(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)
بالجر عطفٌ على التوحيد، ويجوز الرفع على الابتداء.
قال شيخ الإسلام: العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة الرسل.
وقال أيضًا: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال، الظاهرة والباطنة.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى –: ومدارها على خمس عشرة قاعدة، من كمّلها كمّل مراتب العبودية، وبيان ذلك أن العبادة منقسمةٌ على القلب واللسان والجوارح.
والأحكام التي للعبودية خمسة: واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح، وهن لكل واحد من القلب واللسان والجوارح.
وقال القرطبي – رحمه الله –: أصل العبادة التذلل والخضوع، وسميت وظائف الشرع على المكلفين عبادات؛ لأنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين لله تعالى.
ومعنى الآية: أن الله تعالى أخبر أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته، فهذا هو الحكمة في خلقهم.
قلت: وهي الحكمة الشرعية الدينية.
[1]
قال العماد ابن كثير: وعبادته هي طاعته بفعل المأمور وترك المحظور، وذلك هو حقيقة دين الإسلام؛ لأن معنى الإسلام الاستسلام لله تعالى المتضمن غاية الانقياد والذل والخضوع. انتهى.
وقال أيضًا في تفسير هذه الآية: ومعنى الآية أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم، بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهو خالقهم ورازقهم.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الآية: إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي.
وقال مجاهد: إلا لآمرهم وانهاهم، اختاره الزجاج وشيخ الإسلام.
قال: ويدل على هذا قوله تعالى: ' 75 : 36 ' (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) قال الشافعي: لا يؤمر ولا ينهى .
وقال في القرآن في غير موضع: (اعْبُدُوا رَبَّكُم)، (اتَّقُوا رَبَّكُم) فقد أمرهم بما خُلقوا له، وأرسل الرسل بذلك، وهذا المعنى هو الذي قُصد بالآية قطعًا، وهو الذي يفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالآية عليه.
قال: وهذه الآية تشبه قوله تعالى : ' 4 : 64 ' (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّه) ثم قد يطاع وقد يعصى، وكذلك ما خلقهم إلا لعبادته، ثم قد يعبدون وقد لا يعبدون، وهو سبحانه لم يقلإنه فعل الأول وهو خلقهم ليفعل بهم كلهم الثاني وهو عبادته، ولكن ذكر أنه فعل الأول ليفعلوا هم الثاني، فيكونوا هم الفاعلين له، فيحصل لهم بفعله سعادتهم، ويحصل ما يحبه ويرضاه منه ولهم. انتهى.
ويشهد لهذا المعنى ما تواترت به الأحاديث، فمنها ما أخرجه مسلم في صحيحه، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابًا:لو كانت لك الدنيا وما فيهاومثلها معها أكنت مفتديًا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك - أحسبه قال: ولا أدخلك النار - فأبيت إلا الشرك"[2]
فهذا المشرك قد خالف ما أراده الله تعالى منه من توحيده وأن لا يشرك به شيئًا، فخالف ما أراده الله منه فأشرك به غيره وهذه هي الإرادة الشرعية الدينية كما تقدم، فبين الإرادة الشرعية الدينية والإرادة الكونية القدرية عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في حق المخلص المطيع، وتنفرد الإرادة الكونية القدرية في حق العاصي، فافهم ذلك تنجُ به من جهالات أرباب الكلام وتابعيهم.[3]
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت)
الطاغوت: مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الطاغوت الشيطان .
وقال جابر رضي الله تعالى عنه: الطواغيت كهان كانت تنزل عليهم الشياطين. رواهما ابن أبى حاتم.
وقال مالك رحمه الله الطاغوت كل ما عبد من دون الله.
قلت: وذلك المذكور بعض أفراده.
وقد حدّه العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – حدًّا جامعًا، فقال: الطاغوت كل ما يتجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع.[4]
فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، فهذه طواغيت العالم.
فهذه طواغيت العالم، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الطاغوت، وعن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت ومتابعته.
وأما معنى الآية فأخبر تعالى أنه بعث في كل طائفة من الناس رسولاً بهذه الكلمة (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت) أي اعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه، كما قال تعالى : '2 : 256' (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا) وهذا معنى لا إله إلا الله، فإنها هي العروة الوثقى.[5]
قال العماد ابن كثير في هذه الآية: وكلهم يدعو إلى عبادة الله، وينهى عن عبادة ما سواه، فلم يزل تعالى يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم، وكان أول رسول بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
الذي طبَّقت دعوتُه الإنس والجن في المشارق والمغارب وكلهم كما قال الله تعالى : '21 : 25' (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون)، وقال تعالى فى هذه الآية الكريمة: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت) فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء) فمشيئة الله تعالى الشرعية عنهم منفية؛ لأنه نهاهم عن ذلك على ألسن رسله، وأما مشيئته الكونية - وهى تمكينهم من ذلك قدرا - فلا حجَّة لهم فيها؛ لأنه تعالى خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعبادة الكفر، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة، ثم إنه تعالى قد أخبر أنه أنكر عليهم بالعقوبة في الدنيا بعد إنذار الرسل فلهذا قال: '16 : 36' (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيه الضلالة
قلت: وهذه الآية تفسير الآية التي قبلها وذلك قوله تعالى :
(فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَة) فتدبر.
ودلت هذه الآية على أن الحكمة في إرسال الرسل دعوتهم أممهم إلى عبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه وأن هذا هو دين الأنبياء والمرسلين، وإن اختلفت شريعتهم، كما قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) وأنه لا بد في الإيمان من العمل من القلب والجوارح.[6]
قال المصنف رحمه الله تعالى –: وقوله: '17 : 23'(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
قال مجاهد: قضى يعني وصّى، وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهم .
ولابن جرير عن ابن عباس: وقضى ربك يعني أمر.
وقوله تعالى: (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) المعنى أن تعبدوه وحده دون ما سواه، وهذا معنى لا إله إلا الله.
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: والنفي المحض ليس توحيدًا، وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيد إلا متضمنًا للنفي والإثبات، وهذا هو حقيقة التوحيد.
قوله: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) أي وقضى أن تحسنوا بالوالدين إحسانا كما قضى بعبادته وحده لا شريك له، كما قال تعالى في الآية الأخرى '13 : 14' (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير).
وقوله: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) أي لا تسمعهما قولاً سيئًا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء، (وَلَا تَنْهَرْهُمَا) أي : لا يصدر منك إليهما فعل قبيح كما قال عطاء بن أبي رباح: لا تنفض يديك عليهما. ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح أمره بالفعل الحسن والقول الحسن.
فقال: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) أي لينًا طيبًا بأدب وتوقير .
وقوله: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) أي تواضع لهما .
(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا) أي في كبرهما وعند وفاتهما (كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وقد ورد في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها: الحديث المروي من طرق عن أنس – رضي الله عنه – وغيره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال: "آمين آمين آمين"، فقالوا: يا رسول الله على ما أمَّنت؟ فقال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد رغم أنف امرئٍ ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، قل آمين، فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف امرئٍ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يُغفر له، قل آمين، فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف امرئٍ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قل آمين، فقلت آمين". وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك والديه أحدهما لم يدخل الجنة" قال العماد ابن كثير: صحيح من هذا الوجه.[7][8]
ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، وابن حبان في ثقاته وصحيحه، والطبراني في الكبير، والبخاري في بر الوالدين، والبيهقي في شعب الإيمان، والضياء المقدسي في المختارة، كلهم عن كعب بن عجرة ورجاله ثقات.
وأخرجه ابن حبان في الصحيح والثقات، والطبراني ورجاله ثقات عن مالك بن الحويرث.
ورواه البخاري في الأدب المفرد، والطبراني في تهذيبه، والدارقطني في الأفراد، و أشار إليه الترمذي، وأخرجه النسائي، وابن السني في اليوم والليلة، والضياء المقدسي في المختارة كلهم عن جابر بن عبد الله.
وأخرجه البزار والطبراني عن عمار بن ياسر.
وأخرجه البزار عن ابن مسعود.
وأخرجه الطبراني عن ابن عباس وأبي ذر.
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن أبي هريرة، وهو عن البيهقي في الدعوات المختصرة، وعند الترمذي وأحمد، وقال الترمذي: حسن غريب.
وأخرجه الدارقطني في الأفراد، والبزار في مسنده، والطبراني في الكبير عن جابر بن سمرة. وأخرجه البزار، والطبراني، و ابن أبي عاصم عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي.
صار تخريجه أكثر تخريج الشيخ حامد.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين" وكان متكئًا فجلس فقال: "ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين". رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم، وعن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبويَّ شيء أبَرّهما به بعد موتهما؟[9]
فقال : "نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما". رواه أبو داوود وابن ماجة والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًا.[10]
( م ) وقوله : '4 : 36'(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا0
قال العماد ابن كثير رحمه الله في هذه الآية: يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له فإنه الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الحالات وهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئا من مخلوقاته. انتهى.
وهذه الآية هي التي تسمى آية الحقوق العشرة، وفي بعض النسخ المعتمدة من نسخ هذا الكتاب تقديم هذه الآية على آية الأنعام. ولهذا قدمتها لمناسبة كلام ابن مسعود الآتي لآية الأنعام ليكون ذكره بعدها أنسب.
(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
قال العماد ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم (قُلْ) لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله، (تَعَالَوْا) أي: هلمّوا وأقبلوا، (أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) أي: أقصُّ عليكم ما حرم ربكم عليكم حقًا لا تخرُّصًا ولا ظنًّا، بل وحيًا منه وأمرًا من عنده، (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) وكأنّ في الكلام محذوفًا دلّ عليه السياق تقديره: وصاكم ألا تشركوا به شيئا؛ ولهذا قال في آخر الآية( ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) انتهى.
قلت: فيكون المعنى: حرم عليكم ما وصاكم بتركه من الإشراك به.
وفي المغني لابن هشام في قوله تعالى: (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) سبعة أقوال، أحسنها: هذا الذي ذكره ابن كثير، ويليه: أبيّن لكم ذلك لئلا تشركوا، قال: فحذفت الجملة من أحدهما وهي (وَصَّاكُمْ) وحرف الجر وما قبله من الأخرى؛ ولهذا إذا سئلوا عما يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم كما قال أبو سفيان لهرقل, وهذا هو الذي فهمه أبو سفيان وغيره من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: "قولوا لا اله إلا الله تفلحوا".
وقوله تعالى : (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) قال القرطبي رحمه الله الإحسان إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما.[11]
و(إِحْسَانًا) نُصب على المصدرية، وناصبه فعل مضمر من لفظه تقديره: وأحسنوا بالوالدين إحسانًا.
وقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الإملاق: الفقر أي لا تئدوا بناتكم خشية العيلة والفقر فإني رازقكم وإياهم، وكان منهم من يفعل ذلك بالإناث و الذكور خشية الفقر، ذكره القرطبي.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك"، قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، ` 1قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك"، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: '25 : 68 - 70' (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
وقوله: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن) قال ابن عطية: نهي عام عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي.
و(ظَهَرَ) و(بَطَنَ) حالتان تستوفيان أقسام ما جعلتا له من الأشياء. انتهى.
قوله: (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق) في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعًا: "لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
وقوله: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) قال ابن عطية : (ذَلِكُمْ) إشارة إلى هذه المحرمات، والوصية الأمر المؤكَّد المقرَّر .
وقوله (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لعلَّ: للتعليل أي: إن الله تعالى وصانا بهذه الوصايا لنعقلها عنه ونعمل بها، وفي تفسير الطبري الحنفي: ذكر أولًا (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ثم (تَذَكَّرُونَ) ثم (تَتَّقُون) لأنهم إذا عَقَلوا تذكروا فخافوا واتقوا.[12]
وقوله : (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) قال ابن عطية: هذا نهي عام عن القرب الذي يعم وجوه التصرف، وفيه سد الذريعة، ثم استثنى ما يحسن وهو السعي في نمائه . قال مجاهد: التي هي أحسن التجارة فيه.
وفي قوله : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) قال مالك وغيره: هو الرشد وزوال السفه مع البلوغ. رُوي نحو هذا عن زيد بن أسلم والشعبي وربيعة وغيرهم.
وقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ) قال ابن كثير: يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء .
(لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) أي من اجتهد بأداء الحق وأخذه فإن أخطأ بعد استفراغ الوسع وبذل جهده فلا حرج عليه.
وقوله: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) هذا أمر بالعدل في القول والفعل على القريب والبعيد. قال الحنفي: العدل في القول في حق الولي والعدو، لا يتغير في الرضى والغضب، بل يكون على الحق، وإن كان ذا قربى، فلا يميل إلى الحبيب والقريب. '5 : 8' (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).
وقوله: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) قال ابن جرير: وبوصية الله تعالى التي وصاكم بها فأوفوا وانقادوا لذلك بأن تطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه وتعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الوفاء بعهد الله. وكذا قال غيره .
وقوله: (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي: تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه.
وقوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) قال القرطبي: هذه آية عظيمة عطفها على ما تقدم، فإنه لمَّا نهى وأمر وحذر عن اتباع غير سبيله على ما بينته الأحاديث الصحيحة وأقاويل السلف.
و(أنَّ) في موضع نصب، أي وأتلو أنّ هذا صراطي. عن الفراء و الكسائي.
قال الفراء: ويجوز أن يكون خفضًا أي وصاكم به وبأن هذا صراطي .
قال: والصراط الطريق الذي هو دين الإسلام .[13]
(مُسْتَقِيمًا) نُصب على الحال ومعناه مستويًا قويمًا لا اعوجاج فيه، فأمر باتباع طريقه الذي طرّقه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه ونهايته الجنة، وتشعبت منه طرق
[14]وتشعبت منه طرق، فمن سلك الجادة نجا ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار قال الله تعالى :( َلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي: تميل. انتهى.
وروى أحمد والنسائي والدارمي و ابن أبي حاتم و الحاكم - وصححه – ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الاعتصام بسند صحيح، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا بيده، ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيمًا" ثم خط خطوطًا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: "وهذه السبل ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه" ثم قرأ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) الآية .
وعن مجاهد: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) قال: البدع والشهوات.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ولنذكر في الصراط المستقيم قولاً وجيزًا فإن الناس قد تنوَّعت عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلَّقاته، وحقيقته شيءٌ واحد وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلاً لهم إليه، ولا طريق إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله، وجعله موصلاً لعباده إليه، وهو إفراده بالعبودية وإفراد رسوله بالطاعة فلا يشرك به أحدًا في عبوديته ولا يشرك برسوله صلى الله عليه وسلم أحدًا في طاعته، فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فأي شيء فُسِّر به الصراط المستقيم فهو داخل في هذين الأصلين، ونكتة ذلك أن تحبه بقلبك وترضيه بجهدك كله فلا يكون في قلبك موضع إلا معمورًا بحبه، ولا يكون لك إرادة إلا متعلقة بمرضاته، فالأول يحصل بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، والثاني يحصل بتحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، وهذا هو الهدى ودين الحق.[15]
وهذا هو الهدى ودين الحق وهو معرفة الحق والعمل به وهو معرفة ما بعث الله به رسوله والقيام به فقل ما شئت من العبارات التي هذا آخيتها وقطب رحاها.
وقال سهل بن عبد الله: عليكم بالأثر والسنة فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله
ذموه ونفروا عنه وتبرؤوا منه وأذلوه وأهانوه[16]
قال ابن مسعود: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى :
(قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى قوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) الآية.
قوله: ابن مسعود هو عبد الله بن مسعود بن غافل - بمعجمة و فاء - بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، من السابقين الأولين، من أهل بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان، ومن كبار علماء الصحابة، أمّره عُمَر على الكوفة، ومات سنة اثنتين وثلاثين رضي الله عنه.
وهذا الأثر رواه الترمذي وحسّنه و ابن المنذر و ابن أبى حاتم و الطبراني بنحوه.
وسبب هذا القول والله أعلم ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابًا لا تختلفوا بعده"، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، قال: "قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع" فخرج ابن عباس رضي الله عنهما يقول: إنَّ الرَّزيَّة كلًّ الرًّزيَّة ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه، فقال ابن مسعود: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتمه.. الحديث.
قال بعضهم / معناه من أراد أن ينظر إلى الوصية التي كأنها كُتبت وخُتم عليها فلم تغير ولم تبدل فليقرأ: (قُلْ تَعَالَوْا..) إلى آخر الآيات، شبهها بالكتاب الذي كُتب ثم خُتم، فلم يُزد فيه ولم يُنقص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوصِ إلا بكتاب الله، كما قال فيما رواه مسلم: "وإني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله". وقد روى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟" ثم تلا قوله: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) حتى فرغ من الثلاث الآيات، ثم قال: "من وفّى بهن فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخّره إلى الآخرة كان أمره إلى الله، إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه". رواه ابن أبي حاتم و الحاكم وصححه و محمد بن نصر في الاعتصام.
قلت: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص أمته إلا بما وصاهم الله تعالى به على لسانه وفي كتابه الذي نزّله '16 : 89' (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين) وهذه الآيات وصية الله تعالى ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنة قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟" قلت: الله ورسوله أعلم قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشركُ به شيئًا"، قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا". أخرجاه في الصحيحين.
هذا الحديث في الصحيحين من طُرق، وفي بعض رواياته نحو مما ذكره المصنف، ومعاذ هو ابن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن، صحابي مشهور من أعيان الصحابة، شهد بدرًا وما بعدها. وكان إليه المنتهى في العلم والأحكام والقرآن، رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "معاذ يحشر يوم القيامة أمام العلماء برتوة" أي: بخطوة، قال في القاموس: والرتوة الخطوة وشرف من الأرض وسويعة من الزمان والدعوة والقطرة ورمية بسهم أو نحو ميل أو مدى البصر. والراتي: العالم الرّبّاني. انتهى.
وقال في النهاية: أنه يتقدم العلماء برتوة، أي برمية سهم، وقيل: بميل، وقيل: مدى البصر، وهذه الثلاثة أشبه بمعنى الحديث[17].
مات معاذ سنة ثماني عشرة بالشام في طاعون عمواس، وقد استخلفه صلى الله عليه وسلم على أهل مكة يوم الفتح يعلمهم دينهم.
قوله: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فيه جواز الإرداف على الدابة، وفضيلة معاذ رضي الله عنه.
قوله: على حمار، وفي رواية: اسمه عُفَير.
قلت: أهداه إليه المقوقس صاحب مصر، وفيه: تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الحمار والإرادف عليه خلافًا لما عليه أهل الكبر.
قوله: "أتدرى ما حق الله على العباد؟" أخرج السؤال بصيغة الاستفهام؛ ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم، وحق الله على العباد هو ما يستحقه عليهم، وحق العباد على الله معناه أنه متحقق لا محالة؛ لأنه قد وعدهم ذلك جزاء لهم على توحيده '30 : 6' (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَه).
قال شيخ الإسلام: كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول: لا معنى للاستحقاق إلا أنه أخبر بذلك و وعده صدق، ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقًا زائدًا على هذا، كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى: '30 : 47' (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين) لكن أهل السنة يقولون: هو الذي كتب على نفسه الرحمة وأوجب على نفسه الحق ولم يوجبه عليه مخلوق، والمعتزلة يدّعون أنه واجب عليه بالقياس على المخلوق، وأن العباد هم الذين أطاعوه بدون أن يجعلهم مطيعين له، وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب، وغلطوا في ذلك.[18]
وهذا الباب غلطت فيه الجبرية القدرية أتباع جهم، والقدرية النافية.
قوله: قلت الله ورسوله أعلم، فيه حسن الأدب من المتعلم، وأنه ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول ذلك بخلاف أكثر المتكلفين.
قوله: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا" أي: يوحدوه بالعبادة، ولقد أحسن العلامة ابن القيم رحمه الله حيث عرف العبادة بتعريف جامع فقال:
وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هـما قـطبان
وعليهما فلك العبادة دائرٌ ما دار حتى قامـت القضبان
ومداره بالأمر أمر رسوله لا بالهوى والنفس والشيطان[19]
مشرك قد جعل لله ندًا، وهذا معنى قول المصنف رحمه الله: وفيه أن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه .
وفي بعض الآثار الإلهية: إني والجن والإنس في نبأٍ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بالنعم ويتبغضون إليّ بالمعاصي.
قوله: "وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئًا" قال الحافظ: اقتصر على نفي الإشراك؛ لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء، ويستدعى إثبات الرسالة باللزوم، إذ من كذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذب الله، ومن كذّب الله فهو مشرك، أو هو مثل قول القائل: من توضأ صحت صلاته، أي مع سائر الشروط. انتهى[20].[21]
قوله: أفلا أبشر الناس، فيه استحباب بشارة المسلم بما يسره، وفيه ما كان عليه الصحابة من الاستبشار بمثل هذا، قال المصنف رحمه الله.
قوله: "لا تبشرهم فيتكلوا" أي: يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنافس في الأعمال، وفي رواية: فأخبر بها معاذ عند موته تأثُّمًا، أي: تحرُّجًا من الإثم، قال الوزير أبو المظفَّر: لم يكن يكتمها إلا عن جاهل يحمله جهله على سوء الأدب بترك الخدمة في الطاعة، فأما الأكياس الذين إذا سمعوا بمثل هذا زادوا في الطاعة ورأوا أن زيادة النعم تستدعي زيادة الطاعة فلا وجه لكتمانها عنهم.
وفى الباب من الفوائد غير ما تقدم الحث على إخلاص العبادة لله، وأنها لا تنفع مع الشرك، بل لا تسمى عبادة، والتنبيه على عظمة حق الوالدين وتحريم عقوقهما، والتنبيه على عظمة الآيات المحكمات في سورة الأنعام، وجواز كتمان العلم للمصلحة[22].[23]
قوله : أخرجاه، أي: البخاري ومسلم، والبخاري رحمه الله هو الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه الجعفي مولاهم الحافظ الكبير، صاحب الصحيح والتاريخ والأدب المفرد وغير ذلك من مصنفاته.
روى عن الإمام أحمد بن حنبل والحميدي وابن المديني وطبقتهم، وروى عنه مسلم و النسائي و الترمذي و الفربري راوي الصحيح، ولد سنة أربع وتسعين ومائة، ومات سنة ست وخمسين ومائتين.
ولد سنة أربع وتسعين ومائة، ومات سنة ست وخمسين ومائتين
ومسلم رحمه الله هو ابن حجاج بن مسلم أبو الحسين القشيرى النيسابوري، صاحب الصحيح والعلل والوحدان وغير ذلك.
روى عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبي خيثمة و ابن أبي شيبة وطبقتهم، وروى عن البخاري صحيحه.
وروى عنه الترمذي وإبراهيم بن محمد بن سفيان راوي الصحيح وغيرهما، ولد سنة أربع ومائتين، ومات سنة إحدى وستين ومائتين بنيسابور رحمهما الله.[24]
فعمره سبعٌ وخمسون سنة – رحمه الله –، ولد سنة أربعٍ ومائتين، السنة التي توفي فيها الإمام الشافعي ولد فيها الإمام مسلم.
[1] نعم وهناك حكم أخرى منها: ابتلاء الناس أيهم أحسن عملاً، ومنه قول الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، ومنها: أن يُعرف الرب بأسمائه وصفاته وأنه على كل شي قدير، وأنه محيط بكل شيء علمًا، كما قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
[2] رواه الإمام أحمد و البخاري. وهذه الإرادة هي الإرادة الدينية الشرعية، لا الكونية القدرية.
[3] نعم؛ لأن المعتزلة ما عندهم إلا الإرادة الدينية، و أنكروا الإرادة القدرية فضلّوا. و الأشاعرة ما عندهم إلا الإرادة الكونية، و أنكروا الإرادة الدينية فضلّوا.
[4][4] الطاغوت هو ما جاوز حده، ويشمل الكافر والمبتدع و العاصي، يعني كل منهم تجاوز حده، حد الإنسان أن يكون عبدًا لله، مطيعًا لله ولرسوله متبعًا لشرعه، والكافر جاوز حده، كذلك المبتدع والعاصي.
وذلك المذكور بعض أفراده يعني ما ذُكر: الشيطان من أفراد الطاغوت، والكاهن من أفراد الطاغوت، لكن تعريف ابن القيم للطاغوت أشمل. وهذه عادة للسلف أنهم يفسرون الشيء ببعض أفراده، فالشيطان فرد من أفراد الطواغيتو ليس كل الطواغيت، وكذلك أيضًا الكاهن فرد، والطاغوت أعم من ذلك، ولذلك قال المؤلف: قلت: وذلك المذكور بعض أفراده، المذكور ما سبق عن عمر وعن جابر بعض أفراده.
هذا المعنى شامل عام، كل ما يتجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع. فإذا تجاوز الإنسان حده ورضي أن يُعبد من دون الله صار طاغوتًا، حده أن يكون عبدًا لله، فإذا جاوز حده ورضي بأن يُعبد من دون الله صار طاغوتًا. و كذلك المتبوع المتبع في غير طاعة الله ورسوله حده أن يكون مطيعًا لله ورسوله، فإذا رضي أن يُتْبَع في غير طاعة الله ورسوله، أو رضي أن يطاع في غير طاعة الله ورسوله تجاوز حده فكان طاغوتًا.
[5] ثلاثة أنواع: من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، هذا واحد، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، أربعة أنواع:
النوع الأول: من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، من يتحاكمون إليه هذا طاغوت.
من يُعبد من دون الله.
من يُتَّبَع على غير بصيرة.
من يطاع فيما لا يعلمون أنه طاعة لله.
[6] يعني لابد من النفي والإثبات (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، ليس هناك توحيد إلا بالنفي والإثبات.
لا إله إلا الله فيها نفي وإثبات، فالنفي هذا هو البراءة من كل معبود سوى الله، والإثبات هو تخصيص الله تعالى بالعبادة، كما قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) .
صدق – رحمه الله – النفي المحض ليس توحيدًا، النافي هذا يسلُب لا يعبد شيئًا، وكذلك المثبت لا يكون توحيدًا، المثبت يقول أنا أعبد الله، ما يكون هذا توحيدًا، و قد يعبد الله و قد يعبد غيره، فلابد أن يوحد الله، يعبد الله ولا يعبد غيره، لا بد من النفي والإثبات، فالإثبات وحده لا يكون توحيدًا؛ لأن المشركين يعبدون الله ويعبدون معه غيره، ما يكفي كون الإنسان يعبد الله في التوحيد، والنافي لا يعبد شيئًا، فلابد من النفي والإثبات، إثبات العبادة لله ونفيها عما سواه، هذا هو التوحيد.
القول القبيح قوله: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)، (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة).
[7] قال أخرجه من حديث أنس الجهضميُّ في فضل الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – رقم، والبزار كما في مجمع الزوائد، والفريابي، وأبو بكر الشافعي كما في جلاء الأفهام، وفيه سلمة بن وردان، قال ابن القيم: وسلمة هذا لين الحديث، وقد تكلم فيه وليس ممن يُطَّرح حديثه، ولا سيما حديث له شواهد، وهو معروف من حديث غيره.
وأخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه ووافقه الذهبي والفسوي في المعرفة ، والطبراني في المعجم الكبير من حديث كعب بن عجرة.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر بن عبد الله .
وأخرجه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم – والبخاري في الأدب المفرد، وابن منيع في مسنده، وابن خزيمة وأبو يعلى كما في المطالب العلية من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه
[8] كذلك حامد فقي خرّجه أيضًا قال: "أخرجه عن أنس ابنُ أبي شيبة والبزّار في مسندهما من طريق سلمة بن وردان عنه، وسلمة ضعيف.
[9] بفتح الباء الموحَّدة: بَرَّ يَبَرُّ، من باب فَتَحَ يَفْتَحُ.
[10] إنفاذ عهدهما: أي وصيتهما. فهذه أمور خمسة بقيت من بر الولد لوالده بعد موته: الصلاة عليهما: يعني الدعاء، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما، خمسة أشياء، وكذلك الصدقة عنهما، والحج والعمرة عنهما.
وفي الباب قصة عبد الله بن عمر لما لقي أعرابيًا وأعطاه حمارًا يركبه وعمامة كان يشد بها رأسه، وقال: إن أباه كان وِدًّا لعمر، لقي أعرابي فنزل عن الحمار وأعطاه إياه فقال: اركب هذا الحمار، وأعطاه عمامة و قال: شد بها رأسك، فقيل له: يرحمك الله هم الأعراب يكفيهم الشيء اليسير ، فقال: إن أبا هذا كان وِدًّا لعمر.
[11] السلطنة يعني الترفُّع عليهما، بل يخضع ويتواضع لهما.
[12] المعنى أنه ختم الآيات الثلاث: تعقلون، ثم تذكرون، ثم تتقون؛ لأنهم إذا تعقَّلوا تذكروا ثم عملوا فصاروا متقين.
[13] نعم. الصراط المستقيم هو دين الإسلام.
[14] طرّقه يعني شرعه.
[15] ما هما الأصلان؟ الأول هو شهادة أن لا إله إلا الله ، والثاني شهادة أن محمدًا رسول الله، الأول يحصل بتحقيق الشهادة يعني تجريد التوحيد، والثاني تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم تجريد متابعة الرسول يحصل بتحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله وهذا هو الهدى ودين الحق.
[16] الآخية فسَّرها عندك؟
نعم أحسن الله إليك، قال في الحاشية: "الآخية بالمد والتشديد واحدة الأواخي، وهي الوتد الذي تُشَدُّ إليه الدابة. (الصحاح)".
هنا ذكر:"الآخيّة بالمدّ و التشديد : حُبيلٌ أو عُويدٌ يعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه، ويصير طرفه كالعروة تُشد فيها الدابة، وجمعها الأواخي". هذا أوسع.
.نعم هذا هو ما عليه الآن بعض المنحرفين وبعض الملاحدة وبعض الصحفيين، إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ذموه ونفروا منه و تبرّؤوا منه، هذا موجود.
[17] برمية السهم أو بميل أو بمدّ البصر.
[18] لأنهم يزعمون أن العباد خالقون لأفعالهم.
[19] وهذا يقال في حياته – صلى الله عليه وسلم – يقال الله ورسوله أعلم، أما بعد وفاته فإنه يقال: الله أعلم فقط؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لا يعلم الغيب.
عرّف شيخ الإسلام، قوله: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، الشيخ حامد نقل من قُرّة العيون كمّل الأبيات، قال بعد
ومداره بالأمر أمر رسـولـه لا بالهوى والنفس والشيطان
قال في قرة العيون:
حقُّ الإلـه عـبـادةٌ بـالأمر لا بهوى النفس فذاك للشيطان
من غير إشراكٍ به شيئًا هـما سبب النجاة فـحـبّذا السببان
لم ينجُ من غضب الإله وناره إلا الذي قامت بـه الأصـلان
والناس بعد فـمشرك بـإلهـه أو ذو ابتداع أو له الوصـفان
قوله: "ولا يشركوا به شيئًا" أي: يوحدوه بالعبادة، فلابد من التجرُّد من الشرك في العبادة، ومن لم يتجرد من الشرك لم يكن آتيًا بعبادة الله وحده بل هو
[20] هذا الأثر إسرائيلي، لكن معناه صحيح.
قال في الحاشية: أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، والحاكم في التاريخ، والبيهقي في شعب الإيمان، والديلمي في مسند الفردوس، كما في الدر المنثور، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، كما في الكنز مرفوعًا من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
الشيخ: أو ولاّ وهو مثله؟
طالب: قال في الحاشية: جميع النُسخ واو، والمثبت من الفتح.
يقول القائل: من توضأ صحت صلاته، أي: مع سائر الشروط، وكذلك من كل فعل ناقضًا من نواقض الإسلام، من سبّ الله أو سبّ الدين فإنه يكون مشركًا؛
[21] لأنه لم يأت بمقتضى التوحيد، أو مثل قول القائل: من توضأ صحت صلاته، أي: مع سائر الشروط، وكذلك كل من فعل ناقضًا من نواقض الإسلام، من سبّ الله أو سبّ الدين فإنه يكون مشركًا؛ لأنه لم يأت بمقتضى التوحيد.
[22] الأكياس جمع كيِّس وهو العاقل اللبيب، الحديث فيه أن النبي نهاه قال: "لا تبشرهم فيتكلوا" ظاهره أن هذا النهي فهم منه معاذ – رضي الله عنه – أنه ليس للتحريم إنما هو نهي مؤقت؛ ولهذا أخبر بها معاذ عند موته تأثُّمًا، أي: تحرُّجًا من الوقوع في الإثم، فكأنه فهم منه أنه أراد منه ألا يبشرهم في وقت دون وقت، أو كما فهمها الوزير أبو المظفَّر أنه يكتمها عن بعض الناس دون بعض، يكتمها عن الجاهل الذي يحمله سوء الأدب على ترك الخدمة والطاعة، فأما الأكياس العُقلاء فإنه لا يكتم عنهم ذلك، فهذا من العلم الذي لا يُكتم، يعني كتمانًا عن جميع الناس، أو كتمانًا مستمرًا، ولهذا أخبر بها عند موته تأثمًا خشية الوقوع في الإثم؛ لأن هذا من الدين، ولابد من تبليغ الدين.
[23] جواز كتمان العلم للمصلحة يعني إذا كان المصلحة في كتمانه يكتم عن بعض الناس، بعض الجُهَّال الذين يحملهم مثل هذا على ترك العمل، يكتم عنهم، ولا يكتم عن الأكياس.
[24] وهو عربي؛ لأنه مولى للعرب، ومولى القوم منهم، يقال: مولاهم فهو مولى للعرب و مولى القوم منهم كما قال – صلى الله عليه وسلم –.
النسائي روى عن البخاري وعن شيخه الآخر وهو ابن عُليَّة، وهو يتفق مع البخاري في اسمه واسم أبيه واسم جدِّه، كل منهما محمد بن إسماعيل بن إبراهيم؛ فلذلك لابد من التمييز بينهما، عن طريق شيوخهما وتلاميذهما.
الفِرَبْري هذا بخلاف الفريابي، الفريابي من شيوخهم، والفربري من تلاميذه، الفربري راوي الصحيح.
أحسن الله إليك قال في الحاشية: أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح، منسوب إلى فربر، وهي بلدة على طرف جيحون مما يلي بخارى.
.
فعمره اثنتان وستون سنة رحمه الله.
فهو عربي النيسابوري.