شعار الموقع

شرح كتاب مقدمة ابن الصلاح (18) من معرفة التابعين إلى مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ

00:00
00:00
تحميل
86

الشيخ:

من صلى إلى القبلتين، لدى الخطبتين هذا في السنة الأولى من الهجرة، عددهم قليل، بخلاف القول الثاني أن السابقون الأولون الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا المراد بالفتح الحديبية ، فالذين أسلموا قبل فتح الحديبية وأنفقوا وقاتلوا هم السابقون الأولون، حد فاصل في الحديبية، من أسلم قبل الحديبية فهو من السابقين الأولين، ومن أسلم بعد الحديبية فليس من السابقين الأولين، ولهذا الله تعالى بيَّن فضلهم بالسبق والإنفاق، قال: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا [الحديد:10]، والمراد بالفتح صلح الحديبية، سماه الله فتحًا، لما يعقبه من النصر، وأنزل فيه قوله: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، فقرئت على عمر، فقال عمر: أو فتح هو؟ قال: نعم، صلح الحديبية، نعم.

طالب: صلح الحديبية متى تم؟

الشيخ:

في السنة السادسة من الهجرة، حدث في السنة السادسة، وهي الحد الفاصل، من أسلم قبل الحديبية فهو من السابقين الأولين، وهناك من أسلم بعد الحديبية وقبل فتح مكة، خالد بن الوليد وجماعة، ثم الذين أسلموا يوم الفتح ويقال لهم الطلقاء، يسمون الطلقاء، منهم أبو سفيان وابناه يزيد ومعاوية، يقال لهم الطلقاء، فهم على مراتب، المرتبة الأولى السابقون الأولون الذين أسلموا قبل الحديبية، والمرتبة الثانية الذين أسلموا بعد الحديبية وقبل فتح مكة كخالد بن الوليد وجماعة، والثالثة الذين أسلموا يوم الفتح ويقال لهم الطلقاء، قال النبي: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ، نعم.

طالب: يا شيخ، خالد مايعتبر من السابقين؟

الشيخ:

لا، خالد بعد الحديبية ، ما هو من السابقين، ولهذا لما حصل بين خالد وبين عبد الرحمن بن عوف سوء تفاهم، قال النبي ﷺ مخاطبًا خالدا : لا تَسُبُّوا أصْحابِي، يعني لا تسبوا أصحابي الذين تقدمت صحبتهم، كلهم صحابة، فوالَّذي نَفسي بيدِهِ يخاطب خالد: لوْ أنْفَقَ أحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ، ذَهَبًا ما بَلَغَ مُدَّ أحَدِهِمْ، ولا نَصِيفَهُ، لو أنفق عبدالرحمن مد ذهب، وأنفق خالد مثل أحد سبقه عبد الرحمن، هذا التفاضل بين الصحابة أنفسهم، فكيف التفاضل بين الصحابة ومن بعدهم، لو أنفق السابق مد، وهو ملء الكف، وأنفق المتأخر مثل أحد ما لحق المتأخر بالسابق.

طالب: (.....)

الشيخ:

نعم، هذا في الفضيلة، هو الأجر، هذا عمل، الإنفاق عمل.

طالب: (.....)

الشيخ:

نعم، هذا صحيح، قالوا: منا أو منكم، قال: مِنكُم، وقال (.....): تَجِدُونَ عَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا وَلَا يَجِدُونَ، هذه فضيلة خاصة في الصبر على المنكرات، الصبر على الدين، لكن مزية الصحبة، مزية الهجرة مع النبي ﷺ، مزية الجهاد، مزية تبليغ الإسلام، ما يلحق بهم أحد، قاعدة عند أهل العلم الفضيلة الخاصة لا تفضل علي الفضائل العامة، مثل ما جاء في قصة موسى أن النبي ﷺ قال: إِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ، هذه منقبة لموسى، وفضيلة خاصة، لكن لا تدل على أنه أفضل من نبينا ﷺ، فضيلة خاصة، من ذلك إبراهيم أول من يكسى يوم القيامة، هذه مزية خاصة، فالمزية الخاصة لا تفضل علي الفضائل العامة، هذه مزية للمتأخرين في آخر الزمان أنهم بسبب صبرهم على الدين وعدم من يعينهم، لهم أجر خمسين من الصحابة في هذه المسألة الخاصة، وليس المراد أنهم أفضل من الصحابة، لا، الصحابة لهم مزية الصحبة ما يلحقهم أحد إلى يوم القيامة، مزية الهجرة، مزية الجهاد، مزية السبق إلى الإسلام، مزية تبليغ الدين، ولهذا لما فاضل أراد أن يفاضل بعض العلماء بين عمر بن عبد العزيز ومعاوية بن أبي سفيان، معاوية صحابي من كتبة الوحي، وأسلم يوم الفتح، وعمر بن عبد العزيز ورع وزاهد، وخليفة عادل، حتى ألحق بالخلفاء الأربعة..

طالب: تابعي؟

الشيخ:

لا، متأخر، لكنه عادل وورع، فقال بعض العلماء: إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية في جهاده مع النبي ﷺ يعدل بورع عمر بن عبد العزيز، أي نعم، نعم، وله مزية عمر بن عبد العزيز، وله فضل عظيم في الورع والزهد والعدل في هذا الجانب، بس مزية الصحبة ما يلحق بالصحابة، ما يلحق مزية الصحبة خاصة بالصحابة، السبق إلى الصحبة، إلى الجهاد مع النبي ﷺ، وتبليغ الدين، معاوية بلغ، حديث النبي ﷺ عن معاوية، مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وإيش أجر هذا التبليغ إلى يوم القيامة؟ ما يدرك أجر الحديث هذا عمر بن عبد العزيز ولا غيره، نعم.

طالب: (.....)

الشيخ:

نعم، هذه قاعدة، كل من يعني كل من نشر علمًا أو دينًا فله أجر من عمل به إلى يوم القيامة، مثل ما قال النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب لما أرسله إلى خيبر: فواللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم من الإبل الحمر، والنبي ﷺ له مثل أجور الأمة كلها، النبي ﷺ هو يعني كل خير الناس إنما صار على يديه، ولهذا قال العلماء إن إهداء الثواب للنبي ﷺ بدعة، بعض التابعين يهدي للنبي، يقول يحج للنبي ﷺ، يقول: الهم اجعل ثوابها للنبي ﷺ، أو يتصدق ويقول: اللهم اجعل ثوابها للنبي ﷺ، هذا بدعة ما فعله الصحابة، ولأن النبي ﷺ له مثل أجور الأمة سواء أهديت والا ما أهديت، هذا بدعة، أنت الذي يحتاج النبي أن يهدي لك، نعم.

طالب: حديث (.....) وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، صحيح الحديث؟

الشيخ:

أظنه صحيح، يعني فيه بيان أن الإنسان لا بد من الموت، نعم.

طالب: ما جاء في سيرة معاوية أن بعض الصحابة ما دخلوا عليه، ما دخل على معاوية حذرًا وورعًا من الدخول على السلاطين، هل يعد هذا؟ أم أن هذه شبهة؟ بعض الناس يقول: إنه من أئمة الجور؟

الشيخ:

يعني هذا باطل، بحول الله، ما يجوز الطعن في الصحابة، الصحابة كلهم عدول بإجماع العلماء، نعم.

طالب: لكن هل صحيح أن بعض الصحابة ما دخل عليه؟

الشيخ:

لا أدري، ما سمعت هذا، معاوية من الصحابة، صحيح أنه مو من الخلفاء الراشدين، لكنه أول ملوك الإسلام، العدل، هو صحابي جليل، ومن كتبة الوحي، وجاهد مع النبي ﷺ، وبلغ دين الله ونشر دين الله، فما ينبغي أن يقال مثل هذا الكلام، هذا باطل، نعم، الصحابة كلهم عدول، هذا باطل، نعم، ولا يبعد أن يكون يروج هذا أهل البدع من الباطنة والشيعة الذين يسبون معاوية، ويلصقون به الأكاذيب، يمكن، يروجون مثل هذه القصص وبعض الكذب يدخلونه عليه، نعم.

(المتن)

قال: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا قَالَا: هُمْ أَهْلُ بَدْرٍ، رَوَى ذَلِكَ عَنْهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيمَا وَجَدْنَاهُ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

هم يعني الذين أنفقوا، السابقين، نعم، وروى؟

(المتن)

السَّادِسَةُ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَوَّلِهِمْ إِسْلَامًا، فَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُّ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: "لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِ التَّوَارِيخِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَوَّلُهُمْ إِسْلَامًا"، وَاسْتَنْكَرَ ذَلك الْحَاكِمِ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.

(الشرح)

ولا منافاة بينهما، والجمع بينهما أن أبو بكر أول من أسلم من الرجال، وعلي أول من أسلم من الصبيان، وخديجة أول من أسلم من النساء، وبلال أول من أسلم من الموالي.

طالب: بلال أو زيد بن حارثة؟

الشيخ:

أو زيد على خلاف، نعم.

(المتن)

وَذَكَرَ مَعْمَرٌ نَحْوَ ذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِي رضي الله عنها.

(الشرح)

كما سبق، هي أول من أسلم من النساء، وأبو بكر من الرجال، وعلي من الصبيان.

(المتن)

رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَجَمَاعَةٍ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَادَّعَى الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ فِيمَا رَوَينَاهُ أَوْ بَلَغَنَا عَنْهُ اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ خَدِيجَةُ، وَأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ بْعَدَهَا، وَالْأَوْرَعُ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنَ الصِّبْيَانِ أَوِ الْأَحْدَاثِ عَلِيٌّ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنَ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَمِنَ الْعَبِيدِ بِلَالٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

نعم، هذا القول الصواب، هذا هو الأصل، نعم.

(المتن)

السَّابِعَةُ: آخِرُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَوْتًا أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ، مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَأَمَّا بِالْإِضَافَةِ إِلَى النَّوَاحِي، فَآخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ قَتَادَةَ.

(الشرح)

الطفيل هذا توفي بعد المائة على رأس المائة، الله أكبر، المائة الأولى، نعم.

(المتن)

وَقِيلَ: سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، وَقِيلَ: السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، وَآخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِمَكَّةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَقِيلَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ بِمَكَّةَ مَاتَ، فَهُوَ إِذًا الْآخِرُ بِهَا.

وَآخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِالْبَصْرَةِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: "مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مَاتَ بَعْدَهُ مِمَّنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إِلَّا أَبَا الطُّفَيْلِ".

(الشرح)

وقد طالت حياته حتى جاوز المائة أنس بن مالك، النبي ﷺ دعا له بطول العمر، نعم.

(المتن)

وَآخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بِالْكُوفَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَبِالشَّامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْر.

(الشرح)

يعني الصحابة انتشروا في الأمصار، يبلغون دين الله لما فتحت، نعم، ويعلمون الناس، نعم.

(المتن)

وَقِيلَ: بَلْ أَبُو أُمَامَةَ، وَتَبَسَّطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: "آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِصْرَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ، وَبِفَلَسْطِينَ: أَبُو أُبَيٍّ ابْنُ أُمِّ حَرَامٍ، وَبِدِمَشْقَ: وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، وَبِحِمْصَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ، وَبِالْيَمَامَةِ: الْهِرْمَاسُ بْنُ زِيَادٍ، وَبِالْجَزِيرَةِ: الْعُرْسُ بْنُ عَمِيرَةَ، وَبِأِفْرِيقِيَّةَ: رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ، وَبِالْبَادِيَةِ فِي الْأَعْرَابِ: سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ، أَجْمَعِينَ"، وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ خِلَافٌ لَمْ نَذْكُرْهُ، وَقَوْلُهُ فِي رُوَيْفِعٍ: "بِأِفْرِيقِيَّةَ" لَا يَصِحُّ، إِنَّمَا مَاتَ فِي حَاضِرَةِ بَرْقَةَ وَقَبْرُهُ بِهَا، وَنَزَلَ سَلَمَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِلَيَالٍ فَمَاتَ بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

طالب: (.....)

الشيخ:

هذا هو الصحابي، نعم، حاضرة برقة بلدة في مصر، في تونس؟، نعم، في ليبيا؟، الفقيه البرقاني، ما في بلدة بمصر اسمها برقة، في ليبيا، نعم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المصنف رحمه الله تعالى:

(المتن)

النَّوْعُ الْمُوفِي أَرْبَعِينَ: مَعْرِفَةُ التَّابِعِينَ

هَذَا وَمَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ أَصْلٌ أَصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْمُرْسَلِ وَالْمُسْنَدِ، قَالَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ: التَّابِعِيُّ مَنْ صَحِبَ الصَّحَابِيَّ، قُلْتُ: وَمُطْلَقُهُ مَخْصُوصٌ بِالتَّابِعِ بِإِحْسَانٍ، وَيُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ: تَابِعٌ وَتَابِعِيٌّ.

وَكَلَامُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَسْمَعَ مِنَ الصَّحَابِيِّ أَوْ يَلْقَاهُ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الصُّحْبَةُ الْعُرْفِيَّةُ، وَالِاكْتِفَاءُ فِي هَذَا بِمُجَرَّدِ اللِّقَاءِ وَالرُّؤْيَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ فِي الصَّحَابِيِّ، نَظَرًا إِلَى مُقْتَضَى اللَّفْظَيْنِ فِيهِمَا.

(الشرح)

نعم، الصحابي الصواب أن الصحابي هو من لقي النبي ﷺ مؤمنا به، ومات على الإسلام، هذا الصحابي، من لقيه، ولا يشترط الرؤية ليشمل الأعمى كابن أم مكتوم، ويشمل الصبيان، وكذلك التابعي، إذا لقي التابعي الصحابي، وهو مؤمن ومات على الإسلام، يطلق تابعي، يقال له تابعي، نعم.

(المتن)

وَهَذِهِ مُهِمَّاتٌ فِي هَذَا النَّوْعِ:

إِحْدَاهَا: ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ التَّابِعِينَ عَلَى خَمْسَ عَشْرَةَ طَبَقَةً:

الْأُولَى: الَّذِينَ لَحِقُوا الْعَشَرَةَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَقَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، وَأَبُو سَاسَانَ حُضَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَعَلَيْهِ فِي بَعْضِ هَؤُلَاءِ إِنْكَارٌ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَكْثَرِ الْعَشَرَةِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَّا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ.

قُلْتُ: وَكَانَ سَعْدٌ آخِرَهُمْ مَوْتًا.

وَذَكَرَ الْحَاكِمُ قَبْلَ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ سَعِيدًا أَدْرَكَ عُمَرَ فَمَنْ بَعْدَهُ إِلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي جَمَاعَةِ التَّابِعِينَ مَنْ أَدْرَكَهُمْ وَسَمِعَ مِنْهُمْ غَيْرَ سَعِيدٍ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، نَعَمْ، قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ سَمِعَ الْعَشَرَةَ وَرَوَى عَنْهُمْ، وَلَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَحَدٌ رَوَى عَنِ الْعَشَرَةِ سِوَاهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُوسُفَ بْنُ خِرَاشٍ الْحَافِظُ، فِيمَا رَوَينَا أَوْ بَلَغَنَا عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَوَى عَنِ التِّسْعَةِ: وَلَمْ يَرْوِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ.

وَيْلِي هَؤُلَاءِ التَّابِعُونَ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَبْنَاءِ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَأَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

الثَّانِيَةُ: الْمُخَضْرَمُونَ مِنَ التَّابِعِينَ: هُمُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الْجَاهِلِيَّةَ، وَحَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَسْلَمُوا، وَلَا صُحْبَةَ لَهُمْ، وَاحِدُهُمْ مُخَضْرَمٌ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - كَأَنَّهُ خُضْرِمَ أَيْ قُطِعَ عَنْ نُظَرَائِهِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا الصُّحْبَةَ وَغَيْرَهَا.

وَذَكَرَهُمْ مُسْلِمٌ فَبَلَغَ بِهِمْ عِشْرِينَ نَفْسًا.

(الشرح)

ذكرهم نعم، منهم عثمان النهدي، يعني هم موجودون في زمن النبي ﷺ، لكن ما أسلموا إلا بعد وفاته، حتى ولو رأوا النبي ﷺ، ما يعتبرون صحابة، ما تكون لهم صحبة، لأنهم ما أسلموا في حياة النبي ﷺ، فالذين أدركوا الجاهلية، وأدركوا النبي ﷺ وهم على كفرهم، ولم يسلموا إلا بعد وفاة النبي ﷺ يقال لهم مخضرمون، ما يسمون صحابة، الصحابي من لقي النبي ﷺ مؤمنًا به، ومات على الإسلام، ولا يتخلف شرط، لقي النبي ﷺ غير مؤمن، لكنه أسلم بعد ذلك، فصار مخضرم دخل في حكم التابعي، نعم.

طالب: (.....)

الشيخ:

نعم، ما لقي النبي ﷺ، هذا هو الظاهر، نعم.

(المتن)

مِنْهُمْ: أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ الْكِنْدِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيُّ، وَعَبْدُ خَيْرِ بْنُ يَزِيدَ الْخَيْوَانِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ، وَأَبُو الْحَلَالِ الْعَتَكِيُّ رَبِيعَةُ بْنُ زُرَارَةَ.

وَمِمَّنْ لَمْ يَذْكُرُهُم مُسْلِمٌ: مِنْهُمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبَ، وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثَةُ: مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ: الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهْمُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.

رَوَينَا عَنِ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: "هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ"، وَرَوَينَا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: "كَانَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِينَ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِمْ سَبْعَةً" فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَذَكَرَ بَدَلَهُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

وَرَوَينَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ تَسْمِيَتَهُمْ فِي كِتَابِهِ عَنْهُمْ، فَذَكَرَ هَؤُلَاءِ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَدَلَ أَبِي سَلَمَةَ وَسَالِمٍ.

طالب: (.....)

الشيخ:

من الحجاز، كلها تسمى حجازا، لكن الظاهر أنها تسمى حجازا أوسع من المصطلح الآن، نعم.

(المتن)

الرَّابِعَةُ: وَرَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ"، فَقِيلَ لَهُ: "فَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ؟" فَقَالَ: "سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ.

الشيخ:

الأفصح المسيَّب، أصلها المسيِّب، روي عنه أنه قال: سيَّب الله من سيبني، لكن المحدثون اصطلحوا على أن المسيَّب أفصح، أفصح من المسيِّب، نعم، روي أنه ما يرضى بهذا، وقال: سيَّب الله من سيبني، لكن المحدثين اصطلحوا عليه، مثل ابن علية تأنيث ابن علية، ولا يرضى بتأنيثه لكن المحدثون اصطلحوا عليه، ولا يعرف بهذا.

طالب: (.....) سيب الله من سيبني.

الشيخ:

نعم، هذا مشهور عنه، نعم.

(المتن)

وَرَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ"، فَقِيلَ لَهُ: "فَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ؟" فَقَالَ: "سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ"، وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ مِثْلَ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ"، وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: "أَفْضَلُ التَّابِعِينَ قَيْسٌ، وَأَبُو عُثْمَانَ وَعَلْقَمَةُ، وَمَسْرُوقٌ، هَؤُلَاءِ كَانُوا فَاضِلِينَ، وَمِنْ عِلْيَةِ التَّابِعِينَ".

وَأَعْجَبَنِي مَا وَجَدْتُهُ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَفِيفٍ الزَّاهِدِ الشِّيرَازِيِّ فِي كِتَابٍ لَهُ، قَالَ: "اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَفْضَلِ التَّابِعِينَ: فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يَقُولُونَ: أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ".

وَبَلَغَنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: "لَيْسَ أَحَدٌ أَكْثَرَ فِي فَتْوَى مِنَ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، يَعْنِي مِنَ التَّابِعِينَ".

وَقَالَ أَيْضًا: "كَانَ عَطَاءٌ مُفْتِيَ مَكَّةَ وَالْحَسَنُ مُفْتِيَ الْبَصْرَةِ، فَهَذَانِ أَكْثَرَ النَّاسُ عَنْهُمْ رأيهم".

(الشرح)

نعم، عطاء يفتي بمكة، والحسن مفتي البصرة، نعم.

(المتن)

وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: "سَيِّدَتَا التَّابِعِينَ مِنَ النِّسَاءِ: حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَثَالِثُهُمَا - وَلَيْسَتْ كَهُمَا - أُمُّ الدَّرْدَاءِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(الشرح)

يعني من النساء، حفصة بنت سيرين أخت محمد بن سيرين، محمد بن سيرين من تلاميذ أنس بن مالك، وعمرة بنت عبد الرحمن أيضًا كذلك ممن تروي عن عائشة رضي الله عنها، وعاشت في حجرها كثيرًا، نعم، وعمرة بنت عبد الرحمن كثيرًا ما تروي عن عائشة رضي الله عنها، نعم.

(المتن)

الْخَامِسَةُ: رَوَينَا عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "طَبَقَةٌ تُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ النَّخَعِيُّ الْفَقِيهُ، وَلَيْسَ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ الْفَقِيهِ، وَبُكَيْرُ بْنُ أَبِي السَّمِيطِ، وَبُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْأَشَجِّ"، وَذَكَرَ غَيْرَهُمْ.

قَالَ: "وَطَبَقَةٌ عِدَادُهُمْ عِنْدَ النَّاسِ فِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَقَدْ لَقُوا الصَّحَابَةَ، مِنْهُمْ: أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ لَقِيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَنَسًا، وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَقَدْ أُدْخِلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَقَدْ أَدْرَكَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَأُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ"، وَفِي بَعْضِ مَا قَالَهُ مَقَالٌ.

قُلْتُ: وَقَوْمٌ عُدُّوا مِنَ التَّابِعِينَ وَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمِنْ أَعْجَبِ ذَلِكَ عَدُّ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: النُّعْمَانَ وَسُوَيْدًا ابْنَيْ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيِّ فِي التَّابِعِينَ، عِنْدَمَا ذَكَرَ الْأُخْوَةَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُمَا صَحَابِيَّانِ مَعْرُوفَانِ مَذْكُورَانِ فِي الصَّحَابَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ ْأَكَابِرِ الرُّوَاةِ من الْأَصَاغِرِ

وَمِنَ الْفَائِدَةِ فِيهِ أَنْ لَا يُتَوَهَّمَ كَوْنُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ أَكْبَرَ أو أَفْضَلَ مِنَ الرَّاوِي، نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَغْلَبَ كَوْنُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ كَذَلِكَ، فَيُجْهَلُ بِذَلِكَ مَنْزِلَتُهُمَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ".

ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى أَضْرُبٍ: مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَكْبَرَ سِنًّا، وَأَقْدَمَ طَبَقَةً مِنَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، كَالزُّهْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، فِي رِوَايَتِهِمَا عَنْ مَالِكٍ، وَكَأَبِي الْقَاسِمِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْأَزْهَرِيِّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَحَدِ شُيُوخِ الْخَطِيبِ، رَوَى عَنِ الْخَطِيبِ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ، وَالْخَطِيبُ إِذْ ذَاكَ فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِهِ وَطَلَبِهِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَكْبَرَ قَدْرًا مِنَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا عَالِمًا، وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ شَيْخًا رَاوِيًا فَحَسْبُ، كَمَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهَ فِي رِوَايَتِهِمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ كَثِيرَةٍ.

(الشرح)

نعم، لا حرج، كون الكبير يروي عن الصغير، العلم مشاع، أو الحافظ يروي عمن هو أقل منه، ولهذا يقول العلماء: لا ينبل الرجل حتى يروي عن من هو أكبر منه وأقل منه ومن هو مثله، نعم، الحكمة ضالة المؤمن، لو وجد عنده حديث يروي عنه، ولو كان أصغر منه، نعم.

(المتن)

وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي أَكْبَرَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَذَلِكَ كَرِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُفَّاظِ عَنْ أَصْحَابِهِمْ وَتَلَامِذَتِهِمْ، كَعَبْدِ الْغَنِيِّ الْحَافِظِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصُّورِيّ.

(الشرح)

نعم، قد يروي الشيخ عن تلميذه، لا حرج، وكم من تلميذ فاق شيخه، بعض التلاميذ يكون عندهم النبوغ، ينبغ، ويفوق شيخه، ثم بعد ذلك يروي عنه شيخه فيما بعد كان تلميذًا له، ثم بعد ذلك نبغ، فروى عنه شيخه، نعم.

(المتن)

وَكَرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبَرْقَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ، وَكَرِوَايَةِ الْخَطِيبِ عَنْ أَبِي نَصْرِ بْنِ مَاكُولَا، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذَا النَّوْعِ مَا يُذْكَرُ مِنْ رِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ عَنِ التَّابِعِيِّ كَرِوَايَةِ الْعَبَادِلَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ.

وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ التَّابِعِيِّ عَنْ تَابِعِ التَّابِعِيِّ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ في رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَالْأَنْصَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ، وَكَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لَمْ يَكُنْ مِنَ التَّابِعِينَ، وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا مِنَ التَّابِعِينَ، جَمَعَهُمْ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ فِي كُتَيِّبٍ لَهُ.

وَقَرَأْتُ بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الطَّبَسِيِّ فِي تَخْرِيجٍ لَهُ قَالَ: "عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ لَيْسَ بِتَابِعِيٍّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ التَّابِعِينَ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقال المصنف رحمنا الله وإياه:

(المتن)

النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ الْمُدَبَّجِ وَمَا عَدَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ

وَهُمُ الْمُتَقَارِبُونَ فِي السِّنِّ وَالْإِسْنَادِ.

(الشرح)

نعم، النوع الثاني والأربعون من أنواع علوم الحديث المدبج، والمدبج هو رواية الأقران بعضهم من بعض، والأقران يعني الزملاء المتساوون، لأن الرواة أحيانًا يروي الحديث عمن فوقه، يروي عن شيخه، هذا رواية التلميذ عن شيخه، وأحيانًا يروي الشيخ عن تلميذه، وفي معنا قد يروي التلميذ عن شيخه، يكون عند التلميذ حديث وليس عند الشيخ، فيروي الشيخ عن تلميذه، وأحيانًا تكون رواية الأقران بعضهم عن بعض، الزملاء في الحلقة يروي بعضهم عن بعض، قال رواية المدبج، النوع إيش؟

(المتن)

النَّوْعُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ مَعْرِفَةُ الْمُدَبَّجِ وَمَا عَدَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ

وَهُمُ الْمُتَقَارِبُونَ فِي السِّنِّ وَالْإِسْنَادِ، وَرُبَّمَا اكْتَفَى الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ بِالتَّقَارُبِ فِي الْإِسْنَادِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدِ التَّقَارُبُ فِي السِّنِّ.

اعْلَمْ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَرِينِ عَنِ الْقَرِينِ تَنْقَسِمُ: فَمِنْهَا الْمُدَبَّجُ.

(الشرح)

نعم، رواية الأقران، الأقران الزملاء المتساوون في السن، أو في الإسناد أو في الطلب، نعم.

اعْلَمْ أَنَّ رِوَايَةَ الْقَرِينِ عَنِ الْقَرِينِ تَنْقَسِمُ: فَمِنْهَا الْمُدَبَّجُ، وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ الْقَرِينَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ.

(الشرح)

يعني كل واحد يروي عن الآخر، محمد وعلي زميلان، فمحمد يروي عن علي، وعلي يروي عن محمد، هذا يقال له مدبج، يروي كل واحد منهما عن الآخر، نعم.

(المتن)

مِثَالُهُ فِي الصَّحَابَةِ: عَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، رَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ.

وَفِي التَّابِعِينَ: رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَرِوَايَةُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وَفِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ: رِوَايَةُ مَالِكٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَرِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مَالِكٍ.

وَفِي أَتْبَاعِ الْأَتْبَاعِ: رِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ عَنْ أَحْمَدَ.

وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي هَذَا رِوَايَةَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَرِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَرْضِيٍّ.

(الشرح)

هذا غير المرضي علق على هذا غير المرضي؟ ما فيه كلام عليها، إيش يقول؟

الطالب:  ما علق.

يعني ليس بالمرضي التمثيل برواية أحمد عن عبد الرزاق وعبد الرزاق عن أحمد لأنهما ليسا من الأقران، فلا ينطبق عليه أنه من رواية الأقران ، هذا قول ليس بمرضي، نعم، تكفي الأمثلة السابقة عن رواية الأقران، رواية عائشة، ورواية التابعين وأتباع التابعين، الأمثلة ترى كافيةـ نعم.

(المتن)

وَمِنْهَا: غَيْرُ الْمُدَبَّجِ، وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ أَحَدُ الْقَرِينَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، وَلَا يَرْوِيَ الْآخَرُ عَنْهُ فِيمَا نَعْلَمُ.

(الشرح)

المدبج كل واحد يروي عن الآخر، القرينين يروي أحدهما عن الآخر، وأما إذا روى أحدهما عن الآخر، ولم يرو الآخر عنه، فلا تسمى مدبج، هذه تسمى رواية أقران، نعم.

(المتن)

مِثَالُهُ: رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ مِسْعَرٍ، وَهُمَا قَرِينَانِ، وَلَا نَعْلَمُ لِمِسْعَرٍ رِوَايَةً عَنِ التَّيْمِيِّ، وَلِذَلِكَ أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ

وَذَلِكَ إِحْدَى مَعَارِفِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُفْرَدَةِ بِالتَّصْنِيفِ.

(الشرح)

نعم، ولهذا صنف بعض العلماء، التصنيف، مؤلفات في رواية الأخوة والأخوات، حتى لا يلتبس، تلتبس الروايات بعضها ببعض، يتميز هذا من هذا، رواية الإخوة والأخوات قد يكون أحد الأخوين ثقة والآخر ضعيف، فرواية الإخوان والأخوات فيها تمييز بعضهم من بعض، فيها فوائد تتعلق بالحديث، نعم.

 (المتن)

النَّوْعُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّوَاةِ

وَذَلِكَ إِحْدَى مَعَارِفِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُفْرَدَةِ بِالتَّصْنِيفِ، صَنَّفَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجِ وَغَيْرُهُمْ.

فَمِنْ أَمْثِلَةِ الْأَخَوَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ هُمَا أَخَوَانِ، زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ هُمَا أَخَوَانِ، عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ أَخَوَانِ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ: عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ أَبُو مَيْسَرَةَ وَأَخُوهُ أَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، كِلَاهُمَا مِنْ أَفَاضِلِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ وَأَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، أَخَوَانِ آخَرَانِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ثَلَاثَةِ الْإِخْوَةِ: سَهْلٌ، وَعَبَّادٌ، وَعُثْمَانُ.

(الشرح)

هذا مثال ثلاثة الإخوة، الأول مثال الأخوين، وهذا مثال ثلاثة الإخوة، يروي بعضهم من بعض، سهل وعباد؟

(المتن)

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ثَلَاثَةِ الْإِخْوَةِ: سَهْلٌ، وَعَبَّادٌ، وَعُثْمَانُ، بَنُو حُنَيْفٍ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ، عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَعُمَرُ، وَشُعَيْبٌ بَنُو شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِخْوَةٌ ثَلَاثَةٌ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْأَرْبَعَةِ: سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ، وَإِخْوَتُهُ عَبْدُ اللَّهِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ عَبَّادٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَصَالِحٌ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْخَمْسَةِ: مَا نَرْوِيهِ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحَافِظَ غَيْرَ مَرَّةٍ يَقُولُ: "آدَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثُوا عَنْ آخِرِهِمْ".

وَمِثَالُ السِّتَّةِ: أَوْلَادُ سِيرِينَ، سِتَّةٌ تَابِعِيُّونَ، وَهُمْ: مُحَمَّدٌ، وَأَنَسٌ، وَيَحْيَى، وَمَعْبَدٌ، وَحَفْصَةُ، وَكَرِيمَةُ ذَكَرَهُمْ هَكَذَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ، وَنَقَلْتُهُ مِنْ كِتَابِهِ بِخَطِّ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيمَا أَحْسَبُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُمُ الْحَاكِمُ فِي "كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ"، لَكِنْ ذَكَرَ فِيمَا نَرْوِيهِ مِنْ تَارِيخِهِ بِإِسْنَادِنَا عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ الْحَافِظَ يَذْكُرُ بَنِي سِيرِينَ خَمْسَةَ إِخْوَةٍ: مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَكْبَرُهُمْ مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ، وَيَحْيَى بْنُ سِيرِينَ، وَخَالِدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَنَسُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَصْغَرُهُمْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ.

قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا، وَهَذِهِ غَرِيبَةٌ، عَايَا بِهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: أَيُّ ثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ؟

(الشرح)

عايا بها يعني جعلها لغز، لغز ديني يسأل عنه، لغز، فقال هذا غريب، عايا بها فقال؟

يعني رواية هذا الحديث، نعم، حديث أنس، نعم.

(المتن)

وَمِثَالُ السَّبْعَةِ: النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَإِخْوَتُهُ: مَعْقِلٌ، وَعَقِيلٌ، وَسُوَيْدٌ، وَسِنَانٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَسَابِعٌ لَمْ يُسَمَّ لَنَا، بَنُو مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّونَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ، هَاجَرُوا وَصَحِبُوا النبي ﷺ وَلَمْ يُشَارِكْهُمْ - فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ - فِي هَذِهِ الْمَكْرُمَةِ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُمْ شَهِدُوا الْخَنْدَقَ كُلُّهُمْ.

وَقَدْ يَقَعُ فِي الْإِخْوَةِ مَا فِيهِ خِلَافٌ فِي مِقْدَارِ عَدَدِهِمْ، وَلَمْ نُطَوِّلْ بِمَا زَادَ عَلَى السَّبْعَةِ لِنُدْرَتِهِ، وَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي غَرَضِنَا هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ

وَلِلْخَطِيبِ الْحَافِظِ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ.

(الشرح)

وهذه تسمى معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر، نعم.

(المتن)

وَلِلْخَطِيبِ الْحَافِظِ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ، رَوَينَا فِيهِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنِ ابْنِهِ الْفَضْلِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ "جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ"، وَرَوَينَا فِيهِ: عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِهِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ - وَهُمَا ثِقَتَانِ - أَحَادِيثَ:

مِنْهَا: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِهِ بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَخِرُّوا الْأَحْمَالَ فَإِنَّ الْيَدَ مُغَلَّقَةٌ، وَالرِّجْلَ مُوَثَّقَةٌ.

قَالَ الْخَطِيبُ: "لَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا نَعْلَمُهُ - إِلَّا مِنْ جِهَةِ بَكْرٍ وَابِنِهِ".
وَرَوَينَا فِيهِ: عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثْتَنِي أَنْتَ عَنِّي، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: "وَيْحٌ" كَلِمَةُ رَحْمَةٍ، وَهَذَا ظَرِيفٌ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا.

وَرَوَينَا فِيهِ: عَنْ أَبِي عُمَرَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الدُّورِيِّ الْمُقْرِئ، عَنِ ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ سِتَّةَ عَشَرَ حَدِيثًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَكْثَرُ مَا رُوِّينَاهُ لِأَبٍ عَنِ ابْنِهِ.

وَآخِرُ مَا رَوَينَاهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَأَقْرَبُهُ عَهْدًا مَا حَدَّثَنِيهِ أَبُو الْمُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيمِ ابْنُ الْحَافِظِ أَبِي سَعْدٍ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَا مِنْ لَفْظِهِ قَالَ: أَنْبَأَنِي وَالِدِي عَنِّي - فِيمَا قَرَأْتُ بِخَطِّهِ - قَالَ: حَدَّثَنِي وَلَدِي أَبُو الْمُظَفَّرِ عَبْدُ الرَّحِيمِ مِنْ لَفْظِهِ وَأَصْلِهِ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَحْضِرُوا مَوَائِدَكُمُ الْبَقْلَ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ مَعَ التَّسْمِيَةِ".

(الشرح)

هذا ضعيف أو موضوع، نعم.

طالب: قد أورده ابن الجوزي في الموضوعات.

الشيخ:

هذا الأقرب، أحضروا موائدكم البقل، نعم.

(المتن)

قَالَ: "أَحْضِرُوا مَوَائِدَكُمُ الْبَقْلَ، فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ مَعَ التَّسْمِيَةِ".

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَينَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، فَهُوَ غَلَطٌ مِمَّنْ رَوَاهُ، إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.

وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: "لَا نَعْرِفُ أَرْبَعَةً أَدْرَكُوا النَّبِيَّ ﷺ هُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ إِلَّا هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ" فَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، وَأَبَاهُ، وَابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَابْنَهُ مُحَمَّدًا أَبَا عَتِيقٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ

(الشرح)

عكس النوع الذي قبله، النوع الذي قبله رواية الآباء عن الأبناء، وهنا رواية الأبناء عن الآباء، رواية الصغار عن الكبار، نعم.

(المتن)

النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الْأَبْنَاءِ عَنِ الْآبَاءِ

وَلِأَبِي نَصْرٍ الْوَائلِيِّ الْحَافِظِ فِي ذَلِكَ كِتَابٌ، وَأَهَمُّهُ مَا لَمْ يُسَمَّ الْأَبُ أَوِ الْجَدُّ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: رِوَايَةُ الِابْنِ عَنِ الْأَبِ عَنِ الْجِدِّ، نَحْوُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، وَلَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نُسْخَةٌ كَبِيرَةٌ، أَكْثَرُهَا فِقْهِيَّاتٌ جِيَادٌ، وَشُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَدِ احْتَجَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِحَدِيثِهِ، حَمْلًا لِمُطْلَقِ الْجَدِّ فِيهِ عَلَى الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ، دُونَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَالِدِ شُعَيْبٍ، لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ إِطْلَاقِهِ ذَلِكَ، وَنَحْوُ: بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد