الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:
(المتن)
فيقول الشيخ بكر أبو زيد عفا الله عنا وعنه:
ومنها: أي من مظاهر التعالم، أفاعيل أغيلمةٍ أخذوا يقهقهون على كراسي التعليم بغرائب يبدونها أو يبتدئون اختراعها، فشغلوا أهل العلم بصدها وافتراعها، وامتطوا بيداء الكذب، وهي قاعٌ صفصف لا تنتهي أطرافها، وسالكها لا يبرح مكانه ظن المسكين أنه قد ركب نفسه، فسارت به إلى ساحة العلم ورياضه، لكن واقع حاله أن نفسه قد ركبته ونازعته، فكلما أراد أن يسير إلى الأمام خطوةً جرته إلى الوراء خطواتٍ، فأضحى في رائعة النهار عريًا عن الفضائل، واضمحل بين الملا كضرطة عيرٍ في العراء.
إذ يعيش لهذا الضرب الهابط إلى الدركات حملة الشعاع الهابط من فوق سبعة سموات، فما من فريةٍ يقوم متعالم باختراعها، إلا ويبتدرها عالمٌ لافتراعها فتتهاوى أسماؤهم.
(الشرح)
(فما من فريةٍ)، الفرية: هي الكذب.
(المتن)
(الشرح)
باختراعها: يعني ابتداعها.
(المتن)
(الشرح)
يقوم عالم بإبطالها وصدها وردها.
(المتن)
(الشرح)
(معمم) يعني أهل العمامة، تشبه بأهل الحديث، تشبه ويكذب يقول: روى فلان وفلان وفلان، وهو كذاب يوهمهم أنه محدث وأنه يعرف تخريج الأحاديث ورواته، وهم لا يسألونه هيبةً له، فالمعمم ما يمكن يكذب؟! يتشبه بأهل الحديث يلبس العمامة ويكذب ما يمكن.
(المتن)
وذكروا ذلك لي ذلك سيبل الإعجاب به، فأرشدتهم إلى التوثيق، ففعلوا فافتضح وتلاشى درسه حتى ضاق به معقل العلم وهرب، فأين هؤلاء الكذبة المتشبعون بما لم يعطوا من هدي السلف في أمانتهم وتحريهم؟.
وقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن نصرٍ المروزي في تعظيم قدر الصلاة بسندهما إلى: ميمونٍ بن شبيبٍ المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة، قال: وأردت مرةً أن أكتب كتابًا، فذكرت كلمةً إن كتبتها زينت كتابي، وأكون قد كذبت، وإن تركتها أكون قد قبحت كتابي وأكون قد صدقت، فأجمعت على تركها، فنُوديت من جانب البيت يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم/27]، انتهى.
(الشرح)
ابن المزروي كأن هاتف هتف به
(المتن)
(الشرح)
الزعل التزويغ، ومنه الزغل الذي يكون على الذهب والفضة، إذا أحوي على النار ذهب الزيف.
(المتن)
وهو مبحثٌ نفيسٌ قل من لحظه من المتأخرين، فوقعوا في التوهيم وهم الواهمون.
ذلك أن كتب سُنَّة المشرفة في بعض نسخها اختلاف، لاختلاف رواتها، فقد يكون الخلاف في بابٍ بأكمله، أو في حديثٍ أو في لفظٍ منه وهكذا، كما في روايات الموطأ، ومجموع رواياته نحوٌ من العشرين تجد الحديث عنها مبسوطًا في مقدمة أوجز المسالك.
وروايات البخاري، وقد حرر الخلاف أيما تحريرٍ شيخ هذه الصناعة وإمام الجماعة الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري ومقدمته هدي الساري، وإن كانت رواية ابن سعادة عن صهره الصدفي قد فاتته.
ولهذا فإن القسطلاني في شرحه إرشاد الساري قد امتاز بأنه وضع شرحه على نسخةٍ اليونيني المتوفى سنة إحدى وسبعمائةٍ رحمه الله تعالى، والتي قابلها على عدة نسخ، وبيّن الفروق بينها، وقد ألف جمال الدين يوسف بن عبد الهادي المتوفى سنة تسعٍ وتسعمائة رحمه الله تعالى كتابًا في اختلاف روايات البخاري.
وهكذا القول في بقية كتب السنن، وقد بيّن رواتها ابن نقطة المتوفى سنة تسعٍ وعشرين وستمائةٍ للهجرة رحمه الله تعالى، ولبعض الطلبة المعاصرين رسالةٌ باسم الأصول الستة رواتها ونسخها، ولبعض المغاربة رسالةٌ باسم مدرسة الإمام البخاري في المغرب، بما حررت خلاصته في التأصيل أصول التخريج وقواعد الجرح والعديل.
وقد وقع أقوامٌ في أغاليط نتجت من غفلتهم عن هذا، فمثلًا يعزو إمامٌ مطلعٌ الحديث إلى سنن أبي داود، رواية ابن داسة، فيأتي محققٌ معاصرٌ، فيرجع إلى سنن أبي داود المطبوعة، وهي من رواية اللؤلؤي، فيقيد سطور التوهيم حينما لا يجد الحديث فيها، وهو الواهم وهكذا.
ومثاله أيضًا أن النسائي رحمه الله تعالى له السنن الكبرى، ثم مختصرها لتلميذه ابن السني، وهي على الصحيح باسم المجتبى أو المجتنى، وقد اشتهرت باسم " سنن النسائي الصغرى".
والحافظان: المنذري، ثم المزّي، إذا قالا في حديثٍ أخرجه النسائي، فإنما يقصدان به الكبرى دون الصغرى، ثم يأتي متعالمٌ، فيقول في حديثٍ: ليس في سنن النسائي يقصد الصغرى التي اختصرها تلميذه: ابن السني فيوهم المنذري وغيره، وهو الواهم الغالط، وانظر في مقدمة العالم القانت الشيخ عبد الصمد شرف الدين الكتبي لكتاب تحفة الأشراف، والله الموفق.
ومنها أن الحديث قد يكون في زويّةٍ من صحيح البخاري، أو صحيح مسلمٍ، أو غيرهما رحم الله الجميع، فينتزعه عالمٌ في كتابه، فيأتي متفاصحٌ بالتحقيق فيرجع إلى مظنته من صحيح البخاري مثلًا فلا يجده، فيتدارك على المؤلف بالتّوهيم، بل قد يكون في مظنته، لكن لجهله، وليشفي غلته المشحونة بسوء معتقده: يثلب بالتّوهيم والتعقيب الكاذب وهكذا.
ومن أسوأ الأمثلة المعاصرة ما آلم أهل العلم من العهد بتحقيق عددٍ من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى إلى بعض المغرورين، فأخذوا يوهمون الشيخ رحمه الله تعالى، وهم الواهمون في العزو والتخريج، وكانت وقعت لهم عبارات تجديعٍ لكنها طمست، ومن زغلهم في التحقيق لها.
في الحاشية: للشيخ محمد بن عبد الله الدويش رسالةٌ باسم التنبيهات عقدها في نحو ثلاثين تنبيهًا، منها ما ذكرته في هذين الحديثين.
المتن:
أن الشيخ رحمه الله تعالى عزى حديث أنسٍ في كسر عمته الربيع: ثنية جاريةٍ إلى الصحيحين، فقال: متفقٌ عليه.
قال المعلق قلت لم يخرّج الحديث مسلمٌ، فقول الشيخ: متفقٌ عليه، وهم، والحديث موجودٌ في صحيح مسلم: كتاب القسامة، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله ﷺ سابق بالخيل وراهن» رواه أحمد، قال المعلق: لم أجده في السنن، ما لنا ولهؤلاء شغلونا برخيص علمهم: إن البغاث بأرضنا يستنسر؟.
وهنا أقول بكل وضوح إن هؤلاء وأمثالهم كثير، ينطوون على طرقٍ ومشارب يرفضها الإسلام، وإن في جوانبهم رماة، وهم يثقفون لهم الرماح، ونحن الهدف، فهل من متيقظٍ متجردٍ من حظوظ النفس، يُزكي معاقل العلم منهم، قبل أن يدب فيها الدّاء؟.
(الشرح)
تنبيهات جيدة، الشيخ عبد الله الدويش نبه على هذا له تنبيهات مطلوبة رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
(المتن)
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا ما علمتنا يا أرحم الرحمين.
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله شيخنا والحاضرين:
(الشرح)
ما المراد بالنشأتين؟ يعني الأحكام كما في الدنيا والآخرة، ومبدأ السعادتين، سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، نعم.
(المتن)
فهو بابٌ ولج معه صنوفٌ من البشر:
فقيهٌ مترخص، وآخر آخذٌ بالشاذ والقول المهجور ، وثالثٌ لا يدري اصطلاح الفقيه في عبارته، ورابعٌ فقاهته بالتشهي، وجماع ذلك في أمرين:
متعالمٌ في الفقه لا يدريه، فهذا غايته الجهل، وتلميذٌ من مدرسة الفقه العصرانية موئل الإفراز للزيغ بصلابة جبين، وهذا والله أمر الأمرين؛ لأنه دخل هذه المدرسة أناسٌ شهروا، فنفخ في بوقهم الكافرون، حتى نفذوا عن طريقتهم، بإنزال الشرع المبدل، والشرع المؤول محل الشرع المنزل من عدة طرقٍ رتبها القاسطون.
(الشرح)
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن/15]؛ القاسطون الجائرون الظالمون، والمقسطون على منابر من نور، المقسط هو العالم، والقاسط هو الظالم والجاهل.
(المتن)
قال أبو العلاء:
وَكَمْ مِنْ فَقِيهٍ خَابِطٍ في ضَلالَةٍ | وَحُجَّتُهُ فيها الكِتَابُ المُنَزَّلُ |
وهذا تبيانٌ لبعضها:
حاشية: فائدة: تبيانٌ وتلقاء بكسر التاء فيهما على وزن (تفعال)، وعند بعضهم لم يأتِ بكسر التاء إلا هذان الحرفان، وما سواهما بفتحها مثل: تذكار، وقد وقع سبق قلمٍ في (مرويات دعاء ختم القرآن) في وزن هذا الحرف، فليصحح، وانظر: (لامية الأفعال)، وتفسير الطبري لآية الأعراف وغيرهما، والله أعلم.
(الشرح)
تبيان وتلقاء هذه التي جاءت بالكسرة والباقي بالفتحة ومن ذلك: تَكرار تَعداد، تسمعون كذلك بالتكرار، هذا خطأ تَكرار، تَعداد، تَرداد كله بالفتح إلا تبيان وتلقاء مصدر تبيان وتلقاء، والباقي كله بالفتح ترداد، تكرار، تعددا كلها، ويغلط كثير من الناس في كسرها التِكرار التِعداد، هذا خطأ ما في بالكسر إلا تبيان وتلقاء مصدرين.
(المتن)
وهذا تبيانٌ لبعضها:
أولًا: (دعوى تغير الفتوى بتغير الزمان).
وقد بسطت في (فائت الفقيه) القول فيها في مبحث: (بساط الحال وأثره في الأحكام) بما خلاصته: أن هذه قاعدةٌ صوريةٌ لا حقيقية، إذ أن جميع من يذكرها من الفقهاء الماتنين، والشارحين، يقيدونها بخصوص تغير الأعراف.
وابن القيم رحمه الله تعالى توسع في ضرب المثال لها.
حاشية: في الجزء الثالث من إعلام الموقعين.
المتن:
بما لا يُسلم له؛ لأنها من هذا الباب، أو من باب تخصيص العام بنصٍ مثله، أو لتغير النيّات وهكذا؛ ولهذا فإنه في موضعٍ آخر، الحاشية: في (إغاثة اللهفان).
ولهذا فإنه في موضعٍ آخر أتى بما يقيد هذا الإطلاق، إذ جعل الأحكام على مجموعتين:
أحكامٌ ذات نصٍ فلا ينسحب عليها هذا التأصيل.
وأحكامٌ اجتهادية تتغير بتغير الأعراف، وهذا مما تتغير به الفتوى بتغير الزمان والأحوال.
(الشرح)
الأحسن أن يقيد كلامه المطلق بالمقيد يجمع بين كلامه؛ يعني ما أطلقه في مكان يقيد بما قيده في المكان الآخر، ولا يكون الاعتراض على ابن القيم، نقول ابن القيم مثلًا أطلق هنا، لكن قيد في مكانٍ آخر.
والقاعدة أن المطلق يقيد في كلام الله وفي كلام الرسول ﷺ وفي كلام أهل العلم، ما دام أنه مؤلف واحد وله كلام مطلق في كتاب الأصول والكتاب الآخر مقيد نحمل المطلق على المقيد، نعتذر للإمام.
(المتن)
والعصرانيون دخلوا من هذا التقعيد الصوري إلى أوسع الأبواب، فأخضعوا النصوص ذات الدلالة القطعية كآيات الحدود في: السرقة، والزنا، ونحوهما، بإيقاف إقامة الحدود؛ لتغير الزمان وهكذا مما نهايته انسلاخٌ من الشرع نحت سرادقٍ موهوم.
(الشرح)
يسقطون الحدود ويسقطون القصاص بتغير الفترة بتغير الأزمان، المتحللون يريدون أن ينحلون، لا يتقيدون بالشرع يقول هذا الكلام نسأل اله العافية، بعض الناس الآن في العصر الآن يقولون: نحن في عصر لا يناسب إقامة الحدود عصر التطور، وعصر الذرة، وعصر الكمبيوترات، والتطور الجديد الآن الهائل ما يناسبه إقامة الحدود، هذا أعوذ بالله نسأل الله العافية.
ولا يناسب أيضًا كذلك الحكم بالشريعة وهكذا، يعني يحسنون للناس الكفر بهذه المزاعم أعوذ بالله، هذا الذي يريدون أن يلبسونه على المسلمين ومن في قلبه مرض يقول مثل هذا الكلام، يقولون: نحن في عصر الذرة وعصر الكمبيوترات وعصر التطور، ولا يستطيع الناس التخلص من الربا، يقولون: العالم شبكة واحدة .
إذًا هم يحلون الفوائد الربوية بهذا ويحلون ويجيزون لها، الحكم بغير ما أنزل الله وهكذا، وينسلخون من الشريعة بهذه المزاعم، ويلبسون على الناس أسأل الله العافية.
(المتن)
(الشرح)
الاجتهاد لأهله أهل الاجتهاد من بلغ رتبة الاجتهاد معروف شيخ الإسلام ابن تيمية وأمثاله.
(المتن)
(الشرح)
يقول العلماء: من تتبع الرخص تزندق.
(المتن)
ولهذا مبحثٌ مستقلٌ فانتظره في المبحث الثالث.
رابعًا: الدعوة إلى تقنين الشريعة، ووقف تحكيمها بدعوى عدم تقنينها، وهي دعوى تعللية للمماطلة في تحكيمها مكشوفة الغاية.
(الشرح)
وقد كتب رسالة في هذا الشيخ عبد الرحمن الشثري رسالة جيدة في الكلام على تقرير الشريعة نشرت.
(المتن)
مكشوفة الغاية.
الدعوة إلى (تقنين الشريعة)، ووقف تحكيمها بدعوى عدم تقنينها، وهي دعوى تعللية للمماطلة في تحكيمها مكشوفة الغاية، الرفض الأبدي لتحكيم الشريعة من حال مدعي عدم التقنين، وفي فقه النوازل أفردت هذه النازلة بالبحث، وبيّنت غلط من غفل عن الإلزام.
خامسًا: التأويل لنصوص الأحكام: وهو في البطلان كظاهرة التأويل لنصوص الأسماء والصفات، ومفاده: لي أعناق النصوص عن معانيها، وتحميلها ما لا تحتمله، وحملها على الوجوه الباردة، والآراء المتعسفة المنكودة، بما لا تطيقه لغة العرب في سنن كلامها ومناحي لسانها.
(الشرح)
أسأل الله العافية لا شك أن التأويل الباطل لا بد له من دليل إذا كان بغير دليل صار من أجل الهوى نعوذ بالله، قال تعالى: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص/26] .
(المتن)
سادسًا: مقارنة الإسلام بغيره من القوانين الكافرة والأديان الباطلة، وهذه فتنةٌ ترقت إلى رؤوس أساتذة الجامعات، وترسبت منهم إلى طلابها؛ لإظهار فضل الشريعة زعموا!.
فانظر مئات الرسائل الجامعية، والكتب الحرة بمقارنتها التي يظهر في العديد منها: ضعف موقف الكاتب لقصوره من بيان ظهور حكم الإسلام في مسألةٍ ما على الدين كله، وهذا من أعظم الأبواب التي يدخل منها الداخل على الإسلام والمسلمين.
(الشرح)
يقارن بين الشريعة وبين قانون، مقارنة بين الشريعة والقانون، بل سميت كليات " كليات الشريعة والقانون " والرسائل كثيرة في المقارنة بين الشريعة والقانون في الأحكام.
(المتن)
وهذا من أعظم الأبواب التي يدخل منها الداخل على الإسلام والمسلمين، مع ما فيه من ترقيق الديانة، وكسر حاجز النفرة من الكفر والكافرين، والبغضاء لهم.
وكان الإمام أحمد رحمه الله تعالى يكره التصدي لمجادلة المبتدعة، حكى عنه الغزالي في كتاب المنقذ، أنه أنكر على الحارث المحاسبي، تصنيفه في الرّد على المعتزلة، فقال الحارث: الرد على البدعة فرض، فقال أحمد: نعم، ولكن حكيت شبهتهم أولًا، ثم أجبت عنها، فلا يؤمن أن يطالع الشبهة من تعلق بفهمه، ولا يلتفت إلى الجواب، أو ينظر إلى الجواب، ولا يفهم كنهه.
قال الغزالي: وما ذكره أحمد حق، ولكن في شبهةٍ لم تنتشر ولم تشتهر، أما إذا اشتهرت فالجواب عنها واجب، ولا يمكن الجواب إلا بعد الحكاية، انتهى.
(الشرح)
كيف إذًا الآن المناظرات الآن في الشبكة الآن وفي الإنترنت وغيرها تذكر الشبهة مناظرة مع الفرق، ومع النصارى، ومع الشيعة ومع غيرها، هذا لا شك أن الشبهة قد تؤثر، مثل ما قال الإمام أحمد لها تأثير كبير، الله المستعان.
(المتن)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:
فقال العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد غفر الله لنا وله في باب الفقهيات:
(الشرح)
الرافضة ما يرون القياس الظاهرية.
(المتن)
(الشرح)
وهذا من العجائب الرافضة والظاهرية متناقضان، الظاهرة يعملون بالظاهر والرافضة يعملون بالباطن، أهلٍ للباطنية وأهله، ومع ذلك اتفقوا في القياس.
(المتن)
ومن العجيب أن ابن حزمٍ، وهو يشتد على مخالفيه، هو في حقيقة حاله يأخذ بالقياس في مقامين:
الأول: في الاعتقاد، ومن نظر في كتابه (الملل) علم ذلك.
الثاني: في كتابه (المحلى) يلزم مخالفيه في مواضع بالقياس، ومعلومٌ في آداب البحث والمناظرة وأصول الجدل، أنه لا يلزم أحد المتناظرين صاحبه إلا بما يعتقده ويقول به؛ لأن الغرض الوصول إلى الحق، لا الظهور على الخصم.
ثامنًا: ومن أبلده مسلك (حشوية الفروع).
حاشية شرح الإحياء: وأما تلقيب المبتدعة لأهل السنة بالحشوية أو الحشوية، فهو من الذنوب التي يكتسبونها لتشويه الحق، وبحثه مبسوط، انظر (التذكرة التيمورية)، و(الحور العين) للحميري.
المتن:
وهم الذين يخرجون الفروع على الفروع المختلف فيها، لا على القواعد والأصول، وإذا أنعمت النظر في عددٍ من أبحاث طلاب العصر وجدتهم كذلك، فإذا وجد تفريعًا فقهيًا مختلفًا فيه، أخذ ينظر النازلة عليه، ويلحق حكمها بحكمه مشتدًا فرحًا وهو بناءٌ على أساسٍ هارٍ.
وههنا خبيئةٌ مرذولةٌ في مذهب الرافضة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: قال الشعبي عنهم: "يأخذون بأعجازٍ لا صدور لها" أي: يأخذون بفروعٍ لا أصول لها، انتهى.
سادسًا: ومنه الانتحال: وقد بلغ سوء الحال إلى انتحال كتبٍ ورسائل برمتها، وقد بسطت هذا أشد البسط ولله الحمد في (معجم المؤلفات المنحولة) يسر الله إتمامه وطبعه، وذكرت فيه بحثًا في نازلة.
وذكرت فيه بحثًا في نازلة حقوق التأليف من كتاب: فقه النوازل؛ فأغنى ما هنالك عن تسطيره هنا.
وأمّا تغيير أسماء الكتب وتنتيف الكتب بمعنى: أخذ بحثٍ من موضوع من كتاب، وإفراده بالطبع، ويُرسم على طُرّته تأليف فلان دون الإشارة على الغلاف بأنه مُستلٌ من كتاب كذا فهذا التغرير شيء لا تسأل عنه فقد بلغ فيه العبث مبلغًا جاوز طوره، وازدحمت عليه ممارسات المتأكّلين، وتكسّرت منهم النصال على النصال من كتبيين، وورّاقين، ومحققين في فوضى لا نعلم لها على وجه الأرض من رادع، لكن لعل التنبيه ينفع من كان له من نفسه وازعٌ.
سابعًا: ومن التعالم: نفخ الكتاب بالترف العلمي والتطويل الذي ليس فيه من طائل، بل هو كالضرب في حديدٍ بارد، وذلك في أعقاب ثورة الإنتاج الطّباعي تحت شعار التحقيق، بحيث يكون الأصل لو وٌضع في ظرف لوسعه، ثم يأتي محضر نصوص أو ورّاقٌ نظيف باسم: التحقيق، ويزيد في الطنبور نغمة، وكدُّه الإثقال بالحواشي والتعليقات متوحلًا في خضخاض من الأغلاط.
ومن العجيب أنهم يترجمون لكل من يمر ذكره من الصحابة والتابعين، والأعلام البارزين، ويعرّفون بالمواضع المشهورة كمكّة والمدينة، ويخرّجون مشاهير السنن، وهكذا من غارات الجياّع، مما هو تحصيل حاصل لا يستفيد منه الناظر في موضوع الكتاب، بل إن سوالبه أكثر:
منها بذل جهدٍ من الوقت والعناء لا فائدة من ورائه.
ومنها: قطع همم القُرّاء عن جرد الكتاب.
ومنها: تأخير ظهوره مطبوعًا، وإثقال طُلاب العلم بثمنٍ دون مردودٍ علمي.
أرأيت لو صار هذا المسلك في المطوّلات نحو: فتح الباري، ماذا ستكون الحال؟
ومن وراء هذا ما يحصل من السقط والجهل والتوهيم، فللَّه كم رأينا من حاشيةٍ أتت بغاشيةٍ، وأما التي عناها الزمخشري بقوله كما في الأساس: الزيت مخ الزيتون، والحواشي مخخة المتون.
والتي عناها بعضهم بقوله: لا يضيء الكتاب حتى يظلم؛ يعني بالحواشي النافعة فهي من القليل النادر.
إن ماهية التحقيق: إثبات النص على الوجه الذي أراده عليه مؤلفه، مُحشيًا هذا النص بما يُسمى: عُدّة النقد أو الجهاز النقدي ولو لُقّب باسم عُدّة التوثيق لكان أولى.
وهو يتمثل في الخطوات الآتية:
أولًا: إثبات فروق النُسخ وما عليها من حواشي وهي المسماة الإبرازات.
ثانيًا: استكمال الخرم نتيجة انتقال النظر أو ما يُسمى عبور النظر ولنحوه من الأسباب مما يقع من مؤلفٍ أو ناسخ.
ثالثًا: ضبط مُشكل الكلمات وإيضاح غامضها ومشكلها.
رابعًا: تخريج نصوص الأصل بذكر مصادرها، لا بإعادة نقلها من تلك المصادر التي قد تبلغ الصفحات فإنه يلزم الدور بالتحقيق لهذه، وما هذا الصنيع إلا من زُغل العلم، وتقليد الأوراق، وآثام التجديد، وقواصم التعالم وفاعلها لا يعدو أن يكون مُحضّر نصوصٍ فحسب.
ثم إن هذه السمة تحقيق أصبحت وسيلةً للترويج فكم من كتابٍ قد طُبع في غاية من الصحة والتوثيق، ثم يأتي متعالمٌ أو دار نشرٍ فتسرقه فيُبرز للسوق مطبوعًا تحت شعار التحقيق وقد اتسعت الدائرة في هذا بشكلٍ جعل الكتب تحت هذا الشعار: جوادًا رابحًا.
(الشرح)
صارت تجارة بعض الناس يتجرون بها، يقولون نأخذ الكتاب نحققه، بعض التحقيقات فيها أغلاط، فضائح، يأتي واحد يحقق في كتب التوحيد وهو عنها بمعزل ما يعرف التوحيد بمعزل عنها، يحقق عشان تجارة وهكذا، وبعضهم يتعقب المؤلف لكي يخرج كلام خطأ يُضحك الصبيان يعترض على المؤلف يعترض على ابن القيم، يعترض على شيخ الإسلام، الله المستعان، من أنت لتعترض على شيخ الإسلام وابن القيم! رحم الله امرأٌ عرف قدر نفسه.
(المتن)
وأول من رسمه على كتابٍ عربي هو الأستاذ أحمد زكي المتوفى سنة 1353للهجرة ثم اتسعت الدائرة حتى دخل الدراسات النظامية العليا فمنه ما هو قرة عين الناظر، ومنه ما هو شجىً أفسد كتب الأوائل، وأنبأ عن ضحالة الأواخر.
وفي مجال نقد صنائع المستشرقين تجده بسطًا في المؤلفات الكاشفة عن عبثهم، وعلى سبيل المثال في: برنامج طبقات فُحول الشعراء للأستاذ محمود شاكر ضرب المثال بكتاب: الإعلان بالتوبيخ للسخاوي، نشره حسام الدين القدسي رحمه الله تعالى نشرةً خاليةً من التزيد والتمدح والتحطط، ثم نشره المستشرق فرانز باسم علم التاريخ عند المسلمين نشرةً تتسم بتلك العيوب كما في بيانها: في صفحتي 119، 127.
أما في مجال عبث الدكاترة من المسلمين، والوراقين والناشرين، فضع يدك على ما شئت في دور العرض وانظر ترى عجبًا.
لهذا فإن ما قرره الأستاذ في برنامجه هو نفخة مصدورٍ ساءه ما لحق كتب السلف من عبثٍ وجهل، فلا بد لنا من بصيرةٍ ويقظةٍ لنعود إلى الأصالة هاجرين للدعوى ونفخ الكتب بالغثاء وتقليد الأوراق ومتابعة الأعجام الأغتام رافضين للشعارات الوافدة، وتوسيع الدعوى، والتعالي والتعالم، ولنأخذ في الشكل والمضمون برعاية المباني والمعاني ولباس التقوى فذلك خير.
وهذه مقتطفاتٌ من نفثات الأستاذ أسوقها لنفاستها:
فهذا المنهج العلم أو علم التحقيق الذي يختال المختال في طيلسانه، ليس إلا دروسًا أنشأها جامعةٌ من أغتام الأعاجم في زماننا، فتلقونها عنهم حفظًا عن ظهر قلب، فإذا جاء أحدهم كتابٌ أو وقع في يده نظر، فإذا كانت القواعد المحفوظة مُطبقةً في هوامش الكتاب، فذاك الكتاب، ذاك الكتاب المحقق، فإذا لم ير أثرًا ظاهرًا في هامش الكتاب يطابق المحفوظ من القواعد فهو كتابٌ غير محقق وكتابٌ رديءٌ جدًا، يقولها قائلهم رافعًا هامته، ناصبًا قامته، مصعرًا خده، زامًا بشفتيه وأنفه، كهيئة المتقذر، بهؤلاء وأشباههم. تفشّى وباء تحقيق الكتب على هذه القواعد المحفوظة، وشوّه وجه الكتاب العربي هذا السيل الجارف بما يحمل من غُثاء، وجفاء وقذر. هذا عجب! انتهى.
ثم يأتي المؤلف على مبحثٍ ماتع في رفضه لكلمة التبجح حققه، يحققه، تحقيق وسائر ما تصرّف فيه هذا الفعل، وقد أسقطه وجميع مشتقاته من جميع كلامه وكتبه، ونبذها وراء أذنه لما فيها من التبجح، والتعالي، والادعاء، واقتصر على قرأ.
ولذا فإن على أهل العلم والإيمان معالجة تلكم الأسطر العاديات ضبحًا المثيرة من الخطأ نقعًا، بالمحو، والشطب والتخلص من أوضارها والابتعاد عن الادعاء والتعالي، والتقليد، ويحسن بنا أن نسير في ضوء القنوات الضابطة الآتية:
أولًا: الابتعاد عن نفخ الكتاب بالترف العلمي.
ثانيًا: إخراج كتب السلف باسم المقابلة أو التوثيق وهو لفظ التحقيق في هذا الموطن.
ثالثًا: أن تكون عُدة التوثيق على ما تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد: فقال الشيخ بكر بن عبد الله في كتاب التعالم:
المتن:
ثامنًا: ومن التعالم: ضريبة الثراء المشبوه في أقل أحواله، والجاه الموهوم في جُلّ أحواله، فيسوق المريض به داء الغرور، إلى دعوى العلم والتحقيق، وبذل جهودٍ في خدمة التراث، وإحياء مآثر الأسلاف؟.
فهذا يبذل من ماله، وذاك يبذل من جاهه لمن لزمه الإعدام مع علمه؛ ليحقق له كتابًا، أو يحضّر له مؤلفًا ويرسم على طُرّته بلا حياء تحقيق فلان أو تحقيق ودراسة فلان، والله يعلم إنه لكاذب.
والمريض بهذا التعالم يعلم أنه كاذب، مخاتلٌ لنفسه مخادع، وكم من طالب علمٍ يعلم انتحال هذا المتعالم، إمّا لعدم قُدرته وإمّا لإثقاله بأعمالٍ لا يستطيع معها تصحيح الدعوى لفريته.
ومن وراء هذين صنفٌ ثالثٌ، مفلسٌ من المال والجاه والعلم خزينته أصفار، وخزانته بلا أسفار؛ وهزائم لا تعرف العزائم يسعى من أثقلته، لبناء مجدٍ موهوم، فيسرق كتاب هذا، ويشتري جهد ذاك، ويخرج للناس عشرات المؤلفات، وهو مفلسٌ منكود، ومفتضحٌ منبوذ.
وقد وقفت على حقائق في هذا، من هذا الثالوث الخاسر المسيء للحقيقة والواقع، والزمن كفيلٌ بكشف هذا التجني، وعلى براقش نفسها تجني، وإلا فهو في سعةٍ من هذا التبني، والسعيد من وقف عند حدّه، ولم يتجاوز طوره، وإن الكسّاح الصادق أسعد من المتعالم الكاذب.
(الشرح)
قال: كسّاح هو الكناس هو الذي يعمل في الحمامات.
(المتن)
(الشرح)
الطالب: كسح كمنع كنس، وكسح الريح الأرض: قشرت عنها التراب، واكتسحوهم: أخذوا مالهم كله، والمِكسحة: المكنسة، والكُساحة: الكُناسة، والزمانة في اليدين والرجلين.
الشيخ: كساح يعني كنّاس، يعني يصير كنّاس بلدي أحسن من كونه يتعالى، من يتصف بهذه الصفة صفة الغرور.
(المتن)
(الشرح)
شِرّة الشباب، مضبوطة بأيش؟ بالحروف ولا بالشكل؟ بالشكل ما نعتمد على الشكل، العمدة على الحروف، قال: شِرة بتخفيف الراء أو بتشديد الراء، (........) ابن دريد المشهورة.
الطالب: هنا بتشديد الراء.
الشيخ: يمكن أن تأتي على الوجهان شِرة وشِرّة قد يكون.
(المتن)
وسطوته في: تعالمٍ، ورياءٍ، وعجبٍ، وكبرياء، وإعلانٍ لضعف ميراثه من هدي النبوة في: أدب الحديث، والمجالسة، وإنزال الناس منازلهم.
وكم في هذا من: إيحاشٍ للنفوس، وزرعٍ للأضغان، وبالجملة فهذا، نفسٌ بذيء، في مسلكٍ رديء.
وبيانه: أن بعض من هذه حاله، من مبتدئٍ في الطلب، أو من عفى على معلوماته الزمن، تجده يلتقط المسألة والمسألتين، ويحبّر النظر فيها، فيتنمر بها في المجالس، وفي مواجهة من لا يعشرهم، ليظهر فضل علمٍ لديه، ويمتحن الأشياخ على يديه في مقاصد هزيلة.
وكم في الحضور من يمقته ويقليه، ويبغضه ويشينه، وقد جُرّب على هذا الصنف أنه لا يُنشر له القبول في الأرض، ثقيل الظل في الطول والعرض، مجالسته حمّى الربع، ورؤيته جذع في العين، وحديثه سمجٌ مغسولٌ بالصابون.
الحاشية: مجمع البلاغة للراغب الأصبهاني.
المتن:
وبمثله رزق الصمت: المحبة. أعان الله أرضًا أقلته ورحم الله تربةً وارته.
فاحذر أن تكون هذا: الملبس، المفلس.
عاشرًا: ومنه شغف المبتدئين بالتأليف: والبداية مزلّة، وهذا عين تشيّخ الصحفية.
(الشرح)
يجعلون نفسهم مشايخ نعم.
(المتن)
في الحاشية: المجذوب: هو من لا شيخ له، كما في (تاريخ ابن خلكان).
المتن:
فتراه يخوض غمار التأليف، فيما وصل إليه الأكابر، بعد قطع السنين، في مثافنة الأشياخ، ومسك الدفاتر، ثم يأتي هذا (المجذوب الطري)، ويثافن مؤلفاتهم، والمطابع تُفرز كل يومٍ لنا قراطيس ورزمًا.
إن لم يكن هذا هو الاحتراق في الغرور، فما أدري له سببًا سواه، فنعوذ بالله من هذه الفتنة الصّمّاء.
وأنصح نفسي وإخواني بالجدّ في الطلب، وتحرير المسائل، وضبط الأصول، وجرد المطولات، وكثرة التلقي، والدأب في التحصيل، وألا يشغل المرء نفسه بالتأليف في مثاني الطلب قبل التأهيل له، فإن التأليف في هذه المرحلة يقطع سبيل العلم والتعلم، ويعرض المرء فيه نفسه قبل نضوجها.
والتأليف المقبول لابدّ أن يكون بقلم من اتسعت مداركه، وطال جدّه وطلبه، والصنعة بصانعها الحاذق، ومعلّمها البارع.
الحادي عشر: التجنس اللغوي: ومنه الانحلال اللغوي، من كرائم لغة العرب إلى لوثة العجمة، من كل متعالمٍ: قاموسه غير محيط، وقابوسه غير وسيط، ونصيبه من اللغة: شماطيط، لا يغيب عن بالك ما قيل إن اسم كتاب الفيروز آبادي هو: القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، فيما ذهب من لغة العرب شماطيط.
(الشرح)
الشيخ: إيش قال في الشماطيط تكلم عنها؟.
الطالب: يقول عفا الله عنك في مقدمة هنا: وهذا هو الاسم الذي اشتهر به وقد أورد المؤلف في آخر كتابه هذا تسميةً أخرى، وهي القاموس المحيط والقابوس الوسيط، وأورد هذه التسمية صاحب كشف الظنون بزيادة الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط، ووردت هذه التسمية أيضًا في نسخٍ أخرى بزيادة فيما ذهب من لغة العرب شماطيط، وقد قال العلّامة نصرٌ الهوريني في هذه الزيادات: وكل ذلك ليس في النسخ الصحيحة، وذكر صاحب كشف الظنون أن أشهر نسخه هي آخر نسخةٍ قُرئت عليه وتاريخ كتابتها هو سنة 813، وأنها اشتملت على زياداتٍ كثيرة بالتراجم على سائر النسخ الموجودة حتى على النسخة التي بالقاهرة بخطه في أربعة مجلداتٍ في المدرسة الباسطية.
الشيخ: ما تكلم عن الشماطيط، سياق الحديث إيش يقول؟.
الطالب: قال: من كل متعالمٍ: قاموسه غير محيط، وقابوسه غير وسيط، ونصيبه من اللغة: شماطيط.
الشيخ: يعني نصيبه قليل.
(المتن)
حتى إن الخاطر ليرد على الخاطر فيقول: هل هذا المتعالم متقلبٌ في أرحامٍ حنظليةٍ، أم من أصلابٍ فارسيةٍ، وهل هو نبطيٌ حقيقةً، عربيٌ تجوزًا، وهذا القطيع: هو الغنيمة الباردة للشعوبية يمتطونه في دعواتهم لتهجين اللسان في الدعوة إلى:
أولًا: الشعر الحر.
ثانيًا: وإحياء اللهجات العامية.
وتغيير الرسم القرآني.
وتغيير الأرقام العربية.
وإشاعة المولد في وسائل الإعلام.
وتنزيل لغة الجرائد في مدونات أهل الإسلام.
وتشييد الحواجز عن كتب المواد للسان العربي.
(الشرح)
الطالب: شماطيط كالمتفرق ومنه قومٌ شماطيط متفرقة.
الشيخ: (..) إيش بعده؟.
(المتن)
وهكذا في قطارٍ من البلايا، والأدواء اسلة، فيتلقفها المتعالمون من بيننا، متبنين نشرها، والدفاع عنها، جهلًا عند أقوام، واستماتةً في سبيل الشهرة عند آخرين.
والحمد لله، إذ فلّت جموعها: المجامع اللغوية، الناصحون في هذه الأمة، استمرارًا لمعجزة حفظ التنزيل، بحفظ لسانه بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء/195]، وحفظ بيانه، بسنّة نبيه الكريم ﷺ قال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر/9].
فعلى أهل العلم والإيمان: المحافظة على هذا اللسان، بالدعوة إليه، وكف الدخيل عنه، والابتعاد عن دعوات الشعوبية، ومن ألأمها تنزيل لغة الجرائد الهزيلة في كتب العلم، وأن يبذلوا الجهد في نسج الكلام على سنن لغة العرب؛ فإن المباني ذات خدمةٍ كبيرةٍ للمعاني فلابدّ من انتقائها، ورفض المولّد والهجين، وفي المشهور: الألفاظ قوالب للمعاني، والألفاظ خدمٌ للمعاني، والمعاني مالكةُ سياسة اللفظ.
وهذه الوجهة لن تتعاصى بإذن الله تعالى على مبتغيها، متى عقد العهد لموالاتها، ونبذ الدخيل عليها، وأقام سوق الولاء والبراء فيها، ولا يكون هذا إلا من نفوسٍ تحلّت بالشرف، وعلوّ الهمة وإباء الضيم، وعملت في سبيلها احتسابًا وديانةً.
وقد جُرّب على من صدقت نيته في هذا، ووحد السبيل إليها إذ لا يقبل لسان العرب المزاحمة ولا الشركة أنه يوفق فتزدحم عنده المعاني وتتوارد لديه الملاح من المباني، فيأخذ ما يشاء، ويدع ما يشاء.
وقد رأينا هذا لدى جملةٍ من علماء السلف المعاصرين منهم:
العلامة الداعية اللغوي الشيخ/ محمد الخضر حسين المتوفى سنة 1377هـ رحمه الله تعالى. والعلامة الداعية اللغوي الشيخ/ محمد البشير الإبراهيمي المتوفى سنة 1385هـ رحمه الله تعالى. والعلامة المحدث اللغوي الشيخ/ أحمد بن محمد شاكر المتوفى سنة 1377هـ رحمه الله تعالى. في آخرين.
وقد استفدت من كتب هؤلاء الثلاثة الأعلام، وتأثرت بأسلوبهم البياني الفريد، مع ما منّ الله به عليّ من ملازمة شيخنا الشيخ/ محمد الأمين الشنقيطي المتوفى سنة 1393هـ صاحب أضواء البيان نحو عشر سنين في مدينة النبي ﷺ فالحمد لله على توفيقه.
وهذه الوجهة لن يتعاصى فهمها على القرّاء متى كانوا كذلك وهم الذين يُساق إليهم الحديث.
(الشرح)
الشيخ: قف على هذا ونشوف الأسئلة.
الطالب: شِرّه الشباب عفا الله عنك بالكسر: نشاطه.
الشيخ: بالكسر ما ضبط الراء؟.
الطالب: ضبط الراء لا، قال: بالكسر نشاطه.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:
فقال الشيخ بكر بن عبد الله غفر الله لنا وله:
وهذه الوجهة والكلام على اللسان العربي والمحافظة عليه:
وهذه الوجهة لن يتعاصى فهمها على القرّاء متى كانوا كذلك وهم الذين يُساق إليهم الحديث.
أما من كانت وسائل الإعلام سماعًا وقراءةً، سميره وهجيراه فاستعاذ بالمقهى عن المعهد، وبالجريدة عن الكتاب، وبالمناقشات الرياضية عن المذاكرات العلمية، فأنّى له ذلك؟ وليعلم وإن كان في نفسه عظيمًا أنه لقىً منبوذٌ في العراء، بفعل يمينه، قد ضرب بينه وبين العلم بها بسورٍ ليس له باب.
وهذه الوجهة أيضًا من أعظم الأسباب للدعوة إلى لغة العرب ونشرها، والإجهاز على العجمة والأعجمين، وعطف الناس للرجوع إلى كتب المواد للسان العرب إذ لابد من الدعوة للغة القرآن، أن يتجاوب معها: التخاطب وصريف الأقلام.
قال الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله تعالى:
لُغَةٌ قَد عَقَدَ الدِّينُ لَهَا | ذِمَّةً يَكلُؤُهُا كُلُّ البَشَر |
أَوَلَم تُنسَج عَلَى مِنوَالِهَا | كَلِمُ التَّنزِيلِ فِي أَرقَى سُوَر |
يَا لَقَومِي لِوَفَاءٍ إِنَّ مَن | نَكَثَ العَهدَ أَتَى إِحدَى الكُبَر |
فَأَقِيمُوا الوَجهَ فِي إِحيَائِها | وَتَلَافُوا عِقدَ مَا كَانَ انتَثَر |
قال ابن فارسٍ رحمه الله تعالى:
وقد كان الناس قديمًا يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أو يقرؤونه اجتنابهم بعض الذنوب.
(الشرح)
يعني كما يجتنبون بعض الذنوب، يجتنبون اللحن.
(المتن)
فأما الآن فقد تجوزا حتى إن المحدث يحدث فيلحن، والفقيه يؤلف فيلحن فإذا نبها قالا: ما ندري ما الإعراب، وإنما نحن محدثون وفقهاء فهما يُسرّان بما يُساء به اللبيب.
ولقد كلّمت بعض من يذهب بنفسه ويراها من فقه الشافعي بالرتبة العليا في القياس، فقلت له: ما حقيقة القياس ومعناه؛ ومن أي شيء هو؟ فقال: ليس عليّ هذا، وإنما عليّ إقامة الدليل على صحته.
فقل الآن في رجلٍ يروم إقامة الدليل على صحة شيءٍ لا يعرف معناه، ولا يدري ما هو. ونعوذ بالله من سوء الاختيار.
وفيما بقت الإشارة إليه من فساد الشعر الحر رأيت كلامًا نفيسًا لشيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة ثمانيةٍ وعشرين وسبعمائة للهجرة رحمه الله تعالى في الفتاوى في جوابٍ له عن الأزجال، والتغني بالمردان؛ إذ قال فيه ما نصه:
لوجه الثالث: أن هذا الكلام الموزون كلامٌ فاسدٌ مفردًا أو مركبًا؛ لأنهم غيروا فيه كلام العرب، وبدلوه؛ بقولهم: ماعوا وبدوا وعدوا، وأمثال ذلك مما تمجه القلوب والأسماع، وتنفر عنه العقول والطباع، وأما مركباته فإنه ليس من أوزان العرب، ولا هو من جنس الشعر ولا من أبحره الستة عشر، ولا من جنس الأسجاع والرسائل والخطب.
ومعلومٌ أن تعلم العربية وتعليم العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمر إيجابٍ أو أمر استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصًا وعيبًا؛ فكيف إذا جاء قومٌ إلى الألسنة العربية المستقيمة والأوزان القويمة: فأفسدوها بمثل هذه المفردات والأوزان المفسدة للسان، الناقلة عن العربية العرباء إلى أنواع الهذيان الذي لا يهذي به إلا قومٌ من الأعاجم الطماطم الصيمان؟!.
الوجه الرابع: أن المغالبة بمثل هذا توقع العداوة والبغضاء وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذا من جنس النقار بين الديوك، والنطاح بين الكباش، ومن جنس مغالبات العامة التي تضرهم ولا تنفعهم، والله سبحانه حرم الخمر والميسر، والميسر هو القمار؛ لأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقع العداوة والبغضاء، والميسر المحرم ليس من شرطه أن يكون فيه عوض، بل اللعب بالنرد حرامٌ باتفاق العلماء، وإن لم يكن فيه عوض، وإن كان فيه خلافٌ شاذٌ لا يلتفت إليه.
وقد قال ﷺ مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ لأن النرد يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويوقع العداوة البغضاء؛ وهذه المغالبات تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء: أعظم من النرد، فإذا كان أكثر الأئمة قد حرم الشطرنج وجعله مالكٌ أعظم من النرد، مع إن اللاعبين بالنرد والشطرنج وإن كان فاسقًا: فهم أمثل من هؤلاء وهذا بيّن.
الوجه الخامس: وهو أن غالب هؤلاء: إما زنديقٌ منافق، وإما فاجرٌ فاسق، ولا يكاد يوجد فيهم مؤمنٌ بر، بل وجد حاذقهم منسلخًا من دين الإسلام، مضيعًا للصلوات، متبعًا للشهوات، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرم ما حرم الله ورسوله، ولا يدين دين المسلمين، وإن كان مسلمًا كان فاسقًا، مرتكبًا للمحرمات، تاركًا للواجبات، وإن كان الغالب عليهم، إما النفاق، وإما الفسق: كان حكم الله في الزنديق قتله من غير استتابة، وحكمه في الفاسق إقامة الحد عليهم إما بالقتل أو بغيره.
(الشرح)
لأنه هو المنافق الزنديق، يسمى زنديق كلمة فارسية معناها المنافق، والنفاق على الجهل المعطل.
(المتن)
وحكمه في الفاسق إقامة الحد عليهم إما بالقتل أو بغيره، والمخالط لهم، والمعاشر، إذا ادعى سلامته من ذلك لم يقبل؛ فإنه إما أن يفعل معهم المحرمات، ويترك الواجبات، وإما أن يقرهم على المنكرات، فلا يأمرهم بمعروفٍ، ولا ينهاهم عن منكر.
وعلى كل حال فهو مستحقٌ للعقوبة، وقد رفع إلى عمر بن عبد العزيز أقوامٌ يشربون الخمر، فأمر بجلدهم الحد، فقيل: إن فيهم صائمًا؟ فقال: ابدءوا بالصائم فاجلدوه، ألم يسمع إلى قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء/140]
(الشرح)
صائم وساكت جلس معهم وشربوا الخمر هو شريكٌ لهم في الإثم نسأل الله العافية، الواجب عليه أن ينكر عليهم، فإن قبلوا وإلا ترك المجلس.
(المتن)
وقوله تعالى: وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأنعام/68-69]؛ فنهى سبحانه عن القعود مع الظالمين؛ فكيف بمعاشرتهم؟ أم كيف بمخاذنتهم؟!.
وهؤلاء قومٌ تركوا المقامرة بالأيدي، وعجزوا عنها: ففتحوا القمار بالألسنة، والقمار بالألسنة أفسد للعقل والدين من القمار بالأيدي، والواجب على المسلمين المبالغة في عقوبة هؤلاء وهجرهم، واستتابتهم، بل لو فرض أن الرجل نظم هذه الأزجال العربية من غير مبالغة، لنهي عن ذلك، بل لو نظمها في غير الغزل، فإنهم تارةً ينظمونها بالكفر بالله وبكتابه ورسوله، كما نظمها أبو الحسن التستري في وحدة الوجود، وإن الخالق هو المخلوق.
وتارةً ينظمونها في الفسق: كنظم هؤلاء الغواة، والسفهاء الفساق، ولو قدر أن ناظم من نظم هذه الأزجال في مكان حانوتٍ: نهي؛ لأنها تفسد اللسان العربي، وتنقله إلى العجمة المنكرة.
وما زال السلف يكرهون تغير شعائر العرب حتى في المعاملات، وهو التكلم بغير العربية إلا لحاجة، كما نص على ذلك مالكٌ والشافعي وأحمد، بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه، مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها.
ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام. فإن الله أنزل كتابه باللسان العربي، وبعث به نبيه العربي، وجعل الأمة العربية خير الأمم، فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام، فكيف بمن تقدم على الكلام العربي مفرده ومنظومه فيغيره ويبدله، ويخرجه عن قانونه، ويكلف الانتقال عنه؟!.
وإنما هذا نظير ما يفعله بعض أهل الضلال من الشيوخ الجهال، حيث يصمدون إلى الرجل العاقل فيولهونه ويخنثونه، فإنهم ضادوا الرسول إذ بعث بإصلاح العقول والأديان، وتكميل نوع الإنسان، وحرم ما يغير العقل من جميع الألوان، فإذا جاء هؤلاء إلى صحيح العقل، فأفسدوا عقله وفهمه، وقد ضادوا الله وراغموا حكمه، والذين يبذلون اللسان العربي ويفسدونه، لهم من هذا الذم والعقاب بقدر ما يفتحونه؛ فإن إصلاح العقل واللسان مما يؤمر به الإنسان، ويعين ذلك على تمام الإيمان، وضد ذلك يوجب الشقاق والضلال والخسران، والله أعلم، هذا من كلام شيخ الإسلام.
تنبيه: من قرأ هذا الكلام النفيس، حداه الشوق إلى منزلة اللسان العربي، فانظره في: الاعتصام للشاطبي، وعين الجزء والصفحة في النوع الأول من الباب العاشر، واقتضاء الصراط المستقيم، وذكر الصفحة.
(الشرح)
السائل: هل الراجح في الميسر أنه القمار أو بينهما فرق؟.
الشيخ: يحتاج إلى تأمل ولكن الأقرب المعروف إنه هو القمار.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين؛ أما بعد:
قال الشيخ بكر بن عبد الله في المظهر الثاني عشر من مظاهر التعالم حفظنا الله تعالى إياه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أسوأ ظواهر التعالم: إثبات الشخصية في الرسائل بما تلقاه عددٌ من الطلاب في إعداد رسائلهم عن أساتيذهم في الإشراف، والمناقشة من أن وسيلة القبول وعنوان النجاح، وقائد الامتياز أن يخوض الطالب غمار الترجيح والاختيار، والقبول والرد؟.
ولهذا فترى الرسائل محشورةً سطورها بهذه العبارات السمجة:
ترجيحنا، اختيارنا، رأينا، ونحن نرفض هذا القول، ونحن نرى، ونحن لا نؤيد هذا الرأي، وهذا الحديث صحيح، وذاك ضعيف.
(الشرح)
يعني من أنت؟ قال لا زال في سن الطلب صغير، هذه ما يقولها كبار العلماء لا يقولون ترجيحنا واختيارنا كذا، ينبغي في مثل هذا أن يذكر أقوال العلماء في المسألة هذا القول الأول، هذا القول الثالث، ثم يقول: والذي يظهر لي أن هذا القول مثلًا أقوى أو أرجح أو كذا، أما ينسب لنفسه يقول: ترجيحنا واختيارنا، وأنا أرجح كذا، أو أنا أرى كذا، هذه عبارات تدل على التزكية، يزكي الإنسان نفسه وهو لازال في سن الطالب.
(المتن)
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
يَقُولُونَ هَذَا عِندَنَا غَيرُ جَائِزٍ | وَمَن أَنتُمُ حَتَّى يَكُونَ لَكُم عِندُ |
وهكذا في بلاءٍ متناسل، فالمشرف يزأر على الطالب بإثبات شخصيته من هذا الوجه، والمناقش يأتي وقد ارتدى الجبة أو العباءة السوداء، وهذا تقليدٌ كنسيٌ في مناقشة الرسائل يجب على أهل العلم والإيمان مخالفتهم فيه
(الشرح)
الشيخ: هذا ما عندنا، هذا ما موجود عندنا، عندنا ما يرتدون هذا.
الطالب: يقصد البشت.
الشيخ: لا، البشت، البشت هذا يلبس في الرسالة وفي غيرها.
الطالب: في الجامعات الأوربية يلبسون.
الشيخ: نعم، هذا في الجامعات لأوروبية ما عندنا هذا.
الطالب: يأتي وقد ارتدى الجبة أو العباءة السوداء، وهذا تقليدٌ كنسي.
الشيخ: الذي يلبس البشيت سواء أحمر ولا أبيض ما في شيء مخصص.
(المتن)
يأتي فأوّل ما يستفتح المناقشة بأنه رأى أطالب قد ظهرت، ووضحت شخصيته في إعداد الرسالة مشيرًا إلى ذلك الوجه، فلا تسأل عن نشوة الجميع؟ وما بين أيديهم إلا بضاعةٌ مزجاة، يخادعون أنفسهم.
ومن أسوأ ما رأيت وما سمعت: رسائل في محاكمة الحفاظ، أمثال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في حكمه على الرجال في التقريب، كمن قال فيه مجهولٌ مثلًا، وهذه لا يمكن أن تقع إلا بمشورة حنفيٍ محترق؛ لأن أحكام الحافظ بن حجر على كثيرٍ من الرجال في مراتب: مجهول لا تأتي على مسلك أهل الرأي في توثيق المجاهيل قبل ثلاثمائةٍ للهجرة مثلًا، والطلاب يقعون في هذا وهم لا يعلمون فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فيجب على أهل العلم والإيمان رسم القنوات الضابطة؛ لإعداد الرسائل التي تصد هذا التعالم الجبري، وتكف أغراض عصبة التعصب، والله المستعان، ومنها مسلك الخساف المتفاصح من كل جسدٍ ملئ حسدًا.
(الشرح)
المتفاصح: الذي يدعي الفصاحة.
(المتن)
يعالج بقرض الأعراض، والتمضمض بالاعتراض، وإبرازه باسم العلم وحملته، فينعم الناظر في الكتاب، مؤلفًا من مئات الصفحات فلا يرى إلا حملةً في كل جملةٍ من كيل القذائف، وسلّ السخائم على حملة السُنَّة وأوعية العلم في الغابر والحاضر، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فكم بلي المسلمون بهذا الطراز.
وتجد لهذا مثالًا في رسالةٍ أفردتها باسم: براءة أهل السُنَّة من الوقيعة في علماء الأمة.
(الشرح)
لا شك إن هذا إذا وقع في العلماء هذا بلاءٌ عظيم، إن وقع في العلماء تنفيرٌ منهم ومن العلم الذي حملوه.
(المتن)
ومن مظاهر التعالم: التزيد في الكلام، وهذا من تشبع المرء بما لم يعطَ، والمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ، والتزيد آفةٌ تجر إلى الوضع، وهو آخي الكذب، بل هو عينه، فيستحق بذلك اسم كذّابٍ أو وضاع، وقد نعى الأئمة السالفون على شيخ الديار المصرية ابن دحية، المتوفى سنة ثلاثة وثلاثين وستمائة للهجرة رحمه الله تعالى: ظاهرة التزيد، فقال عنه ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى: قال السبط: وقد كان ابن عنين في ثلب المسلمين والوقيعة فيهم، ويتزيد في كلامه، فترك الناس الرواية عنه وكذبوه، انتهى.
وأنكروا على شميمٍ الحلي: علي بن الحسن النحوي اللغوي الشاعر المتوفى سنة إحدى وستمائةٍ للهجرة، قال الذهبي رحمه الله تعالى: كان ذا حمقٍ وتيهٍ، ودعاوٍ كثيرةٍ تزري بكثرة فضائله، انتهى.
وقد أحسن أبو عبد الله محمد بن منيع، أو ابن قريعة القاضي المتوفي سنة سبعةٍ وستين وثلاثمائةٍ للهجرة حين قال:
لِي حيلةٌ فِيمنْ يَنُمْ | ـمُ وَلَيْسَ فِي الكَذّابِ حِيلَهْ |
مَنْ كانَ يَخْلُقُ ما يقو | لُ فَحِيلَتِي فِيهِ قَلِيلَهْ |
ومن المتعالمين (الغنادر) جمع غندر: وهو المشاغب، المتطاول بلسانه، الوارث لما لا يورث من التسلط على العباد بداء الفحش والبذاء، المحروم من ميراث الأنبياء في عفة اللسان، وصيانته من الخنا.
يُمارِسُ نَفْسًا بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَزَّةً | إذا هَمَّ بِالمَعْرُوفِ قالَتْ لَهُ مَهْلا |
والمتطاول كبت الله باطله يسلّ لسانه على العباد فيتقيه المؤمنون، ويترفعون عن منازلته؛ فتكون العاقبة لهم، فيرتفع شأنهم عليه، ويكون قولهم الأعلى، أما هذا السليط المتسلط، فهو مبتلى ويعلم الله بأعظم بلية، وهي: موت قلبه، ورؤيته القبيح حسنًا، وذهاب رصيده من القبول له في الأرض، ومن تعجيل العقوبة له: تخلفه عن أقرانه في القيمة الأدبية رغم تحرقه، وشده تطلعه.
وقد رأينا مكتوبًا في أخبار بعض العلماء الماضين، من كان مع علمه، وفضله اعتراه شيءٌ من اللسن والصلف منهم: ابن دحية الكلبي، ومحمد بن إبراهيم الفيروز آبادي، وزيد بن الحسين الكندي، وإسماعيل بن أحمد السمرقندي، وشرف الإسلام الحنبلي: عبد الوهاب بن عبد الوهاب الموصلي، ودعبل بن علي الخزاعي مولاهم: كان هجاءً، سبابًا، قيل لابن الزيات: لمّ لا تجيب دعبلاً من التي هجاك بها؟ فقال: أو كل من قال خشبتي على كتفي يبالي بما قاله، وهو القائل:
لَا تَعجَبي يا سَلمُ مِنْ رَجُلٍ | ضَحِكَ المَشِيبُ بِرَأسِهِ فَبَكَى |
أما في هذا الزمان، فقد ابتلي أهله بلسن جهالٍ، ادعوا العلم، وكافحوا عن دعواه بالصلف واللسانة، والشغب والشراسة، وإذا لم يكن مع اللسان عقلٌ يحجزه، دل على عيب صاحبه، ولطرفة بن العبد:
وَإِنَّ لِسانَ المَرءِ ما لَم تَكُن لَهُ | حَصاةٌ عَلى عَوراتِهِ لَدَليلُ |
فترى الفرد من هذا الصنِف المريض، يخوض في غمار العلم بواحدةٍ يسمعها، وثانيةٍ ينتحلها، وأخرى يدعي قراءتها،ويا للخيبة يضفي على نفسه من الألقاب، ويجند نفسه للكف عنها والاحتفاظ بها، ما هو شغله الشاغل؛ لأنها رسوله إلى العامة، وأحبولته التي يصطاد بها ما يحمل همه من عرضٍ زائل، وجاهٍ موهوم، لكنه عند ذوي الألباب مفتضح، إن خطب فهو لحنة والخطبة لعمري مشوارٌ كثير العثار تسمعه مخليًا يرسل الكلام مضطربًا بلا قيد وفي القريض:
مَا لِي أَراك مُخَلِّياً | أَيْنَ السلاسِلُ والقُيُود؟ |
أَغَلا الحدِيدُ بأَرْضِكُمْ | أَمْ ليسَ يَضْبِطُكَ الحدِيد |
وإن ساق حديثًا لا يعرف مرتبته، فكم جهر البليد بأثر حذيفة بأنه رأى رجلًا يصلي، لا يحسن صلاته، فقال: منذ كم تصلي؟ فقال: منذ ستين سنة، فقال له حذيفة : منذ ستين سنةً لم تصلِ.
وهذا الأثر مع هذه المدة الزمنية، لو ورد بإسنادٍ على شرط الشيخين فمتنه فيه شاهدٌ على نكارته وعدم صحته، ذلك: أن حذيفة توفي في خلافة الإمام عليِّ سنة ستٍ وثلاثين من الهجرة النبوية، فكيف يقول: منذ ستين سنة؟ يعني أنه يصلي مسلمًا قبل البعثة النبوية بنحو خمسة عشر عامًا، وهذا مستحيل فبطل التحديد بهذه المدة، والله أعلم.
(الشرح)
يعني باطل، حذيفة توفى في خلافة علي وعمره ستين سنة.
(المتن)
وحديث: «الناس نيامٌ، فإذا ما ماتوا انتبهوا»؛ وهذا لا أصل له مرفوعًا.
وحديث التارك للصلاة: «يبعث يوم القيامة مكتوبٌ على جبينه ثلاثة أسطر» إلى آخر، إلى آخر ما في الكبائر للذهبي، وهي لا تثبت.
(الشرح)
ومنها ذاك الحديث «من ترك الصلاة عوقب خمسة عشر عقوبة ثلاثة في القبر، وثلاثة في الدنيا، وثلاثة في الآخرة، ويبعث عطشانًا ويبعث كذا...»، ما يصح هذا الحديث، هذا باطل، النصوص الصحيحة كافية من كتاب الله وسنة رسوله كافي في التنفير من ترك الصلاة.
(المتن)
إلى غير ذلك في بلاءٍ متناسل، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء؟
وفيهم وفي إخوانهم لهم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن له خبرةٌ بما بعث الله به رسوله ﷺ وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينًا، والله المستعان، وأي دينٍ وأي خيرٍ فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسُنَّة رسوله ﷺ يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطانٌ أخرس!.
كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم، فلا مبالاة بما جرى على الدين؟ وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضةٌ عليه في جاهه أو ماله، بذل وتبذل وجدّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقطوهم من عين الله ومقت الله لهم، قد بلوا في الدنيا بأعظم بليةٍ تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتمّ كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل.
وقد ذكر الإمام أحمد وغيره أثرًا أن الله سبحانه أوحى إلى ملكٍ من الملائكة، أن أخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يا رب كيف وفيهم فلانٌ العابد؟ فقال: به فابدأ، فإنه لم يتمعر وجهه في يومًا قط.
وذكر أبو عمر في كتاب التمهيد أن الله سبحانه أوحى إلى نبيٍ من أنبيائه أن قل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت به الراحة، وأما انقطاعك إلي فقد اكتسبت به العز، ولكن ماذا عملت فيما لي عليك؟ فقال: يا رب، وأي شيءٍ لك عليّ؟ قال: هل واليت فيّ وليًا أو عاديت فيّ عدوًا؟ انتهى.
هذه جملةٌ من ظواهر التعالم في عددٍ من علوم الشريعة ينبه بها على غيرها مما لم يذكر.
وإلى أبحاثٍ الأخذ بها حمايةٌ لطالب العلم من هذه الأدواء، وبقدر فوته منها يكون احتضانه لسوالبها، والله المستعان.
(الشرح)
الشيخ: ماذا بعده؟.
الطالب: المبحث الأول في إخلاص النية لله تعالى.
الشيخ: نعم، أحسن الله إليك