، ينسب إلى أمه، وينسب إلى أبيه، يقال ابن أمية، ويقال ابن منية، أبوه أمية، وأمه منية، نعم.

(المتن)

كيعلى بن منية الصَّحَابِيِّ وَهُوَ ابْنُ أُمَيَّةَ، وَمُنْيَةُ أُمُّهُ، وَقِيلَ: جَدَّتُهُ أُمُّ أَبِيهِ، أَوْ وَصْفٍ بِصِفَةِ نَقْصٍ فِي جَسَدِهِ عُرِفَ بِهَا، كَسُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، إِلَّا مَا يَكْرَهُهُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا فِي إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ عُلَيَّةَ، وَهِيَ أُمُّهُ، وَقِيلَ: أُمُّ أُمِّهِ، رَوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ"، فَنَهَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ: "قُلْ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى أُمِّهِ"، فَقَالَ: "قَدْ قَبِلْنَا مِنْكَ يَا مُعَلِّمَ الْخَيْرِ".

(.....)

الشيخ:

نعم من باب التبرك بقراءة القرآن، استحباب كلها، نعم، والاستحباب لا بد له من دليل شرعي، نعم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين:

(المتن)

وَقَدِ اسْتُحِبَّ لِلْمُمْلِي أَنْ يَجْمَعَ فِي إِمْلَائِهِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِهِ، مُقَدِّمًا لِلْأَعْلَى إِسْنَادًا، أَوِ الْأَوْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَيُمْلِيَ عَنْ كُلِّ شَيْخٍ مِنْهُمْ حَدِيثًا وَاحِدًا وَيَخْتَارُ مَا عَلَا سَنَدُهُ وَقَصُرَ مَتْنُهُ.

(الشرح)

مثلما فعل الطبراني، أنه ألف أحد المعاجم يروي عن كل شيخ حديث، كل شيخ يروي له حديث، نعم.

(المتن)

فَإِنَّهُ أَحْسَنُ، وَأَلْيَقُ، وَيَنْتَقِيَ مَا يُمْلِيهِ وَيَتَحَرَّى الْمُسْتَفَادَ مِنْهُ، وَيُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ فَائِدَةٍ، وَعُلُوٍّ، وَفَضِيلَةٍ، وَيَتَجَنَّبُ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ عُقُولُ الْحَاضِرِينَ، وَمَا يُخْشَى فِيهِ مِنْ دُخُولِ الْوَهْمِ عَلَيْهِمْ فِي فَهْمِهِ.

وَكَانَ مِنْ عَادَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْكُورِينَ خَتْمُ الْإِمْلَاءِ بِشَيْءٍ مِنَ الْحِكَايَاتِ، وَالنَّوَادِرِ، وَالْإِنْشَادَاتِ بِأَسَانِيدِهَا، وَذَلِكَ حَسَنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا قَصَّرَ الْمُحَدِّثُ عَنْ تَخْرِيجِ مَا يُمْلِيهِ، فَاسْتَعَانَ بِبَعْضِ حُفَّاظِ وَقْتِهِ، فخَرَّجَ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قَالَ الْخَطِيبُ: "كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ".

وَإِذَا نَجِزَ الْإِمْلَاءُ فَلَا غِنَاء عَنْ مُقَابَلَتِهِ..

(الشرح)

وإذا نجز يعني إذا انتهى من الإملاء، يقابله مرة ثانية من باب التصحيح، كتبه وانتهى من الكتابة يقابله مرة أخرى، يراجع حتى يتحقق من عدم فقد شيء، ومن عدم الغلط، نعم.

(المتن)

وَإِذَا نَجِزَ الْإِمْلَاءُ فَلَا غِنَاء عَنْ مُقَابَلَتِهِ وَإِتْقَانِهِ وَإِصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنْهُ بِزَيْغِ الْقَلَمِ، وَطُغْيَانِهِ.

(الشرح)

يزيغ القلم يعني يزل القلم بكتابة زيادة أو نقص، الزيغ الميل، ومنه الدعاء: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران:8]، يعني لا تمل بها عن الحق، نعم.

(المتن)

هَذِهِ عُيُونٌ مِنْ آدَابِ الْمُحَدِّثِ، اجْتَزَأْنَا بِهَا مُعْرِضِينَ عَنِ التَّطْوِيلِ بِمَا لَيْسَ مِنْ مُهِمَّاتِهَا، أَوْ هُوَ ظَاهِرٌ لَيْسَ مِنْ مُتَشَابهاتِهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَالْمُعِينُ، وَهُوَ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: مَعْرِفَةُ آدَابِ طَالِبِ الْحَدِيثِ، وَقَدِ انْدَرَجَ طَرَفٌ مِنْهُ فِي ضِمْنِ مَا تَقَدَّمَ.

فَأَوَّلُ مَا عَلَيْهِ تَحْقِيقُ الْإِخْلَاصِ، وَالْحَذَرُ مِنْ أَنْ يَتَّخِذَهُ وُصْلَةً إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ.

(الشرح)

نعم، طالب الحديث وطالب العلم عليه أولًا إخلاص النية، لأن طلب العلم وطلب الحديث من أجل القربات وأقصل الطاعات، عليه أن يصحح نيته، ويجاهد نفسه على الإخلاص، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، يعني مخلصين له العبادة، هذا عبادة، طلب العلم وطلب الحديث، وليحذر أن يقصد بطلبه الدنيا، من أهواء من الدنيا أو من الجاه أو من المناصب، فيتخذ العلم سلمًا للدنيا، هذا من أقبح المقاصد، نعم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد