(تابع المتن)
وَأَمَّا مَا رَوَينَاهُ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي الطَّاهِرِ السِّلَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ قَوْلِهِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ:
بَلْ عُلُوُّ الْحَدِيثِ بَيْنَ أُولِي الْحِفْـ | ـظِ وَالْإِتْقَانِ صِحَّةُ الْإِسْنَادِ |
وَمَا رَوَينَاهُ عَنِ الْوَزِيرِ نِظَامِ الْمُلْكِ مِنْ قَوْلِهِ: "عِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ الْعَالِيَ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِنْ بَلَغَتْ رُوَاتُهُ مِائَةً"، فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْعُلُوِّ الْمُتَعَارَفِ إِطْلَاقُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا هُوَ عُلُوٌّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَحَسْبُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا النُّزُولُ فَهُوَ ضِدُّ الْعُلُوِّ، وَمَا مِنْ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ الْخَمْسَةِ إِلَّا وَضِدُّهُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ النُّزُولِ، فَهُوَ إِذًا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ، وَتَفْصِيلُهَا يُدْرَكُ مِنْ تَفْصِيلِ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّه ِ: "لَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: النُّزُولُ ضِدُّ الْعُلُوِّ، فَمَنْ عَرَفَ الْعُلُوَّ فَقَدْ عَرَفَ ضِدَّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ لِلنُّزُولِ مَرَاتِبَ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا أَهْلُ الصَّنْعَةِ.. إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ"، فَهُو لَيْسَ نَفْيًا لِكَوْنِ النُّزُولِ ضِدًّا لِلْعُلُوِّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ، بَلْ نَفْيًا لِكَوْنِهِ يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ الْعُلُوِّ، وَذَلِكَ يَلِيقُ بِمَا ذَكَرَهُ هُوَ فِي مَعْرِفَةِ الْعُلُوِّ، فَإِنَّهُ قَصَّرَ فِي بَيَانِهِ وَتَفْصِيلِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ نَحْنُ فِي مَعْرِفَةِ الْعُلُوِّ، فَإِنَّهُ مُفَصَّلٌ تَفْصِيلًا مُفْهِمًا لِمَرَاتِبِ النُّزُولِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
ثُمَّ إِنَّ النُّزُولَ مَفْضُولٌ مَرْغُوبٌ عَنْهُ، وَالْفَضِيلَةُ لِلْعُلُوِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ، وَحَكَى ابْنُ خَلَّادٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ النَّظَرِ أَنَّهُ قَالَ: "التَّنَزُّلُ فِي الْإِسْنَادِ أَفْضَلُ"، وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ، وَالنَّظَرُ فِي تَعْدِيلِ كُلِّ رَاوٍ وَتَخرِيجهِ، فَكُلَّمَا زَادُوا كَانَ الِاجْتِهَادُ أَكْثَرَ، وَكَانَ الْأَجْرُ أَكْثَرَ.
وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ ضَعِيفُ الْحُجَّةِ، وَقَدْ رَوَينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَبِي عَمْرٍو الْمُسْتَمْلِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: "النُّزُولُ شُؤْمٌ"، وَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا جَاءَ فِي ذَمِّ النُّزُولِ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ النُّزُولِ، فَإِنَّ النُّزُولَ إِذَا تَعَيَّنَ - دُونَ الْعُلُوِّ - طَرِيقًا إِلَى فَائِدَةٍ رَاجِحَةٍ عَلَى فَائِدَةِ الْعُلُوِّ فَهُوَ مُخْتَارٌ غَيْرُ مَرْذُولٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الشرح)
لا شك أن النزول مرغوب عنه، قال بعضهم أن السند النازل إذا كثرت الرواة يكون الإنسان له أجر في اجتهاده في البحث عن الرواة هذا قول ضعيف، إنما يؤجر على قدر المشقة، فالجزء العالي هو المطلوب، كلما قلت الوسائط كان أقرب إلى الصحة، نعم.
(المتن)
النَّوْعُ الْمُوَفِّي ثَلَاثِينَ مَعْرِفَةُ الْمَشْهُورِ مِنَ الْحَدِيثِ
وَمَعْنَى الشُّهْرَةِ مَفْهُومٌ، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى: صَحِيحٍ، كَقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَأَمْثَالِهِ، وَإِلَى غَيْرِ صَحِيحٍ: كَحَدِيثِ: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلٍّ مُسْلِمٍ.
وقد بَلَغَنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: "أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ تَدُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْأَسْوَاقِ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ: "مَنْ بَشَّرَنِي بِخُرُوجِ آذَارَ بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ"، وَ "مَنْ آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَ "يَوْمُ نَحْرِكُمْ يَوْمُ صَوْمِكُمْ"، وَ "لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ".
(الشرح)
يعني هذه الأحاديث مشهورة، لكنها ليست صحيحة، مشهورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المصنف رحمه الله تعالى:
(المتن)
(الشرح)
إلى ما هو مشهور أي الحديث المشهور، وهو الذي اشتهر، رواه ثلاثة فأكثر، إلا أنه لم يصل إلى حد التواتر، يقال له مشهور، والعزيز ما رواه اثنان في إحدى طبقاته، والغريب ما رواه واحد في إحدى طبقاته، والمشهور ما رواه ثلاثة فأكثر إلى أن يصل إلى حد التواتر، يقال له مشهور، نعم، وينقسم المشهور؟
(5:00)
(المتن)
وَيَنْقَسِمُ - المشهور - مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إِلَى: مَا هُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ ﷺ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَأَشْبَاهِهِ، وَإِلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ.
كَالَّذِي رَوِّينَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ".
(الشرح)
رعل وذكوان قبائل قتلوا القراء، وهذا مشهور بين أهل الحديث فقط، والحديث الأول الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، هذا مشهور بين أهل الحديث وغير أهل الحديث، نعم.
(المتن)
(الشرح)
لأنه مخرج في الصحيحين أنه قنت على رعل وذكوان الذين قتلوا القراء، نعم.
(المتن)
وَرَوَاةٌ عَنِ التَّيْمِيِّ غَيْرُ الْأَنْصَارِيِّ، وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الصَّنْعَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَقَدْ يَسْتَغْرِبُونَهُ مِنْ حَيْثُ: إِنَّ التَّيْمِيَّ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ، وَهُوَ هَاهُنَا يَرْوِي عَنْ وَاحِدٍ، عَنْ أَنَسٍ.
وَمِنَ الْمَشْهُورِ: الْمُتَوَاتِرُ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يَذْكُرُونَهُ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ الْمُشْعِرِ بِمَعْنَاهُ الْخَاصِّ، وَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ الْخَطيِب ُ قَدْ ذَكَرَهُ، فَفِي كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ اتَّبَعَ فِيهِ غَيْرَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَا تَشْمَلُهُ صِنَاعَتُهُمْ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي رِوَايَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَبَرِ الَّذِي يَنْقُلُهُ مَنْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِ ضَرُورَةً، وَلَا بُدَّ فِي إِسْنَادِهِ مِنِ اسْتِمْرَارِ هَذَا الشَّرْطِ فِي رُوَياتِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ.
وَمَنْ سُئِلَ عَنْ إِبْرَازِ مِثَالٍ لِذَلِكَ فِيمَا يُرْوَى مِنَ الْحَدِيثِ أَعْيَاهُ تَطَلُّبُهُ، وَحَدِيثُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بِسَبِيلٍ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، وَزِيَادَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي وَسَطِ إِسْنَادِهِ، وَلَمْ يُوجَدُ فِي أَوَائِلِهِ عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.
(الشرح)
نعم، كما سبق حديث الأعمال بالنيات، غريب، فرد، ما رواه عن النبي ﷺ إلا واحد وهو عمر بن الخطاب، وما رواه عن عمر بن الخطاب إلا علقمة بن وقاص الليثي، وما رواه عن علقمة بن وقاص الليثي إلا محمد بن إبراهيم التيمي، وما رواه عن محمد بن إبراهيم التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم انتشر، خرجه أهل العلم، هذا يقال أنه متواتر، فمن شرط المتواتر أن يرويه عدد كثير، يستحيل تواطؤ هذا العدد على الكذب، من أول السند إلى منتهاه (8:10) هذا متواتر، فمن قال إن حديث إِنَّمَا الْأَعْمَالُ متواتر يكون صحيح ، وإن كان انتشر بعد يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو خفض شديد، لكنه في أوله ليس متواتر، غريب، لكنه من أصح الأحاديث، تلقته الأمة بالقبول، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا مثال المتواتر، هذا متواتر، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، نعم.
(المتن)
فَإِنَّهُ نَقَلَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْعَدَدُ الْجَمُّ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ.
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ الْحَافِظُ الْجَلِيلُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ " أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ ﷺ اثْنَانِ وَسِتُّونَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَفِيهِمُ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ ".
قَالَ: وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا حَدِيثٌ اجْتَمَعَ عَلَى رِوَايَتِهِ الْعَشَرَةُ غَيْرُهُ، وَلَا يُعْرَفُ حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ.
قُلْتُ: وَبَلَغَ بِهِمْ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ، وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ عَدَدُ رُوَاتِهِ فِي ازْدِيَادٍ، وَهَلُمَّ جَرًّا عَلَى التَّوَالِي وَالِاسْتِمْرَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ مَعْرِفَةُ الْغَرِيبِ وَالْعَزِيزِ مِنَ الْحَدِيثِ
رَوَينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ الْحَافِظِ الْأَصْبَهَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "الْغَرِيبُ مِنَ الْحَدِيثِ كَحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَشْبَاهِهِمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيثُهُمْ، إِذَا انْفَرَدَ الرَّجُلُ عَنْهُمْ بِالْحَدِيثِ يُسَمَّى غَرِيبًا، فَإِذَا رَوَى عَنْهُمْ رَجُلَانِ وَثَلَاثَةٌ، وَاشْتَرَكُوا فِي حَدِيثٍ يُسَمَّى عَزِيزًا، فَإِذَا رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْهُمْ حَدِيثًا سُمِّيَ مَشْهُورًا".
قُلْتُ: الْحَدِيثُ الَّذِي يَتَفَرَّدُ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ يُوصَفُ بِالْغَرِيبِ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي يَتَفَرَّدُ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَمْرٍ لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ غَيْرُهُ: إِمَّا فِي مَتْنِهِ، وَإِمَّا فِي إِسْنَادِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُعَدُّ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَفْرَادِ مَعْدُودًا مِنْ أَنْوَاعِ الْغَرِيبِ، كَمَا فِي الْأَفْرَادِ الْمُضَافَةِ إِلَى الْبِلَادِ عَلَى مَا سَبَقَ شَرْحُهُ.
ثُمَّ إِنَّ الْغَرِيبَ يَنْقَسِمُ إِلَى صَحِيحٍ، كَالْأَفْرَادِ الْمُخَرَّجَةِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِلَى غَيْرِ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْغَرَائِبِ.
رَوَينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ مَرَّةٍ: "لَا تَكْتُبُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْغَرَائِبِ، فَإِنَّهَا مَنَاكِيرُ، وَعَامَّتُهَا عَنِ الضُّعَفَاءِ".
وَيَنْقَسِمُ الْغَرِيبُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: فَمِنْهُ مَا هُوَ (غَرِيبٌ مَتْنًا وَإِسْنَادًا) وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ مَتْنِهِ رَاوٍ وَاحِدٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ (غَرِيبٌ إِسْنَادًا لَا مَتْنًا) كَالْحَدِيثِ الَّذِي مَتْنُهُ مَعْرُوفٌ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، إِذَا تَفَرَّدَ بَعْضُهُمْ بِرِوَايَتِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ كَانَ غَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ مَعَ أَنَّ مَتْنَهُ غَيْرُ غَرِيبٍ، وَمِنْ ذَلِكَ غَرَائِبُ الشُّيُوخِ فِي أَسَانِيدِ الْمُتُونِ الصَّحِيحَةِ، وَهَذَا الَّذِي يَقُولُ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: "غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ".
وَلَا أَرَى هَذَا النَّوْعَ يَنْعَكِسُ، فَلَا يُوجَدُ إِذًا مَا هُوَ غَرِيبٌ مَتْنًا وَلَيْسَ غَرِيبًا إِسْنَادًا، إِلَّا إِذَا اشْتَهَرَ الْحَدِيثُ الْفَرْدُ عَمَّنْ تَفَرَّدَ بِهِ، فَرَوَاهُ عَنْهُ عَدَدٌ كَثِيرُونَ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ غَرِيبًا مَشْهُورًا، وَغَرِيبًا مَتْنًا وَغَيْرَ غَرِيبٍ إِسْنَادًا، لَكِنْ بِالنَّظَرِ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيِ الْإِسْنَادِ، فَإِنَّ إِسْنَادَهُ مُتَّصِفٌ بِالْغَرَابَةِ فِي طَرَفِهِ الْأَوَّلِ، مُتَّصِفٌ بِالشُّهْرَةِ فِي طَرَفِهِ الْآخَرِ، كَحَدِيثِ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَكَسَائِرِ الْغَرَائِبِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا التَّصَانِيفُ الْمُشْتَهِرَةُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ غَرِيبِ الْحَدِيثِ
وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا وَقَعَ فِي مُتُونِ الْأَحَادِيثِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْغَامِضَةِ الْبَعِيدَةِ مِنَ الْفَهْمِ، لِقِلَّةِ اسْتِعْمَالِهَا، فهَذَا فَنٌّ مُهِمٌّ، يَقْبُحُ جَهْلُهُ بِأَهْلِ الْحَدِيثِ خَاصَّةً، ثُمَّ بِأَهْلِ الْعِلْمِ عَامَّةً، وَالْخَوْضُ فِيهِ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، وَالْخَائِضُ فِيهِ حَقِيقٌ بِالتَّحَرِّي جَدِيرٌ بِالتَّوَقِّي.
رَوَينَا عَنِ الْمَيْمُونِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَرْفٍ مِنْ غَرِيبِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: "سَلُوا أَصْحَابَ الْغَرِيبِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالظَّنِّ فَأُخْطِئُ".
وَبَلَغَنَا عَنِ التَّارِيخِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلْأَصْمَعِيِّ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ؟ فَقَالَ: أَنَا لَا أُفَسِّرُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تَزْعُمُ أَنَّ السَّقَبَ اللَّزِيقُ.
(الشرح)
هذه من الغرائب في الحديث، يعني كلماته غريبة، أحق بسقبه يعني القريب منه، نعم.
(المتن)
(الشرح)
النضر بن شميل، نعم، هذا لغوي مشهور، نعم.
(المتن)
وَمِنْهُمْ مَنْ خَالَفَهُ فَقَالَ: "أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِيهِ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى"، وَكِتَابَاهُمَا صَغِيرَانِ، وَصَنَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ كِتَابَهُ الْمَشْهُورَ، فَجَمَعَ وَأَجَادَ وَاسْتَقْصَى، فَوَقَعَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَوْقِعٍ جَلِيلٍ، وَصَارَ قُدْوَةً فِي هَذَا الشَّأْنِ، ثُمَّ تَتَبَّعَ الْقَتْيِيُّ مَا فَاتَ أَبَا عُبَيْدٍ، فَوَضَعَ فِيهِ كِتَابَهُ الْمَشْهُورَ، ثُمَّ تَتَبَّعَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ مَا فَاتَهُمَا، فَوَضَعَ فِي ذَلِكَ كِتَابَهُ الْمَشْهُورَ.
فَهَذِهِ الْكُتُبُ الثَّلَاثَةُ أُمَّهَاتُ الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي ذَلِكَ، وَوَرَاءَهَا مَجَامِعُ تَشْتَمِلُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى زَوَائِدَ وَفَوَائِدَ كَثِيرَةٍ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ مُصَنِّفُوهَا أَئِمَّةً أجِلَّةً.
(الشرح)
أجلة، نعم.
(المتن)
وَأَقْوَى مَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ: أَنْ يُظْفَرَ بِهِ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ، نَحْوُ مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ صَيَّادٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا، فَمَا هُوَ؟ قَالَ: الدُّخُّ"، فَهَذَا خَفِيَ مَعْنَاهُ وَأَعْضَلَ، وَفَسَّرَهُ قَوْمٌ بِمَا لَا يَصِحُّ.
وَفِي مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ الدَّخُّ بِمَعْنَى الزَّخِّ الَّذِي هُوَ الْجِمَاعُ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ يَغِيظُ الْعَالِمَ وَالْمُؤْمِنَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: قَدْ أَضْمَرْتُ لَكَ ضَمِيرًا، فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: الدُّخُّ، بِضَمِّ الدَّالِ، يَعْنِي الدُّخَانَ، وَالدُّخُّ هُوَ الدُّخَانُ فِي اللُغَةٍ، إِذْ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا وَخَبَّأَ لَهُ: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ [الدخان:10].
(الشرح)
نعم، وهذا خير ما يفسر به غريب الحديث الحديث، إذا جاءت اللفظة ثم جاءت مفسرة في موضع آخر هذا هو المعتمد، خبأت لك الدخ يعني المراد الدخان، خبأ في نفسه الدخان، نعم.
(المتن)
(الشرح)
في الصحيحين الحديث، نعم.
(المتن)
(الشرح)
وفي اللفظ الآخر: اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ، فإنَّمَا أَنْتَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ، وابن صياد هذا كان يظن أنه الدجال، ولكنه تبين أنه دجال من الدجاجلة، يعني من الكهان، أما الدجال الأكبر هو الذي سيخرج آخر الزمان، لكن في أول الأمر أشكل على النبي ﷺ، ثم بين له أنه ليس هو الدجال، ولهذا لما استأذن عمر في قتله قبل أن يتبين له، قال النبي: إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَا يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ، يعني إن كان هو الدجال فلن تسلط عليه حتى يخرج، ويجري الله على يديه الخوارق التي قدرها، وإن كان ليس هو الدجال الأكبر فلا خير لك في قتله، ثم بعد ذلك بين للنبي ﷺ أنه ليس هو الدجال الأكبر، وإنما هو دجال من الدجاجلة، والدجال الأكبر يخرج في آخر الزمان، نعم.
(المتن)
(الشرح)
يبين هذا قوله إنَّمَا أَنْتَ مِنْ الْكُهَّانِ،، نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المصنف رحمه الله تعالى:
(المتن)
النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُسَلْسَلِ مِنَ الْحَدِيثِ
التَّسَلْسُلُ مِنْ نُعُوتِ الْأَسَانِيدِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَتَابُعِ رِجَالِ الْإِسْنَادِ وَتَوَارُدِهِمْ فِيهِ، وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، عَلَى صِفَةٍ أَوْ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَيَنْقَسِمُ ذَلِكَ إِلَى مَا يَكُونُ صِفَةً لِلرِّوَايَةِ وَالتَّحَمُّلِ، وَإِلَى مَا يَكُونُ صِفَةً لِلرُّوَاةِ أَوْ حَالًا لَهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ صِفَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَحْوَالَهُمْ - أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا وَنَحْوَ ذَلِكَ - تَنْقَسِمُ إِلَى مَا لَا نُحْصِيهِ.
وَنَوَّعَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِلَى ثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ صُوَرٌ وَأَمْثِلَةٌ ثَمَانِيَةٌ، وَلَا انْحِصَارَ لِذَلِكَ فِي ثَمَانِيَةٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِثَالُ مَا يَكُونُ صِفَةً لِلرِّوَايَةِ وَالتَّحَمُّلِ مَا يَتَسَلْسَلُ بِـ (سَمِعْتُ فُلَانًا قَالَ: سَمِعْتُ فُلَانًا) إِلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ.
(الشرح)
يعني التسلسل فيه صفة يعني كل واحد من رواته يقول: سمعت، سمعت، سمعت، كل واحد يقول سمعت حتى يصل إلى الصحابي يقول: سمعت رسول الله، هذا تسلسل، وفيه تسلسل صيغة أخرى يقول: وفيه واحد يقول: قال فلان كذا، قال فلان كذا، قال فلان كذا، حتى يأتي الصحابي قال رسول الله، ومن التسلسل أن، يقول: أن فلانًا قال كذا، أن فلانًا قال كذا، حتى النبي قال كذا، وأحيانًا يكون التسلسل في الصفة، يكون حدثني فلان وهو يضحك، ثم حدثني فلان وهو يضحك، ثم حدثني فلان وهو يضحك، حتى يقول: حدثني رسول الله وهو يضحك، هذه الصفة (يضحك) وحدثني وهو قائم، واحد يقول: حدثني وهو قائم، حدثني وقد وضع يده على رأسه، حدثني فلان وقد وضع يده على رأسه حتى يصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، هذا تسلسل في الصفة، نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم، ويمكن الراوي يقول حدثنا حدثنا، و كل واحد يقول: أخبرنا أخبرنا، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا تسلسل، كل واحد يحلف، يقول: أخبرنا والله فلان، أخبرنا والله فلان، نعم.
(المتن)
وَمِثَالُ مَا يَرْجِعُ إِلَى صِفَاتِ الرُّوَاةِ وَأَقْوَالِهِمْ وَنَحْوِهَا إِسْنَادُ حَدِيثِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى شُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ الْمُتَسَلْسِلُ بِقَوْلِهِمْ: إِنِّي أُحِبُّكَ، فَقُلْ، وَحَدِيثِ التَّشْبِيكِ بِالْيَدِ، وَحَدِيثِ الْعَدِّ فِي الْيَدِ، فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ نَرْوِيهَا وَتُرْوَى كَثِيرًا، وَخَيْرُهَا مَا كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اتِّصَالِ السَّمَاعِ وَعَدَمِ التَّدْلِيسِ.
وَمِنْ فَضِيلَةِ التَّسَلْسُلِ اشْتِمَالُهُ عَلَى مَزِيدِ الضَّبْطِ مِنَ الرُّوَاةِ، وَقَلَّمَا تَسْلَمُ الْمُسَلْسَلَاتُ مِنْ ضَعْفٍ، أَعْنِي فِي وَصْفِ التَّسَلْسُلِ لَا فِي أَصْلِ الْمَتْنِ، وَمِنَ الْمُسَلْسَلِ مَا يَنْقَطِعُ تَسَلْسُلُهُ فِي وَسَطِ إِسْنَادِهِ، وَذَلِكَ نَقْصٌ فِيهِ، وَهُوَ كَالْمُسَلْسَلِ بِأَوَّلِ حَدِيثٍ سَمِعْتَهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(الشرح)
وقوله ( أول حديث سمعته) يعني يحتمل أنه المؤلف المقصود، أو المخاطب.
(23:42)
هذا حديث الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، هذا يعني كثير من المحدثين يقولون ما سمعوا هذا الحديث، نعم.
(المتن)
النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ نَاسِخِ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخِهِ
هَذَا فَنٌّ مُهِمٌّ مُسْتَصْعَبٌ.
رَوَينَا عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "أَعْيَا الْفُقَهَاءَ وَأَعْجَزَهُمْ أَنْ يَعْرِفُوا نَاسِخَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَنْسُوخِهِ".
(الشرح)
نعم وهو نوع مهم، وقال بعض العلماء لا ينبغي للإنسان ألا يفتي حتى يعرف ناسخ الحديث ومنسوخه، لأنه قد يفتي بشيء منسوخ، نعم.
(المتن)
وَكَانَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ يَدٌ طُولَى وَسَابِقَةٌ أُولَى، رَوَينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، أَحَدِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ لَهُ، وَقَدْ قَدِمَ مِنْ مِصْرَ: "كَتَبْتَ كُتُبَ الشَّافِعِيِّ؟" فَقَالَ: لَا، قَالَ: "فَرَّطْتَ، مَا عَلِمْنَا الْمُجْمَلَ مِنَ الْمُفَسَّرِ، وَلَا نَاسِخَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَنْسُوخِهِ حَتَّى جَالَسْنَا الشَّافِعِيَّ".
وَفِيمَنْ عَانَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مَنْ أَدْخَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ لِخَفَاءِ مَعْنَى النَّسْخِ وَشَرْطِهِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الشَّارِعِ حُكْمًا مِنْهُ مُتَقَدِّمًا بِحُكْمٍ مِنْهُ مُتَأَخِّرًا.
(الشرح)
هذا هو تعريف الناسخ، وهو رفع حكم شرعي متقدم بخطاب شرعي متأخر، نعم، هذا تعريف الناسخ، وهو؟
(المتن)
وَهَذَا حَدٌّ - وَقَعَ لَنَا - سَالِمٌ مِنِ اعْتِرَاضَاتٍ وَرَدَتْ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ إِنَّ نَاسِخَ الْحَدِيثِ وَمَنْسُوخَهُ يَنْقَسِمُ أَقْسَامًا:
فَمِنْهَا: مَا يُعْرَفُ بِتَصْرِيحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِهِ، كَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ.
(الشرح)
نعم هذا عرف الناسخ والمنسوخ من كلام الرسول ﷺ، قال: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، فالنهي كان أولًا ثم جاءت الرخصة، فالأمر بالزيارة ناسخ للنهي، كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، هذا يعرف الناسخ من كلام الرسول ﷺ، كُنتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادخَارِ لُحُومِ الْأَضْحَى بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا، هذا ناسخ ومنسوخ في وقت واحد نهى الرسول ﷺ الأول عن، كُنتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادخَارِ لُحُومِ الْأَضْحَى بَعْدَ ثَلَاثٍ مِن أَجلِ الدَّافَّةِ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا لما دفت دافة الفقراء المدينة، (26:52)، نهى النبي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام حتى يطهونها للفقراء، ثم نسخ بعد ذلك، قال: كُنتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادخَارِ لُحُومِ الْأَضْحَى بَعْدَ ثَلَاثٍ مِن أَجلِ الدَّافَّةِ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا مَا بَدَا لَكُم، فهذا يعرف الناسخ والمنسوخ من كلام الرسول ﷺ.
وأحيانًا يعرف من كلام الصحابي، أمرنا بكذا ثم نهينا، أمرنا بكذا ثم نهينا.
وأحيانًا يعرف بالتعارض، يتعارض الناسخ والمنسوخ، وجد أحدهما متأخر، تعارض حديثان، أحدهما متأخر، يكون المتأخر ينسخ المتقدم إذا لم يمكن الجمع بينهما.
(المتن)
(الشرح)
هذا من كلام الصحابي عرف، يعني نسخ، كان في الوضوء، في الأول الوضوء مما مست النار، ثم نسخ بذلك، كان آخر الأمرين ترك الوضوء، كانوا في أول الإسلام إذا أكل الإنسان طعامًا مسته النار يجب علي أن يتوضأ، إذا شرب مرقا، أو أكل طعام طبخ، أو شرب قهوة مثل الآن مسته النار يجب عليه أن يتوضأ، ثم نسخ، بهذا الحديث، وحديث النبي ﷺ كان يحتز من كتف شاة فدعي إلى الصلاة، فجعل السكين، أبقى السكين وصلى ولم يتوضأ، ولحم الشاة مطبوخ مسته النار.
وكذلك حديث إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ، يعني كان في أول الإمر أول الإسلام، إذا جامع الرجل زوجته ولم يمنِ لم يجب عليه الغسل، إنما الماء من الماء، الماء الأول معروف، من الماء المني، ثم بعد ذلك نسخ بحديث إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، وفي رواية وَإِن لَم يُنزِل، نعم.
(المتن)
(الشرح)
والذي هذا ذهب إليه جمهور العلماء أن الحجامة كانت ممنوعة، تفطر الصائم، ثم نسخت بعد ذلك.
وذهب جماعة من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلى أن الحجامة تفطر وأنها آخر الأمرين، قال ابن القيم - رحمه الله - لا يتم القول بأن الحجامة لا تفطر الصائم، إلا إذا تمهدت أمور أربعة: وهي أن النبي ﷺ احتجم في الحضر، واحتجم وهو صحيح غير مريض، وكذلك أيضًا احتجم بعد أن نهى عن الحجامة ثم احتجم بعد ذلك، وإلا فلا يتم القول بأن الحجامة لا تفطر، ولهذا الصواب أنها تفطر، وليس على خلاف قول الجمهور، الجمهور يرون أنها لا تفطر الحجامة، نعم.
(المتن)
(الشرح)
نعم مَن شربَ الخمرَ فاجلِدوهُ فإن عادَ فاجلِدوهُ فإن عادَ فاجلِدوهُ، ثم قال في الرابع فإن عادَ فاقتُلوهُ، هذا الجمهور على أنه منسوخ، ذكروا أنه إجماع، وذهب بعض العلماء إلى أنه ليس بمنسوخ، أنه باق، من استمر على شرب الخمر، قاله جماعة منهم الشيخ أحمد شاكر وجماعة إلى أنه يقتل في المرة الرابعة، وأنه لم ينسخ، نعم.
(32:13)
ما هو؟ أي الأمرين؟ من أي شيء؟ البسملة، البسملة ما مرت بنا الآن، ما في آخر الأمرين ولا أول الأمرين، الذي مر بنا الآن في قتل شارب الخمر، وفي المني، ما مر بنا هذا، البسملة شيء آخر، ما فيه أول الأمرين، ولا آخر الأمرين، البسملة نعم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، قال المصنف رحمه الله تعالى وغفر له ولشيخنا وللسامعين:
(المتن)
النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ الْمُصَحَّفِ مِنْ أَسَانِيدِ الْأَحَادِيثِ وَمُتُونِهَا
هَذَا فَنٌّ جَلِيلٌ، إِنَّمَا يَنْهَضُ بِأَعْبَائِهِ الْحُذَّاقُ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْهُمْ، وَلَهُ فِيهِ تَصْنِيفٌ مُفِيدٌ.
وَرَوَينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: "وَمَنْ يَعْرَى مِنَ الْخَطَأِ وَالتَّصْحِيفِ؟"
فَمِثَالُ التَّصْحِيفِ فِي الْإِسْنَادِ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ مُرَاجِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا... الْحَدِيثَ، صَحَّفَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ: " ابْنُ مُزَاحِمٍ".
(الشرح)
مراجم، مراجم صحف إلى مزاحم، ومن العلماء قال: التصحيح الثالث مراحم، ومن المفرق له أن التصحيف يكون مثلًا في الشكل، والتحريف يكون في الحروف، إذا كان مثل أَسَد وأُسْد تصحيفًا، وإذا كان في الشكل في الحروف يكون تحريف، ومنهم من قال: لا فرق بينهم، وقد يلحق مثلًا بالنقط، مثل مراجم ومزاحم مثلا، هذا تصحيف إبدال النقط، نعم، إيش؟ صحفه؟
(المتن)
صَحَّفَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَقَالَ: " ابْنُ مُزَاحِمٍ" بِالزَّايِ وَالْحَاءِ، فَرُدَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ" ابْنُ مُرَاجِمٍ" بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ.
وَمِنْهُ: مَا رَوَينَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عُرْفُطَةَ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ"، قَالَ أَحْمَدُ: "صَحَّفَ شُعْبَةُ فِيهِ، فَإِنَّمَا هُوَ خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ"، وَقَدْ رَوَاهُ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ قال مَا قَالَهُ أَحْمَدُ.
وَبَلَغَنَا عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ: أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ قَالَ فِيمَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: "وَمِنْهُمْ عُتْبَةُ بْنُ الْبُذَّرِ"، قَالَهُ بِالْبَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَرَوَى لَهُ حَدِيثًا، وَإِنَّمَا هُوَ "ابْنُ النُّدَّرِ" بِالنُّونِ وَالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ.
(الشرح)
قرأه ابن النذر بالذال، نعم.
(المتن)
(الشرح)
هذا تغير تغير المعنى، احتجم واحتجر، غير الراء فجعل احتجر يعني جعل حجرة، حجر الحصير، وهنا قال احتجم من الحجامة، غير المعنى، نعم.
(المتن)
(الشرح)
ذُرَة، ما يزن ذُرَة، حبة الذرة، ذرة، الذَّرَّة الحشرة الصغيرة، نملة، ذرَّة صحفها وقال: ذُرة، وهي الحبة، حبة الذرة مثل حبة البر، غير المعنى ذرَّة هي الحشرة إلى ذُرة وهي الحبة نوع من الحنطة، نعم.
(المتن)
قَالَ فِيهِ شُعْبَةُ "ذُرَةً" بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ، وَنُسِبَ فِيهِ إِلَى التَّصْحِيفِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ تُعِينُ الصَّانِعَ، قَالَ فِيهِ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ.
(الشرح)
تُعِينُ الصَّانِعَ، بعضهم قال تعين الضائع، يعني الصاد ضاد، نعم.
(المتن)
(الشرح)
تُعِينُ الصَّانِعَ، أو تصنع لأخرق، لما سأل عن المعنى قال: تعين الصانع أو تصنع لأخرق، يعني الصانع اللي يتقن صنعته تساعده، أو تصنع لأخرق تصله إلى ما لا يحسنه في الصناعة، تحرفت إلى الضائع، الصانع، الضائع، نعم.
(المتن)
وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَلَّامٍ - هُوَ الْمُفَسِّرُ - حَدَّثَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [الأعراف: 145]، قَالَ: "مِصْرَ"، وَاسْتَعْظَمَ أَبُو زُرْعَةَ هَذَا وَاسْتَقْبَحَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ "مَصِيرَهُمْ".
وَبَلَغَنَا عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنْ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُثَنَّى أَبَا مُوسَى الْعَنَزِيَّ حَدَّثَ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ فَقَالَ فِيهِ: "أَوْ شَاةٍ تَنْعِرُ" بِالنُّونِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَيْعِرُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ.
(الشرح)
تيعر صوت الشاة تيعر، صحفه فقال: تنعر، نعم.
(المتن)
(الشرح)
وهذا تصحيف، تصحيف شديد، كان النبي ﷺ يصلي إلى عنزة، العنزة حربة، عصا في طرفها حديد، يركزها يجعلها سترة له، فحرفها إلى قبيلة عنزة، فقال نحن لنا الشرف صلى إلينا الرسول ﷺ، صلى إلى قبيلة عنزة، صلى إلى عنزة، تصحيف، نعم.
(المتن)
(الشرح)
عنزة، صلى إلى عنزة، العنزة هي الشاة، هذا تصحيف الأعرابي، نعم.
(المتن)
(الشرح)
من صام رمضان وأتبعه شيئًا من شوال بدل ستة من شوال، يعني ولو يوم واحد، هل هذا؟ صيام يوم واحد شيء، من صام رمضان وأتبعه شيئًا بدل ستة، نعم.
(المتن)
(الشرح)
قَرَّ الدَّجَاجَةِ ، يعني الكاهن حينما يسمع الكلمة من السماع يلقيها على الكاهن، حتى يأتي الإنسان في الارض، فيلقيها الشيطان في أذن الكاهن، فيقرها كقر الدجاجة، قر، قر، كقر الدجاجة، فصحفها قال: كقر الزجاجة، الدجاجة صحفها إلى الزجاجة، نعم، كقر الدجاج، كقر الزجاج، تصحيف، نعم، والتصحيف كثير، نعم.
(المتن)
(الشرح)
الخطب، تشقيق الخطب، يشققون الخطب تشقيق الشعر، صحفها فحذف الحاء قال: الحطب، بدل الخطب قال الحطب، نعم.
(المتن)
ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ قَالَهُ مَرَّةً بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَأَبُو نُعَيْمٍ شَاهِدٌ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ مُصَنِّفٍ أَنَّ ابْنَ شَاهِينَ قَالَ فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ فِي الْحَدِيثِ: "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ تَشْقِيقٍ الْحَطَبِ"، فَقَالَه بَعْضُ الْمَلَّاحِينَ: يَا قَوْمُ! فَكَيْفَ نَعْمَلُ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ.
(الشرح)
نهى عن تشقيق الحطب، يعني إذا احتاج إلى أن يكسر الحطب، ما يكسر الحطب، الرسول ﷺ نهى عن، هو نهى عن تشقيق الخطب كالشعر، صحفها قال: الرسول ﷺ نهى عن تشقيق الحطب، قال: يا قوم إذا كنا محتاجين، ما نكسر الحطب، محتاجين نكسر، نعم.
(المتن)
قُلْتُ: فَقَدِ انْقَسَمَ التَّصْحِيفُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي الْمَتْنِ، وَالثَّانِي فِي الْإِسْنَادِ.
وَيَنْقَسِمُ قِسْمَةً أُخْرَى إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَصْحِيفُ الْبَصَرِ، كَمَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ.
وَالثَّانِي: تَصْحِيفُ السَّمْعِ، نَحْوُ حَدِيثٍ (لِعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ) رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: "عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ" فَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ مِنْ تَصْحِيفِ السَّمْعِ، لَا مِنْ تَصْحِيفِ الْبَصَرِ، كَأَنَّهُ ذَهَبَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْتَبِهُ مِنْ حَيْثُ الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِيهِ سَمْعُ مَنْ رَوَاهُ.
وَيَنْقَسِمُ قِسْمَةً ثَالِثَةً: إِلَى تَصْحِيفِ اللَّفْظِ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَإِلَى تَصْحِيفٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، كَمِثْلِ مَا سَبَقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ إِلَى عَنَزَةَ، وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ تَصْحِيفًا مَجَازٌ، والله أعلم.
وَكَثِيرٌ مِنَ التَّصْحِيفِ الْمَنْقُولِ عَنِ الْأَكَابِرِ الْجِلَّةِ لَهُمْ فِيهِ أَعْذَارٌ لَمْ يَنْقُلْهَا نَاقِلُوهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ، وَالله أَعْلَمُ.
طالب: يبدو أنها الأجلة؟
الشيخ:
لا، الجلة، الجلة بمعنى الأجلة والعظماء، الجلة معروفة، وصف للعظماء، الجلة بمعنى الأجلة، نعم.
(المتن)
وَكَثِيرٌ مِنَ التَّصْحِيفِ الْمَنْقُولِ عَنِ الْأَكَابِرِ الْجِلَّةِ لَهُمْ فِيهِ أَعْذَارٌ لَمْ يَنْقُلْهَا نَاقِلُوهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَالْعِصْمَةَ، وَالله أَعْلَمُ.
النَّوْعُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ: مَعْرِفَةُ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ
وَإِنَّمَا يَكْمُلُ لِلْقِيَامِ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْجَامِعُونَ بَيْنَ صِنَاعَتَيِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، والْغَوَّاصُونَ عَلَى الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ.
اعْلَمْ أَنَّ مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْه يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَا يَتَعَذَّرَ إِبْدَاءُ وَجْهٍ يَنْفِي تَنَافِيَهُمَا، فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ وَالْقَوْلُ بِهِمَا مَعًا، وَمِثَالُهُ: حَدِيثُ: لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، مَعَ حَدِيثِ: لَا يُورَدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ، وَحَدِيثِ: فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ، وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ لَا تُعْدِي بِطَبْعِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - جَعَلَ مُخَالَطَةَ الْمَرِيضِ بِهَا لِلصَّحِيحِ سَبَبًا لِإِعْدَائِهِ مَرَضَهُ.
ثُمَّ قَدْ يَتَخَلَّفُ ذَلِكَ عَنْ سَبَبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَسْبَابِ، فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ نَفَى النبي ﷺ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ الْجَاهِلِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْدِي بِطَبْعِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ؟، وَفِي الثَّانِي: أعْلَمَ بِأَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَلِكَ، وَحَذَّرَ مِنَ الضَّرَرِ الَّذِي يَغْلِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ، بِفِعْلِ اللَّهِ .
الشيخ:
نعم، هذا مختلف الحديث، ومختلف الحديث، الحديث مختلف يعني بينهما اختلاف.