شعار الموقع

شرح كتاب التعالم للشيخ بكر أبو زيد (1) من بداية الكتاب إلى قوله هذه شذرات فيها قوارع لخوارم المتعالمين

00:00
00:00
تحميل
458

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:...

(المتن)

فيقول الشيخ بكر بن عبد الله عافانا الله وإياه:

بسم الله الرحمن الرحيم ولي المتقين، والحمد لله رب العالمين، لا يهدي كيد الخائنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قاصم ظهر الماكرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد ولد آدم أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.

(الشرح)

هكذا يستحب للإنسان أن يبدأ بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، والحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله وصلاة الله أصح ما يقال فيها أنها ثناء الله على عبده في الملأ الأعلى.

(المتن)

أما بعد: فكم رأينا نزالًا في حلائب العلم، من رائم للبروز قبل أن ينضج، فراش قبل أن يبري، وتزبب قبل أن يتحصرم، وقد قيل: "البداية مذلة" وقيل: "من البلية تشيخ الصحفية".

(الشرح)

نعم، هذا يعني: التحرير من كل إنسان يتشبه بما ليس فيه وأن يظهر نفسه أنه من أهل العلم أو أنه من أهل الفتيا وليس كذلك، ولهذا سماه التعالم.

(المتن)

 فكم رأينا نزالًا في حلائب العلم، من رائم للبروز قبل أن ينضج.

(الشرح)

يعني: المنازلة بين الناس والمفاخرة في حلبة السباق، تسابق يعني، (رأينا نزالًا في حلائب العلم).

(المتن)

في حلائب العلم، من رائم للبروز قبل أن ينضج.

(الشرح)

يعني: نزال كأنه منازلة ومسابقة، مصارعة، يريد أن يرتفع فوق طوله وهو لم يصل إلى درجته.

(المتن)

 فراش قبل أن يبري.

(الشرح)

بري رياش المعروف هنا يبري النبل لابد أن يبري ثم يريش النبل.

(المتن)

وتزبب قبل أن يتحصرم.

(الشرح)

الشيخ: يتكلم على..

الطالب: في القاموس التزبد في الكلام، تزبد: التزبد في الكلام، والحصرم الثمر قبل النضج والرجل البخيل المتحصرم وأول العنب ما دام أخضر.

الشيخ: هذه اللهجة يسميها حصرم، الحصرم الشيء الذي ما نضج من الفاكهة والخضرة، (فراش قبل أن يبري) نعم.

(المتن)

 وقد قيل: "البداية مذلة" وقيل: "من البلية تشيخ الصحفية".

(الشرح)

تشيخ يعني: أن يكون شيخ هو صحفي لم يتعلم ولم يتفقه ولم يتبصر، نعم.

(المتن)

ويؤثر عن الإمام علي بن أبي طالب قوله: العلم نقطة كثرها الجاهلون، ولعظيم نفعها تناولها العلماء رحمهم الله تعالى بالبيان في مؤلفات مفردة منها: "زيادة البسطة في بيان العلم نقطة" للنابلسي المتوفى سنة 1143هـ، وللشيخ أحمد الجزائري المتوفى سنة 1320هـ، رسالة في شرحها.

وهي بمعنى ما ساقه ابن عبد البر في "جامعه"، والغزالي في "الإحياء": لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.

(الشرح)

لو سكت من لا يعلم وتُرك الكلام لمن يعلم ما صار في خلاف.

(المتن)

وما يراد بهم هنا إلا "المتعالمون"، الذين ناموا عن العلم فما استيقظوا، وبالغوا قبل أن يبلغوا، فركبوا مطايا الخير للشر. والذين عناهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى بقوله: فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له إن شاء الله.

(الشرح)

لا شك أنه يجب على الإنسان ألا يتكلم إلا بما يعلمه، فإذا كان لا يعلم فلا شك أن السلامة أن يسكت.

(المتن)

وشكى حالهم الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى فقال: هذا وإني بعد ممتحن بأربعة وكلهم ذوو أضغان.

(الشرح)

في النونية:

هذا وإنِّي بعدُ مُمْتَحَنٍ بأر  بعةٍ وكلُّهمُ ذَوو أضْغَانِ

(وإني بعد ممتحن بأربعة وكلهم ذوو أضغان) كلهم أحقاد، كلهم حساد وأحقاد اُمتحن بهم ابن القيم، أربعة أصناف من الناس.

(المتن)

فَظٌ غَلِيظٌ جَاهِلٌ مُتَمَعْلِمٌ ضَخْمُ العِمَامَةِ وَاسِعُ الأرْدَانِ
مُتَفَيْهِقٌ مُتَضَلِّعٌ بِالْجَهْلِ ذُو صَلَعٍ وَذُو جَلَحٍ من العِرْفَانِ
مُزَجَي البِضَاعَةِ فِي العُلُومِ وَإِنَّهُ زَاجٍ من الإِيهَامِ وَالْهَذَيَانِ
يَشْكُو إِلَى اللهِ الْحُقُوقَ تَظَلُّمًا من جَهْلِهِ كَشِكَايَةِ الأَبْدَانِ
من جَاهِلٍ مُتَطَبِّبٍ يُفْتِي الوَرَى وَيُحِيلُ ذَاكَ عَلَى قَضَا الرَّحْمَنِ

(الشرح)

ويحيل ذاك على قضا الرحمن، يعني: يفتي بجهل، نسأل الله العافية.

(المتن)

ورصيفه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، شكى الحال من وجه آخر.

(الشرح)

الشيح: أيش؟.

الطالب: ورصيفه؛ في القاموس هو رصيفه أي يعارضه في عمله ويألفه ولا يفارقه.

(المتن)

ورصيفه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، شكى الحال من وجه آخر، فقال: فوالله لأن يعيش المسلم أخرس، أبكم، خير له من أن يعيش(....)

(الشرح)

يعني: متكلم بشيء لا يعلمه.

(المتن)

 وحفيدهما بالتلمذة.

(الشرح)

وحفيدهما، الحفيد ابن الابن المراد أنه جاء بعدهما وتتلمذ على يدهما واستفاد منهما.

(المتن)

 وحفيدهما بالتلمذة، الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى يقول: إذا تكلم المرء في غير فنه، أتى بهذه العجائب.

وقيل لسفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى فيمن حدث قبل أن يتأهل، فقال: إذا كثر الملاحون غرقت السفينة.

وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى في ذلك: اللهم نشكو إليك هذا الغثاء.

وعن شعبة قال: قال لي ابن عون: يا أبا بسطام، ما يحمل هؤلاء الذين يكذبون في الحديث على الكذب؟ قال: يريدون أن يعظموا بذلك.

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: لا آفة على العلوم وأهلها، أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون، ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون.

وقال أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى: قلما تقع المخالفة لعمل المتقدمين، إلا ممن أدخل نفسه في أهل الاجتهاد، غلطًا، أو مغالظة.

(الشرح)

يعني: أدخل نفسه فيهم وهو ليس منهم

(المتن)

و"المتعالم": فج الدعوى، قال الحكيم الترمذي في صفة عموم الخلق: ضعف ظاهر، ودعوى عريضة.

لكن المسلم يقهرها بإسلامه، وعلى هذا سار السلف في هجر الدعوى، وهضم النفس، ومنه قول أبي عمرو بن العلاء البصري رحمه الله، أحد القراء السبعة: ما نحن فيمن مضى، إلا كبقل في أصول نخل طوال.

وهذه الأقوال الكابحة، لتلك الظاهرة، منتشرة أضعافها في مثاني كلام أهل العلم،

(الشرح)

يعني: من باب التواضع، التواضع هضم النفس، وقال من؟.

(المتن)

ومنه قول أبي عمرو بن العلاء البصري، أحد القراء السبعة: ما نحن فيمن مضى، إلا كبقل في أصول نخل طوال.

(الشرح)

يعنى: نحن لا نساوي شيء بالنسبة للسابقين، يعني أفضل منا، نحن كبقل في أصول نخل طوال أيش يساوي البقل في أصول النخل، هذا ضد التعالم، والإنسان يظهر نفسه ويتعالم ويتزين بما ليس فيه، فرق بين من يزري بنفسه ويتواضع وبين من يُظهر نفسه ويتعالم ويرى أنه ويتزين بما ليس فيه، وأنه فوق الآخرين.

(المتن)

وهذه الأقوال الكابحة، لتلك الظاهرة، منتشرة أضعافها في مثاني كلام أهل العلم، على تعاقب القرون.

ولما أبدى الصفدي رحمه الله تعالى مر الشكوى، من تكاثر أغاليط المتأخرين، وتصحيفاتهم، لقلة العلم والبصيرة فيه ذكر ما أسنده أبو الفرج الأصبهاني، عن محمد بن جرير الطبري، عن أبي السائب سلم بن جنادة، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تنشد بيت لبيد:

ذَهَبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم وَبَقيتُ في خَلفٍ كَجِلدِ الأَجرَبِ

(الشرح)

الخَلْفِ بإسكان اللام هو العقب الفاسد، أما الخَلَف بفتحها هو العقب الصالح قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ [مريم/59]، وفي الأعراف، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا  [الأعراف/169] هذا هو الأصل، يطغى أحدهما على الآخر.

هنا قال: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ [الأعراف/169] الآية ذم لهم: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ [الأعراف/169].

(المتن)

فتقول: رحم الله لبيدًا فكيف لو أدرك من نحن بين ظهرانيهم؟

وهكذا يقول كل واحد من رجال الإسناد كذلك، حتى قال أبو الفرج: ونقول نحن: والله المستعان، فالقضية أعظم من أن توصف بحال.

وأقول: كيف لو رأوا في زماننا تكاثرهم، حتى ساموا باعة البقول عددًا، ولم يبقَ منهم من يحسن الجمع بين كلمتين إلا استطال على منازل العلماء؟

فهؤلاء المنازلون في ساحة العلم، وليس لهم من عدة فيه سوى "القلم والداوة" هم: الصحفية المتعالمون.

(الشرح)

يعني: الذين يكتبوا في الصحف متعالمون وليس عندهم علم ولا بصيرة، فالذي يكتب في الصحف ويقرأ لازم يكون طالب علم كل الناس الآن يكتبون ويقرئون ولا يلزم ذلك أن يكون طالب علم ويسمى عوام ولو كان يقرأ ويكتب، الصحفية هم العوام بالنسبة للمشايخ.

(المتن)

من كل من يدعي العلم وليس بعالم، شخصية مؤذية، تتابعت الشكوى منهم على مدى العصور، وتوالي النذر، سلفًا وخلفًا:

شَعْوذَةٌ تخْطِر في حِجْلينِ وفتنة تَمشي على رجلََيْنِ

إنهم زيادة على أنصباء أهل العلم كواو عمرو، ونون الإلحاق.

(الشرح)

(كواو عمرو، ونون الإلحاق) زائدين عن النصاب هؤلاء، والزائد عن النصاب لا محل له؛ لأن هؤلاء الصحفيون الذي يتصدرون الكلام ويُظهرون التعالم وليسوا من أهل العلم زائدون عن النصاب.

(المتن)

إنهم زيادة على أنصباء أهل العلم كواو عمرو، ونون الإلحاق، وفي "الشمقمقية".

(الشرح)

واو عمرو هذه زائدة، عمرو تلحق بها الواو للفرق بينها وبين عمر، فهي زائدة في الكتابة وإنما تكتب للفرق بينها وبين عمرو وعمر، ونون الإلحاق، يعني: النون التي تلحق الاسم المعرب، محمدٌ، عليٌ، جاء محمدٌ هذه نون الإلحاق زائدة ليبان أنه معرب، أنه معرب وأنه مصروف، بخلاف غير المصروف فإنه لا ينون، جاء سليمانُ، لا نقول سليمانٌ، ما ينون، سليمان.

(المتن)

وفي "الشمقمقية":

ولا تَكُنْ كوَاوِ عَمْروٍ زائِداً فِي القَوْمِ أو كَمِثْلِ نُونِ مُلْحَقِ

(الشرح)

الشيخ: في أيش الشمقمقية، الشمقمقية هذه إيش؟ كتاب إيش تعريف العالم؟

الطالب: المعروف سيف الدين جمقمق بالجيم أو بالشين، هل هي له أو لا.

الشيخ: منظومة، هذا بيت منها، الشمقمقية ، أعد.

(المتن)

وفي "الشمقمقية":

ولا تَكُنْ كوَاوِ عَمْروٍ زائِداً فِي القَوْمِ أو كَمِثْلِ نُونِ مُلْحَقِ

ولبعض الأندلسيين:

نَعُـوذُ بِاللهِ مِنْ أُنَاسٍ تَشَيَّخُوا قَبْلَ أَنْ يَشِيخُوا

(الشرح)

يعني: تصدروا المجالس فكانوا في مكان الشيوخ وهم لم يتأهلوا، تلقبوا ولم يتأهلوا، تلقبوا بالمشيخة وهم لم يتأهلوا .

(المتن)

ولبعض الأندلسيين:

نَعُـوذُ بِاللهِ مِنْ أُنَاسٍ تَشَيَّخُوا قَبْلَ أَنْ يَشِيخُوا

فهذا القطيع حقًا هم غُول العلم.

(الشرح)

الشيخ: اقرأ التعليق .

الطالب: القاموس قال الغُول بالضم "الهلكة والداهية"

الشيخ: أعد العبارة.

الطالب: فهذا القطيع حقًا هم غول العلم بل دودة لزجة، متلبدة أسرابها في سماء العلم.

الشيخ: عليها تعليق؟ أيش؟

الطالب: ما عليها تعليق في القاموس قالوا: الغول بالضم الهلكة والداهية

الشيخ: هي جنس من الجن والشياطين تتراءى للناس وتضلهم يسمونه غُول.

(المتن)

 بل دودة لزجة، متبلدة أسرابها في سماء العلم. قاصرة من سمو أهله، وامتداد ظله، معثرة دواليب حركته، حتى ينطوي الحق، ويمتد ظل الباطل وضلاله، فما هو إلا فجر كاذب، وسهم كاب حسير:

هُوَ الوَزِيرُ وَلَا أَزرُ يُشَدُّ بِهِ مِثلَ العَرُوضِيُّ لَهُ بَحرٌ بِلَا مَاءُ

إنه: لزادهم الهابط "التعالم"، عتبة الدخول الفاجرة إلى خطة السوء الجائرة: "القول على الله بلا علم" إنها قضية التعالم.

(الشرح)

والعياذ بالله القول على الله بلا علم من أعظم الذنوب جعلها الله فوق الشرك: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33].

وهذا على قوله: أنها عتبة الدخول الفاجرة.

(المتن)

إنها: "قضية التعالم" مظلة صانعي الخيام الهادئة الممتد رواقها، والتي يقيمها، ويحمي حماها من بين أيدينا، ومن خلفنا ذبابات "الطوائف" التي تداعت علينا أرسالها، منابذة الحياة الصافية، من الكدر وشوائبه، وعلى وجه الخصوص في: العلم منه، والعلم أثمن درة في تاج الشرع المطهر.

 لكن هذا الضرب من العباد، ما يلبث أن يلحقه الإدبار، فتحيط به خطيئته، فتنقله إلى "السقوط المبكر":

كل من يَدَّعِي بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَضَحَتْهُ شَوَاهِدُ الامْتِحَانِ

ولذا قال قتادة رحمه الله تعالى: من حدث قبل حينه، افتضح في حينه.

وذلك بكشف الأجلة عن حقيقته.

(الشرح)

(من حدث قبل حينه) يعني: قبل أن يتأهل ويتبصر ويتفقه، هذا تعجل شيء قبل أوانه، فالإنسان لا يحدث حتى يبلغ مرتبه التحديث.

(المتن)

وذلك بكشف الأجلة عن حقيقته، وهتك باطله وما ينطوي عليه من خسف وإفك، ومسلك مرد فج، تبيانًا لنزع الثقة منه، والتحذير من الاغترار به.

وهذا واجب أهل الإسلام أمام كل متعالم، يدعي العلم وليس بعالم، أخذًا بحجزهم عن النار، وتبصيرًا لهم بمواضع الأقدام، ودفعًا لسيل تعالمهم الجرار، كفاحًا عن بيضة الإسلام، وصرحه الممرد من كل متمرد، وصيانة لذويه عن التذبذب والانفصام، والتبدد والانقسام، بسيرورة التعالم بين العباد.

وغيرة على هذا "الكتاب" الناصح، المهان من كثير من الخلق، وما الغيرة على الكتاب إلا من المكارم، بل هي أخت الغيرة على المحارم.

وإعلانًا بأن "الحجر لاستصلاح الأديان، أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان"، والحجر واجب على كل "مفلس" لصالح الجماعة، فالمتعالم أو العالم الماجن يحجر عليه من الفتيا ونحوها لصالح الديانة.

والطبيب المتعالم يحجر عليه لصالح أبدان الجماعة، والمهندس المتعالم يحجر عليه لصالح المدن والأمصار، في غيرهم من أهل الحرف، ولا تسأل عن غرور وتطاول في بعض أهل هذه الحرف وقد بدت مظاهره. آذى العيون منظره، وأرهق البصائر مخبره.

والشأن في هذا التقييد في الذين وضعوا رحالهم متعالمين في "العلوم الشرعية ذاتها"، وإن هذه الجادة لبسبيل مقيم من الناصحين للمتعالمين والقاسطين.

(الشرح)

القاسطين: الجائرين، قال تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن/15]، القاسط: هو الجائر الظالم، أما المقسط: فهو العادل.

(المتن)

 وأعوذ بالله ولي المتقين أن يجتمع علينا حشف وسوء كيلة.

وإذا علمت أنه يوجد على أرض عدد من البلاد الكافرة، جامعات شهاداتها غير معادلة، لأنه ليس لها رصيد من الثقة، ولا نصيب من الصحة، وأنها تباع وتشترى كما تباع السلع.

(الشرح)

يعني: يأخذ الشهادة منها ويكون متعالم، ويشار إليه أنه دكتور وأنه كذا وهو جاهل مركب، أخذ هذه الشهادة اشتراها من هذه الجامعات غير الموثوقة وتلقب ولم يتأهل، هناك من يتلقب ويتأهل وهناك من يتلقب ولا يتأهل، تلقب بأنه دكتور ولكنه ما تأهل ما هو بأهل علم، وهناك من يتأهل ويتلقب.

(المتن)

وإذا علمت أن بعض الطلاب، يستغلون جهل أساتيذهم المستشرقين باللغة العربية، فيختارون من المؤلفات العربية، ما ينسبونه لأنفسهم، بعد ترجمته إلى لغة الجامعة، ليحصل به على شهادتها.

وهكذا في وقائع ربما يعرفها أهل كل قطر عن عدد من بني جنسهم أو غيرهم، فإنك لن تستعظم مقالي هذا، ولعلك تراه حقيقًا بالتقييد المفرق لهذه الجماعات الكثيفة، الكاشف عن عدد من ظواهر تعالمهم.

(الشرح)

يوجد بعض الطلاب يقول : أنا أريد أن أخذ شهادة دكتوراه من جامعة كذا من جامعة أمريكية وكذا في مسألة من مسائل الميراث، فاقد الشيء لا يعطيه، كيف هذا؟ هذه مسألة علم شرعية يبحثها عندهم ويأخذ دكتوراه.

(المتن)

ولعلك تراه حقيقًا بالتقييد المفرق لهذه الجماعات الكثيفة، الكاشف عن عدد من ظواهر تعالمهم، التي تساقطت في سوق المعاصرة من تلك الأفئدة الضئيلة الخاسرة، مرسلة ضرائر من الباطل للحق، أو لتثير عليه النقع.

ومن مواقع الأسى مع ذلك، أن يمضي وقت وللقادم دهشة وبرقة والمتعالم محل إعجاب من العامة، فترى العامي إذا سمع المتعالم يجيش بتعالمه الكذاب، المحروم من الصدق وقوفًا عند حدود الشرع يضرب بيمينه على شماله تعجبًا من علمه وطربًا، بينما العالمون يضربون بأيمانهم على شمائلهم حزنًا وأسفًا، لانفتاح قفل الفتنة، والتغرير بعدة المستقبل بله العوام.

فأضحى لزامًا أن نقارض مجاهرتهم هذه بالمجاهرة، لكن بالحق لكبت باطلهم، وإسقاط تنمرهم، والعمل على هدايتهم، واستصلاحهم وعليه: فهذه شآبيب من القول، بعضها آخذ برقاب بعض، بقوالب متعاضدة، أشكالها محيطة بمعانيها، عسى أن تكون ردمًا عن زحف التعالم المهول، خلية من الفضول.

والإبعاد بالفهوم، أقيدها نصيحة لمن يخضع للحق، وإقامة للحجة في مقام المحجة بين الخلق، أما من استولى عليه الاغتلام في الجهالة، وصار على قلبه قفل ضل مفتاحه، ولم يشام العلم.

(الشرح)

الطالب: ولم يشام العلم، في القاموس شاممه أي: انظر ما عنده وقاربه وادنوا منه.

الشيخ: يعني لم يقرب من العلم ولا يشم رائحة العلم.

(المتن)

ولم يشام العلم، فهذا لا ينفعه إلا يوم أن تشهد عليه أعضاؤه في يوم معاده.

وإليك رؤوس المقيدات فيها، لتناجيك بما فيها، وهذا أوانها:

المؤلفات في التعالم.

أمثلة له في السير والتاريخ.

إجمال الحال في الحياة المعاصرة.

ظواهر التعالم في عدد من العلوم: في الفتيا، والقضاء، والتأليف، والتفسير، والحديث، والفقه...

يتلو ذلك ستة أبحاث في:

أولًا: إخلاص النية لله تعالى.  

ثانيًا: وأن العالم لا يتبع بزلته.

ثالثُا: وفي الزجر عن حمل الشواذ والرخص.

رابعًا: والتوقي عن الغلط على الأئمة.

خامسًا: وفصل الخصام بين داعي الدليل وداعي التقليد.

سادسًا: جرم القول على الله تعالى بلا علم.

وكنت أردفتها بمبحث "حلية طالب العلم" لكن آثرت إفراده برسالة مستقلة. والله هو الموفق وهو المعين.

بكر بن عبد الله أبو زيد، الرياض في الرابع والعشرين من الشهر الرابع  سنة 1408ه

"المؤلفات في التعالم"

في كتب آداب المفتي، وكتب آداب الحسبة، بحوث حافلة، لاسيما في كتاب "معيد النعم، ومبيد النقم" للسبكي رحمه الله تعالى وفي هذا الكتاب شرور لا تخفى، وانظر في كتاب "تلبيس إبليس" لابن الجوزي رحمه الله تعالى.

وفي كتاب "فضل علم السلف على الخلف" للحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى أبان عن مُثل في هذا، لاسيما كثرة التزيد في العلم من المتأخرين، وأن الحال كما قال شيخه ابن القيم رحمه الله تعالى: كلام المتقمين قليل كثير البركة، وكلام المتأخرين كثير قليل البركة.

وللأديب على بن زيد البيهقي المتوفى سنة 565هـ رحمه الله تعالى رسالة باسم: "تنبيه العلماء على تمويه المتشبهين بالعلماء".

(الشرح)

الطالب: يقال السبكي رحمه الله.

الشيخ: لا بأس مشهور وما دام مسلم ترحم عليه، كما أنه يصلى عليه، الصلاة فيها دعاء جنازة وهذا دعاء، يدعى له لاسيما إذا كان ليس داعيًا للبدعة ويحذر من بدعته، الذي منهي عن الدعاء له الكافر: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة/84].

لا تقم على قبره بالدعاء فغيره ما ينهى عنه، والفاسق والمبتدع، ما دام الفسق والبدع لا توصل للكفر فهو مسلم.

(المتن)

ومضى في المقدمة ذكر رسالتي النابلسي، والجزائري، وللزياني المغربي المتوفى سنة 1249هـ، رسالة باسم: "تحفة النبهاء في التفرقة بين الفقهاء والسفهاء".

وللشوكاني رحمه الله تعالى "آداب الطلب ومنتهى الأرب"، ولابن فكون الجزائري رحمه الله تعالى رسالة باسم: "منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية"

وللشيخ محمد عبده منير أغا الدمشقي كتابه الحفيل: "نموذج من الأعمال الخيرية" كشف فيه عن عبث الوراقين، والكتبيين، والمصححين، في ثروة الأمة على حساب تعالمهم.

ولمحمد بدر الدين الحلبي رحمه الله تعالى كتابه النافع: "التعليم والإرشاد" في مجلدين طبع عام 1324هـ بمطبعة السعادة بمصر، ولم أقف إلا في الأول منه، وهذا الكتاب مهم في بابيه، ولو كان منتشرًا لكفى، لكن لابد من همسة في أذن المعاصرين من واقع الحياة المعاصرة، وفيها صرت رسالة باسم: "زجر السفهاء عن تتبع رخص الفقهاء" للأستاذ/ جاسم الدوسري.

وفي "مجلة العرب" حلقات متتابعة في أعداد منها بعنوان "الدكاترة وعبثهم في التراث" للأستاذ حمد الجاسر. أنظرها تجد عجبًا ممن وصلوا النهاية شكليًا لكنهم في الحقيقة خواء:

في شَجَر السَّرْو لَهُم شَبَهٌ لَهُ رُواءٌ وَمَاله ثَمَرُ

"أمثلة من السير والتاريخ"

الخنفشاري المتعالم: مازال الناس يبتلون بهذا الطراز النكد من الخنفشاريين، فقد قرأت لدى نقلة السير ومقيدي الأخبار والأثر، ومثلًا منها في الغابرين، فعلى جادة المثال:

مفتي الخنفشار: في كتب المحاضرات، أن رجلًا كان يفتي كل سائل دون توقف، فلحظ أقرانه ذلك منه، فأجمعوا أمرهم لامتحانه، بنحت كلمة ليس لها أصل هي "الخنفشار" فسألوه عنها، فأجاب على البديهة: بأنه نبت طيب الرائحة ينبت بأطراف اليمن إذا أكلته الإبل عقد لبنها، قال شاعرهم اليماني:

لَقَدْ عَقَدَتْ مَحَبَّتُكُمْ فُؤَادِي كَمَا عَقَدَ الْحَلِيبَ الْخِنْفِشَارُ

وقال داود الأنطاكي في "تذكرته" كذا، وقال فلان وفلان، وقال النبي ﷺ، فاستوقفوه، وقالوا: كذبت على هؤلاء، فلا تكذب على النبي ﷺ.

وتحقق لديهم أن ذلك المسكين: جراب كذب، وعيبة افتراء في سبيل تعالمه، نسأل الله الصون والسلامة.

ومن الخنفشاريين: خبير النعنع، ففي ملح التاريخ كما ذكر السخاوي: أن جهنيًا كان من ندماء المهلبي، وكان يأتي بالطامات، فجرى مرة حديث في النعنع فقال: في البلد الفلاني نعنع يطول حتى يصير شجرًا، ويعمل من خشبه سلالم.

فثار منه أبو الفرج الأصبهاني صاحب "الأغاني"فقال: نعم عجائب الدنيا كثيرة ولا ينكر هذا، والقدرة صالحة، وأنا عندي ما هو أغرب من هذا: أن زوج الحمام يبيض بيضتين فآخذهما وأضع تحتهما سنجة مئة، وسنجة خمسين السنجة كفة الميزان فإذا فرغ زمن الحضانة انفقست السنجتان عن طست وإبريق، فضحك أهل المجلس، وفطن الجهني لما قصد به أبو الفرج من "الطنز" وانقبض عن كثير من حكاياته.

ومنهم: الهروي شمس ابن عطاء الرازي المتوفي سنة 887 هـ، كان من أعوان تيمورلنك، وكان عريض الدعوى في الحفظ، فاستعظم الناس ذلك، فجعل له مجلس لامتحانه وكان من جملة ما سئل عنه حينئذ: هل ورد النص أن المغرب تقصر في السفر؟ فقال نعم، جاء ذلك من حديث جابر في كتاب "الفردوس". لأبي الليث السمرقندي، فلما انفصلوا ورجعوا إلى كتاب أبي الليث لم يجدوا فيه ذلك، فقيل له في ذلك ؟ فقال: لكتاب السمرقندي هذا ثلاث نسخ،كبرى، ووسطى، وصغرى وهذا الحديث في الكبرى، ولم تدخل الكبرى هذه البلاد، فاستشعروا كذبه من يومئذ، وقد ساقها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في ترجمته له، هكذا فليكن كذب المتعالمين.

وهذا الذي حكي عن الهروي مسبوق بما نسب إلى شيخ الديار المصرية ابن دحية الكلبي: عمر بن الحسين المتوفى سنة 633هـ، قال ابن كثير في ترجمته له: ونسبه بعضهم إلى وضع حديث في قصر صلاة المغرب، وكنت أود إلى أن أقف على إسناده، لنعلم كيف رجاله. وقد أجمع العلماء كما ذكره ابن المنذر وغيره، على أن المغرب لا تقصر، والله تعالى يتجاوز عنا وعنه بمنه وكرمه.

ومنهم الجوباري: أحمد بن عبدالله الجوباري إذ بلغ من كذبه وتغفيله: أنه لما ذكر له اختلاف المحدثين في سماع الحسن البصري رحمه الله تعالى من أبي هريرة ، ساق بإسناده قوله: أن النبي ﷺ قال: سمع الحسن من أبي هريرة!

وصدق الإمام الزهري رحمه الله تعالى إذ قال: الكذب شر غوائل العلم.

ومنه: تعالم مكي بتأويل الشعر، قال ذات يوم: ما سمعت بأكذب من بني تميم، زعموا أن قول الفرزدق:

بَيْتاً زُرَارَةُ مُحْتَبٍ بِفِنَائِهِ وَمُجاشِعٌ وَأبُو الفَوَارِسِ نَهْشَلُ

في رجال منهم، قيل له: فما تقول أنت فيه؟ قال: البيت: بيت الله، وزرارة: الحج، قيل: فمجاشع؟ قال: زمزم، جشعت الماء، قيل: فأبو الفوارس؟ قال: أبو قبيس، قيل: فنهشل؟ فصمت ساعة ثم قال: نعم نهشل: مصباح الكعبة، لأنه طويل أسود، فذلك نهشل، هكذا ذكرها العلامة البارع الشيخ/ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى ثم رأيتها في "مجلة العرب" نقلًا عن "تاريخ مكة للفاكهي" في خبر مصباح مكة

وهذا: مقاتل بن سليمان المتوفى سنة 150هـ، فإنه مع علمه ابتلي بشيء من هذا، فقد قيل: إنه قال: سلوني عما دون العرش.

(الشرح)

مفسر المقاتل بن سليمان،  مفسر من الشيع ومن الغلاة ومن المشبهة، مقاتل بن سليمان مفسر قديم سنة 150 من المشبهة.

(المتن)

وهذا: مقاتل بن سليمان المتوفى سنة 150هـ، فإنه مع علمه ابتلي بشيء من هذا، فقد قيل: إنه قال: سلوني عما دون العرش، فقالوا: أين أمعاء النملة؟ فسكت، وسألوه: لما حج آدم، من حلق رأسه؟ فقال: لا أدري، ولهذا قال الذهبي رحمه الله تعالى: أجمعوا على تركه.

(الشرح)

الطالب: مقاتل بن سليمان (........)، كذبوه وهجروه ورمي بالتجسيم ، من السابعة.

(المتن)

وقد بلغ من اختلاق جابر بن حيان المتوفى سنة 200هـ. تلميذ جعفر الصادق أنه نحل شيخه خمسمائة رسالة في الكيمياء، ليقيم بها نفسه. وجعفر منها براء. وفيه قال بعض الفضلاء:

هَذَا الَّذِي بِمَقَالِهِ غَرَّ الأَوَائِلَ وَالأَوَاخِر
مَا أَنتَ إِلَّا خَاسِرٌ كَذَبَ الَّذِي سَمَّاكَ جَابِر

وفي "الصاحبي" قال مؤلفه ابن فارس، بعد أن قرر القول بوقف لغة العرب: ثم قر الأمر قراره، فلا نعلم لغة من بعده حدثت، فإن تأمل اليوم متأمل، وجد من نقاد العلم من ينفيه ويرده.

ولقد بلغنا عن أبي الأسود: أن امرأ كلمه ببعض ما أنكره أبو الأسود عنه، فقال: هذه لغة لم تبلغك، فقال له: يا ابن أخي، إنه لا خير لك فيما لم يبلغني. فعرفه بلطف أن الذي تكلم به مختلق؛ انتهى.

(الشرح)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين   اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد

فيقول الشيخ بكر بن عبد الله حفظنا الله تعالى وإياه

ومن قصص التعالم المشتهرة على الألسنة: أمر الطالب الشافعي، الذي تفقه ولم يدرك، فاحتاج أهل بلده مفتيًا لهم، ولم يجدوا سواه، فتردد، حتى استشار شيخًا له فأشار عليه بأن يجيب سائليه بوجود قولين عند الشافعي في المسألة، ليراجع بعد، ففعل، لكن أهل بلده لاحظوا إكثاره من هذا، فسأله أحدهم: أفي الله شك؟ فأجاب بمثل ذلك، فافتضح.

وهذه القصة لم يتم الوقوف عليها في مصدر موثوق، والذي يظهر والله أعلم أنها من تحطط الحنفية على الشافعية، فإن بينهم من العداء المذهبي ما لا يخفى، وللحنفية عليهم فضل زيادة في هذا.

ومن أجله تراها في بعض ردود الحنفية على الشافعية في نقد ما للشافعي رحمه الله تعالى فيه قولان، وقد عزاه بعض المفرطين في التعصب إلى رد الحنفية على الشافعية لمحمد بن محمد بن عبدالستار بن محمد الكردري المتوفى سنة 642هـ فالله أعلم بصحتها، وسبيلنا عدم التسليم بها حتى تثبت عدالة نقلتها بإسنادها المعتبر صناعة إلى قائلها.

يعني: الشخص الذي ليس عنده بصيرة ويقال له كل شيء قل فيه قولان حتى لا تغلط أوقعوه على فرض صحة القصة "أفي الله شك" قال فيه قولان، فافتضح لأنه قصد أفي الله شك في إعرابها لكن أوقع: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [إبراهيم:10]، من شك في الله كفر، لكن مقصده الإعراب فوقع.

(المتن)

وقد وقع للمبرد قصتان: إحداهما ممرضة الإسناد في لفظ "القبعضن"، والثانية في تفسير "المجثمة"، كما في ترجمته من "لسان الميزان"، و"تاريخ بغداد"، و"معجم الأدباء"، و"جمهرة الأمثال" للعسكري. والله أعلم.

وهذا الشيخ محمد بدر الدين الحلبي –رحمه الله تعالى- وقع له مع أزهري، أن سأله عن "أصيلالًا" في بيت النابغة:

وَقَفْتُ فِيهَا أَصَيْلَانًا أُسَائِلُهَا عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ

فقال الأزهري: أصيل بفتح الهمزة، وكسر الصاد، ولا نافية للفعل بعدها. فقلنا: لا، بل "أصيلالًا" كلها كلمة واحدة والفعل بعدها مثبت، فضحك، وقال: يقول: الله بُكْرَةً وَأَصِيلًا وتقولون: "أصيلالًا"! انتهى.

قال: ابن السكيت المرجع في كلام الأزهري في معجم تهزيب اللغة قال بن السكيت قال: قالوا لقيت أصيلالا، وأُصيلالًا إذا لقيته بالعشي بضم الهمزة.

ومنه ما في قصة البغاددة مع محمد بن عبد الواحد الباوردي أبو عمر الزاهد المتوفى سنة 345هـ، المشهور بلقب "غلام ثعلب"، على ما في ترجمته، وكان مشهورًا بالحفظ المدهش، وكان لسعة حفظه يطعن عليه أهل الأدب، ولا يوثقونه في علم اللغة، حتى قال عبيد الله بن أبي الفتح: لو طار طائر في الجو، لقال أبو عمر الزاهد: حدثنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، ويذكر في معنى ذلك شيئًا، وكان المحدثون يوثقونه.

قال الخطيب البغدادي: رأيت جميع شيوخنا يوثقونه ويصدقونه، وكان يسأل عن الشيء فيجيب عنه وبعد سنة يجيب بذلك الجواب.

(الشرح)

هذا كله من آثار التعالم، الإنسان ينصب نفسه وليس أهل لذلك.

(المتن)

ويروى أن جماعة بغداد، اجتازوا على قنطرة الصراة وتذاكروا ما يرمى به من الكذب، فقال أحدهم: أنا أصحف له "القنطرة"، وأسأله عن معناها فننظر ما يجيب. فلما دخلوا عليه، قال له الرجل: أيها الشيخ ما "الهرطنق" مقلوب "القنطرة" عند العرب؟ فقال كذا وكذا، وذكر شيئًا فتضاحك الجماعة وانصرفوا، فلما كان بعد شهر أرسلوا إليه شخصًا آخر، فسأله عن "الهرطنق"، فقال: أليس قد سئلت عن هذه المسألة منذ كذا وكذا، ثم قال: هو كذا وكذا، كما أجاب أولًا، فقال القوم: ما ندري من أي الأمرين نعجب، من حفظه إن كان علمًا أم من كذبه إن كان كذبًا، فإن كان علمًا فهو اتساع عجيب، وإن كان كذبًا، فكيف تناول ذكاؤه المسألة، وتذكر الوقت، بعد أن مر عليه زمان، فأجاب بذلك الجواب بعينه.

وحكي: أن معز الدولة ابن بويه، قلد شرطة بغداد غلامًا تركيًا من مماليكه، اسمه "خواجا"، فبلغ ذلك أبا عمر الزاهد، وكان يملي كتابه " اليواقيت" في اللغة، فقال للجماعة في مجلس الإملاء: اكتبوا ياقوتة خواجا: الخواج في أصل اللغة "الجوع" ثم فرع على هذا بابًا وأملاه عليهم، فاستعظموا كذبه، وتتبعوه، فقال أبو علي الحاتمي، وكان من أصحابه: أخرجنا في "أمالي الحامض " عن  الأعرابي: "الخواج: الجوع".

(الشرح)

كل هذا أن كل إنسان يوهم نفسه بأن عنده علم وليس بعالم.

(المتن)

وقد يكون الافتعال من الطرفين، لامتحان كذاب به.

فهذا صاعد بن الحسن البغدادي، المتوفى سنة 417هـ كما ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى كان مع فصحاته متهمًا بالكذب، فلهذا رفض الناس كتابه "الفصوص" في اللغة، ولم يشتهر.

وكان ظريفًا، باحثًا، سريع الجواب، سأله رجل أعمى عن سبيل التهكم ما "الحرنقل"؟ فأطرق ساعة وعرف أنه افتعل هذا من عند نفسه، ثم رفع إليه رأسه، وقال: هو الذي يأتي نساء العميان، فاستحيا ذلك الأعمى، وضحك الحاضرون.

"إجمال الحال في الحياة المعاصرة"

تلكم هي قصة مفتى الخنفشار، ونحوها من المتشبعين بما لم يعطوا، كنت أظنها من نسج الخيال، وضروب المحال، وواردات التاريخ التي تحكى ولا يعول عليها. أو أنها من باب التنكيت على قوم، والحط من آخرين، كما في كائنة البغاددة مع الباوردي وما بعدها.

وعلى أية حال فتلك أمة قد خلت وبأعمالها ارتهنت لكن ونحن في الوقت الذي نعايش فيه علوم الاستمتاع بالخلاق من الطبيعيات، والمعدنيات والكيمياء وغيرها، وانصراف الناس إليها كالعنق الواحد: اندلعت قضية التعالم في الوجود لاسيما في صفوف المسلمين وهي رمز للعدول عن الصراط المستقيم، وأضواء التنزيل، ووسيلة القول على الله العزيز الحكيم.

فتجسدت أمامنا أدلة مادية قامت في ساحة المعاصرة على ما ذر قرنه من الخوض في الشريعة بالباطل، وقد تولد عنه من فتن تغلي مراجلها على أنقاض ظهور الركالة لذهاب العلماء وقعود المتأهلين عن التحمل والبلاغ، وتولي ألسنتهم وأقلامهم يوم الزحف على كرامته.

فتبدت من وراء أولاء أمور دوابية، وصدود عن منهاج النبوة والصديقية، إذ درجوا في الطرق الجائرة، وتصيدوا من الرخص كل طريقة وتالدة، ونشروها بلسان الشريعة الخالدة.

وتبنى آخرون "النظرة التبريرية" لإدباب ما جرى بين الأمة من فساد واختلال، وبدع وضلال. وهذا في أصله من إتباع الهوى، وهو من مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال، فانظر كيف يدب هذا البلاء العظيم إلى مَن يشار إليهم بالعلم والدين، إذ ينصرف المنصرف ثم يطلب من العلماء المخرج لها وتخريجها باسم الشرع، وقد أشار إلى هذه اللفتة النفيسة الشاطبي رحمه الله تعالى في أوائل الباب الرابع من : "الاعتصام": فلينظر.

وفي كتاب: "سر انحلال الأمة العربية ووهن المسلمين" للعرفي: كلام مهم، ولولا ما فيه لنقلته.

وتجاسر فئام على الكذب الصراح، والكذب شر غوائل العلم، وحملوا الشاذ، ومن حمله حمل شرًا كثيرًا. فربضت في قلوبهم الشقوتان: شقوة الكذب، وشقوة الشذوذ، نسأل الله السلامة والعافية:

فَبَقَى الَّذِينَ إِذَا يَقُولُوا يَكذِبَوا وَمَضَى الَّذِينَ إِذَا يَقُولُوا يَصدقُوا

فصار الناس بين علوم الاستماع، وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا، وعلوم جنس الخوص بالباطل، فنتج من هذا تقلص في قائمة المتحملين لأعباء العلم الشرعي على هدى مستقيم، فلا بارك الله في هذا الطراز، وتبًا لهم فما هم بعلماء، ونعوذ بالله من الفتنة الصماء، وهنيئًا لمن يرعى ولازم الصدق والتقى، وليسع المرء إلى فكاك رقبته من النار.

والمتخلص أن ظواهر الأحوال من رقة في الديانة، ووهن في الاستقامة، وضعف في التحصيل، والسعي بكل جد وراء الدنيا الزائلة، ومظاهرها الفانية، شكلت أمامنا ظاهرة التعالم أوسع من ذي قبل، لما نشاهده من واقعاتها الفجة، والدعاوي العريضة، والبراعة في الانتحال، واتساع الخطو في المحال ... وعندنا على هذا ألف شاهد.

وما هذا إلا لتسنم العلم أغمار ركبوا له الصعب والذلول، وظنوا أن العلم ينال بالراحة ولما يملؤا منه الراحة، فتهافتوا على مناصب العلم في الفتيا، والتأليف، والنشر والتحقيق، وصاروا كتماثيل مدسوسة بأيديهم هراوى يضربون في عقول الأمة حينًا وفي تراثها أحيانًا، مكدرين وحسابهم على الله صفو الأمة في دينها وفي علمها. وهل العلم والدين إلا توأمان لا ينسلخان إلا في حساب من انسلخ منهما؟

وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.

قال الذهبي: حديث ثابت متصل الإسناد هو في دواوين الإسلام الخمسة ماعدا سنن أبي داود. ثم ساق طبقات إسناده بما يعز نظيره، وينبغي لطالب العلم أن يقف على سياقته لها؛ فرحم الله الذهبي، وسقاه من سلسبيل الجنة، آمين.

(المتن)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد

فقال الشيخ بكر في رسالة حفظنا الله تعالى وإياه

ومن حديث أبي أمية الجمحي أن رسول الله ﷺ قال: مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَلْتَمِسَ الْعِلْمَ عِنْدَ الْأَصَاغِر رواه الطبراني.

وأيضًا في أحاديث الملاحم من حديث ابن مسعود مرفوعًا، وفيه بيان إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أن يَظْهَرَ الْقَلَمُ رواه أحمد، ورواه أيضًا البزار، والطحاوي، والطبراني، وغيرهم وليس فيه ذكر القلم، وقد فشا القلم وارتشى. وهذا من معجزات النبوة.

الشيخ: فشا القلم؟

الطالب: وارتشى

الشيخ: وارتشى، شو الفرق بينهم؟ فشا انتشر، وارتشى

الطالب: نراجع القاموس.

(المتن)

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا تصدر الحدث فاته علم كثير.

ولبعضهم:

إِنَّ الْأُمُورَ إِذَا الْأَحْدَاثُ دَبَّرَهَا دُونَ الشُّيُوخِ تَرَى فِي سَيْرِهَا الخَلَلاَ

وقال القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي:

مَتَى تَصِلُ العِطُاشُ إِلى ارْتِوَاءٍ إِذَا اسْتَقَتِ البِحَارُ مِنْ الرَّكَايَا؟!
وَمَنْ يُثْنِي الأَصَاغِرَ عَنْ مُرَادٍ وَقَدْ جَلَسَ الأَكَابِرُ فِي الزَّوَايَا
وإِنَّ تَرَفُّعَ الوُضُعَاءِ يَوْمًا عَلَى الرُّفَعَاءِ مِنْ أَحدِ البَلايَا
إِذَا اسْتَوَتْ الأَسَافِلُ والأَعَالِي فَقَدْ طَابَتْ مُنَادَمَةُ الْمَنَايَا

وقد عقد ابن عبدالبر رحمه الله تعالى في: "جامعه": "باب حال العلم إذا كان عند الفساق والأراذل" وساق بسنده مرفوعًا إلى النبي ﷺ من حديث أنس، وأبي أمية الجمحي، وابن عباس : مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ التِمَاسُ الْعِلْمَ عِنْدَ الْأَصَاغِر .

ثم قال: قال نعيم: قيل لابن المبارك: من الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم، فأما صغير يروي عند كبير فليس بصغير، ثم قال: وقال بعض أهل العلم: إن الصغير المذكور في حديث عمر ، وما كان مثله من الأحاديث، إنما يراد به الذي يُستفتى ولا علم عنده، وأن الكبير هو العالم في أي سن كان. وقالوا: الجاهل صغير وإن كان شيخًا، والعالم كبير وإن كان حدثًا، واستشهدوا بقول الأول:

تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا وَلَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وَإِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ

واستشهدوا بأن عبد الله بن عباس كان يُستفتى وهو صغير، وأن معاذ بن جبل وعتاب بن أسيد رضي الله عنهما كانا يفتيان الناس وهما صغيرا السن، وولاهما رسول الله ﷺ الولايات مع صغر سنهما.

(الشرح)

لأن عندهم علم، العبرة بالعلم، فمن عنده علم فهو كبير، ومن ليس عنده علم فهو صغير، ليس المراد السن.

(المتن)

ومثل هذا في العلماء كثير، ويحتمل أن يكون معنى الحديث على ما قال ابن المعتمر: عالم الشباب محقور، وجاهلة معذور والله أعلم بما أراده.

وقال آخرون: إنما معنى حديث عمر وابن مسعود في ذلك أن العلم إذا لم يكن عن الصحابة كما جاء في حديث ابن مسعود ، ولا كان له أصل في القرآن والسنة والإجماع، فهو علم يهلك به صاحبه، ويلا يكون حامله إمامًا ولا أمينًا ولا مرضيًا كما قال ابن مسعود ، وإلى هذا نزع أبو عبيد رحمه الله، ونحوه ما جاء عن الشعبي: ما حدثوك عن أصحاب محمد ﷺ فشد عليه يديك، وما حدثوك به من رأيهم فبل عليه.

(الشرح)

يعني: له رأي يخطئ ويصيب.

(المتن)

ومثله أيضًا قول الأوزاعي: العلم ما جاء عن أصحاب محمد ﷺ، وما لم يجيء عن واحد منهم فليس بعلم.

وقد ذكرنا خبر الشعبي وخبر الأوزاعي بإسناديهما في باب معرفة ما يقع عليه اسم العلم حقيقة من هذا الكتاب، والحمد لله.

وقد يحتمل حديث هذا الباب أن يكون أراد أن أحق الناس بالعلم والتفقه أهل الشرف والدين والجاه، فإن العلم إذا كان عندهم لم تأنف النفوس من الجلوس إليهم، وإذا كان عند غيرهم وجد الشيطان إلى احتقارهم السبيل، وأوقع في نفوسهم أثرة الرضا بالجهل أنفة من الاختلاف إلى من لا حسب له ولا دين، وجعل ذلك من أشراط الساعة وعلاماتها ومن أسباب رفع العلم، والله أعلم أي الأمور أراد عمر بقوله: فقد ساد بالعلم قديمًا الصغير والكبير، ورفع الله درجات من أحب.

وروى مالك عن زيد بن أسلم أنه قال في قول الله : نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ [الأنعام/ 83] قال: بالعلم.

حدثنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق، قال: حدثنا محمد بن رزين بن جامع، قال: حدثنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرني ابن القاسم، قال: قال مالك بن أنس: سمعت زيد بن أسلم يقول في هذه الآية نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ [الأنعام/ 83] قال: بالعلم يرفع الله من يشاء في الدنيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام رسول الله وعلى آله وأصحبه ومن والاه اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:

المتن:

في قوله وقد فشى القلم وارتشى قال بن فارس الراء والشين أصل واحد يدل على تفريق الشيء بالندى.

قال الشيخ رحمنا الله تعالى وإياه:

ومما يدل على أن الأصاغر ما لا علم عندهم ما ذكره عبد الرازق وغيره عن معمر عن الزهري قال: كان مجلس عمر مغتصًا من القراء شبابًا وكهولًا، فربما استشارهم

(الشرح)

يعني: العلماء فالأصاغر ما لا علم عنده وإن كان كبير السن.

(المتن)

 ويقول: لا يمنع أحدكم حداثة سنه أن يشير برأيه، فإن العلم ليس على حداثة السن وقدمه، ولكن الله يضعه حيث يشاء.

حدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان، قال: حدثنا الحسين بن محمد ، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن نصر بن عبد الله، قال: أخبرنا نصر بن رباب عن الحجاج عن مكحول، قال: تفقه الرعاع فساد الدين، وتفقه السفلة فساد الدنيا.

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن نعمان، قال: حدثنا محمد بن علي بن مروان، قال: حدثني الأعمش، قال: سمعت الفريابي يقول: كان سفيان إذا رأى هؤلاء النبط يكتبون العلم يتغير وجهه، فقلت له: يا أبا عبد الله نراك إذا رأيت هؤلاء يكتبون العلم يشتد عليك. فقال: كان العلم في العرب وفي سادات الناس فإذا خرج عنهم وصار إلى هؤلاء يعني النبطة والسفلة غُير الدين، انتهى.

(الشرح )

الشيخ: المقصود بالنبط الكفار من العجم، الواحد يقال نبطي.

الطالب: في نقل من التهذيب قال الليث من تهذيب اللغة للأزهري، النبط: الماء وقال: النبط والنبيط كالحبش والحبيش في التقنية وهو اسم جيل ينزل إلى السواد، قال الزجاج: وإنما سموا نبط لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين.

(المتن)

وفي معناه لدى الشاطبي رحمه الله تعالى في: "الاعتصام"، إذ قال: وأما تقديم الأحداث على غيرهم، من قبيل ما تقدم في كثرة الجهال وقلة العلم، كان ذلك التقديم في رتب العلم أو غيره؛ لأن الحدث أبدًا أو في غالب الأمر غر لم يتحنك، ولم يرتض في صناعته رياضة تبلغه مبالغ الشيوخ الراسخين الأقدام في تلك الصناعة، ولذلك قالوا في المثل:

وَابْنُ اللَّبُونِ إذَا مَا لَزَّ فِي قَرْنٍ لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ الْبَزْلِ االقَنَاعِيس

هذا إن حملنا الحديث على حداثة السن، وهو نص في حديث ابن مسعود ، فإن حملناه على حدثان العهد بالصناعة ويحتمله قوله: وَكَانَ زَعِيمُ القَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وقوله: وَسَادَ القَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ وقوله: إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فالمعنى فيها واحد، فإن الحديث العهد بالشيء لا يبلغ مبالغ القديم العهد فيه.

ولذلك يحكى عن الشيخ أبي مدين أنه سئل عن الأحداث الذين نهى شيوخ الصوفية عنهم، فقال: الحدث الذي لم يستكمل الأمر بعد، وإن كان ابن ثمانين سنة.

فإذا تقديم الأحداث على غيرهم، من باب تقديم الجهال على غيرهم، ولذلك قال فيهم: سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ وقال: يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ إلى آخره، وهو منزل على الحديث الآخر في الخوارج: إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ إلى آخر الحديث، يعني أنهم لم يتفقهوا فيه، فهو في ألسنتهم لا في قلوبهم؛ انتهى.

وإني في هذا لا أغمض الشاب اليافع.

(الشرح)

لا أغمض الشاب يعني: لا أنتقص من قدره، لا أغمضه حقه يعني: لا أنكر حقه.

(المتن)

وإني في هذا لا أغمض الشاب اليافع.

إذ العلوم والمعارف لا تقاس بالأشبار، ولا بعظم الأجسام. وليس هو المعني، إنما المعني الحدث في العلم، فإن الأشياخ وإن كانوا أشجار الوقار، ومعادن الاختبار، ورأي الشيخ خير من مشهد الغلام، فإن حداثة السن ليست مانعة من استقطاب الفضائل، وتحمل الرسائل. قال الله تعالى في شأن نبيه يحيى : وآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم/ 12]. وقال في أهل الكهف: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [الكهف/ 10]، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ [الكهف/ 13].

وقد ولى النبي ﷺ عتابًا على مكة وهو شاب، وفي مكة مشيخة قريش، وولى أسامة بن زيد  قيادة الجيش إلى الشام، وفيه من هو أكبر منه من الصحابة ، قيل: منهم عمر .

(الشرح )

المهم الكفاءة ليس الصغر والكبر.

(المتن)

وللمتنبي:

فَمَا الحَداثَةُ من حِلْمٍ بمَانِعَةٍ قد يُوجَدُ الحِلمُ في الشبّانِ وَالشِّيبِ

حاشية: وقد تولى الخليفة جعفر المقتدر وسنه 13 سنة؛ ولهذا ألف له بعضهم كتابًا باسم "مناقب الشبان وتقديمهم على ذوي الأسنان" وللسان الدين بن الخطيب رسالة باسم إعلام الأعلام لمن بويع من ملوك الإسلام قبل الاحتلام.

من أسباب التجنس الفكري وضعف التحصيل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:

فيقول الشيخ بكر بن عبدالله رحمه الله تعالى:

من أسباب التجنس الفكري، وضعف التحصيل

ومن هنا نصل إلى نتيجة مهمة، وهي أن التجنس الفكري" من انحرافات في المفاهيم، والأخلاق، وتموجات في الاعتقاد، إنما تبلغ مبلغها في الأمة، وفي عقول نشئها، بسبب تأخر العلماء عن أداء مهمة البلاغ، وتغذية العقول بالعلم النافع، وتحصينًا لها من أي مؤثر عليها، وهذه هي "الوظيفة الرئيسة" لأهل العلم والإيمان؛ ولهذا فإن المتخلف عن أداء واجب وظيفته هذه يحمل من الإثم بقدر تخلفه.

ومن مظاهر الصدود، أن بعض أهل العلم يبحثون في مجالسهم سبب الوفادة، والتلقي، لهذه التموجات، والاتجاهات ولا يعرجون على هذا السبب، ثم ينقضون إلى مضاجعهم؟

(الشرح )

يعني: الواجب على العلماء التبليغ والبيان والتحذير من الشرور وأهلها، والتحذير من الأفكار الهدامة

(المتن)

فكيف يهدأ لهم بال، والعدو على أبواب منازلهم بل وربما في دورهم؟

(الشرح )

كما هو واقع الآن، العدو الآن حل بالأمة الإسلامية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(المتن)

ويمكن إجمال الأسباب على ما يلي:

قعود المتأهلين عن البلاغ، ونزول ساحة المعاصرة.

ضعف الإمداد السليم.

ضعف الالتفات إلى تلمس العلل وعلاجها.

استشراء داء "حب الشهرة" لغياب قوة الإيمان.

انفصام عروة الاتصال بين الطالب، وكتب السلف إذ أن التلقي صار بالمذكرات، والمؤلفات الحديثة.

(الشرح)

هو ما يرجع إلى كتب السلف يكتفي بالمذكرات، والواجب أن يرجع لكتب التفسير كتب الفقه والحديث، تكون لها صله بالسلف يعني في عبارات العلماء وكلامهم.

الطالب: لو كان مختصرات؟

الشيخ: مختصرات لأهل العلم لا بأس.

(المتن)

قلب "لغة العلم" في المصطلحات بما لا يتواطأ مع "لغة العلم" لكتب السلف، فهذه غصص مولدة للأوجاع المذكورة. والله الموعد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:فالمرصدون للعلم.

(الشرح)

المرصدون يعني: المعدون الذين اعدوا للأمة، المؤهلون للعلم ، أهل العلم يعني.

(المتن)

فالمرصدون للعلم، عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين، أو ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين.

(الشرح)

عليهم الحفظ والتبليغ، أمران: حفظ العلم وتبليغه.

(المتن)

 ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159] فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها فلعنهم اللاعون ، حتى البهائم، انتهى.

وبعد: فحرام والله ثم حرام على من لا يهتدي لدلالة آي القرآن، ولا يدري السنن والآثار أن يتسنم جناب العلم، ويحل في حرمه، معول هدم لحماه، وخرق لسياجه وحرمته.

(الشرح)

يعني: يتصدى العلم وليس أهل لذلك، حرام عليه أن يتصدى للفتوى وليس أهل الفتوى، ويتصدى للتدريس وليس أهل التدريس، ويتصدى للدعوى وليس أهل للدعوى، أو الأمر بالمعروف النهى عن المنكر وليس أهلًا لذلك، لا عنده بصيرة ولا عنده علم، يتأهل لطلب العلم ويعرف ما يأمر به وما ينهى عنه عرف ما يدعو إليه، عرف الشيء الذي يدرسه، عرف الشيء الذي يفتي به.

الطالب: كيف الجمع بين (...) بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً.

الشيخ: من عرف الآية يبلغها ومن لا يعرف كيف يبلغها؟.

الطالب: المفتي هو الذي يبلغ الناس؟

الشيخ: المفتي يبلغ وغير المفتي أيضًا يبلغ إذا علم.

(المتن)

وهذا هو المعثر المخذول، علمه وبال، وسعيه ضلال، نعوذ بالله من الشقاء.

 وليعلم أن سلطان ما قيدته هنا إنما هو على من انسحب واعظ الله من قلبه، متسورًا العلم الشرعي، وقد فاته العلم وفرط في العمل، وانسلخ من الزمن فلا ماض، ولا حال، ولا مستقبل. فاته العلم بالتلقي ومثافنة الشيوخ.

(الشرح)

الشيخ: المثافنة أي الجلوس معهم

الطالب: قال ابن فارس الثاء والفاء والنون أصل واحد وهو ملازمة الشيء للشيء، يقال: ثافنت على الشيء واظبت.

(المتن)

 والإمداد السليم وكثرة الكشف، وطول البحث، وقلب عقول، ولسان سؤول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:

فيقول الشيخ بكر رحمن الله وإياه ونفعنا بعلمه

قال أبو بكر الدينوري المتوفي سنة 532هـ رحمه الله تعالى:

تَمَنَّيتَ أَن تُسَمَى فَقِيهًا مُنَاظِرًا بِغَيرِ عَنَاءٍ وَالجُنُونُ فُنُونُ
فَلَيسَ اكتِسَابُ المَالِ دُونَ مَشَقَّةٍ تَلَقَّيتَهَا فَالعِلمُ كَيفَ يَكُونُ

فيا ربه لحنة ولا، يملك في اللغة بلغة، لا يدري الفقه، فضلًا أن يكون فقيهًا، خل أن يكون فقيه النفس: وهو الذي يعلق الأحكام بمداركها الشرعية، وهو أنفس صفات علماء الشريعة.

أما الحديث فأنى له.

وقد قال أبو سعد السمان المعتزلي المحدث: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام، وأما فهم في كتاب الله تعالى، فهو أعز من بيض الأنوق.

(الشرح)

الشيخ: أيش بيض الأنوق؟

الطالب: قال أبو منصور الأزهري عن ابن الأعرابي قال: أنوق الرجل إذا اصطاد الأنوق وهي الرخمة، قال: وقال معاوية لرجل أراده على حاجة لم ينله أراد بيض الأنوق، يعني لا يُسأل مثلها فقال معاوية أنا اجل من الحرش يريد الخديعة ثم سأله أخرى أصعب منها فقال: طلب الأبلق العقوق فلما لم ينله أراد بيض الأنوق، قال أبو العباس: وبيض الأنوق عزيز لا يوجد وهذا مثل يضرب للذي يسأل الهين فلا يعطى فيسأل ما هو أعز منه.

الشيخ: يعني كان البيض لا يوجد بيض الأنوق لها بيض لكنها تخفيه أو أنها لم يكن لها بيض.

الطالب: وذكر ابن السكيت أنه يرى أن الأنوق العقاب.

(المتن)

ولا تستغرب مقالي هذا، فهو امتداد لشكوى الأئمة السابقين، ومنه قول الذهبي رحمه الله تعالى: وأما اليوم فقد اتسع الخرق، وقل تحصيل العلم من أفواه الرجال، بل ومن الكتب غير المغلوطة، وبعض النقلة للمسائل قد لا يحسن أن يتهجى.

وقال أيضًا رحمه الله تعالى في ترجمة هدبة بن خالد المتوفى سنة 235هـ:

قال عبدان: سمعت عباس بن عبد العظيم يقول: هي كتب: أمية بن خالد، يعني التي حدث بها هدبة، قلت: رافق أخاه أمية في الطلب، وتشاركا في ضبط الكتب، فساغ له أن يروي من كتب أخيه، فكيف بالماضين لو رأونا اليوم نسمع من أي صحيفة مصحفة على أجل شيخ له إجازة.

ونروي من نسخة أخرى بينهما من الاختلاف والغلط ألوان، ففاضلنا يصحح ما تيسر من حفظه، وطالبنا يتشاغل بكتابة أسماء الأطفال، وعالمنا ينسخ، وشيخنا ينام، وطائفة من الشبيبة في وادِ آخر من المشاكلة والمحادثة، لقد اشتفى بنا كل مبتدع، ومجنا كل مؤمن، أفهؤلاء الغثاء هم الذين يحفظون على الأمة دينها؟ كلا والله، فرحم الله هدبة وأين مثل هدبة؟ نعم ما هو في الحفظ كشعبة؛ انتهي

(الشرح)

يعني: المراد التحقق والتثبت فلا بد من التحقق والتثبت والعناية.

(المتن)

ورحم الله ابن رشد إذ قال: كان العلم في الصدور واليوم صار في الثياب.

(الشرح)

العلماء كانوا يتثبتون السابقين ما كانوا يتساهلون لابد من حفظ وكتابة، تواطأ الحفظ والكتابة.

(المتن)

وأما التفريط في العمل: فكم رأى الراءون وجوهًا يعلوها ذل المعصية والافتقار إلى السمت الصالح، والهدي الحسن، فكم من متصدر للعلم في أي مجالاته وهو "قرندل".

الطالب: قال في الحاشية: القرندل في لهجة المصريين: حالق لحيته.

متختم بالذهب، شارب للتبغ، صانع للقزع، بل لا يشهد الصلاة جماعة إلا لمامًا.

ورحم الله القاضي الفارقي الشافعي المتوفى سنة 528هـ إذ كان يرى حلق القزع من الميت قال: لأنه يكره تركه من الحي فكذلك الميت.

وإذا كان هذا فيما يقابل به الخلق وجهًا لوجه فكيف فيما سواه مما ينطوي عليه من اتجاهات ومشارب عقدية.

(الشرح)

 إذا كان هذا القزع الذي يواجه الإنسان أمامه فكيف العقيدة، العقيدة أشد إذا كان هذا يكره أن يفعل القزع الذي يواجه بالناس فكيف في الذي اعتقد اعتقاد فاسد كيف يصلح أن يتصدر للعلم.

(المتن)

من اتجاهات ومشارب عقدية. عاقها الكدر عن اللحوق بعقيدة السلف. فلله الأمر من قبل ومن بعد.

ورضي الله عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إذ يروى عنه قوله: هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.

وقال بعضهم: العلم دعوى، والعالم مدع، والعمل شاهد، فمن أتى بشهود دعواه صحت للمسلمين فتواه.

وقال الفراء النحوي رحمه الله تعالى: أدب النفس ثم أدب الدرس.

(الشرح)

يتأدب أولًا ثم الدرس ثانيًا.

(المتن)

وكان سفيان رحمه الله تعالى يقول: تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل ومن فتنة العالم الفاجر فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.

(الشرح)

لا حول ولا قوة إلا بالله العابد هذا فسد عمله وهذا فسد علمه، عالم فاجر وعابد جاهل

(المتن)

فكأن الاستقامة وسيلة عزل عن نيل المآرب الدنيوية، والحظوظ الزائلة.

فينادي على حال بعضهم قول الدينوري المتوفى سنة 518هـ رحمه الله تعالى:

ﻣَـﻦْ ﻳَـﺴْـﺘَـﻘِـﻢْ ﻳُـﺤْـﺮَﻡْ ﻣُـﻨَـﺎﻩُ ﻭَﻣَـﻦْ ﻳَـﺰِﻍْ ﻳُــﺨْــﺘَــﺺﱡ ﺑِــﺎﻹِﺳْــﻌَــﺎﻑِ ﻭَ ﺍﻟــﺘﱠﻤْـﻜِــﻴــﻦِ
ﺍُﻧْـﻈُـﺮْ ﺇِﻟَـﻰ ﺍﻷَﻟِــﻒِ ﺍﺳْـﺘَــﻘَــﺎﻡَ ﻓَــﻔَــﺎﺗَــﻪ ﻧُــﻘَــﻂٌ ﻭَ ﻓَــﺎﺯَ ﺑِــﻪِ ﺍﻋْـوجاج النُّونِ

(الشرح)

 الألف ما فيها اعوجاج يعني مستقيمة

(المتن)

هذه شذرات فيها قوارع لخوارم المتعالمين، وسيرى الناظر إن شاء الله تعالى هذا التقييد مشوفًا معلمًا يجلو عوارض هذه الخوارم، ويفترع منها العوائر، ليكون عاصمة من تلك القواصم، فاضحًا لكل متعالم، غيرة لله ودينه وشرعه، واحتسابًا في سبيل نصرته.

والمؤمل من كل مبلس أزمنه مرض التعالم قد انغمس فيه إلى الأذقان، وممن طرق على مطرقته أن يوفر على نفسه جهد القراءة لهذه الرسالة ولا يرنو إليها، لأنها وإياه على طرفي نقيض، وإن كانت ستسفه حميمًا ولهبًا، وترميه في مهاوي الصغار لقى، فتطؤه الذلة بمناسمها، وتضرسه بأنيابها، ويبقى راسفًا في أصفاد ما جنت عليه يداه، فهو حي في شبحه، ميت في دينه وقيمته وأدبه وخلقه، ولن يعود إلى آدميته إلا ببراءته من تعالمه، وانفلاته من آفته على قارب من الإيمان والتقى والشجاعة في الحق والرضى، وستمسك قبل بقضيته الوهمية "التعالم" فتمرضها وتقضي عليها حتى تموت موتتها الكبرى.

 وسيبقى تسنم الذروة لإشادة المجد، لشداة العلم والفضائل في كل باد وحاضر.

وستزهق بإذن الله: النظرة التبريرية الجاثمة بين جوانح الحاملين لنظرية: "تعدد الشخصيات في الشخص الواحد".

نقف على هذه الشذرات، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد